الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. .
. . .
. . .
. . .
. . .
. . .
القسم الثاني
الحدود المتفق عليها
حد الزنا - تعريفه
الحدود
الحد لغة: المنع - ولهذا يقال للبواب حداد، لمنع الناس عن الدخول. قال في النهاية: الحد يطلق على الذنب، ومنه قله تعالى:(تلك حدود الله فلا تقربوها) ويطلق على العقوبة التي قرنها الشارع بالذنب ومنه قولهم: اقمت عليه الحد. واصل الحد: المنع والفصل بين الشيئين. قال في المصباح: ومنه الحدود المقدرة بالشرع، لأنها تمنع من الإقدام على الذنب، اه.
وشرعا: هو العقوبة المقدرة حقا لله تعالى كما ذكر في القرآن الكريم فقال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وقال تعالى: (والحافظون لحدود الله) .
وثمرته: رفع الفساد الواقع في المجتمع، وحفظ النفوس من الهلاك، وحفظ والأعراض، والأنساب من الاختلاط، وحفظ الاموال سالمة عن الابتذال والانتهاك.
قال تعالى: (ولاتفسدوا في الآرض بعد اصلاحها) معناه: ولا تفسدوا شيئاً غي الارض فيدخل فيه المنع عن إفساد العقول بسب شرب المسكراة، والنهي عن إفساد النفوس بالقتل، وقطع الاعضاء، والمهي عن إفساد الأنساب بسبب الزنا، واللواط، والقذف. والنهي عن إفساد الاموال بالغصب، والسرقة، ووجوه الحيل في المعاملات. والنهي عن إفساد الدين بالكفر، وذلك لأن والمصلح المعتبرة في الدنيا هي هذه الخمسة:(1) النفوس (2) العقول (3) الأعراض (4) الأديان (5) الأموال.
وفائدته: الامتناع عن الفعال الموجبة للفساد في العالم. ففي حد الزنا منع ضياع الذرية وإماتتها معنوياً بسبب اشتباه النسب، ولذا ندب الشارع عموم الناس إلى حضور حده، فقال تعالى:(وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) . وفي باقي الحدود، زوال العقل في الخمر، وإفساد الأعراض في القذف، وأخذ أموال الناس في السرقة. وقبح هذه الأمور في العقول، وثابت في الغرائز عند الجميع. ولذا لم تبح الأموال ولا الأعراض، ولا الزنا، ولا السكر، في الملل السابقة.
ولما كان فساد هذه الأمور عاماً في الإنسانية كلها، وخطراً من أشد الأخطار عليها لما ينجم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منها. كانت الحدود التي تمنع منها حقوق اللَّه على الخلوص. فإن حقوقه سبحانه وتعالى دائماً تفيد مصالح عامة للمجتمع كله.
مبحث حكمة مشروعية الحدود
وحكمة مشروعيته هو الزجر عما يتضرر به العباد. من إفساد الفرش، وإضاعة الأنساب، وهتك الأعراض، وإتلف الأموال، وزهاق الأنفس، واضطراب الامن. والحدود دواء شاف وعلاج ناجح، لما يصيب المجتمع من الأمراض الاخلاقية الخطيرة، ولأمراض النفسية الفتاكة. التة تهلك المجتمع وتنخر في جسده، وتمزق اوصاله، وتودة به الى الهاوية.
إنما الامم الاخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت إخلاقهم ذهبوا
فالإسلام ينظر إلى الإنحراف على أنه خروج عن الفطرة السليمة التي قفطر اللَّه الإنسان عليها. وعصيان على الطبيعة، وتمرد عليها، ويحاول العلاج لمن انحرف عن طبعه، وغذا تعذر العلاج، ولم يفد الإصلاح كان موقف الإسلام أشد صلابة في ردع المجرم، والقسوة في الحكم عليه حتى لا يكون بقاء الفساد قضاء على المجتمع كله.
وبهذه الطريقة يحارب الإسلام الإنحرافات، ويضع لها الحدود الرادعة، التي تناسب خطورة الذنب، وقاية للجماعة الإنسانية من الضياع والفساد. كالعضو الذي أصيب بمرض فتاك. فإذا لم يمكن علاجه اضطر إلى بتره حماية للجسد كله.
حد الزنا
الزنا عبارة عن وطء مكلف في فرج امرأة مشتهاة، خال عن الملك وشبهته، ويثبت به حرمة المصاهرة، نسباً ورضاعة.
