المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سؤال عن عدالة جميع الصحابة هل هي مسلمة أم لا - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٤

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في قول أهل الحديث " رجال إسناده ثقات

- ‌القول المقبول في رد خبر المجهول من غير صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌بحث في الجواب على من قال أنه لم يقع التعرض لمن في حفظه ضعف من الصحابة

- ‌سؤال عن عدالة جميع الصحابة هل هي مسلمة أم لا

- ‌رفع البأس عن حديث النفس والهم والوسواس

- ‌الأبحاث الوضية في الكلام على حديث (حب الدنيا رأس كل خطية)

- ‌سؤال عن معنى بني الإسلام على خمسة أركان وما يترتب عليه

- ‌الأذكار (جواب على بعض الأحاديث المتعارضة فيها)

- ‌بحث في الكلام على حديث " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد

- ‌جواب عن سؤال خاص بالحديث " لا عهد لظالم " وهل هو موجود فعلا من عدمه

- ‌فوائد في أحاديث فضائل القرآن

- ‌بحث في حديث "لعن الله اليهود لاتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد

- ‌إتحاف المهرة بالكلام على حديث: "لا عدوى ولا طيرة

- ‌بحث في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما الأعمال بالنيات

- ‌بحث في حديث: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم .. إلخ

- ‌بحث في بيان العبدين الصالحين المذكورين في حديث الغدير

- ‌بحث في حديث (أجعل لك صلاتي كلها) وفي تحقيق الصلاة على الآل ومن خصهم

- ‌تنبيه الأعلام على تفسير المشتبهات بين الحلال والحرام

الفصل: ‌سؤال عن عدالة جميع الصحابة هل هي مسلمة أم لا

‌سؤال عن عدالة جميع الصحابة هل هي مسلمة أم لا

؟!

تأليف: محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه محمد صبحي بن حسن حلاق أبو مصعب

ص: 1721

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة: (سؤال عن عدالة جميع الصحابة، هل هي مسلمة أم لا؟!).

2 -

موضوع الرسالة: في مصطلح الحديث.

3 -

أول الرسالة: قال رضي الله عنه: الجواب: أن لأهل العلم في هذه المسألة أقوالًا:

(الأول): ذهب إليه الجمهور أنهم كلهم عدول- رضي الله عنهم وأرضاهم -

4 -

آخر الرسالة: سميته أدب الطلب ومنتهى الأرب بحسب ما ظهر لي وقوي لدي والله سبحانه أعلم. والصلاة والسلام على خير الأنام وآله وصحبه الأعلام آمين آمين

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

المسطرة: الأولى: (5) سطرًا.

الثانية: (19) سطرًا.

الثالثة: (19) سطرًا.

الرابعة: (20) سطرًا.

الخامسة: (18) سطرًا.

7 -

عدد الكلمات في السطر: (8 - 10) كلمة.

8 -

الرسالة ضمن المجلد الأول من "الفتح الرباني في فتاوى الشوكاني".

ص: 1723

[بسم الله الرحمن الرحيم]

سؤال عن عدالة (1) جميع الصحابة هل هي مسلمة أم لا؟

قال (2) رضي الله عنه: الجواب: إن لأهل العلم في هذه المسألة أقوالًا.

الأول: ذهب إليه الجمهور (3) أنهم كلهم عدول رضي الله عنهم وأرضاهم.

الثاني: أنهم كغيرهم وبه قال الباقلاني (4).

الثالث: أنهم عدول [1أ] إلى حين ظهور الفتن بينهم وهو قول عمرو بن عبيد (5).

الرابع: أنهم عدول إلا من ظهر فسقه (6)، وهو قول المعتزلة وجماعة من الزيدية، والحق ما ذهب إليه الأولون لمخصصات يتعسر حصرها، منها: أن الله سبحانه قد تولى تعديلهم بقوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} (7) وبقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} (8) أي عدولًا. وبقوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين} (9)

(1) انظر الرسالة رقم (42).

(2)

أي الإمام محمد بن علي الشوكاني.

(3)

انظر: "مقدمة ابن الصلاح"(ص142) و"التنقيح"(ص 197).

(4)

أي حكمهم في العدالة حكم غيرهم فيبحث عنها، وهو قول باطل كما تقدم.

