المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا ـ جهاز الدعوة - المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة

[-]

فهرس الكتاب

- ‌افتتاح المؤتمر

- ‌كلمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌كلمة معالي وزير التعليم العالي

- ‌كلمة فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد

- ‌كلمة فضيلة الشيخ أبي الحسن الندوي

- ‌اختيار سماحة الشيخ بن باز رئيساً للمؤتمر

- ‌كلمة رئيس المؤتمر

- ‌كلمة فضيلة الشيخ العباد بعد انتخابه نائباً لرئيس المؤتمر:

- ‌كلمة فضيلة الشيخ محمد الغزالي مقرر المؤتمر

- ‌أعضاء المؤتمر يرفعون برقية شكر إلى سمو نائب جلالة الملك

- ‌رد سمو الأمير فهد بن عبد العزيز

- ‌رئيس وأعضاء المؤتمر يشكرون سمو الأمير فهد بن عبد العزيز

- ‌جواب سمو الأمير فهد بن عبد العزيز

- ‌دليل المؤتمر

- ‌مدخل

- ‌محتوى الدليل

- ‌تقديم

- ‌الأهداف العامة للمؤتمر

- ‌الموضوعات الرئيسية للمؤتمر

- ‌من البحوث التي قدمت للمؤتمر

- ‌لجان المؤتمر

- ‌المدعوون لحضور المؤتمر

- ‌من خارج المملكة العربية السعودية

- ‌من داخل المملكة

- ‌برنامج المؤتمر

- ‌اليوم الأول

- ‌الفترة الصباحية

- ‌اليوم الثاني

- ‌فترة الصباح

- ‌فترة المساء:

- ‌اليوم الثالث

- ‌فترة الصباح

- ‌فترة المساء:

- ‌اليوم الرابع

- ‌فترة الصباح

- ‌فترة المساء:

- ‌اليوم الخامس

- ‌فترة الصباح

- ‌فترة المساء:

- ‌اليوم السادس

- ‌فترة الصباح

- ‌فترة المساء:

- ‌يوم الجمعة

- ‌من بحوث المؤتمر

- ‌‌‌بعض سمات الدعوة في هذا العصرلفضيلة الشيخ أبي الحسن الندوي

- ‌بعض سمات الدعوة في هذا العصر

- ‌كيفية إعداد الداعية للدكتور أحمد أحمد غلوش

- ‌تمهيد

- ‌وجوب تبليغ الدعوة وإعداد الدعاة

- ‌الصفات الواجبة للدعاة

- ‌الإيمان العميق

- ‌ العلم الدقيق

- ‌ الخلق المتين

- ‌كيفية إعداد الدعاة

- ‌مدخل

- ‌ الإشراف المنظم:

- ‌ إقامة دورات للتعليم والتدريب:

- ‌ مكتبة الداعية:

- ‌ المؤلفات الموضوعية:

- ‌ المجلة المتخصصة:

- ‌ تحسين المستوى الإجتماعي للدعاة:

- ‌تهيئة الدعاة الجدد

- ‌الإختيار المبكر

- ‌مدارس الدعاة:

- ‌ كليات الدعوة:

- ‌الدعاة المبعوثين للخارج

- ‌العون الواسع

- ‌ تعيين مساعدين للدعاة:

- ‌ حماية الدعاة:

- ‌الخاتمة

- ‌إعداد الداعية ومعالجة بعض مشاكل الدعوة للشيخ محمد محمد أبو فرحة

- ‌مدخل

- ‌الظروف مواتية:

- ‌مهمة الداعي

- ‌واجب هيئات الدعوة

- ‌الطريق إلى الدعوة

- ‌هيئة عامة للدعوة

- ‌(مهمة الهيئة)

- ‌مقر الهيئة

- ‌كلية خاصة بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌المواد الدراسية

- ‌التفرقة في التخصص

- ‌(الناحية العملية في تربية الدعاة)

- ‌واجب الدعاة نحو أنفسهم

- ‌مشكلات الدعوة والدعاة في العصر الحديث وكيفية التغلب عليها؟ للدكتور محمد حسين الذهبي

- ‌مدخل

- ‌أولا: تمويل الدعوة

- ‌ثانيا ـ جهاز الدعوة

- ‌ثالثا: مناخ الدعوة

- ‌عقبات وتحديات تعترض طريق الدعوة

- ‌من هنا فلنبدأ أعمالنا للدعوة للشيخ محمد المجذوب

- ‌تمهيد

- ‌من أين نبدأ:

- ‌الإسلام والجاهليات

- ‌تصحيح الداخل أولا:

- ‌هذه التناقضات:

- ‌تراثنا المهدد:

- ‌من هنا فابدأوا:

- ‌لابد من حوار:

- ‌لا منقذ إلا الإسلام:

- ‌وأخيرا:

- ‌‌‌بين يدي العلاجللدكتور محمد الهراس

- ‌بين يدي العلاج

- ‌رسالة الإعلام في بلاد الإسلام وعلاقتها بالدعوة الإسلامية للشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري

- ‌مدخل

- ‌نحو خطة إعلامية سليمة:

