المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوجه الثالث: المجاهرة بهذا الكفر والاستدلال به - أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية - عرض ونقد - - جـ ٣

[ناصر القفاري]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابع: الشيعة المعاصرون وصلتهم بأسلافهم

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: الصلة في مصادر التلقي

- ‌الفصل الثاني: صلتهم بالفرق القديمة

- ‌الفصل الثالث: الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين

- ‌المبحث الأول: عقيدة المعاصرين في كتاب الله

- ‌الوجه الأول: إنكار وجودها في كتبهم أصلاً

- ‌الوجه الثاني: الاعتراف بوجودها ومحاولة تبريره

- ‌الوجه الثالث: المجاهرة بهذا الكفر والاستدلال به

- ‌الوجه الرابع: التظاهر بإنكار هذه الفرية مع محاولة إثباتها بطرق ماكرة خفية

- ‌(اتجاه المعاصرين في تأويل كتاب الله) :

- ‌السنة عند المعاصرين:

- ‌الإجماع عند المعاصرين:

- ‌اعتقادهم في أصول الدين:

- ‌الإمامة:

- ‌المسألة الأولى: موقف المعاصرين من تكفير أصولهم للمسلمين:

- ‌المسألة الثانية: موقفهم من الحكومات الإسلامية

- ‌المسألة الثالثة: موقف المعاصرين من الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌العصمة:

- ‌الرجعة:

- ‌التقية:

- ‌الفصل الرابع: دولة الآيات

- ‌فكر مؤسسها

- ‌أولاً: الاتجاه الوثني

- ‌ثانياً: الغلو في التصوف

- ‌ثالثاً: دعوى النبوة

- ‌رابعاً: الغلو في الرفض

- ‌خامساً: قوله بعموم ولاية الفقيه

- ‌معارضة بعض شيوخ الشيعة لمذهب الخميني في ولاية الفقيه:

- ‌دستور دولة الآيات:

- ‌الباب الخامس: أثرهم في العالم الإسلامي والحكم عليهم

- ‌الفصل الأول: أثرهم في العام الإسلامي

- ‌المجال العقدي والفكري

- ‌إحداث الشرك في أمة محمد صلى الله عليه وسلم:

- ‌الصد عن دين الله:

- ‌ظهور فرق الزندقة والإلحاد:

- ‌محاولة إضلال المسلمين في سنة نبيهم:

- ‌دخولهم في مذهب أهل السنة - في الظاهر - للإضلال:

- ‌نشر الرفض في العالم الإسلامي:

- ‌ظهور اتجاه رافضي عند بعض الكتاب المنتسبين للسنة:

- ‌تشويه تاريخ المسلمين:

- ‌أثرهم في الأدب العربي:

- ‌المجال السياسي

- ‌مؤامرة ابن العلقمي الرافضي:

- ‌الدولة الصفوية

- ‌المجال الاجتماعي

- ‌أولاً: علاقتهم مع المسلمين:

- ‌ثانياً: الفتن الداخلية:

- ‌ثالثاً: الإباحية:

- ‌المجال الاقتصادي

- ‌الفصل الثاني: الحكم عليهم

- ‌المبحث الأول: الحكم عليهم بأنهم مبتدعة وليسوا بكفرة

- ‌المبحث الثاني: القول بكفرهم

- ‌فتوى شيخ الإسلام في الرافضة بعد الاستيلاء عليهم:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌الوجه الثالث: المجاهرة بهذا الكفر والاستدلال به

‌الوجه الثالث: المجاهرة بهذا الكفر والاستدلال به

والذي تولى كبر هذا البلاء المدعو حسين النوري الطبرسي المتوفى سنة (1320هـ) ، الذي ألف كتابه "فصل الخطاب" لإثبات هذه الأسطورة.

ولربما الأول مرة في التاريخ يحدث هذا الجمع "لأساطير" الشيعة المتفرقة وأقوال شيوخها، والآيات المفتراة التي يزعمونها في كتاب واحد يطبع وينشر.. ليصبح فضيحة لهم أبد الدهر.. ولو كان للمسلمين قوة وسلطان لعقدت المحاكم لهذا الكتاب وصاحبه وحكم في ضوئه على دخول الاثني عشرية في الإسلام أو خروجها منه، وارتاح المسلمين من شر أولئك المرتزقة الذين ينتشرون في العالم الإسلامي لنشر التشيع.. وأفاق من غرّر به شيوخ الشيعة من أولئك الأتباع الجهلة.. الذين لا يدركون من التشيع إلا أنه حب آل البيت الذي سيدخلهم الجنة بغير حساب!

ولقد قام الأستاذ إحسان إلهي ظهير بنشر قسم كبير من الكتاب في كتابه الشيعة والقرآن.. مع ذكر أدلة هذا المفتري وشبهه، ومع أن ذلك يعد كشافاً لحقيقة الاثني عشرية في هذا العصر، إلا أن الأستاذ إحسان قد اكتفى بنقل النصوص دون تعليق أو نقد.. وهذا من الخطورة بمكان، ولا سيما أن المؤلف قد ذكر اثنتي عشرة شبهة لإثبات فريته، وهي وإن كانت أشبه بخيوط العنكبوت إلا أن فيها ما قد يخفى على بعض من لا علاقة له بالعلم الشرعي، فكان من الواجب أن تكشف ترهاته وأن تدك شبهاته. ويؤتى عليها من القواعد. وفيما يلي عرض موجز لمحتويات هذا الكتاب باعتبار أن مؤلفه من المعاصرين (1) . مع نقده وكشف شبهاته وأغاليطه -

(1) وقد سبقت الإشارة إلى الكتاب في أثناء الحديث عن كتب الشيعة التي قالت بهذه الأسطورة: ص233، وفي هذا الموضع نناقش شبهات الكتاب ومحتوياته

ص: 1003

بحول الله -.

بناء على أن كتاب إحسان قد سار بها في كل مكان في العالم الإسلامي ولم تحظ منه بنقد ولا رد على أساس أن الأمر أوضح من أن يبين، ومجرد عرض هذه الفرية كاف في بيان بطلانها.. وأقول: إن هذا حق باعتبار أصل الفرية ومنطلقها، ولكن الشبه التي أثارها لابد من أبطالها وكشف ضلالها.

لقد قام المؤلف بكشف الغطاء عن عقيدة الشيعة الاثني عشرية في تحريف القرآن وجمع ما تفرق من أخبارهم فيها، ونقل تصريحات شيخهم بتواترها، وأنها تزيد على ألفي حديث، واتهم صحابة رسول الله بتحريفه والتواطؤ على ذلك ولم يستثن من ذلك سوى أمير المؤمنين علي، وهذا الاستثناء صوري، إذ إن لازم قوله تواطؤ الجميع، لأن القرآن الذي عند علي والسالم من التحريف بزعمهم لم يظهره علي ولا إبان خلافته..

ثم قدّم - من كتبهم - (1062) رواية معظمها تقول في آيات من كتاب الله أنها خطأ ويذكر تصويبها من كتبهم الأسطورية، فيرد ما أجمعت عليه الأمة ويرتضي ما قاله حثالة من الأفاكين.

كما لم يجبن عن ذكر بعض "سور" بكاملها تتناقلها الدوائر الشيعية وليس لها ذكر في المصحف، وعلامة الكذب والافتراء واضحة بيّنة في نصها ومعناها لا يخفى إلا على أعجمي جاهل ولا يروّجها إلا زنديق مغرّض.

كما رد على من أنكر التحريف من طائفته وبيّن أن إنكار القدامى كان تقية وأن من أنكر أخبار التحريف يلزمه رد أخبار الإمامة لما بينهما من تلازم.

وهذا الكتاب الذي حوى هذا الكفر قد طبع في إيران سنة (1298هـ) وما إن خرج حتى انزعج كثير من الشيعة لظهوره، وقد وصف أحد شيوخهم ذلك فقال: "فلا تدخل مجلساً في الحوزة العلمية إلا وتسمع الضجة والعجة ضد

ص: 1004

ذلك الكتاب ومؤلفه وناشره يسلقونه بألسنة حداد" (1) .

ويرى الأستاذ محب الدين الخطيب أن سبب الضجة أنهم يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصوراً بين خاصتهم ومتفرقاً في مئات الكتب المعتبرة عندهم، وأن لا يجمع ذلك كله في كتاب واحد تطبع منه ألوف من النسخ ويطلع عليه خصومهم فيكون حجة عليهم ماثلة أمام أنظار الجميع، ويقول: ولما أبدى عقلاؤهم هذه الملاحظات خالفهم فيها مؤلفه، وألّف كتاباً آخر سماه (رد بعض الشبهات عن فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب)(2) .

وإذا كان غلاة الشيعة يحاولون التستر علي هذه الفضيحة في معظم الأحيان بحكم عقيدة التقية التي أصبحت لهم حصناً وملاذاً، وأن تلك الضجة التي حدثت قد شارك فيها من يذهب إلى هذا الكفر ويرى وجوب التستر عليه صيانة لسمعة قومه، ووقاية لدينهم من فضيحة تزلزل كيانهم، وتمنع انتشار عقيدتهم، فإنني لا أجزم كالأستاذ محب الدين في تعميم هذا الحكم على كل الشيعة، بل إن هناك فئة من الشيعة لا تزال تنكر هذا الكفر وتتبرأ منه، وقد كتبوا ردوداً على كتاب فصل الخطاب من هذا المنطلق - فيما يظهر - مثل ما كتبه شيخهم وآيتهم محمد حسين المرعشي في كتابه الموسوم ب"رسالة حفظ الكتاب الشريف من شبهة القول بالتحريف" وهو رد على كتاب فصل الخطاب (3) .

كما أنني ألاحظ من خلال كتاب فصل الخطاب أنه يرد على المنكرين لهذا الفرية من قومه، ويجادلهم في هذا الأمر، ومن يقرأ الكتاب يرى أنه ألف لإقناع من خالف هذا الكفر من الشيعة (4) .

ثم أن ما كتبه صاحب فصل الخطاب بعنوان "رد بعض الشبهات عن فصل

(1) المرعشي/ المعارف الجلية: ص21

(2)

الخطوط العريضة: ص11

(3)

لا يزال هذا الكتاب مخطوطاً (انظر: المعارف الجلية: ص21)

(4)

انظر: فصل الخطاب: ص360 وما بعدها

ص: 1005

الخطاب.." كما يقول محب رحمه الله ليس - فيما يبدو - للرد على من قال: إن هذه القضية ينبغي أن تكون سرية بينهم؛ ذلك أن ما يشير إليه محب صورته الظاهرة كالآتي:

لما ظهر كتاب "فصل الخطاب" قام بالرد عليه شيخهم محمود بن أبي القاسم الشهير بالمعرب الطهراني بكتاب سماه "كشف الارتياب في عدم تحريف الكتاب" وقد نقل لنا صاحب الذريعة أول رد لصاحب كشف الارتياب، وهو يفيد إنكار التحريف لا الدعوة إلى التستر عليها. قال صاحب الذريعة:"وأول شبهات"(1) . "كشف الارتياب" هو أنه إذا ثبت تحريف القرآن فلليهود أن يقولوا: إذاً لا فرق بين كتابنا وكتابكم في عدم الاعتبار" (2) .

فكتب الطبرسي رداً عليه - وهو ما يشير إليه محب فيما يبدو - في كتاب سماه "الرد على كشف الارتياب"(3) . قال صاحب الذريعة: "وكان يوصي كل من عنده فصل الخطاب أن يضم إليه هذه الرسالة التي هي في دفع الشبهات التي أوردها الشيخ محمود عليه وهي فارسية لم تطبع بعد".

وكان جواب الطبرسي في رده على دليل صاحب كشف الارتياب محاولة منه للتراجع، وبرهاناً على التناقض، حيث قال: "هذه مغالطة لفظية حيث إن المراد بالتحريف

غير ما حملت عليه ظاهراً للفظ، أعني التغيير والتبديل والزيادة والتنقيص وغيرها المحقق والثابت جميعها في كتب اليهود وغيرهم، بل المراد من التحريف خصوص التنقيص فقط في غير آيات الأحكام جزماً، وأما الزيادة

(1) لا حظ أنه يسميها شبهات؛ لأن صاحب الذريعة على مذهب صاحب فصل الخطاب في هذا الكفر، فهو يسمي أدلة كشف الارتياب شبهات إمعانًا في الكفر، كيف وصاحب فصل الخطاب هو شيخ لصاحب الذريعة وقد أعظم الثناء عليه وغلا في مديحه في ترجمته التي كتبها عنه

(2)

انظر: أغا بزرك الطهراني/ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 18/9 حرف الكاف، 10/12 حرف الراء

(3)

انظر: المصدر السابق: 10/211

ص: 1006

فالإجماع المحقق الثابت من جميع فرق المسلمين والاتفاق العام من كل منتحل للإسلام على عدم زيادة كلام واحد في القرآن المجموع فيما بين هاتين الدفتين ولو بمقدار أقصر آية يصدق عليه كلام فصيح، بل الإجماع والاتفاق من جميع أهل القبلة على عدم زيادة كلمة واحدة في جميع القرآن، بحيث لا نعرف مكانها، فأين التنقيص الإجمالي المراد لنا عما حملت ظاهر اللفظ وهل هذا إلا مغالطة لفظية؟ " (1) .

