الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا: في الفصل:
أ- قد يكون الفصل في موضع أبلغ من الوصل:
يروي المرزباني عن الصولي "ت 336هـ" تعليقه على بيت امرئ القيس:
الله أنجح ما طلبت به
…
والبر خير حقيبة الرحل
يقول الصولي: "ألا ترى أن قوله: "الله أنجح ما طلبت به" كلام مستغن بنفسه، وكذلك باقي البيت، على أن في البيت واو عطف عطفت جملة على جملة، وما ليس فيه واو عطف أبلغ في هذا وأجود، وهو مثل قوله النابغة:
ولست بمستبق أخا لا تلمه
…
على شعث أي الرجال المذهب1
فقوله في أول البيت: كلام مستغن بنفسه، وكذلك آخره، حتى لو ابتدأ مبتدئ فقال:"أي الرجال المهذب" لاعتذار أو غيره لأتى بكلام مستوفى لا يحتاج إلى سواه"2.
ب- للفصل أدوات منها:
-ضمير الفصل
يقول سيبويه في باب ما يكون فيه "هو وأنت وأنا ونحن وأخواتهن، فصلا": "اعلم أنهن لا يكن فصلا إلا في الفعل ولا تكون كذلك إلا في كل اسم، الاسم الذي بعده بمنزلته في حال الابتداء، واحتياجه إلى ما بعده كاحتياجه إليه في الابتداء، إعلامًا بأنه قد فصل الاسم، وإنه فيما ينتظر المحدث ويتوقعه منه، مما لا بد له أن يذكره المحدث لأنك إذا ابتدأت الاسم فإنما تبتدئه لما
1 الشعث: التفرق والفساد، تلمه: تجمعه وتصلحه. الديوان 17، هامش الموشح 36.
2 المرزباني، الموشح 36.
بعده، فإذا ابتدأت فقد وجب عليك مذكور بعد المبتدأ لا بد منه وإلا فسد الكلام"1.
وضرب المبرد مثلا لضمير الفصل "كان زيد هو العاقل"2 ويسمه الكوفيون "العماد" لأنه يعتمد عليه في الفائدة، إذ تبين أن الثاني خبر لا تابع3 وضرب الفراء مثلا لذلك قوله تعالى في سورة الأنفال: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ
…
} 4 أما الطبري فضرب مثلا آخر. قوله تعالى: {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} 5.
-الجملة المعترضة:
ويفرد ابن جني للجملة المعترضة بابًا في الخصائص فهي من طرق الفصل بين أركان الجملة الواحدة، وبين الجملة والجملة يقول: اعلم أن هذا القبيل من العلم كثير قد جاء في القرآن وفصيح الشعر ومنثور الكلام، وهو جار عندهم مجرى التوكيد، فلذلك لا يشنع عليهم ولا يستنكر عندهم أن يعترض به بين الفعل وفاعله، وغير ذلك، مما لا يجوز الفصل فيه بغيره إلا شاذا أو متأولا، قال سبحانه وتعالى:{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ} 6 فهذا فيه اعتراضان، أحدهما قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}
…
والآخر قوله تعالى: {لَوْ تَعْلَمُونَ} ، فذانك
1 الكتاب، 1/ 394 وانظر أيضا 1/ 395.
2 المبرد، المقتضب 4/ 103، 104، 105.
3 انظر ابن هشام، المغني 2/ 104 "شرح حال الضمير المسمى فصلا أو عمادا" ط الحلبي، وابن الأنباري، الإنصاف في مسائل الخلاف 2/ 706 تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، وعباس حسن، النحو الوافي 1/ 242 ط دار المعارف، الخامسة.
4 سورة الأنفال: 32. والفراء، معاني القرآن 1/ 409 وانظر 1/ 51، 52.
5 سورة البقرة: 85. والطبري، جامع البيان 2/ 312، 313، 374 ويسميه الطبري "العماد".
6 الواقعة: 75-77.
اعتراضان كما ترى، ولو جاء الكلام غير معترض فيه لوجب أن يكون، فلا أقسم بمواقع النجوم، إنه لقرآن كريم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم1."
