الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبحث حرص الشريعة على محو الرذائل الخلقية
-لأن الشريعة الإسلامية حريصة على محو الرذائل الخلقية، والضرب على أيدي العابثين بالأخلاق؛ التي عليها قوام الأمم، وسعادتها. حريصة على كرامة الناس، وأنسابهم، فلم يبق أمام الأمة إلا أن تمسك بالصيانة، والحياء، ولا تجاهر بالفواحش، وإلا أوشك الله أن سلط عليها من لا يرحمها (1)
وقال أهل السنة: إن الآية دالة على بطلان قول من يقول: إن وقوع الزنا يفسد النكاح. وذلك لأنه يجب إذا رماها بالزنا أن يكون قوله هذا كأنه معترف بفساد النكاح حتى يكون سبيله سبيل من يقر بأنها أخته من الرضاع، أو بأنها كافرة، ولو كان كذلك لوجب أن تقع الفرقة بنفس الرمي، من قبل اللعان، وقد ثبت بالإجماع فساد ذلك الرأي.
رأي المعتزلة
المعتزلة - قالوا: دلت آية اللعان على أن القاذف مستحق للعن الله تعالى إذا كان كاذبا، وأنه قد فسق، وكذلك الزاني والزانية، يستحقان غضب الله تعالى وعقابه، وإلا لم يحسن منهما أن يلعنا أنفسهما. كما لا يجوز أن يدعو أحد ربه أن يلعن الأطفال، والمجانين، وإذا صح ذلك فقد استحق العقاب، والعقاب يكون دائما كالثواب، ولا يجتمعان، فثوابهما أيضا محبط، فلا يجوز إذا لم يتوبا أن يدخلا الجنة، لأن الأمة مجمعة على أن من دخل الجنة من المكلفين فهو مثاب على طاعاته، وذلك يدل على خلود الفساق في نار جهنم.
الأئمة - قالوا: لا نسلم أنه كونه مغضوبا عليه بفسقه يتأتى كونه مرضيا عنه لجهة إيمانه، ثم لو سلمناه، لم نسلم أن الجنة لا يدخلها إلا مستحق الثواب، والإجماع ممنوع، وقيل: إنما خصت الملاعنة بأن تخمس بغضب الله تغليظا عليها لأنها هي أصل الفجور ومنبعه بخيلائها وأطماعها، ولذلك كانت في مقدمة آية الجلد) .
-
(1)
لقد نهى الشارع الحكيم عن الزنا ونفر من النكاح الحرام وجعله من الذنوب التي تحبط الأعمال وتدخل فاعلها النار فقال تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً، وساء سبيلاً} الآية 22 من النساء.
وقال تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق إثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة، ويخلد فيه مهاناً} فقد قرنه الله تعالى بالشرك وقتل النفس التي حرم الله وهما من أفحش الذنوب وأكبر الكبائر التي حرمها الله تعالى، فدل ذلك على عظم حرمة الزنا، وأنه من أعظم الذنوب وأفحشها، حيث عقب الله تعالى على ذكر هذا الذنب، بأن فاعله يرتكب إثماً عظيماً، ويضاعف الله له العذاب في نار جهنم، ويمكث فيه مدة طويلة محتقراً مهاناً كأنه مخلد فيها. وقال الله تعالى:{قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن} .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الآية 33 من سورة الأعراف. وقال تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل منهما مائة جلدة، ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وحرم ذلك على المؤمنين} آية 2 و 3 من سورة النور.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس، والتارك لدينه، والمفارق للجماعة) . رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي رحمهم الله تعالى.
وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا بغايا العرب! يا بغايا العرب، إن أخوف عليكم الزنا، والشهوة الخفية) رواه الطبراني.
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان، فكان عليه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه الإيمان) رواه أبو داود واللفظ له.
وفي رواية للبيهقي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء، فإذا زنى العبد نزع منه سربال الإيمان، فإن تاب رد عليه) .
وروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم، شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر!) رواه مسلم والنسائي، - ورواه الطبراني في الأوسط ولفظه:(لا ينظر الله يوم القيامة إلى الشيخ الزاني، ولا العجوز الزانية) .
وروي عن بريدة رضي الله عنه عن النبّي صلى الله عليه وسلم قال: (إن السموات السبع، والأرضيين السبع ليلعن الشيخ الزانين وإن فروج الزناة ليؤذي أهل لنار نتن ريحها) رواه البزار.
حد العبد
اتفق الأئمة الأربعة، رحمهم الله تعالى: على أن العبد والأئمة إذا زنيا، فلا يكمل حدهما، وأن حد كل واحد منهما خمسون جلدة، وأنه لا فرق بين الذكر والأنثى منهم.
واتفقوا على أنهما لا يرجمان وإن أحصنا، بل يجلدان، لأنهم اشترطوا في شروط الإحصان الحرية، فإن العبد ليس بمحصن، وإن كان متزوجاً، واحتجوا على ذلك بقوله تعالى {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) والحد لا يمكن أن ينصف.
الشافعية، والمالكية - قالوا: إن الرقيق إذا زنى يجلد خمسين جلدة، ويغرب نصف سنة، لما روي عن النبّي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا زنت أمة أحدكما فتبين زناها، فليجلها الحد، ولا يثرب عليها - أي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لا يوبخها - ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فلبيعها، ولو بحبل من شعر) رواه الخمسة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
وروي عن عبد الله بن أحمد في المسند، عن أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه. قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمة سوداء زنت لأجلدها الحد، قال: فوجدتها في دمها، فأتيت النبّي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال لي: إذا تعالت من نفاسها فاجلدها خمسين) .
