المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب حد السرقة - الفقه على المذاهب الأربعة - جـ ٥

[عبد الرحمن الجزيري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزءُ الخَامِس

- ‌تقديم

- ‌كتاب الحدود المقدمة في تعريف الحدود الشرعية

- ‌المعنى

- ‌ما يؤخذ من الحديث

- ‌بيان الحدود الشرعية وما في معناها

- ‌العقوبات الشرعية

- ‌القسم الأول

- ‌القسم الثاني

- ‌مبحث حد المحصن

- ‌مبحث حد غير المحصن

- ‌مبحث من قتل الرجل الذي زنى بامرأته

- ‌مبحث رأي المعتزلة والخوارج

- ‌مبحث الشهادة في الزنا

- ‌مبحث الإقرار بالزنى

- ‌مبحث الشبهات في الزنى

- ‌تشديد الشريعة في إثبات جريمة الزنا

- ‌مبحث اللعان

- ‌وقوع الفرقة باللعان

- ‌مبحث حرص الشريعة على محو الرذائل الخلقية

- ‌مبحث حد اللواط

- ‌كتاب حد السرقة

- ‌قوانين المعاملات في الإسلام

- ‌عناية الشريعة بالسرقة دون غيرها

- ‌مبحث أحكام غير السارق

- ‌مبحث المخالفات المالية

- ‌مبحث اعتراض الملاحدة

- ‌أمثلة على ردع المجرمين

- ‌رحمة الشريعة بالمفسدين

- ‌مبحث فائدة تحديد النصاب في القطع

- ‌باب حد القذف

- ‌إجماع الشرائع على أن القذف اعتداء على الأعراض

- ‌مبحث اعتراض الجهلة على حد القذف

- ‌مبحث العفو عن القاذف

- ‌مبحث مراعاة الشريعة لحال المجرم

- ‌القسم الثاني كتاب القصاص

- ‌مبحث عناية الشريعة بدماء الناس

- ‌مبحث عقاب قاتل النفس ظلماً

- ‌مبحث جواز العفو في القصاص

- ‌محاسن التشريع الإسلامي

- ‌مبحث سلطان أولياء الدم على القاتل

- ‌مبحث حق السلطان على القاتل

- ‌مبحث الجناية على الأطراف

- ‌القسم الثالث

- ‌باب التعزير

- ‌جواب وسؤال

- ‌مبحث دقة التشريع الإسلامي

- ‌سؤال وجوابه

- ‌مبحث دليل ثبوته

- ‌نظام الأسرة في الإسلام

- ‌مبحث أساس القوانين الشرعية

- ‌مبحث الكبائر من الذنوب

- ‌معنى الحديث

- ‌الجواب عن السؤال الثاني

- ‌الكبيرة الثامنة شهادة الزور

- ‌الكبيرة التاسعة اليمين الغموس

- ‌الكبيرة العاشرة الزنا

- ‌الكبيرة الحادية عشرة شرب الخمر

- ‌الكبيرة الثانية عشرة النميمة

- ‌الكبيرة التاسعة عشرة الغلول في الحرب

- ‌مبحث السحر

الفصل: ‌كتاب حد السرقة

‌كتاب حد السرقة

-أما حد السرقة (1) فقد بينه الله تعالى بقوله في كتابه العزيز فقال: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهم جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم} آية - 37 - من سورة المائدة.

(1)(حد السرقة من الحدود الثابتة بالكتاب والسنة، واجماع الأمة، فذكر الله تعالى حده في الآية الكريمة. وأمر بقطع يد السارق ذكراً كان، أو أنثى، عبداً، أو حراً، مسلماً، أو غير مسلم. صيانة للأموال وحفظاً لها. ولقد كان قطع يد السارق معمولاً به في الجاهيلة قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام أقره وزاد عليه شروطاً معروفة كالقسامة، والدية، وغيرهما من الأشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه في الجاهلية، وزيادات هي من تمام المصالح للإنسانية. ويقال: إن أول من قطع في الجاهلية اهل قريشن قطعوا رجلاً يقال له (دويك) مولى لبني عليج بن عمرو بن خزاعة لأنه سرق كنز الكعبة المشرفة، فحكموا عليه بقطع يده. وأول سارق قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام من الرجال، الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، ومن النساء - مرة بنت سفينان بن عبد الأسد، من بني مخزوم، وقطع سيدنا أبو بكر يد (اليمنى) الذي سرق العقد، من أسماء بنت عميس زوج أبي بكر الصديق وكان اقطع اليد اليمنى، فقطع أبو بكر رضي الله عنه، يده اليسرى. وقطع سيدنا عمر بن الخطاب يد - أبن سمرة أخي عبد الرحمن بن سمرة، ولا خلاف في ذلك.

وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم السارق الذي يبذل اليد الثمينة الغلية في الشياء الرخيصة المهينة، وقد اعترض بعضهم على هذا الحكم، وقال: كيف يحكم بقطع يد قيمتها في الدية خمسمائة دينار، في ثلاثة دراهم؟ وأجابوا عليه: بأن اليد لما كانت أمينة كانت ثمينة، ولما خانت هانت - وقالوا: إن ذلك من أسرار أحكام الشريعة الغراء لأن الشارع جعل قيمة اليد في باب الجنايات بخمسمائة دينار، حتى تحترم فلا يجنى عليها، اما في باب السرقة فلما خانت الأمانة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار، لئلا يسارع الناس في سرقة الأموالز ولهذا علل الله تعالى قطع اليد في السرقة بقوله عز وجل {جزاء بما كسبا نكالاً من الله} أي تقطع مجازاة على صنيعها السيء في أخذها أموال الناس بأيديهم فناسب أن يقطع العضو الذي استعانا به على ذلك (نكالاً من الله) أي تنكيلاً من الله بهما على ارتكاب ذلك الفعل، وعبرة لغيرهما، فإن قطع اليد يفضح صاحبه طول حياته، ويجلب له الخزي والعار، ويسقطه في نظر المجتمع وهو أجدر العقوبات بمنع السرقة، وتأمين الناس على أموالهم، وأرواحهم، وأعراضهم.

ص: 138

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومعى الآية الكريمة - أن كلاً من السارق السارقة يجب قطع أيديهمان فإذا سرق الذكر حراً، أو عبداً تقطع يده، وإذا سرقت الأنثى تقطع يدها، لأن كلاً من الذنبين يقع من كل منهما، فأراد الله زجر كل منهما (والله عزيز) لا يغالب ولا يقهر (حكيم) فيما يفعله ويشرعه، فهو يضع الحدود والعقوبات بحسب الحكمة التي توافق المصلحة، وتطهر المجتمع من المنكرات والمفاسد، وتجلب له السعادة والأمان.

وذكر الله تعالى حد السرقة في كتابه العزيز ونص عليه ووضحه، كما ذكر حد الزنا أيضاً لأهمية كل منهما للمجتمع، ونص على ذكر الذكر والأنثى فيهما، وإن كانت الأحكام الشرعية مشتركة بينهما عند الإطلاق، وتغليب وصف الذكورة، وضمائرها في الكلام، إلا ما خص الشرع به الرجال، كالإمامة، والقتال للتأكيد، وحتى لا يظن ظان أن السرقة، والزنا، كما كان في الرجال أظهر كان الحد على الرجال دون النساء وإنما بدأ الله سبحانه وتعالى بذكر السارق، في هذه الآية قبل ذكر السارقة، وفي آية الزنى بدأ بذكر الزانية قبل الزاني، لأن حب المال عند الرجال أقلب من النساء، والسرقة تقع من الرجال أكثر من النساء، لذلك بدأ بذكر الرجال في حد السرقة ولما كانت شهوة الاستمتاع على النساء أغلب، فصدرها تقليظاً لتردع شهوتها، وإن كانت قد ركب فيها الحياء لكنها إذا زنت ذهب الحياء كله، ولأن الزنى في النساء أعز، وهو لأجل الحبل أضرن ولأن العار في النساء ألحق اذ موضعهن الحجب في البيوت، والصيانة في المنازل. فقد ذكرهن في آية الزنى تغليظاً، واهتماماً. وقد جعل الله تعالى حد السرقة قطع اليد وهو العضو الذي يتناول المال، وياخذه عقوبة له، ولم يجعل حد الزنى، قطع الذكر، مع أنه العضو الذي باشر الفاحشة به واتصل بالأنثى لآنه يوجد للسارق مثل اليد التي قطعت، فإن انزجر بها اعتاض بالثانية، ووجد عوضاً عنها، ولكن لا يوجد للزاني مثل ذكره، فإذا قطع لا يعتاض بغيره، ولا يجد عضواً يسد مسده. وأيضاً، لأن قطع الذكر فيه إبطال النسل وليس في قطع اليد إبطاله. فضرره على المجتمع أخطر، وقوله تعلى {فاقطعوا} القطع معناه الإبانة والإزالة، ولا يجب القطع إلا بوجود أوصاف تعتبر في السارق، وفي الشيء المسروق، وفي الموضع المسروق منه، وفي صفته. فأما ما يعتبر في السارق فخمسة أوصاف:

البلوغ - فلا يقطع الصبي إذا سرق لنه غير مكلف في نظر الشريعة.