انظر: "اللمع"(ص 42)، "المستصفى"(2/ 259).

وقد نسبه الشوكاني في "الإرشاد"(ص 261 بتحقيقنا" إلى الحسين بن القطان. وانظر: "البحر المحيط" (4/ 299).

(5)

تقدمت ترجمته.

(6)

وقد نسب هذا القول إلى واصل بن عطاء وأصحابه الواصلية، وكذلك نسب إلى ضرار وأبو الهذيل ومعمر والنظام وأكثر القدرية.

انظر "الإحكام" للآمدي (2/ 90)"تيسير التحرير"(3/ 64)، "أصول الدين" للبغدادي (ص 290)"مقالات الإسلاميين"(2/ 145).

(7)

[آل عمران: 110].

(8)

[البقرة: 143].

(9)

[الفتح: 18].

ص: 1727

ونحو ذلك.

وكذلك تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعديلهم بقوله: «خير القرون قرني» الحديث وهو في الصحيح (1) ومثل حديث: «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» وهو في الصحيح (2) أيضًا. وقوله: «أصحابي كالنجوم» (3) وقوله: «لا تمس النار رجلًا رآني» (4) على ما فيهما من المقال.

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وورد في البعض منهم خصائص تخصه كما ورد في أهل بدر: «إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» (5).

على أن المطلوب من الحكم بعدالة الجميع هنا ليس هو إلا قبول الرواية من غير بحث عن حال الصحابي، ومرجع القبول على ما هو الحق عندي هو صدق اللهجة والتحرز عن الكذب، ولم يفش في خير القرون الكذب، بل ولا في القرن الذي يليهم ولا في الذي يليه كما ثبت في حديث:«خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب» (6).

وبالجملة فالقول بعدالة الجميع [1ب] أقل ما يستحقون من المزايا التي وردت بها الأدلة الصحيحة، ويقال في جواب القوال الثاني، بأن جعلهم كغيرهم إهمال لمزاياهم وإهدار لخصائصهم (7) وطرح لكثير من الآيات والأحاديث الصحيحة، ويقال في جواب القول

(1) أخرجه البخاري رقم (2652) ومسلم رقم (2533) من حديث عبد الله بن مسعود وقد تقدم.

(2)

أخرجه البخاري رقم (3673) ومسلم رقم (221/ 2540) من حديث أبي سعيد الخدري.

(3)

تقدم وهو حديث موضوع.

(4)

أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3858) من حديث جابر بن عبد الله وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم الأنصاري. وهو حديث ضعيف.

(5)

أخرجه البخاري رقم (3007) ومسلم رقم (161/ 2494) من حديث علي رضي الله عنه.

(6)

أخرجه البخاري رقم (2652) ومسلم رقم (2533) من حديث عبد الله بن مسعود وقد تقدم.

(7)

قال ابن الصلاح في مقدمته (ص 301): للصحابة بأسرهم خصيصة وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك مفروغ منه لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة.

وقال ابن كثير في "اختصار علوم الحديث" ص154: "والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة، لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوا من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل.

وأما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام، فمنه ما وقع عن غير قصد، كيوم الجمل، ومنه ما كان عن اجتهاد، كيوم صفين. والمجتهد يخطئ ويصيب، ولكن صاحبه معذور وإن أخطأ، ومأجور أيضًا، وأما المصيب فله أجران اثنان، وكان علي وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.

وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلا من قاتل عليًا - قول باطل مرذول ومردود ا هـ.

وانظر: "البرهان"(1/ 407)"فتح المغيث" للعراقي (ص350).

ص: 1728

الثالث بأن تقييد ثبوت العدالة إلى وقت ظهور الفتن لا يتم بعد تسليم أنهم دخلوا فيها صانهم الله جراءة لا على بصيرة ولا تأويل. وذلك مما لا ينبغي إطلاقه على آحاد الناس مع الاحتمال. فكيف بالواحد من الصحابة؟ فكيف بجميعهم؟ ثم ليت شعري ما يقول صاحب هذا القول أعني عمرو بن عبيد (1) في البدريين الداخلين في تلك الحروب، فإن الله قد غفر لهم ما قارفوه من الذنوب، ولعله لا يجد عن هذا جوابًا، وهو مع هذه من رءوس أهل البدع ومن المتهمين في الدين، ومما يحقق تصميمه على هذه المقالة في الصحابة أنه كان يقول لو شهد عندي علي وطلحة والزبير على تافه ثفلٍ ما قبلت شهادتهم (2).

