المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ مادة الوصل:

ب-‌

‌ مادة الوصل:

1-

منزلة الواو بين أدوات الوصل:

إنه إنما يعرض الإشكال في الواو دون غيرها من حروف، وذاك، كما يقول الجرجاني - لأن تلك تفيد مع الإشراك معاني مثل أن "الفاء" توجب الترتيب من غير تراخ، و"ثم" توجبه مع تراخ، و"أو" تردد الفعل بين شيئين وتجعله لأحدهما لا بعينه

وليس "للواو" معنى سوى الإشراك في الحكم الذي يقتضيه الإعراب الذي أتبعت فيه الثاني الأول

ولا يتصور إشراك بين شيئين حتى يكون هناك معنى يقع ذلك الإشراك فيه، وإذا كان كذلك -ثبت إشكال المسألة1.

2-

الواو تصل بين الأشباه والنظائر:

وذلك ألا تقول: "زيد قائم وعمرو قاعد" حتى يكون عمرو بسبب من زيد، وحتى يكونا كالنظيرين والشريكين، وبحيث إذا عرف السامع حال الأول عناه أن يعرف حال الثاني، وجملة الأمر، أنها لا تجيء حتى يكون المعنى لِفْقًا لمعنى في الآخر، ومضاما له، مثل، زيد وعمرو، إذا كانا أخوين أو نظيرين أو مشتبكي الأحوال على الجملة، فلو قلت:"خرجت اليوم من داري" ثم قلت: "وأحسن الذي يقول بيت كذا" قلت ما يضحك منه، ومن هنا عابوا أبا تمام في قوله:

لا والذي هو عالم أن النوى صبر

وأن أبا الحسين كريم

وذلك لأنه لا مناسبة بين كرم أبي الحسين ومرارة النوى ولا تعلق لأحدهما بالآخر2.

1 الدلائل 224

2 صبر بوزن "كتف" عصارة شجر مر، وقبله:

زعمت هواك عفا الغداة كما عفت

عنها طلول باللوى ورسوم

لا والذي هو عالم أن النوى

صبر وأن أبا الحسين كريم

ما زلت عن سنن الوداد ولا غدت

نفسي على إلف سواك تحوم

3/ 289 و290 / 5-7

ص: 65

3-

وتصل بين النقائض لعلاقة:

"وكذلك ينبغي أن يكون الخبر عن الثاني مما يجري مجرى الشبيه والنظير أو النقيض للخبر عن الأول. فلو قلت: "زيد طويل القامة وعمرو شاعر"، كان خلفا، لأنه لا مشاكلة، ولا تعلق بين طول القامة وبين الشعر، وإنما الواجب أن يقال: "زيد كاتب وعمر شاعر"، و"زيد طويل القامة وعمرو قصير"،

وكذا السبيل أبدا، والمعاني في ذلك كالأشخاص1.

4-

الوصل ليس بحروف العطف فقط:

الوصل بـ "إنَّ":

يقول الجرجاني: "اعلم أن من شأن "إن" أن تغني غناء الفاء العاطفة وأن تفيد من ربط الجملة بما قبلها أمرا عجيبا، فأنت ترى الكلام بها مستأنفا غير مستأنف، ومقطوعا موصولا معا، أفلا ترى أنك لو أسقطت "إن" من قول الشاعر:

بكرا صاحبيَّ قبل الهجير

إن ذاك النجاح في التبكير

ومثله قول بعض العرب:

فغنها وهي لك الفداء

إن غناء الإبل الحداء

فانظر إلى قوله:

...

...

إن غناء الإبل الحداء

ولماذا لا يكون أبو تمام قد عمد إلى هذا التنافر بجامع أن الله تعالى لا تخفى عليه خافية، ولعلاقة أن كرم أبي الحسين هو ما سيخفف عنه مرارة النوى، لأنه ما يبعد عن صاحبته إلا ليقصد أبا الحسين؟ انظر كتابي:"بديع التراكيب في شعر أبي تمام". ط دار منشأة المعارف، جملة القَسَم.

1 الدلائل 225 و226.

ص: 66

وإلى ملاءمته الكلام قبله، وحسن تشبهه بهن وإلى حسن تعطف الكلام الأول عليه ثم انظر إذا تركت "إن" فقلت:

فغنها وهي لك الفداء

غناء الإبل الحداء

كيف تكون الصورة؟ وكيف ينبو أحد الكلامين عن الآخر حتى تجتلب لهما الفاء، فتقول:

فغنها وهي لك الفداء

فغناء الإبل الحداء

وهذا الضرب كثير في التنزيل جدًّا1.

واعلم أن الذي قلنا في "إن"

لا يطرد في كل شيء وكل موضع بل يكون في موضع دون موضع، وذلك فيما لا يحصى2.

1 ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1]، وقوله عز اسمه:{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17]، وقوله سبحانه:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] ن ومن أبين ذلك قوله تعالى: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [هود: 37، والمؤمنون: 27] ، وقد يتكرر في الآية الواحدة، كقوله عز وجل:{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} الدلائل: 316.

