المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مبحث المخالفات المالية - الفقه على المذاهب الأربعة - جـ ٥

[عبد الرحمن الجزيري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزءُ الخَامِس

- ‌تقديم

- ‌كتاب الحدود المقدمة في تعريف الحدود الشرعية

- ‌المعنى

- ‌ما يؤخذ من الحديث

- ‌بيان الحدود الشرعية وما في معناها

- ‌العقوبات الشرعية

- ‌القسم الأول

- ‌القسم الثاني

- ‌مبحث حد المحصن

- ‌مبحث حد غير المحصن

- ‌مبحث من قتل الرجل الذي زنى بامرأته

- ‌مبحث رأي المعتزلة والخوارج

- ‌مبحث الشهادة في الزنا

- ‌مبحث الإقرار بالزنى

- ‌مبحث الشبهات في الزنى

- ‌تشديد الشريعة في إثبات جريمة الزنا

- ‌مبحث اللعان

- ‌وقوع الفرقة باللعان

- ‌مبحث حرص الشريعة على محو الرذائل الخلقية

- ‌مبحث حد اللواط

- ‌كتاب حد السرقة

- ‌قوانين المعاملات في الإسلام

- ‌عناية الشريعة بالسرقة دون غيرها

- ‌مبحث أحكام غير السارق

- ‌مبحث المخالفات المالية

- ‌مبحث اعتراض الملاحدة

- ‌أمثلة على ردع المجرمين

- ‌رحمة الشريعة بالمفسدين

- ‌مبحث فائدة تحديد النصاب في القطع

- ‌باب حد القذف

- ‌إجماع الشرائع على أن القذف اعتداء على الأعراض

- ‌مبحث اعتراض الجهلة على حد القذف

- ‌مبحث العفو عن القاذف

- ‌مبحث مراعاة الشريعة لحال المجرم

- ‌القسم الثاني كتاب القصاص

- ‌مبحث عناية الشريعة بدماء الناس

- ‌مبحث عقاب قاتل النفس ظلماً

- ‌مبحث جواز العفو في القصاص

- ‌محاسن التشريع الإسلامي

- ‌مبحث سلطان أولياء الدم على القاتل

- ‌مبحث حق السلطان على القاتل

- ‌مبحث الجناية على الأطراف

- ‌القسم الثالث

- ‌باب التعزير

- ‌جواب وسؤال

- ‌مبحث دقة التشريع الإسلامي

- ‌سؤال وجوابه

- ‌مبحث دليل ثبوته

- ‌نظام الأسرة في الإسلام

- ‌مبحث أساس القوانين الشرعية

- ‌مبحث الكبائر من الذنوب

- ‌معنى الحديث

- ‌الجواب عن السؤال الثاني

- ‌الكبيرة الثامنة شهادة الزور

- ‌الكبيرة التاسعة اليمين الغموس

- ‌الكبيرة العاشرة الزنا

- ‌الكبيرة الحادية عشرة شرب الخمر

- ‌الكبيرة الثانية عشرة النميمة

- ‌الكبيرة التاسعة عشرة الغلول في الحرب

- ‌مبحث السحر

الفصل: ‌مبحث المخالفات المالية

‌مبحث المخالفات المالية

-ومثل الخيانة والغصب سائر المخالفات المالية، فإنه لا يمكن ضبط عقوبة مضطردة لها، لأن آثارها تختلف اختلافاً كبيراً (1) مثلاً شخص بذر ماله في المباحات، والزخارف حتى نفد ماله، فإن عمله هذا في نظر الشريعة الإسلامية لا يجوز، ولكن ضرره يختلف، فإذا كان في بيئة صالحة مستقيمة، بحيث لا يتأثر به أحد، كان الضرر مقصوراً عليه وحده، اما إذا كان في بيئة سريعة التقليد، فإن ضرر عمله يتعداه للغير، فيكون قدوة سيئة، ولذا يجب أن يترك تقدير تأديبه للحاكم. ولذا ولذا قال بعض الأئمة: إذا كان بذر ماله في مباح، فإن ذلك التبذير لا يوجب الحجر، عليه، ولكن الجمهور يقولون: إن التبذير لا يوجب الحجر، والحجر نوع من أنواع التعزير، فإن فيه اعلاناً بأن الرجل لا يحسن التصرف، ولا يوثق له في باب الأموال، وذلك توبيخ مستمر لا يرضاه عاقل. أما التبذير في الشهوات المحرمة، فإنه يوجب الحجر باتفاق.

