الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة الإعلام في بلاد الإسلام وعلاقتها بالدعوة الإسلامية للشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
مدخل
…
رسالة الإعلام في بلاد الإسلام وعلاقتها بالدعوة الإسلامية
لفضيلة الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري مدير الشؤون الدينية بدولة قطر
{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} .
أيها الإخوة:
أحييكم بتحية الإسلام، مباركة طيبة من عند الله فسلام ورحمة من الله وبركات. لقد كانت عملية اختيار الموضوع من أشق الأمور على نفسي، فإن الموضوعات كلها إنما هي مشاكل الساعة ـ كما يقولون ـ بالنسبة للمجتمعات الإسلامية ومن الصعب على من ينفعل لدينه ويخدم أمته وعقيدته أن يتخير في هذه الأمور، فجميع الموضوعات هامة وكلها ينبغي أن تكون موضوعات بحث للإخوة المشاركين في هذا المؤتمر.
أمام هذه الحيرة استخرت الله في هذا الموضوع (عن الإعلام) رغم أنني لست من فرسان هذا الميدان، إلا أنني قد وجدت صدري منشرحاً له ونفسي مقبلة وراضية عنه فتوكلت على الله واعتمدت على توفيقه..
الإعلام هو نشر الكلمة أو الخير أو الرأي أو الفكر أو الصورة على عامة الناس بإحدى الوسائل الآتية:-
أـ الكتابة سواء كانت في كتاب أو في صحيفة يومية أو مجلة أسبوعية أو نشرة عامة.
ب ـ الإذاعة المرئية (التلفزة) .
جـ ـ الإذاعة المسموعة (الراديو) .
ومن هنا تبدو أهمية الإعلام في السيطرة على جمهور الناس وتوجيه مشاعرهم الوجهة التي يراها الموجه إن كانت خيراً فخير، وإن كانت غير ذلك فهي لما وجهت إليه.
وقد كان الشعراء والخطباء في الزمن السالف هم جهاز الإعلام القوي على ألسنتهم تدور رحى المعارك قبل أن تدور السيوف على الرقاب وبهم يرتفع شأن القبيلة ويعلو ذكرها إلى
السماكين وبهم أيضاً تنحط أسهم قبائل، هاتها في السماء.
وقصة بني أنف الناقة معروفة، عندما احتقرتهم قبائل العرب وسبب تسميتهم بهذا الاسم، فإن أباهم كان لديه عدد من النسوة، لكل منهن أولاد منه، فعقر مرة ناقة وقسمها على كل أولاده ولم يبق سوى واحد حضر متأخراً ولم يكن لدى الأب سوى الرأس فأعطاها له فربطها الولد بحبل من أنفها، وجرها إلى بيت أمه، فسماه من رآه من الناس أنف الناقة فصارت هذه التسمية كنية له ثم لأولاده من بعده، إذ دعوا ببني أنف الناقة. وكثيراً ما تجر الأسماء على أصحابها العار بين قبائل العرب كما تعلمون، إلى أن جاءت وسيلة من وسائل الإعلام هي لسان شاعرنا، به قال بيتين في بني أنف الناقة فمحا عنهم العار والشنار وعلا ذكرهم بين الناس إذ قال:
سيري أمامي فإن الأكثرين حصى
…
والأكرمون إذا ما أنسبوه أبا
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم
…
ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا؟
وكان أهم ما يدور على ألسنة الشعراء والخطباء التغني بأمجاد القبائل وذكر مآثرها في الحروب، وفي صفات الشرف الرفيع، كالكرم والنجدة والشهامة والمروءة والإيثار.
وحينما تذم قبيلة فبما هو ضد لهذه الصفات النبيلة الخيرة، من جبن وخداع وخسة إلى غير ذلك من الصفات الرذيلة.
واستمر الأمر كذلك حتى شيوع الكتابة فأضيفت إلى ألسنة الشعراء والخطباء أقلام الكتاب وبدأ الناس يستعينون بالكتابة في نقل أفكارهم إلى جمهور الناس للتأثير فيهم وتوجيههم الوجهة التي يرونها..
ثم تأتي بعد ذلك الصحافة لتلعب دورها الفعال وتعمل عملها في عقول الناس خصوصاً وقد أخذت السياسة نصيبها في معركة الإعلام. والصحافة هي لسان حال السياسة ـ كما يقولون ـ تروج لمبادئها وتدعو لها.
وتمر الأيام وتأتي في بداية هذا القرن الأعاجيب باختراع التصوير أولاً، ثم الراديو ثانياً ثم في منتصف هذا القرن تقريباً يتم اختراع التلفزيون (التلفرة) كما يسمونه، فتتم بذلك فصول قصة الإعلام حتى عصرنا هذا، والله أعلم بما سيأتي بعد ذلك من أعاجيب.
والإعلام في جميع بلاد الدنيا ـ ما عدى غالبية البلاد الإسلامية ـ يسير وفق خط مرسوم ومنهج واضح بين، يخدم عقيدة من يسيره.