هذا جزء مما دار في الرسالتين، نقله لنا صاحب الذريعة وهو يكشف أن الحوار كان في مسألة وقوع التحريف من عدمه، لا في وجوب التستر على هذه الفرية، وهو لا ينفي أن يوجد اتجاهٌ عند الشيعة يرى ضرورة التستر صيانة لحرمة المذهب..

ولكنه ينفي تعميم الحكم بهذا على الجميع.

هذا وفي كلام صاحب الذريعة الذي لخصه، من الرسالة الفارسية لصاحب فصل الخطاب ونقلناه مع صياغته التي يبدو علها أثر العجمة تخليط وتناقض وتقية وضح دليلها في أثناء كلامه كما هي عادة هؤلاء الروافض في الغالب (2) .

وهذا الكتاب رتبه مؤلفه - عليه من الله ما يستحق - على ثلاث مقدمات وبابين.

(1) الذريعة: 10/221

(2)

لاحظ مثلاً أنه نفى الزيادة مطلقاً ثم عاد بعد ذلك وقال: "بل الإجماع والاتفاق على عدم زيادة كلمة واحدة في جميع القرآن بحيث لا نعرف مكانها" انظر إلى قوله: "لا نعرف مكانها" فهو يشير بهذه الجملة من طرف خفي إلى ما يذهب إليه صاحب هذا الخطاب ويوافقه هو علي هذا المذهب من افترائهم بالقول بالزيادة في كلام الله.

قال صاحب فصل الخطاب وهو يذكر صور التغيير في القرآن الذي أوحاه إليه شيطانه ودفعه إليه حقده على الإسلام وأهله: "السابعة زيادة كلمة كزيادة عن في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} "(فصل الخطاب: ص25)، كما أن قوله بالنقيصة لا يخرجه عن تكذيب قول الله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}

ص: 1007

ففي المقدمة الأولى نقل مجموعة من أخبارهم التي تتحدث عن جمع القرآن - حسب تصور هؤلاء الزنادقة - كرواية ثقة دينهم التي تقول: "ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله، كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزل الله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده".

وهذا مبني على مذهب الشيعة في القول بعصمة رجل واحد وهو علي، وضلال الأمة بأجمعها، وهو من آثار البيئة الفارسية التي تحيط ملوكها بهالة من التقديس.

وما أسخف عقلاً يرد ما أجمع عليه الصحابة كلهم، ويدعي أن لا ثقة إلا بقل واحد منهم، مع أن هذه الدعوى لا وجود لها غلا في خيالات هؤلاء الزنادقة، فلم يعرف علي والأمة إلا هذا القرآن.

ثم يواصل نقله عن "قرآن علي" الذي لم يُنقص منه حرف كما يزعمون.. فينقل مجموعة من رواياتهم ينتهي القارئ لها إلى أن العقل الشيعي.. من أسرع العقول إلى تصديق الخرافة، فهو يؤمن بكتاب لا وجود له إلا في أساطيرهم ويكفر بقرآن أجمعت علية الأمة.. بما فيهم الأئمة.

تتحدث هذه الأساطير عن جمع عليّ للقرآن وعرضه على الصحابة ورد الصحابة له..

فيورد من هذه الروايات خبر الشيعي الذي التقى بمنتظرهم - والذي لم يولد أصلاً - وفيه يقول له المنتظر: "لما انتقل سيد البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وآله من دار الفناء وفعلا صنماً (1) . قريش ما فعلا من نصب الخلافة جمع أمير المؤمنين رضي الله عنه القرآن كله ووضعه في إزار وأتى به إليهم وهم في المسجد، فقال لهم: هذا كتاب الله سبحانه أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعرضه عليكم لقيام

(1) يعنون بهما صديق هذه الأمة وفار وقها، ومن أقاما الإسلام بعد رسول الله

ص: 1008

الحجة عليكم يوم العرض بين يدي الله تعالى، فقال له فرعون هذه الأمة ونمرودها (1) : لسنا محتاجين إلى قرآنك، فقال له: أخبرني حبيبي محمد صلى الله عليه وآله بقولك هذا وإنما أردت بذلك إلقاء الحجة عليكم، فرجع أمير المؤمنين إلى منزله.. فنادى ابن أبي قحافة بالمسلمين وقال لهم: كل من عنده قرآن من آية أو سورة فليأت بها، فجاءه أبو عبيدة بن الجراح، وعثمان، وسعيد بن أبي وقاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وأبو سعيد الخدري، وحسان بن ثابت، وجماعات المسلمين وجمعوا هذا القرآن وأسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت عنهم بعد وفاة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله، فلذا ترى الآيات غير مرتبطة، والقرآن الذي جمعه أمير المؤمنين بخطه محفوظ عند صاحب الأمر عجل الله فرجه وفيه كل شيء حتى أرش الخدش. وأما هذا القرآن فلا شك ولا شبهة في صحته، وأنه من كلام الله سبحانه، هكذا صدر عن صاحب الأمر" (2) .

وهذا النص نقلناه رغم طوله، لأن معظم حكاياتهم تدور على ما جاء فيه. فالمسألة أصلاً نابعة من حقد هذه "الفئة" على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبغضها للدين الذي يحملونه.

فأنت ترى أن الحديث عن مثالب الصحابة وأن من جمع القرآن - بزعمهم - قد أسقطها فأباح هؤلاء بالسر المكنون وكشفوا المستور، وما تخفي قلوبهم أعظم.

ثم إذا رفض الصحابة القرآن - كما يزعمون - فلم يحجب عن الأجيال والقرون التي بعدهم؟ وإذا قامت الحجة على الصحابة فإنها لم تقم على من بعدهم.. وكيف لم يُقم عليٌّ الحجة وهو في قوة سلطانه إبان خلافته؟

(1) يعني الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه، والذي فتح بلاد فارس، ونشر الإسلام فيها، فكان جزاؤه عند هؤلاء الحاقدين السب والتكفير

(2)

فصل الخطاب: ص9-10

ص: 1009

إن أساطيرهم تنقض نفسها بنفسها. وإذا امتنع الصحابة عن قبوله - كما يزعمون - أليس في الأمة من يقبله عبر مراحل القرون كلها، وفيهم من صحب الأئمة، والتقي بالمنتظر.. وقامت للشيعة دول وسلطان؟ فلماذا يحجب عنهم ويظل مع الغائب في سرادبه؟ ألا يؤكد هذا لكل عاقل خرافة هذه الدعوى بغض النظر عن جميع الأدلة الأخرى، بل إن صاحب فصل الخطاب ينقل في هذه المقدمة أخباراً تقول إن علياً امتنع عن تسليم القرآن الذي جمعه للصحابة حينما طلبوا منه ذلك، واحتج بأنه لا يمسه إلا المطهرون، وأن المطهرين هم الأئمة الاثني عشر (1) .

وهذه قاصمة الظهر.. فعليٌّ كما يفترون - هو الذي رفض إبلاغ القرآن، وادعى أنه خاص به وبولده.. وهذا لا يقول به أحد من المسلمين فضلاً عن أمير المؤمنين، فهو كلام المقصود به الإساءة إلى أهل البيت والطعن فيهم، ولذلك ذهبت بعض فرق الشيعة كالكاملية إلى تفكير أمير المؤمنين عليّ.

وهذه الآثار التي جمعتها كتب الاثني عشرية تؤدي إلى هذا المذهب، فهؤلاء يشايعون الشيطان ولا يشايعون أمير المؤمنين، ومن ينزه أمير المؤمنين من هذه الأباطيل وأمثالها هم شيعته وأنصاره على الحقيقة.

أما المقدمة الثانية عنده فتتضمن صور التحريف التي يزعم وقوعها في كتاب الله سبحانه أو امتناعها، فعرض مجموعة من الصور التي أوحاها له شيطانه: في السورة، والآية، والكلمة، والحرف.

وقرر "أن زيادة السورة وتبديلها بأخرى أمر ممتنع (2) .؛ لأن الله يقول: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} (3) فهو يقول بأن القرآن الذي بين أيدي المسلمين لا زيادة فيه أصلاً؛ لأن البشر عاجزون عن الإتيان

(1) فصل الخطاب: ص7

(2)

فصل الخطاب: ص24

(3)

البقرة 23

ص: 1010

بسورة من مثله.. ولكنه ينقض هذا حينما يزعم أن "نقصان السورة جائز كسورة الولاية"(1) .

فهو بهذا يزعم أن في كتاب الله نقصاً، ويمثل لذلك بسورة الولاية، ولا شك أن هذه الدعوى تتضمن زيادة سورة على كتاب الله، وهو قد قرر امتناعها.. ثم إن هذه السورة المفتراة يشهد نصها على كذبها.. وقد كشف ذلك بعض شيوخ الشيعة أنفسهم (2) . وهي عبارة عن نص ملفق، وتركيب متهافت، ومعنى ساقط يتضح من خلاله أن واضعه أعجمي جاهل - كما سيأتي -.

ويقول: إن زيادة آية على القرآن، أو تبديل آية بأخرى هو أيضاً منتف بالإجماع، ثم يناقض ذلك بزعمه أن نقصان الآية غير ممتنع (3) .

أما زيادة كلمة في القرآن فيرى على ضوء أساطيرهم أنها ممكنة، ويمثل لذلك بقوله: كزيادة "عن" في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} (4) . فهو يفتري أن القرآن زيادة كلمة "عن"، وغرض الرافضة في هذا الزعم أن الأنفال كانت خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هي للأئمة الاثني عشر المعصومين من بعده، والصحابة إنما كانوا يسألون الرسول أن يعطيهم منها على سبيل الصدقة ولم يكن سؤالها عن حكمها، وهذا لا يتأتى للرافضة إلا بحذف كلمة "عن".

ثم يقول: نقصانها - أي الكلمة - وهو كثير ك"في عليّ" في مواضع، أي أن اسم علي ورد بزعمهم في القرآن، وحذفه الصحابة، وهذه دعوى لإسكات أتباعهم الذين داهمهم الشك في مذهبهم الذي لا شاهد له من كتاب الله، وهذا أحد الأساليب القريبة التي دفعت الرافضة للقول بهذه الفرية.. وأما الأسباب

(1) فصل الخطاب: ص24

(2)

وهو شيخهم: محمد جواد البلاغي في تفسيره آلاء الرحمن ص24-25

(3)

فصل الخطاب: ص24

(4)

الأنفال 1

ص: 1011

البعيدة وجذور هذه المقالة فهي هدم التشيع أصلاً وإبعاد الشيعة عن الإسلام كلياً.

ثم بعد ذلك يذكر من الصور للتغير المزعوم في كتاب الله تبديل الكلمات ويقرر علي هدي من خرافاتهم وقوعه فيقول: " كتبديل آل محمد بعد قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ} (1) . بآل عمران" وواضح غرض الشيعة من ذلك فهي تبحث بأي وسيلة عما يثبت ذكر أئمتهم في كتاب الله؛ إذ كيف يذكر آل عمران ولا يذكر أئمتهم..؟

ثم يتحدث عن الحرف فيرى بمقتضى أساطيرهم أن زيادته ونقصانه أمر ممكن وواقع، فيقول:"نقصان الحرف كنقصان "همزة" من قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} (2) ، و"يا" في قوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} (3) ".

والهدف من خلال هذا الافتراء مكشوف، فأمة محمد في قاموس هؤلاء القوم الذين أكل الحقد قلوبهم عليها؛ لأنها فتحت ديارهم وأسقطت عروشهم، ونشرت الإسلام بينهم، هذه الأمة في اعتقادهم ملعونة ضالة ظالمة.. ويؤلمهم أن يثني الله سبحانه عليها، فحاولوا أن يجعلوا الثناء خاصاً بالاثني عشر الذين لم يولد آخرهم أصلاً.. فقالوا: إنها ليست الأمة، بل الأئمة.

وكذلك أرادوا من افترائهم بزيادة الياء في قوله "تراباً" أرادوا ترابياً والهدف النسبة إلى علي الذي كان يلقب بأبي تراب، وأن الكافر يقول: يا ليتني كنت ترابياً أي: من شيعة علي، وما أدري لِمَ لا يتمنى أن يكون من شيعة محمد، وهل عليٌّ أفضل من محمد؟!

إلى آخر هذيانه.. الذي عاد على الشيعة بأسوأ العواقب.. وأورثها العار

(1) آل عمران 23

(2)

آل عمران 110

(3)

النبأ 40

ص: 1012

إلى الأبد.

المقدمة الثالثة: وعقدها لذكر أقول شيوخ طائفته في تغيير القرآن وعدمه فقال: "اعلم أن لهم في ذلك أقوالاً مشهورها اثنان: الأول: وقوع التغيير والنقصان فيه" ثم ذكر من قال به من شيوخهم كالقمي في تفسيره، والكليني في الكافي وهما كما قال ممن غلا وأكثرا من الرواية في هذا المذهب، ومثل المجلسي في مرآة العقول، والصفار في بصائر الدرجات، والنعماني في الغيبة، والعياشي وفرات الكوفي في تفسيرهما، ومفيدهم في المسائل السروية، ومحدثهم البحراني في الدرر النجفية.