ولما كانت جريمة الزنا من ابشع الجرائم التي ترتكب ضد الشرف والأخلاق، والفضيلة، والكرامة، وتؤدي إلى تفويض بناء المجتمع، وتفتيت الأسر، واختلاط الأنساب، وقطع العلاقات الزوجية، وسوء تربية الأولاد، بل تقضي إلى ضياع الطفل الذي هو قتل له معنى. فإن ولد الزنا، ليس له من يربيه، والأم بمفردها لا تستضيع تربية والقيام بشؤونه، لقصور يدها. فيشب على أسوأ الأحوال، ويصير عضواً فاسداً في جسد المجتمع الإنساني، ينشر الحقد، والبغضاء. ويبث الفساد، والإجرام، لأنه ثمرة الجريمة البشعة المنكرة.
فجريمة الزنا من أخطر أمور الحياة كلها، بل أشدها تعلقاً بنظامها، ودوام سعادتها، وهنائها. وتمسكها، وترابطها، ولذلك اهتم الشارع الحكيم بهذا الحد أكبر اهتمام، صوناً للحياة المنزلية من الانهيار، وحفظاً للروابط الأسرية مما يتهددها من بلاء وأطار، فذكر غقاب من لا يحفظ فرجه، وبينه أعظم بيان، وجعله من أشد العقوبات، وأفظعها، وأوجب أن لا تأخذنا شفقة، ولا رحمة. بالجناة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وأن يشهد إقامة الحد جماعة من المؤمنين فقَالَ تَعَالى: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} . آية رقم /2 / من النور.
ثم بين ما يجب علينا أن نراعيه في حفظ الفروج، وما تحتاج إليه لصيانتها من الضياع، وما يجب للإبضاع من الحرمة والصون، والإحتياط والمحافظة. فأمرنا بغض النظر إلى الأجنبيات، لأن النظر يريد الزنا. وأمرنا بصون أجساد النساء من التبذل، والظهور أمام الأجانب، وحث المرأة على حفظ جسدها بالإحتشام والتستر، والبعد عن مواطن الريبة، وبؤر الفساد، وعن الإختلاط بالرجل الأجنبي حتى لا تقع في محرم، ولا يجرها الإختلاط والتبذل إلى الوقوع في الذنب، وتستوجب إقامة الحد عليها. قَالَ تَعَالى:{وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} فقد خاطب اللَّه تعالى أمهات المؤمنين ونساء النَبِي صلى الله عليه وسلم وهن الصالحات القانتات، الائي تربين في مدرسة النبوة، ونشأن في أعظم جامعة إسلامية. وتأدبن بأداب النبوة، وتخلقن بأخلاق الرسول صَلَوَات اللَّهِ وسَلَامهُ عَلَيْه، وقد كن لا يخرجن من بيوتهن إلا لعذر شرغي، كحج أو عمرة، أو زيارة أبوين، أو صلة أرحام، أو عيادة مريض، أو نحو ذلك. وإذا خرجن لا يبدين زينتهن، ولا يظهرن شيئاً من محاسنهن، ولا يلبسن ثياب براقة، فإذا كان اللَّه تَعَالى قد أمرهن هذا الأمر، وهن على هذا الحال، فغيرهن من سائر النساء أولى أن يخشى عليهن، لو خرجن ومشين في الطرقات على أعين الناس، وفيهم من في قلبه مرض من العصاة الفجرة، والمجرمين الفسقة، الذين لا يخشون اللَّه، ولا يخافونه، عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النَبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:(إن المرأة عورة. فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وإن أقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في عقر بيتها) .
واتفقت كلمة الفقهاء على أن خروج المرأة من بيتها قد يكون كبيرة. إذا تحققت منه المفسدة، كخروجها متعطرة متزينة. سافرة عارية. مبدية محاسنها للرجال الأجانب، كما هو حاصل في هذا الزمان، مما يوجب الفتنة. ويكون الخروج من المنزل حراماً، وليس كبيرة إذا ظنت وقوع الفتنة، ويصد عنها المفسدين المعتدين.
وتبرج الجاهلية الأولى - وهي التي كانت قبل الإسلام، التبختر في تثن مع إظهار المحاسن، والزينة، وما يجب ستره من العنق، والصدر، والشعر، والقفا، والظهر، والذراعين، والساقين.