ومثله ما أشار إليه ابن وهب صاحب البرهان في باب "في القطع والعطف" ويقصد به الفصل بالجمل المعترضة يقول: "مما قطع الكلام فيه وأخذ في فن آخر من القول ثم عطف عليه بتمام القول الأول، قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ
…
} 2 ثم قطع وأخذ في كلام آخر، فقال:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ثم رجع إلى الكلام الأول فقال: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 3 ومثل ذلك ما حكاه عن لقمان في وصيته لابنه4.
الاستثناء المنقطع:
ويذكر الطبري في تفسيره لقوله تعالى: {لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} 5 يقول: ويخرج "بإلا" ما بعدها من معنى ما قبلها ومن صفته وإن كان كل واحد منهما من غير شكل الآخر ومن غير نوعه، ويسمى ذلك بعض أهل العربية "استثناء منقطعًا" لانقطاع الكلام الذي يأتي بعد "إلا" عن معنى ما قبلها، وإنما يكون ذلك في كل موضع حسن أن يوضع فيه مكان "إلا""لكن" فيعلم حينئذ انقطاع معنى الثاني عن معنى الأول، ألا ترى أنك إذا قلت:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} ثم أردت وضع "لكن" مكان "إلا" وجدت الكلام صحيحا معناه صحته وفيه "إلا" وذلك إذا قلت: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب لكن أماني يعني لكنهم يتمنون،
1 ابن جني، الخصائص 1/ 335 وما بعدها.
2 المائدة: 3، والمنخنقة: التي خنقوها حتى ماتت أو انخنقت بسبب، والموقوذة: التي أثخنوها ضربًا بعصا أو حجر متى ماتت.
3 ابن وهب، البرهان في وجوه البيان 124، 125.
4 نفسه 73.
5 البقرة: 78.
وكذلك يتبعون الظن، وكذلك جميع هذا النوع من الكلام على ما وصفنا"1.
طرح الواو
وهو المشهور.
حـ- قد يكون الفصل
…
للتفسير:
وذكره الفراء في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} 2 وقد جاءت جملة "يذبحون" مرة بالواو ومتصلة بما قبلها3 وأخرى بدون واو ومنفصلة عما قبلها، ويفسر الفراء معنى طرح الواو: كأنه طرح لصفات العذاب، وإذا كان الخبر من العذاب، وإذا كان الخبر من العذاب أو الثواب مجملا في كلمة ثم فسرته فاجعله بغير الواو، وإذا كان أوله غير آخره فبالواو"4.
للإيجاز:
وذلك بإبدال ما هو أعرف بما هو أعرف منه، يقول سيبويه في باب "بدل المعرفة من النكرة، والمعرفة من المعرفة، وقطع المعرفة من المعرفة مبتدأة"
…
أما بدل المعرفة من النكرة فقولك: "مررت برجل عبد الله" فكأنه قيل له: بمن مررت؟ أو يظن أنه يقال له ذلك، فأبدل مكانه ما هو أعرف منه، ومثل ذلك قوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ} 5
…
، وكذلك قول الشاعر:
1 الطبري، جامع البيان 2/ 264.
2 البقرة: 49.
3 إبراهيم: 6.
4 الفراء، معاني القرآن 2/ 68، 69.
5 الشورى: 52، 53.
ولقد خبطن بيوت يشكر خبطة
…
أخوالنا وهم بنو الأعمام1
كأنه حين قال: خبطن بيوت يشكر، قيل: ما هم؟ فقال: أخوالنا وهم بنو الأعمام، وقد يكون: مررت بعبد الله أخوك، كأنه قيل له من هو؟ أو من عبد الله؟ فقال "أخوك"
…
، وتقول: ومررت برجل الأسد شدة، كأنك قلت: مررت برجل كامل، لأنك أردت أن ترفع شأنه، وإن شئت استأنفت، كأنه قيل له: ما هو؟ 2.