(1) (المختلس

الشافعية والمالكية، والحنابلة - قالوا: إن جاحد العارية يقطع، إذا بلغت قيمة ذلك نصاباًن وذلك لأن جعل العارية عنده، كجعلها في حرز، بجامع أنه استأمنه على حفظها، فكان جحده لها كفتح الحرز وأخذها، لاسيما ما ورد في الحديث، من أنها ضمونة، ولما روي (أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعها) . الحنفية قالوا: من استعار شيئاً من غيره، ولما طلبه صاحبه أنكر المال ولم يرده وكانت قيمته نصاباً أو أكثر، وثبت ذلك عليه. فلا قطع عليه، وذلك لأن المعتبر هو المفرط في إعارة من لا يؤمن منه الجحد، فما استأمنه أولاً، كان من المعروف عدم قطعه ثانياً، إذا عرضت له الخيانة، ولأن الحرز قاصر هنا، لأنه قد كان في يد الخائن وحرزه، لا حرز المالك على الخلوص، وذلك حرزه وإن كان حرز المالك، فإنه أحرزه بإيداعه عنده، لكنه حرز مأذون للسارق في دخوله.

وقد أجاب الحنفية عن حديث السيدة عائشة رضي الله عنها الذي احتج به الأئمة الثلاثة في وجوب القطع على الخائن والخائنة، بأن القطع الذي حدث كان عن سرقة، لا عن جحد عارية، أو خيانة، بعد أن كانت المرأة متصفة، مشهورة بجحد العارية، فعرفتها عائشة بوصفها المشهور، فالمعنى أن امرأة كان وصفها جحد العارية، فسرقت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعها، بدليل أن في قصتها، أن أسامة بن زيد شفع فيها الحديث إلى أن قال: فقام عليه الصلاة السلام خطيباً فقال: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، واذاسرق فيهم الضعيف قطعوه) وهذا بناء على أنها

ص: 162

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حادثة واحدة، لا مرأة واحدة، لأن الصل عدم التعدد، وللجمع بين الحديثين، خصوصاً وقد تلقت المة الحديث الآخر بالقبول، والعمل به، فو فرض انها لم تسرق كان حديث جابر مقدماً، ويحمل القطع بجحد المتاع، وأخرى بالسرقة، يحمل على نسخ القطع بالعارية بما قلنا، فقد روي في سنن أربعة من حديث جابر عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:(ليس على خائن، ولا متهب، ولا مختلس، قطع) رواه الخمسة وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا قطع على مختلس ولا منتهب ولا خائن.

جاحد الوديعة.

الحنفية، والشافعية، والمالكية قالوا: إن جاحد الوديعة لا يقطع، ولو ثبت ذلك عليه، وكان المال المودع نصاباً فأكثر، وذلك لأن المودع هو المفرط في إيداع ماله، لمن لا يحفظهن ويرده إليه سالماً، واستدلوا على ذلك بأن القرآن والسنة أوجباً القطع على السارق والجاحد للوديعة، ليس بسارق. الحنابلة، وإسحاق، وزفر، والخوارج قالوا: يجب أن يقام حد السرقة على جاحد العارية، ويعقطع، لأنهم لم يشترطوا في القطع، ان يكون من حرز، ولأن جاحد الوديعة داخل في اسم السرقة، لأنه هو والسارق لا يمكن الاحتراز منهما، بخلاف المختلس، والمنتهب، كما قال أبن القيم رحمه الله تعالى. واستدلوا على مذهبهم بما روي عن أبن عمر قال:(كانت مخزومية، تستعير المتعاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها) رواه أحمد، والنسائي، وأبو داود.

وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن الجحد للعارية وإن كان مروياً فيها عن طريق عائشة، وجابر، وأبن عمر، وغيرهم، لكنه ورد التصريح في الصحيحين وغيرهما بذكر السرقة، وفي رواية من حديث أبن مسعود (أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أبن ماجة، والحاكم، وصححه، (ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حلياً) قالوا: والجمع ممكن بأن يكون الحلي في القطيفة، فتقرر أن المذكورة قد وقع منها السرقة، فذكر الجحد للعارية لا يدل على أن القطع كان له فقط، ويمكن أن يكون ذكر الجحد لقصد التعريف بها، ويمكن أن يجاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل ذلك الجحد منزلة السرقة، فيكون دليلاً لمن قال: أنه يصدق اسم السرقة على جحد الوديعة.