وروي عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال: (أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد المارة خمسين خمسين في الزنا) رواه الإمام مالك في كاتبه الموطأ.
فالذكر من العبيد إذا زنى يجلد مائة جلدة، والأمة إذا ثبت عليها الزنا تجلد خمسين جلدة. واحتج الأئمة الأربعة على أن الأمة غير المتزوجة يقام عليها الحد بحديث أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنهم (أن النبّي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة زنت، ولم تحصن فقال: (إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو يضفير - أي بحبل مضفور - قال أبن شهاب: لا أدري أبعد الثالثة، أو الرابعة، متفق عليه) .
وقال أبن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير: إن العبد والأمة إذا لم يحصنا فلا يقام عليهما الحد وإنما يجب عليهما التعزير بحسب ما يرى الحاكم وإذا أحصنا فحدهما خمسون جلدة بالتساوي. وسبب اختلافهم - الاشتراط الذي في اسم الإحصان في قوله تعالى: {فإذا أحصن} فمن فهم من الإحصان التزوج والإسلام وقال بدليل الخطاب قال لا يجلد غير المتزوجة، ومن فهم من لفظ الإحصان الإسلام، جعله عاماً في المتزوجة، وغير المتزوجة وهو الرجح.
الحنفية، والمالكية، والحنابلة - قالوا: لا يجب التغريب في زنا العبد، والأمة، لأن العبد دنيء فلا يتأثر بالتغبير من الناس مثل الحر، ولا العار بعظم الشرف والنسب، والعبد مجرد منهما.
الشافعية - قالوا في أصح أقوالهم: أن العبد والأمة إذا ثبت الزنا على واحد منهما يغرب نصف عام، لأنه على النصف من الحر، في كثير من الأحكام.
حق السيد في إقامة الحد على عبيده
الشافعية، والمالكية، والحنابلة - قالوا: للسيد أن يقيم الحد على عبده وأمته إذا قامت البينة عنده، أو أقر بين يديه، لا فرق في ذلك بين الزنان والقذف، وشرب الخمر، وغير ذلك. لن العبد معدود من مال السيد فله تفويت المنفعة فيه على نفسه. إيثاراً لحق الله تعالى.
المالكية في بعض آرائهم، والحنابلة - قالوا: يستثنى من ذلك حد السرقة، فلا يجوز للسيد أن يقطع في حد
السرقة بدون إذن الإمام أو نائبه.
الحنفية - قالوا: ليس للسيد إقامة الحد على إمائه في كل الأحول التي يجب فيها الحد بل يجب أن يرده إلى الإمام، لأن إقامة الحدود بالأصالة من منصب الإمام الأعظم ومن خصوصياته، وإنما جعل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الشارع إقامة الحدود إلى الإمام الأعظم، أو نائبه، دون كل من قدر على إقامتها من المتغلبة ونحوهم، دفعاً للفساد في الأرض، وعدم إشاعة الفوضى في المجتمع، لغلبة عدم قدرة الرعية على رد نفوسهم عن تنفيذ غضبهم في بعضهم بعضاً حمية جاهلية، لا نصرة للإسلام ولا شريعة بخلاف الإمام الأعظم، فإنه ليس له غرض عند أحد دون أحد في غالب الأحوال لقوة إرادته. ولأنه يقدر على تنفيذ حكمه في غيره، ولا عكس، فإذا قتل الإمام شخصاً في حد، ولو ظلماً فلا يقدر عصبته أن يقتلوا الإمام لأجله عادة، لأنه متحصن بالقانون، ولأن قوة الجند والشرطة في يده.
حد الذمي
الشافعية، والحنابلة - قالوا: إذا زنى الذمي يقام عليه الحد مثل المسلم.
المالكية - قالوا: لا يقام الحد عليه لأنه غير محصن، لأن الإحصان شرف يختص به المسلم فقط.
حد اليهودي
الشافعية والحنابلة - قالوا: يقام الحد على اليهودي كغيره من النصارى والذميين والمستأمنين وذلك لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة خصوصاً إذا رفعت دعواهم إلينا، ولأن إقامة الحد يخفف عنهم العذاب يوم القيامة، ولأن السنة أثبتت أن النبّي صلى الله عليه وسلم قد أقام حد الزنا على اليهودي واليهودية التي رفع يهود المدينة أمرهما إليه صلوات الله وسلامه عليه. فقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أن اليهود أتوا النبّي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة منهم قد زنيا، فقال: ما تجدون في كتابكم؟ قالوا: تسخم وجوههما - أي تسود - ويخزيان. قال: كذبتم: (إن فيهما الرجم فأتوا التوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) فجاؤوا بالتوراة، وجاؤوا بقارئ لهم فقرأ حتى إذا انتهى إلى موضع منها وضع يده عليه، فقيل له: ارفع يدك فرفع يده فإذا هي تلوح فقال، أو قالوا: يا محمد إن فيها الرجم ولكننا كنا نتكاتم بيننا فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، قال: فلقد رأيته يجنأ عليها ويقيها الحجارة بنفسه) ومعنى يجيأ (ينحني) .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم ورجلاً من اليهود وامرأة) .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (مر على النبّي صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال: أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك بحد الرجم، ولكن كثر في أشرافنا، وكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحريم والجلد مكان الرجم. فقال النبّي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أول من أحيا أمك إذ أماتوه)، فأمر به فرجم فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا: آمنا بأفواههم إلى قوله:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إن أوتيتم هذا فخذوه} يقولون: ائتوا محمداً فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل الله تبارك وتعالى:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} وقلوه تعالى:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} قال: هي في الكفار كلهم رواه أحمد مسلم، وأبو داود، فهذه الحاديث تدل على أنه يحد الذمي كما يحد المسلم.
