المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مبحث الجناية على الأطراف - الفقه على المذاهب الأربعة - جـ ٥

[عبد الرحمن الجزيري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزءُ الخَامِس

- ‌تقديم

- ‌كتاب الحدود المقدمة في تعريف الحدود الشرعية

- ‌المعنى

- ‌ما يؤخذ من الحديث

- ‌بيان الحدود الشرعية وما في معناها

- ‌العقوبات الشرعية

- ‌القسم الأول

- ‌القسم الثاني

- ‌مبحث حد المحصن

- ‌مبحث حد غير المحصن

- ‌مبحث من قتل الرجل الذي زنى بامرأته

- ‌مبحث رأي المعتزلة والخوارج

- ‌مبحث الشهادة في الزنا

- ‌مبحث الإقرار بالزنى

- ‌مبحث الشبهات في الزنى

- ‌تشديد الشريعة في إثبات جريمة الزنا

- ‌مبحث اللعان

- ‌وقوع الفرقة باللعان

- ‌مبحث حرص الشريعة على محو الرذائل الخلقية

- ‌مبحث حد اللواط

- ‌كتاب حد السرقة

- ‌قوانين المعاملات في الإسلام

- ‌عناية الشريعة بالسرقة دون غيرها

- ‌مبحث أحكام غير السارق

- ‌مبحث المخالفات المالية

- ‌مبحث اعتراض الملاحدة

- ‌أمثلة على ردع المجرمين

- ‌رحمة الشريعة بالمفسدين

- ‌مبحث فائدة تحديد النصاب في القطع

- ‌باب حد القذف

- ‌إجماع الشرائع على أن القذف اعتداء على الأعراض

- ‌مبحث اعتراض الجهلة على حد القذف

- ‌مبحث العفو عن القاذف

- ‌مبحث مراعاة الشريعة لحال المجرم

- ‌القسم الثاني كتاب القصاص

- ‌مبحث عناية الشريعة بدماء الناس

- ‌مبحث عقاب قاتل النفس ظلماً

- ‌مبحث جواز العفو في القصاص

- ‌محاسن التشريع الإسلامي

- ‌مبحث سلطان أولياء الدم على القاتل

- ‌مبحث حق السلطان على القاتل

- ‌مبحث الجناية على الأطراف

- ‌القسم الثالث

- ‌باب التعزير

- ‌جواب وسؤال

- ‌مبحث دقة التشريع الإسلامي

- ‌سؤال وجوابه

- ‌مبحث دليل ثبوته

- ‌نظام الأسرة في الإسلام

- ‌مبحث أساس القوانين الشرعية

- ‌مبحث الكبائر من الذنوب

- ‌معنى الحديث

- ‌الجواب عن السؤال الثاني

- ‌الكبيرة الثامنة شهادة الزور

- ‌الكبيرة التاسعة اليمين الغموس

- ‌الكبيرة العاشرة الزنا

- ‌الكبيرة الحادية عشرة شرب الخمر

- ‌الكبيرة الثانية عشرة النميمة

- ‌الكبيرة التاسعة عشرة الغلول في الحرب

- ‌مبحث السحر

الفصل: ‌مبحث الجناية على الأطراف

‌مبحث الجناية على الأطراف

.

-أما الجناية على الأطراف من يد، أو عين، أو سن، فقد جعلت الشريعة الإسلامية، عقوبتها القصاص أيضاً، بمعنى أنه يفعل بالجاني مثل ما فعل جزاء وفاقاً، ولكن يشترط المماثلة بين العضوين، فلا تفقأ عين عوراء، في نظير عين سليمة، ولا يقطع لسان أخرس، في لسان متكلم، ولا تقطع يد عاطلة بيد عاملة، ونحو ذلك مما هومبين في محله (1) وهذا هو العدل المطلق، فإن الذي يعتدي على إتلاف عضو إنسان لا جزاء له إلا أن يتلف منه ذلك العضو، كما قال تعالى:{وجزاء سيئة سيئة مثلها} آية [40 من سورة الشورى] .

(1) (اتفق الأئمة الأربعة: على أن من أتلف نفساً فعليه دية كاملة، وفي مارن الأنف وهو ما لأن دون العظم، ويسمى أرنبة الأنف تجب دية كاملة، لأن فيه جمالاً ومنفعة، وهو مشتمل على الطرفين المسمييين بالمنخرين، وعلى الحاجز بينهما، وتندرج حكومة قصبته في ديته فلا يزاد على دية واحدة، لأنه عضو واحد، وفي قطع اللسان الدية لفوات منفعة مقصودة، وهو النطق ولو كان اللسان لألكن، وهو من في لسانه لكنة، أو أعجم، ول لسان أرت، ولو لسان ألثغ - بمثلثة - ولو لسان طفل لم ينطق، ولأن فيه جمالاً ومنفعة يتميز بها الإنسان عن البهائم في البيان والعبارة، عما في الضمير، وفيه ثلاث منافع: الكلام، والذوق، والاعتماد في أكل الطعام، وإدارته في اللهوات حتى يستكمل طحنه بلأضراس، فتجب فيه دية كاملة، وفي إبطال الصوت مع إبقاء اللسان دية كاملة.

وقيل: شرط الدية في قطع لسان الطفل الصغير، ظهور أثر نطق بتحريكه لبكاء، أو مص للثدي، لانها أمارات طاهرة على سلامة اللسان، فإن لم يظهر فحكومة، لأن سلامته غير متيقنة، والأصل براءة الذمة، ولو قطع نصف لسانه فذهبب ربع كلامه أو عكس فنصف الدية، وإن شل اللسان فديتان، وقيل: دية.

وإذا كان اللسان المقطوع عديم الذوق، أو كان أخرساً، تجب فيه حكومة عدل، وتجب الدية كاملة إذا قطع بعض اللسان، ومنع الكلام، لتفويت منفعة مقصودة، وإن كانت الآلة قائمة، ولو قدر على التكلم ببعض الحروف. قيل: تقسم على عدد حروف الهجاء، وقيل على عدد حروف تتعلق باللسان فبقدر ما لا يقدر عليه تجب ديته.

وربما يقال: إن ذلك الجزاء تكثير لرباب العاهات بين أفراد الأمة، فبعد أن كان الناقس، هو المعتدي ناقصاً مثله، وذلك ضار بقوة الأمة وبهيبتها.

وقيل: إن قدر على أداء أكثرها تجب حكومة عدل لحصول الإفهام مع الاختلال، وإن عجز عن أداء الأكثر يجب كل الدية، لأن الظاهر أنه لا تحصل منفعة الكلام، وقد روي أن رجلاً قطع طرف

ص: 294

والجواب: أن في هذا القصاص تقليلاً لأرباب العاهات - لا تكثيراً - بل في القصاص قضاء على الجريمة، من أصلها، كما قال تعالى:{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون} آية [179 من سورة البقرة] .

لأن الذي يوقن بالجزاء المماثل، ويعلم أنه إذا اعتدى على عضو من أعضاء بدن غيره قطع مثله منه، فإنه يحجم عن ارتكاب الجريمة بتاتاً، وبذلك يرتفع العدوان، فلا يوجد ذو عاهة أصلاً، لا معتد، ولا معتدى عليه.

لسان رجل في زمان الإمام على كرم الله وجهه فأمره أن يقرأ - ا، ب، ت، ث - فكلما قرأ حرفاً أسقط من الدية بقدر ذلك، ومالم يقرأ أوجب من الدية بحسبانه، وحروف اللسان ثمانية عشر حرفاً في لغة العرب، وحروف الحلق وهي ستة، وحروف الحلق وهي ستة، وحروف الشفة وهي أربعة.

وفي قطع الذكر تجب الدية كاملة، وكذلك الحشفة، وهي رأس الذكر إذا قطعها عليه دية كاملة ولو كان الذكر لصغير، وشيخ كبير، وخصي، وعنين، لإطلاق الحديث الوارد في ذلك.

وعند أكثر الفقهاء: أن في ذكر الخصي والعنين حكومة.

والأصل فيه ما روي عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن النبي صلوات الله وسلامه عليه، قال (في النفسن الدية، وفي اللسان الدية، وفي المارن الدية) وهكذا في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم رضي الله عنه (روى أبو داود في المراسيل عن ابن شهاب قال: قرأت في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم، رواه النسائي) . ولأن ذكر الخصي سليم وهو قادر على الإيلاج، وإنما الفائت الإيلاد، والعنة عيب في غير الذكر، لأن الشهوة في القلب والمني في الصلب، وليس الذكر بمحل لواحد منهما: فكان سليماً من العيب، والحشفة كالذكر، لأن ما عداها من الذكر كالتابع لها، كالكف مع الأصابع، لأن معظم منافع الذكر وهو لذة المباشرة تتعلق بها، وأحكام الوطء تدور عليها، من قطع بعضها يجب بقسطه منها، لأن الدية تكمل بقطعها فقسطت على أبعاضها.

وقيل: يجب بقسطه مع كل الذكر، لأنه المقصود بكمال الدية، أما الذكر الأشل ففيه حكومة عدل، وذكر الخنصى ففيه نصف دية، ونصف حكومة.

والأصل في الأطراف أنه إذا فوت جنس منفعة على الكمال، أو أزال جمالاً مقصوداً في الآدمي على الكمال، يجب كل الدية، لإتلافهكل النفس من وجه، وهو ملحق بالإتلاف من كل وجه تعظيماً للآدمي، فإن كان جنس المنعفة، أو الكمال قائماً بعضو واحد فعند إتلافه يجب كمال الدية، وإن كان قائماً بعضوين، ففي كل واحد منهما نصف الدية، وإن كان قائماً بأربعة أعضاء ففي كل واحد منها ربع الدية، وإن كان قائماً بعشرة أعضاء، ففي كل واحد منها عشر الدية، وإن كان قائماً بأكثر ففي كل واحد منها نصف عشر الدية، كقطع أنملة إبهام الأصبع مثلاً.

ص: 295

أما الذي يعلم أن نتيجة عدوانه عقوبة بالسجن القليل، فإنه لا يبالي بتكرار فعله مع كثيرين، فيزيد أرباب العاهات والمجرمون معاً، على أن السجن إذا طال أمده فإنه يكون من شر الآفات التي تقضي على حياة المجرم، فإنه يصبح عاطلاً مستهتراً بالجرائم، كما هو مشاهد في كثير من متعودي الإجرام والسجون فمتى أمكن القصاص بالتساوي بين العضوين، كان من العدل أن يقتص من الجاني بمثل جنايته، وإن لم يمكن كان للحاكم أن يعزره بما يراه زاجراً له عن العودة، ورادعاً للأشرار عن ارتكاب الجرائم. على أنك قد عرفت أن القصاص في نظر الشريعة الإسلامية حق المعتدى عليه، فله أن يصطلح مع خصمه على مال أو غيره، أو يعفو عنه.

فإذا رأى الحاكم أن العفو يترتب عليه ضرر بالأمن، فله أن يتخذ الوسائل التي يراها لصيانة الأمن.

وفي قطع الذكر فاتت على الشخص منفعة الوطء، والإيلاد، واستمساك البول، والرمي به عن جسده، وفق الماء، والإيلاج الذي هو طريق الاعلاق عادة، وغير ذلك، وإن شق الذكر طولاً، فأبطل منفعته وجبت فيه دية كاملة، كما لو ضربه على ذكره فأشله، وإن تعذر بضربه الجماع به، لا الانقباض والانبساط فتجب حكومة عد، لأنه ونفعته باقيان والخلل في غيرهما، فلو قطعه قاطع بعد ذلك، فعليه القصاص، أو كمال الدية.

وفي العقل إذا ذهب بالضرب عمداً، أو خطأ دية كاملة، وقد قضى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بذلك، ولفوات منفعة الإدراك إذ به ينتفع بنفسه في معاشه ومعاده، وذلك إذا لم يرج عوده بقول أهل الخبرة في مدة يظن أنه يعيش إليها، كما جاء في خبر عمرو بن حزم.

وقل أبن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه العلم على ذلك، لأن العقل أشرف المعاني، والأعضاء، وبه يتميز الإنسان عن البهائم، ويعقله عن الوقوع في الدنايا، والمراد العقل الغريزي الذي به التكليف دون المكتسب الذي به حسن التصرف، ففيه حكومة، فإن رجي عوده في المدة المذكورة انتظر، فإن عاد فلا ضمان، كما في سن من لم ينفر، وفي إزالة بعضه بعض الدية بالقسط إن ضبط بزمان كأن كان يجن يوماً، ويفيق يوماً، أو بغيره، كأن يقابل صواب قوله، وفعله بالمختل منهما، وتعرف النسبة بينهما، فإن لم ينضبط فحكومة يقدرها الحاكم باجتهاده، فإن ما في أثناء المدة المقدر عوده فيها وجبت ديته كاملة، ولا يجب القصاص فيه للاختلاف في محله، فقيل محله - القلب - وقيل: الدماغ وقيل: مشترك بينهما، والأكثرون على الأول، وقيل: مسكنه الدماغ وتدبيره القلب، ويسمى عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، ولا يراد شيء على دية العقل أن زال بما لا أرش له، كأن ضرب رأسه، أو لطمه لكن يجب تعذيره في الأصح.

فإن زال العقل الغريزي بجرح له أرش مقدر كالموضحة، أو حكومة كالباضعة، وجبت الدية

ص: 296

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والأرش، أو الدية والحكومة معاً، ولا يندرج ذلك في دية العقل لأنها جناية أبطلت منفعة غير حالة في محل الجناية، فكانت كما لو أوضحه فذهب سمعه، أو بصره، وكما لو انفردت الجناية عن زوال العقل، وعلى هذا لو قطع يديه وجليه، فزال عقله بذلك لزمه ثلاث ديات.

ولو ادعى ولي المجنون زوال عقل المجني عليه، وأنكره الجاني، ونسبه إلى التجانن، اختبر في عقله، فإن لم ينتظم قوله، وفعله في خلواته فتجب له دية بلا يمين، وهذا في المجنون المطبق، أما المجنون المنقطع فإنه يحلف في زمن إفاقته، فإن انتظم قوله وفعله حلف الجاني، لاحتمال صدور المنتظم اتفاقاً، أو جرياً على العادة، والاختيار لا يقدر بمدة، بل إلى أن يغلب على الظن صدقه، أو كذبه، ولا بد في سماع دعوى الزوال، من كون الجناية تحتمل زوال العقل. وإلا لم تسمع الدعوى، كحصول الموت بصعقة خفيفة وفي إزالة السمع تجب دية كاملة، لخبر البيهقي (في السمع الدية) ونقل أبن المنذر فيه الإجماع ولأنه من اشرف الحواس، فكان كالبصر، بل هو أشرف منه عند أكثر الفقهاء، لأن به يدرك الفهم، ويدرك من الجهات الست، وفي النور والظلمة، ولا يدرك بالبصر إلا من جهة المقابلة، وبواسطة من ضياء أو شعاع، وقال أكثر المتكلمين بتفضيل البصر عليه، لأن السمع لا يدرك به إلا الأصوات، والبصر يدرك الأجسام والألوان، والهيئات فكان أشرف منه، ولا بد في وجوب الدية من تحقق زوال السمع، فلو قال أهل الخبر: يعدو وقدروا له مدة لا يستبعد أن يعيش إليها انتظرت، فإن استبعد ذلك، أو لم يقدروا مدة أخذت الدية في الحال. وإن قالوا: لطيفة السمع باقية في مقرها، ولكن انسد منفذ السمع، والسمع باق وجبت فيه حكومة.

وقيل: يعتبر في طريق معرفة السمع الدلائل الموصلة إلى ذلك، فإن لم يحصل العلم بذلك يعتبر في الدعوى والإنكار، فطريق معرفة السمع أن يتغافل وينادى عليه، فإن أجاب على أنه يسمع، ولا دية له.

حكى الناطفي عن أبي حازم القاضي أن امرأة تطارشت في مجلس حكمه، فاشتغل بالقضاء عن النظر إليها، ثم قال لها فجأة، غطي عورتك، فاضطربت وتسارعت إلى جمع ثيابها وظهر مكرها، وفي إزالة السمع من أذن واحدة يجب نصف الدية، وفي قطع الأذنين الشاخصتين الدية لأن فيهما تمام الجمال، ولو أزال أذنيه وسمعه فتجب ديتان، لأن محل السمع غير محل القطع فلم يتداخلا، لو ادعى المجني عليه زوال السمع من أذنيه، وكذبه الجاني، وانزعج للصياح في قوم، وغفلة فكاذب، لأن ذلك يدل على التصنع ولا بد من تحليف الجاني، وإن سمعه لباق، لاحتمال أن يكون انزعاجه اتفاقاً من غير سمع، وإن لم ينزعج المجني عليه بالصياح ونحوه، فصادق في دعواه، وتجب له الدية كاملة.

وإن نقص سمع المجني عليه فقسط النقص من الدية إن عرف قدر ما ذهب، بأن كان يسمع من مكان كذا فصار يسمع من قدر نصفه مثلاً، وطريق معرفة ذلك أن يحدثه شخص ويتباعد إلى أن يقول: لا أسمع فيعلي الصوت قليلاً، فإن قال: أسمع عرف صدقه، ثم يعمل كذلك من جهة أخرى، فإن اتفقت المسافتان ظهر صدقه، ثم ينسب ذلك من مسافة سماعه قبل الجناية إن عرف، ويجب بقدره من

ص: 297

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الدية، فإن كان التفاوت نصفاً وجبت الدية، وإن لم يعرف قدره بالنسبة، فتجب فيه حكومة عدل، باجتهاد قاض.

ولو قال المجني عليه: أنا أعرف قدر ما ذهب من سمعي، صدق بيمينه، لأنه لا يعرف إلا من جهته، وإن نقص سمع المجني عليه من أذن واحدة سدت هذه الناقصة، وضبط منتهى سماع الآخرين ثم عكس. ويؤخذ قسط التفاوت من الدية، فإن كان بين مسافة السمعية، والأخرى النصف فله ربع الدية، لأنه أذهب رع سمعه، وإن كان الثالث، فيجب عليه سدس الدية، وهكذا.

فإن لم ينضبط فالواجب حكومة عدل.

وفي ذهاب بصر كل عين، صغيرة، أو كبيرة، حادة، أو كحلة، صحيحة أو عليلة، عمشاء أو حولاء، من شاب، أو شيخ أو طفل، حيث البصر سليم يجب نصف الدية، وفي العينين الدية كاملة لأن البصر من المنافع المقصودة في الحياة، وقد روي أن عمر رضي الله عنه قضي بأربع ديات في ضربة واحدة ذهب بها العقل والكلام والسمع والبصر، وإن ادعى المجني عليه زوال بصره، أنكر الجاني، سئل أهل الخبرة بذلك عدلان منهم مطلقاً، أو رجل وامرأتان أن كان خطأ، أو شبه عمد، فانهم إذا أوقفوا الشخص في مقابلة عين الشمس، ونظروا في عينه عرفوا أن الضوء ذاهب أو موجود، بخلاف السمع لا يراجعون فيه، إذ لا طريق لهم إليه، أو يمتحن المجني عليه بتقريب عقرب، أو حديدة محماة، أو نحو ذلك من عينه بغتة، ونظر هل ينزعج أم لا؟ فإن انزعج صدق الجاني بيمينه، وإلا فالمجني عليه بيمينه، وإن نقص ضوء المجني عليه، فحكمه كنقص السمع، فإن عرف قدر النقص بأن كان يرى الشخص من مسافة فصار لا يراه إلا من نصفها مثلاً، فقسطه من الدية، وإلا فحكومة عدل، فإن نقص بعض ضوء عينه عصبت ووفق شخص في موضع يراه، ويؤمر أن يتباعد حتى يقول: لا أراه، فتعرف المسافة ثم تعصب الصحيحة، وتطلق العليلة، ويؤمر الشخص بأن يقرب راجعاً إلى أن يراه، فيضبط ما بين المسافتين، ويجب قسطه من الدية، فإن أبصر بالصحيحة من مائتي ذراع مثلاً، وبالأخرى من مائة فالنسف، نعم لو قال أهل الخبرة، أن المائة الثانية تحتاج إلى مثلي ما تحتاج إليه المائة الأولى لقرب وبعد الثانية، وجب ثلثا دية العليلة، وإن أعشاه لزمه نصف دية، وإن أعمشه، أو أخفشه،، أو أحوله، أو أشخص بصره، فالواجب حكومة، ومن بعينه بياض لا ينقص الضوء ففي قلعها نصف دية.

(حادثة) .

سئل أبن الصلاح عن رجل أرمد أتى امرأة بالبادية تدعي الطب لتداوي عينه، فكحلته فتلفت عينه، فهل يلزمها ضمانها؟ فأجاب: إن ثبت أن ذهاب عينه بتداويها فعلى عاقلتها ضمانها، فإن لم يكن لها عاقلة، فإن تعذر فعليها في مالها، إلا أن يكون الرمد أذن لها في المداواة بهذا الدواء المعين فلا تضمن، ويقاس على هذا حالة المريض مع الأطباء في هذا الزمان.

ومن أزال الشم من المنخرين بجناية على رأسه تجب عليه دية كاملة، كما جاء في خبر عمرو بن

ص: 298

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حزم، لأنه من الحواس النافعة، فتكمل فيه الدية كالسمع، وفي إزالة شم منخر واحد نصف الدية، ولو نقص الشم وجب بقسطه من الدية، إذا أمكن معرفته، وإن لم يمكن فالحكومة.

ولو أنكر الجاني زوال الشم من المجني عليه، امتحن في غفلاته بالروائح الحادة، فإن هش للطيب، وعبس لغيره حلف الجاني لظهور كذب المجني عليه، ولا يستحق ضماناً، وإن لم يهش للطيب، ولم يتأذ من الكريه، حلف المجني عليه لظهور صدقه مع أنه لا يعرف إلا منه، وفي إبطال حاسة الذوق، الذي هو وقوة في اللسان يدرك بها الطعم، تجب دية كاملة، لأنه أحد الحواس الخمس، فأسبه الشم، واختلف في محله هل هو في طرف الحلقوم، أو في اللسان؟ ذهب أكثر أهل العلم إلى القول الثاني، وقالوا: إنه المشهور وعليه الحكماء، لكنهم يقولون: هو قوة منبثة في العصب المفروش على جرم اللسان يدرك بها الطعوم بمخالطة اللعابية التي في الفم بالمطعوم ووصولها للعصب، وقال أهل السنة: إن الإدراك المذكور بمشيئة الله تعالى - يعني أن الله تعالى يخلق ما ذكر عند المخالطة المذكورة، وعلى هذا القول فينبغي أن يكون كالنطف مع اللسان، فتجب فيه دية واحدة للسان، لأن الذوق يدرك به حلاوة، وحموضة، ومرارة، وملوحة، وعذوبة، وتوزع الدية على هذه الأنواع الخمسة، فإذا أبطل إدراك واحدة منهن وجب فيها خمس الدية، وهكذا.

وإن نقص الإدراك نقصاً لا تقدر، بأن يحس بمذاق الأنواع الخمس لكن لا يدركها على كمالها فتجب في ذلك النقص حكومة عدل. وتختلف بقوة النقصان وضعفه، وإن عرف قدره فقسطه من الدية.

ولو اختلف الجاني والمجني عليه في ذهاب الذوق امتحن بالأشياء المرة ونحوها كالحامض الحاد. الذي لا يصبر عليه عادة. فإن ادعى النقص صدق بيمينه، وإن تألم وعبس صدق الجاني بيمينه.

قالوا: وتجب الدية في إبطال المضغ كأن يجني على أسنانه فتخدر، وتبطل صلاحيتها، للمضغ، وتفسد اللثة، لأنه المنفعة العظمى للأسنان وفيها الدية، فكذا منفعتها كالبصر مع العين، والبطش مع اليد.

وتجب الدية فإبطال قوة الإمناء بكسر صلب، لقوات المقصود، وهو النسل، بخلاف انقطاع اللبن بالجناية على الثدي، فإن فيه حكومة، لأن الرضاع يطرأ ويزول، وقيل فيه الدية كاملة، واستعداد الطبيعة للإمناء صفة لازمة للفحول، ولأن إبطال قوة الامناء موت للرجل أدبياً ومعنوياً. فتجب الدية.