فنجده في روسيا مثلاً يحبو على المبادئ الشيوعية ويدعو لها ويذب عنها ويبين محاسنها، ويذكر عورات أعدائها ويجعلها ـ من وجهة نظر الشيوعية ـ أسمى ما تصبوا إليه قلوب الكادحين.
وفي الغرب أيضاً نجد الديمقراطية أو الرأسمالية ـ في معركة الإعلام ـ هي الظل الوارف الذي ينبغي أن يتفيأ تحته كل من يصبو إلى الحياة السعيدة في دنياه.
أجل نجد الإعلام في جميع بلاد الأرض ـ عدا معظم البلاد الإسلامية ـ يخدم.. المجتمع بحماية فكره وتراثه وعقيدته فيكون موجها الناس إلى حياة أفضل، أما في معظم بلاد الإسلام فنجد النقيض على طول الخط.
نجد الإعلام تائهاً أو مضللاً يضرب الأمة في الأعماق، ويخرب أغلى مقوماتها ويعمل على تفككها ويسير بها إلى الهاوية. وإليكم الأمثلة على ذلك وهي للتدليل وليست للحصر:
أولاً في ميدان الفكر:
نجد رواجا للكتب الشيوعية والالحادية منقطع النظير، فهذا الكتاب يطبع بسهولة ويسر، ولا يقف الرقيب أمامه أبدا بدعوى حرية الفكر، فيتم طبعه في أحسن المطابع على أفخم الورق ويقدم إلى القارئ في ثوب أنيق من دقة الاخراج، وبسعر زهيد جدا لا يمكن أن يكون ثمنا للورق فقط..
ثانيا:
في مثل ما نجده في الكتاب نراه أيضا في الصحافة، وهي من الخطورة بمكان، ففي الصحف والمجلات نجد الصور العارية والآراء المتعارضة مع قيمنا وديننا وتقاليدنا وأعرافنا وكل ما يمد إلى مقوماتنا بصلة.
نجد كل ذلك في صحافة اليوم ببلادنا ويقرأه ويراه شبابنا وبناتنا، فماذا تكون النتيجة؟
نرى انفصاما تاما بين جيل اليوم وجيل الأمس نرى انحرافا خطرا في شبابنا..
فماذا بالله عليكم العمل؟ وهو يقرأ ويرى عما هو شاذ؟ ـ والممنوع مرغوب (وأحب شيء إلى الإنسان ما منعا) كما يقولون.
هناك مسابقات لملكات الجمال، وأخرى للأزياء.. وثالثة للسباحة إلى غير ذلك من شذوذ عقلي والعياذ بالله.. كل ذلك يقرأه شبابنا، ويراه في الصورة اليوم، وغدا في العيان،
فماذا تريدون منه بعد ذلك، ليس هناك سوى الانحراف والعياذ بالله، وهنا تكون الطامة الكبرى.
ثالثا:
ويأتي بعد ذلك دور الإذاعة والتليفزيون وفيهما ما فيهما فأهم ما تتميز به الإذاعة أو التليفزيون إنما هو نشر الأغنية العربية. وماذا في أغنية اليوم من معان نبيلة كريمة؟ لقد خلت من كل ما هو نبيل وكريم ولا نسمع إلا نعيقا ونهيقا في الحب وللحب وكأنما اختيرت أمتنا فقط لهذا الذي يسمونه الحب، فهذا يدعو محبوبته، وتلك تنادي حبيبها وكأن أمتنا خلقت لهذه التفاهة فأصبحت لا ترى للحياة طعما إلا بالتغني بهذا الهراء السخيف الذي أودى بها إلى الحضيض وجعل منها إذاعات للمراهقين.
رابعا:
ويأتي التليفزيون هو الآخر ليلعب دوره في هذا المضمار بالصورة المتحركة المرئية وهو من أهم وأخطر أجهزة الإعلام، إنه سلاح ذو حدين مفيد جدا وضار جدا، مفيد بأنك تشعر أنك ترى جميع الدنيا أمام عينيك فينقل إليك الخبر طازجا تشاهده كأنك تعيش فيه وتلمسه، ترى على شاشته الصغيرة أشياء كثيرة مفيدة كالفروسية والسباق والعلوم والمعارف وغير ذلك هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ترى النقيض أيضا، تشاهد أفلام الحب والغرام، ونرى المسلسلات الأجنبية الخبيثة التي تغذي في أبنائنا غرائز الشر وتنمي فيهم روح التمرد على القيم والأخلاق.. فينفلتوا إلى الهاوية والعياذ بالله.
أيها الإخوة:
بعد هذا العرض السريع ـ الذي لابد منه ـ عن وضع المجتمع الإسلامي والتوجيه الإعلامي الخاطئ الذي يسيطر عليه، ما هو العلاج؟
وماذا نفعل إن أردنا التوجيه السليم لمجتمعنا.
هنا مقدمة لابد منها وسؤال يرد في الحال.
ـ من نحن؟
والجواب هو أننا أمة الإسلام..
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}
ما هي خطة هذه الأمة.. وما هو هدفها الأمر بين في الآيتين.. والمنهج واضح سليم.. الأمر بالمعروف،