قال الشوكاني: ولا يخفى أن الظاهر من أحاديث الباب أن القطع كان لأجل ذلك الجحد كما يعشر به قوله في حديث أبن عمر بعد وصف القصة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، ولا ينافي ذلك وصف المرأة في بعض الروايات بأنها سرقت، فالحق: قطع جاحد الوديعة، ويكون ذلك مخصصاً للأدلة الدالة على اعتبار الحرز، ووجهه أن الحاجة ماسة بين الناس إلى العارية، فو علم المعير، أن المستعير إذا جحد العرية لا شيء عليه، لجر ذلك إلى سد باب العارية، وهو خلاف المشروع. اهـ.

ص: 163

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنتهب والخائن

الحنفية، والمالكية، واشافعية قالوا: لا يقطع المنتهب لأنه مجاهر بقعله والخائن لقصور في الحرز والمختلس لأنه ليس بسارق والعرب أطلقت عليه أسماً آخرغير اسم (السارق) والآية والأحاديث نصت على أن القطع على السارق فلا يقاس عليه غيره، والمراد بالخائن، وهو من يأخذ المال خفية، ويظهر النصح للمالك، والمتهب: هو من ينتهب المال على جهة القهر، والغلبة، وأما المختلس، فهو الذي سلب المال على طريقة الخلسة، وقال في النهاية: هو من يأخذ المال سلباً، ومكابرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ليس على المختلس، ولا على الخائن قطع) .

الحنابلة والإمام زفر قالوا: أنه يجب القطع على المختلس، والمنتهب، والخائن، لعدم اعبارهم الحرز، ولأنه نوع من السرقة، وأرى أن الاختلاسات في هذا العصر من الوزارات، والشركاتق قد تصل إلى مئات الآلاف من الجنيهات فيجب إقامة الحد على هؤلاء، فقد نشرت الجرائد أن أحد الموظفين اختلس 2 مليون جنيه في سنة واحدة. فيجب الضرب بشدة على أيدي هؤلاء حتى تحمي أموال الدولة.

إذا تغير الشيء المسروق

اتفق الأئمة، على أنه إذا سرق انسان عيناً عبثاً فقطع فيها ثم ردها إلى مالكها، بأن كانت قائمة، ثم تغيرت عن حالتها، مثل أن يكون المسروق الذي قطع به غزلاً ثم نسج، أو قطناً فاصبح غزلاً، ثم عاد فسرقه ثانية فإنه يقطع فيه، لأن العين قد تبدلت، ولهذا يملكه الغاصب، ويجب عليه ضمان قيمته، ولأن العين إذا تبدلت انتفت الشبهة الناشئة من اتحاد المحل، والقطع.

سرقة ما ليس بمال

واتفق الآئمة على أنه إذا سرق خمراً، أو خنزيراً، أو كلباً (ولو مقتنى للحراسة) ، أو جلد ميتة بلا دبغ، فلا يجب القطع، لأن هذه الأشياء ليست بمال، فإن بلغ إناء الخمر نصاباً قطع به، وكذلك إن شارك السارق غير مكلف كصبي، ومجنون، ومن سكر بحلال، فلا قطع لغير المكلف، وكيذلك إن شاركه والد صاحب المال فلا قطع لدخوله مع ذي شبهة قوية، ولا قطع على من سرق أضحية ذبحت وهي تساوي نصاباً لخروجها لله بالذبح، وكذلك الهدي في الحج، أما لو سرقت قبل الذبح فإنه يقطع سارقها، كما لو سرق قدر نصاب من لحمها، أو جلدها الذي ملكه الفقير بصدقة فيقطع، وإذا ملكه السارق بإرث، أو شراء، قبل إخراجه من الحرز، أو نقص عن مقدار نصاب بأكل وغيره لم يقطع بسرقته.

إذا ادعى السارق أنه ملكه

المالكية - قالوا: إن السارق إذا ادعى أن المسروق من الحرز ملكه بعد قيام بينة على أنه سرق

ص: 164

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نصاباً من حرز قطع بكل حال، ولا تقبل دعواه المك، لقوة التهمة وغلبنة الكذب على مثل السارق، وهروبه مما يوجب قطع يده أو رجله، وضعف إيمانه،

الحنفية، والشافعية، والحنابلة في احدى رواياتهم قالوا: أنه لا يقطع، وسماه الإمام الشافعي السارق الفقيه، لأن قوله: هذا ملكي يحتمل الصدق، وهو شبهة يدرأ بها الحد، وإن لم يقم بينة.

