المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: شرح السبكي: - الفصل والوصل في القرآن الكريم

[منير سلطان]

الفصل: ‌ثانيا: شرح السبكي:

‌ثانيا: شرح السبكي:

1-

الفصل والوصل بين المفردات1:

تميز السبكي في أثناء شرحه للتلخيص بتوقفه عند فصل المفردات ووصلها، وهذا الأمر ليس جديدا فقد تكلم فيه الجرجاني ومن سبق الجرجاني من نحاة وبلاغيين، ولكن حين تصدر "المفتاح" ساحة البلاغة وتزعم "التلخيص" الدراسات البلاغية، صار الجديد أن يعاد ذكر المطموس، ويزاح عن المطمور، ومن ذلك ما فعله السبكي مع وصل المفردات، يقول: قد علم حكم الجملتين في الفصل والوصل - أما المفردات فلم يتعرضوا لها في ذلك، والظاهر أنهم إنما تركوا ذلك لأنه في الغالب واضح، أو لأنه يعلم حكمه من الجملتين، ولذلك تجد -في أمثلة "المفتاح" وغيره حين يمثل بوصل أحد الجملتين- كثيرا من المفردات، والذي ينبغي، التعرض لذلك فنقول: الأصل في المفرد فصله مما قبله، لأن ما قبله إما عامل فيه "زيد قائم" فلا يعطف المعمول على عامله، أو معمول فلا يعطف العامل على معموله، أو كلاهما معمول والفعل يطلبهما طلبا واحدا فلا يمكن عطفه، لأنه يلزم قطع العامل عن الثاني مثل "علمت زيدا قائما" ونحو ذلك، إلا ما سنذكره في عطف أحد الخبرين على الآخر، لكن قد يأتي ذلك في بعض المفردات، فلا بد له من ضابط فنقول:

إذا اجتمع مفردان، وأمكن من جهة الصناعة، عطف أحدهما على الآخر، فإن كان بينهما جامع وصلت وإلا فصلت، ولنمش على اصطلاحهم في الجمل، فنقول في ذلك أقسام:

أحدها: أن يكون بين المفردين: "كمال انقطاع بلا إيهام غير المراد" مثل: "زيد عالم قائم" فإنه لا جامع -بين هذين الخبرين معتبر، وكذلك "جاء زيد لابسا ثوبا ضاربا عمرا"- وكذلك الأسماء قبل التركيب نحو: واحد، اثنان، ثلاثة، وحروف الهجاء: نحو ألف باء

وكذلك: جاء زيد راضيا وضاحكا، يتحدان باعتبار المناسبة بين الضحك والرضى، وليسا هنا -مسندين، بل هما متعلقان بصاحب الحال. أو الاتحاد بمعنى عمل الفعل السابق فيهما، ولا حرج عليك في تسمية ذلك إسنادا- إن

1 السبكي، عروس الأفراح، 3/ 113 وما بعدها ضمن شروح التلخيص.

ص: 158

شئت -فقد سبق نظيره عن سيبويه والسكاكي، وتارة يقع الاتحاد في المسند فقط، وإن لم يوافق على تسمية ذلك إسنادا، فقل في النسبة: جاء زيد وعمر ضاحكا وباكيا، فقد اشتركا في "جاء"، وتارة يقع الاتحاد في المنسد إليه فقط مثل: زيد عالم آكل.

2-

الفصل والوصل بين جملة ومفردة1:

يقول السبكي: وإذا علمت حكم الفصل والوصل بالنسبة إلى الجملتين، وبالنسبة إلى المفردين، فلا يخفى حالهما عليك بالنسبة إلى جملة ومفرد، وقد جوز أكثر النحاة عطف الفعل على الاسم، وعطف الاسم على الفعل، إذا كان كل منهما في تقدير الآخر، وقال السهيلي: يحسن عطف الفعل على الاسم إذا كان اسم فاعل ويقبح عطف الاسم على الفعل، قال: فمثل "مررت برجل يقوم قاعد" ممتنع إلا على قبح، وجوزه "الزجاج" كعطف الفعل على الاسم، والأكثرون على الجواز، قال تعالى:{صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} 2، وقال تعالى:{فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا، فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} 3.

وبعد فإن ما فعله السكاكي والقزويني والسبكي ممن لف لفهم كان عظيما في عصرهم مفيدا في نظرهم موافقا لذوقهم، ولكنه ليس بهذه الدرجة لا في منهجنا ولا في أذواقنا.

الثاني: أن يكون "كمال الانقطاع وفي الفصل إيهام غير المراد" نحو "ظننت زيدا ضاربا وعالما" فيجب العطف، إذ لو لم يعطف لتوهم أن "عالما" معمول لقولك "ضاربا".

الثالث: كمال الاتصال: بأن يكون تأكيدا معنويًّا أو لفظيًّا أو عطف بيان أو بدلا، نحو: جاء زيد نفسه، وجاء زيد زيد أبو عبد الله، وجاء زيد القائم،

ص: 159

فلا يعطف شيء من ذلك، أو يكون بمنزلة خبر واحد كقولك: هذا حلو حامض، إذا جعلناهما خبرين.

الرابع: شبه كمال الانقطاع: بأن يكون للمفرد الأول حكم لا يقصد إعطاؤه للثاني، نحو: زيد مجيب -إن قصد- صالح، إذا أردت الإخبار بأنه صالح مطلقا، فإن عطف "صالح" على "مجيب" يوهم أنه "صالح" إن قصد، لأن الشرط في أحد المتعاطفين شرط في الآخر، بخلاف الشرط في واحد من خبري المبتدأ، وتارة يكون عطفه على المفرد قبله يوهم عطفه على غيره، نحو، "كان زيد ضاربا عمرا قائما" فلو قلت: وقائما، لأوهم أنه معطوف على "عمرا" المفعول.

الخامس: أن يكون بينهما التوسط بين كمال الانقطاع وكمال الاتصال كقولك: زيد معط مانع، على أن يكونا خبرين فإنك إذا أردت جعل الثاني صفة تعين الوصل.

ثم ذلك في المفردات يكون أيضا بالاتحاد، فتارة يتحد فيه باعتبار المسند، ونعني به مدلول المفرد، والمسند إليه: وهو العامل في المفردين، مثل: زيد كاذب ومائن، أو قاعد وجالس. فإنه يجوز عطف أحدهما على الآخر مع اتحاد اللفظ، كقوله:

فقدمت الأديم لراهشيه

وألفى قولها كذبا ومينا1

1 الأديم: الجلد المدبوغ، والراهشان: عرقان في باطن الذراعين: ومينا: كذبا، والبيت لعدي بن زيد.

ص: 160