وأخذ على هذا المنوال يعدد من مشاهير علماء مذهبه ممن قال بهذه الأسطورة مع تفخيمهم بالألقاب، أو نعت بعضهم بأنه "ممن لم يعثر له على زلة"، مع أنه يكفيه مقالته هذه إغراقاً في الضلال وزلةً إلى الكفر.. فذكر أسماء شيوخهم وكتبهم في هذا الكفر واستشهد ببعض كلماتهم التي كشفت حقيقة التشيع في عصوره المتأخرة؛ كنقله لقول شيخهم أبي الحسن الشريف صاحب مرآة الأنوار، والذي ذكر فيه أن هذه المقالة من ضروريات مذهب التشيع (1) .

ثم قال: "الثاني: عدم وقع التغيير والنقصان فيه، وأن جميع ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله هو الموجود بأيدي الناس فيما بين الدفتين، وإليه ذهب الصدوق في عقائده، والسيد المرتضى، وشيخ الطائفة في التبيان ولم يعرف من القدماء موافق لهم إلا ما حكاه المفيد عن جماعة من أهل الإمامة والظاهر أنه أراد منها الصدوق وأتباعه"(2) .

وأنت تلاحظ - كما أسلفنا - أنه يريد أن يجعل هذه المقالة هي الأصل في التشيع.. وإلا فإن قدماء شيوخ الذهب كانوا بعيدين عن هذا الكفر.. وقد مضى

(1) انظر: فصل الخطاب: ص32

(2)

فصل الخطاب: ص33

ص: 1013

الحديث عن الأصل في الافتراء وبدايته.

ثم ذكر بعض كلمات المنكرين وناقش إنكارهم لبعض ما جاء في كتبهم من القول بهذه الفرية ليصل إلى أن الإنكار ليس على حقيقته، بل هو من باب الخداع لأهل السنة (1) .

وفي الباب الأول: عرض ما يسميه ب"الأدلة التي استدلوا بها، ويمكن الاستدلال بها على وقوع التغيير والنقصان في القرآن".

فذكر اثنتي عشرة شبهة بعدد أئمته..

الشبهة الأولى:

قال الملحد: "الدليل الأول: أن اليهود والنصارى غيروا وحرفوا كتاب نبيهم بعده، فهذه الأمة أيضاً لابد وأن يغيروا القرآن بعد نبينا صلى الله عليه وآله؛ لأن كل ما وقع في بني إسرائيل لابد وأن يقع في هذه الأمة على ما أخبر به الصادق المصدوق صلوات الله عليه"(2) .

والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:

الوجه الأول:

سلمنا أن كل ما وقع في بني إسرائيل سيقع في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لكننا نقول: يخرج من هذا العموم ما دل الليل على خروجه، وتحريف القرآن مستثنى من هذا العموم بنص القرآن:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (3) . وهل هناك أقوى من أن يخص عموم حديث بنص من القرآن.. فأين عقول هؤلاء القوم؟ ولهذا قال الباقلاني: "أول جهلكم أنكم قطعتم بخبر واحد على أن القرآن غُيّر وبُدّل

(1) فصل الخطاب: ص33 وما بعدها

(2)

فصل الخطاب: ص36

(3)

الحجر 9

ص: 1014

مع ردكم لما هو أقوى منه" (1) .

ثم إن الله سبحانه قد استحفظ أهل الكتاب التوراة واستودعهم إياها فخانوا الأمانة، ولم يحفظوها، بل ضيعوها عمداً.

والقرآن الكريم لم يكل الله حفظه إلى أحد حتى يمكنه تضييعه، بل تولى حفظه جل وعلا بنفسه الكريمة المقدسة كما أوضحة بقوله:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، وقوله:{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} (2) إلى غير ذلك من الآيات (3) .

وذلك لأن القرآن العظيم هو آخر الكتب، فلا كتاب بعده، والرسول صلى الله عليه وسلم هو آخر الرسل فلا نبي بعده، وبموته انقطع الوحي.. فمن رحمة الله بعباده أن حفظ كتابه ليبقي هداية للأمة ونوراً إلى يوم القيامة.

الوجه الثاني:

أن زعمه أن كل ما وقع في بني إسرائيل لابد أن يقع في هذه الأمة، هذه المقدمة غير مسلّمة له على الإطلاق، فالنتيجة التي اعتمدها بناءً على هذه المقدمة، نتيجة كاذبة؛ لأنها مبنية على مقدمة ليست مسلمة له على إطلاقها بدليل أن بني إسرائيل قتلوا أنبياءهم ولم يتحقق ذلك في هذه الأمة، وإن حاول فئة من المنافقين ذلك، وبنو إسرائيل عبدوا العجل ولم يحصل من الأمة نظيره، فتلك المقدمة ليست على إطلاقها، وتحريف القرآن أولى مما ذكرنا لاستثنائه من هذا العموم بالنص كما بينا، وإن حاول فئات من المنافقين الذين تستروا بالتشيع ذلك.

كذلك أمتنا تختلف عن بني إسرائيل؛ حيث لا تزال طائفة ظاهرة علي الحق

(1) نكت الانتصار: ص104

(2)

فصلت 42

(3)

انظر: الشنقيطي/ أضواء البيان: 2/100-101

ص: 1015

لا يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة، ولهذا لا يسلط الله عليهم عدواً من غيرهم فيجتاحهم، كما ثبت هذا وهذا في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر أنه لا تزال طائفة من أمته ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة (1) ، وأخبر أنه سأل ربه أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم فأعطاه ذلك، وسأله أن لا يهلكهم بسنة عامة فأعطاه ذلك وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم شديداً فمنعه ذلك (2) .

ومن قبلنا كان الخُلْف فيهم حتى لا تقوم بالحق منهم طائفة ظاهرة منصورة ولهذا كان العدو يسلط عليهم فيجتاحهم كما سلط على بني إسرائيل وخرب بيت المقدس مرتين ولم يبق لهم ملك (3) .

* الوجه الثالث:

لو سلمنا جدلاً أن القرآن لم يخرج من ذلك العموم بالنص المذكور، فإن التحريف هو ما تقوم به الشيعة من تحريف للمعنى، ومحاولة لتحريف اللفظ، وما قدمناه عنهم هو الدليل، لكنهم لم يحققوا أهدافهم؛ لأن الله هو الذي تكفل بحفظه بنص الآية السابقة (4) .

(1) تقدم تخريجه ص 412

(2)

رواه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض: 3/2216 (ح2890) ، والترمزي، كتاب الفتن، باب ما جاء في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثًا في أمته: 4/471-472، (ح 2175، 2176) ، وابن ماجه في كتاب الفتن، باب ما يكون من الفتن: 2/303 (ح3951)، وأحمد: 1/175، 181، 3/146، 156، 5/108، 240، 243، 6/396

(3)

منهاج السنة: 3/242

(4)

في هذا الموضوع أملى علي د. محمد رشاد سالم رحمه الله فقال: "وجه الشبه بين فعل الأمتين أن من أمة محمد من حاول تحريف القرآن بالفعل مثل الشيعة الرافضة، أو تأويله تأويلاً باطلاً متعسفاً كالجهمية.. لكن النتيجة مختلفة؛ فقد تم التحريف بالفعل في أمة بني إسرائيل الذين كتموا التوراة وأخفوها، وأظهروا التوراة المحرفة، وكذلك فعل النصارى في إنجيلهم، أما أمة محمد فقد تكفل الله سبحانه بحفظ كتابهم القرآن"

ص: 1016

الشبهة الثانية:

قال الملحد: "الدليل الثاني أن كيفية جمع القرآن وتأليفه مستلزمة عادة لوقوع التغيير والتحريف فيه، وقد أشار إلى ذلك العلامة المجلسي في مرآة العقول، حيث قال: والعقل يحكم بأنه إذا كان القرآن متفرقاً منتشراً عند الناس وتصدى غير المعصوم لجمعه يمتنع أن يكون جمعه كاملاً موافقاً للواقع"(1) .

والجواب: إن هذه الشبهة مبنية على العقلية الإمامية التي تحتم على جميع الأمة إذا أجمعت الخطأ، وتجعل رأي واحد منها (ليس بنبي) هو الصواب، كما يلحظ ذلك في قوله:"وتصدى غير المعصوم لجمعه". وهو رأي منقوض وباطل كما أسلفنا في الحديث عن العصمة، وما بني على باطل فهو باطل.

وصياغته لهذه الشبهة تدل على أن كثيراً من شيوخ الإمامية قوم بُهْتٌ يكذبون بالحقائق الواضحات ويصدقون بالأكاذيب والخرافات. فجمع القرآن جاء على أدق الطرق وأوثقها ضبطًا وإتقاناً، فكتبة الوحي يكتبون، والحفظة يحفظون، والأمة بأكملها تردد آيات القرآن في صلواتها وحلقاتها، كلما نزل شيء من القرآن هبوا لحفظه وكتابته وتعلمه والعمل به، فالممتنع هو أن يزاد في القرآن حرف أو ينقص منه حرف آخر، ولذا أجمعت الأمة على ذلك والإجماع معصوم.

فلنحكّم عقولنا؛ ما جاءت هذه الدعوى إلا من طائفة الاثني عشرية من بين فرق الشيعة كلها، وهي تتحدث عن قرآن جمعه عليّ هو الكامل في نظرها وترفض ما أجمع عليه المسلمون.. فأيهما نصدق أبالقرآن أم بكتاب غائب لم ير ولم يعرف، معلق خروجه على منتظر موهوم.. تولى جمعه - باعترافهم - فرد واحد..؟

أخرج لنا الشيعة منه آيات يستحيل أن تكون من كلام رب العزة جل علاه لسقوطها عن أداء الإنسان العادي، فكيف بكلام رب العالمين المعجز؟

(1) فصل الخطاب: ص97

ص: 1017

ورأينا من تنسب الشيعة إليه هذا الكتاب المزعوم يتعبد ويقرأ بالقرآن الذي بأيدي المسلمين، والشيعة تفتري عليه بأن ذلك منه تقية. فهل تجوز التقية في مثل هذا الذي يترتب عليه ضياع الدين وضلال الأجيال؟ ! إنها مقالة تنطق الشواهد بكذبها، وهي من تقدير الله سبحانه لينكشف أمر هذه الطائفة للمسلمين جميعاً، بعدما عاشت بينهم بالتقية قروناً متطاولة.

ثم إن من العلوم أن جمع الأمة للقرآن في زمن الصديق وأمير المؤمنين عثمان قد تم بإجماع الصحابة، وكان أمير المؤمنين عليٌّ على رأس الكتبة وأغلب القراءات المتداولة ترجع بالسند المتواتر إليه باعتراف الشيعة نفسها كما سلف نقل ذلك عنهم (1) ، وليس في الطرق إلى علي ّما يخالف قرآن الأمة، وقد أثنى أمير المؤمنين على الصديق، وعلى ذي النورين فيما قاما به من أمر المصحف (2) . فهل تنكر ضوء الشمس ليس دونها سحاب وتصدق أساطير نقلها شرذمة من أعداء الأمة والدين؟! ومن أضل ممن يدعو أتباعه للإعراض عن كتاب الله وانتظار كتاب موهوم مفترى عند إمام مخترع أو هارب في سردابه منذ أكثر من ألف عام.. وكيف تقوم الحجة على العباد بمثل هذا الكتاب الموهوم.. والشيعة لا علم لها بهذا المصحف ولا صلة لها به، إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون.

الشبهة الثالثة:

قال الملحد: "إن أكثر العامة وجماعة من الخاصة ذكروا في أقسام الآيات المنسوخة ما نسخت تلاوتها دون حكمها، وما نسخت تلاوتها وحكمها معاً وذكروا للقسمين أمثلة ورووا أخبارًا ظاهرة بل صريحة في وجود بعض الآيات والكلمات التي ليس لها في القرآن المتداول أثر ولا عين وأنه كان منه في عصر النبي صلى الله عليه وآله يتلونه الأصحاب وحملوها على أحد القسمين من

(1) انظر: ص 266 - 267 من هذه الرسالة

(2)

انظر: ص 236 - 265 من هذه الرسالة

ص: 1018

غير أن تكون فيها دلالة وإشارة على ذلك، وحيث إن نسخ التلاوة غير واقع عندنا، فهذه الآيات والكلمات لابد وأن تكون مما سقط أو سقطوها من الكتاب جهلاً أو عمداً، لا بإذن من الله ورسوله وهو المطلوب" (1) . هذه الشبهة تتكرر على ألسنة المعاصرين من الشيعة كثيًرا، ويحاولون أن ينفذوا من خلالها إلى فكر القارئ للتأثير عليه بإيهامه أن الآيات المنسوخة تلاوة الواردة من طرق السنة هي كأخبار التحريف عند الشيعة، فلا تكاد تقرأ كتاباً من كتب هذه الطائفة، ويأتي الحديث عن هذه الفرية إلا وتجدهم يبررون ما شاع من أساطير في كتبهم بالأخبار المنسوخة عند أهل السنة (2) .

ولا شك أن حجتهم داحضة؛ ذلك أن النسخ من الله سبحانه، قال تعالى:{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (3) . أما التحريف فمن فعل البشر، وشتان بين هذا وذاك، ولذلك وجد من شيوخ الشيعة الكثير ممن يذهب إلى هذا المذهب الباطل بمقتضى دلالة أساطيرهم، ولم يوجد أحد من علماء السنة يقول بهذه الفرية، فالنسخ شيء آخر غيرها.

