الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبحث الشبهات في الزنى
-على أنه إذا وجد مع امرأة لا زوج لها فإن له أن يدعي أنه تزوجها، وذلك شبهة تدرأ الحد في بعض المذاهب (1) .
للغامدية بعد إقرارها، لعله قبلك أو كذا، وفيه إشارة إلى قبول رجوعها بعد الإعتراف، وقول الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه (ادرؤوا الحدود بالشبهات) ورجوع المقر فيه شبهة.
وخالفهم في ذلك ابن ليلى، وعثمان البتي وقالا: لا يقبل رجوعه، ويقام عليه الحد.
المالكية - قالوا: إن رجع عن الإقرار بشبهة قبل رجوعه، ولا يقام عليه الحد، أما إذا رجع في إقراره من غير وجود شبهة، فلا يقبل لإقراره. وقيل: يقبل وهو الراجح.
ورى الخمسة والترمذي واللفظ له قَالَ: جاء ماعز رضي الله عنه إلى النَبِي صلى الله عليه وسلم فقال: انه قد زنى فأعرض عنه، ثم جاء من شقه الآخر، فقال إنه زنى فأعرض عنه، ثم جاء من شقه الآخر، فقال: إنه قد زنى، فأمر به في الرابعة فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة، فلما وجد مس الحجارة فر يشتد، فلقيه رجل معه لحي جمل فضربه به، وضربه الناس حتى مات، فذكروا ذلك للنَبِي صلى الله عليه وسلم فقال:(هلا تركتموه، وفي رواية قَالَ له: أبك جنون؟ قَالَ: لا - وفي أخرى، ليعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت؟ فقال: لا. قَالَ: أحصنت؟ قَالَ: نعم، فأمر برجمه) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (هلا تركتموه يشير إلى يقوط الحد بالفرار، وقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثالثة لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت، تعريض من رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم له بالرجوع عن الإعتراف، والستر على نفسه، ولكنه لم يرجع حتى قَالَ له تبكيتاً، هلا نكتها؟ قَالَ: نعم. فأمر برجمه) .
فكل هذه الروايات وغيرها تفيد بأن المقر بالزنا إذا رجع في إقراره قبل منه، وكان ذلك توبة له، ولا يقام عليه الحد، حيث ان الإسلام يحب الستر، ويكره إشاعة الفاحشة) .
-
(1)
(الشبهة: هي ما يشبه الثابت وليس بثابت، وقد وقع خلاف بين الفقهاء في بعض الأفعال: هي شبهة صالحة للدرء أم لا؟ وكون الحد يحتال في درئه بالاستفسار عنه حتى يتضح قصد الزاني. أأخطأ في التهم أم لا، أكانت عنده شبهة الحل وقت أن وقع في الخطأ أم لا؟ ومن المعلوم أن هذه المناقشات وهذه الاستفسارات المفيدة لقصد الاحتيال للدرء كانت بعد الثبوت، لأنه كان بعد صريح الإقرار لقوله صلى الله عليه وسلم (ادرؤوا الحدود بالشبهات) .
الحنفية قالوا: الشبهة عندهم قسمان، شبهة الفعل، وهي واقعة في ثمانية مواضع وهي:
- 1 - أن يطأ جارية أبيه، وأمه، أو جده، أو جدته، وإن علا، لشبهة الملك.
- 2 - أن يطأ جارية زوجته، لشبهة أن مال الزوجة ملك للزوج.
- 3 - أن يطأ المطلقة ثلاثاً وهي في العدة، لزوال الملك المحلل من كل وجه فتكون الشبهة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منطقية لقوله تعالى {وإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} ولإجماع الأمة على حرمة الزوجة بعد الطلاق الثلاث.
ولكن يرفع الحد إذا قَالَ ظنت أنها تحل له لأن الظن في موضعه حيث أن أثر الملك قائم له في حق النسب، فإن ولدها يثبت له إذا جاءت به لأقل من سنتين. وله حسبها عن الخروج، ويجب عليه نفقتها، ويحرم نكاح أختها في هذه العدة، ويحرم عليه زواج أربعة سواها، وتمنع شهادة كل منهما لصاحبه. فأمكن أن نقيس حل الوطء على بعض هذه الأحكام فنجعل الاشياء عليه عذراً في سقوط الحد عنه.
- 4 - أن يطأ المطلقة طلاقاً بائناً على مال. لثبوت الحرمة بالإجماع.
- 5 - أن يطأ زوجته "المنخلعة" أي التي خلعت نفسها من زوجها، وردت إليه المهر الذي دفعه لها. وذلك لوقوع الخلاف بين الصحابة رضوان اللَّه عليهم، في كون الخلع، يكون فسخاً للعقد، أم طلاقاً بائناً.
- 6 - أن يطأ أم ولده التي أعتقها، وهي في العدة، لشبهة بقاء ملكه لها، ولثبوت نسب ولدها منه.
- 7 - أن يطأ العبد جارية مولاه، لأن بين العبد وبين سيده انبساطاً في الانتفاع فيظن أن من هذا الانبساط جواز الاستمتاع بجواريه. فكان شبهة.