وتجب الدية في إبطال قوة الحبل من المرأة لقوات النسل، فيكمل فيه ديتها لانقاطع النسل، وتجب الدية في إبطال قوة الحبل من الرجل أيضاً بأن يجني على صلبه، فيصير منيه فاسداً لا يحبل، وتجب الدية في ذهاب جماع من المجني عليه، بجناية على صلبه مع بقاء مائه، وسمة ذكره، فيطل التلذذ بالجماع لأن ذلك من المنافع المقصودة. وقد ورد الأثر فيه عن الخلفاء الراشدين، وإن ضربه

ص: 299

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ضربة شديدة على صلبه فأبطل إنعاظه فتجب الدية، ولا تندرج فيه دية الصلب وإن كانت قوة الجميع فيه، فلو كسر صلبه، فأبطل إنعاظه فعليه ديتان، لأن كل جناية غير الأخرى، وفي إفضاء المرأة بجناية عمداً أو شبه عمد، أو خطأ بوطء أو بغيره، من الزوج، أو غيره، تجب ديتها كاملة، لفوات المنفعة الجماع أو اختلالها، لأنه يقطع التناسل منها، ويسبب لها العقم، لأن النطفة لا تستقر في محل العلوق لا متزاجها في البول، فأشبه قطع الذكر، والإقضاء حاجز ما بين مدخل ذكر، ودبر، فيصير سبيل جماعها وغائطها واحداً، إذ به تفوت المنفعة الكلية.

وقيل: الإفضاء: رفع ما بين مدخل ذكر، وجبر، فيصير سبيل جماعها وبولها واحداً، لأن ما بين القبل والدبر قوي لا يرفعه الذكر، وبينهما عظم لا يتأتى كسره.

المالكية - قالوا: يجب في الإفضاء حكومة، بأن يقوم ما عليها عند الأزواج بأن يقال: ما صداقها على أنها غير مفضاة، وما صداقها على أنها مفضاة، فيغرم النقص، ثم إن كان الفعل من الزوج فيلحق بالخطأ. لأذن الشارع في الفعل بالجملة، فإن بلغ الثالث على العاقلة، وإلا ففي ماله خاصة ولا يندرج الإفضاء تحت مهر، بل يغرم الحكومة مع الصداق زوجاً، أو أجنبياً غصبها ووطئها، بخلاف إزالة البكرة من الزوج، أو الغاصب فإنه لا يغرم للبكارة شيئاً زائداً على الصداق الذي دفعه، لأنه لا يمكن الوطء إلا بإزالتها، فهي من لواحق الوطء، بخلاف الإفضاء، فإنه منهي عنه، إلا إذا أزال البكارة بإصبعه، فإن الحكومة فيها لا تندرج في المهر، زوجاً، أو أجنبياً، فيجب على الأجنبي حكومة، ولو لم يطأها، وهي مع المهر إن وطئ، أما الزوج فيلزمه أرش البكارة التي أزالها بالإصبعه مع نصف الصداق، إذا طلقها قبل البناء بها، فإن دخل بها وطلقها بعد البناء فتدرج في المهر، فإن أمسكها فلا شيء عليه، وإزالة البكارة بالإصبع جرم فيؤدب الزوج عليه.

قالوا: وتجب الدية إذا فعل فعلاً أحدث في بدنه جذاماً - وهو داء يأكل الأعضاء، أو احدث تبريصة - وهو نوع من البرص - أو تسويد جسده، بعد أن كان غير اسود، أو أحدث به سواداً وبياضاً وهو نوع من البرص يحث في الجلد، فتجب دية كاملة في كل هذه الصور، لأنه فوت عليه منفعة الجمال والكمال، فإن سود جسمه، وجذمه بسبب ضربة واحدة، وجب عليه ديتان، لأن كلاً منهما منفصل عن الآخر.

قطع الأذنين الظاهرتين.

المالكية - قالوا: لا تجب الدية في قطع الأذنين الشاخصتين، إذا بقي اسمع سليماً، بل تجب حكومة عدل.

الأئمة الثلاثة - قالوا: تجب في الأذنين دية كاملة، وفي قطع إحداهما نصف الدية، لقوات منفعة الجمال، وجمع الهواء للسمع.

ص: 300

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قطع عين الأعور

المالكية، والحنابلة - قالوا: إن عين العور السليمة إذا قلعت، أو ذهب بصرها يجب فيها دية كاملة، لأن بصر الذاهبة انتقل إليها.

والفرق بين عين العور، والعضو الواحد من كل زوج، أن العين تقوم مقام العينين في معظم الغرض وهي من أعظم الجواهر مكانة.

الحنفية والشافعية - قالوا: إذا قلع عين الأعور، تجب نصف الدية، مثل إحدى اليدين والرجلين، وباقي الأعضاء المزدوجة.

ذهاب شعر الرأس واللحية والحاجب

الحنفية - قالوا: قالوا: إن الجناية على اللحية وشعر الرأس إذا حلقت ولم تنبت تجب في كل منهما الدية لأنه يفوت به منفعة الجمال غير أنه لو حلق رأس إنسان بطريقة لا تجعلها تنبت، أو شعر لحيته لا يطالب بدفع الدية حالاً، بل يؤجل سنة لتصور الإنبات فإن مات المجني عليه قبل مضي سنة، ولم ينبت الشعر فلا دية عليه، لاحتمال ظهورها لو عاش حياً، بل تجب حكومة وشعر الرجل، والمرأة، والصغير، والكبير في ذلك سواء، وذلك لأن شعر اللحية جمال بالنسبة للرجال في وقتها، وفي حلقها تفويث لمنعة الجمال والكمال، فقد ورد أن الملائكة تقول (سبحان من زين الرجال باللحى، والنساء بالذوائب) فتجب الدية، وكذلك شعر الرأس بالنسبة للمرأة من أعظم زينتها وتمام جمالها، وبالنسبة للرجال زينة وجمال أيضاً، ألا ترى أن من عدم الشعر حلقه، أو سقط شعر رأسه، أو كان أقرع، فإنه يتأذى من ذلك ويتكلف ستر رأسه، ويستحي من كشفها أمام الناس، ويعتقد أن ذلك نقص في جماله وكماله وخلقه، وبعض رجال العرب يطلقون شعورهم ضفيرة للزينة، وشعر الشارب فيه حكومة إذا حلق لأنه تابع للحية، فصار كبعض أطرافها، وأما لحية العبد فيجب فيها كمال القيمة، لأن المقصود به المنفعة بالاستعمال، دون الجمال، بخلاف الحر.

قالوا: ولحية الكوسج إن كان على ذقنه شعرات معدودة، فلا شيء في حلقه، لأن وجودها يشينه، ولا يزينه، وإن كان أكثر من ذلك، وكان على الخد والذقن جميعاً لكنه غير متصل ففيه حكومة عدل، لأن فيه بعض الجمال، وإن كان الشعر متصلاً ففيه كمال الدية مثل غيره، لأنه ليس بكوسج وفيه معنى الجمال للرجل، هذا كله إذا فسد المنبت، فإن نبتت حتى استوى الشعر كما كان، فلا يجب شيء من الضمانات، لأنه لم يبق أثر الجناية، ويؤدب على ارتكابه ما لا يحل، وإن نبتت بيضاء فعند أبي حنيفة أنه لا يجب عليه شيء في الحر، لأنه يزيده جمالاً، وفي العبد تجب حكومة عل، لأنه ينقص قيمته، وعندهما تجب حكومة عدل لأنه في غير أوانه يشنه، ولا يزينه، ويستوي العمد والخطأ على هذا، فكما تجب الدية في حلق الرأس واللحية خطأ، فكذلك إذا حلقهما عمداً.

ص: 301

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قالوا: وفي الحاجبين الدية، وفي أحدها نصف الدية، لأن بهما يحصل الجمال للإنسان.

الشافعية، والمالكية، والحنابلة - قالوا: في حلق شعر اللحية، وشعر الرأس تجب فيهما حكومة عدل، لأن ذلك زيادة في الآدمي، ولهذا يحلق شعر الرأس كله، ويحلق شعر اللحية بعضهم في بعض البلاد، وصار كشعر الصدر والساق، ولهذا يجب في شعر العبد نقصان القيمة بالإجماع.

قالوا: وفي إزالة شعر الحاجب تجب حكومة واحداً أو متعدداً، لأن في العشر جمالاً، وسواء كان إزالة العشر عمداً أم خطأ، وكذلك الهدب، وهو الشعر النابت على شفر العين، تجب حكومة إذا لم ينبت، وإلا فإن نبت فف يعمده الأدب والخطأ لا شي فيه.

دية اليدين والرجلين

واتفق الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى: على أن في اليدين تجب الدية كاملة، وفي الرجلين الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الأنثيين في قطعهما، أو سلها، أو رضهما دية كاملة، وفي الواحدة من هذه الأشياء نصف الدية، وفي قطع الأنثيين مع الذكر ديتان، كذا روي في حديث سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن في تفويت الاثنين من هذه الأشياء تفويت جنس المنفعة، أو كمال الجمال، فيجب كل الدية وفي تفويت أحدهما تفويت النصف، فيجب نصف الدية.

قالوا: وفي ثديي المرأة الدية، لما فهي من تفويت جنس المنفعة، وذلك إذا قطعهما من أصلهما سواء أبطل اللبن، أو لا، شابة أو عجوزاً، بخلاف ثديي الرجل حيث تجب حكومة عدل، لأنه ليس فيه تفويت جنس المنفعة، و (الجمال) وفي قطع الحلمتين إن أبطل اللبن دية كاملة، ومثل إبطال اللبن لإفساده، فالدية القطع اللبن، ولفوات جنس منفعة الإرضاع، وإمساك اللبن، وقيل الدية لقطع اللبن فحكومة عدل، فلو قطع حلمتي صغيرة فينتظر بها لزمن الإياس من اللبن، وتمام سنة، فإن أيس فدية كاملة، وإن حصل اللبن في مدة الإياس ففيهما حكومة، وفي قطع إحدى الحلمتين يجب نصف الدية.

مبحث جناية جفن العين والأهداب

الشافعية، والمالكية، والحنابلة - قالوا: في قطع كل جفن - بالفتح - من أجفان العين، وهو غطاء العين يجب ربع دية، سواء الأعلى أو الأسفل، ففي الأربعة دبة كاملة، ولو كان لأعمى، وبلا هدب لأن فيها جمالاً ومنفعة، وقد اختصت عن غيرها من الأعضاء بكونها رباعية، وتدخل حكومة الأهداب في دية الأجفان، بخلاف ما إذا انفردت الأهداب ولم تنبت، فإن فيها حكومة إذا فسد منبتها كسائر الشعور، لأن الفائت بقطعها الزينة والجمال، دون المقاصد الأصلية، وإلا فالتعزير، وفي قطع الجفن المستحشف حكومة، وفي أحشاف الجفن الصحيح ربع دية جزماً، وفي بعض الجفن الواحد قسطه من

ص: 302

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الربع، فإن قطع بعضه فتقلص باقيه، فلا تكمل الدية، ول قطع الأجفان الأربعة، والعينين لزمه ديتان، لخبر عمرو بن حزم بذلك ولأن العين من أعظم الجوارح نفعاً.

الحنفية - قالوا: إذا قطع الأشفار العينين، عمداً أو خطأ يجب أن يدفع الدية، وفي قطع أحدهما ربع الدية، والأشفار جمع (شفر) بالشم وهي الأهداب مجازاً.

وقالوا: إن الأشفار هي منابت الشعر، وهي حروف العينين، وأطرافهما، وغطاؤهما، والشعور التي عليها تسمى الأهداب، وهذا لأنه يفوت الجمال على الكمال، وجنس المنفعة، وهي منفعة دفع الأذى عليها تسمى الأهداب، وهذا لأنه يفوت الجمال على الكمال، وجنس المنفعة، وهي منفعة دفع الأذى والقذى عن العين إذ هو يندفع بالهدب، وإذا كان الواجب في الكل كل الدية، وهي أربعة، كن في أحدها ربع الدية، وفي ثلاثة منها ثلاثة أرباعها، وإذا كان المراد بالأشفار منبت الشعر فالحكم فيه هكذا. ولو قطع الجفون بأهدابها ففيه دية واحدة، لأن الكل شيء واحد، وصار كالمارق مع القصية.

مبحث قطع أصابع اليدين أو الرجلين

واتفق الفقهاء: على أنه يجب في قطع أصبع من أصابع اليدين، والرجلين خطأ عشر الدية سواء كان إبهاماً، أو خنصراً من أنثى أو ذكر، صغير أو كبير، مسلم أو كافر، والإبل مخمسة، ومربعة، لقوله عليه الصلاة والسلام (في كل اصبع عشر من الإبل) ولأن في قطع الكل تفويت جنس المنعفة، وفيه دية كاملة، وهي مائة من الإبل، فتنقسم الدية عليها، والأصابع كلها سواء، في أصل المنفعة، فلا تعتبر الزيادة فيه كاليمين مع الشمال، وكذا اصابع القدمين حيث يفوت بقطع كلها منفعة المشي، فتجب الدية كاملة، ثم فيهما عشر أصابع فتنقسم الدية عليها أعشاراً، وعشر الدية الواجب بإزاء كل أصبع إنما هو بمقابلة مفاصلها، وفي كل اصبع فيها ثلاثة مفاصل، ففي كل منها ثلث دية الأصبع، وما فيها مفصلان ففي أحدهما نصف دية الأصبع، وهو نظير انقسام دية اليد على الأصابع، ففي كل مفصل من الصبع ثلاثة وثلث بعير من الإبل، إلا في الإبهام من يد أو رجل فتجب في أنملته نصف دية الأصبع، وهو خمس من الإبل أو خمسون ديناراً.

قالوا: وفي كل سن خمس من الإبل، لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه (وفي كل سن خمس من الإبل) والأسنان والأضراس والأنياب كلها سواء لإطلاق الحديث، لأن السن اسم جنس يدخل تحته اثنان وثلاثون سناً، فإذا ضرب رجل رجلاً حتى سقطت أسنانه كلها. وكان الضرب خطأ، فإنه يجب عليه دية وثلاثة أخماس الدية وهي من الدراهم ستة عشر الضرب عمداً، وجب القصاص على الجاني، حيث يمكن المماثلة، وسواء قلعت السن من أصلها، أو لم يبق إلا المغيب في اللحم، وسواء بعد أن كانت السن بيضاء فصار بالجناية عليها سوداء، لأنه اذهب جمالها، ولها إذا اسودت ثم انقلعت، أو تغيرت بحمرة أو صفرة بعد بياضها إن كانت الحمرة

ص: 303

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والصفرة في العرف كالسوداء في إذهاب جمالها، وفي قلع سن المرأة الحرة المسلمة بعيران ونصف، والذمي بعير وثلثان، ولمجوسي ثلث بغير، ولرقيق نصف عشر قيمته وهكذا، ومن ضرب عضواً فأذهب منفعته ففيه دية كالمة، كاليد إذا شلت، والعين إذا ذهب ضوءها، لأن المتعلق توفيت جنس المنفعة، لا فوات الصورة، فإنه إذا قطع اليد الشلاء فإنه تجب عليه حكومة عدل لا الدية، لأن المقصود باليد كمال المنفعة ولما كانت النفعة غير كاملة لم تتكامل الجناية، من حيث تفويت الجمال، فإن كان بها نفع تام فكالسليمة في وجوب القصاص، أو الدية.

ومن ضرب صلب غيره فأحدبه، وقوص ظهره تجب عليه دية كاملة، لأنه فوت جمالاً على الكمال، وهو استواء القامة، فلو زالت الحدوبة، لا شيء عليه، لزوالها لا عن أثر، وفي شفري المرأة، وهما اللحمان المحيطان بالفرج المغطيان العظم، تجب دية كاملة إن بدا العظم من دية المرأة فإن لم يظهر العظم فحكومة، وفي أحد الشفرين إن بدا العظم نصف دية، لأن فيهما جمالاً ومنفعة إذ بهما يقع الالتذاذ بالجماع وبهما تمسك البول والدم، وهما من كمال جمالها.

وقي قطع قضيب الذكر إلى ليس فيه حشفة لقطعها قبل حكومة، وفي قطع الحشفة وهي رأس الذكر دية كاملة، وفي قطع بعضها بحسابها من الحشفة، فتقاس الحشفة لا الذكر، فإن قطع ربع الحشفة فعليه ربع دية، وإن قطع ثلثها فعليه ثلث دية، وإن قطع نصفها فعليه نصف الدية وهكذا.

قالوا: وتتعدد الدية بتعدد الجناية، فإذا قطع يديه، فزال عقله بسببها تجب عليه ديتان، دية اليدين ودية للعقل، ولو زال من ذلك القطع بصره أيضاً، تجب عليه ثلاث ديات، واحدة لليدين، وثانية للعقل، ودية ثالثة للبصر، لأن كل واحدة منهم منفعة مقصودة، وقد زالت، وهكذا وقد روي أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قضى بأربع ديات في ضربة واحدة، ذهب بها العقل، والكلام، والسمع، والبصر، مع بقاء الرجل حياً، واخذ أربع ديات، وذلك لعظم حرمة أعضاء الآدمي.

قالوا: وفي كسر عظم اللحيين عليه دية. لأن فيهما جمالاً ومنفعة، فوجب فيهما الدية وفي كسر أحدهما نصف الدية كالأذنين، وهما عظمتان تثبت عليهما السنان السفلى وملتقاهما الذقن، أما العليا فمنبتها عظم الرأس.

وقد استشكل بعض العلماء في إيجاب الدية في اللحيين، بأن لم يرد فيهما خبر عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم: والقياس لا يقتضيه لأنهما من العظام الداخلة، فيشبهان الترقوة، والضلع، وأيضاً فإنه لا دية في عظم الساعد، والعضد، والساق، والفخذ، وهي عظام فيها جمال ومنفعة، فجب فيها حكومة عدل حسب خطورتها.

وأجيب: بأنهما لما كانا من الوجه كانا أشرف من غيرهما، فوجب فيهما الدية.

قالوا: ولا يدخل أرش الأسنان في دية فك اللحيين في الأصح، لأن كلاً منهما مستقل برأسه، وله بدل مقدر، واسم يخصه، فلا يدخل أحدهما في الآخر، كالأسنان واللسان.

ص: 304

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقيل: يدخل أرش الأسنان في دية الفك كما تدخل حكومة الكف في دية الأصابع، ورد عليه، بأن اسم اليد يشمل الكف والأصابع، ولا يشمل اسم اللحيين والأسنان، وبأن اللحيين كاملا الخلق قبل الأسنان، بدليل الطفل، بخلاف الكف مع الأصابع، لأنهما كالعضو الواحد.

الأئمة الثلاثة قالوا: في الأليتين وهما الناتئان عن البدن عن استواء الظهر والفخذ، إذا قطعا خطأ تجب الدية كاملة، لما فيهما من الجمال والمنفعة، في الركوب والعقود، وفي قطع أحدهما نصف الدية، وفي البعض بقسطه إن عرف قدره، وإلا فالحكومة، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، ولا نطر إلى اختلاف البدن الناتئ، واختلاف الناس فيه كاختلافهم في سائر الأعضاء، ولا يشترط في وجوب الدية بلوغ الحديد إلى عظم الفخذ، ولو نبت ما قطع لم تسقط الدية على الطاهر، أما إذا قطعتا عمداً فيجب القصاص فيهما أو في أحدهما.

المالكية - قالوا: في إحدى روايتهم: في أليتي المرأة إذ قطعا خطأ حكومة قياساً على اليتي الرجل وعمداً القصاص.

الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى - قالوا: في سلخ الجلد تجب دية المسلوخ منه، إن لم ينبت إن في الجلد جمالاً ومنفعة ظاهرة، وذلك إن بقيت فيه حياة مستقرة. لأن إيجاب الدية فيه إنما يظهر إن فرضت الحياة المذكورة بعد سلخ المجني عليه، وإن مات بسبب آخر غير السلخ كأن قطع غير السالخ رقبته بعد حودث السلخ، فيجب على الجاني القصاص لأنه أزهق روحه، ويجب على السالخ الدية، ومثل حز غير السالخ ما لو انهدم عليه حائط، أو دهمه قطار، أو نحو ذلك.

فإن مات المجني عليه بسبب سلخ جلده، أو لم يمت لكن حز السالخ رقبته بعد ذلك فالواجب حينئذ دية النفس إن عفا عن القود، وإلا فيجب القصاص.

قالوا: وفي كسر الترقوة. وهو بفتح التاء: العظم المتصل بين المنكب، وثغرة النحر تجب فيه حكومة، كسائر العظام.

وقيل: الواجب فيها جمل لما روي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قضى بذلك، ووافقت الصحابة عليه، من غير نكير من واحد منهم وحمله الأول على أن الحكومة كانت في الواقعة قدر جمل، ولكل إنسان ترقوتان يميناً، ويساراً.

قالوا: وفي إبطال البطش من يدي المجني عليه بجناية عليهما فشلتا دية، لزوال منفعتهما، وفي إبطال المشي من الرجلين بجناية على صلب تجب فيه دية كاملة، لفوات المنفعة المقصودة منهما، وفي إبطال بطش، أو مس يد، أو رجل، أو إصبع ديتها.

ولا تؤخذ الدية حتى يندمل الجرح فإن انجبر وعولج وعاد بطشه، أو مسه، أو قدرة المشي على الرجلين فلا تجب الدية، وإن بقي شين بعد البرء، فتجب حكومة عدل، وفي نقص كل من البطش والمشي، إن لم ينضبط حكومة، لما فات من المنفعة والجمال، ويختلف بحسب النقص قلة وكثرة،

ص: 305

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وسواء احتاج في مشيه لعصا يتوكأ عليها، أم لا فإن انضبط النقص وجب القسط من الدية، كالسمع، والبصر، والكلام وغيرهما. ولو كسر صلب المجني عليه فذهب مع سلامة الرجل، والذكر، مشيه، وجماعه، أو ذهب عنه مشيه، ومنيه، فتجب له ديتان، واحدة للرجلين والثانية لذهاب منهي، لأن كل واحد منهما مضمون بالدية عند الانفراد، فكذا عند الاجتماع، ومنفعة كل منهما مستقلة.

وقيل: تجب دية واحدة لأن الصلب محل المني، ومنه يبتدي المشي، وينشأ الجماع واتحاد المحمل يقتضي اتحاد الدية، ورد الأول بعدم اتحاد المحل. وهو الراجح.

وعلى الرأي الأول، لو ضربه فشلت رجلاه، وكسر صلبه، وانقطع منيه، وجب عليه ثلاث ديات واحدة للرجلين، وثانية للصلب، وثالثة لانقطاع المني، وإن شل ذكره أيضاً، وجب عليه أربع ديات، الثلاثة السابقة، والرابعة لشلل الذكر وعدم القدرة على الجماع.

قالوا: في الشفتين الدية، وفي قطع إحداهما نصف الدية، لما ورد في كتاب عمرو بن حزم:(وفي الشفتين الدية) ولما فيهما من الجمال والمنفعة، إذ الكلام يتميز بهما، ويمسكان الريق والطعام. ويمنعان الحشرات والأتربة من دخول البطن، والإشلال كالقطع. اهـ.

مبحث القصاص فيما دون النفس.

اتفق الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى: على أن من قطع يد غره من المفصل عمداً قطعت يده من المفصل، وإن كانت يده أكبر من اليد المقطوع،، لقوله تعالى:{والجروح قصاص} (آية 45 من سورة المائدة) وهو ينبئ عن المماثلة فكل ما أمكن رعايتها فيه يجب فيه القصاص، وما لا يمكن رعاية المماثلة فيه، فلا يجب فيه القصاص، وقد أمكن رعاية المماثلة في القطع من المفصل، فاعتبر، ولا معتبر بكبر اليد وصغرها لأن منفعة اليد لا تختلف بذلك، وكذلك قطع الرجل، وقطع مارن الأنف، وقطع الأذن الظاهرة، لإمكان رعاية المماثلة، فإن قطع الأصابع ثم قطع الكف هو أو غيره، بعد الاندمال أو قبله وجب حكومة في الكف، وكذلك إن قطع فوق الكف، ومن ضرب عين رجل بحديدة عمداً فقلعها لا قصاص عليه لامتناع المماثلة في القلع، أما إن كانت العين قائمة فذهب ضوءها فعليه القصاص، لإمكان المماثلة، بأن تحمى له المرآة ويجعل على وجهه قطن رطب، وتقابل عينه بالمرآة، فيذهب ضوءها، وهو مأثور عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم، ولو كانت عين أحول، أو أعمش أو أعور، أو عين أخفش، أو عين أعشى، لأن المنفعة باقية بأعين من ذكر.