بل إن هذه الأسطورة لا مكان لها أصلاً عند المسلمين، ولذلك نجد الحديث عن الانحراف فيما يتصل بالقرآن عند أهل السنة في مسألة خلق القرآن وما شابه ذلك من الأقوال الباطلة التي وجدت في محيط السنة العام، أما تلك القضية فغير واردة أصلاً عندهم، فكيف يجعل النسخ كالقول بالتحريف؟ إن ذلك إلا ضلال مبين وكيد متعمد.. لأن غاية ما تدل عليه تلك الآثار أن ذلك كان قرآناً ثم رفع في حياة الرسول والوحي ينزل، ولهذا وضعت في باب النسخ من مباحث علوم

(1) فصل الخطاب: ص106

(2)

مثل عبد الحسين الموسوي في أجوبة مسائل جار الله، ومحسن الأمين في كتابه الشيعة بين الحقائق والأوهام، وعبد الحسين الرشتي في "كشف الاشتباه" والخنيزي في "الدعوة إلى وحدة أهل السنة والإمامية" وغيرهم

(3)

البقرة 106

ص: 1019

القرآن عند أهل السنة، ولم يكن يخطر ببال أحد منهم أن ذلك يدل على تحريف المنزّل، بخلاف أخبار هذه الأسطورة عند الاثني عشرية التي تنسب التحريف إلى صحابة رسول الله الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه لأنها تصدق خبر شرذمة من الأفاكين وتكذب بالضرورات والأخبار المتواترات وشهادة الله ورسوله لهم.

والصحابة عند أهل السنة هم أتقى وأخشى لله من يفعلوا شيئًا من ذلك، ولو فرضنا جدلاً أنهم حاولوا فعل هذا لم يمكنهم الله سبحانه وتعالى وإلا لزم الخلف في قوله وهو محال. بل يستحيل أن يقع منه شيء من ذلك ولو على سبيل السهو؛ لأن الله هو الذي وعد بحفظه.

ونسخ التلاوة يقر به الروافض أنفسهم، وإن أنكره هذا النوري الطبرسي لتأييد مذهبه الباطل ونسب الإنكار للشيعة كلها، فإن صدق في هذه النسبة فهو ينصرف إلى بعض المعاصرين من طائفته، وهذا يعني أنهم أكثر غلواً من السابقين في ذلك، فقد قرر شيخهم الطبرسي (ت 548هـ) في هذه المسألة ثبوت نسخ التلاوة، حيث قال في مجمع البيان:"ومنها ما يرتفع اللفظ ويثبت الحكم كآية الرجم"(1) . والطبرسي قد أنكر التحريف، ويستشهد شيوخ الشيعة بإنكاره على براءة مذهبهم من هذا العار، ولم يقل أحد بأن إثباته لنسخ التلاوة قول بالتحريف.

ومن قبله شيخهم الطوسي (ت460هـ) في تفسيره التبيان، حيث قال: "لا يخلو النسخ في القرآن الكريم من أقسام ثلاثة: أحدهم نسخ حكمه دون لفظه

والثاني ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم، فإن وجوب الرجم على المحصنة لا خلاف فيه، والآية التي كانت متضمنة له منسوخة بلا خلاف وهي قوله:"والشيخ والشيخة إذا زنيا"(2) .

وقال في موضع آخر: "وقد أنكر قوم جواز نسخ القرآن، وفيما ذكرناه

(1) مجمع البيان: 1/180

(2)

التبيان: 1/13

ص: 1020

دليل على بطلان قولهم، وجاءت أخبار متضافرة بأنه كانت أشياء في القرآن نسخت تلاوتها" (1) .

ومن قبلهما شيخ الشيعة "المرتضى"(ت436هـ) وهو ممن ينكرون هذه الفرية وهو الذي استثناه ابن حزم من جمهور الإمامية القائلين بهذه الأسطورة.

والشيعة المعاصرون يستدلون بإنكاره على براءة مذهب الشيعة من هذا الكفر، وهو يقر بنسخ التلاوة، ففي كتابه الذريعة قال:"فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ التلاوة دونه" ثم تكلم عن ذلك (2) .

إذن الإقرار بنسخ التلاوة أمر مشترك بين الفريقين وهو شيء أخر غير التحريف.

ومن المكر والكيد الذي لا يكاد يخلو منه كتاب شيعي معاصر ناقش هذه القضية التظاهر بإنكار الشيعة لهذه الفرية والاستدلال بإنكار المرتضى والطبرسي وغيرهما، ثم يحاولون نسبة هذه الفرية إلى أهل السنة، لأنهم قالوا بنسخ التلاوة.. مع أن الطبرسي والمرتضى يقولان بذلك، ولكن ذلك مكر مقصود لتحقيق هدف لا يجرؤون على إظهاره وهو اعتقادهم هذا الكفر.

الشبهة الرابعة:

قال الملحد: "الدليل الرابع أنه كان لأمير المؤمنين قرآناً مخصوصاً - كذا - مخالف الموجود في الترتيب، وفيه زيادة ليست من الأحاديث القدسية، ولا من التفسير والتأويل".

وأقول: لو كان لأمير المؤمنين مصحف لأخرجه للمسلمين، ولم يسعه كتمانه، وإذا لم يستطع ذلك في خلافة من سبقه - على حد تفكيركم - فإنه يستطيع

(1) التبيان: 1/394

(2)

الذريعة إلى أصول الشيعة: ص428 -429

ص: 1021

إخراجه إبان خلافته.. وكتمان ذلك كفر وضلال.. فمن ألصق ذلك بأمير المؤمنين فهو ليس من شيعته، بل من عدوه؛ لأنه يدعي أنه كتم إظهار الحق وبيانه خوفاً وجبناً، وهو أسد الله وأسد رسوله.. وكتمان أصل الدين وأساسه خروج عن الإسلام.

ولو لم يستطيع عليّ إخراجه لأخرجه الحسن إبان خلافته، ولكن الذي يشهد به الجميع حتى الروافض أن علياً لم يقرأ في صلاته، ويحكم في خلافته إلا بهذا القرآن، وكذلك سائر علماء أهل البيت - كما مر (1) .- وهذا يبطل كل دعاوى الروافض الذين أقض مضاجعهم وأرق عيونهم وفض جمعهم وشتت أمرهم خلو كتاب الإسلام العظيم مما يثبت شذوذهم فادعوا قرآناً غائباً لما لم يجدوا في كتاب المسلمين ضالتهم، كما ادعوا إماماً غائباً لما مات إمامهم من غير عقب.

وإذا كان لأمير المؤمنين مصحف فهو أمر طبيعي لا يدل على ما يذهب إليه هذا المجوسي، فهو كبعض الصحابة الذين اتخذوا لأنفسهم مصاحف خاصة كتبوها لهم ولكنها لا تصل إلى مستوى المصحف الإمام الذي يكتبه كتبة الوحي بإشراف رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.

وإذا كان لعليًّ كما يدعون مصحف يخالف المصحف الإمام، فما يخالف المصحف الذي أجمع عليه المسلمين لا اعتداد به، لأن الإجماع معصوم والعبرة بما أجمع عليه أهل الإسلام، مع أن أمير المؤمنين كان على رأس المجمعين والجامعين وثناؤه على أبي بكر وعثمان في ذلك مشهور - كما قدمنا -.

قال الباقلاني: "فإن قالوا: فإنما لم يغير ذلك ولم ينكره لأجل التقية قيل لهم: ومن كان أقوى منه جانباً وهو في بني هاشم مع عظم قدره وشجاعته وامتناع جانبه. هذا غاية الامتناع والباطل"(2) .

(1) ص 265 وما بعدها

(2)

نكت الانتصار: ص108

ص: 1022

ثم أشار إلى تناقض الروافض، حيث إن مقالتهم هذه في عليّ تنقض ما يزعمونه من شجاعته وصدعه بالحق، وعدم سكوته عن باطل.

وذكر بأن واقع أمير المؤمنين في خلافته ينفي مجرد تصور التقية في هذا الباب "فأي تقية بعد أن شهر سيفه وقاتل بصفين ونصب الحرب بينة وبين مخالفيه فيما هو دون تغيير القرآن وتحريفه، هذا مما يعلم بطلانه ويقطع على استحالته"(1) .

الشبهة الخامسة:

قال الملحد: الخامس أنه كان لعبد الله بن مسعود مصحف معتبر فيه ما ليس في القرآن الموجود". ثم ذكر نماذج مما جاء في مصحف ابن مسعود - كما تزعم رواياتهم - ومما ذكره "وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب ورفعنا لك ذكرك بعلي صهرك" (2) .

أقول: لا خلاف أن بعض الصحابة كانت لهم مصاحف خاصة بهم يكتبون فيها ما يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن.. وهذا لا يطعن في المصحف الإمام، ولا يدل على ما يذهب إلية هؤلاء الطغام؛ لأن العمدة والأصل هو ما أجمع عليه المسلمون ولا عبرة بما انفرد به أحدهم.

وأنت تلاحظ أنه جعل مصحف ابن مسعود هو المعتبر والهدف واضح؛ لأنه ورد فيه - كما يزعم - ذكر علي.. ولكن ما استشهد به من نماذج يدل على أن ما ينسبونه لابن مسعود أو لمصحفه هو من افتراءاتهم، فقوله:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} هذه الآية من سورة "الانشراح" وهي مكية بكل آياتها كما هو معلوم، والزيادة التي زادوها وهي قولهم:(وجعلنا علياً صهرك) كشفت كذبهم؛ ذلك أن صهره الوحيد في مكة هو العاص بن الربيع الأموي، فهم وضعوا ولم يحسنوا

(1) نكت الانتصار: ص108

(2)

فصل الخطاب: ص136

ص: 1023

الوضع لجهلهم بالتاريخ.. فهل يكتب ابن مسعود ما يخالف الواقع وما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم؟!.

وكذلك الشاهد الآخر "وكفى الله المؤمنين القتال بعلي" فهو مخالف لنص القرآن وللواقع، فالله سبحانه أخبر بمن كفى عباده المؤمنين، وذلك في قوله سبحانه:{إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا} (1) .

ولذلك قال السلف في تأويل قوله سبحانه: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} (2) أي: بجنود من الملائكة، والرياح التي بعثها عليها (3) .

أما مخالفة الواقع فإن علياً لم يكن كافياً من دون المؤمنين، ولو لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علي لما أقام دينه، وهذا علي لم يغن عن نفسه ومعه أكثر جيوش الأرض.. في حربه مع معاوية (4) .

ولذا قال الباقلاني: "فأما ادعاؤهم أن ابن مسعود قرأ: "وكفى الله المؤمنين القتال بعلي" وما أشبه ذلك من الأحاديث فإنه إفك وزور ولا يصح.."(5) .

وقال ابن حزم: "وأما قولهم (6) : إن مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه خلاف مصحفنا فباطل وكذب وإفك، مصحف عبد الله بن مسعود إنما فيه قراءته بلا شك، وقراءته هي قراءة عاصم المشهورة عند جميع أهل الإسلام، في شرق الأرض وغربها"(7) .

(1) الأحزاب 9

(2)

الأحزاب 25

(3)

تفسير الطبري: 21/148، فتح القدير: 4/272

(4)

انظر: منهاج السنة: 4/56

(5)

نكت الانتصار: ص 107، وانظر: روح المعاني: 21/175

(6)

يعني النصارى؛ لأنهم يعترضون علي أمة الإسلام بشبه هؤلاء الروافض

(7)

الفصل: 2/212

ص: 1024

الشبهة السادسة:

قال الملحد: "الدليل السادس أن الموجود غير مشتمل لتمام ما في مصحف أبيّ المعتبر عندنا".

انظر مبلغ تعنت وتعصب هذا الملحد، فمصحف أبيّ معتبر عندهم دون مصحف الأمة!!

وما الدليل على اعتبار وصحة ما في مصحف أبيّ دون مصحف الأمة؟! لا دليل لديهم إلا رغبة هؤلاء المجوس في الطعن في كتاب الله وأنّى لهم ذلك.. فلا مصحف إلا هذا القرآن وكلماتهم عادت عليهم بأسوأ العواقب..

وإذا كان لابن مسعود وأبيّ بن كعب وعائشة وسالم مولى حذيفة مصاحف كما جاءت به الأخبار في كتب السنة والشيعة.. فهذه المصاحف الخاصة هي عمل فردي من بعض الصحابة ولم يكن هدفهم كتابة مصحف تلتزم به الأمة، لهذا كانت هذه المصاحف الخاصة غير حجة على الأمة، فما عدا مصحف عثمان لا يقطع عليه، وإنما يجري مجرى الآحاد (1) .

وإذا نقل منه ما يخالف المصحف الإمام فهذا طبيعي، لأن الواحد منهم كان يكتب لنفسه، ولذلك قد يكتبون تفسيراً لبعض الآيات في نفس المصحف وهم آمنون من اللبس، لأنهم إنما يكتبون لأنفسهم.

قال ابن الجزري: "ربما كانوا يدخلون التفسير في القراءات إيضاحاً وبياناً، لأنهم محققون لما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قرآنا فهم آمنوا من الالتباس، وربما كان بعضهم يكتبه معه"(2) .

