الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: الغلو في التصوف
(أو القول بالحلول والاتحاد) :
وتتمثل "صورة التصوف عنده" في أوضح مظاهرها في كتابه "مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية" ثم كتابه الآخر "سر الصلاة".. وفيما يلي بيان لبعض اتجاهاته الصوفية الغالية:
أ- قوله بالحلول الخاص:
يقول عن أمير المؤمنين علي: "خليفته (يعني خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم القائم مقامه في الملك والملكوت، المتحد بحقيقته في حضرت الجبروت واللاهوت، أصل شجرة طوبى، وحقيقة سدرة المنتهى، الرفيق الأعلى في مقام أو أدنى، معلم الروحانيين، ومؤيد الأنبياء والمرسلين علي أمير المؤمنين"(1) .
فانظر إلى قوله: "المتحد.. باللاهوت" تجده كقول النصارى باتحاد اللاهوت بالناسوت، ومن قبل زعمت غلاة الشيعة أن الله حلّ في علي (2) . ولا تزال مثل هذه الأفكار الغالية والإلحادية تعشعش في أذهان هؤلاء الشيوخ كما ترى.
ومن منطلق دعوى حلول الرب بعلي - كما يفتري - ينسب الخميني لأمير المؤمنين علي أنه يقول: "كنت من الأنبياء باطنياً ومع رسول الله ظاهراً"(3) .
ويعلق عليه فيقول: "فإنه عليه السلام صاحب الولاية المطلقة الكلية والولاية باطن الخلافة.. فهو عليه السلام بمقام ولايته الكلية قائم على كل نفس بما كسبت، ومع كل الأشياء معيّة قيّومية ظليّة إلهية ظل المعية القيومية الحقة الإلهية،
(1) مصباح الهداية: ص1
(2)
انظر القول بالحلول عند عدد من فرق غلاة الشيعة في: مقالات الإسلاميين: 1/83-86، وأشار الشهرستاني إلى أن غلاة الشيعة كلهم متفقون على القول بالحلول (الملل والنحل: 1/175)
(3)
مصباح الهداية: ص142
إلا أن الولاية لما كانت في الأنبياء أكثر خصهم بالذكر" (1) .
فأنت ترى أن الخميني يعلق على تلك الكلمة الموغلة في الغلو والمنوسبة زوراً لأمير المؤمنين، بما هو أشد منها غلواً وتطرفاً؛ فهو عنده ليس قائماً على الأنبياء فحسب، بل على كل نفس ويختار الآية المختصة بالله سبحانه ليصف بها المخلوق. قال تعالى:{أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} (2) .
أي أنه سبحانه: "حفيظ عليم رقيب على كل نفس منفوسة" قال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَاّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} (3) . (4) .
وقد تبينت الحقيقة لكل ذي عينين، فماذا بعد القول بأن علياً هو القائم على كل نفس غلواً، إذ هو تأليه صريح؟!
وقال في قوله عز وجل: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} (5) قال: "أي ربكم الذي هو الإمام"(6) .
ب- قوله بالحلول والإتحاد الكلي:
وتجاوز الخميني مرحلة القول بالحلول الجزئي، أو الحلول الخاص بعليّ إلى القول بالحلول العام.. فهو يقول - بعد أن تحدث عن التوحيد ومقاماته حسب تصوره -:"النتيجة لكل المقامات والتوحيدات عدم رؤية فعل وصفة حتى من الله تعالى، ونفى الكثرة بالكلية، وشهود الوحدة الصرفة.."(7) .
(1) مصباح الهداية: ص142
(2)
الرعد 33
(3)
يونس 61
(4)
تفسير ابن كثير: 2/556
(5)
الرعد 2
(6)
مصباح الهداية: ص145
(7)
مصباح الهداية: ص134
ويبدو أن قوله: "عدم رؤية فعل وصفة حتى من الله تعالى" للتأكيد على مذهب الاتحادية، لأن رؤية فعل متميز، وإثبات صفة معنية لله يعني إثبات الغيرية والتثنية وهذا شرك عندهم.
ثم ينقل عن أحد أئمته أنه قال: "لنا مع الله حالات هو هو ونحن نحن، وهو نحن، ونحن هو"(1) .
ثم يعلق على ذلك بقوله: "وكلمات أهل المعرفة خصوصاً الشيخ الكبير محي الدين مشحونة بأمثال ذلك مثل قوله: الحق خلق، والخلق حق، والحق حق، والخلق خلق".
وقال في نصوصه: "إن الحق المنزه هو الحق المشبه"(2) . ثم نقل جملة من كلمات ابن عربي (3) . وقال: "لا ظهور ولا وجود إلا له تبارك وتعالى والعالم خيال في خيال عند الأحرار"(4) .
وقال: "وإذا نظف دار التحقق من غبار الكثرة، وطوى الحجب النورانية والظلمانية ونال مقام التوحيد الذاتي، والفناء الكلي تحصل له الاستعاذة الحقيقية..".
ثم قال: وقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} رجوع العبد إلى الحق بالفناء الكلي المطلق" (5) .
ثم تراه كثيراً ما يستدل على مذهبه في وحدة الوجوع بقول ابن عربي والذي يصفه بالشيخ الكبير (6) ، والقونوي، ويصفه بـ"خليفة الشيخ الكبير محيي الدين"(7) .
وهكذا تبين أن الخميني قد أخذ منهج أهل الحلول والاتحاد.
(1) مصباح الهداية: ص114
(2)
في الأصل المنقول عنه "المشيئة" وهو تصحيف واضح
(3)
مصباح الهداية: ص114
(4)
مصباح الهداية: ص123
(5)
سر الصلاة: ص178
(6)
انظر - مثلاً -: ص84، 94، 112 من مصباح الهداية
(7)
انظر: ص110 من مصباح الهداية