المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الجزءُ الخَامِس

- ‌تقديم

- ‌كتاب الحدود المقدمة في تعريف الحدود الشرعية

- ‌المعنى

- ‌ما يؤخذ من الحديث

- ‌بيان الحدود الشرعية وما في معناها

- ‌العقوبات الشرعية

- ‌القسم الأول

- ‌القسم الثاني

- ‌مبحث حد المحصن

- ‌مبحث حد غير المحصن

- ‌مبحث من قتل الرجل الذي زنى بامرأته

- ‌مبحث رأي المعتزلة والخوارج

- ‌مبحث الشهادة في الزنا

- ‌مبحث الإقرار بالزنى

- ‌مبحث الشبهات في الزنى

- ‌تشديد الشريعة في إثبات جريمة الزنا

- ‌مبحث اللعان

- ‌وقوع الفرقة باللعان

- ‌مبحث حرص الشريعة على محو الرذائل الخلقية

- ‌مبحث حد اللواط

- ‌كتاب حد السرقة

- ‌قوانين المعاملات في الإسلام

- ‌عناية الشريعة بالسرقة دون غيرها

- ‌مبحث أحكام غير السارق

- ‌مبحث المخالفات المالية

- ‌مبحث اعتراض الملاحدة

- ‌أمثلة على ردع المجرمين

- ‌رحمة الشريعة بالمفسدين

- ‌مبحث فائدة تحديد النصاب في القطع

- ‌باب حد القذف

- ‌إجماع الشرائع على أن القذف اعتداء على الأعراض

- ‌مبحث اعتراض الجهلة على حد القذف

- ‌مبحث العفو عن القاذف

- ‌مبحث مراعاة الشريعة لحال المجرم

- ‌القسم الثاني كتاب القصاص

- ‌مبحث عناية الشريعة بدماء الناس

- ‌مبحث عقاب قاتل النفس ظلماً

- ‌مبحث جواز العفو في القصاص

- ‌محاسن التشريع الإسلامي

- ‌مبحث سلطان أولياء الدم على القاتل

- ‌مبحث حق السلطان على القاتل

- ‌مبحث الجناية على الأطراف

- ‌القسم الثالث

- ‌باب التعزير

- ‌جواب وسؤال

- ‌مبحث دقة التشريع الإسلامي

- ‌سؤال وجوابه

- ‌مبحث دليل ثبوته

- ‌نظام الأسرة في الإسلام

- ‌مبحث أساس القوانين الشرعية

- ‌مبحث الكبائر من الذنوب

- ‌معنى الحديث

- ‌الجواب عن السؤال الثاني

- ‌الكبيرة الثامنة شهادة الزور

- ‌الكبيرة التاسعة اليمين الغموس

- ‌الكبيرة العاشرة الزنا

- ‌الكبيرة الحادية عشرة شرب الخمر

- ‌الكبيرة الثانية عشرة النميمة

- ‌الكبيرة التاسعة عشرة الغلول في الحرب

- ‌مبحث السحر

الفصل: ‌باب حد القذف

‌باب حد القذف

-فأما حد القذف فقد بينه اله سبحانه وتعالى بقوله في كتابه العزيز {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء، فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأولئك هم الفاسقون} آية 4 من سورة النور (1) .

فقطعت يده، وهو يقول الحمد الله الذي طهرني منك، اردت أن تدخلي (جسدي النار) فهد التوبة النصوح. وقال اب جرير حدثنا أبو كريب، حدثنا موسى بن داود، حدثنا أبن لهيعة عن يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال: سرقت امرأة حلياً فجاء الذين سرقتهم فقالوا: يا رسول الله سرقتنا هذه المرأة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اقطعوا يدها اليمنى) فقال المرأة: هل من توبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنت اليوم من خظئتك كيوم ولدتك امك) قال: فأنزل الله عز وجل: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فأن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم} .

وقد رواه الإمام أحمد بأبسط من هذا فقال: حدثنا أبن لهيعة، حدثني يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بها الذين سرقتهم، فقالوا: يا رسول الله إن هذه المرأة سرقتنا، قال قومها: فنحن نفديها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اقطعوا يدها) فقالوا نحن نفديها بخمسمائة دينار فقال: (اقطعوا يدها) فقطعت يدها اليمنى فقالت المرأة هل لي من توبة يا رسول الله؟ قال: (نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك امك) فأنزل الله في سور المائدة: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه ان الله غفور رحيم} وهذه المرأة هي المخزومية التي سرقت، وحديثها ثابت في الصحيحين كما سبق في أول الباب.

وروي عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قال عنها: إنها تابت وحسنت توبتها بعد، وتزوجت، وكانت تأتيني بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه هي التوبة الخالصة، التوبة النصوح التي تحمل صاحبها على الندم على ما وقع منه، وتشعره بالحسرة على ما فرط في جنب الله عز وجل ويجبره على الإقلاع عن الذنب.)

-

(1)

(تعريفه

الحد شرعاً، عقوبة مقدرة وجبت حقاً لله تعالى كما في عقوبة الزنا، أو وجبت حقاً لآدمي كما في حد القذف، وسميت العقوبات الشرعية حدوداً، لأن الله تعالى حدها، وقدرها، فلا يجوز لأحد أن يتجاوزها، قال تعالى:{ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} .

وقيل: سميت بذلك لأن الحد في اللغة كالمنع، والحدود تمنع عن الإقدام على الفواحش،

ص: 185

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والحكمة في وجوب حد القذف دون التساب بالكفر، لأن المسبوب بالكفر قادر على أن ينفي عنه ذلك بالنطق بالشهادتين، بخلاف المتهم بالزنان فإنه لا يقدر على نفي التهمة عنه، والرمي، وهو الإلقاء بحجر أو سهم، أو نحوهما مما يؤذي ويضر، استعير للسب، وتوجيه العيوب لما في كل من الأذى والإضرار بالناس، فخرج اللسان مخرج اليد بالسنان، بل:

جراحات السهام لها التئام * ولا يلتام ما جرح اللسان

وقد اختار الله تعالى التعبير بالرمي فذكرها ثلاث مرات في ثلاث آيات خاصة بحد القذف، فقال تعالى:{والذين يرمون المحصنات} وقال تعالى: {والذين يرمون أزواجهم} وقال تعالى: روالذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات} وهو من بلاغة القرآن الكريم، فإن الكلمة متى أفلتت من لسان قائلها لم يتمالك زمامها، وانطلقت لا تلوي على شيء حتى تصيب من وجهت إليه بالضرر والأذى، فهي كالسهم يرمى به فلا تعود اليد قادرة على رده، فليحتفظ من يهم بالرمي والأمر في يده، حتى لا يندم حيث لا ينفع الندم.