فانظر هذه الجرأة العظيمة من هذا المبتدع الجاهل للشرع وأهله، ويقال لأهل القول الرابع أن ما ذكرتم من ظهور الفسق لا نسلم وجوده على الحقيقة، وإنما هو بحسب الأهواء

(1) انظر الرسالة رقم (42).

(2)

ذكره صاحب الفرق بين الفرق (ص 101).

وكذلك ذكره الغزالي في " المستصفى "(2/ 259).

ص: 1729

والدعاوي الفارغة والقيام في مراكز المذاهب، فذلك لا يضرنا ولا ينفعكم، وأيضًا أن ذلك الموجب للفسق إن كان لا يعود إلى ما يتعلق بالرواية والحفظ فلا اعتداد به [2 أ] لما قدمنا لك من الاعتبار بصدق اللهجة وحفظ المروي وعدم الدخول في بدعة من البدع توجب التهمة لذلك الراوي بالدعاء إلى مذهبه. وجميع الصحابة رضي الله عنهم منزهون عن جميع ذلك لا يخالف إلا من قد غلت في صدره مراجل الرفض.

قال السائل: كذلك إذا أخرج أصحاب السنن عن شخص ورووا عنه كفعل البخاري (1) عن ..........................

(1) أخرج له البخاري في صحيحه - مقرونًا مع المسور بن مخرمة.

انظر الحديث رقم (2307 - 2308) من حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال. . . ".

وانظر الأحاديث رقم (1711، 2712، 2731، 2732).

روى البخاري في صحيحه عن مروان غير مقرون بغيره، وذلك كما في حديث رقم (4592) عن ابن شهاب قال: حدثني سهل بن سعد الساعدي أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد، فأقبلت حتى جلست على جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه:(لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) ابن أم مكتوم وهو يملها علي فقال: يا رسول الله والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت - وكان أعمى- فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله:(غير أولي الضرر).

قال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" ص 384: "

ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتضٍ لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما، هذا إذا خرج له في الأصول، فأما إذا خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم. وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعنًا فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام، فلا يقبل إلا مبين السبب مفسرًا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه مطلقًا أو في ضبطه لخبر بعينه؛ لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح، ومنها ما لا يقدح، وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح: هذا هو جاز القنطرة، يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه.

ص: 1730

مروان (1) هل هو تعديل أم لا (2)؟.

(1) مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي. أبو عبد الملك. ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع مات سنة 65 هـ وكانت ولايته على دمشق تسعة أشهر.

قال البخاري: لم ير النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 444 رقم 2399): ولد يوم الخندق، وعن مالك أنه ولد يوم أحد. وانظر:"تهذيب التهذيب"(4/ 50).

قال الحافظ ابن حجر: "وعاب الإسماعيلي على البخاري تخريج حديثه، وعد من موبقاته أنه رمى طلحة أحد العشرة يوم الجمل وهما جميعًا مع عائشة فقتل، ثم وثب على الخلافة بالسيف، واعتذرت عنه في مقدمة "شرح البخاري" هدي الساري (ص443) فقلت:

"وهو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ابن عم عثمان بن عفان، يقال له رؤية، فإن ثبتت فلا يعرج على من تكلم فيه، وقال عروة بن الزبير: كان مروان لا يتهم في الحديث، وقد روى عنه سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتمادًا على صدقه، وإنما نقموا عليه أنه رمى طلحة يوم الجمل بسهم فقتله ثم شهر السيف في طلب الخلافة حتى جرى ما جرى، فأما قتل طلحة فكان متأولًا فيه كما قرره الإسماعيلي وغيره، وأما ما بعد ذلك فإنما حمل عنه سهل بن سعد وعروة وعلي بن الحسين وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وهؤلاء أخرج البخاري أحاديثهم عنه في صحيحه لما كان أميرًا عندهم بالمدينة قبل أن يبدو منه في الخلاف على ابن الزبير ما بدا، والله أعلم."