- 8 - والمرتهن يطأ الجارية المرهونة عنده، لأن عقد الرهن لا يفيد ملك المتعة بحال، فقيامه لا يورث شبهة حكمية قياساً على الإجارة، فإنها لا تفيد ملك المتعة بحال. فما أورث قيامها في المحل شبهة حكمية، وعلى هذا كان يجب عليه الحد اشتبه أو لم يشتبه، كما في الجارية المستأجرة للخدمة، إلا أنه لا يجب عليه الحد إذا اشتبه عليه، وقال ظننت الحل، لأنه موضع اشباه، لأن ملك المال في الجملة سبب لملك المتعة، وإن لم يكن سبب ملك المتعة بحال. فقد اشتبه عليه ما لا يشتبه، فيجب عليه الحد ظن الحل أم لا؟
ففي هذه المواضع وما أشبهها لا يقام الحد على الزاني إذا قَالَ: إني فعلت ذلك العفل وأنا أعتقد في قرارة نفسي أنها حلال لي، ولا حرمة في هذا العمل - ولو علمت حرمته لما فعلته.
أما إذا قَالَ: عملت هذا العمل وأنا أعلم أنها علي حرام، وأنها لا تحل لي، فيجب أن يقام عليه الحد - أما إذا ادعى أحدهما ظن الحل، والآخر لم يدع، فلا حد عليهما أيضاً حتى يقرا معاً أنهما كانا يعلمان الحرمة، وذلك لأن الشبهة إذا ثبتت من أحد الجانين تعدت إلى الآخر بالضرورة.
والشبهة الثانية عند الأحناف - تكون في المحل - وهي ست مواضع:
- 1 - إذا وطأ جارية ابنه، أو ابن ابنه، وإن سفل وإن كان حياً، وذلك لقول الرسول صلوات اللَّه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عليه وعلى آله وسلم للولد الذي شكا إليه أباه (أنت ومالك لأبيك) ولأنه يثبت نسب ولد الجارية من سيدها، ومن والد سيدها وجده، وإن كان الولد الذي هو سيد الأمة حياً.
- 2 - إذا وطأ زوجته المطلقة بائناً بالكنايات كأن قَالَ لها: أنت خلية، أو أمرك بيدك، فاختارت نفسها، ونحوها، ثم وطئها في العدة. وذلك لاختلاف الصحابة رضوان اللَّه عليهم في الكناية، فمذهب سيدنا عمر أن الكنايات رجعية، وكذا مذهب ابن مسعود رضي الله عنهما. ففي مصنف عبد الرزاق، حدثنا الثوري عن منصور حدثني إبراهيم عن علقمة، والأسود، أن ابن مسعود جاء إليه رجل، فقال: كان بيني وبين امرأتي كلام فقالت: لو كان الذي بيدك من أمري بيدي لعلمت كيف أصنع، قَالَ: فقلت لها، قد جعلت أمرك بيدك. فقالت أنا طالقة ثلاثاً، قَالَ ابن مسعود: أراها واحدة، وأنت أحق بالرجعة. وسألنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقال: ماذا قلت؟ قَالَ: قلت أراها واحدة، وهو أحق بها قَالَ: وأنا أرى ذلك، وزاد من طريق آخر ولو رأيت غير ذلك لم تصب.
وأخرج ابن أبي شيبة عنهما في مصنفه أنهما قالا: في البرية، والخلية، هي تطليقة واحدة، وهو أملك برجعتها.
ومن مذهب الإمام علي كرم اللَّه وجهه في خلية، وبرية، أنها ثلاث على ما أخرجه عنه ابن أبي شيبة.
- 3 - والجارية المرهونة في حق المرتهن، وفي رواية، لأنه انعقد له فيها سبب الملك، لأنه بالهلاك يصير مستوفياً حقه من وقت الرهن، وإذا كان كذلك فقد انعقد له فيها سبب الملك في الحال، ويحصل حقيقة الملك عند الهلاك.
- 4 - إذا وطأ الجارية المشتركة بينه وبين غيره. لأنه وطأ جارية انعقد له فيها سبب الملك لأن الشراء سبب لملك المتعة، فقد دفع له فيها شبهة تمنع عنه وجوب الحد.
- 5 - إذا وطأ البائع جاريته المبيعة قبل تسليمها إلى المشتري.
- 6 - إذا وطأ الجارية المجعولة مهراً قبل أن يسلمها إلى زوجته، لأن الملك فيها لم يستقر للزوجة ولا للمشتري. والمالك كان مسلطاً على وطئها بتلك اليد مع الملك.
وملك اليد ثابت، والملك الزائل مزلزل، فهي شبهة في حقيقة الملك بحكم الشرع.
ففي جميع هذه المواضع التي ذكرناها لا يجب إقامة الحد على الواطئ، وإن قَالَ: علمت أنها علي حرام. لأن المانع من إقامة الحد هو الشبهة، وهي هنا قائمة في نفس الحكم، أي الحرمة القائمة فيها شبهة أنها ليست بثابتة نظراً إلى دليل المحل. والزنا أمر محظور، فلا يثبت بالظن، ولا مع الشبهة القوية، بل لابد فيه من التحقيق، والتثبت من غير شك ولا ريبة، وقد أوصانا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالتثبت في هذا الحكم، حتى لا تزهق الأرواح البريئة بغير حق فقال صلى الله عليه وسلم (ادرؤوا الحدود بالشبهات) وقد قَالَ بعض الفقهاء هذا الحديث متفق عليه، وقد تلقته الأمة بالقبول.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
واسند ابن أبي شيبة عن ابراهيم النخعي قَالَ: قَالَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لأن أعطل الحدود بالبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات) . وهو الحريص على إقامة شعائر الإسلام.