ومما يدمي قلب الحر المؤمن الغيور، ما نشاهده في هذا الزمان من تبرج النساء، والفتيات، وخروجهن متبذلات، كاسيات عاريات. مائلات مميلات. عاريات الشعور والظهور، من غير حياء ولا مبالاة. حتى صرن أكثر تبذلاً، وانحلالاً من أهل الجاهلية التي كانت قبل الإسلام. وإثم ذلك راجع إليهن أولاً وإلى أولياء أمورهن ثانياً، من الأزواج والآباء، والأخوة. لعنهن اللَّه، ولعن من يرضى بذلك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منهن، ولعن من ينظر إليهن، ومن يوافقهن من الرجال. وصدق رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ يقول:(صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا) وهذا الحديث من دلائل النبوة حيث أن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد حدث عما يحدث في المستقبل، وأخبر عن المغيبات التي حصلت بعد حياته صَلَوَات اللَّهِ وسَلَامهُ عَلَيْه بتسعين وثلاثمائة وألف عام.
فتشريع حد الزنا من أهم الحدود التي تعالج مرضاً قوي الاستحكام في النفوس، قوي التأثير فيها، والتمكن منها، وهو سلطان الشهوة في الإنسان، وقوة طغيانها على العقل، لأنه تَعَالى ركبها في البشرية بهذه القوة الجامحة لعمارة الكون، ودوام الجنس البشري، ولكنها قد تخرج بصاحبها عن حدود الفضيلة. فسن الشارع لها الحد حتى يردعها من غيها، ويرجعها إلى طريق الصواب.
مضار الزنا
أما مضار الزنا الشنيعة، وآثاره الممقوتة، فهي أكثر من أن تحصى، لأنها مضار أخلاقية، ودينية، وجسمانية، واجتماعية، وأسرية، وناهيك بجريمة يرتكبها صاحبها وهو جزلان مسرور، بينما يجني على نفسه بإغضاب ربه، وتعرضه لمقته وغضبه، وشديد عقابه. بل يتعرض لانتزاع الإيمان من قلبه، كما يخلع الإنسان قميصه من عنقه. فإن مات وهو متلبس بجنايته، مات على ملة غير ملة الإسلام. قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) رواه البخاري وغيره.
أما الأضرار التي تعود على المرأة من جراء هذه الفاحشة. فهو هتك عرضها، وسلب شرفها، واقتراف جريمة من أفظع جرائم المجتمع، وهي لاهية مسرورة، بلحظات قليلة، وشهوة حقيرة.
ولا ننسى تدنس شرف أسرتها، وإلحاق العار بأهلها الأبرياء، نساء ورجالاً، بلا ذنب ولا جريرة ثم الجناية على الجنين الذي قد يولد من طريق الزنا، ويأتي ثمرة هذه الجريمة، فيتعرض للقتل وهو الغالب وإن عاش فالضياع، والفساد، والعار الملازم له طول حياته. واحتقار المجتمع له، ونفورهم منه، حتى يصبح الموت أفضل عنده من هذه الحياة. فإن من لم يثبت نسبه ميت حكماً.
والجناية على زوجها إن كان لها زوج، وهتك عرضه، وضياع شرفه وسمعته، وسقوطه بين أصحابه، وجيرانه ومعارفه، وملاحقة العار له مدة حياته، وبعد وفاته. والجناية على الأولاد والذرية من ذكور وإناث، جناية تعدل القتل، وسلب الروح من الجسد، فهذه الجريمة البشعة لا تنسى مع الزمن، ولا تخفى على أحد، لأن رائحتها الكريهة تزكم النفوس، وتنتشر انتشار الريح العاصف وقد قيل: إن الجريمة لها أجنحة تطير بها.
وإذا تصورت ما يترتب على هذه الجريمة حينما تدخل الزوجة على أولادها، وأسرة زوجها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مولوداً ليس منهم، وتقحم عليهم شخصاً غريباً عنهم، يشاركهم بلا حق، في معيشتهم وشرفهم، وأسمهم وميراثهم وكل خواصهم، وما يتبع ذلك من أضرار جسيمة ما يعلمها إلا علام الغيوب. علمت فظاعة هذه الجريمة.
ثم إذا نظرت إلى الأضرار الصحية التي تترتب على فاحشة الزنا من أمراض الزهري، والسيلان، وغيرهما مما أثبته الطب من مضار الزنا، وأفردت له كتباً مؤلفة في هذا الشأن، أدركت حكمة تشديد الشرع في تحريمه.
وبعد فإن هذا البلاء الخطير متى وقع فيه الشخص مرة استمرأ، وتلذلذ به، ولا يستطيع الإقلاع عنه. وأحب التنقل فيه، بعد أن ذاق لذته، فيتفاقم شره، ويتزايد ضرره، ويصبح وباء للمجتمع الإنساني.