ومثله ما ذكره الفراء في قوله تعالى: {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} 3 فإسقاط الفاء من {قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ} وهو كثير في القرآن بغير الفاء، وذلك لأنه جواب يستغني أوله عن آخره بالوقفة عليه فيقال: ماذا قال لك؟ فيقول القائل: قال كذا كذا. فكأن حسن السكوت يجوز معه طرح الفاء وأنت تراه في رءوس الآيات لأنها فصول، حسنًا، ومن ذلك قوله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ، قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا
…
} 4 وقوله تعالى حكاية عن فرعون: {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ، قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} 5 وغير ذلك فيما لا أحصيه6.
ويرى الجاحظ: أن آية {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} 7 جواب لقول القائل: خبرني عن أهل الجنة بأي شيء يتشاغلون؟ 8.
1 "بعض أبيات القصيدة في الأصمعيات 156، والعقد 5/ 220 وليس منها، وانظر سمط اللآلئ 341 - خبطن: يعني الخيل وفرسانها، والخبط: الضرب الشديد والمراد بالبيوت القبائل والأحياء، وإنما ذكر العمومة لأنه من تغلب بن وائل، ويشكر من بكر بن وائل" هامش الكتاب 2/ 16.
2 الكتاب 2/ 14-16.
3 البقرة: 67.
4 الذاريات: 31، 32.
5 الشعراء: 24، 25.
6 الفراء، معاني القرآن 1/ 44.
7 يس: 55.
8 الجاحظ، الحيوان 4/ 276.
ويضرب المبرد لذلك مثلا: آية {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1 فكأنه قيل: فإذا قال لكما ما شانكما؟ فقولا ذلك2.
والفصل للإيجاز يكون بين المفردات أيضا:
ويكمل الفراء حديثه في الكلام المكتفي يأتي له جواب متمثلا في المفردات أيضا، في آية التوبة {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
…
} 3 وذلك بعد قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ
…
} 4 ثم يعلق: "فاعرف بما جرى تفسير ما بقي، فإنه لا يأتي إلا على الذي أنبأتك به من الفصول، أو الكلام المكتفى يأتي له جواب5.
ويذكر ابن جني مثلا آخر لحذف الواو بين الذي هو أعرف والذي هو أعرف منه، (البدل والمبدل منه)
…
ما أنشده ابن الأعرابي:
وكيف لا أبكي على علاتي
…
صبائحي غبائقي قيلاتي6
أي: صبائحي وغبائقي وقيلاتي. ويجوز أن يكون بدلا، أي: كيف لا أبكي على علاتي التي هي صبائحي وهي غبائقي وهي قيلاتي، فيكون هذا من بدل الكل7.
للإيضاح
من ذلك ما قاله الشريف المرتضى في "أماليه"، في تأويل قوله تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} يقول: ويمكن أيضا على هذا الوجه مع عطف "الراسخين" على ما تقدم وإثبات العلم بالمتشابه لهم، أن يكون قوله:"يقول آمنا به" استئناف جملة استغني فيها عن حرف العطف، كما استغني في قوله:{سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ} 8 ونحو ذلك مما للجملة الثانية فيه التباس في الجملة الأولى، فيستغنى به عن حرف العطف، ولو عطف بحرف العطف، كان يُنَزِّل الملتبس منزلة غير الملتبس9.
1 الشعراء: 16.
2 ابن الزملكاني، التبيان في علم البيان 63 تحقيق د. أحمد مطلوب ط بغداد 1964م.
3 التوبة: 112.
4 التوبة: 111.
5 الفراء، معاني القرآن 1/ 43-44.
6 العلة: الشرب بعد الشرب، أو ما يتلهى به "القاموس المحيط: مادة: العل" 4/ 20 والصبوح: ما يشرب أو يؤكل في الصباح وهو خلاف الغبوق، والقيلات ما يشرب في وسط النهار.
7 ابن جني، الخصائص 1/ 335 وما بعدها.
8 الكهف: 22 {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ
…
} .
9 الشريف المرتضى، أمال المرتضى 2/ 94، 96 ط السعادة.