قالوا: وفي السن يجب القصاص لقوله تعالى: {والسن بالسن} (آية 45 من سورة المائدة) وإن كان سن من يقتص منه أكبر من سن الآخر، لأن منفعة السن لا تتفاوت بالصغر والكبر، ولا قصاص في عظم إلا في السن

ص: 306

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وهذا للفظ مروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأبن مسعود رضي الله تعالى عنهما وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا قصاص في العظم) والمراد غير السن، لأن اعتبار المماثلة في غير السن متعذر، لاحتمال الزيادة والنقصان، بخلاف السن لأنه يبرد بالمبرد، ولو أقلع من أصله بقلع الثاني فيتماثلان، (وقد روي أن الربيع عمة أنس بن مالك رضي الله عنه كسرت ثنية جارية من الأنصار بلطمة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقصاص) .

قالوا: وليس فيما دون النفس شبه عمد، إنما هو عمد أو خطا، لأن شبه العمد يعود إلى الآلة، والقتل هو الذي يختلف باختلافها دون الأطراف، لأنه لا يختلف إتلافها، باختلاف الآلة فلم يبق إلا العمد والخطأ - ولأن شبه العمد إذا حصل فيما دون النفس وأمكن فيه القصاص جعل عمداً، وإن لم يمكن القصاص جعل خطأ.

قالوا: ومن قطع يد رجل من نصف الساعد، أو جرحه جائفة فبرأ منها، فلا قصاص عليه، لأنه لا يمكن اعتبار المماثلة فيه، إذ الأول كسر العظم، ولا ضابط فيه، وكذا البرء نادر فيفضي الثاني إلى الهلاك ظاهراً، - ولو قطع اليد من وسط الذراع، أو قطعها من وسط العضد، اقتص منه من الكف، فيقطع من الكوع في الصورة الأولى، لأنه أقرب موضع من محل الكسر، وتجب في الباقي حكومة، وهو جزء مقدر من الدية، لتقدر القصاص فيها، وله أن يعفو في المسألتين، أو يعدل إلى المال، ولو طلب أن يقطع من الكوع في المسألة الثانية يمكن.

مبحث قطع اليد الشلاء بالصحيحة

ذكر الأئمة رحمهم الله تعالى: أنه إذا كانت يد المقطوع صحيحة، ويد القاطع شلاء، أو ناقصة الأصابع، فالمقطوع بالخيار إن شاء قطع اليد المعيبة، ولا شيء له غيرها وإن شاء أخذ الأرش كاملاً لأن استيفاء الحق كاملاً متعذر، فله أن يتجوز بدون حقه، وله أن يعدل إلى العض، كالمثلي إذا انصرم عن أيدي الناس بعد الإختلاف، ثم إذا استوفاها ناقصاً فقد رضي به، فيسقط حقه كما إذا رضي بالرديء مكان الجيد.

قالوا: ومن شج رجلاً فاستوعبت الشجة ما بين قرني الشاج، فالمشجوج بالخيار، إن شاء اقتص بمقدار شجته، يبتدئ من أي الجانبين شاء، وإن شاء أخذا الرش لأن الشجة موجبة لكونها مشينة فقطن فيزداد الشين بزيادتها، وفي استيفاء ما بين قرني الشاج زيادة على ما فعلن ولا يلحقه من الشين باستيفائه قدر حقه ما يلحق المشجوج، فينتقص، فيخير، كما في الشلاء والصحيحة، وفي عكسه يخير أيضاً، لأنه يتعذر الاستيفاء كاملاً للتعدي إلى غير حقه، وكذا إذا كانت الشجة في طول الرأس، وهي تأخذ من جبهته، إلى قفاه، ولا تبلغ إلى قفا الشاج، فهو بالخيار لأن المعنى لا يختلف.

ص: 307

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قالوا: ولا قصاص في اللسان، ولا في الذكر، لأنه ينقبض، وينبسط فلا يمكن اعتبار المساواة، إلا أن تقطع الحشفة، لأن موضع القطع معلوم كالمفصل، ولو قطع بعض الحشفة أو بعض الذكر، فلا قصاص فيه، لأن البعض لا يعلم مقداره. بخلاف الأذن إذا قطع كله، أو بعضه، لأنه ينقبض ولا ينبسط وله حد يعرف، فيمكن اعتبار المساواة، والشفة إذا استقصاءها بالقطع يجب القصاص، لإمكان اعتبار المساواة فيها، بخلاف ما إذا قطع بعضها، لأنه يتعذر اتبار المساواة فيها، لأنها تنقبض وتنبسط.

الشافعية - قالوا: يقتص من الذكر إذا قطع من أصله، واللسان، ومارن الأنف، والأنثيين وشفرتي الفرج، إذا أمكن استيعاب القصاص في هذه الأعضاء، من غير جيف، بأن لا يزيد على اخذ الواجب، وإن لم يكن القصاص إلا بإجافة الجاني فلا قصاص سواء أجافه الجاني أم لا، نعم إن مات المجني عليه بسبب قطع عضو من هذه الأعضاء، قطع الجاني ثم انتظر حتى يموت بسب السراية، وإذا مضت المدة المحددة ولم يمت تحز رأسه قصاصاً.

قالوا: ولا يؤخذ يمين من يد، أو رجل، أو عين، أو منخر، أو أنثيين، أو شفرتين، أو أليتين، بيسار منها، ولا يؤخذ أعلى من جفن، أو أنملة من إصبع يد، أو رجل، أو سن بأسف من المذكورات، والمساواة في جميع ذلك، لاختلاف المنافع باختلاف المحال ولا يؤخذ صحيح كل من الأعضاء بعضو أشل منها، وإن رضي الجانيين لأن العضو الشل مسلوب المنفعة، وهو الذي لا عمل له مثل الحدقة البصيرة، لا تؤخذ بيسار من هذه الأشياء المذكورة بيمين، ولا أسفل بأعلى لانتفاء الاشتراك، والمماثلة، والمساواة في جميع ذلك، لاختلاف المنافع باختلاف المحال ولا يؤخذ المحال ولا يؤخذ صحيح كل من الأعضاء بعضو البصيرة، لا تؤخذ بالعمياء، وغير ذلك ويستثنى من ذلك الأنف، والأذن، فيؤخذ الصحيح منها بالمستحشف لبقاء منفعتها من جمع الصوت والريح، والزينة - وإن قطع ذكره من أصله، وأنثياه يجب للحر فيه ديتان كاملتان. ويجوز أن يقطع الأضعف من الأعضاء بالأقوى منها، فتقطع العمياء بالصحيحة، لأنها دون حقه بشرط انقطاع الدم، فإن لم ينقطع فلا قصاص، لما فيه من استيفاء النفس بالطرف، وهو إجحاف بالجاني، ولا قصاص في كسر عظم، لعدم الوثوق بالمماثلة فيه، لأنه لا ينضبط، مثل عظام الأضلاع، والظهر، والساعد، والساق، والفخذ، والعضد،

قالوا: ويجب القصاص في كل جرح انتهى ووصل إلى عظم من غير كسر، وذلك مثل الموضحة في الوجه والرأس، وهي التي تصل إلى العظم وتضحه بعد حرف الجلد، حيث أنه يتيسر ضبطها، واستيفاء مثلها من جسم الجاني، وكذلك جرح العضد، وجرح لحم الساق، وجرح الفخذ، فهذه الثلاثة يجب القصاص فيما ينتهي من الجرح إلى عظم، وذلك لتيسر استيفائها، وإن خالفت هذه الجروح في سائر البدن الموضحة، في الوجه والرأس، فإنهما فيهما ارش مقدر من الشارع بخمسة أبعرة. وأما في غيرهما ففيهما حكومة عدل مثل غيرها من باقي الجروح - أما العين العمياء، والأذن الصماء، واللسان الأخرس، واليد المشلولة، والرجل المشلولة، والذكر المشلول، والأنثيان المخصيتان، ففي كل هذه حكومة فقط.

ص: 308

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مبحث سقوط يد الجاني أو قطعها

الحنفية - قالوا: إذا كانت يد المقطوع صحيحة، ويد القاطع شلاء وخيره الحاكم بين قطع اليد الشلاء، ولا أرش له، وبين أن يأخذ الأرش كاملاً، فسقطت اليد المريضة قبل اختيار المجني عليه، أو قطعت ظلماً، في مدة الاختيار، سقط حقه في هذه الحالة، ولا شيء له عند الجاني، وذلك لأن حقه متعين في القصاص، وإنما ينتقل إلى المال باختياره، فيسقط بفواته بخلاف ما إذا قطعت يده بحق عليه من قصاص، أو سرقة، فإنه يجب عليه الأرش وهو نصف الدية، لأنه أوفى به حقاً مستحقاً، فصارت سالمة له معنى. ولو عولج الجاني وزال الشلل من يده قبل أن يستوفي الأرض لم يكن له إلا القصاص، لأن حقه متعين فيه عندهم.

الشافعية - قالوا: إن الواجب أحد الشيئين، أما القصاص، أو الأرش فإذا تعذر أحدهما، لفوات محله - كما في هذه الصورة - تعين الآخر وهو الأرش.

مبحث في اجتماع ديات في شخص واحد

قال الأئمة الأربعة: إذا اجتمعت ديات كثيرة في شخص واحد بجراحات متعددة، بقطع أطراف، وإبطال منافع مختلفة، وهي كثيرة عده بعضهم إلى عشرين أو أكثر، وقيل: أربعة عشر شيئاً، منها - عقل، سمع، بصر، شم، نطف، صوت، ذوق، مضغ، أمناء، إحبال، جماع، إفضاء بطش، مشي، ذهاب شعر، أو جلد، وغير ذلك وتضاف إليها المواضح، وسائر الشجاج، والجوائف، والحكومات، والكسور فيجتمع شيء كثير من الجنايات على الإنسان. قد لا ينحصر.

فإذا أزال الجاني أطرافاً من المجني عليه تقتضي ديات متعددة، كقطع أذنين، ويدين، ورجلين، وكذلك لطائف تقتضي ديات عدة، كإبطال سمع، وإبطال بصر، وإبطال شم، وإبطال ذوق، وتعطيل، نسل، وغير ذلك. فإذا حصل شيء من هذا ومات المجني عليه بسبب السراية منها، أو من بعضها، ولم يندمل البعض، فتجب على الجاني دية واحد، وتتداخل الديات، ويسقط بدل ما ذكر. لأنها صارت نفساً، أما إذا مات المجني عليه بسراية بعضها، بعد اندمال بعض آخر منها لم يدخل ما اندمل في دية النفس قطعاً، وكذا الحكم له جرحه جرحاً خفيفاً لا مدخل للسراية فيه، ثم أجافة فمات بسراية الجائفة، قبل اندمال ذلك الجرح، فلا يدخل أرشه في دية النفس، أما ما لا يقدر بالدية، فيدخل أيضاً، وكذا لو قطع الجاني عنق المجني عليه قبل اندماله من الجراحة يلزمه دية واحدة للنفس في الأصح، لأن دية النفس وجبت قبل استقرار ما عداها - فيدخل فيها بدله كالسراية.

وقيل: تجب ديات ما تقدم من أنواع الجراحة، لأن السراية قد انقطعت بالقتل فأشبه أنقطاعها بالاندمال، لأن الآدمي مضمون مقدر، ولأن الثابت في ضمانه التقيد.

ص: 309

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فإن كان الفعل مختلفاً. كأن حز الرقبة عمداً، والجنايات الحاصلة قبل الحز حصلت خطأ، أو شبه عمد، أو عكسه، كأن حزه خطأ، والجنايات وقعت عمداً، أو شبه عمد، فلا تداخل لشيء مما دون النفس، فيها، في الأصح من المذاهب، بل يجب دية الطرف والنفس لاختلافهما، واختلاف من تجب عليه، فلو قطع يديه، ورجليه خطأ، أو شبه عمد، ثم قطع رقبته عمداً، أو قطع هذه الأطراف عمداً، ثم حز الرقبة خطأ أو شبه عمد، وعفا الأول في العمد على ديته، وجبت في الصورة الأولى دية خطأ، أو شبه عمد، ودية عمد: وفي الصورة الثانية ديتا عمد، ودية خطا، وقيل: تسقط الديات فينهما.

ولو حز الرقبة غير الجاني المتقدم تعددت الديات، لأن فعل الإنسان لا يدخل في فعل غيره، فيلزم كل منهما ما أوجبه، فالذي اعتدى بجناية الجراحات يدفع دياتها، والذي قتله يدفع ديته. اهـ.

مبحث ما تجب فيه الحكومة.

اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى: على أن الشيء الذي يوجب مالاً. لا مقدر فيه من الدية، ولم تعرف نسبته من مقدر، مثل الضلع، والصدر، والفخذ، والزند، وغيرها، أما إذا عرفت نسبته منه كأن كان بقرب موضحة، أو جائفة، فيجب أكثر من قسطه، وحكومة، وهي جز من الدية، نسبته إلى دية النفس في الأصح، وقيل: نسبته إلى عضو الجناية، نسبة نقص الجناية من قيمة المجني عليه، لو كان رقيقاً بصفاته التي هو عليها، وذلك مثل جرح يده، فيقال: كم قيمة المجني عليهً بصفاته التي هو عليها، بغير جناية لو كان عبداً رقيقاً؟ فإذا قيل: مائة دينار، فيقال: كم قيمته بعد حصول الجناية عليه؟ فإذا قيل: تسعون، فيكون التفاوت العشر، فيجب في هذه الحالة عشر دية النفس وهو عشر من الإبل إذا كان المجني عليه حراً، ذكراً، مسلماً، لأن الجملة مضمونة بالدية المقدرة من الشارع الحكيم، فتضمن الأجزاء بجزء منها، كما في نظيره من عيب المبيع.

والقول الثاني: أن تنسب إلى عضو الجناية، لا إلى دية النفس، فيجب في هذه الصورة عشر دية اليد التي وقعت عليها الجناية، وهو خمس من الإبل، فإن كانت الجناية على إصبع واحد، وجب بعير، أو الجناية وقعت على أنملة من إصبع وجب ثلث بعير في غير الإبهام، ويقاس على ذلك ما أشبهه من القضايا.

وللحاجة في معرفة الحكومة إلى تقدير الرق.

قال الأئمة: العبد اصل الحر في الجنايات التي لا يتقدر أرشها، كما أن الحر أصل العبد، في الجنايات التي قدر الشارع أرشها، وتجب الحكومة إبلاً كالدية، أو تجب نقداً، فطلاً من الأمرين جائز، حسب الظروف المناسبة للمتقاضين، لأنه يوصل إلى الغرض المطلوب، وهو دفع الضمان، وتعويض المجني عليه عما أصابه، ومحل الخلاف إذا كانت الجناية على عضو له ارش مقدر، فإن كانت الجناية على عضو ليس له أرش مقدر مثل الصدر، أو الفخذ، أو نحو ذلك اعتبرت الحكومة من

ص: 310

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دية النفس قطعاً، وتقدر لحية امرأة أزيلت ففسد منبتها، لحية عبد كبير يتزين بها، ومثلها الخنثى ولو قلع سناً، أو قطع إصبعاً زائدة، ولم ينقص بذلك شيء، قدرت زائدة لا أصلية خلفها، ويقوم له المجني عليه منصفاً بذلكن ثم يقوم مقطوع الزائد، فيظهر التفاوت بذلك لأن الزائدة تشد الوجه، ويحصل بها نوع جمال، ويستثنى من اعتبار النسبة لو قطع أنملة لها طرف زائد، فيجب فيها مع دية أنملة حكومة، يقدرها القاضي باجتهاده، ولا يعتبر النسبة لعدم إمكانها فإن كانت الحكومة لأجل طرف له أرش مقدر، كاليد، والرجل مثلاً، اشترط فيها أن لا تبلغ تلك الحكومة مقدر الطرف، لئلا تكون الجناية على العضو مع بقائه مضمونة بما يضمن به العضو نفسه، فينقص حكومة الأنملة بجرحها، أو قطع ظفرها عن يدها، وحكومة جراحة الإصبع بطوله عن ديته، ولا يبلغ بحكومة ما دون الجائفة من الجراحات على البطن، أو نحوه أرش الجائفة، فإن بلغته نقص القاضي منه شيئاً باجتهاده لئلا يلزم المحذور السابع، ولا يكفي أقل متمول كما قاله الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.

أو كانت الحكومة لطرف لا تقدير فيه، ولا يتبع مقدراً، كفخذ، وساعد ليد، وظهر، وكف يدن فالشرط أن لا تبلغ حكومته دية نفس، وهو معلوم إنها لا تصل إلى ذلك لأن الكل أكثر من الجزء، بل المراد أن لا يصير بلوغها أرش عضو مقدر، وإن زادت عليه فإن تبع مقدراً، كالكف فإنه يتبع الأصابع، فالشرط فيه أن لا يبلغ ذلك دية المقدر وإن بلغ بحكومة الكف دية إصبع واحد جاز، لأن منفعتها رفعاً، واحتواشاً تزيد على منفعة إصبع، كما أن حكومة اليد الشلاء، لا تبلغ دية اليد السلمية، ويجوز أن تبلغ دية الإصبع، ويجوز أن تزيد عليها، وإنما لم يجعل الساعد كالكف حتى لا يبلغ بحكومة جرحه دية الأصابع، لأن الكف هي التي تتبع الأصابع لقربها، دون الساعد، لبعده عن الأصابع، ولهذا لو قطع من الكوع لزمه ما يلزمه في لفظ الأصابع، ولو قطعت اليد من المرفق لزمه مع نصف الدية حكومة الساعد.

قالوا: ويقوم لمعرفة الحكومة، المجني عليه بغرض رقه، لكن بعد اندمال الجروح لا قبله، لأن الجراحة قد تسري إلى النفس فتزهقها، أو تسري إلى إتلاف ما يكون واجبه مقدراً من الأعضاء، فيكون ذلك هو الواجب لا الحكومة. فإن لم يبق بعد اندمال الجروح نقص في المنفعة، ولا نقص في الجمال، ولا تأثرت به القيمة، اعتبر فيه أقرب نقص، من حالات نقص فيه، إلى الاندمال، وهكذا، وذلك لئلا تحيط الجناية على المعصوم، فإذا لم يظهر النقص إلا حال سيلان الدم، اعتبرنا القيمة حينئذ، واعتبرنا الجراحة دامية.

وأما إذا كانت الجراحة خفيفة لا تؤثر في حال سيلان الدم فإنه يعزر الجاني، إلحاقاً لهما، باللطمة، والضربة التي لم يبق لها أثر للضرورة، لانسداد باب التقويم الذي هو عمدة الحكومة.

وقيل: يقدر النقص المذكور، قاض، باجتهاده، لئلا تكون الجناية إن غير غرم.

وقيل: لا غرم حينئذ، بل الواجب التعزير كالضربة، والصفعة التي لم يبق لها أثر، والجرح المقدر أرشه، كموضحة، يبتعه الشين الكائن حواليه، ولا يفرد بحكومة، والجرح الذي لا يتقدر أرشه كدامية، يقدر الشين حواليه بحكومة عن حكومة الجرح، لضعف الحكومة عن الاستتباع اهـ.

ص: 311

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المالكية رحمهم الله قالوا: يشترط في القصاص من جراح الجسد غير الرأس اتحاد

المحل. فلا يجوز أن يقتص من جرح عضو أيمن في عضو أيسر، ولا عكسه، ولا يجوز أن تقطع سباية مثلاً بإبهام، ولو كان المجني عليه طويلاً، وعضو الجاني قصيراً فلا يكمل بقية الجرح من عضوه الثاني.

ويقتص من الطبيب الذي يباشر القصاص من الجاني إذا زاد على المساحة المطلوبة عمداً فيقتص منه بقدر ما زاد، أما لو نقص عن المطلوب عمداً أو خطأ فلا يقتص ثانياً، فإن مات المقتص منه من اثر القصاص لتعديه ما أمر به.

وإذا لم يتحد المحل، أو لم يتعمد الطبيب الزيادة بل أخطأ، تجب الدية على الجاني، فإذا قطع الجاني خنصراً مثلاً، ولا خنصر له، فلا يجب القصاص لعدم اتحاد المحل، وتعين العقل، فإن كانت الجناية عمداً، أو أقل من ثلث الدية وجبت في مال الجاني، وإن كانت الجناية خطأ، ولكنها أكثر من ثلث الدية فتجب الدية على العاقلة، وذلك كحدقة عين أعمى جنى عليها صاحب عين سالمة واقتلعها، فإن السالمة لا تؤخذ بالعين التالفة، لعدم المماثلة، فلا يجب القصاص، ولا تجب نصف الدية، بل يلزمه حكومة عدل بالاجتهاد، في قيمة خسارة العين العمياء.

أما إذا كان الجاني رجلاً اعمى، وفقأ عين رجل سليمة، فلا يجب القصاص، فإنه لا تؤخذ السليمة بالعمياء، بل تجب نصف الدية على الجاني ولو كانت الجناية عمداً، وكذلك لسان الأبكم الذي لا يتكلم لا يقطع بالناطق، ولا عكسه، بل يجب في اللسان الناطق الدية، وتجب في اللسان الأبكم حكومة، كما قيل في العين العمياء، والعين البصيرة.

ولا قصاص في ضربة على الخد إذا لم ينشأ عنها جرح، ولا ذهاب منفعة ولا عقل منها ولا قصاص من ضربة بيد، أو رجل بغير وجه، كصفع بقفا، لم ينشأ عنها جرح ولا ذهاب منفعة كاللطمة، ولا قصاص من إزالة شعر اللحية، ولا من إزالة شفر عين، بضم الشين المعجمة، وسكون الفاء، وهو الهدب، ولا من إزالة شعر حاجب، فعمد هذه المذكورات كالخطأ عدم القصاص والعقل، وإنما يجب الأدب في عمدها دون خطئها، وتجب حكومة في شعر اللحية، وشعر العين، وشعر الحاجب إن لم ينبت كما كان اولاً، لأن الأهداب والحواجب ليست أعضاء لها منفعة ولا فعل بين ضروري في الخلقة، أما إذا نشأ من هذه الضربات جرح، أو ذهاب منفعة، فإنه يجب فيها القصاص. أما الضرب بالسوط فيجب في عمدها القصاص، وإن لم ينشأ عنه جرح، ولا ذهاب منفعة، لأن الضرب بالسوط عهد للأدب والحدود، وليس فيه متألف في العادة.

ولا قصاص أن عظم الخطر في الجراحات التي في الجسد غير المثقلة، والآمة، فإنه لاقصاص فيها من غير قيد بعظم الخطر، لأن شأنهما عظم الخطر، فلا قصاص في كسر عظم الصدر، وكسر

ص: 312

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عظم الصلب، ورض الأنثيين، وفيها العقل كاملاً بعد البرء، وذلك بخلاف ما إذا قطعهما، أو جرحهما فإنه يجب القصاص على الجاني، لأنه ليس من المتالف.

وأن جرحه جرحاً في القصاص كموضحة مثلاً، فذهب بسببه نمو بصره، أو شلت يده، اقتص منه، ويجب أن يفعل بالجاني بعد تمام برء المجني عليه مثل ما فعل من الجناية، فإن حصل للجاني مثل الذاهب من المجني عليه، أو زاد الذاهب من الجاني، بأن ذهب بسبب الموضحة شيء آخر مع الذاهب، بأن أوضح فذهب بصره وسمعه، فلا كلام لذلك الجاني الذي اقتص منه، لأنه ظالم يستحق القصاص بالوجه الذي فعل به، والزيادة أمر من الله تعالى، وإذا لم يحصل للجاني مثل الذاهب من المجني عليه، بأن لم يحصل شيء أصلاً، أو حصل غيره، فيجب عقل ما ذهب من المجني عليه في مال الجاني إذا كان الجرح عمداً، أو العاقلة إن كان خطأ، كأن ضربه بقضيب مما لا قصاص فيه، أو لطمه على خده، أو قفاه، لأن الضرب لا يقتص فيه، إنما يقتص من الجروح لقول تعالى {والجروح قصاص} فذهب بصر المجني عليه من أثر الضرب، فإنه لا يضرب بل يجب عليه العقل، إلا أن يمكن الاذهاب من الجاني بفعل فيه يذهب منه مثل ما أذهب بما لا قصاص فيه، كحيلة تذهب بصره بلا ضرب، فإنه يفعل به.