فلا غرابة إذاً في أن يكون الأسلوب الذي يعالج به مرتكب هذه الجريمة، أن يضرب بالسوط مائة جلده إن كان بكرة ويفتضح أمره على مرأى من أصحابه وجيرانه، حتى يحتقر في نفوسهم، وتسقط منزلته بينهم، ويأخذوا منه حذرهم، ويبتعد عن مصاحبته، لأنه أصبح كالمريض الأجرب، لخبث نفسه، وسوء سريرته، وشناعة فعله، وشددة خطره على الأفراد الذين يتصلون به. وهذه عقوبته الدنيوية، ولعذاب الأخرة إن لم يتب أشد وأبقى.
أما عقوبة الرجم بالحجارة للزاني المحصن، ففيه معنى إسقاط منزلة الزاني وتجريهما من الإنسانية الكاملة الفاضلة، وإلحاقهما بالعجماوات التي لا تفهم تأديب والزجر إلا بالضرب الشديد المؤلم. أو الموت الشنيع، حيث لا ينفع معهما ردع، ولا نصح، ولا يبقى له وسيلة تؤدبه إلا الضرب المبرح، فجعل الشارع الحيكم الجلد، أو الرجم، امام طائفة من امؤمنين ليكون الخزي والعار أبلغ وأكمل في حقهما، وليرتدع من تسول له نفسه الوقوع في ذلك الذنب بعد أن رأى عاقبته ونهايته.
فالشارع الحكيم قصد من تشريع عقوبة الزنا، الردع للمجتمع، والزجر والتخويف للغير أكثر من التنفيذ على الجاني، فإن العبد حينما يقارن بين ما سيحصله من اللذة المعارضة بالزنا وبين ما سيتبع هذه اللذة من العقوبات الشديدة، والخزي، والعار، والفضيحة أمام المجتمع في حياته أو بعد مماته أمتنع عن الوقوع فيها وفضل بعقله البعد عنها، والفرار منها صوناً لنفسه، وعرضه، وشرفه وكرامته.
وزيادة من الشارع في الإحتياط عن الوقوع في هذه الجريمة، وحفظ المجتمع منها حتى يعيش في سلام ومحبة. فليس هنا من يقطع أوصال المجتمع، وينشر العداوة بين أفراده وجماعته مثل جريمة الزنا. من أجل ذلك كله نهى الشارع المؤمنين من الإقتراب من الزنا والوقوع في مقدماته، وأسبابه، خوفاً من أن يقعوا في شركه كما ينهى النهندس المواطنين عن الإقتراب من موقع الخطر كتجمع الكهرباء، وحقول الألغام، ومخازن المفرقعات، حتى لا يدهمهم خطرهم، وهم لا يشعرون.
قَالَ تَعَالى: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} أي ولا تقتربوا من الزنا بمباشرة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أسبابه القريبة أو البعيدة، فضلاً عن مباشرته، وإنما نهي الشرع عن قربانه لأن قربانه داعه إلى مباشرته {إنه كان فاحشة} لأن فعله ظاهر القوى، متجاوز عن الحد، {وساء سيبلاً} أي بئس طريقة طريقاً فإنه غضب الإضياع المؤد إلى اختلال أمر الأنساب، وهيجان الفتن، وفساد المجتمع، كيف لا وقد عده اللَّه تَعَالى بعد الشرك والقتل فقال تعالى:{والذين لا يدعون مع اللَّه إلهاً آخراً، ولا يقتلون النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق ولا يزنون، ومن يفل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً} وبين لبرسول صَلَوَات اللَّهِ وسَلَامهُ عَلَيْه بعض أضراره ومساوئه فقال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والزنا فإن فيه ستة خصال، ثلاثة في الدنيا، وثلاثة في الأخرة، وأما التي في الدنيا: فذهاب البهاء، ودوام الفقر، وقصر العمر. وأما التي في الأخرة: فسخط اللَّه تَعَالى، وسوء الحساب، والخلود في النار) ، ورواه أبوحذيفة بن اليمان رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا زنى العبد خرج منه الإيمان، فكان على رأسه الظلة، فإذا انقطع رجع إليه) ..
وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي وردت بالنهي عن الزنا والأسباب التي تقرب منه.