الحنفية والمالكية - قالوا: لا يقام الحد على اليهودي، ولا المسيحي، ولا الذمي، ولا المستأمن لأنهم اشترطوا في الإحصان، الإسلام فغير المسلم لأي يكون محصناً فلا يرجم وإنما يجلد ولأن الرجم تطهير من الذنب والذمي وغير المسلم ليس من أهل التطهير، بل لا يطهر أبداً إلا بحرقه بنار جهنم، ولأنه ليس مخاطباً بفروع الشريعة، بل هم مخاطبون بأصولها أولاً وقبل كل شيء وما روي من حديث أبن عمر مرفوعاً، وموقوفاً (من أشرك بالله فليس بمحصن) ورجح الدر قطني وغيره الوقوف، وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده على الوجهين.
وقد أجاب الحنفية، والمالكية، عن الحاديث التي تدل على جواز رجم غير المسلم، بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمضى حكم التوراة على أهلها، ولم يحكم عليهم بحكم الإسلام. وقد كان ذلك عند مقدمة المدينة، وكان إذ ذاك مأموراً بأتباع حكم التوراة ثم نسخ ذلك الحكم بقوله تعالى:{واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} فقد شرع الله هذا الحكم الوارد في الآية الشريفة بالنسبة إلى نساء المسلمين فقط.
قال الشوكاني: - ولا يخفى ما في هذا الجواب من التعسف، ونصب فعله في مقابلة أحاديث الباب من الغرائب، وكونه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك عند معدمه المدينة لا ينافي ثبوت الرعية، فإن هذا حكم شرعه الله لهل الكتاب، وقرره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا طريق لنا إلى ثبوت الحكام التي توافق أحكام الإسلام إلا بمثل هذا الطريق، ولم يتعقب ذلك في شرعنا ما يبطله، ولا سيما وهو مأمور بأن يحكم بينهم بما أنزل الله ومنهي عن اتباع أهوائهم كما صرح بذلك القرآن الكريم. وقد أوه صلى الله عليه وسلم، يسألونه عن الحكم، ولم يأتوه ليعرفهم شرعهم فحكم بينهم بشرعه ونبههم على أن ذلك ثابت في شرعهم كثبوته في شرعه، ولا يجوز أن يقال: إنه حكم بينهم بشرعهم مع مخالفته لشرعه، لأن الحكم منه عليهم بما هو منسوخ عنده لا يجوز على مثله، وإنما أراد إلزامهم الحجة.
غيرة المسلم على عرضه
إن الإسلام قد حارب الزنا من أول وهلة فدعا الناس إلى العفاف والتمسك بالطهر والفضيلة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عفوا تعف نساؤكم) ورغب في التزوج بالنساء المصونات الصالحات العفيفات الحافظات لفروجهن فقال تعالى: {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله} وقال تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات} وقال صلى الله عليه وسلم: (خير النساء الودود الولود التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنه حفظتك في مالك وعرضها) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ولما ظهرت حادثة الإفك واتهم الناس السيدة عائشة رضي الله عنها وهي الطاهرة البريئة أنزل الله تبارك وتعالى براءتها في الفران الكريم ودافع عنها بخمسة عشرة آية في سورة النور حتى يطهر ساحتها ويظهر للعالم براءتها من هذه الفاحشة المنكرة، ودافع الله عز وجل عن السيدة مريم أم سيدنا عيسى من تهمة الزنا في عدة آيات من كتاب الله تعالى:{ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها} وقال تعالى: {والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا} وقال تعالى: {يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين} ودافع الله تعالى عن التهمة التي قالها بنو إسرائيل على سيدنا موسى فقال تعالى: {فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً} حتى تظل ساحتها طاهرة وشرفه محفوظاً أمام قومه.
وقد نهى النبّي صلى الله عليه وسلم عن السكوت عن المنكر إذا علم به المرء في زوجته أو أهل بيته أو شك في سلوكهن فإن السكوت على المنكر من أفظع الأمور التي تضيع كرامة المرء في الدنيا وتوجب العقاب الشديد في الآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة ديوث) والديوث هو الذي انعدمت شهامته وغيرته على عرضه فأصبح لا يبالي بمن يدخل على أهل بيته ومن يخرج ولا يهمه سلوك نسائه وبناته بك يسكت على المهانة ويرضى بالدون ويقر الخطيئة في أهله فهذا من أبغض الناس عند الله يوم القيامة ولن تنفعه عبادة، ولا طاعة ولا قربة يتقرب بها إلى الله ما دام فيه هذا الداء الخطير.
روى الإمام أحمد واللفظ له والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة، مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث الذي يقر في آهل الخبث) . وروى الطبراني بسند صحيح قال الحافظ المنذذري: لا أعلم فيه مجرحاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر قالوا: يا رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث؟ قال: الذي لا يبالي بمن يدخل على أهله. قيل: فما الرجلة من النساء؟ قال: التي تشبه بالرجال) .