وأخرج عن معاذ بن جبل، وعبد اللَّه بن مسعود، وعقبة بن عامر، رضي الله عنهم قالوا: إذا اشتبه عليك الحد فادرأه.
وبما روي في البخاري من قول رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم (ومن اجترأ على ما يشك فيه من الاثم، أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى اللَّه تعالى، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه) ومعناه أن من جهل حرمة شيء وحله، فالورع أن يمسك عنه، ومن جهل وجوب أمر وعدمه، فلا يوجبه، ومن جهل أوجب الحد أم لا؟ وجب أن يقمه، وسواء أكان هذا قبل ثبوت الحد، أم بعد ثبوته، لأن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ لماعز، لما أقر بالزنا:(لعلك قبلت، لعلك لمست، لعلك غمزت) كل ذلك يلقنه أن يقول: نعم بعد إقراره بالزنا بين يديه. وشؤال أهله عنه أهو عاقل أم به جنون؟ وسؤاله عن كيفية الفعل، حتى قال: أنكتها؟ قَالَ نعم كما يكون الميل في المكحلة: وليس لذلك فائدة إلا كونه إذا قالها تركه، وإلا فلا فائدة ولم يقل لم أعترف عنده بدين - لعله كان وديعة عندك فضاعت. ونحو ذلك.
وكذلك قوله للسارق الذي جيء به إليه أسرقت؟ ما أخاله سرق، وقوله للغامدية حينما جاءت واعترفت له بالزنا وهي حامل مثل ذلك، وردها من مجلسه حتى تلد، عسى أن لا ترجع إليه بعد طول هذه المدة، وأن لا تطالبه بإقامة الحد عليها.
وطذلط ما روي عن الصحابة رضوان اللَّه عليهمفي درء الحدود، فقد روي أن الإمام علياً كرم اللَّه وجهه قَالَ لشراحة التي أقرت بالزنا وظهر الحمل عليها لعله وقع عليك وأنت نائمة، لعله استكرهك، لعل مولاك زوجك منه، وأنت تكتمينه، الخ..
وذكلك قول سيدنا عمر بن الخطاب للمرأة، التي جاءت إلى الراعي وطلبت منه لبناً، فلم يعطها حتى مكنته من نفسها، فلم يقم عليها الحد، بل قَالَ: دفع إليها مهرها واعتبر ذلك شبهة تدرأ الحد عنها وعنه.
ولم يكن من سنة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ بالظنة، ولا يقيم الحد إلا بعد التأكد.
فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته، فقال شداد بن الهاد، هي المرأة التي قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لو راجماً أحداً بغير بينة لرجمتها، قَالَ: لا. تلك مرأة كانت قد أعلنت في الإسلام) متفق عليه.
والمعنى أنها كانت تعلن بالفاحشة بين المسلمين، ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة ولا إقرار. فلم يقم عليها الحد، بالاشاعة.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (لو كنت راجماً أحداً بغير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بينة رجمت فلانة، فقد ظهر منها الريبة في منطقها، وهيئتها، ومن يدخل عليها) رواه ابن ماجة وقد احتج به من لم يحد المرأة بنوكها عن اللعان.
وقوله صلى الله عليه وسلم (لو كنت راجماً بغير بينة لرجمتها) فيه دليل واضح وصريح على أنه لا يجب إقامة الحد بالتهم، لأن إقامة الحد إضرار كبير بمن لا يجوز الإضرار به، وإلحاق العار والفضيحة به وبأهله. وهذا قبيح عقلاً وشرعاً، فلا يجوز إلا ما أجازه الشارع الحكيم كالحدود والقصاص. وما أشبه ذلك بعد حصول اليقين، ورفع الشك والشبهة، من قلب الحاكم، لأن مجرد الحدس والتخمين لا ينفع في إقامة الحدود وإزهاق الأرواح، والتهمة، والشك مظنة الخطأ والغلط. وما كان كذلك فلا يستباح به إيذاء المسلم، وإلحاق الضرر به وإيلامه، وتشويه سمعته، وإهدار كرامته.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (ادرؤوا الحدود عن المسلمين، ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العقو، خير من أن يخطئ في العقوبة) رواه الترمذي.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قَالَ: ادرؤوا الحدود بالشبهات، وادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قبل عذر رجل زنى في بلاد الشام، وادعى الجهل بتحريم الزنا، ولم يقم عليه الحد لهذه الشبهة، التي يستطيع أن يتذرع بها كل أحد.
وروي أيضاً عنه وعن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنهما أنهما عذرا جارية زنت وهي أعجمية، وادعت أنها لم تكن تعلم تحريمه.
وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لما لاعن بين هلال بن أمية وبين زوجته حين اتهمها بشريك بن السحماء قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم (اللهم بين) .
