الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يترتب على شرب المُسكِر:
بعدما تبيّن لك المعنى المقصود بالمُسكِر، وعرفت حكم المُسكِرات على اختلافها، ودليل ذلك، والحكمة منه، فما هي الأحكام التي تترتب على شرب المسكر؟
يترتب على شرب المُسكِر حكمان اثنان:
أحدهما: قضائي، يتحقق أثره في دار الدنيا.
والثاني: دياني، لا يظهر أثره إلا يوم القيامة.
فأما الأول: وهو حكم شرب المُسكِر قضاء: فهو استحقاق الشارب للحدّ.
وأما الثاني: وهو حكمه ديانة: فهو الإثم الذي يستوجبه على ذلك. ولا نطيل في الحديث عن هذا الحكم الثاني، وهو الإثم، فإنه عائد إلى ما بين العبد وربّه جل جلاله، ولا يعود الأمر في ذلك إلى شيء من أقضية الدنيا وأحكامها، وإنما هو مرهون بقضاء أمر الله وحكمه. غير أنه من المتّفق عليه أن شرب المُسكِر عمداً من كبائر الإِثم، وعقوبته يوم القيامة عقوبة شديدة، ما لم يتدارك الله عبده بالمغفرة والصفح.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن على الله عز وجل عهداً لمن شرب المُسكِر أن يسقيه من طينة الخبال" قالوا يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال:" عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار" رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه في [كتاب الأشربة ـ باب ـ بيان أن كل مُسكِر خمر وأن كل خمر حرام، رقم: 2002].
حدّ شرب المُسكِر:
حدّ شرب المُسكِر، خمراً كان أو غيره، أربعون جلدة، بالشروط التي سنذكرها. ويجوز أن يزيد الإمام إذا رأى ذلك، إلى أن يبلغ به ثمانين جلدة، ويكون ما زاد على الأربعين تعزيراً.
ودليل ذلك ما رواه مسلم في [الحدود ـ باب ـ حدّ الخمر، رقم: 1706] عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم) كان يضرب في الخمر بالجريدة والنعال أربعين).
[والجريد: أغضان النخيل إذا جُرِّدت من الورق].
وروى مسلم أيضاً في [نفس الموضع الذي سبق] عن أنس رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال أربعين، ثم جلد أبو بكر رضي الله عنه أربعين، فلما كان عمر رضي الله عنه، ودنا الناس من الريف والقرى، قال: ما تَرَوْن في جلد الخمر؟ فقال عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: أرى أن تجعلها كأخفّ الحدود، قال: فجلد عمر ثمانين.
ودل على أن الزيادة على الأربعين تعزيز، وليس بحدّ: ما رواه مسلم في
[الأشربة ـ باب ـ حدّ الخمر، رقم: 1707] أن عثمان رضي الله عنه: (أمر بجلد الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيْط، فجلده عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما، وعلي رضي الله عنه يعدُّ، حتى إذا بلغ أربعين، فقال أمسك، ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سُنّة، وهذا أحبُّ إلي) أي الاكتفاء بالأربعين، لأنه الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحوط في باب العقوبة، من أن يزيد فيها عن القدر المستحق، فيكون ظلماً.
قال الفقهاء: فأما الأربعون الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي الحدُّ الأساسي، وأما خبر أن عمر رضي الله عنه جلد ثمانين، فوجهه كما قال علي لعمر رضي الله عنهما:(نرى أن تجلد ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى). رواه مالك في [الموطأ، كتاب الأشربة ـ باب ـ الحدّ في الخمر].
[وحدّ افتراء ثمانون، ومثل هذا الحكم إنما يتم تعزيراً.
هذي: تكلم بما لا ينبغي.