كل هذه القضايا التي ذكرناها في هذا الباب والتي تركناها ولم نذكرها خوفاً من الإطالة والملل لنقيم الدليل على أن جريمة الزنا من أفحش الأمور ومن أخطر الجرائم على الأفراد والأسر والجماعات، وعلى أنها سبب في ضياع الأموال وانتشار الخمور وقتل الأنفس وفساد المجتمع، وأنها توقع العداوة والبغضاء بين صفوف المؤمنين وتوهن من قوتهم وتضعف من عزيمتهم وتسلبهم العزة والكرامة والمروءة أركانه، فلا تتعجب من اهتمام الشارع بهذه الجناية وتحريم مقدماتها من النظرة المريبة ولمس المرأة الأجنبية وسماع صوتها، والخلوة بها وغير ذلك حتى يسد الباب عن الوقوع في الزنا.
ولا تتعجب من سن الشارع هذا الحد الرادع من جلد مائة جلدة، وضرب المحصن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بالحجارة حتى يموت، وعدم الشفقة والرحمة بهم، وتشريع اللعان وتحريم القذف، وإقامة الحد على القاذف، حتى تحفظ على الناس أعراضهم ويبقى المجتمع في أمن وسلام وسعادة واطمئنان، ولا تنس أن أول جناية قتل حصلت في الوجود بعد أن خلق الله الأرض وعمرها سيدنا آدم إنما هي من جراء شهوة الفرج ومن أجل النساء وهي قضية قابيل وهابيل.
فائدة
قال الله تعالى: {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} قال المفسرون: يحتمل أن يكون المراد أن لا تأخذكم رأفة بأن يعطل الحد أو ينقص منه، والمعنى لا تعطلوا حدود الله، ولا تتركوا إقامتها للشفقة والرحمة، وهذا قول مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير.
وقيل: يحتمل أن لا تأخذكم رأفة بأن يخفف الجلد، ويحتمل كلا الأمرين، والأول أولى لأن الذي تقدم ذكره في الآية الشريفة، الأمر بنفس الجلد، ولم يذكر صفته، فما يعقبه يجب أن يكون راجعاً إليه، وكفى برسول الله أسوة في ذلك حيث قال:(لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها) . ونبه بقوله: (في دين الله) على أن الدين إذا أوجب أمراً لم يصح استعمال الرأفة في خلافه.
وأما قوله تعالى: {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} فهو من باب التهييج والتهاب الغضب لله تعالى ولدينه. قال الجبائي تقدير الآية: {إن كنتم مؤمنين فلا تتركوا إقامة الحدود} وهذا يدل على أن الاشتغال بأداء الوجبات من الإيمان بخلاف ما تقوله المرجئة. والجواب عليهم: أن الرأفة لا تحصل إلا إذا حكم الإنسان بطبعه أن الأولى أن لا تقام تلك الحدود - كما ظن بعض الجهلة - وحينئذ يكون منكراً للدين فيخرج عن الإيمان بهذا الفهم الخاطىء، ورد في الحديث (يؤتى بوال نقص من الحد سوطاً، فيقال له: لم فعلت ذاك؟ فيقول: رحمة لعبادك، فيقال له: أنت أرحم بهم مني، فيؤمر به إلى النار، ويؤتى بمن زاد سوطاً، فيقال له: لم فعلت ذلك؟ فيقول: لينتهوا عن معاصيك، فيقول أنت أحكم بهم مني، فيؤمر به إلى النار) .
وجوب الستر على من وقع في هذه الجريمة
اتفقت كلمة العلماء على أن الجريمة التي لم يصل خبرها إلى الحاكم، لا يقام من أجلها حد، وأن الجريمة التي علم بها الحاكم، ولم تثبت لديه بالإقرار، او بشهادة الشهود لا يقام الحد عليها، لما روي عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت راجماً أحداً بغير بينة رجمت فلانة، فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها، ومن يدخل عليها) رواه أبن ماجة، ومعنى (ظهر منها الريبة) أي أنها كانت تعلن بالفاحشة، ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة أو إقرار.
وفي قصة هلال بن أمية حين لاعن زوجته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أتت به على الصفة الفلانية فهو لشريك بن السحماء، وإن أتت به على الصفة الفلانية، فهو لزوجها هلال بن أمية) ولما أتت بالولد على الوجه المكروه قال صلى الله عليه وسلم: (لولا الإيمان لكان لي ولها شأن) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
واتفقت كلمة الأئمة على أن من أقر بحد من الحدود أمام الحاكم، ولم يفسرهن فلا يطالب بتفسيره وبيانه ولا يقام عليه الحد، إن لم يثبت ويتعين، لما روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال:(كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حداً فأقمه علي، فلم يسأله، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم قام إليه الرجل، فقال: يا رسول الله إني أصبت حداً، فأقم في كتاب الله قال: أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم. قال فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو حدك) قال النووي في شرح مسلم، هذا الحديث معنا أنه فعل معصية من المعاصي الموجبة للتعذير، وهي هنا من الصغائر لأنها كفرتها الصلاة، ولو أنها موجبة لحد أو غيره لم تسقط بالصلاة، فقد أجمع العلماء على أن المعاصي الوجبة للحدود، لا تسقط حدودها بالصلاة. وحكى القاضي عياض عن بعضهم أن المراد الحد المعروف قال: وإنما لم يحده لأنه لمس يفسر موجب الحد ولم يستفسره النبي صلى الله عليه وسلم إيثاراً للستر، بل استحب تلقين الرجل صريحاً.