قَالَ أنس: فوضعت شبيها بالذي ذكر زوجها أنه وجده عندها، ومع هذا الدليل لم يقم رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم الحد، لأن البينة لم تقم. ولم يحصل منها اعتراف، ومجرد ظهور الحمل عليها لا يقوم دليلاً على إقامة الحد، وقد درأ عنها وقال صلى الله عليه وسلم:(لولا الإيمان لكان لي ولها شأن) . ولم يلحق الولد بالرجل الذي اتهم بأنه كان عندها.
فهذا الأمر الخطير الذي يفضي إلى هلاك النفوس لابد فيه من البينة أو الإقرار حتى يثبت على فاعله.
اتفق الأئمة الأربعة: على أن الحدود تدرأ بالشبهات، ولكنهم اختلفوا في هذه الشبهات.
من وجد على فراشه امرأة فوطئها
الحنفية قالوا: إذا وجد الرجل على فراشه امرأة فظن أنها امرأته فوطئها ثم تبين له أنها أجنبية عنه، يحد الرجل في هذه الحال، لأنها ليست بشبهة حيث أنه يمكن معرفة زوجته بكلامها، وجسمها،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وحركتها، ولمسها، ومس جلدها، فلا تكون هناك شبهة تدرأ عنه الحد، وإذا ادعى أنه ظن ذلك صدق بيمينه.
وكذلك الأعمى إذا دعا زوجته إلى فراشه فأجايته امرأة أجنبية، ولم تقل له أنا فلانة ثم جامعها، وتبين له بعد ذلك أنها أجنبية عنه، يقام عليه الحد، ولا يعتبر هذا شبهة فقد يكون الأعمى، والظان فطناً، حاذقاً، لا يخفى عليه زوجته من غيرها.
فأراد علماء الأحناف سد هذا الباب، حتى لا يكون وسيلة إلى انتشار الفساد في المجتمع. شفقة على دين الأمة حتى لا يتجرأ المفسدون على فعل ذلك عمداً، ويزعمون أنه لا يجب عليهم الحد، لوقوع هذه الشبهة عندهم، فمجرد وجود امرأة على فراشه لا يكون دليل الحل ليستند إلى الظن.
المالكية، والشافعية، والحنابلة، قالوا: لا يقام الحد في هاتين الحالتين، لوجود شبهة لهما، وقيام العذر المجوز للإقدام على الوطئ في الجملة، لوجودها على فراشه، وإجابة طلبه وقياسه على "المزفوفة" لجامع الحل في كل.
إذا وعد جاريته فأتته غيرها
الحنفية، والمالكية، والحنابلة، قالوا: إذا تواعد رجل مع جاريته، فجائته جارية أجنبية في المكان والموعد المحدد، فوطئها من غير علم بها، ثم ظهر له أنها أجنبية بعد جماعها. فلا يقام عليهما الحد لوقوع هذه الشبهة، حيث سبق أن ضرب لها موعداً، وحدد لها مكاناً.
الشافعية - قالوا: يقام الحد على المرأة في هذه الحال لأنها زنت وهي تعلم، وكذلك الرجل، لما روي أن رجلاً كان قد واعد جارية له مكاناً في خلاء، فعملت جارية أخرى بذلك، فأتته فحسبها جاريته فوطئها ثم علم بها بعد ذلك. فأتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له: ائت علي بن أبي طالب فسأل علياً كرم اللَّه وجهه، فقال له: أى أن تضرب الحد في خلاء، وتعتق رقبة، وعلى المرأة حد الزنا.
من زفت إليه غير امرأته
اتفق الأئمة الأربعة: على أن الرجل إذا زفت إليه، غير امرأته ليلة الدخول بها، وقال له النسوة: هي امرأتك. فوطئها ثم تبين له أنها ليست زوجته، وأنه غرر به عليه الحد لوجود هذه الشبهة، ويجب عليه المهر، وعلى المزفوفة العدة ويثبت النسب، ولا يحد قاذفه، بذلك حكم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولأن الرجل لا يرف امرأته أول مرة إلا بإخبار النساء له، فقد اعتمد دليلاً شرعياً، مبيحاً للوطء، ولأن الملك ثابت له من حيث الظاهر بإخبارهن، ولأن قول الشاهد الواحد مقبول ويعمل به المعاملات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ظهور الحمل على امرأة لا زوج لها
الحنفية - قالوا: إذا ظهر على المرأة الحرة حمل، ولا زوج لها، أو كانت أمة لا زوج لها ولا سيد. يسألونها، فإذا قالت: استكرهت على الزنا، أو وطئت بشبهة، يقبل قولها ولا يقام عليها الحد، لأنها بمنزلة من أقر ثم ادعى الاستكراه.
واحتجوا على ذلك بما جاء في حديث شراحة، أن الإمام علياً رضي الله عنه قَالَ لها: لعله استكرهك؟ قالت: لا. قَالَ لعل رجلاً أتاك في نومك؟ وهكذا.
ولأن الشرع يحب الستر في الحدود.