العقل - فلا يقطع المجنون، لأن القلم مرفوع عنه حتى يفيق.

أن يكون غير مالك للمسروق منه، فلا يقطع الأب إذا سرق من مال ولده، ولا الولد إن سرق من مال أبيه.

وأن لا يكون له عليه ولاية، فلا يقطع العبد إن سرق من مال سيده، وكذلك السيد إن أخذ من مال عبده لا قطع بحال، لأن العبد وماله لسيده، ولم يقطع أحد بأخذ مال عبده، لأنه آخذ لماله.

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وأن لا يكون محارباً في دار الحرب - وأن يكون مختاراً غير مكره كالمجاهد إن سرق من مال الغنيمة، وقد روي أن عبداً من مال الخمس سرق من الخمس، فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه، وقال:(مال الله سرق بعضه بعضاً) ولا تقام الحدود في ميدان الجهاد.

وأما ما يعتبر في الشيء المسروق، فأربعة أوصاف:

- 1 - وهي النصاب. على اختلاف بين العلماء في مقداره، فلا يقطع من سرق أقل من النصاب.

- 2 - وان يكون مما يتمول، ويتملك، ويحل بيعه، فلا يقطع من سرق الخمر، والخنرير، وآلات اللهو والطرب.

- 3 - وأن لا يكون للسارق ملك، كمن سرق ما رهنه، أو ما استأجره، ولاشبهة ملك. كالذي يسرق من المغنم، أو من بيت المال، لأن له فيها نصيباً، وروي عن الإمام علي رضي الله تعالى عنه، أنه أتي برجل سرق مغفراً من الخمس، فلم ير عليه قطعاً وقال: له فيها نصيب.

أن يكون مما تصح سرقته كالعبد الصغير، والأعجمي الكبير، لأن ما لا تصح سرقته كالعبد الفصيح، فإنه لا يقطع فيه.

وأما ما يعتبر في الموضع المسروق منهن فوصف واحد. وهو الحرز لمثل ذلك الشيء المسروق، وجملة القول فيهن أن كل شيء له مكان معروف فمكانه حرزه، وكل شيء معه حافظ فحافظه حرزهن فالدور، والمنازل، والحوانيت حرز لما فيها، غاب عنها أهلها، أو حضروا، وكذلك بيت المال حرز لجماعة المسلمين، والسارق لا يستحق فيه شيئاً، وإن كان قبل السرقة ممن يجوز أن يعطيه الإمام، وإنما يتعين حق كل مسلم بالعطية، الا ترى أن الإمام قد يجوز ان يصرف جميع المال إلى وجه من وجوه المصالح، ولا يفرقه في الناس أو يفرقه في بلد دون بلد آخر، ويمنع منه قوماً دون قوم ففي التقدير أن هذا السارق مما لا حق له فيه، فيقطع إذا سرق منه. وظهور الدواب حرز لما حملت، وأفنية الحوانيت حرز لما وضع فيها في موقف البيع، وإن لم يكن هناك حانوت، كان معه أهله، ام لا، سرقت بليل، أو نهار. وكذلك موقف الشاة في السوق، مربوطة، أو غير مربوطة، والدواب على مرابطها محرزة كان معها أصحابها، أم لا، فإن كانت الدابة بباب المسجد، أو في السوق لم تكن محرزة إلا أن يكون معها حافظ، ومن ربطها بفنائها، أو اتخذ موضعاً مربطاً لدوابه، فإنه حرز لها.