وإذا قطع بعد الجناية عضو رجل قاطع لعضو غيره عمداً، وسقط بآفة سماوية، أو قطع عضوه بسبب سرقة، أو قطع بقصاص لغير المجني عليه أولاً، فلا شيء للمحني عليه، لا قصاص، ولا دية، لأنه إنما تعلق حقه بالعضو المماثل وقد ذهب، وكذا لو مات القاطع فلا شيء على الورثة' بخلاف مقطوع العضو قبل حدوث الجناية فتجب عليه الدية، وفي القصاص يجوز أن يؤخذ من الجاني عضو قوي بعضو ضعيف جنى عليه، فإذا جنى صاحب عين ضعيفة الأبصار خلقة، أو من كبر صاحبها، فإن السليمة تقلع بالضعيفة، ما لم يكن الضعف جداً، وإلا فإن كان العضو شديد الضعف فإنه تجب الدية، وإن فقأ سالم العينين عين أعور، فإنه يخير المجني عليه بين فقء العين المماثلة من الجاني، وبين اخذ دية، وإن فقأ سالم العينين عين أعور، فإنه يخير المجني عليه بين فقء العين المماثلة من الجاني، وبين أخذ دية كاملة من مال الجاني، أي دية غين نفسه، وإذا كان المشهور في المذهب تحتم القصاص في العمد، وإنما وجب التخيير لعدم مساواة غين الجاني، والمجني عليه في الدية، لأن دية عين المجني عليه ألف دينار، بخلاف عين الجاني فديتها خمسمائة دينار، فلو ألزمناه بالقصاص لكان أخذ الأدنى في الأعلى، وهو ظلم له، فيجب التخيير، وإن فقأ أعور من سالم عيناً مماثلة عين الجاني السالمة، فيجوز للمجني عليه سالم العينين القصاص من الأعور الجاني بفقء عينه السالمة فيصير أعمى، أو ترك القصاص، ويأخذ من الجاني دية عينه، وهي ألف دينار على أهل الذهب، لتعين القصاص بالمماثلة، وصارت الثانية عين أعور فيها دية كاملة، لأنه ينتفع بالواحدة انتفاع صاحب العينين.

وإن فقأ الأعور من السالم غير المماثلة لعينه، بأن فقأ من السالم المماثلة للعوراء، فإنه يجب نصف دية فقط في مال الجاني، ولا يجوز للمجني عليه أن يقتص منه لعدم المحل المماثل، وإن فقأ

ص: 313

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأعور عيني السالم عمداً، في مرة، أو في مرتين، وساء فقأ التي ليس له مثلها أولاً، أو ثانيا على الرجح، فيجب القود للمجني عليه، بأن يفقأ من الجاني العين المماثلة فيصير أعمى مثله، ويأخذ من الجاني نصف الدية، بدل العين التي ليس لها ممثلة، ولم يخير سالم العينين في المماثلة، بحيث يكون له القصاص، أو أخذ الدية، لئلا يلزم عليه أخذ دية ونصف، حيث اختار الدية في العينين، وهو خلاف ما ورد عن الشارع صلوات الله وسلامه عليه.

مبحث دية الأصابع والكف

الشافعية، والمالكية، والحنفية - قالوا: في قطع اصابع اليد نصف الدية، لأن في قطعها تفويت جنس منفعة البطش وهو الموجب، فإن قطعها مع الكف ففيه أيضاً نصف الدية، لقوله صلى الله عليه وسلم:(وفي اليدين الدية، وفي إحداهما نصف الدية) ، ولأن الكف تبع للأصابع لأن البطش بها، وإن قطعها مع نصف الساعد، ففي الصابع والكف نصف الدية، وفي الزيادة حكومة عدل، لأن الشرع أوجب في اليد الواحدة نصف الدية، واليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب، فلا يزاد على تقدير الشرع، وأن قطع الكف عن المفصل وفيها أصبع واحدة ففيه عشر الدية، وإن كان أصبعان فالخمس، ولا شيء في الكف، لأن الأصابع اصل، والكف تابع حقيقة وشرعاً، لأن البطش يقوم بها ولو كان في الكف ثلاثة أصابع يجب أرش الأصابع، ولا شيء في الكف بالأجماع لأن الصابع أصول في التقوم، وللأكثر حكم الكل، فاستتبعت الكف، كما إذا كانت الأصابع قائمة بأسرها.

قالوا: وفي الصابع الزائدة حكومة عدل، تشريفاً للآدمي، لانها جزء من يده، ولكن لا منفعة فيها، ولا زينة، وكذلك السن الزائدة، فيها حكومة عدل، وإن كانت كف المجني عليه ناقصة الصابع مثلاً، لم تقطع السليمة بها، ولو قطع أصبعاً فتأكل غيرها، أو شل أصبع بجوارها أو كف، فلا قصاص في المتآكل، والمشلول بالسراية، لعدم تحقق العمديية، بل فيه الدية، أو حكومة في مال الجاني، ولو اقتص في أصبع من خمسة فسرى لغيرها لم تقع السراية. قصاصاً، بل يجب على الجاني للأصابع الأربع أربعة أخماس الدية، ولا حكومة لمنابت الصابع، بل تدخل في ديتها، ولو ضرب يده فتورمت، ثم سقطت بعد أيام وجب القصاص، ولا أثر في القصاص في يد لخضرة أظفار وسوادها، لأنه علة ومرض في الظفر، وتقطع ذاهبة الأظفار بسلميتها، لانها دونها، دون العكس، لأن الكامل لا يؤخذ بالناقص. ولو نقصت يده أصبعاً فقطع يداً كاملة قطع وعليه أرش الصبع، ولو قطع كامل اليد ناقصة، فإن شاء المقطوع أخذ دية اصابعه الربع وإن شاء قطعها، ولو قطع كفاً بلا أصابع فلا قصاص إلا أن تكون كفه مثلها، ولقد قطع فاقد الصابع كاملها قطع كفه وأخذ دية الأصابع اهـ.

مبحث في الشجاج

اتفق الأئمة الأربعة - رحمهم الله تعالى: على أن الشجاج في اللغة، والفقه، عشرة.

ص: 314

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أولها - الحارصة - وهي التي شقت الجلد، ولاتخرج الدم.

ثانيها - الدامعة - وهي التي تظهر الدم ولا تسيله، كدمع العين.

ثالثها - الدامية - وهي التي تسيل الدم، بأن تضعف الجلد بلا شق له حتى يرشح الدم.

رابعها - الباضعة - وهي التي تبضع الجلد، وتقطعه، أي - تشقه.

خامسها - المتلاحمة - وهي ما غاصت في اللحم في عدة مواضع منه، ولم تقرب للعظم.

سادسها - السمحاق: وهي التي تصل إلى السمحاق، وهي جلدة رقيقة بين اللحم، وعظم الرأس وتسمى (الملطاه) .

سابعها - الموضحة: وهي التي توضح العظم وتبينه، أي - تكشفه.

ثامنها - الهاشمة: وهي التي تهشم العظم وتكسره.

تاسعها - المنقلة: وهي التي تنقل العظم بعد الكسر، وتحوله.

عاشرها - الآمة: وهي التي تصل إلى أم الرأسن وهو الذي فه الدماغ، وتسمى (المأمومة) فقد علم بالاستقراء بحسب الآثار أن الشجاج لا تزيد على ما ذكر من العشر.

أما ما بعدها وهي - الدامغة - وهي التي تخرج الجماغ من موضعه، فإن النفس لا تبقى بعدها عادة، فيكون ذلك قتلاً لا شجاص، وهي مرتبة على الحقيقة اللغوية في الصحيح.

الموضحة

اتفق الفقهاء، على وجوب القصاص في الموضحة إن كانت عمداً، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالقصاص في الموضحة، ولأنه يمكن أن ينتهي السكين إلى العظم فيتساويان، فيتحقق القصاص، ولا يشترط فيها ما لوه بال واتساع، بل يثبت القصاص فيها، وإن كان الشج ضيقاً، ولو قدر مغرز إبرة.

واتفقوا: على أن الموضحة، إن كانت خطأ فيجب فيها نصف عشر الدية وهو خمس من الإبل وقد ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه لعمرو بن حزم، وثبت من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(في الموضحة خمس) يعني من الإبل، ولما رواه الترمذي وحسنه (في الموضحة خمس من الإبل) وذلك لحر، ذكر، مسلم، غير جنين، وتراعى هذه النسبة في حق غيره من المرأة، والكتابي وغيرهما، ففي موضحة الكتابي الخطأ، يجب بعير وثلثان، وفي موشحة المجوسي ونحوه، ثلث بعير، وفي موضحة المرأة المسلمة، الحرة، يجب بعيران، ونصف بعير، وهو نصف عشر ديتها.

موضع الموضحة

المالكية - قالوا: المضحة ما أظهرت عظم الرأس، أو عظم الجبهة وهو ما بين الحاجبين وشعر

ص: 315

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الرأس، أو عظم الخدين، واللحي الأعلى، ولا تكون في اللحي الأسفل، لأنه في حكم العنق، ولا تكون في عظم النف، وإن وجب القصاص من عمده، وذلك لأن الوجه مشتق من المواجهة، ولا مواجهة للناظر فيهما، فلو وجد في اللحي الأسفل والأنف لا يجب الأرش المقدر.

الحنفية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: الموضحة تكون في جميع الوجه والرأس، والجبهة والوجنتين، والذقن داخل في الوجه.

وأتفق الأئمة الأربع: على أن هذه الشجاج العشر المذكورة تختص بالوجه، والرأس لغة، وما كان في غير الرأس والوجه، يسمى جراحة، والحكم مرتب على الحقيقة في الصحيح، حتى لو تحققت في غيرهما نحو الساق، واليد، لا يكون لها أرش مقدر، وإنما تجب حكومة عدل، لأن التقدير بالتوقيف، وهو إنما ورد فيما يختص بهما، ولأنه إنما ورد الحكم في الموضحة لمعنى الشين الذي يلحقه ببقاء أثر الجراحة، والشين يختص بما يظهر منها في الغالب، وهو هذان العضوان لا سواهما.

بقية الشجاج

الحنفية - قالوا: لا قصاص في بقية الشجاج لأنه لا يمكن اعتبار المساواة فيها لأنه لاحد ينتهي السكين اليهن ولأن فيما قوق الموضحة، وهي الهاشمة، والمنقلة، والآمة، فيها كسر العظم، ولا قصاص فيه وهذا رواية عن أبي حنيفة رحمه الله.

وقال محمد في الأصل - وهو ظاهر الرواية - يجب القصاص فيما قبل الموضحة، لأنه يمكن اعتبار المساواة فيهن إذ ليس فيه كسر العظم، ولا خوف هلاك غالب، فيسبر غورها بمسبار، ثم تمخذ حديدة بقدر ذلك، فيقطع بها مقدرا ما قطع، فيتحقق استيفاء القصاص.

قالوا: وفيما دون الموضحة، وهي الست المتقدمة عليها، من الحارصة إلى السمحاق، يجب حكومة عدل، لأنه ليس فيها أرش مقدر، ولا يمكن غهداره، فوجب اعتبراه بحكم العد، وهو ماثور عن النخعي، وعمر بن عبد العزيز.

قالوا: وفي الهاشمة عشر الدية، وفي المنقلة عشر الدية، ونسف عشر الدية، وفي الآمة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الديةن فإن نفذت فهما جائفتان ففيهما ثلثا الدية. لما روي في كتاب عمرو بن حزم، رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(وفي الموضحة خمس من الإبل، وفي الهاشمة غشر، وفي المنقلة خمس عشر، وفي الآمة، ويروى المأمومة ثلث الدية وقال عليه الصلاة والسلام: (في الجائفة ثلث الجية) وعن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه حكم في جائفة نفذت إلى الجانب الآخر بثلثي الدية، ولأنها إذا نفذت نزلت منزلة جائفتين، إحداهما من الجانب البطن، والأخرى من جانب الظهر، وفي كل جائفة ثلث الدية. فلهذا وجب في النافذة ثلث الدية.

وقالوا: إن الجائفة تختص بالجوف، جوف الرأس، أو جوف البطن.

وتفسير حكومة العدل على ما قاله الإمام الطحاوي رحمه الله: إن يقوم مملكوكاً بدون هذا الأثر

ص: 316

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ويقوم، وبه هذا الأثر ثم ينظر إلى تفاوت ما بين القميتين، فإن كان نصف عشر القيمة، يجب نصف عشر الدية، وإن كان ربع عشر، فربع عشر.

الشافعية - قالوا: في الهاشمة مع إيضاح، أو احتاج إليه بشق لإخراج عظم، أو تقويمه، عشرة من الإبل، وهي عشر دية الكامل بالحرية، لما روي عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، أنه صلى الله عليه وسلم:(اوجب في الهاشمة عشراً من الإبل) رواه الدارقطني والبيهقي وفعل ذلك لا يكون إلا عن توقيت، وهاشمة دون إيضاح خمس من الإبل على الصح، لأن العشرة في مقابلة الإيضاح والهشم، وأرش الموضحة خمسة، فتعين أن الخمسة الباقية في مقابلة الهشم.

وقيل: في الهشم إذا خخلا عن غيضاح العظم تجب حكومة، لأنه كسر عظم بلا إيضاح، فأشبه كسر سائر العظام - ومنقلة - خمسة عشر بعيراَ، روى النسائي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونقل في كتاب (الأم) فيه الإجماع، وكذا أبن المنذر، ويجب القصاص في الموضحة فقط. وفي مأمونة ثلث الدية لخبر عمرو بن حزم بذلك قال في البحر: وهو إجماع، وفي الدامغة ما في المأمومة على الأصح المنصوص، وقيل: تزاد حكومة لخرق غشاء الدماغ.

قالوا: وإنما يجب في المأمومة، وما قبلها ما ذكر إن اتحد الجاني، وأما لو تعدد فحكمه ما يأتي: لو أوضح واحد، ذكراً، حراً، مسلماً فهشم آخر - بعد الإيضاح، أو قبله - ونقل ثالث. وام رابع، فعلى كل من الثلاثة خمس من الإبل، أما الأول فبسبب الإيضاح وأما الثاني فلأنه الزائد عليها من دية الهاشمة، وأما الثالث فلنه الزائد عليهما من دية المنقلة، وعلى الرابع تمام الثلث وهو ثمانية عشر بعيراً وثلث بعير، وهو مابين المنقلة والمأمومة.

قالوا: والشجاج الخمس التي قبل الموضحة من الحارصة إلى اسمحاق. إن عرفت نسبتها من الموضحة، بأن كان على رأسه موضحة إذا قيس بها الباضعة مثلاً عرف أن المقطوع ثلث، أو نصف في عمق اللحم، وجب قسط من أرشها بالنسبة، فإن شككنا في قدرها من الموضحة، اوجبينا اليقين، وإن لم تعرف نسبته منها فتجب حكومة عدل لا بتلغ أرض موشحة، كجرح سائر البدن، كالإيضاح والهشم، والتنقيلن فإن فيه الحكومة فقط، لأن أدلة ما مر في الإيضاح، والهشم، والتنقيل لم يشمله لاختصاص أسماء الثلاثة بجراحة الرأس، والوجه، وليس غيرهما في معناهما.

قالوا: وفي جائفة وإن صغرت ثلث دية، لثبوت ذلك في حديث عمرو بن حزم رضي الله تعالى عنه.

وهذا كالمستثنى مما قبله إذ لا جرح في البدن يقدر غيرها، وهي جرح يصل إلى جوف فيه قوة تحيل الغذاء، أو الدواء، كداخل بطن، وداخل صدر، وداخل ثغرة نحر، وداخل جبين، وداخل خاصرة، ولا فرق بين أن يجيف بحديدة، أو خشبة، ولا جائفة في الفم، والأنف، والجفن، والعين، وممر البول، إذ لا يعظم فيها الخطر على النفس كالأمور المتقدمة، ولأنها لا تعد من الأجواف، فتجب

ص: 317

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فيها حكومة، فلو وصلت الجراحة إلى الفم بإيضاح من الوجه، وجب على الجاني أرش موضحة، وهو خمس من الإبل، ولو وصلت الجراحة داخل النف، بكسر قصبة الأنف فيجب أرش هاشمة، وهة عشر من الإبل مع وجوب حكومة فيهما للفوذ إلى الفم، والأنف، لأنها جناية أخرى، ولزيادة الخطر، والقبح فيهما.

قالوا: وإن حز بسكين من كتف، أو فخذ إلى البطن فأجافه، فيجب على الجاني أرش جائفة، وهو ثلث دية - وحكومة لجراحة الكتف' أو الفخذ، لأنها في غير محل الجائفة، وإن حز بها من الصدر إلى البطن أو النحر، فيجب فيها أش جائفة بلا حكومة، لأن جميعه محل الجائفة، ولو أجافه حتى لذع كبده، أو طحاله لزمه مع دية الجائفة حكومة في ذلك، ولو كسر ضلعه كانت حكومته معتبرة بنفوذ الجائفة، فإن نفذت في غير الضلع لزمه حكومة مع الدية، وإن لم تنفذ إلا بكسره، دخلت حكومة كسره في دية الجائفة.

ولا يختلف أرش موضحة بكبرها، ولا صغرها، لاتباع الاسمن ولا بكونها بارزة، أو مستورة بالشعر، ولا يشترط أن تكون موضحة بل لو غرز فيه غبرة فوصلت إلى الجوف تسمى جائفةن ولذا قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: وهكذا كل ما في ارأس من الشجاج فهو على الأسماء اهـ.

واعلم أن الموضحة تتعدد صورة، وحكماً، ومحلاً، وفاعلاً، فلو أوضح الجاني مع اتحاد الحكم موضعين بينهما لحم، وجلد معاً. قيل: أو بينهما لحم فقط، أو جلد فقط، فموضحتان أما في الأولى فلاختلاف الصورة مع قوة الحادز، وأما في الثانية فلوجود حاجز بين الموضعين، والأصح أنها واحدة، ولو كثرت الموضحات تعدد الأرش بحسبها ولا ضبط، وقيل: لا يجب أكثر من دية النفس.

قالوا: ولو انقسمت موضحة عمداً، وخطأ فموضحتان، أو شملت رأساً ووجهاً فموضحتان، على الصحيح، ولو وسع الجاني موضحته مع اتحاد الحكم فواحدة على الصحيح وقيل: ثنتان. ولو وسع غير الجاني الموضحة، فثنتان، لأن فعل الإنسان لا ينبني على فعل غيره. كما لو قطع يد رجل، وحز آخر رقبته، فإن على كل منهما جنايته. والجائفة كالموضحة في الاتحاد، والتعدد، المتقدم، ولو طعنه بآلة نفذت في بطنه وخرجت من ظهره، أو عكسه أو نفذت من جنب وخرجت من جنب فهما جائفتان في الأصح. اعتباراً للخارجة بالداخلة، وقد ثبت أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه قضى في رجل رمى ردلاً بسهم فأنفذه بثلثي الدية، وثبت أيضاً أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قد قضى بهذا الحكم، ولا مخالف لهما فكان لإجماعاً اهـ.

المالكية رحمهم الله تعالى - قالوا: يقتص من الموضحة. ويقتص مما قبلها من كل ما لا يظهر به العظم وهي سنة. ثلاث متعلقة بالجلد، وهي، الدامية، والحارصة والسممحاق، وثلاث متعلقة باللحم، وهي الباضعة، والمتلاحمة، والملطاء، بكسر الميم.

قالوا: والهاشمة، تعتبر في القصاص إن اتحد المحل، بالمساحة حولاً، وعرضاً، وعمقاً، وما بعد الموضحة من الشجاج فلا قصاص فيه، بل يتعين فيه العقل، فيستوي عمده، وخطؤه، وهي:

ص: 318

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المتنقلة (بفتح النون كسر القاف مشددة) وهي لا تكون إلا في الرأس، أو الوجه، هي ما ينقل فيها فراش العظم، وهو العظم الرقيق الكائف فوق العظم كقشر البصل، أي ما يزيل منها الطبيب فراش العظم لأجل الدواء، ليلتئم الجرح. وإنما لم يكن فيها قصاص لشدة خطرها على النفس، وإزهاق الروح.

وآمة. بفتح الهمزة ممدودة، وهي ما أفضت لأم الدماغ، أي الجرح الواصل لأم دماغ، ولم تخرقها. وأم الدماغ جلدة رقيقة مفروشة عليه، متى انكشفت عنه مات، والدماغ اسم للمخ.

قالوا: ولا يجب القصاص إن عظم الخطر، واشتد الخوف في غير الجراحات التي بعد الموضحة. أي جراح الجسد غير المنقلة، والآمة، المتقدمتين. لأنه لا قصاص فيهما من غير قيد بعظم الخطر، لأن شأنهما عظم الخطر، والجراحات التي في الجسد ويخاف منها إزهاق الروح، ككسر عظم الصدر، وكسر عظم الصلب، أو العنق، ورض الأنثيين.

مبحث في بأخير القصاص

الحنفية - قالوا: من جرح رجلاً جراحة عمداً، ووجب القصاص، فلا يقتص منه حتى يبرأ من الجراحة، لقوله صلوات الله وسلامه عليه:(يستأني في الجراحات سنة) ولأن الجراحات يعتبر فيها مآلها لا حالها لأن حكمها في الحال غير معلوم، لأنها ربما تسري إلى النفس فيظهر أنه قتل، وإنما يستقر الأمر بالبرء.

المالكية - قالوا: يجب تأخير القصاص فيما دون النفس لعذر كبرد شديد، أو حر يخاف منه الموت، لئلا يموت فيلزم أخذ نفس بدون نفس، وكذلك يؤخر إقامة القصاص في الأطراف إذا كان الجاني مريضاً حتى يبرأ من مرضه، ويؤخر أيضاً القصاص فيما دون النفس حتى يبرأ المجروح، لاحتمال أن يموت، فيكون الواجب القتل بقسامة، وينتظر برء المجني عليه، ولو تأخر البرء سنة، خوف أن يؤول إلى النفس، أو إلى ما تحمله العاقلة، وتجب الحكومة إذا برئ على شين، وإلا ففيه الأدب في العمد.

الشافعية - قالوا: يجب أن يقتص المستحق على الفور، إن طلب ذلك في النفس جزماً، ويقتص من الجاني فيما دون النفس في الحال، اعتباراً بالقصاص في النفس، لأن الموجب قد تحقق فلا يعطل، ولأن القصاص موجب الإتلاف فيتعجل، كقيم المتلفات، والتأخير أولى لاحتمال العفو، ويجوز للمجني عليه أن يقطع الأطراف متوالية، ولو فرقت من الجاني، لأنها حقوق واجبه في الحال.

تأخير قصاص الحامل

واتفق الأئمة: على أن المرأة الحامل إذا وجب عليها القصاص في النفس أو الأطراف، إذا طلب المجني عليه حبسها، فإنها تحبس حتى تضع حملها، ويؤخر عنها القصاص في النفس والأطراف حتى

ص: 319

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تضع وترضع وليدها وينقضي النفاس، ويستغني عنها ولدها بغيرها من امرأة أخرى، أو بهيمة يحل لبنها، أو فطام حولين، إذا فقد ما يستغني الولد به، وذلك في قصاص النفس. لأنه اجتمع فيها حقان، حق الجنين وحق الولي في التعجيل، ومع الصبر يحصل استيفاء الجنين، فهو أولى من تفويت أحدهما.

أما في قصاص الطرف أو حد القذف، فيؤجل لأن في استيفائه قد يحصل إجهاض الجنين، وهو متلف له غالباً، وهو بريء، فلا يهلك بجريمة غيره، ولا فرق بين أن يكون الجنين من حلال، أو جرام، ولا بين أن يحدث بعد وجوب العقوبة، أو قبلها، حتى أن المرتدة لو حملت من الزنا بعد الردة، لا تقتل حتى تضع حملها، وأما تأخيرها لارضاع اللبأ (هو اللبن الرقيق الذي ينزل من المرأة في الأيام الأولى من الولادة) فلأن الولد لا يعيش إلا به محققاً، أو غالباً مع أن التأخير يسير، وأما تأخيرها للاستغناء بغيرها، فلأ جل حياة الولد أيضاً، فلأنه إذا وجب التأخير لوضعه فوجوبه بعد وجوده وتيقن حياته أولى، ويسن صبر الولي بالاستيفاء بعد وجود مرضعات يتناوبنه، أو لبن شاة، أو نحوه، حتى توجد امرأة فاضلة مرضعة لئلا يفسد خلقه نشؤه بالألبان المختلفة، ولبن البهيمة، وتجبر المرضعة بالأجرة، فلو وجد مراضع وامتنعن أجبر الحاكم من يرى منهن بالأجرة.