وربما كتبوا ما نسخت تلاوته "ولذلك نص كثير من العلماء على أن الحروف

(1) البرهان: 1/222

(2)

ابن الجزري/ النشر: 1/32، السيوطي/ الإتقان: 1/77

ص: 1025

التي وردت عن أبيّ وابن مسعود وغيرهما مما يخالف هذه المصاحف منسوخة

ولا شك أن القرآن نسخ منه وغُيّر فيه في العرضة الأخيرة" (1) .

ذلك أنهم يكتبون لأنفسهم لا للأمة، كما لا ننسى ما يضعه الروافض في هذا الباب، وينسبونه لهذا المصاحف (2) . أما القرآن فقد قام به الحفظة من الصحابة، وجمعوا ما في الصحف التي كتبها كتاب الوحي بإشراف النبي صلى الله عليه وسلم على حسب ما استقر في العرضة الأخيرة من جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه الآن من غير زيادة ولا نقصان "ولذلك لم يختلف عليهم اثنان حتى إن علي بن أبي طالب لم ينكر حرفاً ولا غيره"(3) .

الشبهة السابعة:

قال الملحد: "السابع أن عثمان لما جمع القرآن ثانياً أسقط بعض الكلمات والآيات.."(4) .

ثم يحاول أن يقيم الدليل على هذه الدعوى بأن "العلم بمطابقة ما جمعه لتمام المنزل.. متوقف على.. عدالة الناسخين أو الكاتبين أو صدقهم أو العرض علي الصحيح التمام.."(5) . وهذا في نظره لا يثبت.

فأنت تلاحظ أنه بنى دعواه على عقيدة الرافضة في الصحابة المخالفة للكتاب والسنة وإجماع الأمة وما تواترت به الأحداث والوقائع (6) .

(1) ابن الجزري/ النشر: 1/32

(2)

ولهذا ذكر أهل العلم أن من أنواع القراءات ما هو موضوع. (انظر: الإتقان: 1/77)

(3)

النشر: 1/33

(4)

فصل الخطاب: ص150

(5)

فصل الخطاب: ص154

(6)

انظر: نقض عقيدتهم في الصحابة: ص (752) وما بعدها

ص: 1026

كما اعتبر الوهم الذي تدعيه الشيعة من وجود مصحف جمعه علي وتوارثه الأئمة هو الأصل في تصديق المصحف الإمام.. وكل ذلك غير مسلّم له، كما لا يسلّم له احتجاجه بذلك "الغثيان" من الأقوال والروايات التي نقلها من كتبهم لإثبات هذه المقالة.

ومن المعلوم أن "القرآن كله كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يأمر أبو بكر إلا بكتابة ما كان مكتوباً، ولذلك توقف عن كتابة الآية من آخر سورة براءة حتى وجدها مكتوبة، مع أنه كان يستحضرها هو ومن ذكر معه"(1) .؛ لأنهم كانوا يعتمدون في جمع القرآن على الحفظ والكتابة معاً؛ ولم يعتمدوا على الحفظ وحده؛ حيث إن "قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.. لا من مجرد حفظهم"(2) .

وقد أعلم الله تعالى في القرآن بأنه مجموع في الصحف في قوله: {يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً} (3) . الآية، فكان القرآن مكتوباً في الصحف لكن كانت مفرقة فجمعها أبو بكر في مكان واحد، ثم كانت بعده محفوظة إلى أن أمر عثمان بالنسخ منها عدة مصاحف وأرسل بها إلى الأمصار (4) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية يلخص عملية جمع القرآن: "لما كان العام الذي قبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم عارضه جبريل بالقرآن مرتين، والعرضة الأخيرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره، وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف، وكتبها أبو بكر وعمر في خلافة أبي بكر في صحف أمر زيد بن ثابت بكتابتها، ثم أمر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف، وإرسالها إلى

(1) فتح الباري: 9/12-13

(2)

أبو شامة/ المرشد الوجيز: ص57، وانظر الإتقان للسيوطي: ص58

(3)

البينة، 2

(4)

فتح الباري: 9/13

ص: 1027

الأمصار، وجمع الناس عليها باتفاق من الصحابة عليّ وغيره" (1) .

فالذي يُخَطّئ أبا بكر وعثمان قد خطأ علًيا، وجميع الصحابة؛ لأن الحقيقة التي يتفق عليها المسلمون أن أمير المؤمنين عثمان جمع القرآن بموافقة الصحابة جميعاً (2) .

ولو حدث هذا الذي تقوله الشيعة لما جاز لأحد السكوت على تغيير أصل الإسلام وأساسه، ولضل الجميع بسبب ذلك بما فيهم علي رضي الله عنه، والبراهين المتفق عليها والتي لا يختلف فيها اثنان أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يسكتوا على ما هو أقل من ذلك.

لقد قاتلوا من منع الزكاة، وقاتل علي رضي الله عنه معاوية على أقل من هذا الأمر العظيم والشأن الخطير، ولو حصل الذي تقوله الرافضة لتناقله أعداد الإسلام الذين يتربصون بأمة الإسلام الدوائر، ولم تنفرد بنقله طائفة الروافض.

وهذه الطائفة التي نقلت هذا الكفر قد نقلت ما يثبت خلافه، روى ابن طاوس وهو من كبار شيوخ الشيعة أن "عثمان جمع المصحف برأي مولانا علي ابن أبي طالب"(3) . وهذا ينقض ما افتراه الشيعة عبر القرون؛ لأنه يتفق مع إجماع الأمة، وهو اعتراف منهم وإقرار.. واعتراف المخالف أشد وقعاً في النفس من اعتراف الموافق.

ولم يملك صاحب فصل الخطاب - وهو الحريص على إثبات هذه الفرية - حيال هذا النص إلا أن يقول: "إنه من الغرابة بمكان"(4) . وليس بغريب إلا عند

(1) مجموعة فتاوى شيخ الإسلام: 13/395

(2)

انظر: المرشد الوجيز لأبي شامة: ص53

(3)

تاريخ القرآن للزنجاني ص67

(4)

فصل الخطاب: ص 153

ص: 1028

هذا الملحد ومن يشايعه.

وقد أخرجه ابن أبي داود بسند صحيح - كما قال ابن حجر - عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال: "لا تقولوا في عثمان إلا خيراً فوا لله ما فعل ما فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا"(1) .

وبعد هذا كله فإن "النموذج" الذي يخرجه لنا هؤلاء "الكذبة" ويزعمون أن عثمان أسقطه، هو أكبر شاهد على حقيقة قولهم..

فقد جاء صاحب فصل الخطاب بأربع روايات عن أربعة من كتبهم تقول إن علي بن موسى الرضا قال: "لا والله لا يرى في النار منكم اثنان أبداً، لا والله ولا واحداً. قال: قلت: أصلحك الله، أين هذا من كتاب الله تعالى؟ قال: هو في الرحمن وهو في قوله تبارك وتعالى: لا يسئل عن ذنبه منكم إنس ولا جان، قال: قلت: ليس فيها منكم؟ قال: بلى، والله إنه لمثبت فيها وإن أول من غيّر ذلك لابن أروى"(2) .

والروايات الثلاث الأخر لا تخرج عن هذا المعنى، ويعنون بابن أروى عثمان.

فهذا "المثال" الذي تقدمه كتب الروافض كشاهد لما أسقطه عثمان يكشف الحقيقة المخبأة.. فوقت تنزل القرآن لا يوجد شيعة، ولا مرجئة ولا غيرهما من الفرق.

والآية كما لا يدعون تثبيت أن الشيعي لا يسأل عن ذنبه.. وهذه دعوى خطيرة لا يسندها دليل، بل هي مناقضة لنصوص التنزيل، وما علم من الإسلام بالضرورة.. ولها آثارها الخطيرة من التحلل من التكاليف الشرعية.. والجرأة على اقتراف المعاصي والموبقات.

وإمامهم يقسم على شيعته أنه لن يدخل النار منهم واحد.. أطلع الغيب،

(1) فتح الباري: 9/18، وانظر: ابن أبي داود/ كتاب المصاحف: ص19، أبو شامة/ المرشد الوجيز: ص53

(2)

فصل الخطاب: ص157

ص: 1029

أم اتخذ عند الله عهداً؟!

وهم بهذه الدعوى أكثر غلواً من يهود، الذين قالوا:{لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَاّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً} ، ورد الله عليهم بقوله سبحانه:{قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ، بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1) .

وهي تكشف كذب هذه الدعاوى كلها.. وأن الغرض من دعوى التحريف تحقيق شذوذ لا سند له من كتاب أو سنة صحيحة. ثم هي تكشف أن واضع هذه الرواية زنديق جاهل بمعاني كتاب الله، فالآية في المجرمين وهو ظنّ أنها في الصالحين فأولها في شيعته.. وحاول أن يؤكد ذلك بزيادة قوله:"منكم" وعلل ذلك بأنة لو لم يضع هذه الزيادة لسقط العقاب عن الخلق، وهو لا يسقط إلا عن شيعته - كما يفتري - مع أن الآية هي كقوله سبحانه:{وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} (2) .

فهي في أهل الجرائم والذنوب.

ولهذا قال ابن عباس في تفسيرها: لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا؟؛ لأنه أعلم بذلك منهم. وقال مجاهد: لا يسأل الملائكة عن المجرم، يعرفون بسيماهم (3) .

ونختم القول بما قاله الجاحظ في دحض شبهتهم حول جمع أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه. قال الجاحظ:

"والذي يخطئ عثمان في ذلك فقد خطأ علياً وعبد الرحمن وسعداً، والزبير وطلحة وعلية الصحابة.

ولو لم يكن ذلك رأي علي لغيّره، ولو لم يمكنه التغيير لقال فيه، ولو لم

(1) البقرة، 80، 81

(2)

القصص، 78

(3)

تفسير الطبري: 27/142 - 143، تفسير ابن كثير 4/294

ص: 1030

يمكنه في زمن عثمان لأمكنه في زمن نفسه، وكان لا أقل من إظهار الحجة إن لم يملك تحويل الأمة، وكان لا أقل من التجربة إن لم يكن من النّجاح على ثقة، بل لم يكن لعثمان في ذلك ما لم يكن لجميع الصحابة، وأهل القدم والقدوة، ومع أن الوجه فيما صنعوا واضح، بل لا نجد لما صنعوا وجهاً غير الإصابة والاحتياط، والإشفاق والنظر للعواقب، وحسم طعن الطاعن.

ولو لم يكن ما صنعوا لله تعالى فيه رضاً لما اجتمع عليه أول الأمة وآخرها، وإن أمراً اجتمعت عليه المعتزلة والشيعة، والخوارج والمرجئة، لظاهر الصواب، واضح البرهان، على اختلاف أهوائهم.

فإن قال قائل: هذه الروافض بأسرها تأبى ذلك وتنكره، وطعن فيه، وترى تغييره.

قلنا: إن الروافض ليست منا بسبيل، لأن من كان أذانه غير أذاننا، وصلاته غير صلاتنا، وطلاقه غير طلاقنا، وعتقه غير عتقنا، وحجته غير حجتنا، وفقهاؤه غير فقهائنا، وإمامه غير إمامنا، وقراءته غير قراءتنا، وحلاله غير حلالنا، وحرامه غير حرامنا، فلا نحن منه ولا هو منا (1) .

الشبهة الثامنة:

قال الملحد: "الثامن في أخبار كثيرة دالة صريحاً على وقوع النقصان زيادة على ما مر رواها المخالفون"(2) .

ثم ذكر ما جاء عن طريق أهل السنة من أخبار نسخ التلاوة.

ولا مستمسك له في ذلك كما أسلفنا؛ لأن النسخ من الله سبحانه والتحريف من البشر.. ولذلك جاء الحديث عنها في كتب أهل السنة في باب النسخ.. ولا

(1) رسائل الجاحظ، رسالة حجج النبوة: 3/233-234

(2)

فصل الخطاب: ص162

ص: 1031

نعيد هنا ما قلناه سابقاً.. وهو يعيد الأدلة ويكررها بصور مختلفة ليصل بالأدلة إلى عدد أئمته الاثني عشر.

وقد أورد في هذا الموضع سورة مفتراة قال بأنه وجدها في كتاب دبستان مذاهب (1) . ولم يجدها في غيره من كتب الشيعة، وقال: لعلها سورة "الولاية" التي أشار إليها بعض شيوخ الشيعة، ثم أورد نصها بتمامه (2) . وهي عبارات ركيكة، وألفاظ ساقطة، ومعان متهافتة، وسياق مفكك، وجمل ينبو بعضها عن بعض.

فهي عبارة عن كلمات ملفقة تلفيقاً رديئاً من بعض ألفاظ القرآن، وموضوعها هو الأمر الذي أقلق الشيعة وهو خلو كتاب الله من شذوذهم، ولذلك فهي تذكر مسألة الوصية لعلي بالإمامة، وتكفير الصحابة لعصيانهم الوصي. تقول كلماتها"

"يا أيها الذين آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي. إن الذين يوفون ورسوله في آيات لهم جنات نعيم. والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم. ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول يسقون من حميم. إن الله الذي نور السموات والأرض بما شاء واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه يفعل الله ما يشاء

إن علياً من المتقين وإنا لنوفيه حقه يوم الدين.. فإنه وذريته الصابرون، وإن عدوهم إمام المجرمين

يا أيها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهداً فخذه وكن من الشاكرين بأن علياً قانتاً بالليل. يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون. سيجعل الأغلال في أعناقهم وهم على أعمالهم

(1) باللغة الإيرانية لمؤلفه محسن فاني الكشميري، وهو مطبوع في إيران طبعات متعددة، ونقل عنه هذه السورة المكذوبة على الله المستشرق نولدكه في كتابه "تاريخ المصاحف": 2/102، ونشرتها الجريدة الآسيوية الفرنسية سنة 1842م (ص431-439) (انظر: الخطوط العريضة ص13)

(2)

فصل الخطاب: ص180

ص: 1032

يندمون" (1) . إلخ.