عورة المرأة
اختلف العلماء فيما يباح للمرأة كشفه من أعضائها أمام الرجل الأجانب، وما لا يباح كشفه تبعاً لإختلافهم في فهم المراد من قوله تعالى:{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} الآية. والمراد بغض البصر يعني كف النظر إلى المحرم، والمراد بحفظ الفروج حفظها من النظر إليها، ومن لمسها، ومن وطئها إلا على زوجها، قَالَ تعالى:{والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} - {ولا يبدين زينتهن} أي لا يظهرن محل زينتهن {إلا ما ظهر منها} ، وقد اختلف العلماء في تحديد العورة على مذاهب.
الشافعية في إحدى روايتين والحنابلة قالوا: جميع بدن الحرة عورة، ولا يصح لها أن تكشف أي جزء من جسدها أمام الرجال الأجانب إلا إذا دعت لذلك ضرورة، كالطبيب للعلاج والخاطب للزواج، والشهادة أمام القضاء، والمعملة في حالة البيع والشراء، واستثنوا من ذلك الوجه والكفين لأن ظهورهما لضرورة، أما القدم فلا جرم اختلفوا فيه هل هو عورة أم لا؟ فيه وجهان، والأصلح أنه عورة.
الحنفية والرأي الثاني للشافعية والمفتي به عند المالكية، قالوا: جميع بدن المرأة الحرة عورة إلا الوجه والكفين فيباح للمرأة كشف وجهها وكفيها في الطرقات، وأمام الرجل الأجانب ولكنهم قيدوا هذه الإباحة بشرط أمن الفتنة، أما إذا كان كشف لاوجه واليدين يثير الفتنة لجمالهما الطبيعي أو لما فيهما من الزينة وأنواع الحلي فإنه يجب عليها سترهما ويصيران عورة كبقية أعضاء جسدها، وذلك من باب سد الزرائع وقطع دابر الفتنة وصيانة الأداب وحفظ الأعراض والأناب، فإن النظرة رسول الشهوة وبريد الزنا ورائدة الفجور وسهم مسموم يصب في القلوب، ورد نظرة كانت بذرة لأخبث شجرة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقيل: مكتوب في التوراة: النظرة تزرع في القلب الشهوة ورب شهوة أورثت حزناً طويلاً.
وروي عن أم سلمة: أنها كانت عند النَبِي صلى الله عليه وسلم وميمونة، إذ أقبل ابن متكوم فدخل عليهما، فقال عليه الصلاة والسلام احتجبا منه. فقلت يَا رَسُولَ اللَّه أليس هو أعمى لا يبصرنا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟.
حكم صوت المرأة
اختلف العلماء في صوت المرأة فقال بعضهم إنه ليس بعورة، لأن نساء النبي كن يروين الأخبار للرجال، وقال بعضهم إن صوتها عورة، وهي منهية عن رفعه بالكلام بحيث يسمع ذلك الأجانب إذا كان صوتها أقرب إلى الفتنة من صوت خلخالها، وقد قَالَ اللَّه تَعَالى:{ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} فقد نهى اللَّه تَعَالى عن استماع صوت خلخالها لأنه يدل على زينتها، فحرمة رفع صوتها أولى من ذلك، ولذلك كره الفقهاء أذان المرأة لأنه يحتاج فيه إلى رفع الصوت، والمرأة منهية عن ذلك، وعلى هذا فيحرم رفع صوت المرأة بالغناء إذا سمعها الأجانب سواء أكان الغناء على آلة لهو أو كان بغيرها، وتزيد الحرمة إذا كان الغناء مشتملاً على أوصاف مهيجة للشهوة كذكر الحب والغرام وأوصاف النساء والدعوة إلى الفجور وغير ذلك.
مبحث حكم الغناء
اختلف العلماء في حكم الغناء، واستماعه.
الحنفية - قالوا: الغناء إما أن يكون من امرأة أو رجل، فإن كان من امرأة وكان بصوت غير مرتفع بحيث لا يسمعه الناس فلا مانع منه، أما إذا كان الغناء بصوت مرتفع يسمعه الأجانب فهو حرام، وخصوصاً إذا كان مشتملاً على كلام مهيج للشهوة، ومثير للفتنة كتحسين الخمور وأوصاف النساء أو دعوة إلى الحب والغرام إلى غير ذلك.