لأن الإسلام أمر بالستر على الأعراض حتى لا تشيع الفاحشة بين المجتمع لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من ستر عورة مسلم، ستر الله عورته يوم القيامة) وقال: (من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا مؤودة) رواه أبو داود. وقد جاء ماعز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده بالزنا، واعترف بجنايته فرده النبي (أربع مرات عسى أن يتوب، ويستر نفسه، ولا يرجع إليه) .
وروي عن سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه أنه قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أسلم يقال له: هزال - وقد جاء يشكو رجلا، بالزنا - وذلك قبل نزول حج القذف -:(يا هزال لو سترته بردائك كان خيراً لك) وذلك كناية عن عدم إذاعة هذه الفاحشة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة) .
أخرج الحاكم والبيهقي في صحيحيهما: أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه، ارتحل من المدينة المنورة إلى عقبة بن عامر - أمير مصر - في ذلك الوقت، فخرج إليه فعانقه، ثم قال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ قال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ستر مؤمناً في الدنيا على عورة ستره الله يوم القيامة) فقال له أبو أيوب: صدقت، ثم قفل راجعاً إلى المدينة. والشاهد إذا رأى الجريمة بعينه فهو مخير في أداء الشهادة حسبة لله تعالى وغيرة على حدوده، ومحارمه أن تنتهك فقد ورد في الحديث الشريف (الحد يقام في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً) أو ترك الشهادة رغبة في الستر على أخيه الممن وعدم إشاعة الفاحشة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(ومن ستر على أخيه المسلم ستر الله عليه في الآخرة) ولآن الله يحب الستر على عباده، ويكره إشاعة الفاحشة وفضيحة المسلمين، بل نفر من شيوع خبرها والحديث عنها، والميل إلى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إشاعتها، فقال تعالى:{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} .
ستر المسلم على نفسه
إن الإسلام قد أوجب على المسلم إذا وقع في ذنب من هذه الكبائر، أن يقلع عن الذنب ويتوب إلى الله تعالى، ويستر على نفسه، ولا يفضحها بالتحدث بالذنب أما الناس، والتجاهر بالمعصية. وقد روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال:(أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله تعالى) ذلك لأن المجاهرة بهذه الفاحشة تبجح في عصيان الله تعالى، واستهتار بمحارمه، وجليل على انهيار المجتمع وانحلالهن وضياع الحياء من أفراده، لأن المخطئ لابد أن يكون عنده بقية من حياء يمنعه من الإعلان عن خطئه بين الناس، وحجبه عن المجاهرة بذنبه في المجتمع الذي يعيش فيه، وخلع برقع الحياء مع الله عز وجل، فالإنسان إذا فقد الحياء من الله وأما الرأي العام كان خطراً على نفسه وعلى الناس جميعاً لأنه فقد أعز شيء لديه، ولن في المجاهرة بالمعصية إشاعة للفساد وتحرضاً عليه، وحملا، للغير على اقترافه، كالمريض الذي يخالط الصحيح، فلا شك أن يعديه وينقل أثر المرض إليه، ولهذا ندبنا الشارع الحكيم، وعلمنا رسوله الأمين صلوات الله وسلامه عله أن الواحد منا إذا وقع في معصية أن يكتم على الخبر، ويعتصم بالستر، ويطلب من الله المغفرة، ولا يحدث أحداً عما وقع منه، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من أتى من هذه القاذورات (المنكرات) فليستتر بستر الله عز وجل ، وقد شدد الإسلام النكير على المتجاهرين بالمعصية، وجعلهم من المحرومين من مغفرة الله وعفوه ورحمته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل العبد عملاً بالليل ثم يصبح وقد ستره الله تعالى فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، قد بات ستره الله عز وجلن ويصبح يكشف ستر الله عليه عنه) . أما أرباب الحياء والدب من الله تعالى الذين يتركون الذنوب ويكتمون على أنفسهم، ولا يحدثون الناس بهفواتهم ويندمون عما حدث منهم من المعاصي (إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه وستره من الناس وقرره بذنوبه فيقول أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم) رواه الإمام أحمد.
الحدود كفارات لأصحابها
اتفقت كلمة العلماء على أن الحدود كفارات لأربابها، لأن في إقامتها كسراً لشوكة الظالمين وإخافة لهل الشر والمفسدين، وحفظاً للمجتمع من الدمار، والهلاك، والفساد، والضياع لما روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار، إذا ظهر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التلاعن، وشربوا الخمر، ولبسوا الحرير، واتخذوا القيان، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء) رواه الترمذي، والبيهقي.
فإقامة الحدود على من وقع فيها تكفر ذنبهن وترفع عنه العقاب في الدار الآخرة، لأن الله تعالى لا يجمع على عبده عقابين على ذنب واجد، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شأن المرأة الغامدية التي وقعت في الزنا ثم ندمت واعترفت بين يديهن وأقيم الحد عليها (لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أنها جادت بنفسها لله تعالى) .