والسفينة حرز لما فيها من المتاع والمال، سواء كانت سائبة أم مربوطة، فإن سرقت السفينة نفسها فهي كالدابة، إن كانت سائبة فليست بمحرزة، وإن كان صاحبها ربطها في موضع وأرساها فيه، فربطها حرر، وهكذا، إن كان معها أحد حيثما كانت فهي محرزة، كالدابة التي بباب المسجد ومعها حافظ لها. إلا أن ينزلوا بالسفينة منزلاً في سفرهم فيربطوها فهو حرز لها كان معها صاحبها، ام لا. والساكنون معاً في دار واحدةن كالفنادق التي يسكن كل رجل بيته على حدة، أو عمارة الطلاب

ص: 140

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التي يسكن فيها كل طالب منهم في حجرة مستقلة، يقطع من سرق منهم من بيت صاحبه إذا ضبط وقد خرج بسرقته إلى قاعة الدار، وإن لم يدخل بها بيته، ولا خرج بها من الدار. أما من سرق منهم من قاعة الدر شيئاً قيمته نصاب فلا يقطع فيه، وإن أدخله بيته، أو أخرجه من باب الدار، لأن قاعتها مباحة للجميع للبيع والشراء، إلا أن تكون دابة في مربطها، أو دراجة مربوطة، أو ما يشبهها من المتاعن فإنه يقطع فيها في هذه الحال

تعريف السرقة وأركانها.

واركان السرقة ثلاثة، لا بد منها، سارق، ومسروق، وسرق، ولكل منهم شروط كما سبق. والسرقة: أخذ العاقل، البالغ نصاباً محرزاً، أو ما قيمته نصاب، ملكاً للغير، لا ملك له فيه ولا شبهة ملك على وجه الخفية، مستتراً من غير أن يؤتمن عليهن وكان السارق مختاراً غير مكره، سواء أكان مسلماً، أم ذمياً، أو مرتداً، ذكراً، أو أنثى، حراً، أو عبداً. إذا وجدت هذه الشروط وجب إقامة الحد، وهو قطع يد السارق اليمنى إن كانت سليمة، فاما إن كانت مقطوعة' أو مشلولة، فإنه تقطع اليد اليسرى، وذلك فإجماع آراء علماء الأمة من غير خلاف منهم، وذلك لأن المال محبوب إلى النفوس، تميل إليه الطباع البشريةن خصوصاً عند الضرورة، والحاجة، ومن الناس من لا يردعهم عقل، ولا يمنعهم الحياء ولا تذجرهم الديانة، ولا تردهم المروءة والأمانة، فلولا الزواجر الشرعيةن من القطع والصلب ونحوهما، لبادروا إلى اخذ الأموال مكابرة من أصحابها على وجه المجاهرة أو خفية على وجه الاستمرار، وفيه من الفساد ما لا يخفى، فناسب شرع هذه الزواجر في حق المستمر والمكابر، في سرقتي الصغرى، والكبرى، حسماً لباب الفساد، وأصلاحاً لأحوال العباد. والعبد والحر في القطع سواء، لإطلاق النصوص، ولأن القطع لا يتنصف، فيكمل في العبد صيانة لموال الناس.

مقدار النصاب

الحنفية - قالوا: نصاب حد السرقة، دينار، أو عشرة دراهم، مضروبة غير مغشوشة، أو قيمة احداهما، وقيل: إن غير الدراهم تعتبر قيمته بالدراهم وإن كان ذهباً ويشترط ان تكون رائجة، واستدلوا على ذلك بما نقل عن أبن عباس، وأبن أم أيمن رضي الله عنهما، قالا: كانت قيمة الممجن الذي قطع فيه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم - وما رواه عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن) وكان ثمن المجن عشرة دراهم، قالوا: فهذا أبن عباس، وعبد الله بن عمرون قد خالفا أبن عمر في ثمن الممجن، فالاحتياط الأخذ بالأكثر، لأن الحدود تدرأ بالشبها، وفي الأقل شبهة عدم الجنايةن وعلى هذا فالأخذ بالأكثر أولى، وهة أدخل في باب التجاوز والصفح عن يسير المال، وشرف العضو.

ص: 141

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المالكية - قالوا: نصاب حد السرقة ثلاثة دراهم مضروبة خالصة، فمتى سرقها، أو مما يبلغ ثمنها فما فوق من العروض والحيوان وجب إقامة الحد عليه، وقطع يده، واحتجوا على ذلك بما روي عن نافع عن أبن عمر رضي الله تعالى عنهم، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم، كما اخرجه الصحيحان البخاري، ومسلم - قال الإمام مالك رحمه الله: وقطع عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، في أترجة قومت بثلاثة دراهم، وهو أحب ما سمعت في ذلك، وهذا الأثر عن سيدنا عثمان رضي الله عنه قد رواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر، عن ابيه، عن عروة بنت عبد الرحمن، أن سارقاً سرق في زمن سيدنا عثمان، أترجة فأمر بها عثمان ان تقوم فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثن عشر درهماً بدينار، فقطع عمان يده، قال المالكية: ومثل هذا الصنع يشتهر، ولم يكر فمن مثله يحكى الإجماع السكوتي، قالوا وفيه دليل على جواز القطع في الثمار، وعلى اعقبار ثلاثة دراهم في نصاب حد السرقة، فإن لم يساوها ولو ساوى ربع دينار لا يقطع.