الحنابلة في أحدى رواياتهم قالوا: إنه لا يقطع، وفي الرواية الأخرى: إنه يقبل قوله إذا لم يكن معروفاً بالسرقة، ويسقط عنه القطع، وإن كان معروفاً بالسرقة قطع، وهو الرجح لئلا يتخذ الناس ذلك دريعة لدفع الحد عنهم. واتفقوا: على أنه إذا ابتلع السارق في الحرز مالاً، لا يفسد بالابتلاع كالجواهر، قدر نصاب ثم خرج فإنه يقطع به. أما إذا ابتلع شيئاً يتلف بالابتلاع كاللحم، والعنب، ما يساوي نصاباً، فلا قطع عليه، بل يجب عليه الضمان فقط، وإذا أتلف شيئاً في الحرز بحرق أو كسر فإنه يضمنه، أما إذا أخرجه سالماً ثم تلف المال بعد الخروج من الحرز فإنه يقطع به، وإذا أشار إلى حيوان بعلف ونحوه، فخرج من الحرز إليه، ثم سرقه، فإنه يقطع به لأنه خرج من الحرز بعمله.

السرقة من الغنيمة وبيت المال

الحنفية قالوا: إن السارق من المغنم لا يقطع، لأن له قيه نصيباً، وهو مأثور عن الإمام علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه، درأ، وتعليلاً، رواه عبد الرزاق في مصنفه، أخبر الثوري رحمه الله تعالى عن سمالك بن حرب عن أبي عبيدة بن الأبرص، وهو زيد بن دثار، أنه قال: اتي الإمام علي برجل سرق من الغنيمة مفراً، قبل قسمتها فلم يقطعه.

الشافعية قالوا: من سرق من مال بيت المال أو الغيمة ان فرز لطائفة القربى والمساكين والمجاهدين وكان هو واحداً منهم، أو اصله، أو فرعه فلا قطع عليه، لأنه سرق من مال له فيه حق ثابت وإن فرز لطائفة ليس هو منهم فيجب القطع، إذ لا شبهة له في ذلك. أما إذا لم يفرز لطائفة فلا قطع. والأصح إن كان له حق في المسروق كمال مصالح بالنسبة لمسلم فقير جزماً، أو غني على الأصح، وكصدقة وهو فقير، أو غارم لذات البينن أو غاز فلا يقطع لاستحقاقه في المالن وإن لم يكن له فيه حق قطع، لانتفاء الشبهة.

المالكية قالوا: إن سرق من بيت المال مقدار نصاب، فإنه يقطع لأنه يقطع لأنه مال محرز ولا حق له فيه، وكذا الغنيمة بعد حوزها إن كثر الجيش أو قل واخذ فوق حقه نصاباً، وقيل: يقطع مطلقاً إن سرق من الغنيمة. الحنابلة قالوا: لا يقطع السارق من بيت المال، لأنه مال العامة، وهو منهم.

سرقة الخيمة

الشافعية قالوا: الخيمة إن كانت مضروبة بين العمائر فهي كمتاع بين يديه في السوق، وإن

ص: 165

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كانت في الصحراء، وبم تشد أطنابها، وترخى أذيالها، فهي وما فيها كمتاع بصحراء، وإن شدت أطنابها، وأرخيت أذيالها، فهي حرز لما فيها، بشرط أن يوجد حافظ قوي، لو كان قائماً فيها، أو بقربها، فلو لم يكن فيها ولا بقربها احد، أو كان وهو ضعيف وبعيد عن الغوث، فليس حرزاً، فمن سرق منها متاعاً فلا يقطع. المالكية قالوا: الخيمة المنصوبة في سفر، أو حضر كا فيه أهله، أم لا فإنها حرز لما فيها، وحرز لنفسه أيضاً، فإذا أخذ شيئاً منها، أو أخذها هي، وكان المأخوذ يساوي نصاباً قطعت يد السارق.

الحنفية قالوا: الخيمة إذا كانت مضروبة وسرق منها شيئاً قطع، ولو سرقها لا يقطع لأنها ليست محرزة، بل ما فيها محرز بها.