وكما روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه أقسم على ماعز بن مالك السلمي الذي أقر بالزنا وندم على ذنبه، وأقيم عليه الحد وجم بالحجارة، بأن الله غفر له ذنبهن وأدخله الجنة، وتاب عليه توبة صادقة، وان إقامة الحد عليه كان فارة له فقال صلى الله عليه وسلم لمن اعترض عليه (والذي نفس بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها) . وروى عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك، فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه، ،إن شاء عذبه) زاد في رواية (فبايعناه على ذلك) رواه الخمسة إلا أبا داود.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم (فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له) صريح في أن الحدود كفارة الذنوب. وجوابر للمحدود لا زاجرات فقط، وقد ورد في رواية للترمدذي رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة) قال الإمام الشافعي رحمه الله لم أسمع في الحدود حديثاً أبين من هذا، وقد روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال:(وما يدريك لعل الحدود نزلت كفارة للذنوب) فهذه الرواية تشبه الحديث السابق وتؤيده في معناه. فإقامة الحدود مطهرات للنفوس من الذنوب والخطايا، وللمجتمع من الفساد والضياع، وهذا هو رأي جمهور العلماء من السلف، وعليه الأئمة الأربعة رحمهم الله تبارك وتعالى وذهب بعضهم إلى أن الحدود زواجر فقط، وعليه العقاب يوم القيامة. ولكن الراجح هو الرأي الأول وهو اللائق بالكرم الإلهي، والفيض الرباني، وهو الذي أخبر به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
التحريم بالمصاهرة
الحنفية - قالوا: إن حرمة المصاهرة تثبت بواحد من الأمور الآتية وهي:
- 1 - العقد الصحيح
- 2 - الوطء الحلال
- 3 - الوطء بالنكاح الفاسد، وكذا الوطء بشبهة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
- 4 - اللمس بينهما بشهوة.
- 5 - النظر إلى بشهوة، ولا يثبت بالنظر إلى سائر الأعضاء، أو الشعر ولو بشهوة.
- 6 - وتثبت الحرمة بالزنا، أو اللمس، أو النظر بشهوة بدون نكاح، والمراد بالشهوة هو، يشتهي بقلبه، ويعرف ذلك بإقراره، وقيل: يصحب ذلك تحرك الآلة وانتشارها والدليل على ذلك ما روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: (من نظر إلى فرج امرأة لم تحل أمها ولا بنتها) وفي رواية (حرمت عليه أمها، وبنتها) . وبما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ملعون ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها) فمن زنا بامرأة أو وطئها بشبهة حرمت عليه أصولها، وفروعها، وتحرم الموطوءة على أصول الواطىء وفروعه، وكذلك اللمس بشهوة من الجانبين، والنظر إلى الفرج من الجانبين، والمعتبر إنما هو لنظر إلى فرجها الباطن، دون الظاهر، والأصل في ذلك قول الله تعالى:{ولاتنكحوا لما نكح آباؤكم من النساء} والحمل على الوطء أولى، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من نظر إلى فرج امرأة بشهوة، أو لمسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها، وحرمت على ابنه وأبيه) وحرمة ماء الزنا كحرمة الماء الحلال سواء بسواء في النكاح. المالكية - قالوا: إن الزنا بالبنت لا يحرم أمها على الزاني، كما أن الزنا في الأم لا يحرم بنتها عليه، والبنت المخلوقة من ماء الزنان لا تحرم على من خلقت من مائه، ولا على أصوله وفرعه، سواء كانت أمها المزني بها مطاوعة، أم كرهاً، وسواء تحقق الرجل أنها من مائه، أم لا، فهي أجنبية عنه، ولا حرمة لماء الزنا، ولكن يكره للزاني أن يتزوجها من باب الاحتياط فقط، وتحري الحلال في النكاح، وإنجاب الذرية الصالحة.
الحنابلة - قالوا: إن الوطء الحرام كالوطء الحلال كلاهما تثبت به حرمة المصاهرة، فمن زنى بامرأة حرمت على أبويه، وحرمت عليه أمها وبناتها، ولو وطئ أم امرأته حرمت عليه ابنتها، ووجب مفارقتا، وكذلك لو وطئ بنت زوجته حرمت عليه أمها (وهي زوجته) وقالوا: بحرمة نكاح الرجل ابنته من الزنا مثل الحنفية. روي أن رجلاً سأل النبي عن امرأة كان زنا بها في الجاهلية: أينكح الآن ابنتها؟ فقال: (لا أرى ذلك ولا يصلح لك أن تنكح امرأة تتطلع على ابنتها على ما اطلعت عليه منها) فقد حرم الرسول صلى الله عليه وسلم زواجها، وهذا نص في الباب
فالذكر من العبيد إذا زنى يجلد مائة جلدة، والأمة إذا ثبت عليها الزنا تجلد خمسين جلدة. واحتج الأئمة الأربعة على أن الأمة غير المتزوجة يقام عليها الحد بحديث أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنهم (أن النبّي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة زنت، ولم تحصن فقال: (إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو يضفير - أي بحبل مضفور - قال أبن شهاب: لا أدري أبعد الثالثة، أو الرابعة، متفق عليه) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أحكام بنت الزنا
قال العلماء: البنت المتولدة من الزنا أجنبية عن الزانين فلا ترثه إن مات قبلها، ولا تنسب إليه، ولا يجب عليه الإنفاق عليها، ولا يجوز له أن يختلي بها، ولا يملك عليها ولاية التزوج، أي لا يكون ولياً عليها، ولا يصح له أن يرثها إن ماتت قبله وتركت مالاً، فهي في المحرمات والميراث أجنبية عنه، وفي حكم الزواج والمصاهرة، قريبة منه، لا يصح زواجها ولا مصاهرتها، ولا نكاح أصولها وفروعها، ولا يصح لها أن تتزوج منه ولا من أصوله وفرعه، وذلك هو القول الراجح، وساء تأكد إنا من مائه، أو شك في ذلك ما دام قد زنى بأمها، وجاء الحمل بها في أثناء الاتصال بالزنا، فترجح كفة أنها خلقت من ماء الزنا.