مبحث حكمة التشريع

إن الله عز وجل لما بين في أول سورة {النور} ما في جريمة الزنا من عظيم الفحشن وكبير الشناعة مما لم يجتمع في جريمة أخرى، من كبير الإجرام، وتشتنيع الفعل، وأمر هذا شأنه يلحق العرض، من الرمي به ما ينكس الرأس، ويهدم الشرف، وكان من مقاصد الشرع الكريم، حفظ الأعراض، وصون الشرف لصاحبه، والاحتفاظ بالكرامة وعزة النفس، كان من متقضى حكمته جل شأنه هذا التشريع الزاجر للنفوس الجامحة، التي قد يدفها الغضب والحقد إلى أن تصيب الناس في كرامتهم، وتخدش شرفهم، وهو أعز عزيز لديهم، مستهينة بما اقترفت كما قال تعالى:{إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم} آية النور: 15.

ففرض الله لنا فيما فرض من أحكام (حد القذف) الزاجر الرادع، الكفيل بصيانة الأعراض، وحفظ الكرامة والشرف، حتى تنزجر النفوس عن الإقدام على هذا الجرم الفظيع، وليتأدب عامة المؤمنين بطلب ظن الخير بالآخرين، وعدم المسارعة إلى سوء الظن بالناس، والدعوة إلى تطهير اللسان، وصون الآداب والتحرز عن الخوض في كبريات التهم بلا علم، وتقرير بينات التهمة بحسب فظاعتها حتى لا يتخذ الناس الكيد بالاتهام الكاذب ذريعة للخدش والنكاية بلا حق. وإنك لا تجد من أنواع الجرم، ما يقدم عليه صاحبه غافلاً عن عظيم خطره إلا جرم اللسان، وكأنه سهولة حركته بطبعه. ولذة التحدث بالأمور المستغربة، وحسبان أن الطلام لا ينقص من المتكلم فيه شيئاً محسوساً يذكر، مع اعتياد الناس التساهل في القول والسماع، كل ذلك جعل الناس يستهينون به، ويحسبونه هيناً وهو ذنب عند الله عظيم، لذلك اهتم الشارع بحد القذف أعظم اهتمام، فأنزل في حد السرقة آية واحدة، وفي حد الزنا آيتين، وفي حد قطاع الطريق آية، أما حد القذف فقد أنزل فيه آيتين ثم أتبعه بنوع آخر

ص: 186

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

منه وهو (اللعان) فأنزل فيه خمس آيات، ثم أردفه بذكر حديث الافك فأنزل فيه تسع آيات، ثم أتبع ذلك كله، فأنزل أربع آيات في النهي عن قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، إلى أن قال:(أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم} فكأن الله تعالى أنزل في حد (القذف) وأحكامه وأنواعه وبيان عقابه، وشرح الأضرار المترتبة عليه في المجتمع، والنهي عنه، والتحذير من الوقوع يه، وفظاعة الإقدام عليه، أنزل في ذلك (عشرين) آية في سورة النور.

ثم ذكر الله تعالى في ذكر هذه الآيات عقاب المجرم الذي يقذف الناسن ويهتك أعراضهم بأنه لم يستطيع إثبا البينة على قوله بأمور: أولاً: أن يجلد ثمانين جلدة. ثانياً: ترد شهادته طول حياته. ثالثاُ: يصبح من أهل الفسوق والإجرام وأصحاب الكبائر. رابعاً: يكون عند الله من الكاذبين، خامساً: أنه ملعون في الدنيا، ملعون في الآخرة، سادساً: ان له عذاباً عظيماً عند الله قد ادخره له يوم القيامة، سابعاً: تشهد عليه جوارحه زيادة في الخزي والعار على رؤوس الأشهاد. ثامناً: ان الله تعالى يوفيهم جزاء فعلهم، ويجزيهم حساب عملهم، من القدر المستحق من أنواع العذاب في نار جهنم، وقد أجمعت المة على أن القذف من أكبر الكبائر وأن حد القذف من أكبر الكبائر وأن حد القذف ثابت بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة، أما الكاب فقوله تعالى:{والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة ابداً. وأولئك هم الفاسقون} وقوله تعالى: {فإذا لم يأتوا باشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} .

والمعنى: أن من قذف مسلماً أو مسلمة، ولم ستطع إقامة البينة المطلوبة لإثبات قوله، فهو كاذب عند الله، أي حكمه في شريعة الله تعالى حكم الكاذب يقيناً، فيقام عليه حد الكاذب، وقوله تعالى:{إن الذين يرمون الممحصنات الغافلات المؤمنات، لعنوا في الدنيا والآخرة، ولهم عذا بعظيم، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانو ايعملون، يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق، ويعلمون أن الله هو الحق المبين} آيات: 23، 24، 25 من سورة النور فقد بين الله تبارك وتعالى في هذه الآيات فظاعة تلك الجريمة، وعظيم أمرها، فشنع على من وقع فيها، وشرح عظم خطرها، وبين عقوبة مرتكبها، ونهاية أمر فاعلها، ووضح شديد وعيدها، وأي وعيد أشد من اللعنة في الدنيا من الناس والملائكة، والطرد من رحمة الله تعالى ورضوانه يوم القيامة، واستحقاق العذب العظيم، وتقرير ذنبه بشهادة جوارحه عليه في الآخرة أن القاذف مطالب في الجنيا لتصديق دعواه بأربعة شهداءن، فالقاذف يوم القيامة يقوم في وجهه لتكذيبه خمسة شهود من أعضائه وجوارحه: لسانه، ويداه، ورجلاه، تنكيلاً لهن وفضيحة لشأنه، جزاء وفاقاً على محاولته فضيحة المحصنات، الغلافلات المؤمنات.

وحسبك بختم الآية الكريمة بأن الله سيوفيه جزاءه الحق، ويعلم المفتري على الناس الكذب إن لم يكن قد علم أن قوله هوة الحق المبين، وقال تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم

ص: 187

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولا تعلمون} والعذاب المتوعد به في الدنيا شامل لحد القذف وما يصيب المتعرض للأعراض غالباً، من مصائب الدهر، ولحوق المخزيات، وتسليط الألسنة على شرفه وعرضه تثير منه ما كمن، بالباطل وبالصحيح، ومن فتش عن عوراتهم فضحوه، ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في قعر بيته، وكما تجين تدانن وكما تفعل تجارى، والجزاء من جنس العمل، ومن زرع الحسرة حصد الندامة.

وأما عذاب الآخرة، فهو أشد وأبقى، وإذا كان هذا من شأن الذين يحبون بقلوبهم أن تنتشر الفاحشة، وتشيع في المؤمنين، فما بالك بمن يفترها، ويروجها بنفسه؟ وأما السنة فما رواه الإمام البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رشي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات، الغافلات، المؤمنات) .