قالوا: ولو بادر المستحق وقتلها بعد انفصال الولد قبل وجود ما يغنه فمات الولد، لزمه القود فيه، لأنه تسبب في موته، كما لو حبس رجلاً ببيت ومنعه الطعام والشراب حتى مات. وإن قتلها وهي حامل، ولم ينفصل حملها، أو انفصل سالماً ثم مات بعد ذلك فلا ضمان عليه لأنه لا يعلم أنه مات بسبب الجناية، فإن انفصل ميتاً فالواجب، في غرة، وكفارة، وإن انفصل متألماً؟ ثم مات، فتجب دية وكفارة، لأن الظاهر أن تألمه وموته من موتها، والدية والغرة تجب على العاقلة، لأن الجنين لا يباشر بالجناية، ولا تتيقن حياته فيكون هلاكه خطأ، أو شبه عمد، بخلاف الكفارة، فإنها تجب في ماله خاصة، وإن قتلها الولي بأمر الحاكم - كان الضمان على الإمام علماً بالحمل، أو جهلا، أو علم الإمام وحده. لأن البحث عليه، وهو الآمر به، والمباشر كالآلة، لصدور فعله عن رأيه وبحثه.

قالوا: والصحيح تصديقها في حملها إذا أمكن حملها عادة بغير مخيلة، لقول تعالى:{ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر} من آية [228 سورة البقرة] أي من حمل أو حيض، ومن حرم عليه كتمان شيء، وجب قبوله إذا أظهره كالشهادة، لأن الرسول صلوات الله وسلامه عليه قبل قول الغامدية في الحمل، ولم يطلب منها البينة، ولا حلف يمين، أما إذا لم يمكن حملها عادة كآيسة مثلاً، فلا تصدق في ادعاء الحمل، لأن الواقع يكذبها.

وقيل: لا تصدق في اعترافها بالحمل، لأن الأصل عدم الحمل، وهي متهمة بتأخير الواجب، فلا بد من بينة تقوم على ظهور مخايله أو إقرار المستحق.

وعلى القول الأول هل تحلف أو لا؟ قولان، أرجحهما الأول. لأن لها غرضاً في التأخير.

ص: 320

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مبحث موت المجني عليه بعد القصاص.

الحنفية رحمهم الله تعالى - قالوا: إذا قطعت يد رجل عمداً، فاقتص له من يد الجاني، ثم مات المجني عليه، فإنه يقتل المقتص منه، لأنه تبين أن الجناية كانت قتل عمد، وحق المقتص له القود، واستيفاء القطع لا يوجب سقوط القود، إذا استوفى طرف من عليه القود.

وعن أبي يوسف: أنه يسقط حقه في القصاص. أنه لما اقدم على القطع فقد أبرأه عما وراءه، والحنفية: يقولون: إنما أقدم على القطع ظناً منه أن حقه فيه، وبعد السراية تبين أنه في القود، فلم يكن مبرئاً عنه بدون العلم به.

الشافعية - قالوا: لو اقتص مقطوع عضو فيه نصف الدية من قاطعه، ثم المقطوع الأول سراية، فيجب القصاص من القاطع، ويجوز لأولياء الدم العفو عنه بنصف دية فقط لأن اليد المستوفاة قبل الموت مقابلة بالنصف الآخر.

وأن مات الجاني حتف أنفه، أو قتله غير القاتل، تعين نصف الدين في تركة الجاني، ولو قطع ينده فاقتص المقطوع، ثم مات سراية، فلوليه حز رقبة الجاني في مقابلة نفس مورثه؛ فإن عفا عن حزها، فلا شيء له، لأنه استوفى ما يقابل الدية بقصاص اليدين.

مبحث الديات

المالكية، الشافعية، والحنابلة رحمهم الله تعالى - قالوا: الدية: هي المال الواجب بجناية على الحر في نفس، أو فيما دونها، وأصلها ودية مشتقة من الودي، وهو رفع الدية، ولأصل فيها الكتاب، والسنة، والإجماع، قال تعالى:{ومن قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله لا أن يصدقوا} آية 92 من النساء والأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك كثيرة، والإجماع منعقد على وجوبها في الجملة.

قالوا: يجب في قتل الذكر، الحر، المسلم، المحقون الدم، والقاتل له لا رق فيه، مائة بعير، لأن الله تعالى أوجب في الآية المذكورة دية، وبينها النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم في قوله:(في النفس مائة من الإبل) رواه النسائي.

وأول من سنها مائة عبد المطلب حد النبي صلوات الله وسلامه عليه، وجاءت الشربعة مقررة لها، والبعير يطلق على الذكر والأنثى، ولا تختلف الدية بالفضائل والرذائل، وأن اختلفت بالأديان والذكورة والأنوثة، بخلاف الجناية على الرقيق فإن فيه القيمة المختلفة، أما إذا كان المقتول غير محقون الدم كتارك الصلاة كسلاً، والزاني المحصن، إذا قتل كل منهما وهو مسلم فلا دية فيه، ولا كفارة، وقد يعرض للدية ما يغلظها وهو أحد أسباب خمسة، كون القتل عمداً، أو شبه عمد، أو في الحرم، أو للذي رحم محرم، وقد يعرض لها ما ينقصها وهو أحد أسباب أربعة: الأنوثة، والرق، وقتل

ص: 321

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الجنين، والكفر، فالأول يردها إلى الشطر، والثاني إلى القيمة، والثالث إلى الغرة، والرابع إلى الثلث.

وهي مثلثة قي قتل العمد سواء أوجب فيه قصاص وعفي عنه أم لا، كقتل الوالد ولده، والمراد بتثليثها جعلها ثلاثة أقسام. وإن كان بعضها أزيد من بعض، وهي ثلاثون حقه، وهي الناقة التي طعنت في السنة الرابعة، وثلاثون جذعة، وهي الناقة التي طعنت في السنة الخامسة، وأربعون خلفة، أي حاملاً، لخبر الإمام الترمذي بذلك، فهي مغلظة من ثلاثة أوجه، كونها على الجاني، وكونها حالة، ومن جهة السن. وهي في العمد على الجاني مثلثة معجلة، وشبه العمد مثلثة على العاقلة مؤجلة.

وإنما أوجبوا الدية حالة في العمد تعظيماً لحرمة المسلم المجني عليه، وجبراً لخاطر أولياء الدم.

قالوا: وتغلظ الدية في جرح العمد كما تغلظ في النفس من تثليث، وتربيع، لا فرق في الجرح بين ما يقتص في كالموضحة أو لا.

الحنفية رحمهم الله تعالى - قالوا: يجب في قتل العمد، وشبه العمد دية مغلظة على العاقلة والكفارة على وحرمان الميراث، لأنه جزاء القتل، والشبهة تؤثر في سقوط القصاص دون حرمان الميراث، والأصل في وجب الدية المغلظة على عاقلة القاتل في شبه العمد حديث حمل بن مالك رضي الله تعالى عنه، فقد روي عن حمل بن مالك قال: كنت بين ضرتين فضربت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط، أو بمسطح خيمة، فألقت جنيناً ميتاً، فاختصم أولياؤها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه اللام لأولياء الضاربة (دوه) فقال أخوها: اتدي من لا صاح ولا استهل ولا شرب، ولا أكل، ودم مثله يطل، فقال عليه السلام:(أسجع كسجع الكهان؟ وفي رواية (دعني وأراجيز العرب، قوموا فدوه) ولا ريب أن قضاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة على ما ذكروا في تفصيل الحديث، إنما كان بجناية شبه العمد، ودون الخطأ، فكأن وجوب الدية على العاقلة في جناية شبه العمد ثابتاً بالنص، دون القياس.

وقالوا: والأصل أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء لا بمعنى يحدث من بعد، فهي على العاقلة، اعتباراً وتجب في ثلاث سنين، لقضية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتؤجل تعظيماً لحرمة الجاني، ورحمة به، فإن المجني عليه قد نفذت في الأقدار عند انتهاء أجله المقدر والجاني ترجى توبته، والعفو عنه، إذا أجلت الدية ثلاث سنين.

ودية شبه العمد مائة من الإبل أرباعاً، خمس وعشرون بنت مخاض، وهي الناقة التي طعنت في السنة الثانية من غمرها، وخمس وعشرون بنت لبون، وهي الناقة التي طعنت ففي الثالثة. وخمس وعشرون ناقة، وهي التي طعنت في السنة الرابعة، وخمس وعشرون جذعة، وهي الناقة التي طعنت في السنة الخامسة من سنها، وإنما غلظت الدية لقوله صلى الله عليه وسلم (في نفس المؤمن مائة من الإبل) ووجه الاستدلال به، أنه الثابت منه عليه السلام وليس فيه دلالة على صفة من التغليظ، ولا بد منه بالإجماع،

ص: 322

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وما رواه غير ثابت لاختلاف الصحابة رضوان الله عليهم في صفة التغليظ، فإن عمر، وزيداً وغيرهما قالوا: مثل ما قالوا.

وقال على رضي الله عنه تجب ًثلاثاً، ثلاث وثلاثون ناقة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون خلفة، وقال أبن مسعود بمثل ما قال الحنفية أرباعاُ والرأي لا مدخل له في التقارير، فكان كالمرفوع، ويصير معارضاً لما رووه، وإذا تعارضا، كان الأخذ بالمتيقن أولى، ودية شبه العمد مثل دية العمد المحض.

قالوا: ولا يثبت التغليظ إلا في الإبل خاصة. فلا يزاد في الدراهم على عشرة آلاف درهم، ولا يزاد في الدنانير عن ألف دينار.

دية الخطأ

الحنفية - والحنابلة - قالوا: إن الدية في الخطأ مائة من الإبل على العاقلة، وتجب الكفارة في مال القاتل، والدية تكون أخماساً، عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون أبن مخاض، وعشرون ناقة، وعشرون جذعة، وهذا قول أبن مسعود رضي الله تعالى عنه أخذوا به، ولأنه أخف فكان أليف بحالة الخطأ، لأن الخاطئ معذور.

الشافعية، والمالكية - قالوا: قي قتل الخطأ تجب الدية أخماساً مؤجلة على العاقلة إلا أنهم جعلوا عشرين أبن لبون، مكان عشرين أبن مخاض، لخبر الترمذي وغيره بذلك، فهي مخففة في الخطأ من ثلاثة اوجه من كونها على العاقلة من السن في الإبل، ومن التأجيل في دفعها، ودية شبه العمد مثلثة على العاقلة، مؤجلة، فهي مخففة من وجهين، مغلظة من وجه.

أنواع الدية

الحنفية، والحنابلة - قالوا: يجوز أخذ الدراهم، والدنانير مع وجود الإبل، ولا تثبت الدية إلا من هذه الأنواع الثلاثة، الإبل، والذهب، والفضة. فمن الإبل مائة، ومن الفضة عشرة آلاف درهم، ومن الذهب ألف دينار، لأن التقدير إنما يستقيم بشيء معلوم المالية، وغير هذه الأنواع الثلاثة مجهولة المالية، ولهذا لا يقدر بها ضمان شيء مما وجب ضمانه بالإتلاف، والتقدير الإبل عرف بالآثار المشهورة.

وقال أبو يوسف، ومحمد - تثبت الدية من الإبل، والذهب، والفضة، ومن البقر مائتا بقرة، ومن الغنم ألفا شاة، ومن الحلل مائتا حلة، كل حلة ثوباً، لأن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه هكذا جعل على أهل كل مال منها.

الشافعية، والمالكية - قالوا: لا يؤخذ في الدية بقر، ولا غنم، ولا حلل - ولا غرض، ومن لزمته دية، وله أبل فتؤخذ الدية منها، ولا يكلف غيرها، لأنها تؤخذ على سبيل المواساة.

ص: 323

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقيل: تؤخذ من غالب إبل قبيلته، إن كانت إبله من غير ذلك، وإن لم يكن له إبل فتؤخذ من غالب إبل قبيلة بدوي، لأنها بدل متلف، وإلا فتؤخذ من غالب إبل أقرب بلاد إلى موضع المؤدي، ما لم تبلغ مؤنة نقلها مع قيمتها أكثر من ثمن المثل بقبيلة العدم، فإنه لا يجب حينئذ نقلها، وإذا وجب نوع من الإبل لا يعدل عنه إلى نوع من غير ذلك الواجب، ولا يعدل إلى قيمة عنه إلا بتراض من المؤدي، والمستحق، لأن المقصود بها تعظيم حرمة المجني عليه.

ولو عدمت إبل الدية، فالقديم الواجب ألف دينار على أهل الذهب، أو اثنا عشر ألف درهم فضة على أهل الدراهم، للحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم:(على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم) صححه أبن حبان والحاكم من حديث عمرو بن حزم، والقول الجديد، الواجب قيمة الإبل وقت وجوب تسليمها بالغة ما بلغت لأنها بدل متلف، فيرجع إلى قيمتها عند أعواز أصله، وتقوم بنقد غالب بلده، لأنه أقرب من غيره، وأضبط، وإن وجد بعض الإبل الواجبة أخذ الموجود منها، وقيمة الباقي.

المالكية - قالوا: لا يشترط في الإبل حد السن، وإنما المدار على أن تكون الإبل حاملاً، سواء كانت حقة، أو كانت جذعة، أو غيرهما.

واتفقوا على أنه لا تؤخذ في الدية الإبل المريضة، ولا المعيبة إلا برضى المستحق بذلك إذا كان أهلاً للتبرع، لأن الحق له، فله إسقاطه، ويثبت حمل الخلفة المأخوذة من الدية، بأهل خبرة بذلك. بأن يشهد عدلان منهم عند إنكار المستحق حملها إلحاقاً لها بالتقويم، وإن أخذها المستحق. بقولهما، أو بتصديق المستحق على حملها، ثم ماتت عند المستحق وشق جوفها فبانت حائلاً، غرمها وأخذ بدلها حاملاً، والأصح أجزاؤها قبل خمس سنين لصدق الاسم عليها.

مبحث دية المرأة، والمسيحي، واليهودي

الشافعية - قالوا: دية المرأة، والخنثى المشكل، الحران، دية كل منهما في نفس أو جرح، كنصف دية رجل حر، ممن هما على ديته. لما روى البيهقي خبر (دية المرأة نصف دية الرجل) وألحق بنفسها جرحها، وألحق بها الخنثى، لأن زيادته عليها مشكوك فيها، ففي قتل المرأة والخنثى خطأ يجب: عشر بنات مخاض، وعشر بنات لبون، وهكذا وفي قتلهما عمداً، أو شبه عمد، خمس عشرة حقة، وخمس عشرة جذعة، وعشرون خلفة.

ودية اليهودي، والنصراني، والمعاهد، والمستأمن، إذا كان معصوماً تحل مناكحته، ثلث دية مسلم نفساً، وغيرها، أما في النفس فروي مرفوعاً وقال الشافعي في الأم (قضى بذلك عمرو، وعثمان رضي الله عنهما ، ولأنه اقل ما أجمع عليه، وهذا التقدير لا يعقل بلا توقيف، ففي قتله عمداً، عشر حقائق، وعشر جذعات، وثلاث عشة خلفة وثلث، وكذلك في شبه العمد، وفي قتله الخطأ لم تغلظ.

ص: 324

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فتجب ستة وثلثان من كل من بنات المخاض، وبنات اللبون، وبني اللبون، والحقاق، والجذاع والسامرة، كاليهود والصابئة كالنصارى إن لم يكفرهما أهل ملتهما، ومجوسي له أمان ديته أخس الديات وهي ثلثا عشرة دية مسلم، كما قال به عمر، وعثمان، وأبن مسعود رضي الله تعالى عنهم ففيه عند تغليظ الدية، حقتان، وجدعتان، وخلفتان وثلثا خلفة، وعند تخفيف الدية. تجب بعير وثلث من كل سن، والمعنى في ذلك إن في اليهودي، والنصراني خمس فضائل وهي حصول كتاب، ودين كان حقاً بالإجماع، وتحل مناكحتهم وذبائحهم، وقرون بالجزية، وليس للمجوسي من هذه الخصال إلا التقرير بالجزية، فكانت ديته من الخمس من دية اليهودي والنصراني، وكذلك الوثني، كعابد شمس، وقمر، وزنديق، ومن لا ينتحل ديناً، ممن له أمان عندنا، كدخوله لنا رسولاً من قبلهم، أما الوثني الذي لا أمان له، فدمه هدر، ودية نساء من ذكر على النصف من دية رجالهم.

والمذهب عندهم أن من قتل معصوماً، ولم تبلغه دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أن تمسك بدين لم يبدل، فدية أهل ديته ديته، فإن كان كتابياً فدية كتابي، وإن كان مجوسياً فدية مجوسي، وإن تمسك بدين بدل، ولم يبلغه ما يخالفه، أو لم تبلغه دعوة نبي أصلاً، فديته كدية المجوسي.

وقيل: تجب دية أهل ديته، وقيل: لا يجب شيء لأنه ليس على دين حق، ولا عهد له ولا ذمة، وقال الزركشي: وعلى المذهب يجب فيمن تمسك الآن باليهودية، أو النصرانية دية مجوسي، لأنه لحقه التبديل - آي إذا لم تحل مناكحتم.

قالوا: ولا يجوز قتل من لم تبلغه الدعوة المحمدية، بل يعذر، ويقتص لمن أسلم بدار الحرب، ولم يهاجر منها بعد إسلامه، وإن تمكن من الهجرة، لأن العصمة بالإسلام اهـ.

الحنفية - قالوا: دية المرأة على النصف من دية الرجل، وقد ورد بهذا اللفظ موقوفاً عن الإمام على كرم الله وجهه، ومرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه، ثلث الدية وما فوقها ينتصف، وما دونه لا يتنصف وبه أخذ الإمام الشافعي. وبما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(تعاقل المرأة الرجل إلى ثلث الدية) وبما حكي عن ربيعة قال: قلت لسعيد بن المسيب: ما تقول فيمن قطع أصبع امرأة؟ قال: عليه عشر من الإبل، قلت: فإن قطع أصبعين منها؟ قال عليه عشرون من الإبل، قلت: فإن قطع ثلاث أصابع؟ قال: عليه ثلاثون من الإبل. قلت: فإن قطع أربع أصابع؟ قال: عليه عشرون من الإبل، قلت: سبحان الله! لما كثر ألمها، واشتد مصابها قل أرشها، قال: أعراقي أنت؟ فقلت: لا. بل جاهل مسترشد، أو عالم مستثبت، قال: إنه السنة، وبه أخذ الإمام الشافعي رحمه الله، والحجة عليه، ما رواه الحنفية بعمومه، وأن حالها انقص من حال الرجل، ومنفعتها أقل.

وقد ظهر أثر النقصان بالتنصيف في النفس، فكذا في أطرافها، وأجزائها، اعتباراً بها وبالثلث وما فوقه، لئلا يلزم مخالفة التبع للأصل، والحديث المروي نادر، ولو كان هذا الحكم سنة الرسول عليه الصلاة والسلام لما خالفوها.

ص: 325

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقالوا: ودية المسلم والذمي سواء، لما روي عن النبس صلوات الصلاة وسلامه عليه أنه قال:(دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار) وكذلك قضى أبو بكر، وعمر رضي الله تعالى عنهما. وما رواه الشافعي رحمه الله لم يعرف راويه، ولم يذكر في كتب الحديث، وما رووه اشهر مما رواه الإمام مالك رحمه الله، فإنه ظهر به عمل الصاحبة رضوان الله تعالى عليهم.

وذلك في العمد والخطأ من غير فرق بينهما، لعموم الآية الكريمة، إن {النفس بالنفس} ولم تنسخ بآية أخرى.

المالكية - قالوا: إن دية المرأة، ودية اليهودي، والنصراني، على النصف من دية الرجل المسلم، في العمد، والخطأ من غير فرق، وهي ستة آلاف درهم، وخمسمائة دينار، لقوله عليه الصلاة والسلام:(عقل المسلم) والكل عنده اثنا عشر ألفاً من الدراهم.

أما المجوسي المعاهد، والمرتد فدية كل منهما ثلث خمس دية المسلم خطأ وعمداً، فتكون من الذهب ستة وستين ديناراً، وثلثي دينار، ومن الورق ثمانمائة درهم، ومن الإبل ستة أبعرة وثلثا بعير، ودية أنثى كل من ذلك نصفه. فدية الحرة المسلمة من الإبل خمسون وهكذا، ودية المجوسية المرتدة أربعمائة درهم وهكذا.

الحنابلة - قالوا: إن كان للنصراني، ولليهودي عهد وقتله مسلم عمداً، فديته كدية المسلم، وإن قتله خطأ فنصف دية المسلم، أما غير المعصوم من المرتدين، ومن لا أمان لهم فإنه مقتول بكل حال، وأما من لا تحل مناكحته فهو كالمجوسي، وأما الأطراف والجراح فبالقياس على النفس اهـ.

مبحث الجناية على الجنين

الحنفية - قالوا: إن الجنين إذا كان محققاً في بطن الأم فليس له ذمة صالحة لكونه في حكم جزء من الآدمي، لكنه منفرد بالحياة معد لأن يكون نفساً له ذمة، فباعتبار هذا الوجه يكون أهلاً لوجوب الحق له من عتق، أو إرث، أو نسب، أو وصية، وباعتبار الوجه الأول لا يكون أهلاً لوجوب الحق عليه، فإما بعدما يولد فله ذمة صالحة. ولهذا لو انقلب على مال إنسان فأتلفه يكون ضامناً له، ويلزمه مهر امرأنه بعقد الولي.

فإذا ضرب رجل بطن امرأة حامل فألقت من بطنها جنيناً ميتاً، فيجب فيه غرة، وهي نصف عشر دية الرجل، إذا كان ذكراً، وفي الأنثى عشر دية المرأة، وكل منهما خمسمائة درهم، لأن نصف العشر من عشرة آلاف درهم، هو العشر من خمسة آلاف درهم. والدليل على ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(في الجنين غرة، عبد أو أمة، قيمته خمسمائة) ويروى (أو خمسمائة) والغرة على العاقلة إذا كانت خمسمائة درهم، لأن النبي صلوات الله وسلامه عليه قضى بالغرة على العاقلة، ولأنه بدل النفس، ولهذا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم دية، حيث قال:(دوه) وقالوا له: أندي من لا صاح ولا أستهل - الحديث.

ص: 326

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إلا أن العواقل لا تتحمل ما دون خمسمائة درهم. وتجب في سنة، لما روي عن محمد بن الحسن رحمه الله تعالى أنه قال:(بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله على العاقلة في سنة) ولأنه إن كان بدل النفس من حيث أنه نفس على حجة، فهو بدل العضو من حيث الاتصال بالأم فعملنا بالشبه الأول قي حق التوريث، وبالثاني في حق التأجيل إلى سنة.

ويستوي فيه الذكر والأنثى، لإطلاق الحديث، ولأن في الحيين إنما ظهر التفاوت، لتفاوت معاني الآدمية، ولا تفاوت في الجنين، فيقدر بمقدار واحد، وهو خمسمائة.

فإن ألقته حياً ثم مات. فتجب في دية كاملة، لأنه أتلف حياً بالضرب السابق.

وإن ألقته ميتاً ثم ماتت ألم بعده، فعليه دية بقتل ألم، وعليه غرة بإلقائها الجنين، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في هذا بالدية، والغرة.

وإن ماتت الأم من الضربة ثم خرج الجنين بعد ذلك حياً، ثم مات، فتجب عليه دية في الأم، ودية في الجنين، لأن موت الأم أحد سببي موته، لأنه يختنق بموتها، إذ تنفسه بتنفسها، فلا يجب الضمان بالشك، وما يجب في الجنين موروث عنه، لأنه بدل نفسه فيرثه، ورثته، ولا يرثه الضارب، حتى لو ضرب بطن امرأنه فألقت ابنه ميتاً، فعلى عاقلة الأب غرة ولا يرث منها، لأنه قالت بغير حق مباشرة، ولا ميراث للقال، هذا في جنين المرأة الحرة، وأما جنين الامة إذا كان ذكرا فيجب نصف عشر قمته لو كان حياً، وعشر قمته لو كان أنثى، لأنه بدل نفسه، لأن ضمان الطرف لا يجب إلا عند ظهور النقصان، ولا معتبر به في ضمان الجنين فكان بدل نفسه فيقدر بها، ويجب في مال الضارب مطلقاً من غير تقييد بالبلوغ إلى خمسمائة درهم.