أما الرجل فإن كان غناؤه لدفع الوحشة عن نفسه، أو كان لحماس الجند أو الحث على العمل والجهاد فهو جائز، أما إذا كان الغناء مشتملاً على ذكر الحب والغرام، ويخشى أن تفتتن به امرأة أجنبية تسمعخ فيكون في هذه الحالة حراماً، كما هو حاصل في الإذاعة والسينمات ودور الملاهي والتمثيل. وكذلك غناؤه في حادث سرور مباح إذا كان بغير آلة ولم تكن فيه عبارات مهيجة ولم تحصل منه فتنة، وكان الاجتماع غير محذور لا تختلط فيه النساء مع الرجال وكان الغناء على غير آلة لهو، ولم يكن سبباً لمحرم، أما إذا لم يستوف هذه الشروط فغناؤه حرام، كما هو الحال في الأغاني التي يذيعها المطربون والمغنون.
المالكية - قالوا: الغناء حرام على النساء وسماعه حرام. إلا إذا كانت الأغاني من الرجال بعبارات حماسية يف لاحرب أو تسلية للإبل على السير في الصحراء ولم تصحبه آلة لهو وطرب.
وقد سئل الإمام مالك رضي الله عنه عما ترخص فيه أهل المدينة من الغناء، فقال: إن ما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يفعله عندنا الفساق، فقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل) . وعن يزيد بن الوليد أنه قَالَ: يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن لاخمر ويفعل ما يفعله السكر.
الشافعية - قالوا: إن الغناء الماجن مع آلات الطرب واللهو حرام على النساء والرجال، وسماعه حرام، فقد نقل عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قَالَ: الغناء لهو مكروه يشبه الباطل، من استكثر منه فهو سفيه وترد شهادته.
الحنابلة - قالوا: الغناء حرام سواء أكان من النساء أم من الرجال إذا كان القول يثير الشهوة، لمن استمع إليه، أو أدى إلى اختلاط الرجال بالنساء، أو خروج عن حشمة ووقار.
والاستماع يأخذ حكمه، فإن الشخص إذا سمع وصف الخمر والصدر والخد والشدي وذكر وتحتد وباعث الشر، وتستيقظ دوافع الفتنة، وتنبه الآعضاء إلى لذة الفاحشة، وذلك نصر لحزب الشيطان، وتخذيل للعقل المانع منه، الذي هو حزب الرحمن، فهو يؤدي إلى حرام وما أدى إلى حرام فخو حرام، كالنظر إلى الأجنبية بشهوة أو لمسها أو الخلوة بها.
الزنا معطل للنسل الصالح
إن الإسلام بتشريعه حد الزنا، وعنايته التامة بإقامته واهتمامه الزائد بتنفيذ أمام طائفة من عباد اللَّه المؤمنين، ونزول الآبات الكثيرة بشأنه والنهي عن اقتراف مقدماته وأسبابه والاقتراب منه، وتحريم الأشياء المقربة منه، كالاختلاط والغناء والرقص وخلافه، واعتباره من أعظم الفواحش ومن أكبر الذنوب ومقارنته بالشرك باللَّه تعالى وقتل الأنفس، ووصفه في القرآن الكريم بأنه يكون سبباً في مضاعفة العذاب يوم القيامة والخلود في نار جهنم، وأنه يسبب المقت والمهانة، ويجلب على صاحبه العار والفضحية ويجرفه إلى أسوأ السبيل، وقول النَبِي صلى الله عليه وسلم (بأنه يخلع الإيمان من قلب الزاني والزانية كما يخلع الرجل قميصه من عنقه) ، وتشريع ضرب الزاني المحصن بالحجارة حتى يموت، هو أشنع عقاب وأشد عذاب في التشريع.
فالإسلام يقصد من وراء ذلك كله إلى صيانة الأعراض أيما وحفظها من التلوث والدخالة، لأن الأعراض الطاهرة تستوجب الطمأنينة السعيدة في الأسرة، وتنبت ذرية قوية صالحة، وأفراداً شرفاء فضلاء، وأشبالاً أشداء أقوياء، ترفع الإنسانية وتسمو بها، وتعلي من قدرها، وما من شك في أن الأسرة المتهدمة والعائلة المتفرقة، لا تكون أمة نبيلة ولا شعباً كريماً، لأن بناء المجتمع الصالح إنما يكون من لبنات متينة قوية متماسكة. والشعوب التي يفشو فيها الزنا وتظهر فيها الفاحشة وتنتشر بينها المفاسد يسارع إليها الخراب المادي والأدبي، وينتشر فيها الفساد الخلقي انتشار النار في الهشيم، وينخر فيها المنكر كنخر السوس في الخشب، ويستحيل أهلها إلى شراذم متهدمة لا تناصر بينهم ولا تعارف ولا