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قذف مملوكه يقام عليه الحج يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال) متفق عليه. ففي الحديث دليل على أنه لا يحد المالك في الدنيا أذا قذف مملوكه، وإن كان جاخلاً تحت عموم آية القذف بناء على أنه لم يرد بالإحصان الحرية وكذلك فعل الرسول صلوات مالله وسلامه عليه، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فذكر ذلك، وتلا القرآن، من قوله (ن الذين جاؤوا بالإفك) إلى آخر ثماني عشرة آية (فما نزل برجلين، وامراة فضربوا الحد) أخرجه أحمد والأربعة، وأشار أليه الإمام البخاري، والرجلان هما حان، ومسطح، وأما المرأة فهي حمنة بنت جحش فالحديث يدل على ثبوت حد القذف.

ما يبيح القذف

قال العلماء: إن القذف ينقسم الى لا محظور، ومباح، وواجب، فإذا لم يكن هناك ولد يريد نفيه فلا يجب وهل يباح أم لا؟ ينظر، وإن رآها بعينه تزني، أو أقرت هي على نفسها ووقع في قلبه صدقها، أو سمع ممن يثق بقوله أو لم يسمع، ولكنه استفاض فيما بين الناس ان فلاناً يزني بفلانة، وقد شاهده الزوح يخرج من بينها، أو رآها معه في بيت، فإنه يباح له القذف في مثل هذه الحالات لتأكد التهمة، ويجوز أن يمسكها، ويستر عليها إن تابت، أما إذا سمع الخبر ممن لا يوثق بقوله، أو استفاض من بين الناس، ولكن الزوج لم يره معها في خلوة، أو بالعكس لم يحل له قذفها، ولكن يجب عليه مراقبتها والتجسس عليها حتى يثبت له صدق الخبر، أو كذبه، حتى لا يكون (ديوثا) يقر الزنا في أهل بيته.

أما إذا كان ثم ولد يرد نفيه، نظر: فإن تيقن أنه ليس منه، بأن لم يكن وطئها الزوج، أو وطئها

ص: 188

والقذف هو عبارة عن أن يتهم شخص آخر بالزنا صريحاً، كأن يقول: أنت زان، أو دلالة، كأن ينسب شخص آخر إلى غير أبيه، فمن صدر منه ذلك كان جزاءه أن يجلد ثمانين جلدة، ما لم يأت بأربعة شهداء يشهدون بأنهم رأوا، بأعينهم المتهم يزني في امرأة لا تحل له (1) .

لكنها أتت به لأقل من ستة أهشر من وقت الوطء، أو لأكثر من أربع سنين يجب عليه القذف، ونفي الولد باللعان، لأنه ممنوع من استلحاق نسب الغير، كما هو ممنوع من نفي نسبه، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله، ولن يدخلها الله حنته،) فما حرم على المرأة أن تدخل على قوم من ليس منهم كان الرجل أيضاً كذلك.

أما إن احتمل أن يكون منه بأن أتت به لأكثر من ستةة أشهر من وقت الوطء، ولدون أربع سنين، نظر، إن لم يكن قد استبرأها بحيضة، أو استبرأها وأتت به لدون ستة أشهر، من وقت الاستبراء، لا يحل له القذف والنفي، وإن اتهمها بالزنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احتجب الله منه يوم القيامة، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين) .

(1)

(تعريفه شرعاً

القذف في اللغة الرمي، وفي اصطلاح الفقهاء: نسبة من أحصن إلى الزنا صريحاً أو دلالة وإنما سمي اتهام المسلم المحصن قذفاً، لأن الناطق بهذه الكلمة كالفاحشة (الزنا) يقذفها كما يقذف الحجر في حالة غضب لا يدري من أصابته في طريقها من محصنة بريئة، وأبيها، وأمها، وأختها، وأخيها، وزوجها، وبينها، وعشيرتها، وذويها، كل أولئك قد نالهم ضرر من قذيفته الطائشة، وهو ضاحك مسرور غافل لا يدري من آلام هؤلاء شيئاً، ويسمى (فرية) لأنه من الافتراء والكذب.

وقد وصف الله تعالى النساء بهذه الأوصاف الحميدة التي تناسب هذا المقام، فالمحصنات هن المصونات كأنه جعل عليهن حصن منيع، والغافلات: أي الخاليات الذهن عن التفكير في المنكر فضلاً عن التوجه إليه والمؤمنات اللاتي آمن بالقران الكريم، وأحكامه، والتزمن حدود الإمان.

واسم الإحصان يقع على المتزوجة، وعلى العفيفة وإن لم تتزوج لقوله تعالى في مريم:{والتي أحصنت فرجها} وهو مأخوذ منع الفرج، فإذا تزوجت منعته إلا من زوجها، وغير المتزوجة تمنعه على كل أحد.

وقد أتفق الأئمة رحمهم الله: على أن الحر البالغ، العاقل، المسلم، المختار، إذا قذف حراً عاقلاً، بالغاً، مسلماً، عفيفاً، لم يحمد في زنا، في سالف الزمان، أو قذف حرة، بالغة، عاقلة، مسلمة، عفيفة، غير متلاعنة، لم تحد في زنا، مطيقة للوطء، قذفها بصريح الزنا، أو كنايته، في غير دار الحرب، وطلب المقذوف بنفسه إقامة حد القذف لزمه ثمانون جلدة، إذا لم يستطع، إقامة البينة، لإثبات ما قاله، بأربعة شهداء عدول.

ص: 189

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وإنما اعتبروا الإسلام شرطاً في الإحصان لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أشرك بالله فليس بمحصن) ، واعتبروا العقل، والبلوغ، لقوله صلى الله عليه وسلم:(رفع القلم عن ثلاث) واعتبروا الحرية، لأن العبد ناقص الدرجة، فلا يعظم عليه التعيير بالزنا، واعتبروا العفة عن الزنا، لأن الحد مشروع لتكذيب القاذف، فإذا كان المقذوف زانياً، فالقاذف صاق في القذف، وكذلك إن كان المقذوف وطىء امرأة بشبهة، أو نكاح فاسد، لآن فيه شبهة الزنا، كما فيه شبهة الحل، فكما إن احجى الشبهتين اسقطتت الحد عن الواطىء، فكذا الأخرى تسقطه عن قاذفه أيضاً، واعتبروا الاختيار، لأن المكره، لا يقام عليه الحد، بل يرفع عنه العقاب واعتبروا بها، من شروط المحصن، ان لا يحد في زنا في سالف الزمان، حتى يكون محصناً ظاهراً.