وقال أبو يوسف: يجب ضمان النقصان لو انتقصت الأم اعتباراً بجنين البهائم، ولأن الضمان في قتل الرقيق ضمان ماله عنده. فصح الاعتبار على اصله.

فإن ضربت الأمة، فاعتق المولى ما في بطنها، ثم ألقته حياً، ثم مات، ففيه قيمته حياً، ولا تجب الدية، وإن ما بعد العتق، لأنه قتله بالضرب السابق، وقد كان في حالة الرق فلهذا تجب القيمة دون الدية، وتجب قيمته حياً، لأنه بالضرب صار قاتلاً إياه وهو حي فنظرنا إلى حالتي السبب، والتلف.

قالوا: ولا كفارة في الجنين، لأن الكفارة فيها معنى العقوبة، قود عرفت في النفوس المطلقة، فلا تتعداها، ولهذا لم يجب كل البدل، إلا أن يشاء لأنه ارتكب محظوراً، فإذا تقرب إلى الله تعال كان أفضل له، ويستغفر مما صنع.

قالوا: والجنين الذي استبان بعض خلقه بمنزلة الجنين التام في جميع هذه الأحكام، لإطلاق الأحاديث، ولأنه ولد في حق أمومية الولد، وانقضاء العدة والنفاس وغير ذلك، فكذا في حق هذا الحكم، ولأنه بهذا القدر يتميز من العلقة والدم، فكان نفساً، والله تعال أعلم.

الشافعية - رحمهم الله تعالى - قالوا: يجب في الجنين غرة إن انفصل ميتاً بجناية في حياتها، أو

ص: 327

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انفصل بعد موتها بجناية في حياتها، وكذا إذا انفصل بعض الجنين بلا انفصال من أمه كخورج رأسه ميتاً.

وقيل: لا بد من أنفصاله، لأن ما لم ينفصل يصير كالعضو منها، سواء أكانت الدناية بالقول كالتهديد، أو بالفعل، أو بالترك.

وإذا لم يكن معصوماً عند الجناية، كجنين حربية من حربين وإن أسلم أحدهما بعد الجناية، أو لم يكن الجنين مضموناً كأن كان الجاني مالكاً للجنين ولأمه، بأن جنى السيد على أمته الحامل، وجنينها من غيره، وهو مالك له فعتقت ثم القت الدنين، أو كانت أمه ميتة، أو لم ينفصل ولا ظهر بالجناية على أمه، فلا يجب شيء في هذه الصور، لعدم احترامه في الولى، وعدم ضمان الجاني في الثانية، ولظهر موته بموتها في الثالثة، ولعدم تحقق وجوده في الأخيرين.

وإن انفصل حياً، وبقي بعد انفصاله زماناً بلا ألم فيه ثم مات فلا ضمان على الجاني. وإن مات حين خرج بعد انفصاله، أو تحرك تحركاً شديداً كقبض يد وبسطها، ولو كانت حركة مذبوح، أو دام ألمه ومات منه، فتجب دية نفس كاملة على الجاني، ولو انفصل الجنين لدون ستة أشهر. ولو ألقت امرأة بجناية عليها جنينين ميتين فغرتان تجبان فيهما، أو ثلاثاً فثلاث وهكذا.

ولو ألقت يداً أو رجلاً وماتت فغرة، لأن العلم قد حضل بوجود الجنين والغالب أن اليد بانت بالجناية، أما إذا عاشت ولم تلق جنيناً، فلا يجب على الجاني إلا نصف غرة، كما أن الحي لا يجب فيها إلا نصف دية، ولا يضمن باقيه، لأنا لم نتحقق ثلثه، وإن ماتت ثم ألقت ميتاً فعليه دية في الأم، وغرة في الجنين لأنه مات بالضرب. ولو ألقت يداً، ثم جنيناً ميتاً بلا يد قبل الاندمال، وزال الألم من الم فغرة، لأن الظاهر أن اليد مبانة منه بالجناية، أو حياً فمات من الجناية، فتجب دية، وحل فيها أرش اليد، فإن عاش وشهد القوابل، أو علم أنها يد من خلقت فيه الحياة، فتجب نصف دية لليد، وإن لم تشهد القوابل بذلك ولم يعلم فنصف غرة لليد عملاً باليقين، وتجب على العاقلة في ثلاث سيني لأنه بدل النفس، ولهذا يكون موروثاً بين ورثته، وإذا ألقت امرأة لحماً بسبب جناية عليها فيجب فيه غرة إذا قال القوابل فيه صورة خفية على غيرهن. وتجب الغرة أيضاً إذا القت امرأة لحماً لا صورة فيه أصلاً، تعرفها القوافل، ولكن قلن إنه لو بقي ذلك اللح، لتصور، وتخلق، كما تنقضي به العدة، وذلك إذا كانت مضغة.

أما لو ألقت علقة لم يجب فيها شيء قطعاً كما لا تنقضي به العدة.

قالوا: والغرة الواجبة عبد، أو أمة، كما نطق به الخبر، والخبرة في ذلك إلى الغارم، ويجبر المستحق على قبولها من أي نوع كانت، ويشترط أن يكون مميزاً سليماً من عيب مبيع لأن المعيب ليس من الخيار، والأصح قبول رقيق كبير من عبد أو أمة، لم يعجز بهرم، لأنه من الخيار، مالم تنقص منافعه، ويشترط في الغرة بلوغها في القيمة نصف عشر دية الأب المسلم، وهو عشر دية الأم المسلمة.

ص: 328

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ففي الحر المسلم رقيق قيمته خمسة أبعرة، كما روي عنعلي، وعمر، وزيد بن ثابت، رضي الله تعالى عنهم، ولأنها دية فصارت مقدرة كسائر الديات (ولأن الجنين على أقل أحوال الإنسان، فاعتبر فيه أقل ما قدره الشرع من الديات، وهو دية الموضحة والسن، فإن فقدت ثلث الغرة حساً بأن لن توجد أو شرعاً، بأن وجدت بأكثر من ثمن مثلها، فتجب خمسة أبعرة بدلاً عنها، لأنها مقدرة بها عند وجودها، فعند عدمها يؤخذ ما كانت مقدرة به، ولأن الإبل هي الأصل في الديات فوجب الرجوع إليها عند فقد المنصوص عليه، فإن فقدت الإبل الدية، فإن فقد بعضها وجبت قيمته مع الموجود.

وقيل: لا يشترط بلوغها ما ذكر: بل متى وجدت سليمة مميزة وجب قبولها، وإن قلت قيمتها لإطلاق لقظ العبد، والأمة في الخبر، وسواء كان الجنين ذكراً، أم أنثى، لإطلاق الخبر.

والغرة لورثة الجنين على فرائض الله تعالى، لأنها دية نفس، ويقدر انفاصله حياً ثم موته، وهي واجبة على عاقلة الجاني، لخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم:(قضى في الجنين بغرة عبد، أو أمة) .

وقيل: إن تعمد الجناية بأن قصدها بما يلقى غالباص، فالغرة عليه، والجناية عليه خطأ أو شبه عمد، سواء أكانت الجناية على أم خطأ، أو عمداً، أو شبه عمد، لأنه لا يتحقق وجوده وحياته حتى يقصد، ولهذا للا يجب القصا في الجنين إذا خرج حياً وما، لأن القصا إنما يجب في القتل العمد، ولا يتصور العمد فيه.

قالوا: والجنين اليهودي، أو النصراني بالبع لابويه قيل: كمسلم في الغرة، وقيل: هو هدر، وهذان القولان مبنيان على أن الغرة غير مقدرة بالقيمة، والأصح غرة كثلث غرة مسلم، كما في ديته، وهو بعير وثلثا بعير. كما هو الحكم على الكبير منهم.

قالوا: والجنين الرقيق، ذكراً كان أو غيره فيه عشر قيمة امه، قنة كانت أو مديرة، أم مكاتبه، أو مستولدة، قياساً على الجنين الحر، فإن الغرة في الجنين معتبرة بعشر ما تضمن به الم، وإنما لم يعتبروا قيمته في نفسه لعدم ثبوت استقلاله بانفصاله ميتاص، واستثنى ما إذا كانت الأم هي الجانية على نفسها، فإنه لا يجب في جنينها المملوك للسيد شيء، إذ لا يجب للسيد على رقيقه شيء، وتعتبر قيمة الم يوم الجناية عليها، لأنه وقت الوجوب، وقيل: يوم الإجهاض للجنين، لأنه وقت استقرار الجناية. هذا إذا انفصل الجنين ميتاً كما علم سابقاً، فإن انفصل حياً، ومات من أثر الجناية، فإنه يجب فيه قيمته يوم الانفصال قطعاص، وإن نقصت عن عشر قيمة امه، وتصرف الغرة في الجنين لسيده، فإن كانت الأم مقطوعة أطرافها والجنين سليم أطرافه قومت بتقديرها سلمية في الأصح لسلامته، كما لو كانت كافرة، والجنين مسلم، فإنه يقدر فيها الإسلام، وتقوم مسلمة، وكذا لو كانت حرة والجنين رقيق، فإنها تقدر رقيقة. وهكذا.

قالوا: وتحمل العشر المذكورة عاقلة الجاني في الأظهر من المذهب كما مر في الغرة، وإذا

ص: 329

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سقط جنين ميت فادعى وارثه على إنسان أنه سقط بجنايته فأنكر صدق بيمينه، وعلى المدعي البينة، ولا يقبل إلا شهادة رجلين، فإن أقر بالجناية، وانكر الاسقاط بجنايته فأنكر صدق بيمينه، وعلى المدعي البينة، ولا يقبل إلا شهادة رجلين، فإن أقر بالجناية، وأنكر الاسقاط، وقال: السقط ملتقط، فهو المصدق أيضاً، وعلى المدعي البينة، ويقبل فيها شهداة النساء، لأن الإسقاط ولادة.

المالكية - قالوا: في إلقاء الجنين سبب ضرب، أو تخويف لغير وجه شرعي - أما إذا كان بسبب ضرب للتأديب فلا شيء فيه - أو بسبب شم ريح عفنة، أو فتح كنيف، إن كان علقة - دم لا يذوب من صب الماء الحار عليه - سواء أكانت الجناية خطأ، أو عمداً من أجنبي، أو أم، كشر بها ما يسقط به الحمل. فأسقطته ذكراص، أو أنثى، كان من زوج، أو زنا، فيجب فيه عشر واجب أمه، فإن كانت الم حرة وجب عشر ديتهان وإن كانت الم أمة وجب فيه عشر قيمتها، وتعتبر قيمتها يوم الضرب، وقيل: يوم الإلقاء، وإن جنى أب فعليه عشر دية أم الجنين لغيرهن ولا يرث منه، ويكن العشر الواجب نقداً معجلاً حالاً في مال الجاني عمداً، أو خطأ، ما لم تبلغ الغرة ثلث ديته، فتكون على العاقلة كما لو ضرب مجوسي حرة مسلمة فألقت جنيناً، أو تجب غرة في جنين الحرة، والتخيير يكون للجاني لا للمستحق. أما جنين الأمة فيتعين فيه النقد عبداً ووليدة بدل من غرة الأمة الصغيرة بلغت سبع الستين لتحرز التفرقة. وإنما يجب العشر، أو الغرة إذا نفصل عنها كله ميتاً وهي حية، فإن ماتت قبل انفصاله فلا شيء فيه لاندراجه في جية الم، وإن استهل، أو نزل ضارخاً، أو رضع، أو فعل شيئاً من كل ما يدل على أنه حي حياة مستقرة، فالدية لازمة فيه إن أقسم أولياؤه أنه مات من فعل الجاني، وإن مات عاجلاً ببعد تحقق حياته فإن لم يقسموا فلا غرة ولا دية، لأنه يحتمل موته، بغير فعل الجاني، فإن ماتت امه وهو مستهل ومات فتجب على الجاني ديتان، وإن تعمد الجاني بضرب بطن الأم فنزل مستهلاً ومات فالقصاص بالقسامة وهذا هو الراجح من الخلاف.

وأما إذا تعمد الجاني قتل الجنين بضرب رأس أمه، فالراجح أنه تجب الدية عليه، كتعمده بضرب يدها، أو رجلها.

والحاصل أن في ضرب البطن، والظهر، والرأس خلافاً، فقال أبن القاسم يجب القصاص بقسامة، وقال أشهب: لا قود فيه، بل يجب الدية في مال الجاني بقسامة أيضا، وأما تعمده الضرب في غير هذه المواضع فتجب الدية في ماله بقسمة، ومحل القصاص في تلك المسائل إن لم يكن الجاني الب، أما إذا كان الجني هو الب فلا يقتص منه إلا إذا قصد قتل الجنين بضرب بطن الأم خاصة.

ويجب تعدد الواجب من عشر أو غرة إن لم ستهل، ودية إن استهل بتعدد الجنين، ثم إن كان القتل خطأ، وبلغ الثلث فتحمله العاقلة، وأما إن كان عمداً، أو كانت الغرة أقل من الثلث فلا تتحمله العاقلة، بل يجب في مال الجاني حالاً معجلاً.

وورث الواجب في الجنين من عشر، أو غيره على الفرائض المعلومة شرعاً، الشاملة للفرض، والتعصب، فللأب الثلثان، وللأم الثلث ما لم يكن له اخوة، وإن كان له اخوة فللأم السدس وهيذا هو الراجح من المذهب، خلافاً لمن قال: تختص به الم، إذا لم تكن هي الجانية، والقائل به ربيعة،

ص: 330

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وذلك لأنها كالفرض عن جزء منها، وخلافاً لقول أبن هرمز حيث قال: للم والب على الثلث والثلثين، ولو كان له اخوة، وكان له اخوة، وكان الإمام مالك يقول بهذا الرأي اولاً، ثم رجع إلى القول الول لأنه الراجح.

واعلم بأنه إذا كان المسقط للجنين احد الآبوين كان هو القاتل، فلا يرث من الواجب المذكور شيئاً، لأن القاتل لا يرث.

مبحث في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله

الحنفية - قالوا: الدية في شبه العمد، وفي الخطأ، وكل دية تجب بنفس القتل على العاقلة، والعاقلة هم الذين يؤدون الدية، والأصل في وجوبها على العاقلة قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حمل بن مالك رضي الله تعالى عنه للأولياء (قوموا فدوه) .

ولأن النفس محترمة لا وجه إلى الإهدار، والخاطئ معذور، وكذا الذي تولى شبه العمد نظر إلى الآلة فلا وجه إلى إيجاب العقوبة عليه، وفي إيجاب مال عظيم اجحافة، واستئصاله، فيصيل عقوبة، فضم عليه العاقلة، فكانوا هم المقصرون في تركهم مراقبته، فخصوا به.

والعقلة هم أهل الديوان إن كان القاتل من اهل الديوان يؤخذ من عطاياهم في ثلاث سيني، واهل الديوان هم اهل الريات والألوية، وهم الجيش الذين كتبت أسماءهم في الديوان والجريدة، لأن سيدنا عمر بن الخكاب رضي الله تعالى عنه هو أول من دون الدواوين، وجعل العقل كان على أهل النصرة، وقد كانت بأنواع بالقرابة، والحلف، والولاء، والعد، وفي عهد عمر رضي الله عنه قد صارت بالديوان فجعلها على أهله اتباعاً للمعنى، ولهذا قالوا: لو كان اليوم قوم تناصرهم بالحرف فعاقلتهم أهل الحرفة، وإن كان بالحلف فأهله، والدية صلة، ولكن إيجابها فيما هو صلة وهو العطاء اولى منه في اصول أموالهم، والتقدير بثلاث سيني مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومحكي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعال عنه، ولأن الأخذ من العطاء للتخفيف، والعطاء يخرج في كل سنة مرة، فإن خرجت العطاء في أكثر من ثلاث سنين أو أقل اخذ منها، لحصول المقصود، ولو خرج للقاتل ثلاث عطايا في سنة واحدة في المستقبل يؤخذ منها كل الدية لأن الوجوب بالقضاء.

وإذا كان جميع الدية في ثلاث سنين فكل ثلث منها في سنة، وإن كان الواجب بالفعل ثلث دية النفس أو أقل كان في سنة واحدة. وما زاد عن الثاث إلى تمام الثلثين في السنة الثانية، وما زاد على

ص: 331

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذلك إلى تمام الدية في السنة الثالثة، وما وجب على العاقلة من الدية أو على القاتل بأن قتل الأب ابنه عمداً، فهو في ماله في ثلاث سنين، لأن الشرع ورد به مؤجلاً فلا يتعمداه.

ولو قتل عشرة رجلاً خطأ فعلى كل واحد عشر الدية في ثلاث سنين اعتباراً للجزء بالكل إذ هو بدل النفس، وإنما يعتبر في مدة ثلاث سنين من وقت القضاء بالدية لأن الواجب الأصلي المثل، والتحول إلى القيمة بالقضاء، فيعتبر ابتداؤها من وقته كما في ولد المغرور، ومن لم يكن من أهل الديوان، فعاقلته قبيلته، لأن نصرته بهم، وهي المعتبرة في التعاقل، وتقسم عليهم في ثلاث سنين لا يزاد الواحد على اربعة دراهم في كل سنة ويجوز أن ينقص منها، فلا يؤخذ منها، فلا يؤخذ من كل واحد في كل سنة إلا درهم، أو درهم وثلث درهم، وإن لم يكن تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل نسباً، ويضم الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات. الاخوة ثم بنوهم، ثم الأعمام، ثم بنوهم والآباء والأبناء فقيل يدخلون مع العاقلة لقربهم وقيل: لا يدخلون لأن الضم لنفي الحرج حتى لا يصيب كل واحد أكثر من ثلاثة أو أربعة، وهذا إنما يتحقق عند الكثرة، والآباء والأبناء لا يكثرون.

ولو كانت عاقلة الرجل أصحاب الرزق يقضى بالدية في أرزاقهم في ثلاث سنين في كل سنة الثلث.

قالوا: ويدخل القاتل مع العاقلة إذا كان من أهل الديوان، أما إذا لم يكن فلا شيء عليه من الدية، ولأنه هو الفاعل فلا معنى لإخراجه ومؤاخذة غيره، فيكون فيما يؤدي كواحد منهم.

قالوا: وليس على النساء والذرية ممن كان له حظ في الديوان عقل لقول عمر رضي الله تعالى عنه: (لا يعقل مع العاقلة صبي، ولا امرأة) . ولأن القتل إنما يجب على أهل النصرة لتركهم مراقبته والناس لا يتناصرون بالصبيان والنساء، ولهذا لا يوضع عليهم، وعلى هذا لو كان القاتل صبياً أو امرأة لا شيء عليهما من الدية بخلاف الرجل، لأن وجوب جزء من الدية على القاتل باعتبار أنه احد العواقل لأنه ينصر نفسه، وهذا لا يوجد فيهما، ولا يعقل أهل مصر عن مصر آخر، ويعقل أهل كل مصر من أهل سوادهم، لانهم أتباع لأهل المصر. ومن جنىجناية من أهل المصر وليس له في الديوان عطاء، وأهل البادية أقرب إليه، ومسكنه المصر عقل عنه أهل الديوان من ذلك المصر، ولا يشترط أن يكون بينه وبين أهل الديوان قرابة، ولو كان البدوي نازلاً في المصر لا مسكن له فيه، يعقله أهل المصر، لأن أهل العطاء لا ينصرون من لا مسكن له فيه، كما أن أهل البادية لا يعقلون عن أهل المصر النازلين فيهم، لأنه لا يستنصر بهم.

قز إن كان لأهل الذمة عواقل معروفة يتعاقلون بها، فإذا قتل أحدهم خطأ فديتهعلى عاقلته بمنزلة المسلم، لانهم التزموا أحكام الإسلام في المعاملات لاسيما في المعاني العاصمة عن الأضرار، ومعنى التناصير موجود في حقهم، وإن تكن لهم عاقلة معروفة فالدية في ماله في ثلاث سنين، من يوم يقضى بها عليه كما في حق المسلم، ولا يقل كافر عن مسلم، ولا مسلم عن كافر لعدم التناصر.

ص: 332

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والكفار يتعاقلون فيما بينهم وإن اختلفت مللهم، لأن الكفر كله ملة واحدة، وذلك إذا لم تكن المعاداة فيما بينهم ظاهرة، أما إذا كانت ظاهرة، كاليهود، والنصارى فينبغي أن لا يتعاقلون بعضهم عن بعض.

قالوا: وعاقلة المعتق قبيلة مولاه لأن النصرة بهم لقوله عليه الصلاة والسلام (مولى القوم منهم) ومولى الموالاة يعقل عنه مولاه وقبيلته، لأنه يتناصر به، فأشبه ولاء العتاقة.

قالوا: ولا تعقل العاقلة اقل من نصف عشر الدية، وتتحمل نصف العشر فصاعداً، لحديث أبن عباس رضي الله عنهما الموقوف عليه، والمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم (لا تعقل العواقل عمداً، ولاعبداً، ولا صلحاً، ولا اعترافاً، ولا ما دون أرش الموضحة) وارش لموضحة نصف عشر بدل النفس ولأن التحمل للتحرز عن الاجحاف، ولا اجحاف في القليل، وإنما وفي الكثير، والتقدير الفاصل عرف بالسمع، وما نقص عن ذلك يكون في مال الجاني، والقياس فيه، التسوية بين القليل والكثير، فيجب الكل على العاقلة كما ذهب إليه الشافعي أو التسوية في أن لا يجب على العاقلة شيء، إلا أن الاحناف تركوه بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجب أرش الجنين على العاقلة وهو نصف عشر بدل الرجل، فما دونه يسلك به مسلك الأموال، لأنه يجب بالتحكيم كما يجب ضمان المال بالتقويمن فلهذا كان في مال الجاني أخذاً بالقياس.

قالوا: ولا تعقل العاقلة جناية العبد، ولا مالزم بالصلح، أو باعتراف الجاني، لأنه لا تناصر بالعبد والإقرار والصلح لا يلزمان العاقلة لقصور الولاية عنهم، إلا أن يصدقوه. لأنه ثبت بتصادقهم. والامتناع كان لحقهم، ولهم ولاية على أنفسهم، ومن أقر بقتل خطأ ولم يرفع إلى القاضي إلا بعد سنين قضى عليه بالدية في ماله، في ثلاث سنين، من يوم يقضي عليه، لأن التأجيل من وقت القضاء في الثابت بالبينة، ففي الثابت بالإقرار اولى، ولو تصادق القاتل وولي الجناية على أن قاضي بلج كذا قضى بالدية على عاقلته بالكوفة بالبية وكذبهما العاقلة، فلا شيء على العاقلة، لأن تصادقهما ليس بحجة عليهم، ولم يكن عليه شيء في ماله إلا أن يكون له عطاء معهم فحينئذ يلزمه بقدر حصته، لأنه تبين أن الدية واجبة عليهم.

الشافعية، والحنابلة - قالوا: دية الخطأ وشبه العمد في الكراف ونحوها، وكذا في نفس غير القاتل نفسه، وكذا الحكومات والغرة تلزم العاقلة، لا الجاني، لأن الجاهلية كانوا يمنعون من جنى منهم من اولياء القتيل أن يدهوا منه، وياخذوا بثأرهم - فجعل الشارع بدل تلك النصرة بذل المال. وخص ذلك بالخطاً وشبه العمد لكثرتهما، سيما في حق من يتعاطى حمل السلاح، فأعين كيلا ينتصر

ص: 333

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بالسبب الذي هو معذور فيه، وإنما يلزمهم ذلك إذا كانت بينة بالخطا أو شبه العمد أو اعترف به فصدقوه.

وقالوا: وجهات تحمل الدية ثلاثة: قرابة، وولاء، وبيت مال، لا غيرها كوزوجته ومحالفة، وقرابة ليست بعصبة، لأن المر كان كذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نسخ بعده، ولأنه صلة والأولى بها الأقرباء، وعصبة الجاني هم الذين يرثون بالنسب أو الولاء، إذا كانوا ذكوراً مكلفين، وهم القرابة من قبل الأبن والمرأة والصبي وإن أيسرا لا يحملان شيئاً، وكذا المعتوه، ويخرج من العصبة أصل الجاني من اب وإن علا، وفرعه من أبن وإن سفل لانهم أبعاضه، فكما لا يتحمل الجاني في الدية، اعتباراً للجزء بالكل في النفي عنه، والجامع كونه معذوراًً فلا يتحمل أبعاضه وقد روى النسائي (لا يوخذ الرجل بجريرة، أي جريرة ابنه) وفي رواية لابي داود في خبر المرأتين السابق (وبرأ الولد) أي من العقل، وقيس به غيره من الأبعاض، وتتجب الدية على العاقلة سواء أكانت الدية قليلة أم كثيرة.