هذه بعض كلماتها وهي لا تحتاج إلى نقد.

فهي من هذر الكلام وسقط المتاع، تلفيق مهلهل مضطرب المعاني والألفاظ، وإن أقل الأدباء ليأبى نسبتها إليه فضلاً عن أن تكون من كتاب الله الذي أعجز أرباب البيان وفرسان الفصاحة.

وقد نقد هذه "السورة المخترعة" الشيخ يوسف الدجوي في كتابه: "الجواب المنيف في الرد على مدعي التحريف في القرآن الشريف"(2) .

وقد ردها - أيضاً - وبيّن زيفها أحد شيوخ الشيعة وهو البلاغي في تفسيره آلاء الرحمن (3) .

وبطلانها أوضح من أن يبيّن، فلا حاجة إلى نقل ما قالاه، فأنت تلحظ أن الأمر ظاهر من مجرد النظر في ألفاظها، انظر إلى قوله - مثلاً -:"واصطفى من الملائكة، وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه" تجد أنها من وضع أعجمي لا يستطيع أن ينبئ عما يريد.

فماذا اصطفى من الملائكة؟ لم يكمل المعنى.

ولعله يريد اصطفي من الملائكة رسلاً إلى الأوصياء، فلم يستطيع إكمال الجملة.

وماذا جعل من المؤمنين؟

وما معنى أولئك في خلقه؟

وأنت ترى أنه ما رام أحد محاكاة القرآن إلا وابتلاه الله بالعي، وفضحه

(1) فصل الخطاب: ص180-181

(2)

انظر: الجواب المنيف: ص174 وما بعدها

(3)

انظر: آلاء الرحمن: ص24-25

ص: 1033

على رؤوس الأشهاد.

الشبهة التاسعة:

قال الملحد: "إنه تعالى ذكر أسامي أوصيائه وشمائلهم في كتبه المباركة السالفة، فلا بد أن يذكرها في كتاب المهيمن عليها"(1) .

وكونها لم توجد فهذا دليل تحريفه بزعمه، ثم ساق مجموعة من رواياتهم تذكر بأن أئمتهم الاثني عشر قد جاء ذكرهم في الكتب السماوية السابقة (2) .

وأقول: إن هذه الدعوى مبنية على أن أسماء الأئمة الاثني عشر قد ذكرت في كتب الأنبياء السابقة.. فهي دعوى باطلة بنيت على باطل، وخرافة عُلِّق ثبوتها على خرافة أخرى، فمن يسلّم بذكرهم في الكتب السماوية حتى يسلم بذكرهم في القرآن! "وهذه كتب الأنبياء التي أخرج الناس ما فيها من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ليس في شيء منها ذكر عليٍّ - فضلاً عن سائر أئمتهم - وهؤلاء الذين أسلموا من أهل الكتاب لم يذكر أحد منهم أنه ذكر عليٌّ عندهم"(3) .

لقد جاءت البشارة في الكتب السابقة بخاتم المرسلين. قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} (4) .

وجاء ذكر الصحابة والثناء عليهم في التوراة والإنجيل، قال تعالى:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} (5) .

(1) فصل الخطاب: ص184

(2)

فصل الخطاب: ص184-204

(3)

منهاج السنة: 4/46

(4)

الأعراف، 157

(5)

الفتح، 29

ص: 1034

وقد عز على هذه الزمرة أن يذكر رسول الهدى صلى الله عليه وسلم وصحابته ولا يذكر أئمتهم، والصحابة عندهم أهل ردة، وأئمتهم أفضل من الأنبياء والرسل.. فكيف يقولون لأتباعهم؟ لقد اخترعوا روايات تقول بأن الأئمة قد ذكروا في الكتب السماوية ولكن لِمَ لم يذكروا في كتاب الله؟ هذا ما لم يجدوا له جوابًا إلا القول بالتحريف الذي ارتد عليهم بأسوأ العواقب.

الدليل العاشر:

قال فيه: "لا إشكال ولا اختلاف بين أهل الإسلام في تطرق اختلافات كثيرة وتغيرات غير محصورة في كلمات القرآن وحروفه بالزيادة والنقصان واستقرار آراء المخالفين على اختيار سبعة من القراء منهم أو عشرة على ما بينهم من الاختلاف.. واعتنائهم بتوجيه قراءاتهم وإرجاعها إلى الرسول، كما زعموا فيكون القرآن في نفسه وعند نزوله مبنياً على الاختلاف وموضوعاً على المغايرة، وحيث إن القرآن لا تغير فيه ولا اختلاف فتكون هذه القراءات هي قراءة بغير ما أنزل الله".

وأورد جملة من أخبارهم تقول: بأن "القرآن واحد نزل من عند واحد وإنما الاختلاف من الرواة".

وطعن على الرواة السبعة وقال بعدم الاحتجاج بقراءتهم.. لأن "أول طبقات القراء هم الذين استبدوا الآراء ولم يبايعوا إمام زمانهم أمير المؤمنين"(1) .

يحاول هذا الملحد أن يتمسك بما ورد من القراءات لإثبات فرية طائفته وأسطورتهم، ولا مستمسك له به، ذلك أن اختلاف القراءات لا يؤدي إلى شيء من ذلك كما افترى، لأن ذلك كان يمكن لو أن كل واحد من القراء المختلفين في قراءة بعض الآيات كان يقرأ من عند نفسه ما يراه، لكن الأحاديث صريحة الدلالة في أن كل واحد منهم قد أخذ قراءته من الرسول صلى الله عليه وسلم وهي مخالفة لقراءة

(1) فصل الخطاب: ص210

ص: 1035

صاحبه، وأن النبي أقر كلاً منهم وأخبر بأنها هكذا أنزلت (1) . فبان أن الجميع نازل من عند الله، والفرق بين ذلك وأسطورة الشيعة فرق واضح جلي.

وقد اختلط على هذا الأفاك الأمر في مسألة القراءات والقرآن فظن التلازم بينهما، وهو جهل واضح؛ فالقرآن متواتر بإجماع المسلمين يتناقله الأجيال عن الأجيال حتى يبلغوا به النبي صلى الله عليه وسلم بينما القراءات فيها المتواتر والآحاد والشاذ، ومنها المدرج (2) . والموضوع.

ولم يقل أحد أن القرآن أخذ عن السبعة أو العشرة؛ إذ إن القراءات "مذهب من مذاهب النطق في القرآن يذهب به إمام من الأمة القراء مذهباً يخالف غيره".

قال الزركشي: "واعلم أن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز، والقراءات اختلاف الوحي المذكور في كتابه الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما"(3) .

والقراءات غير الأحرف السبعة (4) . التي أنكرها هذا الرافضي - وخلط بينها وبين القراءات السبع - مع أن الحديث في الأحرف السبعة ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم (5) .

(1) انظر: صحيح البخاري - مع الفتح -: 9/22

(2)

هو ما زيد في القراءات علي وجه التفسير (الإتقان: ص77)

(3)

البرهان: 1/318

(4)

وهذا لا نزاع فيه بين أهل العلم، وإنما يظن أنهما شيء واحد بعض الجهلة، لأن أول من جمع القراءات السبع أبو بكر بن مجاهد في أثناء المائة الرابعة.

(انظر: المرشد الوجيز لأبي شامة ص146، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 13/390، النشر لابن الجزري: 1/24)

(5)

والحديث بهذا المعنى أخرجه البخاري، في كتاب فضائل القرآن، باب أنزل على سبعة أحرف: ج (من البخاري مع شرحه فتح الباري) ص23 ح4992، ومسلم كتاب صلاة المسافرين، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه (ح818) ، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف: 2/158 (ح1475)

ص: 1036

وقد جاءت الرواية بنزول القرآن على سبعة أحرف في كتب الشيعة نفسها في جملة أحاديث حتى بوّب القمي لها في كتابه الخصال (1) .

والمتأمل لأسانيد تلك القراءات يرى أن جملة منها متصلة بمن ترى الشيعة إمامتهم كأمير المؤمنين عليّ، وجعفر وغيرهما. وقد مر بنا نقل اعتراف الشيعة بذلك (2) .

الشبهة الحادية عشرة:

قال الملحد: "الدليل الحادي عشر: في ذكر الأخبار المعتبرة الصريحة في وقوع السقط ودخول النقصان في الموجود من القرآن، وأنه أقل مما نزل إعجازاً على قلب سيد الإنس والجان، وهي متفرقة في الكتب المعتبرة التي عليها المعول عند الأصحاب"، وذكر أخباراً كثيرة من كتب طائفته في ذلك.

وهذه الروايات الكثيرة التي استشهد بها لا تدل على تحريف القرآن الذي أجمعت عليه الأمة، وتكفل الله بحفظه وقامت القرائن والبراهين القطعية على سلامته؛ إنما تشهد على كذب هذه الروايات وسقوط تلك الأحاديث، التي ينسبونها للأئمة وأنه لا ثقة برواياتها بعد هذا، وأن كتبهم هي المحرفة المفتراة.. وقد انكشف أمرها بهذه الفرية.. وبانت حقيقتها بهذه الأسطورة.

ودلالة أخباره على مطلوبه إنما يلزم بها أهل ملته، أما أمة الإسلام فلا.

وقد شهد شاهد من أهلها بأن أخبارهم في هذا الباب إنما رواها الغلاة والكذابون والمطعون في دينهم ممن لا تحل الرواية عنهم، والذي شهد بذلك شيخهم البلاغي في آلاء الرحمن، حيث قال:"هذا وإن المحدث المعاصر جهد في كتاب فصل الخطاب في جميع (3) . الروايات التي استدل بها على النقيصة".

(1) الخصال "نزل القرآن على سبعة أحرف": ص358

(2)

ص266 - 267

(3)

كذا في الأصل، ولعلها "جمع"

ص: 1037

وفي جملة ما أورده من الروايات ما لا يتيسر احتمال صدقها، ومنها ما هو مختلف باختلاف يؤول به إلى التنافي والتعارض.. هذا مع أن القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيده إلى بضعة أنفار، وقد وصف علماء الرجال كلاً منهم إما بأنه ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية، وإما بأنه مضطرب الحديث والمذهب يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء، وإما بأنه كذب متهم لا أستحل أن أروي من تفسيره حديثاً واحداً، وأنه معروف بالوقف وأشد الناس عداوة للرضا عليه السلام، وإما بأنه كان غالباً كذاباً، وإما بأنه ضعيف لا يلتفت إليه ولا يعول عليه ومن الكذابين، وإما بأنه فاسد الرواية يرمى بالغلو.

ومن الواضح أن أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتهم شيئاً (1) .

كذلك يذكر مرجع الشيعة في زمنه ميرزا مهدي الشيرازي بأن أخبارهم في ذلك شاذة ضعيفة في إسنادها، متناقضة في متونها؛ حيث قال:"وأما ما ورد في الأخبار التي ظاهرها وقوع التحريف في بعض الآي فلا يثبت بها ذلك (حيث) إنها شاذة ضعيفة الأسانيد، فإن كثيراً منها عن السياري (2) . الذي ضعفه علماء الرجل كما في الفهرست لشيخ الطائفة، والخلاصة للعلامة، والرجل للنجاشي أنه "ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية" (3) .

ثم بيّن تناقض متنها بقوله: "معارضة بعضها مع البعض من وجهين أحدهما: تعارضها في تعيين الساقط.. وثانيهما: ما ورد في روايات من سقوط اسم علي في مواضع كثيرة، مع أن بعض الروايات تدل على أن الله تعالى لم يسم علياً في

(1) البلاغي/ آلاء الرحمن: ص26

(2)

جاء في ترجمته عندهم: أحمد بن محمد بن سيار، أبو عبد الله الكاتب البصري، يعرف بالسياري، ضعيف الحديث، مجفو الرواية، كثير المراسيل.

(الفهرست للطوسي: ص51، رجال النجاشي: ص62، رجال الحلي: ص203)، قال ابن حجر:"كان في أواخر المائة الثالثة". (لسان الميزان: 1/252)

(3)

المعارف الجليلة: ص18

ص: 1038

القرآن" (1) .

هذا قول البلاغي والشيرازي في رجالهم وأسانيدهم.

ولسنا بحاجة إلى حكم الروافض، ولكن نذكرها لبيان تناقض أقوالهم، وشعورهم بتفاهة قولهم وسقوطه، ومحاولتهم التستر على مذهبهم، أو نفي هذا الكفر والعار الذي ألحقه بالطائفة شيوخهم الأوائل، بوضعهم هذا الإلحاد والكفر في أصولهم أمثال الكليني وإبراهيم القمي، والمجلسي وأضربهم.

ونأخذ أقوالهم في الحكم على أسانيدهم لهذا السبب.