2 كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} ذاك أن قبله {إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} [الدخان: 50، 52]، ومعلوم أنك لو قلت:"إن هذا ما كنتم به تمترون فالمتقون في جنات وعيون" لم يكن كلاما، وكذلك قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 100 و101]، فالذين سبقت لهم منا الحسنى" لم تجد لإدخالك "الفاء" فيه وجها - وكذا قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} {الَّذِينَ آَمَنُوا} اسم "إن" وما بعده معطوف عليه، وقول:{إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} جملة في موضع الخبر، ودخول الفاء فيها محال، لأنه الخبر لا يعطف على المبتدأ - ومثله سواء {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} . الدلائل 231-233.

ص: 67

5-

الوصل في المفردات مدخل لمعرفة الوصل في الجمل:

يقول: "ومعلوم أن فائدة العطف في المفرد أن يشرك الثاني في إعراب الأول، وأنه إذا أشركه في إعرابه فقد أشركه في حكم ذلك الإعراب، نحو: أن المعطوف على المرفوع بأنه فاعل مثله. والمعطوف على المنصوب بأنه مفعول به أو فيه أو له شريك له في ذلك1.

6-

الوصل في الجمل على ضربين:

"وإذا كان هذا أصله في المفرد، فإن الجمل المعطوف بعضها على بعض على ضربين:

الضرب الأول: أن يكون للمعطوف عليها موضع من الإعراب، وإذا كان كذلك كان حكمها حكم المفرد، وكان وجه الحاجة إلى الواو ظاهرا، والإشراك بها في الحكم موجودا. فإذا قلت: مررت برجل خلقه حسن وخلقه قبيح، كنت قد أشركت الجملة الثانية في حكم الأولى. وذلك الحكم كونها في موضع جر بأنه صفة للنكرة.

والضرب الثاني: وذلك بأن تعطف على الجملة العارية الموضع من الإعراب جملة أخرى، كقولك "زيد قائم وعمرو قاعد"، وإذا كان كذلك فينبغي أن تعلم المطلوب من هذا العطف والمغزى منه، ولِمَ لَم يستو بين أن تعطف وبين أن تدع العطف، فتقول:"زيد قائم وعمرو قاعد" بعد أن لا يكون هنا أمر معقول يؤتى بالعاطف ليشرك بين الأولى والثانية فيه؟ "2.

وإذا كان المخبَر في الجملتين واحدًا، ازداد المعنى قوة بالواو "كقولنا هو يقول ويفعل، وينفع ويضر، فتكون أوجبت له الفعلين جميعا، وجعلته يفعلهما

1 الدلائل 222.

2 الدلائل 223.

ص: 68

معا، ولو قلت: يضر ينفع من غير واو لم يجب ذلك بل قد يجوز أن يكون قولك: "ينفع" رجوعا عن قولك: "يضر" وإبطالا له1.

الصلة تزيد الفعلين اقترانا "فإذا وقع الفعلان في مثل هذا2 في الصلة3 ازداد الاشتباك والاقتران، حتى لا يتصور تقدير إفراد أحدهما عن الآخر، وذلك في مثل قولك: "العجب من أني أحسنت وأسأت، ويكفيك ما قلت وسمعت"4.

7-

وصل مجموع جمل بمجموع جمل أخرى:

وهذا فن خاص دقيق، مما يقل نظر الناس فيه من أمر "العطف" أنه قد يؤتى بالجملة فلا تعطف على ما يليها، ولكن تعطف على جملة بينها وبين هذه التي تعطف، جملة أو جملتان، مثال ذلك قول المتنبي:

تولوا بغتة فكأن بينا

تهيبني ففاجأني اغتيالا

فكان مسير عيسهم ذميلا

وسير الدمع إثرهم انهمالا

قوله: "فكان مسير عيسهم ذميلا" معطوف على "تولوا بغتة" دون ما يليه من قوله "ففاجأني" لأنا إن عطفناه على هذا الذي يليه أفسدنا المعنى من حيث إنه يدخل في معنى كأن، وذلك يؤدي إلى أن لا يكون مسير عيسهم حقيقة، ويكون متوهما، كما كان تهيب البين كذلك، والسبب أن الجملة المتوسطة بين المعطوفة أخيرا وبين المعطوف عليها الأولى "تولوا بغتة"، وذلك أن الثانية مسبب والأولى سبب، ألا ترى أن المعنى:"تولوا بغتة فتوهمت أن بينا تهيبني"، ولا شك أن هذا التوهم كان بسبب أن كان التولي بغتة، وإذا كان كذلك كانت مع الأولى كالشيء الواحد، وكان منزلتها منها منزلة المفعول والظرف، وسائر ما

1 نفسه 226.

2 أي فيما إذا كانت الثانية بسبب من الأولى.

3 المراد بالصلة - الصلة التي تكون لموصول اسمي أو حرفي يؤول بمصدر.

4 الدلائل 226.

ص: 69

يجيء بعد تمام الجملة من معمولات الفعل مما لا يمكن إفراده على الجملة، وأن يعتد كلاما على حدته1.