الشافعية - قالوا: نصاب السرقة ربع دينار، أو ما يساويه من الدراهم، والأثمان، والعروض، فصاعداً، فالأصل في تقويم الأشياء هو الربع دينار، وهو الأصل ايضاً في الدراهم فلا يقطع في الثلاثة دراهم إلا أن تساوي ربع دينار، واستدل الشافعية على مذهبهم بما أخرجه الشيخان، البخاري، ومسلم، عن طريق الزهري، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(تقطع يد السارق في ربع ديار فصاعداً) متفق عليه ولمسلم عن طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا تقطع يد السارق، إلا في ربع دينار فصاعداً) قال الشافعية: فهذا الحديث فاصل في المسألة، ونص في اعتبار ربع الدينار، لا ماسواه، قالوا: وحديث ثمن المجن، وإن كان ثلاثة دراهم. لا ينافى هذا، لأنه اذ ذاك كان الدينار باثني عشر درهماً، فهي ثمن ربع دينار، فأمكن الجمع بهذا الطريق، ويروى هذا المذهب عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم، وبه يقول عمرو بن عبد العزيز، والليث بن سعد، والأوزعي، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، رحمة الله تعالى عليهم أجمعين. قالوا: والراجح من الآراء ان قيمة المجن ثلاثة دراهم لما ورج من حديث أبن عمر المتفق عليه عند المحدثين، ولأن باقي الأحاديث المخالفة له، لا تساويه في الصحة. وقال أبن العربي: ذهب سفيان الثوري، مع جلالته في الحديثن إلى أن القطع في حد السرقة، لا يكون إلا في عشرة دراهم - كما هو مذهب الحنفية - وذلك ان اليد محرمو بالإجماع، فلا تستباح إلا بما أجمع عليه العلماء، والعشرة متفق على القطع بها عند الجميع، فيستمسك به، ما لم يقع الاتفاق على دون ذلك.

الحنابلة - قالوا: إن كل واحج من ربع الدينار، والثلاثة دراهم مراد شرعي، فمن سرق واحداً منهما، أو ما يساويه قطع، عملاً بحديث أبن عمرن وعملاً بحجيث عائشة رضي الله تعالى عنهما، ووفع في لفظ عن الإمام أحمد، عن عائشة رضي الله عنها، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اقطعوا في ربع

ص: 142

أي اقطعوا اليد من كل واحد سرق، سواء كان رجلاً أو امرأة (1)

دينار، ولاتقطعوا فيما هو أدنى من ذلك) وكان ربع الدينار يومئذ يساوي ثلاثة دراهم، والدينار اثني عشر درهماً وفي لفظ للنسائي:(لا تقطع يد السارق، فيما دون ثمن المجن) قيل لعائشة رضي الله عنها وما هو ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار) فهذه كلها نصوص دالة على عدم اشتراط عشرة دراهم، والله تعالى أعلم.)

(1)

(محل القطع. اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى، على أن السارق إذا وجب عليه القطع، وكان ذلك اول سرقة له، وأول حد يقام عليه بالسرقة، وكان صحيح الأطراف فإنه يبدأ بقطع يده اليمنى، مع مفصل الكف، ثم تحسم بالزيت المغلي، وذلك لأن السرقة تقع بالكف مباشرة، والساعد والعضد يحملان الكف كما يحملهما معها البدن، والعقاب إنما يقع على العضو المباشر للجريمة، وإنما تقطع اليمنى أولاً لأن التناول يكون بها في غالب الأحوال، إلا ما شذ عند بعض الأفراد. ولأن الرسول صلوات الله وسلامه عليه فعل ذلك حينما قطع يد المخزومية، وغيرها ممن أقام عليهم حد السرقة، وقراءة عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه تبين الإجمال في آية السرقة، وتوضح المراد من الأيدي، فإنه قرأ، (فاقطعوا أيمانهما) وهذا الحكم بإجماع المة من غير خلاف منهم. فإن عاد وسرق مرة ثانية، ووجب عليه القطع، تقطع رجله اليسرى، من مفصل القدم ويكوى محل القطع بالنار لينقطع نزيف الدم، أو يغمس العضو المقطوع في الزيت المغلي، كما أمر الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وكما فعل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم امر بقطع يد السارق من الزند، وقال لأصحابه (فاقطعوه واحسموه) ولأنه إذا لم يحسم العضو يؤدي إلى التلف، لأن الدم لا ينقطع إلا به، والاحد زاجر غير متلف، ولهذا لا يقطع وقت الحر الشديد، لأنه يؤذي السارق، ثم اختلف الأئمة فيما إذا عاد وسرق مرة ثالثة، أيقطع ام لا؟