الشبهة الثانية عشر:

قال الملحد: "الدليل الثاني عشر الأخبار الواردة في الموارد المخصوصة من القرآن الدالة على تغيير بعض الكلمات والآيات والسور بإحدى الصور المتقدمة وهي كثيرة جداً (يعني حسب أساطيرهم) ، حتى قال السيد نعمة الله الجزائري في بعض مؤلفاته كما حكي عنه: أن الأخبار الدالة علي ذلك تزيد على ألفي حديث وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق الداماد والعلامة المجلسي وغيرهم، بل الشيخ أيضاً صرح في التبيان بكثرتها، بل ادعى تواترها جماعة ونحن نذكر ما يصدق دعواهم"(2) .

ثم أخذ في ذكر ما جاء في أخبارهم مما يزعمون أنه هو القرآن السالم من التحريف، فذكر (1062) مثالاً على ترتيب سور القرآن، وعلى مدى مائة صفحة، وسأذكر شيئًا منها لتتبين حقيقة الأهداف المتوخاة من هذه الافتراءات. وقبل ذلك أقول: إن كثيرة أخبارهم في هذا الباب إنما يلزم بها أهل دينه، أما أمة الإسلام فلا.. وهذه الكثرة التي يحكيها تدل على أن دين الشيعة سداه ولحمته الكذب، والكيد للإسلام بمحاربة ركنه العظيم، وأصله الذي يقوم عليه هو القرآن.

(1) المعارف الجليلة: ص18

(2)

فصل الخطاب: ص 251-252

ص: 1039

وهذا الملحد يحكي كثرة هذا الباطل عندهم واستفاضته، وآخرون يدعون ندرته وشذوذه، والكل من شيوخهم المعتبرين عندهم.. أليس هذا عنوان تاقض هذا المذهب وأصحابه؟!

وهذه الدعوى يعدها دليلاً على إثبات مراده، وهي عنوان كفره، ووصمة عار يلطخ بها قومه إلى الأبد، وإذا لم تستح فاصنع ما شئت، وليس بعد الكفر ذنب.

وهو بهذه الدعوى يريد أن يصرف قومه عن كتاب الله، لأن كتابهم المزعوم لا زال مع غائبهم الموهوم رهين العزلة الدائمة، والغيبة الأبدية، لأنه لم يولد أصلاً.

أما الأمثلة التي ساقها فهي محاولة يائسة لوضع سند لعقائدهم في كتاب الله، وإقناع أتباعهم والحائرين من بني قومهم الذين حيرهم وزلزل بنيانهم خلو أصل الإسلام العظيم من أمر ولاية الاثني عشر، وهي عندهم الدين كله، فمما قال هذا الملحد:

1ـ سورة البقرة: "

عن جابر الجعفي عن أبي عبد الله في قول الله عز وجل: (وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله (في علي) قالوا نؤمن بما أنزل علينا) (1) .

فأنت ترى أنهم أقحموا "في علي" على الآية الكريمة، ولم يفطن هؤلاء الزنادقة أن الآية في بني إسرائيل، وأن ما زادوه يكاد يلفظه السياق، وأن لفظ الآية يكذبهم؛ فقولهم:"بما أنزل علينا" نص صريح في أنها ليست في هذه الأمة. ولكن هؤلاء إما أنهم زنادقة أعاجم لا يفقهون معنى الآيات، وإما أن هذا أمر مقصود لإضلال الشيعة والخروج بهم إلى طريق الكفر والإلحاد..

2 ـ سورة الأنعام: روى الكليني عن أبي عبد الله: "إن الذين فارقوا أمير

(1) فصل الخطاب: ص254

ص: 1040

المؤمنين وصاروا أحزاباً" (1) . يحاولون بذلك تغيير قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (2) .

ولم يعرف هؤلاء الملحدون كيف يضعون؛ إذ إن الآية مكية، ولم يكن ثمة أمير للمؤمنين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والجميع أتباع لرسول الله لا أتباع لعلي حتى يفارقوه.

3 ـ سورة براءة: قال الملحد: "روى الكليني والعياشي عن أبي الحسن الرضا أن الحسين بن الجهم قال له: إنهم يحتجون علينا بقول الله: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} قال: وما لهم في ذلك، لقد قال الله: (فأنزل الله سكينته على رسوله) .. وما ذكر فيها بخير قال: قلت له: وهكذا قراءتها؟ قال: هكذا قراءتها، وعن أبي جعفر مثله، ألا ترى أن السكينة إنما نزلت على رسوله وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وهو الكلام الذي تكلم به عتيق (يعني أبا بكر) ". قال الملحد: "والآية تدل على عدم إيمان الصاحب"(3) .

فترى هؤلاء الزنادقة حاولوا تحريف قوله سبحانه: {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} (4) .

بحذفهم "عليه" وزيادتهم (على رسوله) ، وهدف الرافضة تكفير أبي بكر بتحريف النص الذي هو أعظم مناقب الصديق رضي الله عنه، وغاب عن هؤلاء الأعاجم أن هذا التغيير لا يؤدي الغرض الذي يذهبون إليه (5) .

(1) فصل الخطاب: ص262

(2)

الأنعام، 159

(3)

فصل الخطاب: ص 266

(4)

التوبة، 40

(5)

قال ابن كثير في قوله: {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أشهر القولين (تفسير ابن كثير: 2/384)، وقيل: على أبي بكر وهو قول علي بن أبي طالب وابن عباس، وحبيب بن ثابت (زاد المسير: 3/41)

ص: 1041

فأنت ترى أن "تحريفاتهم" وأساطيرهم، تسير في فلك الولاية وتكفير الصحابة.

وعلى هذا المنوال تجري غالب أساطير هذا الملحد التي ذكرها.

وبعد أن عرض هذا الملحد شبهاته الاثني عشر (1) ، حاول أن يرد على الجناح الآخر من الشيعة الذي أبى أن يوافق على هذه الأسطورة، لوضوح فسادها، وعقد الباب الآخر لكتابه في هذا الشأن، حيث عرض أدلتهم وحاول الإجابة عليها.

وسأذكر فيما يلي حجج المنكرين لهذه الفرية من الشيعة، وأشير إلى إجابات هذا الملحد عليها، وأناقشه فيما يقول.

والحقيقة أن هذا الباب الذي عقده أبطل به افتراءاته؛ لأنه لم يستطيع أن يجيب على أدلة قومه المنكرين لكفره - كما سترى -:

قال الملحد: "الباب الثاني في ذكر أدلة القائلين بعدم تطرق التغيير مطلقاً في كتاب الله تعالى، وأن الموجود هو تمام ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وهي أمور عديدة:

الأول: قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (2) :

قال الملحد: "واعترض بأن المراد الحفظ من تطرق شبه المعاندين؛ حيث

(1) بإمكان القارئ الرجوع للتوسع في الرد على أباطيل الروافض في هذا الباب إلى "الانتصار" للباقلاني (يوجد الجزء الأول منه في 304 ورقة بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة) أو إلى "نكت الانتصار لنقل القرآن" تحقيق د. محمد زغلول. فشبهات هذا الرافضي ليست جديدة؛ إذ قال بها أسلافه من الزندقة، ورد عليها علماء المسلمين، ويبدو لي أن هذا الرافضي أخذ هذه الشبهات مما كتبه بعض علماء المسلمين بدون ردودهم ليضل قومة سواء السبيل. (قارن شبهاته بما جاء في نكت الانتصار للباقلاني)

(2)

الحجر، 9

ص: 1042

لا يوجد فيه بحمد الله مدخل إلى القدح فيه" (1) .

فانظر إلى هذا الاعتراض الأبله من هذا الملحد؛ حيث عدّ قولهم "بالتحريف" ليس من شبه المعاندين فلا يدخل في عموم الحفظ!.

إن الحفظ أقرب معانيه: الحفظ من التغيير والتبديل، والآية ظاهرة في العموم وإن كره الكافرون.

وقال: "واعترض أيضاً: بأن الضمير في قوله: "له" راجع النبي صلى الله عليه وسلم لا إلى القرآن فلا شاهد عليه"(2) .

ومن الواضح الجلي أن الضمير يعود إلى الذكر، والضمير في لغة العرب يعود إلى أقرب مذكور، "فهو واضح من السياق"(3) . ثم هل يحفظ الله رسوله ويضيع كتابه؟!، فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً.

وقال الملحد: "لو سلم شموله للحفظ من التغيير (4) . أيضاً فإنما هو القرآن في الجملة، لا لكل فرد، فإن ذلك واقع، ربما مزق كما صنع الوليد وغيره"(5) .

وهذا اعتراض جاهل زعم أن احتراق نسخة من القرآن هو تغيير له، ولهذا رد على هذا بعض شيوخهم المنكرين لهذا الكفر، فقال:"هذا كلام لم يصدر عن روية، فإن المراد من حيث هو؛ أعني ما أرسل به محمد صلى الله عليه وسلم، لا ما رسم فيه من النسخ، فإن جميعها يؤول إلى التلف وهو في الصدور، والصحف محفوظة، حتى لو فرض - ونعوذ بالله - تلف كل نسخة على وجه الأرض.. لكان أيضاً محفوظاً"(6) .

(1) فصل الخطاب: ص360

(2)

فصل الخطاب: ص 360

(3)

تفسير ابن كثير: 2/592

(4)

أي: ولم يقتصر على مجرد الحفظ من تطرق شبه المعاندين كما يفهم الأمر هؤلاء الملاحدة

(5)

فصل الخطاب: ص360

(6)

وهذا قاله محسن الكاظمي في شرح الوافية، ونقلة عند صاحب فصل الخطاب ص 360

ص: 1043

الثاني: قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (1) .

وقد تلجلج الملحد واضطرب في الإجابة عن الآية، فهو تارة يقول:"إن الحذف والتغيير وإن كان باطلاً لكن ليس المراد من الآية"(2) .

أما لماذا لا يكون مراداً مع أن التغيير فيه هو من أبطل الباطل، فإن شهوة التعصب عند هذا الملحد تقول:"ظاهرها (يعني الآية) أن لا يجوز أن يحصل فيه ما يستلزم بطلانه من تناقض أحكامه أو كذب في إخباراته وقصصه"(3) .

فانظر إلى هذا التأويل الذي يدل على عقلية سقيمة، أو زندقة مقنعة، أو كلاهم معاً، فإن القرآن لو وقع فيه - معاذ الله - ما يراه الملحد من التغيير لوقع فيه التناقض في أحكامه والكذب في أخباره.

ثم قال: "وأما ثانياً (4) . فلأنه منقوض بمنسوج التلاوة والحكم أو التلاوة فقط"(5) .

وهذه عودة على حجته التي نقضناها.. وكأنه بهذا يكذب رب العالمين لأنه يزعم أن النسخ من الباطل وقد وقع في كتاب الله، فانظر ما أعظم جرمه؟!

والنسخ حق لأنه جاء من عند الحق، وقد أقر به حتى شيوخ هذا الملحد المتقدمين كالمرتضى والطبرسي (6) ، فكأن هذا ومن يشايعه من المعاصرين قد ركبوا طورًا من الغلو لم يخطر ببال أسلافهم.

(1) فصلت، 42

(2)

فصل الخطاب: ص362

(3)

فصل الخطاب: ص362

(4)

ما مضى هو الوجه الأول عنده

(5)

فصل الخطاب: ص362

(6)

انظر: ص (1020) من هذه الرسالة

ص: 1044

ثم قال الملحد: "فيكفي في انتفاء الباطل عنه انتفائه من ذلك الفرد المحفوظ عند أهل البيت"(1) .

فتعجب من نظرة هؤلاء الروافض، كيف يؤولون آيات حفظ الله لكتابه، بكتابهم الموهوم، مع غائبهم المزعوم، والذي لم تعرف الأمة عنهما شيئاً، ولم تر لهما أثرًا.

ثم ماذا يجدي حفظه عند منتظرهم، وهل يغني ذلك شيئاً للناس؟ وإلا لأغنى عدم تغيره عند الله.. ولا شك أن الله سبحانه حفظ القرآن بعد نزوله ليبقى للأمة دستوراً ومنهج حياة إلى أن تقوم الساعة، ولا معنى ولا حكمة من الحفظ إلا هذا.

الثالث: الأخبار الكثيرة الواردة - عندهم - في بيان ثواب سور القرآن (2) .

قال الصدوق: "وما روي من ثواب قراءة كل سورة من القرآن، وثواب من ختم القرآن كله، وجواز قراءة سورتين في ركعة نافلة، والنهي عن قراءة سورتين في ركعة فريضة (هذا حسب رواياتهم) تصديق لما قلناه في أمر القرآن، وأن مبلغه ما في أيدي الناس، وكل ما روي من النهي عن قراءة القرآن كله في ليلة واحدة، وأنه لا يجوز أن يختم القرآن في أقل من ثلاثة أيام تصديق لما قلناه"(3) .

(1) فصل الخطاب: ص363

(2)

فصل الخطاب: ص363

(3)

الاعتقادات: ص102، فصل الخطاب:363.

وقد حاول الإجابة عن ذلك فقال بأن الأمر بقراءة القرآن وختمه

إلخ لا يعني عدم تحريفه، واحتج على هذه الدعوى بمقتضى أصولهم المنكرة. وهو باطل بني على باطل، فقال بأنه كالحث على التمسك باتباع الإمام.. وعدم القدرة على ذلك لعدم تمكنه لإظهار ما أودع عنده لخوف أو تقية. (فصل الخطاب: ص363) .