فلو زنا في عنفوان شبابه مرة، ثم تاب، وحسن حاله، وشاخ في الصلاح لا يحد قاذفه، وكذلك لو زنا كافر، أو رقيق، ثم أسلم، وعتق، وصلح حاله فقذفه قاذف لاحد عليه، بخلاف ما لوزنا في حال صغره، أو جنونه، ثم بلغ، أو أفاق فقذفه يحد، لأن فعل الصبي والمجنون لا يكون زنا، ولو قذف عنيناً أو مجبوباً، أو رتقاء أو صغيرة لا تطيق فلا حد عليه، ولو قذف محصناً فقبل ان يحد القاذف زنا المقذوف، سقط الحد عن قاذفه، لأن صدور الزنا يورث ريبة في حاله فيما مضى، لأن الله تعالى كريم لا يهتك ستر عبده في أول ما يرتكب المعصية. فبظهوره يعلم أنه كان متصفاً به من قبل روي أن رجلاً زنا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فقال الرجل: والله ما زنيت إلا هذه، فقال له عمر: كذبت إن الله لا يفضح عبده في أول مرة.

واتفق الأئمة على أن القذف الذي يجب به الحد هو أن يرمي القاذف المقذوف بالزنا أو اللواط، أو ينفيه عن نسبه، إذا كانت أمه حرة مسلمة، بصريح القول دون سائر المعاصي. وذلك لأن القذف بالزنا فيه من العار بدناءة النفس، وهتك الستر، وافتضاح السوءات، وانتهاك الحرمات، والدلالة على عدم الغيرة، الذي هو من سمات أخس الحيوانات، ما قرف به كل الموبقات، فإن كان المرمي به امرأة كان فيه من جلب العار على قومها، ما يؤدي إلى سفك الدماء. وقلما يغسل ذلك العار إلا بسفك الدماء، وإن كان المرمي به رجلاً، كان فيه الدلالة على أنه ليس للعرض في نظره كرامة، ولا للغيرة على نفسه سلطان، وكان أمارة على أنه لو أصيب بما أصاب به الناس لاعتبره أمراً عادياً، لاتثور للغيرة له نفسه، ولا يغلي له دمه، ولذلك قيل: لا يزني الغيور وكفى بهذا عاراً، وعيباً يلحق الأبناء، والأحفاد، وتبقى سيرته طوال الحقاب.

وقد أجمع الفقهاء على أن المراد بالرمي هنا في الآية الكريمة إنما هو الرمي بالزنا خاصة دون الرمي بالجرائم الأخرى. لعدة قرائن منها مجيء الآية بعد آية الزنا، ومنها التعبير بالمحصنات وهن العفائف، فدل ذلك على أن المراد بالرمي، ورميهن بضد الفقاف. ونها قوله:{ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} يعني على صحة ما رموهن به، ومعلوم أن هذا العدد من الشهود غير مشروط إلا في

ص: 190

لا فرق بين أن يكون القاذف والمقذوف، رجلاً أو امرأة، وإنما خص الله المقذوف من النساء بالذكر، حيث عبر المحصنات، لأن ضرر الزنا يتعدى المرأة إلى أسرتها فقذفها يصيبهم به معرة شديدة، بخلاف الرجل.

وكذلك خص الله القاذف من الرجال بالذكر حيث قال تعالى: {والذين يرمون} لأن النساء يغلب عليهن الحياء عادة، فلا يقذفن الرجال بالزنا.

وقد بينت السنة أنه لا فرق بين الرجال، والنساء في القذف، كما بينت الشروط اللازمة الاقامة حد القذف، من عقل، وحرية إلى آخر ما هو مبين في كتب الفقه.

الزنا، ومنها انعقاد الإجماع على أنه لا يجب الجلد بالرمي بغير الزنان فيجب أن يكون المراد بالرمي، في الآية، هو الرمي بالزنا خاصة، من بين سائر العيوب.

واتفق الفقهاء: على أنه لا يقام حد القذف على القاذف إلا إذا طلب المقذوف بنفسه إقامة حد القذف على قاذه. لآنه حقه من حيث دفع العار الذي لحقه، فلو عفا عنه وتركه، ولم يطلب إقامة الحد عليه، فلا يقام الحد عليه.

ألفاظ القذف

ألفاظ القذف تنقسم إلى ثلاثة أقسام، صريح، وكناية، وتعريض.

واتفق الفقهاء على أن الحد يقام بالقذف باللفظ الصريح، كأن يقول: يا زانية، أو زنيت، أو زنى قبلك، أو دبرك، ولو قال: زنى بدنك فيه وجهان، أحدهما كناية كقوله: زنت يدك، لأن حقيقة الزنا من الفرج، فلا يكون من سائر البدن إلا المعونة، والثاني: وهو الأصح أنه صريح لأن الفعل إنما يصدر من جملة البدن، والفرج آلة في الفعل وأما الكنايات فمثل أن يقول: يا فاسقة، يا فاجرة، يا خبيثة، يا مؤاجرة، يا ابنة الحرام، أو امرأتي لا ترد يد لامس، وبالعكس فهذا لا يكون قذفاً فلا يحد إلا أن يريده. فإن قال: لم أقصد به القذف بالزنا، وكذبه المقذوف، فالقول قوله مع يمينه، ويجب على الأمام أن يعزره بما يراه، لأنه قد آذاه بذلك وألحق به الشينن ولأن الحدود لا تثبت بالقياس أما التعريض فقد اختلف فيه الفقهاء رحمهم الله تعالى.

الحنفية، والشافعية في أحد آرائهم قالوا: لا يجب الحد في التعريض وإن نوى القذف، وذلك مثل أن يقول: يا أبن الحلال، أما فما زنيت أنا معروف النسب ليست أمي زانية ابحث عن أصلك، أنا عفيف الفرج لأن التعريض بالقذف محتمل للقذف وغيره فرجب أن لا يحد لأن الصل براءة الذمة فلا يرجع عنه بالشك وإنما يجب عليه التعزير فقط، لأن قذف غير المعين لا يحصل به كبير أذى للناس، لأن كل واحد يقول المراد بذل غيري، ولأن الاحتمال الذي في الاسم المستعار شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.

ص: 191

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المالكية قالوا: يجب إقامة الحد في التعريض مطلقاً، نوى به القذف، أو لم يقو، وذلك لأنه لا يخلو من قصد احد بذلك في نفسه، فنأخذ له حقه منه، وإن كنا لانعلم ذاته. تطهيراً لذلك القاذف من هذه العادة وتربية لنفسه الخبيثة، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب الحد في التعريض روي أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال أحدهما للآخر: والله ما أنا بزان، ولا أمي بزانية، فاستشار عمر الناس في ذلك فقال قائل مدح أباه وأمه، وقال آخرون: قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا، فجلده ثمانين جلدة. ولأن الكناية قد تقوم بعرف العادة مقام النص الصريح، وإن كان اللفظ فيها مستعملاً في غير موضعه، والتعريض خاص بالأكابر من أهل الدنيا، الذين يراعون ناموسهم عند الخلق.