سرقة الكعبة المشرفة

المالكية قالوا: من سرق شيئاً من داخل الكعبة المشرفة، فأن كان في وقت أذن له بالدخول فيه لم يقطع، لأنه لا حرز في حقه، وإلا قطع أن أخرجه لمحل الطواف، ومما فيه القطع ما عليها، وما علق بالمقام، ونحو الرصاص المسمر في الأطين. أفاده في حاشية الأصل. اهـ.

الشافعية قالوا: يقطع من سرق ستر الكعبة إن خيط عليها لآنه حينئذ محرز.

الحنابلة قالوا: إن من سرق شيئاً من أتار الكعبة، أو من داخلها وكان يساوي ثمنه نصاباً فإنه يجب عليه القطع، لأنه انتهك حرمة بيت الله تعالى فدل ذلك على ضعف إيمانه وعدم معرفته بعظمة حرمة الكعبة المشرفة، ونستبها إلى الله تعالى، فيجب أن يشدد عليه ويقطع بسرقته.

الحنفية قالوا: من سرق من أستار الكعبة ما يبلغ ثمنه مثدار نصاب فلا يجب عليه القطع، لأنه لا مالك له، ولأنه ريما قصد بها التبرك. وقيل: إن القطع في سرقة ستارة الكعبية على الخواص الذين قوي إيمانهم، وعرفوا عظمة حرمة بيت الله الحرام، ونسبة الكعبة إلى رب العزة تبارك وتعالى، لما ورد في الحديث من تغليظ العقوبة على السارق في الحرم، أما رعاع الناس وعوامهم الذين غلظ حجابهم وجهلوا كونهم في حضرة الله تعالى، وغابوا عن تتضيمها، فإنهم يعزرون، ولا يقطعون بسرقة بعض أستارها.

سرقة المسجد

الحنفية قالوا: لا يجب القطع في سرقة أبواب المسجد لعدم الحرز، لأنه باد للغادي والرائح ولا حافظ عنده. ولا قطع أيضاً بسرقة متاع المسجد كحصره، وقناديله، وشبابيكه، وبلاطه، وأستاره، لعدم وجود الحرز وإذا انتفى الحد.

ص: 166

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المالكية قالوا: المسجد حرز لبابه، وما فيه من البسط، والحصر، والقناديل حيث كانت تترك فيه فيقطع من سرقها إذا بلغ ثمنها نصاباً، ولا يشترط في قطع من سرق من المسجد أن يخرجه منه، بل ولو بإزالتها عن محلها إزالة بينة، وشمل بلاطه وسقفه. أما إذا كانت البسط تفرض نهاراً فقط، فتركت ليلة فسرق منها فلا قطع على سارقها.

الشافعية - قالوا: يقطع المسلم بسرقة باب المسجد، وجذعه، وتأزيره، وسواره، وسقوفه، وقناديله التي وضعت للزينة، لأن الباب للتحصين، والجذع ونحوه للعمارة ولعدم الشبهة في القناديل. ولا يقطع بسرقة حصره المعدة للاستعمال، وسائر ما يفرض فيه، ولا بسرقة قناديل تسرج فيه لن ذلك لمنفعة المسلمين فله فيه حق كمال بيت المال، وبلاط المسحد كحصره لا قطع فيها، أما حصر الزنة، والسجاجيد الغلية فيقطع بسرقتها، وكذلك ستر المنبر إن خيط عليه أما الذمي إذا سرق من المسجد فيقطع بكل ما ذكر لعدم وجود الشبهة.

من شق الجيب أو الكم

الحنفية قالوا: من شق صرة للنقود، أو الهميان أو الجيب، والمراد الموضع المشدود فيه دراهم من الكم وأخذ الدراهم لم يقطع، وإن أدخل يده في الكم قطه لأنه في الحالة الأولى الرباط من خارج فبالشق يتحقق الخذ من خرج فلا يوجد هتك الحرز وهو الكم. ولو حل الرباط ثم اخذ المال فإذا كان الرباط من خارج يقطع، وإن كان من داخل الكم لا يقطع لآنه اخذها من خارج الكم.