وروي أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قيل له: إن امأة ادعت أنها ثقيلة النوم وأن رجلاً استكرهها ثم تركها فمضى عنها، ولم تدر من هو بعد. فلم يقم عليها الحد، وقبل عذرها، لهذه الشبهة.
ولا خلاف بين أهل الإسلام في أن المستكرهة، لاحد عليها، وإنما اختلفوا في وجوب الصداق لها.
وسبب الخلاف هو: هل الصداق عوض عن البضع، أو نحلة؟
فمن قَالَ: هو عوض عن البضع أوجبه في البضع الحلال والحرام.
ومن قَالَ: إنه نحلة خص اللَّه به الأزواج، لم يوجبه إلا على الزوج خاصة.
الشافعية - عندهم روايتان أظهرهما، أنها لا تجب عليها الحد، وإن لم تأت في دعوى الاستكراه بأمارة تدل على صدقها، ولم تأت في دعوى الزوجية ببينة، لأن الحد لا يثبت إلا بشهود أو لإقرار، ولم يثبت هنا، ولأن الحدود تقسط بالشبهات، وهذه شبهة فمجرد الحنل لا يثبت به الحد. بل لا بد من الاعتراف، أو البينة.
المالكية - قالوا: إن كانت المرأة مقيمة بالحي، وليست طارئة، فإنه يقام عليها الحد، ولا يقبل قولها إلا ان يظهر ذلك، بأن تأتي بأمارة على استكراهها أو تقيم البينة على زواجها، أو شيء مما يظهر به صداقها، لأن الحد ثبت بالحمل، فلا يرفع إلا ببينة.
أما إذا كانت المرأة طارئة، قبل قولها، لوجود شبهة، وعدم التوثق في ثبوت حدها.
زنا المحصن بغير المحصنة
إذا زنا رجل محصن، حر، ببكر، أو بأمة، أو بمستكرهة.
قَالَ جمهور جمهور العلماء: على المحصن في هذا كله الرجم، لعدم وجود شبهة تدرأ الحد، وعلى المرأة البكر الجلد، مائة جلدة، وعلى الأمة، خمسون جلدة. وليس على المستكرهة شيء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إكراه السلطان
ومن أكرهه السلطان حتى زنا بامرأة، فلا حد عليه، لأن السبب الملجئ إلى الفعل قائم، وهو قيام السيف، وكذا المرأة المكرهة، لا تحد بالإجماع.
فإن حصل الإكراه من غير السلطان. اختلف فيه.
الحنفية - قالوا: يقام عليه الحد، لأن الزنا من الرجل لا يتصور إلا بعد انتشار الآلة فيه، وهذه علامة الطواعية، والرضا.
الشافعية، والمالكية، والحنابلة، - والصاحبان - قالوا: لا يقام الحد على المكره بغير السلطان.
استكراه الرجل المرأة على الزنا
الشافعية - قالوا: إذا استكره الرجل المرأة على الزنا، أقيم عليه الحد، ولا يقام عليها، لأنها مستكرهة، مغلوبة على أمرها، ولها مهر مثلها، حرة كانت أو أمة، ويثبت النسب منه إذا حملت المرأة وعليها العدة.
فإذا كانت أمة نقصت الإصابة من ثمنها شيئاً، قضى عليه مع المهر بما نقص من ثمنها.
وأما إذا كانت حرة فجرحها جرحاً له أرش، قضي عليه بأرش الجرح.
وكذلك لو ماتت من وطئه كانت عليه دية الحرة. وقيمة الأمة، والمهر.
استئجار المرأة للزنا
الحنفية - قالوا: إذا استأجر الرجل امرأة للزنا - قبلت، ووطئها، فلا يقام الحد عليهما ويعزران بما يرى الإمام، وعليهما إثم الزنا يوم القيامة. لما روي أن امرأة طلبت من راعي غنم في الصحراء أن يسقيها، لبناً - فأبى أن يعطيها اللبن حتى تمكنه من نفسها، ونظراً لضرورتها وحاجتها إلى الطعام قبلت المرأة. ووطئها الراعي - ثم رفع الأمر إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فدرأ الحد عنهما وقال: ذلك مهرها، وعد هذا استئجار لها. ولأن الإجارة تمليك المنافع، فأوردت شبهة عندهما. ولأن اللَّه تبارك وتعلى قد سمى المهر أجراً في كتابه العزيز فقال تعالى:{فأوتوهن أجورهن فريضة} فهو كمن قَالَ: أمهرك كذا فهو نكاح فاسد.
وسواء كان المؤجر لها، وليها، أم سيدها، حرة كانت، أو أمة، إذا لم تكن في عصمة رجل.
ولأن عقد الإجارة عنده شبهة تدرأ الحد عنه، مع أنه يحرم الإقدام على ذلك.
الصاحبان قالا: يجب إقامة الحد عليهما. لأن منافع البضع لا تملك بالإجارة فأصبح وجود الإجازة، وعدمها سواء، فلا تعد شبهة تدرأ الحد عنهما. وصار الرجل كأنه وطأها، من غير شرط، وذلك الرأي هو الراجح المعمول به في المذاهب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: يقام الحد عليهما، ولا يصير الاستئجار شبهة تدرأ الحد عنهما، لأن حد الإجارة لا يستباح به الفرج شرعاً، وعرفاً، فصار كما لو استأجرها، للطبخ ونحوه من الأعمال، ثم زنا بها، فإنه يقام عليه الحد في هذه الحال. من غير خلاف من أحد من العلماء.