الشافعية في الرأي الثاني، والحنابلة في إحدى روايتهم قالوا: إن نوى بالتعويض القذف، وفسره به وجب إقامة حد القذف عليه، وإن لم ينو لا حد عليه، والقول قوله مع يمينه.

الحنابلة، في روايتهم الثانية قالوا: يجب الحد على الإطلاق، نوى أو لم ينون خصوصاً إذا كان في حالة غضب وثورة، لنها قرينة تفيد أنه يقصد إهانته، وإلحاق العار بالمقذوف.

عدم قبول شهادته

اتفق الأئمة على أن القاذف لا تقبل شهادته بعد إقامة الحد عليه، لأن الشارع قد رتب على قذف المحصن أو المحصنة ثلاثة أشياء، الجلد ثمانين جلدة، ورد الشهادة أبداً، والحكم عليه بالفسق، حيث قال تعالى:{فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأولئك هم الفاسقون} أما الجلد فللزجر، ولمقابلة الإيذاء بالإيذاء، وأما رد الهشادة فهي عقوبة لسانية تشبه قطع يد السارق، فكأنه روعي أن جزاء هذا اللسان الذي اقترف ذلك الإثم العظيم، أن يهدر ويقطع أثره، فلا يعتد بما يقوله، ويشهد به فيما بين الناس، فهو العدم سواء، وأما تفسيقه فهو مبالغة في الزجر، وإشارة إلى أن ما لقي من جزاء في الدنيا من الحد ورد الشهادة لم يعفه من اعتباره فاسقاً خارا"ً عن أمر ربه وطاعته تبارك وتعالى، وناهيك بهذه الجزاءات دلالة على عظم الخطب، وشدة الخطر، وإذا كان هذا في الرمي بالزنا والاتهام به، فكيف يكون حال مقترف هذا الجرم الفاحش الشنيع؟ فهذا الحكم مع دلالته على ما سبق له، يدل دلالة بالغة على تفظيع جرم تلك الفاحشة، وتشنيع أمرها، وعناية الشارع بالتنزيه عنها، والتنفير منها، حتى يتطهر المجتمتع من آثامها، وإذا حد الكافر في قذف لم تجز شهادته على أهل الذمة، فترد تتمة لحده.

إذا كانت أم المقذوف كافرة أو أمة

المالكية قالوا: يجب إقامة الحمد على القاذف، سواء كانت أم المقذوف حرة، أو أمة، مسلمة أو كافرة، لعموم لفظ الآية أو كان أبو المقذوف الحر المسلم عبداً، أو كافراً، على الراجح من المذهب.

ص: 192

على أن الآية الكريمة قد أشارت إلى أهم شرط من هذه الشوط، وهو أن يكون المقذوف محصناً، ذكراً كان، أو أنثى، ومعنى إحصانه هنا، أن لا يكون قد ارتكب جريمة الزنا قبل قذفه، أو بعده قبل إقامة الحد، فإن ثبت عليه ذلك، فإنه لا يكون محصناً، ويسقط الحد عن القاذف.

الحنفية، والشافعية قالوا: لا يجب إقامة الحد على القاذف إذا كانت أم المقذوف أمة، أو كانت كتابية، ويحد إذا كان أبو المقذوف الحر المسلم عبداً، أو كافراً، أو كان القاذف كافراً والعياذ بالله تعالى.

قبول شهادته قبل إقامة الحد عليه

الشافعية والليث بن سعد قالوا: إذا وجب الحد على شخص بطلب شهادته ولزمه صفة الفسق قبل إقامة الحد عليه، لأن الله تعالى رتب على القذف مع عدم الإتيان بالشهداء الأربعة اموراً ثلاثة معظوفاً بعضها على بعض بحرف الواو، وهو لا يقتضي الترتيب، فوجب أن لا يكون بعضها مرتباً على البعض، فوجب أن لا يكون رد الشهادة مرتباً على إقامة الحد، بل يجب أن يثبت رد الشهادة سواء أقيم الحد عليه أم لا اهـ.

الحنفية، والمالكية قالوا: إذا ثبت حد القذف على شخص، فإن شهادته تكون مقبول ما لم يحد، فلا يتسم بسمة الفسق ما لم يقع به الحد، لأنه لو لزمته سمة الفسق لما جازت شهادته، إذ كانت سمة الفسق مبطلة لشهادة من وسم بها.

وذلك لأن ظاهر الاية يقتضي ترتب وجوب الحد على مجموع القذف، والعجز عن إقامة الشهادة، فلو علقنا هذا الاحكم على القذف وحده، قدح ذلك في كونه معلقاً على الأمرين. ويذلك بخلاف زاهر الآية، وايضاً فوجوب الجلد حكم مرتب على مجموع أمرين فوجب أن لا يحصل بمجرد حصول أحدهما.

واتفق الأئمة على أن الحر لا يجلد في قذف عبده، لآنه ملك يمينه، فلا يعاقب بقذفه.

إذا قذف العبد حراً

اتفق الأئمة على أن العبد إذا قذف حراً يجلد اربعين جلدة نصف حد الحر، ذكراً، أو أنثى. وذلك لما رواه الثوري عن جعفر بن محمد عن ابيه أن علياً عليه السلام قال:(يجلد العبد في القذف أربعين) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: (أدركت أبا بكر وعمر، وعثمان، ومن بعدهم من الخلفاء وكلهم يضربون المملوك في القذف أربعين) ولان جميع حدود الأحرار تنشطر بالرق.

ولأن الله عز وجل قال: {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} فنص على أن حد الأمة في الزنا نصف حد الحرة، ثم قاسوا العبد على الأمة، في تنصيف حد الزنا، ثم قاسوا تنصيف حد قذف العبد على تنصيف حد الزنا، في حقه، فرجع حاصل الأمر إلى

ص: 193

ومن أتى امرأة بعقد فاسد، كأن تزوجها بغير شهود. أو أتى امرأة وهي نائمة ظناً منه أنها زوجته، وهي ليست كذلك، فإن حد الزنا يسقط عنه بهذه الشبهة، ولكن هل يرفع عنه فعله الاحصان، بحيث لو قذفه شخص بالزنا لا يجلد ثمانين جلدة؟ أو لا يزال محصناً يُحَدُّ قاذفه؟ خلاف بين العلماء.