ويقدم في تحمل الدية من العصبة الأقرب، فالأقرب على البعد منهم، فإن لم يوف القرب بالواجب بأن بقي منه شيء فيوزع الباقي على من يليه، ويقدم ممن ذكر مدل بأبوين على مدل باب كالأرث، ويجب التسوية بينهما، لأن النوثة لا مجخل لها في تحل العاقلة فلا تصلح للترجيح، ثم بعد عصبة النسب إن فقدوا، أو لم يوف ما عليهم بالواجب يقدم معتق للخبر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم (الولاء لحمة كلحمة النسب) فإن فقد المعتق أو لم يف ما عليهم بالواجب، تقدم عصبته من نسب غير أصلهوغن علا، وفرعه وإن سفل يقدم الأقرب فالأقرب، لما رواه الشافعين والبهقي (أن عمر قضى على علي رضي الله تعالى عنهما بأن يعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب) لأنه أبن أخيها دون ابنها الزبير ثم ممعتق المعتق، ثم عصبته كذلك، ثم معتق معتق الأب وعصبته، فإن لم يوجد يتحمل معتق الجد ثم عثبته كذلك إلى حيث ينتهي الأرث.

قالوا - وعتيق المرأة - الجاني - تعقله عاقلتها ولا يضرب عليها، ومعتقون كمعتق واحد، فيما عليه كل سنة وكل شخص من عصبة كل معتق بتحمل ما كان يحمله ذلك المعتق في حياته من نصف أو ربع.

قالوا: ولا يقل عتيق عن معتقه في الظهر، كما لا يرث - وقيل: يعقل لأن العقل للنصرة والإعانة، فإن فقد العاقل ممن ذكر أو وجد ولم يعرف ما عليه الواجب عقل ذوو الأرحام إن قلنا بثوريتهم. ثم يعقل بيت مال المسلمين عن الجاني المسلم، كما يرثه وللحديث الوارد عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه:(انا وارث من لا وارث له، اعقل عنه وأرثه) اخرجه أبو داود والنسائي، فإن فقد بيت المال بأن لم يوجد فيه شيء، أو لم ينتظم امره بحيلولة الظلمة دونه، اولم يعرف بيت المال فتجب الدية كلها، أو الباقي منها على الجاني في ماله في الأصح. بناء على أنها تلزمه ابتداء ثم

ص: 334

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تتحملها العاقلة. فتجب عليه الدية صيانة للحق من الضياع، فلا يسقط كيلا يضيع دم المسلم هدراً، وتؤجل على الجاني إذا وجبت عليه، فيؤخذ منه ثلث الدية عند الحول، ولو مات في أثناء الحول يحل الأجل على الأصح.

قالوا: وتؤجل على العاقلة جية نفس كاملة بإسلام وحريةن وذكورية، ثلاث سنين، في آخر كل سنة ثلث من الدية، لما رواه البيهقي من قضاء عمر، وعلي رضي الله عنهما وعزاه الشافعي إلى قضاء النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما تؤخذ في آخر كل سنة، لأن المنافع كالزرع والثمار، ونتاج الأبل تتكرر كل سنة، فاعتبر مضها وليجتمع عنجهم ما يتوقعونه، فيواسون عن تمكن.

وتؤجل دية الذمي على الصح سنة، لأنها قدر ثلث دية المسلم، وقيل: تؤجل ثلاثاً لأنها بدل نفس محترمة، وتؤجل دية امرأة مسلمة سنتين في آخر الأولى منهما ثلث من دية نفس كاملة، والباقي آخر السنة الثانية، وقيل: تؤجل جيتها ثلاث سنين، وتحمل العاقلة الجناية على العبد من الحر في الأظهر، ففي آخر كل سنة يؤخذ من قيمته قدر ثلث دية، وقيل: تؤخذ كلها في ثلاث سنين لأنها بدل نفس محترمة.

ولو قتل شخص رجلين فتؤجل ديتهما على عاقلته في ثلاث سنين، لأن الواجب ديتان مختلفتا، وقيل: تؤجل ديتهما في ست سنين، في كل سنة قدر سدس دية، لأن بدل النفس الواحدة يضرب في ثلاث سنين فيزاد للأخرى مثلها.

ولو قتل شخص امخرأتين أحلت ديتهما على عاقلته في سنتين، والأطراف كقطع اليدين، والحكومات، وأروش الجنايات تؤجل في كل سنة قدر ثلث دية كاملة، فإن زاد الواجب على دية نفس كقطع اليدين والرجلين ففي ست سنين، وقيل: تؤخذ كلها في سنة بالغة ما بلغت لأنها ليست بدل النفس حتى تؤجل.

قالوا: وتؤجل دية النفس من الزهوق، لأنه وقت استقرار الوجوب. واجل دية غير النفس، كقطع يد اندملت من ابتداء الجناية، لأنها حالة الوجوب، أما إذا لم يندمل، بأن سرى من عضو إلى عضو، كان قطع أصبعه فسرت إلى كتفه، فأجل أرش الأصبع من قطعها، والكف من سقوطها.

ومن مات من العاقل في أثناء سنة سقط من واجب تلك السنة، ولا يؤخذ من تركته لأنها مواساة.

ويشترط فيمن يعقل - الذكورة، وعدم الفقر، والحرية والتكليف، واتفاق الدين، فلا يعقل فقير ولا رقيق، ولا صبي، ولا محنون، ولا أنثى، ولا مسلم عن كافر، وعكسه، ويعقل يهودي عن نصراني، وعكسه في الأصح، ويجب على الغني نصف دينار على أهل الذهب، أو قدره دراهم على أهل الفضة، وهو سنة منها، لأن ذلك اول درجة المىاساة في زكاة النقد، والزيادة عليه لا ضابط لها، ويجب على المتوسط من العاقلة، ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، لأنه واسطة بين الفقير الذي لا شيء عليه وبين الغني الذي عليه نصف دينار كل سنة من الثلاثن لأنها مواساة تتعلق بالحول فتكرر بتكرره

ص: 335

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كالزكاة، فجيمع ما يلزم الغني في الثلاث سنين دينار ونصف، والمتوسط نصف ربع، وقيل: هو واجب الثلاث، والمعتبر مقدار نصف الدينار، وربعه لا عينهما، والغني والمتوسط يعتبران آخر الحول. لأنه حق مالي متعلق بالحول. ومن أعسر في الحول سقط، فلا يلزمه شيء، لأنه ليس أهلاً للمواسة بخلاف الجزية، لأنها كالأجرة لسكنى جار الإسلام. ولو ادعى الفقر بعد الغنى حلف ولا يكلف البينة، والغني هو من يملك فاضلاً عما يبقى له في الكفارة عشرين ديناراً أو قدرها اهـ.

المالكية - قالوا: العاقلة عدة أمور وهم أهل ديوانه إن كان الجاني من الجند ولو كانوا من قبائل شتى فإن نقص أهل الديوان عن سبعمائة - بناء على أن أقل العاقلة سبعمائة - ضم إليهم عصبة الجاني الذين ليسوا معه في الديوان، فإن لم يكن ديوان، أو كان وليس الجاني منهم، أو لم يعطوا أرزاقهم المعينة، فتجب الدية على العصبة الأقر فالأقرب، على ترتيب النكاح، فإذا كمل من البناء سبعمائة فلا يجفع أولادهم شيئاً، وإن نقص كمل من أبناء الأبناء، وهكذا، والحد يؤخر عن بني الاخوة هنا، فإن لم توجد عصبة، أو وجدت ولم توف بالواجب، فالعاقلة هم الموالي الأعلون، وهم المعتقون - بكسر التاء - لانهم عصبة سبب وهم كعصبة النسب لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:(الولاء لحمة كلحمة النسب) ولقولهم: الولاء عصوبة سببها نعمة العتق. ويقدم الأقرب فالأسفلون حيث لم يوجد من الأعلين، فإن لم يوجدن فعاقلته بيت الما. إن كان الجاني مسلماً، لأن بيت المال لا يعقل عن كافر، فانلم يكن بيت المال فتقسط على الجاني، إن كان ممن يعقل، بأن كان ذكراً، بالغاً، عاقلاً، مليئاً.

وعاقلة الذمي ذو جيته، وهو من يحمل معه الجزية، إذ لو كانت عليه، وإن لم يكونوا منأقرباه، فالنصراني يعقل عنه النصارى الذين في بلده، لا اليهود، وعكسه، ويضرب على كل من تلزمه الدية من أهل دوان، أو عصبة، وموالي، وذمي، إن تحالكموا إلينا. كل على عدر طاقته، وعقل عن صبي، مجنون، وامرأة، وفقير، وغارم، إذا جنوا، فتغرم عاقلتهم عنهم، والعبرة في الصبا، والجنون، وضدهما، والعسر، واليسر، والغيبة، والحضور، وقت التوزيع على العاقلة، فما وجدت فيه الاصناف، وقت التوزيع وزع عليه.

وما لا فلا، فإن قدم غائب غيبة انقطاع وقت التوزيع، فلا تضرب عليه بعد قدومه المتأخر عن التوزيع. فإن أيسر فقير، أو بلغ صبي، أو عقل مجنون، أو اتضحت ذكورة خنثى بعد التوزيع فلا شيء على واحد منهم، وتحل الدية بالموت والإفلاس، فإذا ماتت العاقلة، أو واحد منها، أو أفلس فيحل ما كان منجماً عليهم أو عليه، ولا دخول لبدوي من عصبة الجاني مع حضري، ولا شماي مع مصري، وكذا الحجاز واليمن، أما أهل أقليم واحد حضر مثلاً فيضمنون، فإذا لم تكل العاقلة من أهل بلد ضم إليهم ما قرب منها العصبة.

قالوا: وتقسم الدية الكاملة لمسلم، أو غيره، ذكراً، أو أنثى عن نفس أو طرف في ثلاث سنين من يوم الحكم. والثلث كدية الجائفة في سنة، والثلثان كجائفتين في سنتين، والنصف في سنتين في كل سنة ربع، وثلاثة الرباع تنجم في ثلاث سنين، في كل سنة ربع، والعاقلة الذي يضم إليه ما

ص: 336

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بعده سبعمائة رجل. فإذا وحج من العصبة هذا العدد فلا يضم إليهم الموالي، وإن نقصوا عن هذا العدد لو كانوا اغنياء ضم إليهم ما يكملهم من الموالي، وهكذا.

قالوا: إن الجاي لا يدخل مع العاقل' لأن العاقلة هي سبب تجرئه على الجناية.

الحنفية، والحنابلة، والشافعية في أحد قوليهم - قالوا: إن الغائب والحاضر من العاقلة سواء في تحمل الدية.

الشافعية، والمالكية، والحنابلة - قالوا: لا مدخل لأهل الصنعة، والسوق في التحمل إلا إذا كانوا أقارب.

الحنفية - قالوا: إذا كان الجاني من أهل الديوان فديوانه عاقلته، وعاقلة السوقي أهل سوقه ثم قرابته فأهل محلته اهـ.

مبحث القسامة

اتفق الأئمة على أن القسامة مشوعة، إذا وجدقتيل في مكان ولم يعلم قاتله.

الحنفية - قالوا: القسامة في اللغة اسم وضع موضع الأقسام، وفي الشرع أيمان يقسم بها أهل محلة، أو جار وجد فيها قتليل به اثر القتل، يقول كل واحد منهم: والله ما قتلته، ولا علمت له قاتلاً) . ويلزم المدعي عليه اليمين بالله عز وجل أنه ما قتل، ويبرأ.

والسبب الموجب للقسامة، وجود قتيل في موضع هو في حفظ قوم وحمايتهم، كالمحلة، والدار، ومسجد المحلة، والغرية، والقتيل الذي تشرع فيه القسامة اسم ليت به أثر جراحة، أو ضرب أو خنق، فإن كان الدم يخرج من أنفه، أو دبره فليس بقتيل، بخلاف ما لو خرج الدم من أذنه، أو عينه، فهو قتيل تشرع فيه القسامة، لقوله صلى الله عليه وسلم:(الينة على المدعي واليمين على من أنكر) وفي رواية (على المدعي عليه) وروى سعيد بن المسيب رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ باليهود بالقسامة، وجعل الدية عليهم لوجود القتيل بين أظهرهم) ، وشرط القسامة. بلوغ المقسم، وعقله، وحريته، وتكيمل اليمين خمسين يميناً.

وحكمها القضاء بوجوب الدية لأولياء الدم، إن حلفوا، والحبس إلى الحلفغن أبوا، ويتخير الولي من القوم من يحلفهم، لأن اليمين حقه، والظاهر أنه يختار من يتهمه بالقتل، أو يختار صالحي أهل المحلة، لما أن تحرزهم عن اليمين الكاذبة، أبلغ التحرز، فيظهر القاتل. وفائدة اليمين النكول، فا كانوا لا يباشرون ويعملون، يقيد يمين الصالح على العلم بأبلغ مما يقيد يمين الطالح، ولو اختاروا أعمى أو محدوداصفي قذف جاز لأنه يمين ليس بشهادة، ومراعاة لحق الميت وحرمته، وإذا حلفوا قضى على أهل المحلة بالدية، ولا يستحلف الولي لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الدية والقسامة في حديث أبن سهل، وفي حديث زياد بن أبي مريم، وكذا جمع عمر رضي الله تعالى عنه بينهما على وادعه.

ص: 337

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقد روي: أن عبد الله بن سهل، وعبد الرحمن بن سهل، وحويصة ومحيصة، خرجوا في التجارة إلى خيبر وتفرقوا لحوائجهم فوجدوا عبد الله بن سهل قتيلاً في قليب من خيبر يتشحط في دمه، فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليروه فأراد عبد الرحمن، وهو أخ القتيل أن يتكلم فقال صلى الله عليه وسلم اكبر الكبر فتكلم أحد عميه حويصة، أو أو محيصة، وهو الأكبر منهما وأخيره بذلك قال: ومن قتله؟ قالوا: ومن يقتله سوى اليهود، قال عليه الصلاة والسلام:(تبرئكم اليهود بإيمانها) فقالوا: لا نرضى بأيمان قوم كفار، لا يبالون ما حلفوا عليه. فقال عليه الصلاة والسلام أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ فقالوا: كيف نحلف على أمر لم نعاينه ولم نشاهد، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه بمكائة من إبل الصدقة) فقول النبي صلى الله عليه وسلم تبرئكم اليهود محمول على الإبراء عن القصاص والحبس، وكذا اليمين مبرئة عما وجب له اليمين، والقاسمة ما شرعت لتجب الدية إذا نكلوا، بل شرعت ليظهر القصاص بتحرزهم. عن اليمين الكاذبة، فيقروا بالقتل، فإذا حلفوا حصلت البراءة عن القصاص. ثم الدية تجب بالقتل الموجود منهم ظاهراً، لوجود القتيل بين أظهرهم لا بنكولهم، أو تقول: إنها وجبت بتقصيرهم في المحافظة كما في القتل الخطأ، ومن أبى منهم اليمين حبس حتى يحلف، لأن اليمين فيه مستحقة لذاتها تعظيماً لأمر الدم، ولهذا يجمع بينه وبين الدية، بخلاف النكول في الموال، لأن اليمن بدل عن أصل حقه، ولهذايسقط ببدل المدعى، وفيما نحن فيه لا يسقط ببدل الدية:

قالوا: وإن لم يكمل أهل المحلة كررت اليمان عليهم حتى تتم خمسين، لما روي أن عمر رضي الله عنه لما قضى في القسامة دانى إليه تسعة واربعون رجلاً، فكرر اليمين على رجل منهم حتى تمت خمسين، ثم قضى بالدية. ولا قسامة على صبي، ولا مجنون، لأنهما ليسا من أهل القول الصيح، واليمين قول صحيح ولا قسامة على امرأة، ولا عبد، لأنهما ليسا من أهل النصرة

وإن وجد ميتا لا أثر به، فلا قسامة ولا دية له، لأنه ليس بقتيل، ولو وجد بدن القتيل، أو أكثر من نصف البدن، أو النصف ومعه الرأس في محلة. فعلى أهلها القسامة والدية، وإن وجد نصف مشقوقاً بالطول، أو وجد اقل من النصف، ومعه الرأس، أو وجدت يده، أو رجله، أو رأسه، فلا شيء عليهم، لأن هذا حكم عرفناه بالنص وقد ورد في البدن، إلا أن للأكثر حكم الكل تعظيماً للآدمي، بخلاف الأقل، لأنه ليس ببدن ولا ملحق به، فلا تجري فيه القسامة.

ولو وجد فيهم جنين أو سقط ليس به أثر الضرب فلا شيء على أهل المحلة، لأنه لا يقوق الكبير حالاً وإن كان به اثر الضرب وهو تام الخلق وجبت القسامة والدية عليهم، لأن الظاهر أن تام الخلق ينفصل حياً، وإن كان ناقص الخلق فلا شيء عليهم، لأن ينفصل ميتاً لا حياً.

قالوا: وإذا وجد القتيل على دابة يسوقها رجل فالدية على عاقلته دون أهل المحلة، لأنه في يده، فصار كما إذا كان في جاره، وكذا إذا كان قائدها أو راكبها، فا اجتمعوا فعليهم لأن القتيل في أيديهم فصاروا كما إذا وجد في دارهم.

ص: 338

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قالوا: وإذا مرت دابة بين قريتين وعليها قتيل، فهو على أقربهما، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بقتيل وجد بين قريتين، فأمر أن ذرع بينهما، وعن عمر رضي الله عةنه أنه لما كتب إليه في القتيل الذي وجد بين وادعة، وأرحب، وكتب بأن يقيس بين القريتين، فوجد القتيل إلى اجعة أقرب فقضى عليهم بالقسامة.

وإذا وجد القتيل في دار لإنسان فالقسامة عليه، والدية على العاقلة ولا يدخل السكان في القسامة مع الملاك عند أبي حنيفة، وقال اوب يوسف هي عليهم جميعاً، وإذا وجد قتيل في دار فالقسامة على رب الدار، وعلى قومه، وتدخل العاقلة في القسامة إن كانوا حضروا، وإن كانوا غائبين فالقسامة على رب الدار يكرر عليهم الإيمان، وإن ووجد القتيل في ار مشتركة فهي على رؤوس الرجال.

ومن اشترى داراً ولم يقبضها حتى وجد فيها قتيل فهو على عاقلة البائع.

وإن وجد قتيل في سفينة فالقسامة على من فيها من الركاب والملاحين.

وإن وجد في مسج محلة، فالقسامة على أهلها لأن التدبير فيه إليهم، وغنوجد في المسجد الجامع، أو الشارع العظم فلا قسامة فيه والدية على بيت المال، لأنه للعامة لا يختص به واحد منهم وكذلك الجسور العامة.

ولو وجد في السوق إن كان مملوكاً فعند أبي يوسف تجب على السكان، وعندهما على المالك. وإن لم يكن مملوكاً كالشوارع العامة التي بنيت فيها فعلى بيت المال لأنه لجماعة المسلمين.

ولو وجد في السجن فالدية على بيت المال، وعلى قول أبي يوسف الدية والقسامة على أهل السجن. لأنهم محتبساً بالشاطئ فهو على أقرب القرى من ذلك المكان.

وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه لم تسقط القسامة عنهم، وإن اجعى على واحد من غيرهم سقطت عنهم، وإذا التقى قوم بالسيوف فأجلوا عن قتيل فهو على أهل المحلة إلا أن يدعي الأولياء على اولئك، أو على رجل متهم بعينه، فلم يكن على أهل المحلة شيء، ولا على اولئك حتى يقيموا البينة.

ولو وجد قتيل في معسكر أقاموا بفلاة من الأرض لا ملك لاحد فيها، فإن وجد في خباء، أو فسطاط فعلى من سكنها الدية والقسامة، وإن كان حارجاً من الفسطاط فعلى أقرب الأخبية، اعتباراً

وإن كان القوم لقوا قتالاً ووجد قتيل بين أظهرهم فلا قسامة، ولا دية، لأن الظاهر أن العدو قتله، وإن كان للأرض مالك فالعسكر كالسكان، وإذا قال المستحلف قتله فلان استحلف بالله ما قتلت، ولا

ص: 339

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عرفت له قاتلاً غير فلان، لأنه يريد إسقاط الخصونة عن نفسه بقوله فلا يقبل، وإذا شهد اثنان من اهمل المحلة على رجل من غيرهم أنه قتل لم تقبل شهادتهما.

ولو ادعى على واحد من أهل المحلة بعينه فشهد شاهدان من أهلها عليه لم تقبل الشهادة، لأن الخصومة قائمة، ومن جرح من قبيلة فنقل إلى أهله فمات من تلك الجراحة، فإن كان صاحب فراش حتى مات فالقسامة والدية على القبيلة، ولو جد رجل قتيلاً في دار نفسه فديته على عاقلته، لورثته.

وقالوا: إن الأولياء إذا كانوا جماعة تكرر عليهم الأيمان بالإدارة بع أن يبدأ أحدهم بالقرعة.

وقالوا: إن القسامة تثبت في العبيد مراعاة لحرمة الآدمي المسلم من حيث هب من غير تفرقة.

وقالوا: إن أيمان النساء لاتقبل في القسامة مطلقاً، لا في عمد، ولا في خطأ، لعدم النصرة بهن.

وقالوا: لاتشرع الأيمان في القسامة إلا على المدعى عليهم، لكونهم متهمين بالقتل فيحلفون لتبرأ ساحتهم.

الشافعية - قالوا: يشترط لك دعوى بدم، أو غيره كغصب، وسرقة، وإتلاف ستة شروط، أحدها: أن تكون معلومة غالباً، بأن يفصل ما يدعنه من عمد أو خطأ، أو شبه عمد، ومن انفراد، وشركة، وعدد الشركاء في قتل يوجب الدية، فإن أطلق المدعي في دعواه، كقوله: هذا قتل أبي استفصله القاضي ندباص، فيقول له: كيف قتله، عمداً، أم خطأ، أم شبه عمد؟

وقيل: لا يستفصل القاضي المدعي، بل يعرض عنه، لأنه ضرب من التلقين.

وثانيها: أن تكون ملزمة، فلا تسمع دعوى هبة شيء، أو بيعه، أو إقراره به حتى يقول المدعي: وقبضته بإذن الواهب، ويلزم البائع، أو المقر التسليم.

وثالثها: أن يعين المد عي في دعواه المدعى عليه، واحداً كان أو جمعاً معيناً، كثلاثة حاضرين، فلو قال: قتله أحدهم، فأنكروا، وطلب تحليفهم، لا يحلفهم القاضي في الأصح للإبهام.

ورابعها: أن تكون الدعوى على مدعى عليه مكلفاً، فلا تصح الدعوى على صبي، ومجنون، بل إن توجه على الصبي أو المجنون ما لى ادعى مستحقه على وليهما، فإن لم يكن ولي حاضر، فالدعوى عليهما كالدعوى على الغائب.

وسادسها: أن لا تتناقض دعوى المدعي، وحينئذ لو ادعى على شخص انفراده بالقتل، ثم ادعى على آخر أنه شريكه، أو منفر لم تسمع الدعوى الثانية، لما فيه من تكذيب الأول ومناقضتها، وسواء أقسم على الول، ومضى الحكم فيه أم لا.

ص: 340

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقالوا: وتثبت القسامة في قتل النفس لا في غيرها من جرح، أو إتلاف مال. وعتبر كون القتل بمكان لوث - وهو قرينة حالية، أو مثالية تدل على صدق المدعي، بأن يغلب على الظن صدقه ت بأن وجد قتيل، أو بعضه كرأسه في محلة منفصلة عن بلد كبير، ولا يعرف قاتلهن ولا بينة بقتله، أو في قرية صغيرة لأعدائه دينياً أو دنيوياً،، إذا كانت العدوة تبعث على الانتقام بالقتل، ولم يساكنهم في القرية غيرهم فتجب القسامة، أو وجد قتيل تفرق عنه جمع كأن ازدحموا على بئر، أو باب الكعبة، ثم تفرقوا عن قتيل، لقوة الطن انهم قتلوه.

ويشترط أن يكونوا محصورين، بحيث يتصور غجتماعهم على القتيل، وإلا لم تسمع الدعوى، ولم يقسم.