من زنا بكراً ومحصناً
الحنفية، والمالكية، والشافعية - وفي رواية عن الحنابلة - قالوا: لو زنا رجل وهو بكر، ثم زنا بعد ذلك، وهو محصن، قبل إقامة الحد عليه فلا يجمع عليه الجلد والرجم وإنما يجب عليه إقامة حد الرجم خاصة، لأنه لا فائدة في الجلد مع وجوب قتله ورجمه، حيث لا يحصل منه الانزجار.
الحنابلة - قالوا: في رواية عنهم: إنه يجب الجمع بين الجلد أولاً، والرجم بعد ذلك تنفيذاً للحدين، حتى يكون عبرة لغيره. وحتى نأخذ لكل فعل حده.
العقد على المرأة في عدتها
المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: إذا عقد رجل على امرأة وهي في عدة زوجها الأول ودخل عليها، فإنه يجب عليه إقامة الحد. فإن كان بكراً جلد مائة جلدة وإن كان محصناً رجم بالحجارة.
ولا يكون هذا العقد شبهة تدرأ الحد عنهما.
الحنفية - قالوا: لا يجب عليهما إقامة الحد، وإنما يجب عليهما التعزير حيث ان العقد شبهة مقبولة تدرأ الحد عنها، والحدود تدرأ بالشبهات.
العقد على الخامسة
المالكية - قالوا: إذا عقد رجل على امرأة خامسة ومعه أربع نسوة. فإن كان يعلم بحرمتها أقيم عليه الحد، أما إذا جرى العقد ولم يعلم بتحريمها فلا يقام عليه الحد، ويكون عدم علمه شبهة تدرأ الحد عنه.
ولا يعمل بقول الخوارج الذين قالوا: إنه بجوز العقد على تسع نسوة، مستدلين، بجمع النَبِي صلى الله عليه وسلم لثمان نسوة ولا يكون ذلك خصوصية له، لأنه قدوة لنا نقتدي به، ويحتجون بقوله تعالى:{فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} .
والرد عليهم، بأن الزيادة على الأربع من خصوصيات الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه وبأن حرف "الواو" في الآية بمعنى "أو" التي للتخير لا للجمع.
وبما روي أن رجلاً أسلم وتحته عشر نسوة، فأمره النبي أن يمسك أربعاً ويفارق الباقي.
العقد على المحارم
المالكية، والشافعية، والخنابلة، وأبو يوسف، والإمام محمد من الحنفية - قالوا: إذا عقد رجل على امرأة لا يحل له نكاحها، بأن كانت من ذوي محارمه، كأمه وأخته، مثلاً، أو محرمة من نسب أو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
رضاع، ثم وطأها في هذا القعد، وهو عالم بالتحريم، فإنه يجب عليه إقامة الحد، لأن هذا العقد لم يصادف محله، لأنه لا شبهة فيه عنده، ويلحق به الولد.
الإمام أبو حنفية - قال: لا يجب عليه إقامة الحد، وإن قَالَ: علمت أنها علي حرام، لكن يجب عليه بذلك المهر، ويلحق به الولد، ويعاقب عقوبة هي أشد ما يكون من أنواع النعزير سياسياً لا حد مقدراً شرعاً، إذا كان عالماً بذلك.
فإذا كان يجهل الحكم ولم يعلم بالحرمة، فلا حد، ولا عقوبة، تعزير. والقول الراجح قول الجمهور.
وعلى هذا الخلاف كل محرمة برضاع أو مصاهرة. ومحل الخلاف أن هذا العقد يوجب شبهة أم لا؟.
فعند الجمهور لا. وعند الإمام أبي حنيفة وسفيان الثوري وزفر نعم، يوجب شبهة. ومدار كونه يوجب شبهة على أنه ورد على ما هو محله أولا. فعند الجمهور لم يرد على محله، لأن محل العقد لا يقبل حكمه، وحكمه الحل، وهذه من المحرمات في سائر الحالات فكان الثابت صورة العقد، لا انعقاده، لأنه لا انعقاد في غير المحل، كما لو عقد على ذطر مثلاً.
والفتوى على قول الأئمة الثلاث والصالحين، لأنه الراجح.
قَالَ العلماء: والعقد ليس شبهة وإنما هو جناية توجب العقوبة، انضمت إلى الزنا.
الزنا بالمحارم
ومن زنا بالمحارم سواء أكان بالمصاهرة، أو بالقرابة، أو بالرضاع، قَالَ سيدنا جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما: يضرب عنقه، ويضم ماله إلى بيت المال عقوبة له على ما فعل وزجراً لغيره، عن الوقوع في هذه الجناية الخطيرة.
ونقل عن الإمام أحمد وإسحاق: وجوب قتله سواء أكان بكراً أم محصناً، إذا كانت المفعول بها امرأة أبيه، لحديث البراء رضي الله عنه حيث قَالَ: لقيت خالي ومعه راية. فقلت له: (أين تريد؟ فقال: بعثني رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه، أن أضرب عنقه، وآخذ ماله) رواه أبو داود والترمذي. وقال حديث حسن.