فبعضهم يرى أن اقدام على هذا الفعل بدون حيطة يرفع الإحصان.

وبعضهم يقول: لا يرفع عن الإحصان إلا الزنا الموجب للحد، فهذا هو حد القذف.

تخصيص عموم الكتاب، بهذا القياس، والعبرة بحال القذف ولو تحرر بعد القذف وقبل إقامة الحد عليه، لأنه كان رقيقاً في حال القذف.

لو قال له: يا فارسي

المالكية قالوا: لو قال لعربي، يا نبطي، أو يا رومي، أو يا بربري أو قال لفارسي: يا رومي، أو قال لرومي: يا فارسي ولم يكن في آبائه من هذه صفته فعليه الحد لأنه قذف في حقفه. ويلحقه به العار، لما فيه من رائحة الطعن في نسبه، وذلك لسد باب الأذى جملة، أو قال له أنا عفيف الفرج.

الحنفية والشافعية، والحنابة رحمهم الله تعالى قالوا: أنه لو قال له هذه الألفاظ فلا يجب عليه الحد، لندرة فهم القذف بالزنا من مثل ذلك اللفظ، والنادر لا حكم له غالباً، ولأنه يراج به التشبيه في الخلاق.

ولو قال لامرأة زنيت بحمار، أو ببعير، أو بثور فلا حد عليه، لأن الزنا ايلاج رجل ذكره في فرج الأنثى وما ذكره لا يعقل، ولو قال لها زنيت بناقة أو بقرة، أو ثوب، أو جرهم فإنه يقام عليه الحد إذا لم يأت بالبينة.

وذلك لأن معناه أنها زنت واخذت البدل، أو الجر من الزاني، ولو قال هذا الرجل فاسق، أو مخنث لا يحد، ولو قال لها: زنيت وأنت صغيرة أو جامعك فلان جماعاً حراماً، لا يجب عليه الحد، لعدم الصراحة في القول، إذ الجماع الحرام يكون بنكاح فاسد، ولا بقوله: أشهد في رجل بأنك زان، لأنه حال لقذف غيره، ومن قال لآخر يا زاني فقالك لاب أنت، فإنهما يحدان أذا طالب كل منهما الآخر، وأثبت ما طالب به عند الحاكم، لزمه حيئذ حق الله تعالى، وهو الحد، فلا يتمكن واحد منهما من إسقاطه فيحد كل واحد منهما، بخلاف ما إذا قا له مثلاً: يا خبيثن فقال له: بل أنت الخبيث تكافآ ولا يعزر كل منهما للآخر، لأن التعزير لحق الآدمي، وقد وجب له عليه ما وجب للآخر، فتساقطا.

ومن قال لمسلم: يا فاسق، أو يا خبيث، أو يا كافر، أو يا سارق، أو يا مخنث أو يا قاتل النفس، أو يا فاجرن أو يا تارك الصلاة، وغير ذلك من قذفه بعيوب غير الزنان فلا يقام عليه الحد في كل هذه

ص: 194

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الألفاظ، وإنما يعزره الحاكم، بما يراه تأديباً له وزجراً، من الضرب، والسجن، والتأنيب، وخلافه. لأن هذه اللفاظ لا تلحق من العار والمهانة كما يلحقه من القذف بالزنا، أو بنفي النسب.

الإقرار بالقذف

اتفق الأئمة على أنه لو أقر بالقذف، قبل قوله، ويقام عليه الحد، فإن رجع في إقراره قبل إقامة الحد عليه، فلا يقبل رجوعة، لأن للمقذوف حقاَ فيكذبه في الرجوع، بخلاف ماهو خاص بحق الله تعالى لأنه لا مكذب له فيه، فيقبل رجوعة.

وقيل لا يقبل رجوعه، لأنه ألحق الشين والعار بالغيرن وشوه سمعته، ويريد أن يبطل حق الغير في إقامة الحق ورد شرفه أما المجتمع ورفع العار عنه.

إذا أتى القاذف بالشهود

اتفق العلماء على القاذف إذا أتى بأربعة من الشهود العدول من الرجال العقلاء، يشهدون عليها بمارماها، لا يقام عليه الحدن ولا يعتبر قاذفاً ويثبت الزنا، لأنه صادق في قوله ويقام الحد على الزانيةن إذا تمت الشهادة عليها بشروطها كما سبق ذلك فيعتبر شاهداً.

مبحث كيفية الشهادة

اتفق الأئمة على أن الشهادة على الزنا لا تثبت إلا بأربعة شهداء بقوله تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} وقال تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} وقوله تعالى: {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء} وبما روي عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله أرايت إن وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة شهداء. قال: نعم) وإنما اشترطوا أربعة شهود لأنه فعل يغمض الاطلاع عليه، فاحتيط فيه باشتراط الأربعة ولأنه يمس الكرامة والشرف فوجب الاحتياط والقة في إثباته بخلاف الباقي فإذا شهدوا على فعل الزنا أمام القضي يجب عليهم أن يذكروا الزاني ومن زنا بها؟ فأنه قدر يراه على جارية فيظن أنها أجنبية ويجب أن يشهدوا أنا رأينا ذكره يدخل في فرجها دخول الميل في المكحلة، فلو شهدوا مطلقاً أنه زنى لا يثبت، لأنهم ريما يرون المفاخذة زنا بخلاف ما لو قذف إنساناً فاعترف وقال: زنيت يجب الحد ولا يستفسر عن ذلك، ولو أقر على نفسه بالزنا هل يشترط أن يستفسر؟ فيه وجهان (أحدهما) نعم كالشهود (والثاني) لا يجب كما في الإقرار بالقذف.

الشافعية قالوا: لا فرق بين أن يجيء الشهود متفرقين أو مجتمعين، لأن الإتيان بأربعة شهداء قدر مشترك بين الإتيان بهم مجتمعين أو متفرقين، واللفظ الدال على ما به الاشتراك لا إشعار له بما به الامتيازن فالآتي بهم متفرقين يكون عاملاً بالنص، فوجب أن يخرج عن العهدة ولأن كل حكم يثبت بشهادة الشهود إذا جاؤوا مجتمعين يثبت إذا جاؤوا متفرقين كسائر الأحكام، بل هنا أولى لأنهم إذا

ص: 195

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جاؤوا متفرقين كان أبعد عن التهمة، وعن أن يتلقن بعضهم من بعض، فلذلك قلنا إذا وقعت ريبة للقاضي في شهادة الشهود فرقهم ليظهر على عورة إن كانت في شهادتهم ولآنه لا يشترط أن يشهدوا معاً في حالة واحدة، بل إذا اجتمعوا عند القاضي وكان يقدم واحداً بعد لآخر ويشهد فإنه تقبل شهادتهم، فكذا إذا اجتمعوا على بابه ثم كان يدخل واحد بعد واحد.