أضرار الزنا
لقد لخص العلماء أضرار الزنا بعد فهم الآيات والأحاديث الواردة في هذا الشأن بما يأتي:
أولاً: أن الزنا يذهب نور الإيمان من قلب الزاني (حين يزني) ، ومات ولم يتب من ذنبه.
ثانياً: أن فاحشة الزنا اشد من القتل والسرقة وغيرهما، ولذلك أبيح قتل مرتكبها إن كان محصناً.
ثالثاً الزنا نذير الرعب والفزع - ولا يستجيب الله دعاء الزاني المدمن على الزنا.
رابعاً: تشتعل نار جهنم في وجهه يوم القيامة عقوبة له.
خامساً: يرمي الله الزاني في داخل فرن مشتعلة في وسط نار جهنم يصهر جسمه، ويحرق بدنه.
سادساً: رائحتهم في وسط نار جهنم تكون نتنة قذرة مثل المراحيض - حتى يتأذى منها أهل النار.
سابعاً: يمحو الله اسم الزاني من سجل الطاهرين الأبرار، ويطرد من حظيرة المؤمنين الخيار.
ثامناً: لا ينظر الله عز وجل يوم القيامة إلى الزناة نظرة رحمة ورضا، وإنما ينظر إليهم نظرة غضب.
تاسعاً: يحرم الله الجنة على الزاني الذي استحل الزنا ومرن عليهن واستمرأه ولم يتب منه، فلا يشم رائحة الجنة.
عاشراً: انتشار الزنا يسبب وجود ذرية فاسدة مخزية تؤذي المجتمع وتهدمه وتجلب له الدمار.
الحادي عشر: إذا ظهر الزنا في قرية فإن الله تعالى أنذرهم بالخراب والهلاك والدمار كما فعل بقوم لوط.
الثاني عشر: الزنا يكون سبباً في الفضيحة والعار في الدنيا والآخرة
الثالث عشر: الممتنع عن الزنا خوفاً من عذاب الله تعالى، يظلله الله في ظله يوم القيامة، ويعفو عنه ويسامحه، وينجيه من الأهوال.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الرابع عشر: البعد عن ارتكاب فاحشة الزنا، خشية من الله تعالى، يزيد في الرزق، ويجلب الخير، ويجعل في وجه المؤمن مهابة، وبهاء، ونوراً والله تعالى أعلم.
حكم المخنث
المخنث: هو الذي يشبه في كلامه النساء تكسراً وتعطفاً، أو الذي يتشبه بالنساء في ثيابهن وزينتهن، كما يفعل بعض الشبان في هذا العصر، من ترك الشعور، وإرخاء السوالف ولبس حلي النساء، وبعض ثيابهن، وترقيق أصواتهم في التحدث وغير ذلك، وقد اتفقت كلمة العلماء على أن المخنث يجب نفيه من بلاد المسلمين إلى مناطق نائية مسيرة قصر، عقاباً لهم حتى يشعر الواحد بالوحشة والحسرة لبعده عن أهله وقرناء السوء، فقد قال العلماء: لا ينفى إلا ثلاثة، بكر زان، ومخنث، ومحارب. أما إذا كان المخنث يؤتى من الخلف فإنه يحد رجماً بالحجارة حتى يموت. ولا ينفع فيه النفي إذا ثبت عليه، فقد روي عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء. وقال: أخرجوهم من بيوتكم واخرج فلاناً واخرج عمر بن الخطاب فلاناً رواه البخاري رحمه الله.
وأتي النبي صلى الله عليه وسلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال هذا؟ فقالوا يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى البقيع، قالوا: يا رسول الله ألا نقتله؟ قال: إن نهيت عن قتل المصلين) رواه أبو داود.
فقال العلماء: يجوز للإمام أن يعزر المخنث بما يراه رادعاً له وزاجراً عن الوقوع في الذنب ويجوز له نفيه إلى بلج لآخر مسيرة سفر، وذلك إذا لم يثبت عليه اللواطة باعتراف، أو شهادة شهود، كما ثبت في الحديث النبوي الشريف. وروي أن خالد بن الوليد، رضي الله عنه، كتب إلى أبي بكر أني وجت رجلاً في تبعض نواحي العرب ينكح كما تنكح المرأة، فجمع أبو بكر رضي الله عنه الصحابة رضوان الله عليهم وسألهم في هذا الشأن فكان من أشدهم في ذلك قولاً سيدنا على بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه. فقال: هذا ذنب لم يعص به إلا أمة واحدة، صنع الله بها ما علمتم، نرى أن نحرقه بالنار. فاجتمع رأي الصحابة على ذلك فأمر سيدنا أبو بكر خالد بن الوليد أن يحرقه بالنار، وذلك بعد رجمه وإقامة الحد عليه، وموته، لأن التحريق بالنار لا يجوز لمخلوق. والنبي صلى الله عليه وسلم حرم التعذيب بالنار حتى في الحيوان الأعجم. روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: (إن وجدتم فلاناً وفلاناً لرجلين من قريش سماهما، فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله ين أردنا الخروج: إن كنت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أمرتكم أن تحرقوا فلاناً، وفلاناً، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما) . رواه البخاري رحمه الله.