وروى ابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: (من وقع على ذات محرم منه، فاقتلوه) لأنه اعتبر مسنحلاً لما حرم اللَّه، مرتداً عن الإسلام فحل قتله، وضم ماله إلى بيت مال المسلمين. وذلك لازم للكفر.
والحديث الشريف يشمل كل ناكح، وكل زان بمحرمه، وقد أجمع العلماء على أن من نكح محرماً، بأي نوع من أنواع المحارم المؤبدة، فإنه يقتل حيث انه خرج عن الفطرة الإنسانية وانحط
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إلى درجة الحيوان الأعظم. وأصبح ساقط فاقد الكرامة عديم الشرف والشعور فيقتل جزاء هذا الفعل الشنيع الذي تنفر منه العقول السليمة.
وقد روي عن معاوية بن قرة عن أبي أن النَبِي صلى الله عليه وسلم بعث جدَّ "معاوية" إلى رجل عرس بامرأة ابنه. (أن يضرب عنقه ويخمس ماله) وهذا دليل على أنه استحل ذلك الفعل. فارتد بسببه عن الإسلام، ولأنه وطئ في فرج محرم، مجمع على تحريمه من غير ملك، ولا شبهة ملك. والواطئ أهل للحد، عالم بالتحريم، فيجب إقامة الحد عليه.
إذا وطئ السيد أمته المتزوجة
الحنفية، والمالكية، والشاقعية - قالوا: إذا وطئ السيد أمته المتزوجة برجل آخر، فإنه لا يجب عليه إقامة الحد، لوجود شبهة الملك السابق، فيدرأ عنه الحد.
الحنابلة - قالوا: يجب إقامة الحد عليه، ولا يقبل عذره، لعدم قيام شبهة الملك. حيث أنها تزوجت، وخرجت عن ملكه، وأصبحت في عصمة غيره، وصارت محرمة عليه بيقين، ولا قيام بشبهة عنده بعد أن خرجت من ملكه، وحرمت عليه بالإجماع من غير خلاف.
جهل الرجل بحالة المرأة
الشافعية - قالوا: لو أن رجلاً أخذ مع امرأة أجنبية عنه، وكانا في خلوة فاعترف أنه نكحها، وقال انه لا يعلم أن لها زوجاً، أو أنها في عدة من زوج، أو أنها قريبة له ذات محرم، أو أنها أخته من الرضاع، أو أنها أم زوجته، فإنه يحلف على ذلك، فإذا حلف اليمين يدرأ عنه الحد، ولا يقام عليه لوجود هذه الشبهة التي ادعاها، ويلزمه دفع المهر. وكذلك المرأة إذا ادعت الجهالة بأن لها زوج، أنها في عدة، أحلفت وبعد اليمين تقبل دعواها، ويدرأ عنها الحد وإن نكلت عن حلف اليمين حدت.
أما إذا قَالَ الرجل: أنا أعلم أن لها زوجاً، أو أنها في عدة من زوج، أو أنها ذات محرم وأعلم أنها محرمة علي، ففي هذه الحالة يجب أن يقام عليه حد الزنا، ويلزمه مهرها، وإذا اعترفت المرأة بأنها تعلم أنها متزوجة، وفي عصمة زوجها، أو أنها لم تنقض عدتها، وغير ذلك أقيم عليها حد الزنا لعدم وجود الشبهة.
المالكية - قالوا: يجب الحد عليه إذا وطئ معتدة منه بعد العدة، أو في عدة من غيره، وإذا وطئ أختاً تزوجها على أختها فإنه يؤدب إلا إذا قَالَ: لا أعلم الحكم فإنه يعذر بجهله، واختلف في إقامة الحد عليه إذا أكره على الزنا بامرأة وكانت طائعة ولا زوج لها ولا سيد، والشمهور أنه يحد، أما إذا كان لها زوج أو سيد فإنه يحد انفاقاً لحق الزوج والسيد.
من وطئ جارية زوجته
الحنفية - قالوا: إذا وطئ الرجل جارية زوجته بإذان منها: فإن قَالَ: ظننت أنها علي حلال قبل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قوله، وصار شبهة فلا يقام الحد عليه، لأن مال الزوجة فيه شبهة الملك للزوج خصوصاً إذا اذنت له الزوجة في نكاحها. فكأنها أعطته حق الملك.
أما إذا قَالَ الرجل علمت التحريم، فإنه يقام عليه الحد، لعدم وجود شبهة تدرأ الحد عنه.
المالكية، والشافعية - قالوا: يقام الحد عليه فيجلد إن كان غير محصن، ويرجم إن كان محصناً. لأنه وطء دون ملك تام، ولا شركة ملك، ولا شبهة نكاح، فوجب عليه الحد.
الحنابلة - قالوا: يجلد مائة جلدة وإن كان محصناً، ولا يرجم لوجود الشبهة، فيخفف عنه الحد ولكن لا يرفع الحد كما قَالَ الأحناف، لما رواه أصحاب السنن بسند حسن: أن رجلاً وقع على جارية امرأته فرفع إلى النعمان بن بشير رضي الله عنه، وهو أمير على الكوفة، فقال: لأقضين فيك بقضية رسول اللَّه (إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة. وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك) .