(2)

إن رواية الثقة عن شخص لا تكون تعديلًا له مطلقًا، وهو قول أكثر الشافعية وابن حزم الظاهري والخطيب، وقال ابن الصلاح عند أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم

وهو الصحيح.

انظر: "مقدمة ابن الصلاح"(ص53)"تدريب الراوي"(1/ 314)"الكفاية"(ص89)، "تيسير التحرير"(3/ 50 - 55)"اللمع" ص44.

وقيل: إنها تعديل له مطلقًا، اختاره القاضي وأبو الخطاب والحنفية وبعض الشافعية، عملًا بظاهر الحال. "المسودة"(ص 253، 271)، "تيسير التحرير"(3/ 50 - 55).

وقال أبو بكر القفال الشاشي والخطيب البغدادي والصيرفي: ولا يقبل تعديل مبهم، كحدثني ثقة، أو عدل، أو من لا أتهمه لاحتمال كونه مجروحًا عند غيره.

"المسودة"(ص 256)، "كشف الأسرار"(3/ 71).

وقبله المجد من أصحابنا، وإن لم يقبل المرسل والمجهول، فقال: إذا قال العدل: حدثني الثقة، أو من لا أتهمه، أو رجل عدل ونحو ذلك فإنه يقبل، وإن رددنا المرسل والمجهول؛ لأن ذلك تعديل صريح عندنا"

ص: 1731

والجواب أنه إذا كان لذلك الراوي شرط معروف فيمن يروي عنه، وكان من أهل التحري والإتقان والخبرة الكاملة في الفن، وصرح بأنه لا يروي إلا عمن حصل فيه ذلك الشرط كان الظاهر وجود الشرط المذكور في جميع رواته، فإن كان المجتهد يرى أن ما جعله ذلك الراوي شرطًا تحصل به مفهوم العدالة عنده وفي اجتهاده فلا بأس، فذلك وإن لم يكن للراوي شرط معروف، أو كان ولكن لا يراه المجتهد المطلع على ذلك محصلًا لمفهوم العدالة فلا يكون ذلك تعديلًا، فلا بد من هذا التفصيل وتقييد أحوال المختلفين في هذه المسألة به فاعرفه، قال السائل: وهل مسألة الجرح والتعديل يجوز فيها التقليد أم لا (1)؟

أقول: ينبغي أن يعلم السائل أن التقليد هو قبول رأي الغير دون روايته من دون مطالبة بالحجة، وتعديل المعدل للراوي ليس من الرأي في ورد ولا صدر، بل هو من الرواية [2ب] بحال من يعدله أو يجرحه؛ لأنه ينقل إلينا ما كان معلومًا لديه من حال الراوي، وهذا بلا شك من الرواية لا من الرأي، فلا مدخل لهذه المسألة في التقليد، وقد أوردها بعض المتأخرين لقصد التشكيك على المدعين للاجتهاد زاعمًا أنهم لم يخرجوا عن التقليد من هذه الحيثية، وأنت خبير بأن هذا التشكيك باطل نشأ من عدم الفرق بين الرواية والرأي، ومن هاهنا يعرف السائل بأن الاجتهاد متيسر لا متعذر ولا متعسر، والهداية بيد الله عز وجل، وقد أوضحت هذه المسألة في مؤلفاتي بمباحث مطولة (2) لا يتسع المقام لبسطها، وأطال وأطاب الكلام في شأنها الإمام محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله تعالى

(1) انظر: الرسالة رقم (1).

(2)

منها "القول المفيد في حكم التقليد" بتحقيقنا.

ص: 1732

في كتابه العواصم والقواصم (1) في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، فليرجع إليه فإنه كتاب يكتب بماء الأحداق في صفحات الخدود الرقاق، وقد أوضحت ما يحتاج إليه المجتهد من العلوم في الكتاب الذي سميته "أدب الطلب ومنتقى الأرب"(2) بحسب ما ظهر لي وقوي لدي، والله سبحانه أعلم، والصلاة والسلام على خير الأنام وآله وصحبه الأعلام آمين آمين آمين آمين.

(1)(2/ 8 - 20).

(2)

(28 - 40) بتحقيقنا.

ص: 1733