الحنفية قالوا: إذا شهد الشهداء متفرقين فلا تقبل شهادتهم ويجب عليهم حد القذف، لأن الشاهد الواحد لما شهد فقد قذفه ولم يأت بأربعة شهداء فوجب عليه الحد لقوله تعالى:{والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا برابعة شهداء فاجلودهم ثماني جلدة} وأقصى ما في الباب أنهم عبروا عن ذلك القذف بلفظ الشهادة وذلك لا عبرة به لأنه يؤدي إلى إسقاط حد القذف رأساً، لأن كل قاذف لا يعجزه لقظ الشهادة، فيجعل ذلك وسلة إلى إساقط الحد عن نفسه وحصل مقصوده من قذف الأبرياءء الغافلين.

مبحث إذا قل الشهود عن أربعة

المالكية قالوا: إذا كان الشهداء أقل من أربعة أعتبروا قذفة، ويقام عليهم حد القذف، ويجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة، كما ورد في الآية الكريمة:{والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} .

الحنفية، والحنابلة، والشافعية في بعض أقوالهم قالوا: إذا كان الشهود أقل من أربعة فلا يعتبرون قذفة، ولا يقم عليهم حد القذف، لآنهم جاؤوا شاهدين، لا قاذفين، فلا ذنب لهم، ويسد باب الشهادة على الزنا.

الشافعية في قولهم الثاني قالوا: لو شهد في مجلس الحالكم دون أربعة من الرجال بزنا أحد الناس يقام عليهم الحد في الأظهر منمن المذهب. وذلك لآن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أقام الحد على الثلاثة الذي شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا رضي الله عنه، كما ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه. ولم يخالفة أحد من الصحابة رضوان الله عليهم، ولئلا يتخذ الناس صورة الشهادة ذريعة إلى الوقيعة في اعراض الناس، ولا يقام عليهم الحد، فهو من باب سد الذرائع.

ومحل الخلاف إذا شهدوا في مجلس القاضي، أما لو شهدوا في غير مجلسه فهم قاذفون جزماً وإن كانوا بلفظ الشهادة، لأنه تبين أنهم لا يقصدون أداء الشهادة، بل القذف والتشهير.

مبحث إذا جاء القاذف بشهود فسقة

الحنفية قالوا: إذا قذف رجلاً آخر، فجاء بأربعة فساق شهداء على المقذوف بالزنا فإنه يسقط الحد عن القاذف، ولا يقام الحد على الشهداء، وذلك لقوله تعالى:{ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} وهذا قد أتى بأربعة شهداء، فلا يلزمه الحد، بالآية. ولأن الفاسق من أهل الشهادة، وقد

ص: 196

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وجدت شرائط شهادة الزنا، من اجتماعهم عند القاضي، إلا أنهم لم تقبل شهادتهم لجل التهمة، فكما اعتبرنا التهمة في نفي الحد عن المشهود عليه، فكذلك وجب أعبتارها في نفي الحد عنهم.

الشافعية في أحد اقوالهم قالوا: يقام الحد على لاشهود لأنهم غير موصوفين، بالشرائط المعتبرة في قبول الشهادة، فخرجوا عن أن يكونوا شاهدين، فبقوا محض قاذفين، وقيل في قول آخر: إنه لا يقام عليهم الحد كمذهب الحنفية.

واتفق الأئمة: على أن حد القذف يثبت بإقراره مرة واحدة، وبشهادة رجلين، وقيل: بامرأة مرتين.

واتفقوا: على أن حد القذف لا يبطل بالتقادم والرجوع لتعلق حق العبد به فيكذبه في الرجوع.

صيغة المبالغة

الحنفية قالوا: من قال لرجل يا زانية، بتار التأنيث فلا يعد قاذفاً ولا يقام عليه الحد، لأنه رماه بمايستحيل منه، كما لو قذف مقطوع الذكر، أو اماة رتقاء فإنه لا يحد. ولا يحد في قذف الأخرس لاحتمال أن يصدقه في قوله لو نطق، وفي الولين كذبه ثابت بيقين فانتفى إلحاق الشين إلا بنفسه وكذا لو قال له: أنت أزنى من فلان، أو أنت أزنى الناس، أو أزنى الزناة، لأن أفعل في مثل يستعمل للترجيح في العلم، فكأنه قا: أنت أعلم به، فلا حد عليه لهذه الشبهة. ولو قال لامرأة، يا زاني وجب عليه الحدن لأن الترجيح شائع.

الشافعية قالوا: لو قال لرجل: يا زانية يحد، لأن قذفه على المبالغةن فإن التاء تزاد له، كما في لفظ علامة، ونسابة، ولا يحد إذا قذف المجبوب، أو الرتقاء، أو الخنثى المشكل إلا إذا رماه بأنه أتي من دبرهن فإنه يعد قاذفاً، ويقام عليه الحد، لأنه يلحقه شين مثل الزنا.

المالكية قالوا: لا يحد من رمى مقطوع الذكر، أو العنين، أو التي في فرجها عظم، لأنه ظهر كذبه في الواقع، ولا يلحقهم شين بهذا القول، لاستحالة الزنا من هؤلاءن ويقام الحد عليه إذا رمى واحداً من هؤلاء بأنه أتي في دبره، وكذلك المخنث والمشكل. لآن المالكية قالو: يزاد في شروط المقذوف السابقة المتفق عليها في القذف بالزنا، أربعة:

-1 - البلوغ في الذكر الفاعل.

-2 - والإطاقة في الأنثى، والذكر المفعول به.

-3 - والعقل، والعفة.

-4 - والآلة، ولو قال له: أنا عفيف الفرج فعليه الحد، أما إذا لم يرد (الفرج) فلا حد عليه بل يؤدب، لأن العفة تكون في الفرج وغيره كالمطعم، ولو قال لها: يا محبة، أو يافاجرة، أو ياعاهرة، أو يا صبية، لأنه يدل عرفاً على الزنا فيحد، ولو قال له: يا علق بكسر العين، أو يا مخنث وجب إقامة

ص: 197

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الحد عليه، لأنهما يدلان على أنه مفعول به، فيحد قائل ذلك، حيث كان المقذوف مطيقاً للجماع، وطالب المقذوف بإقامة حد القذف على قاذفه.