حكم نكاح الزانية
الحنفية، والشافعية - قالوا: إذا زنى رجل بامرأة يجوز له أن يتزوجها، بعد ذلك بعقد صحيح وذلك لآن ماء الزنا لا حرمة له، ولما روي أن رجلاً زنى بامرأة في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فجلدهما مائة جلدة، لأنهما كانا غير مصنين، ثم زوج أحدهما من الآخر، ونفاهما سنة، وروي مثل ذلك عن عمر، وأبن مسعود، وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم، وقال أبن عباس رضي الله عنهما في هذا الحكم: أوله سفاح، وآخره نكاح والنكاح مباح فلا يحرم السفاح النكاح، ذلك مثل رجل سرق من حائط ثمرة، ثم أتى صاحب البستان فاشترى منه ثمرة، فما سرق حرام، وما اشترى حلال.
المالكية - قالوا: إذا زنى الرجل بالمرأة فلا يصح له أن ينكحها حتى يستبرئها من مائه الفاسد، لأن النكاح له حرمة، ومن حرمته ألا يصب على ماء السفاح، فيختلط الحلال بالحرام ويمتزج ماء المهانة بما بماء العزة، ولأن الله تعالى يقول:{الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة} ثم قال {وحرم ذلك على المؤمنين} . وقد وري عن أبن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إذا زنى الرجل بالمرأة ثم نكحها بعد ذلك فهما زانيان أبداً) فإن الله تعالى يقول: {وأحل لكم ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} فأباح نكاح غير المسافحين وأبطل نكاح غيرهما. واتفقوا على أنه إذا عقد عليها، ولم يدخل بها حتى أستبراها من مائه الحرام فإن ذلك جائز، وروي عن عائشة رضي الله عنهما أنها سئلت عن رجل زنى بامرأة ثم تزوجا، فكرهته.
الحكم إذا زنت الزوجة أو الزوج
احتج جماعة من العلماء بقول الله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك} . فقالوا: من زنى فسد النكاح بينه وبين زوجته، وإذا زنت الزوجة فسد النكاح بينها وبين زوجها، ووجب عليه أن يفارقها. وقال بعضهم: لا يفسد النكاح بذل ولا ينفسخ العقد بالزنى من أحدهما ولكن يؤمر الرجل بطلاقها إذا وقعت الزوجة في الزنا، ولو أمسكها أثم، ولا يجوز التزوج بالزانية التي اشتهرت بذلك ولا يجوز التزوج من الزاني الذي يتظاهر بالفاحشة، واشتهر بها، إلا إذا ظهرت التوبة الصادقة عليه.
وقالوا: من كان معروفاً بالزنى أو بغيره ن الفسوق معلناً به، مستهتراً بمحارم الإسلام، فتزوج
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
من أهل بيت محافظين، وغرهم من نفسه، ثم علموا بذلك فلهم الخيار في البقاء معه، أو فراقه، وأصبح ذلك كعيب من العيوب التي تفسخ العقد، واحتجوا بقول صلى الله عليه وسلم (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله) أما من لم يشتهر بالفسق فلا يصح أن يفرق بينه وبين زوجه. وقال بعضهم: إذا زنت زوجة الرجل لم يفسد النكاح، وإذا زنى الرجل لم فسد نكاحه مع زوجته. وقالوا إن الآية منسوخة - وروي أن رجلاً سأل الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي لا ترد يد لامس، فقال: طلقها، فقال: إني أحبها، فقال: أمسكها) ،
حكم نكاح المتعة
المتعة - كما في كتب الإمامية - هي النكاح المؤقت بأمد معلوم، أو مجهول، وغايتاً إلى خمسة وأربعين يوماً، ويرتفع النكاح بانقضاء المؤقت في المنقطعة الحيض وبحيضتين في الحائض، وبأربعة أشهر وعشر في المتوفى عنها زوجها، وحكمه: أنه لا يثبت لها مهر غير المشروط ولا يثبت لها نفقة ولا توارث ولا عدة إلا الاستبراء بما ذكر، ولا يثبت به نسب، إلا أن يشترط، وتحرم بسببه المصاهرة. وقد اتفقت كلمة الفقهاء على أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في نكاح المتعة في صدر الإسلام للضرورة ثم نهى عنها، واستمر النهي، ونسخت الرخصة، وإلى نسخها ذهب الجماهير من السلف والخلف. قال النووي: الصواب أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين، فكانت المتعة مباحة قبل خيبر ثم حرمت فيها، ثم أبيحت عام الفتح وهو عام أوطاس، ثم حرمت تحريماً مؤبداً، والى هذا التحريم ذهب أكثر الأمة. روي عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال:(رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام ثم نهى عنها) . رواه مسلم. وعن علي رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة عام خيبر) متفق عليه. قال الإمام البخاري: بين على رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منسوخ، وأخرج أبن ماجة عن عمر بإسناد صحيح أنه خطب فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة، وقال أبن عمر:(نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كنا مسافحين) إسناده قوي.
وقال الصنعاني: والقول بأن إباحتها قطعي، ونسخها ظني غير صحيح، لأن الراوين لإباحتها، رووا نسخها، وذلك إما قطعي في الطرفين، أو ظني في الطرفين جمعياً، وفي نهاية المجتهد: إنها تواترت الأخبار بالتحريم اهـ) .
-