المالكية، والشافعية، والحنابلة، وأبو يوسف - قالوا: يقطع على كل حال، لأن في صورة أخذه من خارج الكم، إن لم يكن محرزاً بالكم، فهو محرز بصاحبه، وإذا كان محرزاً بصاحبه، وهو نائم إلى جنبه، فلأن يكون محرزاً به وهو يظان، والمال يلاصق بدنه أولى فيقطع. وقد رد الحنفية عليهم: بأن الحرز هنا ليس إلا الكم لن صاحب المال يعتمد الكم أو الجيب لا قيام نفسه، فصار الكم كالصندوق، وهذا لن المشقوق كمه، أو جيبه أما في حال المشي أو في غيره، فمقصوده في الأول ليس إلا قطع المسافة لا حفظ المال.

وإن كان الثاني فمقصوده الاستراحة عن حفظ المال، وهو شغل قلبه بمراقبته، فإنه متعب للنفس فيربطه ليريح نفسه، فإنما اعتمد الربط، والمقصود هو المعتبر في هذا الباب، ألا ترى أن من شق جوالقاً على جمل يسير، فأخذ ما فيه قطه، لن صاحب المال اعتمد الجوالق، فكان السارق منه هاتكاً للحرز فيقطه، ولو أخذ الجوالق بما فيه لا يقطع، لأن الجوالق في مثل هذا حرز، لأنه يقصد بوضع المتعة فيه صيانتها من السرقة، كالكم والجيب، فوجد الأخذ من الحرز فيقطع. وكذلك من ثقب وعاء حنطةن أو وعاء زيت، فانصب مقدار نصاب قطع به، لأنه سرق منها، وان شق الحمل وأخذ منع قطع، خصوصاً في هذا الزمن الذي كثرت فيث سرقة الجيوب والنقود. اهـ.

ص: 167

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ويلغز العلماء بذلك فيقال: (شخص قطع بسرقة ولم يدخل حرزاً، ولم يأخذ منه مالاً) وهو الذي شق الكم أو الجيب أو الوعاء واخذ منه المال.

سرقة القطار

الحنفية قالوا: إن سرق من القطار وهو الإبل التي تقطر في السفر على نسق واحد فإن سرق من هذا القطار بعيراً، أو حملاً لم يقطع، لأنه ليس بحرز مقصود، فتتمكن فيه شبهة العدم، وهذا لن السائق، والراكب، والقائج، إنما يقصدون قطع المسافة، ونقل الأمتعة دون الحفظ، حتى لو كان مع الأحمال من يتعها بسلاحه للحفظ. قالوا: يقطع من سرق منها، وإن شق الحمل وأخذ منه قطع.

والشافعية، والمالكية، والحنابلة، - قالوا: القطار من الإبل أو البغال، يشد زمام بعضها خلف بعض على نسق واحد فتصير مقطورة يقودها قائد، ويشترط في إحرازها التفات قائدها، أو راكب أولها إليها كل ساعة، بحيث يراها جميعاً، لآنها تعد محرزة بذلك، وغن كان يسوقها سائق فمحرزة إن انتهى نظره اليها، وفي معناه الراكب لآخرها. فإن كان لا يرى البعض لحائل جبل، أو بناء فذلك البعض غير محرزن فإن ركب غير الأول والآخر فهو لما بين يديه كسائق، ولما في خلف كقائد، وقد يستغني بنظرة المارة عن نظره إن كان يسير في طريق عام أو سوق، ويشترط بلوغ الصوت لآخرها، كما يشترط أن لا يزيد قطار على تسعة، إذا كان القطار كذلك قطع سارقها، أما إذا كانت الإبل غير مقظورة كأن كانت تساق مفرقة فهي ليست محرزة في الأصح اهـ.

السرقة من الأقارب

الحنفية قالوا: من سرق من ابويه، وإن عليا، لا يقطع، لأنها في العادة تكون معها البسوطة في المال، والإذن في الدخول في الحرز، حتى يعد كل منهما بمنزلة الآخر. ولقوة حنان الأبوين على البناء وعطفهما عليهم، ولذا منعت شهادته شرعاً. وأما سرقة الب من مال الابن فلقوله صولات الله وسلامه عليه للولج:(أنت ومالك لأبيك) . وأما ذوو الأرحام وهم الخ، والأخت، والعم، والعمة، والخال، والخالة، فللإذن في الدخول في الحرز، فقد ألحقوا بقرابة الأولاد، لأن الشرع ألحقهم بهم في إثبات الحرمة وافتراض الوصل. ففي الحديث القدسي:(قال الله عز وجل أنا الله، وأنا الرحمن خلقت الرحم، وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته) . ولهذا ألحقناهم بالأولاد في عدم القطع بالسرقة، ووجوب النفقة، ولأن الأذن بين هؤلاء إثبات الحرمة وافتراض الوصل. ففي النظر منها إلى مواضع الزينة الطاهرة والباطنة، كالعضد للدملوج، والصدر للقلادة، والساق للخلخال. وما ذاك إلا للزوم الحرج لو وجب سترها عنه، مع كثرة الدخول عليها، وهي مزاولة الأعمال وعدم احتشام أحدهما من الآخر، وايضاً فهذه الرحم المحرمة يفترض وصلها، ويحرم قطعها، وبالقطع يحصل القطعها؟؟، وبالقطع يحصل القطع، فوجب صونها بدرء القطع.