مبحث إذا قذف شخصاً مراراً

اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أنه إن قذف شخصاً واحداً مراراً كثيرة، في ملجس واحد، أو في مجالس مختلفة، وسواء كان القذف بكلمة واحدة، أو بكلمات، لواحد أو لجماعة. فلا يتكرر الجلد بتكرر القذف، بل يجب عليه حد واحد، ولو قذف قذفين لواحد فحد واحد أيضاً إلا أن يكرر القذف بعد إقامة الحد فإنه يعاد عليه الحد، ولو لم يصرح باللفظ، بأن قال بعد الحد، والله ما كذبت، أو لقد صدقت فيما قلت أو غير ذلك من الألفاظ التي تدل على الاتهما بجريمة الزنا، لأنه تعتبر حداً جديداً بعد الحد الول.

واتقوا على أنه إن - قذف واحداً، حد، ثم إن قذفه ثانية حد حداً ثانياً، وإن عاد وقذفه ثالثة حد أيضاً مرة ثالثة وهكذا.

مبحث إذا قذف جماعة

الحنفية، والمالكية قالوا: إن قذف جماعة في مجلس، أو مجالس مختلفة، بكلمة أو كلمات، مجتمعين أو متفرقين فعليه حد واحد، فإن قام بأحدهم وضرب له كان ذلك بكل قذف كان عليه ولا حد لمن قام منهم بعد ذلك، فإن الحد يجري في التداخل.

واحتجوا على ذلك بالقرآن الكريم فإن الله تعالى قال: {والذين يرمون المحصنات} والمعنى أن كل واحد يرمي المحصنات وجب عليه الجلد، وذلك يقتضي أن قاذف الجماهة من المحصنات لا يجلد أكثر من ثمانين جلدة، فمن أوجب على قاذف جماعة المحصنات أكثر من حد واحد فقد خالف الآية الكريمة.

وأما السنة، فما روى عكرمة عن أبن عباس رضي الله عنهما:(أن هلال بن امية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم، بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إما البينة أو حد في ظهرك) لم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم على هلال إلا حداً واحداً مع قذفه لامرأته وقذفه لشريك بن سحماء إلى أن نزلت آية اللعان، فأقيم اللعان على الزوجات مقام الحد في الأجنبيات، وأما القياس،، فهو أن سائر ما يوجب الحد إذا وجد فيه مراراً لم يجب إلا حد كحد واحد كمن زنى مراراً، أو شرب الخمر مراراً أو سرق مراراً قبل إقامة الحد عليه، فيكفي حد واحد، والمعنى الجامع من إقامة الحد هو دفع الضرر، وقد حصل فإن قام بأحدهم وضرب له كان ذلك بكل قذف كان عليه، ولا حد لمن قام منهم بعد ذلك. ولو قال كلكم زان إلا واحداً يجب عليه الحد لأن القذف فيه موجب للحد، فكان لكل واحد أن يدعي.

الشافعية في أحد آرائهم قالوا: إنه يحد لكل واحد حداً على انفراد لاختلاف المقذوف. ولأن قوله تعالى في الآية الكريمة {والذين} صيغة جمع وقوله: {المحصنات} صيغة الجمع أيضاً،

ص: 198

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والجمع إذا قوبل بالجمع يقابل (الفرد بالفرد) فيصير المعنى، كل من رمى محصناً واحداً، وجب عليه الحد وتمسك أيضاً بقول تعالى:{والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} فإن الآية تدل على ترتيب الجلد على رمي المحصن من حيث أن هذا المسمى يوجب الجلد، وإذا ثبت هذا فنقول: إذا قذف واحداً صار ذلك القذف موجباً للجلد، فإذا قذف الثاني وجب أن يكون القذف موجباً للحد أيضاً ثم موجب القذف الثاني لا يجوز أن يكون هو الموجب للحد الأول. لأن ذلك قد وجب بالقذف الول، وإيجاب الواجب محال فوجب أن يكون بالقذف الثاني حداً ثانياً، وأما القياس فإن حد القذف حق الآدمي، بدليل أنه لا حد إلا بمطالبة المقذوف.

وقوق الآدمي لا تتداخل بخلاف حد الزنا، فإنه حق لله تعالى، هذا كله إذا قذف جماعة كل واحد منهم بكلمة على حدة. أما إذا قذفهم بكلمة على حدة. أما إذا قذفهم بكلمة واحدة فقال: أنتم زناة، أو زنيتم ففيه قولان:(أصحهما) وهو قوله في الجديد يجب لكل واحد حد كالم لأنه من حقوق العباد فلا يتداخل، ولأنه أدخل على كل واحد منهم معرة فصار كما لو قذفهم بكلمات، وفي القديم لا يجب للكل إلا حد واحد، اعتباراً باللفظ، فإن اللفظ واحد والأول أصح لأنه أوفق لمفهوم الآية فعلى هذا لو قال لرجل: يا أبن الزانيين يكون قذفاً لأبويه بكلو واحدة فيجب عليه حدان.

الحنابلة في أظهر روايتهم قالوا: إن قازفهم بكلمة واحدة يتم عليه حد واحد وإن قذفهم بكلمات فيجعل لكل واحد حد.

والثاني من روايتهم: أنهم قالوا: إن طلبوه متفرقين حد لكل واحد منهم حداً، وإن لم يطلبوه فيجب حد واحد للجميع.

المالكية قالوا: إن قذف شخصاً كان هو المقذوف الأول أو غيره، في اثناء الحد، ألغى ما مضى وابتدأ للمقذوفين حداً حداً، إلا أن يبقى من الأول اليسير وهو ماجون النصف، أو خمسة عشر فيكمل الأول، ثم يستأنف للثاني فيستوي له الحد، فالحد يجري فيه التداخل عندهم.

الحنفية قالوا: إن الحدود تتداخل فلو ضرب القاذف تسعة وسبعين سوطاً ثم قذف قذفاً آخر فلا يضرب إلا ذلك السوط الواحد للتداخلن لأنه اجتمع الحدان، لأن كما الحد الأول بالسوط الذي بقي وحكي أن أبن أبي ليلى سمع من يقول لشخص: يا ابن الزانيين، فحده حدين في المسجد في وقت واحد، فبلغ الإمام أبا حنيفة، فقال:"يا للعجب لقاضي بلدنا، أخطأ في مسألة واحدة في خمسة مواضع. الأول: أخذه بدون طلب المقذوف، والثاني: أنه لو خاصم وجب حد واحد، والثالث: أنه إن كان الواجب عنده حدين ينبغي أن يتربص بينهما يوماً، أو أكثر حتى يخف أثر الضر بالأول عن القاذف، والرابع: ضربه في المسجد، والخامس: ينبغي أن يتعرف أن والديه في الأحياء، أو لا؟ فإن كان حيين فالخصومة لهما، وإلا فالخصومة للابن".

وإذا قذف عبداً حراً فأعتق فقذف آخر فاجتمعا ضرب ثمانين سوطاً، ولو جاء الأول فضرب

ص: 199