الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معارضة بعض شيوخ الشيعة لمذهب الخميني في ولاية الفقيه:
أثار مذهب الخميني - في نقله لوظائف مهديهم بالكامل للفقيه، وحصر الولاية به - ثائرة جملة من شيوخ الشيعة، ونشب صراع حاد بين الخميني وأحد مراجعهم الكبار عندهم وهو "شريعتمداري"(1) . كما أعلن طائفة من شيوخهم معارضتهم لهذا المذهب (2) .
وقد تعجب شيخهم محمد جواد مغنية أن يذهب الخميني هذا المذهب، ويساوي في الصلاحيات بين المعصوم والفقهاء فقال:
"قول المعصوم (3) . وأمره تماماً كالتنزيل من الله العزيز العليم {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} (4) . ومعنى هذا أن للمعصوم حق الطاعة والولاية على الراشد والقاصر والعالم والجاهل، وأن السلطة الروحية والزمنية - مع وجوده - تنحصر به وحده لا شريك له، وإلا كانت الولاية عليه وليست له، علماً بأنه لا أحد فوق المعصوم عن الخطأ والخطيئة إلا من له الخلق والأمر جل وعز..
أبعد هذا يقال: إذا غاب المعصوم انتقلت ولايته بالكامل إلى الفقيه؟ " (5) .
فهذا في نظره غاية الغلو، إذ كيف يجعل حكم الفقيه كحكم المعصوم؟ ثم يوضح ذلك بقوله: "حكم المعصوم منزه عن الشك والشهبات؛ لأنه دليل لا مدلول، وواقعي لا ظاهري.. أما الفقيه فحكمه مدلول يعتمد على الظاهر، وليس
(1) انظر: عبد الجبار العمر/ الخميني بين الدين والدولة، مبحث الخميني وشريعتمداري ص144 وما بعدها
(2)
انظر: الخميني بين الدين والدولة ص153-154
(3)
الأئمة عندهم معصومون كرسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
النجم 3
(5)
الخميني والدولة الإسلامية: ص59
هذا فقط، بل هو عرضة للنسيان وغلبة الزهو والغرور، والعواطف الشخصية، والتأثير المحيط والبيئة، وتعيير الظروف الاقتصادية والمكانة الاجتماعية، وقد عاينت وعانيت الكثير من الأحكام الجائرة، ولا يتسع المجال للشواهد والأمثال سوى أني عرفت فقيهاً بالزهد والتقوى قبل الرياسة، وبعدها تحدث الناس عن ميله مع الأولاد والأصهار" (1) .
وهذه شهادة منه على قومه من فئة الشيوخ، وأنه ما إن تتاح لهم فرصة رئاسة حتى تزول الصورة التي يتظاهرن بها من الزهد والتعبد، وهؤلاء الشيوخ الذين هذا وصفهم، يرى الخميني أنهم هم الولاة على الأمة.
وأصحاب هذا الاتجاه المعارض لخط الخميني يرون: "أن ولاية الفقيه أضعف وأضيق من ولاية المعصوم"(2) ، فهي لا تتعدى ما ثبت في أخبارهم - كما يقولون - من "ولاية الفتوى والقضاء وعلى الأوقاف العامة، وأموال الغائب وإرث من لا وراث له"(3) .
وقد استدل مغنية على هذا المذهب بجملة من أقوال شيوخهم الكبار عندهم، ونقض ما ساقه الخميني من أدلة لإثبات مذهبه، وبين أنها لا تدل على ما يريد من القول بعموم الولاية. ولا مجال لاستعراض ذلك، ولا فائدة منه، لكن الفائدة هنا أن الخميني يحكم على مذهب طائفته بمقتضى قولهم بقصور ولاية الفقيه عن الحكم والولاية، بأن هذا يعطل أحكام الإسلام، وأنه بمثابة القول بنسخ الدين، لكن الخميني لا ترتقي أدلته في تأييد مذهبه إلى ما يريد فتبقى أحكامه على مذهب طائفته صادقة، وأنه مبني على ما يخالف أصول الشرع، ومنطق العقل وطبيعة الأشياء.
والاتجاه المخالف للخميني يرجع أمر الولاية إلى عموم الناس، ولا يخصها بشيوخ الشيعة، بل يبقى هؤلاء الشيوخ في وضعهم الذي وضعوا فيه وولايتهم
(1) الخميني والدولة الإسلامية: ص59-60
(2)
الخميني والدولة الإسلامية: ص61
(3)
الخميني والدولة الإسلامية: ص60
الخاصة حتى يخرج الغائب فيتولى أمور الدين والدينا. وهذه بلغة هذا العصر فصل الدين عن الدولة، فصار المذهب دائراً بين غلو في الفقيه، أو دعوة إلى فصل الدين عن الدولة، وهكذا كل مذهب باطل لابد أن يخرج أمثال هذه التناقضات.
وكلا الرأيين استقرا على بطلان المذهب في دعوى النص والتعيين؛ لأن كليهما لم يحدد الرئيس بشخص معين، إلا التعيين الشكلي للغائب المفقود والذي لن يعود؛ لأنه لا حقيقة له في الوجود.