قالوا: ولا يشترط في اللوث والقسامة ظهور دم، ولا جرح، لأن القتل يحصل بالخنق، وعصر البيضة ونحوهما، فإذا ظهر أثره قام مقام الدم فلو لم يوجد اثر أصلاً، فلا قسامة على الصحيح وقيل: تثبت القسامة.

قالوا: وشهادة العدل الواحد لوث لحصول الظن بصدقه. وذلك في القتل العمد الموجب للقصاص. فإن كان في خطأ، أو شبه عمد، لم يكن لوثاً، بل يحلف معه يميناً واحدة، ويستحق الدية، والعبيد والنساء شهادتهم لوث، لأن ذلك يفيد غلبة الطن، سواء جاؤوا متفرقين، أو مجتمعين، وقيل: يشترط تفرقهم لاحتمال التواطؤ.

وأخبار فسقة، أو صبيان، أو كفار لوث في الأصح، وكذلك لهج ألسنة الخاص والعام بأن فلاناً قتل فلاناً ومن اللوث وجود تلطخه بالدم، أو بسلاح عند القتيل، ومن اللوث أيضاً إذا تقاتل صبيان والتحم الحرب بينهم، وانكشوف عن قتيل فهو لوث في حق الصف الآخر، وإلا فلوث في حق صفة.

فاذ وجد المقتضى للقسامة حلف المدعون على قاتله خمسين يميناً، واستحقوا دية مغلظة إذا كان القتل عمداً، ويبدأ بأيمان المدعين للقسامة، لا بأيمان المدعى عليهم، فإن نكل المدعوة ولا بينة، حلف المدعى عليه خمسين يميناً وبرئ، وإنما بدئ بأيمان المدعين للقسامة، لأنهم هم الذين يطلبون أخذ الهأر من المتهم بالقتل.

وقالوا: إن الأولياء إذا كانوا جماعة قسمت الايمان بينهم بالحساب على حسب الارث، ولو ظهر لوث في قتيل فقال أحد ابنيه: قتله فلان، وظهر عليه لوث، وقال الابن الآخر: لم يقتله بطل اللوث، لأن الله تعالى أجرى العادة بحرص القريب على التشفي من قاتل قريبه، وأنه لا يبرئه تعائض هذا اللوث فسقطا، فلا يحلف المدعي، لانخرام ظن القتل بالتكذيب الدال على أنه لم يقتله - وقيل: لا يبطل حقه من اللوث وقيل: لا يبطل اللوث بتكذيب فاسق. وإذا لم يتكاذب ابنا القتيل، بل قال أحدهما: قتله زيد، ومجهول عندي. وقال الآخر: قتله عمرو ومجهول عندي، حلف كل منهما على من يعينه منهما، إذ لاتكاذب بينهما، لاحعمال أن الذي أبهم ذكره هة الذي عينه الآخر وكذلك العكس، ولكل منهما ربع الدية، لاعترافه بأن الواجب عليه نصفها، وحصته منه نصفه.

ص: 341

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولو أنكر المدعى عليه اللوث في حقه، فقال: لم أكن مع القوم المتفرقين عن القتيل، صدق بيمينه، لأن الأصل براءة ذمته من القتل، وعلى المدعي البينة على الامارة التي يدعيها، وهي عدلان.

قالوا: لو ظهر لوث في قتيل لكن بمطلق قتل دون تقييده بصفة عمد، وخطأ، وشبه عمد، فلا قسامة حينئذ في الأصحن لأن مطلق القتل لا يفيد مطالبته القاتل، بل لابد من ثبوت العمد، ولا مطالبة العاقلة، بل لابد أن يثبت كونه خكا، أو شبه عمد - وقيل: تثبت القسامة صيانة للدم عن الهدر قالوا: ولا قسامة في الجراحات وقطع الأطراف والأموال. إلا في قتل عبد، أو أمة، مع لوث، فيقسم السيد على من قتله من حر، أو رقيق في الأظهر، بناء على أن بدل الرقيق تحمله العاقلة.

وقيل: لا قسامة في العبد بناءعلى أن بدله لا تحمله العاقلة، فهو ملحق بالبهائم.

والقسامة أن يحلف المدعي الوارث على قتل النفس ولو ناقصه كامرأة، وذمي، مع وجود اللوث خمسين يميناً، والحلف يتوجه إلى الصفة التي أحلف الحاكم عليهان فيقول: والله لقد قتل هذان ويشير إليه إن كان حاضراً، ويرفع في نسبه إن كان غائباً، أو يعرفه بما يمتاز به من قبيلة، أو حرفةن أو لقب، ولا يشترط موالاة الأيمان، ولو تخلل الايمان جنون من الحالف، أو إغماء بني إذا أفاق على ما مضى، ولو مات الولي المقسم في أثناء الايمان لم يبن وارثه، بل يستأنف، ولو نكل عن الايمان أحد الورثة حلف الوارث الآخر خمسين يمينا، ولو غاب حلف الآخر خمسين واخذ حصته وإلا صبر للغائب.

والمذهب، أن يمين المدعي عليه بلا لوث، واليمين المردودة منه على المدعي، وعلى المدعى عليه واليمين مع شاهد خمسون للجميع.

المالكية - قالوا: سبب القسامة التي توجب القصاص في العمد، وتوجب الدية في قتل الخطأ، قتل الحر المسلم، دون الرقيق، والكافر، وسواء أكان الحر بالغاً، أو صبياً قتل بجرح أو ضرب، أو سم، بلوث، - وهو الأمر الذي ينشأ عنه غلبة الطن بأنه قتله، كشاهدين على قول حر مسلم، بالغ قتلني أو جرحني، أو ضربني فلان، أو شهادة عدلين على معاينة الضرب أو الجرح، أو أثر الضرب، أو شهادة واحد علد على معاينة الجرح، أو الضرب، أو شهادة واحد على معاينة القتل، أو يوجد القتيل ويضربه شخص عله أثر القتل، كان لوثاً، أما إذا قال: فلان، بل فلان، أو إذا تردد، أو لم يكن أثر الجرح به بطل اللوث، ولا قسامة - وقلك يقبل قوله ويكون لوثاً تحلف الولاة معه أيمان القسامة. ولكن الظاهر الأول.

وإنما قالوا: إن قول المقتول: دمي عند فلان واستمر على إقراره حتى مات لوث، وتثبت به القسامة. مع قول العلماء: إن الناس لا لا يعطون بدعواهم، والأيمان لا تثبت الدعاوى - وذلك لأن الشخص عند موته لا يتجاسر على الكذب في سفك دم غيره، كيف؟ وهو الوقت الذي يحق في الندم، ويقلع فيه الظالم، ويرد المظالم إلى أصحابها، ومدار الأحكام على غلبة الظن، وقد تأيد ذلك بالقسامة، وهي أيمان مغلظة احتياطياً في الدماء لأن الغالب على القاتل إخفاء القتل عن البينات، فاقتضى الاستحسان ذلك.

ص: 342

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قالوا: وسواء كان قول الحر المسلم، البالغ، قتلني عمداص، أو خطأ، ففي العمد يستحقون بالقسامة القصاص، وفي الخطأ يستحقون الدية، ولو كان القائل هذا القول رجلاً فاسقاً، وادعى على عدول، ولو اعدل وأورع أهل زمانه، أنه قتله، أو ادعى الولد على أبيه أنه ذبحه، أو شق جوفه، أو رماه بحديدة قاصداً قتله، فيقسم الولياء يمين القسامة، ويقتل فيه المدعى عليه قتل العمد، أو يقسمون ويأخذون الدية مغلظة.

وإن أطلق القائل ولم يقيد بعمد أو خطأ بين أولياؤه أنه عمد أو خطأ، واقسموا على ما بينوا، وإن قالوا: لا نعلم هل القتل عمد، أم خطان أو قالوا: لا نعلم من قتله، أو أختلفوا، بأن قال بعض الولياء قتله عمد، أو قال بعضهم: لا نعمل، هل قتله خطأ أم عمد، بطل الدم، لانهم لم يتفقوا على أن وليهم قتل عمداً حتى يستحقوا القود، ولم يتفقوا على أنه خطأ حتى يستحقوا الدية. ولم يتفقوا على من قتله فيقسموا عليه.

أما لو قال بعضهم قتله خطان وقال البعض لا نعلم خطأ أو عمداً، فللمجعي الخطأ الحلف لجميع أيمان القسامة ويأخذ نصيبه من الدية لأن الثابت في الخطأ مال أمكن توزيعه، ولا شيء لغيرهن ومثله لو قالوا جميعاً خطأ، ونكل البعض، فلو قال بعضهم: خطأ وبعضهم عمداً فإن استووا في الدرجة كالبنين، أو الاخوة فيحلف الجميع على كل طبق دعواه على قدر ارثه، ويقضى للجميع بدية الخطأ، فو نكل مجعي الخطأ عن الحلف فلا شيء للجميع، وإن نكل مدعي الخطأ فلمدعي العمد الدخول في حصته من حلف.

قالوا: ولو شهد عدلان على معاينة الضرب، أو الجرح خطأ أو عمداً، وكان حراً مسلماً، وتأخر الموت.

فيقسم أولياؤه - والله منه مات - أو - إنما مات منه.

أما إذا لم يتأخر الموت فيستحعون الدم لدية بدون قسامة، لكونها شهادة على معاينة القتل. أو شهادة عدل بمعاينة الضرب، أو الجرح عمداً أو خطأ، تأخر الموت أو لم يتأخر فيقسم الاولياء خمسين يميناً - لقد جرحه، أو ضربه ومات من الجرح والضرب، وقيل: يحلف واحد من الأولياء يميناً مكملة لشهادة العدل اه ضربه أو جرخه، ثم يحلفون الخمسين يميناً.

ولو شهد علد بإقرار المقتول بعمد أو خطأ - اي شهد بالغ أن فلاناً جرحني، أو ضربني عمداً، أو خطأ، وشهد عدل على قوله، فشادته لوث، يحف عليها الأولياء خمسين يميناً بالصيغة المشتملة على اليمين لملكملة للنصاب، فلا يحتاجون ليمين منفردة على العتمد من الذهب.

ولو شهد عدل برؤية المقتول حال كونه يتشحط في دمه، والشخص المتهم بالقتل عليه اثر القتل بالفعل، ككون الآلة بيده ملطخة بدم، أو كان خارجاً من مكان المقتول ولي فيه غيره، فتكون شهادة العدل على ما ذكر لوثاً، يحلف الاولياء يمين القسامة، ويستحقون القود في العمد والدية في الخطأ.

ص: 343

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

واعلم أنه تلزمه القسامة ولو تعدد اللوث كشهادة عدل بمعاينة القتل مع عدلين على قول المقتول: قتلني فلان، فلا يقتصون، ولا يأخذون الدية إلا بعد القسامة.

قالوا: وليس من اللوث وجود المقتول بقرية قوم ولو مسلماً بقرية كفار. وهذا إذا كان يخالطهم غيرهم في القرية، وإلا كان لوثاً يوجب القسامة، كما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم القسامة لا بني عم عبد الله بن سهل حيث وجد مقتولاً بخيبر، لأن خيبر مكان لا يخالط اليهود فيا غيرهم، أو وجد مقتولاً بدارهم لجواز أن يكون قتله غير أهل القرية والدار، ورماه عندهم حيث كان يخالطهم غيرهم في الدار أيضاً،

قالوا: والقسامة خمسون يميناً متوالية بدون تفريق بزمان أو مكان، يحلفون على البت والجزم يحصل لهما العمل بالخبر، كما يحصل بالمعاينة. وجبرت اليمين إذا وزعت على حدود وحصل كسران أو أكثر، فإنها تكمل على ذي أكثر كسرها، ولو كان صاحب أكثر الكسر أقل نصيباً، وإن تساوت الكسور فعلى كل من الجميع تكميل ما انكسر عليه للتساوي.

ويحلف في أيمان القسامة في الخطأ من يرث المقتول من المكلفين، وتوزع هذه الايمان على قدر الميراث. وإن إلا واحد من الأخوة للام، فإنه يحلف خمسين يميناً ويأخذ حظه من الدية، أو إذا لم يوجد إلا امرأة واحدة، ولا يأخذ أحد من الأولياء الحاضرين البالغين إذا غاب بعضهم أو كان صغيراً. شيئاً من الدية من العاقلة إلا بعد حلف جميع الايمان، ويأخذ حصته من الدية، لأن العاقلة لا يخاطبون بالدية إلا بعد ثبوت الدم، ثم بعد حلف الحاضر جميع الأيمان حف من حضر من الغيبة أو بلغ الصبي حصته من أيمان القسامة، ويأخذ نصيبه من الدية، ولا يحلف أيمان القسامة في العمد اقل من رجلين لأن النساء لا يحلفن في العمد، لعدم شهادتهن فيه، فإن انفردن عن رجلين صار المقتول كمن لا وارث له فترة اليمان على المدعى عليه عصبة ولا يقسم في العمد إلا على واحد من الجماعة الملوثين بالقتل يعينه المدعي للقسامة يقولون في الأيمان:

من ضربه ما، لا من ضربهم، ولا يقتل بها أكثر من واحد، فإن استووا في قتل العمد كحمل صخرة ورموها عليه فمات، فيقسمون على الجميع، ويقتل الجميع حيث رفع حياً وأكل ثم مات، فلو مات مكانه أو انفذت مقاتله قتل الجميع بدون قسامة.

ويجوز للولي أن يستعين في القسامة بعاصبه، وإن لم يكن عاصب المقتول كامرأة مقتولة ليس لها عاصب غير ابنها وله اخوة من أبيه، فيستعين بهم، أو ببعضهم أو بعمه مثلاً.

قالوا: وتوزع الايمان على مستحق الدم على الرؤوس في العمد، وأما في الخطأ فتوزع على قدر الإرث، فإن زادوا على خمسين اجتزئ منهم بخميسين، وكفى في حلف جميعها اثنان من الأولياء، إذا كان الأولياء أكثر من اثنين وطاع منهم اثنان، فيكفى حيث كان الباقي غير ناكلين، ونكول المعين

ص: 344

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من عصبة الولي لا يعتبر، بخلاف نكول غير المعين فإنه معتبر، فترد الايمان على المدعى عليهم بالقتل، فيحلف كل واحد منهم خمسين يميناً، إن تعددوا، لأن كل واحد م نهم متهم بالقتل، وإن كان لا يقتل بالقسامة إلا واحد، فإذا كان المتهم واحداً، حلف الخمسين يميناً.

ومن نكل من المدعى عليهم بالقتل حبس حتى يحلف خمسين أو يموت في السجن حيث كان متمرداً، وإلا فبعد سنة يضرب مائة ويطلق، والراجح الأول.

قالوا: إن الحاكم يبدأ بأيمان المدعين للقسامة، لا بأيمان المدعى عليهم. فإن نكل المدعوة ولا بينة معهم عليه خمسين حلف المدعي يميناً وبرئ من دمه.

الحابلة - قالوا: إن القسامة مشروعة إذا وجد قتيل في محله، ولم يعلم قاتله، وهي ثابتة بالسنة واجماع الأمة، ولكن لا يحكم بالقسامة إلا أن يكون بين المقتول، وبين المدعى عليه لوث، وهي العداوة في حق الصف الآخر، والعصبة خاصة، كما هو حاصل بين القبائل من المطالبة بالدماء وأخذ الثأر، وكما بين أهل البغي، وأهل البغي، وأهل العدل، وأما قول المقتول المسلم البالغ: إن فلاناً قتلني، فلا يكون لوثاً، فإذا وجد المقتضي للقسامة حلف المدعون على قاتله خمسين يميناً، واستحقوا دمه إذا كان القتل عمداً.

ويجب أن تبدأ بأيمان المدعين للقسامة، لا بأيمان المدعى عليهم، فإن نكل المدعون ولا بينة على القتل. حلف المدعى عليه خمسين يميناً، ما قتله ولا يعلم له قاتلاً، وبرئ من دمه، فإذا كان أولياء الدم جماعة قسمت الأيمان بينهم بالحساب، على حسب الإرث الذي يستحقونه من القتيل، حتى يكون الغرم على قدر الغنم.

وقالوا: إن القسامة تثبت في العبيد. وذلك لحرمة الآدمي المسلم من حيث هو، حيث إن الله تعالى كرمه، وقالوا: إن أيمان النساء لا تقبل في القسامة مطلقاً، لا في عمد ولا في خطأ تخفيفاً عن النساء، لأنه لا نصرة عليهن، والقسامة تبنى على النصرة من أفراد العاقلة، وأهل المحلة، لأن القاتل يعتز بهم، ويحتمي بقوتهم.

مبحث كفارة القتل.

اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على وجوب الكفارة في قتل الخطأ إذا لم يكن المقتول ذمياً ولا عبداً واتفقوا على أن كفارة قتل الخطأ عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وذلك لقوله تعالى:{ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا، فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة. فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وكان الله عليماً حكيماً} [آية: 92 من النساء] .

ص: 345

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والمالكية، والحنفية، والشافعية في أصح قوليهم، والحنابلة في إحدى روايتهم - قالوا: أنه لا يجزئ الاطعام في كفارة قتل الخطأ، نظراً إلى عظم حرمة المؤمن، فخص الكفارة بما هو أعلى قيمة غالباً من الإطعام، ولأنه لم يرد به النص القرآني، والمقادير تعرف بالتوقيت، ولأن الله تعالى جعل المذكور في الآية كل الواجب بحرف الفاء أو لكونه كل المذكور على ما عرف، ويجزئه رضيع أحد أبويه مسلم، لأن شرط هذا الإعتاق الإسلام وسلامة الأطراف والأول يحصل بإسلام أحد أبويه، والثاني بالظهور، إذ الظاهر سلامة أطرافه، ولايجزئه ما في البطن لأنه لم تعرف حياته ولا سلامته.

الشافعية، والحنابلة في الروايتين الأخريين، - قالوا: إن الإطعام حين العجز عن الصوم يجزئ، مثل كفارة الظهار.

الحنفية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: تتجب الكفارة في قتل الذمي على الاطلاق، وفي قتل العبد المسلم وذلك للعمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذمي، في وعد من ظلمه بأن يكون صلى الله عليه وسلم حجيجه يوم القيامة، في نحو قوله:(من ظلم ذمياً كنت حجيجه يوم القيامة) فإذا كان هذا فيمن ظلمه ولو بأخذ درهم من ماله أو بكلمة في عرضه مثلاً فكيف بمن قتله بغير حق.

وأما وجوب الكفارة في قتل العبد المسلم فلدخولها في وصيته صلى الله عليه وسلم في حال احتضاره، بقوله صلى الله عليه وسلم:(الصلاة وما ملكت أيمانم) وقد ورد أن الوصية على الأرقاء من أواخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محتضر، فصار يقول ذلك بتكلف لا يكاد لسانه يبينها، فوجب احترامه كل الاحترام، ومن جملة احترامه وجوب الكفارة في قتله.

المالكية - قالوا: لا تجب الكفارة في قتل الذمي، لأن وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الذمة محمولة على فعل أمور مخصوصة، كأخذ ماله بغير حق، وكالوفاء بذمته، وبغير الكفارة كتكفينه، ودفنه، إذا مات ونحو ذلك دون وجوب الكفارة في قتله، فإنه مراق الدم في الجملة من حيث كفره بالله، وتكذيبه لرسوله صلى الله عليه وسلم.

الحنفية، والمالكية، والحنابلة في إحدى روايتهم - قالوا: لا تجب الكفارة في قتل العمد، لأن الشارع شدد في أمر القاتل عمداً بالقتل، أو الدية إذا عفا الأولياء عن قتله إلى الدية، فلا يزاد على ذلك، لأنه كبيرةة محضة وفي الكفارة معنى العبادة فلا تناط بمثلها، ولأن الكفارة من المقادير وتعينها في الشرع لدفع الأدنى، لا يعينها لدفع الأعلى.

الشافعية - قالوا: تجب الكفارة في قتل العمد، لأن الحاجة إلى التكفير في العمد أمس منها إليه في الخطأ، فكان أدعى إلى إيجابها، لأن العامد أغلظ إثماً ممن كان قتله خطأ فكانت الكفارة به اليق من الخطأ.

قالوا: وتجب على كل واحد من الشركاء في القتل كفارة في الأصح، لأنه حق يتعلق بالقتل فلا يتبعض كالقصاص. ولأن الكفارة لتكفير جناية القتل، وكل واحد قاتل، ولأن فيها معنى العبادة، والعبادة الواجبة على الجماعة لا تتبعض.

ص: 346

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقيل: تجب الجميع كفارة واحدة، كقتل الصيد.

الشافعية، والحنابلة - قالوا: تجب الكفارة على الكافر إذا قتل مسلماً خطأ. للتغليظ على الكافر بالتغريم من حيث عدم تحفظه في حق المسلم، حتى لا يعود إلى مثلها، وليكون عبرة لغيره من دينه، بل قالوا: تجب الكفارة بالقتل، وإن كان القاتل عبداً، كما يتعلق بقتله القصاص والضمان، دينه، بل قالوا: تجب الكفارة بالقتل ذمياً، لا لتزامه الأحكام، ولو كان القاتل عامداً، أو مخطئاً، أو متسبباً، بقتل مسلم ولو بدار الحرب، وذمي، وجنين، وعبد نفسه، ونفسه ولا تجب الكفارة بقتل امرأة وصبي حربيين. ولا بقتل باغ، لأنه مباح الدم، وصائل، لأنه لا يضمن، ومرتد، وزان محصن، ومقتص منه بقتل المستحق له، لأنه مباح الدم بالنسبة إليه.

الحنفية، والمالكية - قالوا: إن الكفارة لا تجب على الكافر، لأن الكفارة طهرة للقاتل من الأثم دافعة عنه وقوع العذاب به يوم القيامة، والكافر ليس أهلا لذلك، لأنه لا يظهر إلا بحرقه بالنار يوم القيامة، فكيف يظهر بالكفارة؟

المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: تجب الكفارة على الصبي، والمجنون إذا قتلا، وذلك لنسبتهما إلى قلة التحفظ في الجملة، فلو خوف الولي الصبي من القتل، أو ضبط المجنون بالقيد، والغل، لما كانا قدرا على قتل أحد عادة، مع كون المجنون ربما تعاطى أسباب الجنون بأكله طعاماً لا يناسب مزاجه مثلاص، فكان تغريمه الكفارة من باب المؤاخذة بالسبب عند من يقول به من الأئمة.

الحنفية - قالوا: لا تجب على الصبي، ولا على المجنون كفارة، لأن المجنون خرج عن التكليف ولأن الصبي لم يبلغ سن التكليف فلم يؤاخذا بفعليهما، ولأن أفعالهما من قسم المباح وهو أحد الحكام الخمسة.

المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: تجب الكفارة على القاتل بالسبب كمن تعدى بحفر بئر عدواناص، ووضع حجراً في الطريق وكالمكره والآمر به لمن لا يميز، وشاهد الزور، ولو حصل التردي في البئر بعد موت الحافر، لأن اسم القاتل يشمل الآمرين فشملتهما الآية، وبالقياس على وجوب الدية.

الحنفية - قالوا: إن الكفارة لا تجب على القاتل بالسبب مطلقاً، وإن كانوا قد اجمعوا على وجوب الدية، في القتل بالسبب، وذلك لعدم إلحاق السبب بالمباشر، لأنه أخف حالاً منه حيث إنه لم يباشر القتل.

الحنفية - قالوا: إذا قتلت أم الولد سيدها فعليها قيمة نفسها، لأنه قد زال عنها ملك سيدها بقتله، فصارة حرة، كما لو قتلت غيره، وذلك إذ لم يجب القصاص عليها.

الشافعية - قالوا: يجب عليها الدية لأنها تصير حرة لزوال موجب جنايتها، والواجب في قتل الحر دية.

ص: 347

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الحنفية - قالوا: إن الجناية من أم الولد لا يجب فينها أكثر من قيمتها كما لو جنت على أجنبي، ولأن اعتبار الخيانة قي الجاني بحال الجناية - وهي في حال الجناية آمة. ولأنها ناقصة بالرق لأشبهت القن. وإذا لم يكن لها منه ولد فعليها القصاص لورثة سيدها، وإن كان لها منه ولد وهو الراث وحده فلا قصاص عليها، لأنه لو جب لوجب لولجها، ولا يجب للولد على امه قصاص.

الحنابلة - توقفوا في هذه المسألة) .

-

ص: 348