الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العصمة:
الجديد في هذه المسألة عند المعاصرين هو أخذهم برأي المتأخرين من الشيعة في دعوى العصمة المطلقة للأئمة، والذي يمثل نهاية الغلو والشطط حيث إن هؤلاء يزعمون أن الأئمة لا يسهون ولا ينسون.
وهذا المذهب كان في نظر الشيعة في القرن الرابع بمثل الاتجاه الغالي المتطرف حتى اعتبر شيخهم ابن بابويه القمي - صاحب من لا يحضره الفقيه أحد أصولهم الأربعة المعتمدة - اعتبر علامة الغلو في التشيع هو نفي السهو عن الأئمة. وقال: "إن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وسلم.."(1) .
ومن ينكر سهو الأئمة أغرق في الغلو والتطرف.
وأقر شيخهم المجلسي "بدلالة كثير من الأخبار والآيات على صدور السهو منهم"(2) . ولكن متأخريهم لم يبالوا بذلك وأطبقوا على مخالفته باعتقاد أن الأئمة لا يسهون، ولهذا رأى المجلسي أن هذه "المسألة في غاية الإشكال"(3) ، لأن أصحابه أطبقوا على مخالفة أخبارهم الكثيرة (4) .
وقد سار المعاصرون على خطى المتأخرين مخالفين لأخبار الشيعة نفسها، وما قاله كبار شيوخهم، فهذا شيخ الشيعة المعاصر ومن يلقب عندهم بـ"الآية العظمى"(عبد الله الممقاني) يؤكد أن نفي السهو عن الأئمة أصبح من ضرورات المذهب الشيعي" (5) . وهو لا ينكر أن من شيوخهم السابقين من يعتبر ذلك غلواً،
(1) ابن بابويه/ من لا يحضره الفقيه: 1/234
(2)
بحار الأنوار: 25/351
(3)
بحار الأنوار: 25/351
(4)
بحار الأنوار: 25/351
(5)
الممقاني/ تنقيح المقال: 3/240
لكنه يقول: "إن ما يعتبر غلواً في الماضي أصبح اليوم من ضرورات المذهب"(1) .
وهذه المقالة: أن الأئمة لا يسهون - يتكرر التأكيد عليها في أقوال شيوخهم المعاصرين؛ فالمظفر يعتبرها من عقائد الإمامية الثابتة، ولا يذكر أدنى خلاف بينهم في ذلك (2) ، والخنيزي وهو يكتب كتابه في "الدعوة الإسلامية إلى وحدة أهل السنة والإمامية" يؤكد على هذه المقالة ولا يتقي في ذلك (3) ، والخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية" ينفي مجرد تصور السهو في أئمته (4) .
وإذا كانت دعوى عصمة الأئمة تعني الارتفاع بالأئمة إلى مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في القول والفعل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} (5) . فإن دعوى أن الأئمة لا يسهون أولا يتصور فيهم السهو هو تأليه لهم.
ولهذا قال شيخهم ابن بابويه: إن الله سبحانه أسهى نبيه "ليعلم أنه بشر مخلوق فلا يتخذ رباً معبوداً دونه"(6) .
وكان ابن بابويه وغيره من شيعة القرن الرابع يعتبرون الرد لهذه الروايات (روايات سهو النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته) يفضي إلى إبطال الدين والشريعة. يقول ابن بوبايه: "ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن ترد جميع الأخبار، وفي ردها إبطال الدين والشريعة، وأنا احتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي صلى الله عليه وآله والرد على منكريه إن شاء الله تعالى"(7) .
(1) الممقاني/ تنقيح المقال: 3/240
(2)
عقائد الإمامية: ص95
(3)
الخنيزي/ الدعوة الإسلامية: 1/92
(4)
الحكومة الإسلامية: ص91
(5)
النجم 3-4
(6)
من لا يحضره الفقيه: 1/234
(7)
بحار الأنوار: 17/111
ولكن الزمرة المتأخرة والمعاصرة لم تبال بما قاله ابن بابويه، كما لم تبال في قوله برد أسطورتهم في التحريف، ولم تراع أي قول يخالف ما تواضع عليه شيوخ الدولة الصفوية.
لقد عد الشيعة المعاصرون على لسان شيخهم "الممقاني" نفس السهو عن الأئمة من ضرورات المذهب الشيعي - كما مر -.
وقد قرر شيخهم محسن الأمين أن منكر ما هو ضروري في التشيع كافر عندهم (1) .
ومعنى هذا أن متأخريهم يكفرون متقدميهم لإنكارهم ما هو من ضروريات مذهب التشيع، ومتقدموهم يلعنون متأخريهم لأخذهم بمذهب الغلاة المفوضة الملعونين على لسان الأئمة.
وليس ذلك فحسب؛ بل إننا نجد في الكتابات الموجهة لديار السنة (2) . القول بأن الاعتقاد بأن الأئمة يسهون هو مذهب جميع الشيعة (3) ، ونرى في كتابات شيعية معاصرة أخرى نقل إجماع الشيعة على نفي السهو عنهم (4) . وأن ذلك من ضرورات مذهب التشيع (5) .
فمن نصدق، ومن هو الذي يعبر عن مذهب الشيعة؟
وهكذا يكفر بعضهم بعضاً وينقض بعضهم بعضاً، وكل يزعم أن ما يقوله هو مذهب الطائفة.
(1) محسن الأمين/ كشف الارتياب، المقدمة الثانية، وهو أيضاً مقرر عندهم في: مهذب الأحكام: 1/388-393
(2)
وهي كتابات محمد جواد مغنية التي نرى فيها التحرر من بعض غلو الشيعة وتعصباتهم.. وهي تنشر في ديار السنة فاحتمال التقية فيها وارد
(3)
محمد جواد مغنية/ الشيعة في الميزان: ص272-273
(4)
محمد آصف المحسني/ صراط الحق: 3/121
(5)
كما سبق نقله عن الممقاني في تنقيح المقال