ص: 168

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومما يدل على نقصان الحرز فيها قوله تعالى: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكمن أو بيوت آبائكم، أبو بيوت أمهاتكم أو بيوت غخوانكم، أو بيوت أخواتكم، أو بيوت أعمامكم، أو بيوت عماتكم، أو بيوت أخوالكم، أو بيوت خالاتكم، أو ما ملكتم مفاتحه أوصديقكم} ورفع الجناح عن الكل من بيوت الأعمام أو العمات مطلقاً يؤنس إطلاق الدخول، ولو سلم فإطلاق الأكل مطلقاً يمنع قطع القريب.

قالوا: ولو سرق من بيت ذي الرحم المحرم متاع غيره لا يقطع، ولو سرق مال ذي الرحم المحرم من بيت غيره يقطع اعتباراً للحرز وعدمه. ولو سرق من أبويه وإخوته من الرضاع، لن الرضاع قلما يشتهر فلا بسوططة في الدخول من غير استئذان تحرزاً عن موقف التهمة، بخلاف القرابة من النسب فإنه يشتهر ويعرف.

المالكية قالوا: إذا سرق الأبوان أو الأجداد من أولادهما وأولاد اولادهما فلا قطع على واحد منهم. أما إذا سرق الفروع من الصول فإنه يقطع، لأنه لا حق للولد في مال والديه، ولذا يحد بالزنا بجاريتهما ويقتل بقتلهما، أما باقي القرابات من ذوي الرحام فيجب القطع على سرقة أواملهم من غير خلاف بينهم اهـ.

الشافعية قالوا: من شورط المسروق عدم شبهة فيه لحديث (ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم) سواء في ذلك شبهة الملك كمن سرق مشتركاً بينه وبين غيره، أو شبهة الفاعل كمن أخذ مالاً على صورة السرقة بظن أنه ملكه، أو ملك أصله، أو فرعه، أو شبهة المحل كسرقة الابن مال أصوله، أو احد الصول مال فرعه، فلا قطع بسرقة مال أصل للسارق وإن علا، وسرقة فرع له ،إن سفل، لما بينهما من الاتحاد، وإن اختلفت دينهما، ولن مال كل منهما مرصد لحاجة الآخر، ومنها أن لا تقطع يده بسرقة ذلك المالن بخلاف سائر القارب، من ذوي الرحام وغيرهم، فإنه يقطع بالسرقة منهم، فقد ألحقهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى بالقرابة البعيدة، فيقطع.

الحنابلة قالوا: لا يقطع الوالدون، وإن علوا فيما سرقوه من أموال أولادهم، ولا يقطع الولد إذا سرق من مال أبويه، ووجه الولد غلبة رحمة الوالد على ولده عادة، حتى أنه لم يحصل أن والداً سعى في قطع ولده الذي سرق من ماله ابداً والحدود في الغالب إنما تقام تخليصاً لحقوق العباد من بعضهم بعضاً، والثاني لأن الولد وما ملكت يداه ملك لوالديه، استيفاء لما لهما من الحقوق، إذ إن حقهما بعد حق الله تعالى:{واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً} . أما الأقارب من ذوي الأرحام فيقطع من سرق من أموالهم، لأنهم ألحقوا بغيرهم من سائر الناس.

سرقة الزوجين من الآخر

الحنفية قالوا: إذا سرق احد الزوجين من الآخر فلا يقطع واحد منهما سواء سرق من بيت خاص لأحدهما، أو من بيت يسكنان فيه جميعاً، لن كلاً من الزوجين متحد مع صاحبه كأنه هو، ولتبادل المنافع بينهما، ووجود الإذن في الدخول، فاختل الحرز بينهما، ولأن بينهما بسوطة في الأموال

ص: 169