وشيء آخر دقيق:

وهو أنك إذا نظرت إلى قوله: "فكان مسير عيسهم ذميلا" وجدته لم يعطف هو وحده على ما عطف عليه، ولكن تجد العطف قد تناول جملة البيت مربوطا آخره بأوله، ألا ترى أن الغرض من هذا الكلام أن يجعل توليهم بغتة، وعلى الوجه الذي توهم من أجله أن البين تهيبه، مستدعيا بكاءه، وموجبا أن ينهمل دمعه، فلم يعنه أن يذكر ذملان العيس إلا ليذكر هملان الدمع، وأن يوفق بينهما،

، فأمر العطف إذن موضوع على أنك تعطف تارة جملة على جملة، وتعمد أخرى إلى جملتين أو جمل فتعطف بعضا على بعض، ثم تعطف مجموع هذي على مجموع تلك2.

8-

العطف على جمل الحال:

الحال تجيء مفردة وجملة، والقصد هنا -يقول الجرجاني- إلى الجملة، وأول ما ينبغي أن يضبط من أمرها أنها تجيء تارة بالواو وأخرى بغير الواو.

فمثال مجيئها مع الواو، قولك: أتاني وعليه ثوب ديباج.

ومثال مجيئها بغير الواو قولك: جاءني زيد يسعى غلامه بين يديه.

وفي تمييز ما يقتضي الواو مما لا يقتضيه صعوبة. فإذا كانت الجملة من مبتدأ وخبر، فالغالب عليها أن تجيء مع الواو كقولك:"جاءني زيد وعمرو أمامه"، وإذا كان المبتدأ من الجملة ضمير ذي الحال، لم يصلح بغير الواو ألبتة، وذلك كقولك:"جاءني زيد وهو راكب"3.

1 الدلائل 244.

2 الدلائل 245، وفي هامش ص 159 من تحقيق المراغي يعلق المحقق "كقصة المنافقين في سورة البقرة {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا

} إلخ فإنها معطوفة على قصة الذين كفروا قبلها -كما تعطف الجمل على الجمل".

3 الدلائل 202.

ص: 70

9-

جمل الشرط المعطوفة على جمل الجزاء:

وينبغي أن يجعل ما يصنع في الشرط والجزاء من هذا المعنى أصلا يعتبر به، وذلك أنك ترى، متى شئت، جملتين قد عطفت إحداهما على الأخرى، ثم جعلتا بمجموعهما شرطا، ومثال ذلك قوله تعالى:{وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} 1 [النساء: 112] .

ويقول: الشرط كما لا يخفى في مجموع الجملتين لا في كل واحدة منهما على الانفراد، ولا في واحدة منهما دون الأخرى، لأنا إن قلنا: إنه في كل واحدة منهما على الانفراد جعلناهما شرطين اقتضتا جزائين، وليس معنا إلا جزاء واحد2، وإن قلنا: إنه في واحدة منهما دون الأخرى لزم منه إشراك ما ليس بشرط في الجزم بالشرط، وذلك ما لا يخفى فساده.

ثم إنا نعلم من طريق المعنى أن الجزاء الذي هو احتمال البهتان والإثم المبين، أمر يتعلق إيجابه لمجموع ما حصل من الجملتين، فليس هو لاكتساب الخطيئة على الانفراد ولا لرمي البريء بالخطيئة والإثم على الإطلاق، بل لرمي الإنسان البريء بخطئية أو إثم كان من الرامي.

وكذلك الحكم أبدًا.

فقوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} لم يعلق الحكم فيه بالهجرة على الانفراد، بل بها مقرونا إليها أن يدركه الموت عليها3.

1 لأنه يكسب الإثم آثم ويرمي البريء باهت فهو جامع بين الأمرين، الدلائل هامش 160، المراغي. والدلائل 246، تحقيق شاكر.

2 يعلق المراغي على هذا قائلا: هذا دليل غير تام ولا ينتج ما يدعيه، الدلائل هامش 106، تحقيق المراغي، وانظر في هذا "أحكام توالي شرطين أو أكثر وتوالي شرط واستفهام" عباس حسن، النحو الوافي، 4/ 489.

3 الدلائل 245 وما بعدها.

ص: 71

10-

العطف عل جواب الشرط بالواو:

متى عطفت على جواب الشرط بالواو، كان ذلك على ضربين:

أحدهما: أن يكونا شيئين يتصور وجود كل منهما دون الآخر، ومثاله قولك: إن تأتني أكرمك أعطك وأكسك.

والثاني: أن يكون المعطوف شيئا لا يكون حتى يكون المعطوف عليه، ويكون الشرط لذلك سببا فيه بواسطة كونه سببا للأول، ومثاله قولك: إذا رجع الأمير إلى الدار استأذنته وخرجت، فالخروج لا يكون حتى يكون الاستئذان، فيكون المعنى في مثل هذا على كلامين، نحو: إذا رجع الأمير استأذنته وإذا استأذنته خرجت1.

1 نفسه 233 و234.

ص: 72