الحنفية - قالوا: فإن عاد وسرق بعد أن قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى يقف إيقاع الحد ولا يجب عليه القطع في المرة الثالثة، بل يضمن السرقة، ويحبس ويضرب حى يتوب عن السرقة، والأصل أن حد السرقة شرع زاجراً لا متلفاً، لأن المحدود شرعتم للزجر عن ارتكاب الكبائر، لا متلفة للنفوس المحترمة، فكل حد يتضمن إتلاف النفس من كل وجه، أو من وجه واحد لم يشرع حداً، وكل قطع يؤدي إلى إتلاف جنس المنفعة كان إتلافاً للنفس من وجه، فلا يشرع، وقطع اليد اليسرى في المرة الثالثة، والرجل اليمنى في المرة الرابعة يؤدي إلى إتلاف جنس منفعة البطش والمشي، فلا يشرع

ص: 143

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حداً، وإليه الإشارة بقول علي رضي الله تعالى عنه: إني استحي من الله أن لا أدع له يداً يأكل بها، ويستنجي بها، ورجلاً يمشي عليها (وبهذا حاج بقية الصحابة فحجهم فانعقد اجماعاً - جماعاً) . وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أنه أي برجل أقطع اليد، والرجل قد سرق يقال له (سدوم) فأراد أن يقطعه، فقال له على بن أبي طالب كرم الله وجهه: إنما عليه قطع يد ورجل، فحبسه عمر رضي الله تعالى عنه ولم يقطعه، ففتوى على، ورجوع عمر رضي الله عنهما إليه من غير نكير، ولا مخالفة من غيرهما دليل على إجماعهم عليه، أو أنه كان شريعة عرفوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بخلاف القصاص، لأنه حق العبد، فيستوفى جبراً لحقه - ولأنه نادر الوجود، فيندر أن يسرق الإنسان بعد قطع يده، ورجله، والحد لا يشرع إلا فيما يغلب. وما روي من الحديث في قطع اربعة السارق، طعن في الطحاوي رحمه الله تعالى - أو نقول: لو صح لا حتج به الصحابة، على الإمام على رضي الله عنه، ولرجع إليهم، وحيث أنه قد حجهم ورجعوا إلى قوله من غير معارضة منهم، جل على عدم صحته.

فإن كانت يده اليمنى ذاهبة، أو مقطوعة، تقطع رجله اليسرى من المفصل، وإن كانت رجله اليسرى مقطوعة، فلا قطع عليه، لما فيه من الاستهلاك، على ما بينا، وضمن السرقة، ويحبس حتى يتوب. وإن كان اقطع اليد اليسرى أو امثلها، أو ابهامها، أو إصبعين سواها، وفي رواية ثلاث أصابع، أو اقطع الرجل المينى، أو اشلها، أو بها عرج يمنع المشي عليها فلا تقطع يده اليمنى ولا رجله اليسرى. والحاصل: أنه متى كان بحال لو قطعت يده اليمنى لا ينتفع بيده اليسرى، أو لا ينتفع برجله اليمنى لآفة كانت قبل القطع، لا يقطع، لأن فيه تفويت جنس المنفعة بطشاً، أو مشياً، وقوام اليد بالإبهام فعدمها أو شللها كشلل جميع اليد، ولو كانت اصبع واحدة سوى الإبهام مقطوعة، أو شلاء، قطع، لان قوات الواحدة لا يوجب نقصاً ظاهراً، في البطش، بخلاف الأصبعين لأنهما كالإبهام في البطش، ولو كانت اليد اليمنى شلاء شللاً جزئياً، أو ناقصة الأصابع يقطع في ظاهر الراوية.