وهذا مبني على مذهب الروافض في الغيبة والتقية وولاية الإمام، وقد تقدم بطلان ذلك ومخالفته للنقل والعقل وما علم بالضرورة والتواتر، وإثارة هذا الموضوع أصلاً مبني على شذوذهم الذي لم يجدوا له شاهداً في كتاب الله

ص: 1045

الرابع: الأخبار المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة بعرض أخبارهم عليه والعرض على المحرف لا وجه له، وعلى المنزل المحفوظ لا يستطاع (1) .

الخامس: من الأدلة التي استدل بها الجناح المناهض لخرافة التحريف عند أصحابهم - بأنه قد ورد عندهم.. متواتراً - الأمر بالتمسك بالكتاب والعترة، وهذا يدل على أنه موجود في كل عصر، لأنه لا يجوز أن تؤمر الأمة بالتمسك بما لا تقدر على التمسك به (2) .

(1) فصل الخطاب: ص364.

وهذا الوجه كشف تناقض الشيعة بشكل كبير، وقد استغلق الأمر على صاحب فصل الخطاب فاضطر إلى الإجابة على هذا الوجه بالاعتراف ببعض الحق، حيث قال:"هو قرينة على أن الساقط لم يضر بالموجود وتمامه من المنزل للإعجاز، فلا مانع من العرض عليه مضافاً إلى اختصاص ذلك بآيات الأحكام لعدم دخول نقص على الخلفاء من جهتها". (فصل الخطاب: ص364) .

وهذه الإجابة لا تكفي في إزالة التناقض بين نصوصهم التي تأمر بالعرض على القرآن، ونصوصهم التي تقول بالتحريف ودعوى تخصيص ذلك بآيات الأحكام لا دليل عليه، لأن أخبارهم في وجوب عرض جميع رواياتهم على القرآن عامة شاملة لم تخصص ذلك في آيات الأحكام

(2)

انظر: الطوسي/ التبيان: 1/3، فصل الخطاب: ص364.

وقد رد الملحد هذا الدليل بمقتضى خرافات الشيعة، حيث جاء الأمر عندهم بالتمسك بالعترة، ومع ذلك غاب الإمام منذ قرون، فالكتاب كذلك، وقد رد على ذلك أحد شيوخهم (وهو محسن كاظمي في شرح الوافية) فقال:"إن التمسك بهم.. ممكن مع الغيبة (يعني غيبة منتظرهم) للعلم بهم وبطريقتهم، وهذا بخلاف التمسك بالكتاب فإنه إنما يتحقق بالأخذ به، ولا يمكن إلا بالاطلاع عليه"(انظر: فصل الخطاب ص365) .

ولم يرتض الملحد هذا الجواب فقال: "إن العلم بجميع طريقة الإمام في الغيب لم يدعه أحد من الأعلام" ثم ذكر كلاماً مفاده أنه يكفي العلم ببعض طريقة الإمام، وكذلك يكفي العلم ببعض القرآن السالم من التحريف. (فصل الخطاب: ص365) .

وهكذا فإن المذهب يهدم بعضه بعضاً

ص: 1046

السادس: أنه لو سقط منه شيء لم تبق ثقة في الرجوع إليه (1) .

السابع: أن سقوط شيء منه مع شدة هذا الضبط والاهتمام خارج عن مجاري العادات. قال السيد شارح الوافية (2) . فيه: أن طول المدة أدعى لضبط ما تمد إليه الأعناق، ولا يرو إلا لداع، وأنى يخفى مثله وهو صلى عليه وآله إذا تغشاه الوحي ثقل حتى إذا كان راكباً ارتدت قوائم الدابة، فإذا تسرى عنه تلا عليهم ما نزل عليه فليكن كخطيب مصقع أو كشاعر مغلق ينشد البيت بعد البيت، ويلقي الكلام بعد الكلام في مظان الحكمة، ومحل الحاجة خصوصاً إذا كان لوروده شاهد معلوم وعلامة بينة وهو صلى الله عليه وآله إنما يأتيهم بالوعد والوعيد، والترغيب والتهديد، والتكاليف الحادثة، وأقاصيص الأمم السافلة، والأقاويل الغريبة، وهناك أمم من الناس يتطلعون لما برز منه رغبة أو رهبة، وقد كلفهم بتلقيه وتلاوته، وحفظه والنظر في معانيه، ووعدهم على ذلك الجنات..

(1) وهنا انكشف - أيضاً - هذا الملحد في جوابه عن هذا الدليل فقال: إن هذا لا يقدح "لاحتمال كون الظاهر المصروف عن ظاهر من الظواهر الغير المتعلقة - كذلك - بالأحكام الشرعية العملية التي أمرنا بالرجوع فيما إلى ظاهر الكتاب"(فصل الخطاب: ص365) .

كأنه يشير إلى أن رجوعهم إلى القرآن إنما هو فقط في آيات الأحكام أو أنهم يرجعون إلى تأويلاتهم الباطنية لآيات القرآن إلا في آيات الأحكام فيرجعون إلي الظواهر.. ثم قال: "إن إرشاد الأئمة إلى التمسك بها (يعني آيات الأحكام) وتقريرهم الأصحاب عليه وتمسكهم بها في غير واحد من الموارد كاشف عن عدم سقوط ما يوجب الإجمال - كذا - في الموجود من آيات الأحكام وغير مناف للسقوط في غيرها"(السابق ص365) .

فهو هنا يجعل أخباره وأساطيره هي الحاكمة على القرآن، فيقبل حكمها بالرجوع إلى آيات الأحكام، ويفسر الأمر برواياتها بالتمسك بالكتاب بذلك.

والحقيقة أن صورة التناقض عندهم واضحة، فالأمر بالتمسك بالكتاب عام يشمل آيات الأحكام وغيرها، وأساطير التحريف عامة كذلك.. والتناقض دليل سقوط أخبارهم وأنهم ليسوا على شيء

(2)

محسن بن السيد الأعرجي الحسيني الكاظمي المتوفى سنة 1227هـ، له كتاب "شرح الوافية" أو "المحصول" أشار صاحب الذريعة إلى أنه رأى عدة نسخ منه عند بعض شيوخهم. (الذريعة: 20/151)

ص: 1047

وجعل تلاوته من أعظم أنواع العبادات.. ولهذا كان منهم من يقطع الليل بتلاوته. على أنه لم يقنع بهذا كله حتى وكل لكتابته وحفظه وحراسته أربعة عشر (1) . يعرضون عليه، ويدرسونه لديه، لأنه معجز النبوة ومأخذ الأحكام ومأخذ الأحكام الشرعية، ومرجع الأمة، وشاهد الأئمة، حتى إن جماعة منهم كعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب ختموه عليه عدة ختمات.

وما زال يفشو أمره وينتشر ضياؤه، ويعلو سناؤه يوماً فيوماً وعاماً فعاماً وقرناً فقرناً حتى صار من أعظم المتواترات ظهوراً، ومن هنا تعرف سرّ ما قال سيدنا المرتضى فيما حكى عنه شيخنا أبو علي في المجمع أن: العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان، والحوادث الكبار، والوقايع العظام

(ثم نقل ما سبق أن نقلنا عن الشريف المرتضى)(2) .

وقال: إن القرآن المجيد ليس بذلك الكثير الذي لا يمكن جمعه ولا بالمبثوث الذي لا يضم نشره؛ وإنما هو بمنزلة ديوان شعر لعظيم من الشعراء قد اشتمل على نفائس الشعر وطرف الحكمة وشوارد الأمثال، وله حملة وحفاظ، وناس يتناشدونه في مجامعهم، ويكتبونه في دفاترهم بحيث إذا ذهب عليهم بيت منه فضلاً عن قصيدة أو مقطوعة افتقدوه

ونادى منادي السلطان في حملته وحفاظه والذين يتناشدونه ويكتبونه أن ائتونا بما عندكم.. أتراه يشذ عليه بعد هذا شيء؟

والكتاب العزيز أجلّ مما ضربنا، وحملته وكتابه وحفظته أكثر مما قلناه، وتوجه الرغبات إليه أشد، وله قراء كثيرون وحفاظ. وجمعيه في أيام النبي صلى الله عليه وسلم

(1) كتاب النبي صلى الله عليه وسلم عديدون أحصى أسماءهم عدد من العلماء، وقد ذكر منهم أبو شامة نحواً من خمسة وعشرون اسماً. (انظر: المرشد الوجيز ص46) . وذكر منهم ابن القيم سبعة عشر صاحبياً. (زاد المعاد 1/117) .

ولعل من أكثرهم استيعاباً الحافظ العراقي، إذ ذكر اثنين وأربعين كاتباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. (انظر: التراتيب الإدارية للكتاني: 1/116) ، وعدهم البرهان الحلبي في حواشي الشفا فأوصلهم إلى ثلاثة وأربعين (المصدر السابق: 1/117، وانظر: الصباغ/ لمحات في علوم القرآن: ص67)

(2)

ص: (292-293)

ص: 1048

وآله - فضلاً عما بعده - جماعة حتى قال القرطبي: قد قتل يوم اليمامة سبعون من القراء، وقتل في عهد النبي صلى الله عليه وآله في بئر معونة مثل ذلك، وروى البخاري عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: أربعة من الأنصار: أبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قلت: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي.

هذا كله مضافاً إلى شدة اعتناء الله جل ذكره بشأنه وصدق وعد الله بحفظه وإظهار هذا الدين الذي هو من أعظم أركانه، حتى جعل أشد الناس إباء لظهوره، وأقلهم احتفالاً بمكانه من السعادة في حفظه وصيانته كما حفظ بيضة الإسلام مع تهالكهم في استئصال ذريته (1) .

وتوفر الدواعي على نشره للمسلمين والكفار والمنافقين للتحدي والإعجاز واشتماله على أمهات الأحكام، والقراءة في المصحف والعلم بما فيه والتعلم والتعليم لأنفسهم ولأولادهم، وللختم في شهر رمضان، وفي كل شهر مرة، وفي كل سبعة أيام أو ثلاث أو ليلة كله، أو قراءة شيء منه في كل ليلة، والحفظ وشرف الحمل والنظر فيه والتفكر في معانيه، وأمثاله، ووعده ووعيده.. إلى غير ذلك مما لا تحصى (يعني من دواعي حفظه) مع كثرة المسلمين وغلبتهم حتى في غزوة تبوك كان عسكر الإسلام ثلاثين ألفاً، وفي حجة الوداع اجتمع سبعون ألفاً (2) .

وقد ضاق ذرعاً صاحب فصل الخطاب وهو ينقل هذه الكلمات عن شيوخه المنكرين لهذه الفرية وعقب عليها بقوله: "انتهى ما أوردنا نقله من الكلمات التي تشبه بكلام من لا عهد له بمباحث الإمامة، وحال أصحاب النبي صلى الله عليه وآله في الضلالة والغواية في حياته وبعد وفاته"(3) .

(1) انظر: فصل الخطاب: ص365-367

(2)

انظر: فصل الخطاب: ص367

(3)

فصل الخطاب: ص367

ص: 1049

ولجملة من شيوخهم كلمات من هذا القبيل في دحض هذه الفرية لظهور فسادها، ولذلك قال الألوسي بعدما ذكر إنكار الطبرسي لهذا الكفر:"وهو كلام دعاه إليه ظهور فساد مذهب أصحابه حتى للأطفال، والحمد لله على أن ظهر الحق وكفى الله المؤمنين القتال"(1) .

وبعد، فهذا الكتاب الذي كتبه صاحبه وصوبه سهماً إلى كتاب الله سبحانه، لم يضر كتاب الله شيئاً، بل ارتد إلى طائفته وعاد عليها بأسوأ العواقب، فقد أصبح فضيحة الشيعة الكبرى، وكان من أعظم الأدلة والبراهين على سقوط أخبارهم وتهافت رواياتها، وأنه لا عبرة بتواترها واستفاضتها، ولهذا قال أحد شيوخ الشيعة المعاصرين:

"ما أجاد في تأليفه، ولا وافق الصواب في جمعه، وليته لم يؤلفه، وإن ألفه لم ينشره، وقد صار ضرره أكثر من نفعه، بل لا نفع يتصور من نشره، فإنه جهز السلاح للعدو وهيأه..".

ثم قال: "ويقال: إن بعض أعداد الدين وخصماء المذهب حرضه على تأليف ذلك الكتاب وهو رحمه الله لم يشعر بذلك الغرض الفاسد، وليس هذا الحدس أو النقل ببعيد"(2) .

هكذا يتمنون أن تكون هذه المسألة مستورة لا مفضوحة، وأن تبقى رواياتها متفرقة لا مجموعة، لأنه قد صار ضرره عليهم أكثر من نفعه، بل لا نفع من نشره، وليبق سري التداول بينهم. فهل هذا يدلنا على أن لديهم كتباً لا تحظى بالنشر، لأن معلوماتها مثيرة للعالم الإسلامي، وآثارها خطيرة فبقيت رهينة التداول بينهم؟ إن هذا ليس ببعيد (3) .

(1) روح المعاني: 1/24

(2)

الطبطبائي/ الأنوار النعمانية: 2/364 (الهامش)

(3)

بل قد يكون واقعاً، حتى أنك ترى أن بعض أجزاء البحار قد منع طبعها، بأمر من "حوزاتهم"

ص: 1050