زنا الحربي
الحنفية - قالوا: إذا زنى الحربي - غير المسلم - بذمية، والمكره إذا زنا بمطاوعة، تحد الذمية والمطاوعة، ولايحد الحربي، ولا المكره، لحديث (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) . وإذا دخل الحربي دار الإسلام، فأسلم ثم زنى، وقال: ظننت أن الزنا حلال فلا يلتفت إلى قوله، ويقام عليه الحد، وإن كان قد فعله في أول يوم دخل فيه الدار، لأن الزنا محرم في جميع المذاهب والأديان.
زنا المجاهد
إذا وطئ الجندي المسلم المجاهد جارية من إماء المغنم قبل القسمة فلا يقام عليه الحد لوجود شبهة حيث لا يقام حد في أرض الحرب، ولا في حال الغزو، حتى لا يلحق بالعدو.
زنا أهل الكتاب
إذا زنا المشركان وهما ثيبان وثيت الزنا بالشهود أو الإقرار اختلف رأي الفقهاء فيه.
الحنفية، والمالكية - قالوا: لا يرجم واحد منها لعدم وجود الإحصان في المشرك، وإنما يعزران.
الشافعية، والحنابلة - قالوا: إذا تحاكم إلينا أهل الكتاب، وقبلوا أن نحكم بينهم في قضاياهم التي عرضوها علينا، وثبت الزنا على أحدهم يقام عليه الحد، ويرجم إن اكن محصناً، ويجلد البكر مائة جلدة، وينفى سنة كاملة بعيداً عن وطنه مسافة قصر، فقد روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهودياً، ويهودية بالمدينة المنورة - وقعا في الزنا - ثم احتكما اليه، وهذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
معنى قول اللَّه تبارك وتعالى للنَبِيه صلى الله عليه وسلم {وإذا حكمت فاحكم بينهم بالقسط} وقوله تعالى {وإن احكم بينهم بما أنزل اللَّه} فلا يجوز أن يحكم بينهم في شيء من أمور الدنيا إلا بحكم المسلمين، لأن حكم اللَّه واحد بين عباده جميعاً لا يتغير.
عدم العلم بحرمة الزنا
الحنفية، والشافعية، والحنابلة - قالوا:
يشترط في إقامة حد الزنا أن يكون الزاني عالماً بحرمة الزنا، فلو قَالَ الشهود عليه بالزنا، وقت إقامة الحد عليه: إنه لا يعلم بتحريم الزنا، ولا علم له بحكمه، وحلف اليمين على ذلك، قبل قوله، لا يقام عليه الحد، لوجود شبهة تدرأ الحد عنه، لما روي أن النَبِي صلى الله عليه وسلم سأل الذي أقر عنده بالزنا، بقوله (فهل تدري ما الزنا؟) .
المالكية - قالوا: من قَالَ حين أقيم عليه الحد: لا أعلم تحريم الزنا شرعاً ولا دراية لي بحكمه وكان قريب العهد بالإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة عن العلماء، لا يقام الحد عليه، لاحتمال صدقه في ذلك القول، وهو شبهة تدرأ الحد عنه.
وإن لم يكن كذلك، بأن كان قد مضى عليه زمن في الإسلام، يمكنه من التعليم والمعرفة أو نشأ ببادية قريبة من أهل العلم، واختلط بأهل الحضر المسلمين وسمع منهم عليه الحد حينئذ، ولا يقبل عذره بالجهل لظهور كذبه فيما ادعاه بعد إقراره بالزنا أمام المحاكم، أو بعد ثبوت الزنا عليه بشهادة الشهود.
وطء الأجنبية فيما دون الفرج
اتفق الأئمة على أن من وطئ امرأة أجنبية فيما دون الفرج بأن أولج ذكره في مغابن بطنها، ونحوه، بعيداً عن القبل، والدبر، لا يقام عليه الحد، ولكنه يعزر، لأنه أتى فعلاً منكراً يحرمه الشرع، وقد حكم الإمام علي كرم اللَّه وجهه على من وجد مع امرأة أجنبية مختلياً بها، ولم يقع عليها، بأن يضرب مائة جلدة تعزيراً له، لأنه من الأسباب التي توقع في الزنا ومن زنا بامرأة ميتة لا يقام عليه الحد، وإنما يعزر حسب ما يراه الإمام رادعاً له لأن النفوس البشرية تنفر منه لبشاعته، وهي لذة ناقصة فلا يقام عليه الحد.
إفساد المرأة على زوجها
إن الدين الإسلامي يحرم السعي بالفساد بين الزوجين، ويعتبره من أكبر الكبائر عند اللَّه وقد اختلف الفقهاء في حكم من أفسد امرأة على زوجها حتى طلقها.
المالكية - قالوا: إن من أفسد زوجة غيره ليتزوجها بعده، تحرم عليه تحريماً مؤبداً، معاملة له بنقيض قصده. وقد روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه عن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ (من خبب على امرئ زوجته، أو مملوكه فليس منا) ومعنى - خبب - أي خدع، وأفسد.