المالكية والشافعية - قالوا: إذا سرق السارق أولاً قطعت يده اليمنى من مفصل الكف، ثم حسمت بالنار أو الزيت المغلي، فإذا سرق الثانية، قطعت رجله اليسرى، من المفصل، ثم حسمت بالنار، ثم إذا سرق الثالثة قطعت يده اليسرى، من مفصل الكف، ثم حسمت بالنار، فإذا سرق الرابعة قطعت رجله اليمنى من المفصل، ثم حسمت بالنار، ثم إذا سرق الخامسة، حبس، وعزر، ويعزر كل من سرق إذا كان سارقاً من حيث يدرأ عنه القطع، فإذا درأ عنه القطع لشبهة، عزر حسب مايراه الإمام زاجراً له عن ارتكاب الجريمة وكيفية القطع، ان يجلس ويضبط ثم تمد يدخ بخيط حتى يبين مفصله، ثم تقطه بحديدة حادة

ص: 144

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثم يحسم، وإن وجد ارفق، وأمكن من هذا قطع به، لأنه إنما يراد به غقامة المحد، لا التلف، ولهذا لا يقطع السارق، ولا يقام حد، دون القتل على امرأة حبلى، ولا مريض دنف، ولا بين المرض، ولا في يوم مفرط البرد، ولا في يوم شديد الحر، ولا في أسباب التلف - ومن أسباب التلف الي يترك إقامة الحد فيها إلى البرء، ان تقطع يد السارق فلا يبرأ حتى يسرق فيؤخر حتى تبرأ يده، ومن ذلك ان يجلد الرجل فلا يبرأ جلده حتى يصيب حداً، فيترك حتى يبرأ جلده، وكذلك كل قرح أو مرض أصابه. وحجتهم في جواز القطع في المرة الثالثة والرابعة ما روي من محديث جابر بن عبد اله رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم أي بعبد سرقن فقطع يده اليمنى، ثم أي به في الثانية فقطع رجله، ثم أتي به في الثالثة، فقطع يده اليسرى، ثم أتي به في الرابعة فقطع رجله اليمنى. وأخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق: (إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله) .

وبما روي عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه ان رجلاً من أهل اليمن أقطع اليد والرجل، قدم على أب بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فشكا إليه أن عامل اليمن، طلمه فكان يصلي من الليل، فيقول أبو بكر: وأبيك ما ليلك بليل سارق، ثم إنهم افتقدوا حلياً لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر، فجعل الرجل يطوف معهم ويقول: اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح، فوجدوا الحلي عند صائغ زعم أن الأقطع جاء، فاعترف به الأقطع، أو شهد عليه، فأمر أبو بكر رضي الله عنه فقطعت يده اليسرى، وقا أبو ذر:(والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي من سرقته) . قال الشافعي رحمه الله: فبهذا نأخذ، فإذا سرق أولاً قطعت يده اليمنى، من مفصل الكف، ثم حسمت بالنار، فإذا سرق الثانية قطعت رجله اليسرى من المفصل ثم حسمت بالنار، ثم إذا سرق الثالثة قطعت يده اليسرى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار، فإذا سرق الرابعة قطعت رجله اليمنى من المفصل ثم حسمت بالنارن فإذا سرق الخامسة، حبس وعزر، قال أبن المنذر:(ثبت عن أبي بكر وعمر أنهما قطعا اليد بعد اليدن والرجل بعد الرجل) واحتج الحنفية على قولهم بعدم جواز القطع في الثالثةن وإنما يجب حبسه وتعزيره، وغرامتهن بما رواه اليهقي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال بعد أن قطع رجله وأتي به في المرة الثالثة:(بأي شيء يتمسح، وبأي شيء يأكل) لما قيل له يقطع يده اليسرى، ثم قال: أقطع رجله على أي شيء يمشي؟ إني لأستحي من الله عز وجل، ثم ضربه، وأدخله السجن) - وهو تكريم لابن آدم، وتعظيم لحرمته على حرمة المال. وقد أجاب المالكية والشافعية عن هذا الدليل: بأن هذا الرأي لا يقاوم النصوص، وإن كان المنصوص فيه ضعيف كما قال الحنفية، فقد عاضدته الروايات الأخرى، الواردة بهذا المعنى.

ص: 145