المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: السكاكي وفن الوصل - الفصل والوصل في القرآن الكريم

[منير سلطان]

الفصل: ‌ثانيا: السكاكي وفن الوصل

‌ثانيا: السكاكي وفن الوصل

1:

1-

يقسم السكاكي الجمل إلى قسمين "جمل لها محل من الإعراب" وأخرى "لا محل لها من الإعراب"، ويبين أن عطف جملة على ما لها محل من الإعراب ليس مشكلا، إنما المشكل أن تعطف جملة على أخرى لا محل لها من الإعراب.

2-

وسهولة العطف بحروف العطف جميعا تتحقق من اتباع ثلاثة أصول هي: معرفة الموضع الصالح له حرف العطف، ومعرفة فائدة هذا الحرف في ربط الجملتين -إذا كان الفاء أو ثم أو حتى أو بل

إلخ - ومعرفة كونه مقبولا في مكانه لا مردودا - واتباع هذه الأصول مع الواو يحتاج إلى بصر بالحاجة إلى الوصل بها أو طرحها.

3-

وإذا كان كل واحد من وجوه الإعراب دالا على معنى كما تشهد لذلك قوانين علم النحو، فإن فائدة الواو هي مشاركة المعطوف والمعطوف عليه في ذلك المعنى، وشرط كون العطف بالواو مقبولا أن يكون بين المعطوف والمعطوف عليه جهة جامعة، بخلاف نحو: الشمس ومرارة الأرنب، وسورة الإخلاص والرجل اليسرى من الضفدع.

4-

سبب دقة مسلك الوصل بين الجمل التي لا محل لها من الإعراب أن الأصول الثلاثة السابقة في شأنه غير ممهدة، وهذا ما جعل أئمة علم الأصول يقصرون البلاغة على معرفة الفصل والوصل.

1 المفتاح 141 وما بعدها.

ص: 150

أولا: الوصل للتوسط بين كمال الاتصال وكما الانقطاع:

وهي أن تختلفا خبرا وطلبا، وأن يكون المقام مشتملا على ما يزيل الاختلاف من تضمين الخبر معنى الطلب، أو الطلب معنى الخبر ومشركا بينهما في جهات جامعة، ومثله قوله تعالى:{فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَأَلْقِ عَصَاكَ} 1. فإن الكلام مشتمل على تضمين الطلب معنى الخبر، وذلك أن قوله: {وَأَلْقِ عَصَاكَ} معطوف في على قوله {أَنْ بُورِكَ} والمعنى: فلما جاءها قيل بورك وقيل ألق عصاك، لما عرفت في علم النحو أن هذه لا تأتي إلا بعد فعل في معنى القول، وإذا قيل: كتبت إليه أن ارجع، وناداني أن قم، كان بمنزلة: قلت له ارجع وقال لي قم. ومن ذلك: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا} 2 أي وقلنا: اتخذوا، إلى غيرها من الشواهد التي عددها السكاكي.

أو أن تتفق الجملتان خبرا، والمقام على حال إشراك بينهما في جوامع، ثم كلما كانت الشركة أكثر وأظهر كان الوصل بالقبول أجدر، وذلك مثل قوله تعالى:{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} 3، وقوله تعالى:{إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} 4، وغير ذلك"5.

1 النمل: 8-10.

2 البقرة: 125.

3 سبأ: 2، الحديد:4.

4 الانفطار: 13-14.

5 المفتاح 146 و147.

ص: 151

ثانيا: الثبوت والتجدد مع الجملتين الموصولتين:

يقول السكاكي: واعلم أن الوصل من محسناته أن تكون الجملتان متناسبتين ككونهما اسميتين أو فعليتين، وما شاكل ذلك. فإذا كان المراد من الإخبار مجرد نسبة الخبر إلى المخبر عنه من غير التعرض لقيد زائد، كالتجدد والثبوت، وغير ذلك لزم أن تراعي ذلك فتقول: قام زيد وقعد عمرو، أو: زيد قائم وعمرو قاعد، وكذا: زيد قام وعمرو قعد، وأن لا تقول: قام زيد وعمرو قاعد، وكذا: قام زيد وعمرو قعد

إلخ. كما سبق في علم النحو أمثال ذلك، أما إذا أريد التجدد في أحدهما والثبوت في الأخرى، كما إذ كان زيد وعمرو قاعدين، ثم قام زيد دون عمرو، وجب أن تقول "قام زيد وعمرو قاعد بعد"، وعليه قوله تعالى:{سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} 1. المعنى سواء عليكم "أحدثتم الدعوة لهم أم استمر عليكم صمتكم عن دعائهم" لأنهم كانوا إذا حزبهم أمر دعوا الله دون أصنامهم، وكانت حالهم المستمرة أن يكونوا عن دعوتهم صامتين، وكذلك قوله تعالى: {أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} 2، المعنى: أجددت وأحدثت عندنا تعاطي الحق فيما نسمعه منك أم اللعب، أي أحوال الصبا بعد استمرارها عليك؟ استبعادا منهم أن تكون عبادة الأصنام من الضلال.

وبعد فلم يكن تقعيد السكاكي جافا كله، معقدا كله، فثمة مسحة من الذوق والأسلوب الطريف في المعالجة كانت تبزغ هنا أو هناك، ثم تغيب في لجة الضبط والتقعيد، وجاء القزويني ليقضي على هذا المسحة، بل ويقضي على كل شيء

وليس فيما فعله السكاكي ما يستحق الوقوف لديه، سوى أننا سنعيش مع المصطلح وتشعب المصطلح والخلافات الجانبية بعد أن ودعنا الفن ساعة تركنا الزمخشري والجرجاني ومن سبقوهما.

1 الأعراف: 193.

2 الأنبياء: 55.

ص: 152