- ‌نحو خطة إعلامية هادفة

- ‌الدعوة الإسلامية ووسائل الإعلام للدكتور عبد المنعم محمد حسين

- ‌مقدمة

- ‌ أساس الدعوة الإسلامية

- ‌الدعوة الإسلامية في العصر الحالي:

- ‌ خطر وجود وسائل الإعلام بصورتها الحالية

- ‌ ضرورة إيجاد إعلام إسلامي

- ‌واجب الإعلام الإسلامي:

- ‌((خاتمة))

- ‌الأساليب التبشيرية في العصر الحديث للدكتور علي محمد جريشة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: التبشير الحديث.. من الغرب

- ‌مقدمة:

- ‌المطلب الأول: أساليب التبشير الحديث

- ‌المطلب الثاني: ((التغيير السياسي))

- ‌الفصل الثاني: الغزو الفكري من الشرق

- ‌توطئة

- ‌المطلب الأول: الماركسية.. مبدأ

- ‌المطلب الثاني: الماركسية.. وسيلة

- ‌الفصل الثالث: الدعوة الإسلامية في وجه الغزو الفاجر

- ‌((توطئة))

- ‌المطلب الأول: وسيلة الإسلام

- ‌المطلب الثاني: هدف الإسلام

- ‌توصيات المؤتمر

- ‌مدخل

- ‌في مجال الدعوة الإسلامية ووسائلها وأساليبها وسبل تعزيزها وتطوير أدائها

- ‌في مجال ((إعداد الدعاة))

- ‌في مجال مشاكل الدعوة والدعاة:

- ‌في مجال وسائل الإعلام:

- ‌في مجال الدعوات والاتجهات المضادة للإسلام:

- ‌توصيات عامة

الفصل: ‌ثانيا ـ جهاز الدعوة

أبنائه المسلمين نسبة مئوية عالية، حددها بعض المشغولين فيهم بهذه المشكلة بنحو 40% من جملة السكان، وهو رقم مهما كان فيه من مبالغة فإن ما يتبقى بعد حذف كل ما فيه من مبالغة أو تهويل، يكفي لأن يوقظنا من غفلتنا، ويقتضينا أن نسارع بتنفيد هذا الإقتراح على الفور، وتعبئة جيش من الدعاة القادرين لمواجهة هذه المأساة المروعة..

وما يتعرض له المسلمون في الفلبين ألا يدخل في نطاق ما تطالبنا به الآية الكريمة اتجاه المستضعفين من المسلمين حيث كانوا ـ {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} ؟ ـ الأنفال72.

إن الواجب نصرهم كيفما كانت تبعاته أو أهواله، فكيف بنا إذا لم نتقدم لهم حتى مجرد الدعم الروحي والمعنوي؟

تمويل الدعوة تمويلا يمكنها من الإنطلاق دون معوقات هو أول ما يجب التركيز عليه واتخاذ قرار بشأنه، حتى لا يتحول الحديث إلى مجرد أفكار ونظريات لا تجد لها طريقا لأن توضع موضع التطبيق.

ص: 124

‌ثانيا ـ جهاز الدعوة

وبناء هذا الجهاز بوجهيه البشري، والمادي، رهن بما يتوافر للدعوة من مال تسهم فيه الحكومات بنسبة مئوية كما اقترحنا، ويضم إليه ما يمكن تقديمه من قبل الأفراد والمؤسسات والجمعيات الإسلامية في كل بلاد المسلمين، ومن خلال دعوة جادة ومؤثرة، ندعو للإسهام والتبرع لهذا العمل الجليل..

وجهاز الدعوة يقوم على دعامتين دعامة بشرية هي الأساس وهي القوة الضاربة في الميدان، ودعامة مادية تتمثل في مؤسسات الدعوة مقارها، وأدوات توصيلها ونشرها وكل ما يعتبر وسيلة معينة على تحقيق الإتصال الناجح المؤثر بين الدعاة والمدعوين.

ومشكلة جهاز الدعوة الإسلامية اليوم بوجهيه البشري والمادي، تتمثل في عجزه عن الوفاء بمتطلبات الدعوة تحت ظروف العصر عجزا مزدوجا يشمل الكم والكيف معا.. فمن حيث الكم نجد قصورا واضحا في أعداد الدعاة والمشتغلين في مجال الدعوة على وجه العموم، فالمساجد ـ مثلا ـ لا تجد من الأئمة والخطباء من يقومون بهذه الوظائف بأعداد تكفي لتغطية حاجتها جميعا، والواقع حتى في أحسن المجتمعات الإسلامية ظروفا من هذه الناحية ينطق بهذا النقص..

ص: 124

ومثل ذلك يقال عن عدد الوعاظ فالمأهلون منهم قلة محدودة جدا، وبجانبهم أعداد هائلة ممن يمارسون الوعظ هواية أو من خلال جمعيات تعد لهم مستويات من الدراسة تتيح لهم حد أدنى من المعرفة الدينية الضرورية التي قد تكفي لمواجهة حاجات البيئات المحدودة الفكرة والثقافة، ولكنها لا تفي بحاجة الإنسان الذي نال قسطا كبيرا من ثقافة العصر، وتعرض لمؤثراته الفكرية والحضارية..إن ساحة الدعوة الإسلامية داخل البلاد الإسلامية نفسها خالية ـ إلا نسبة محدودة منها ـ من دعاة حقيقين، قادرين على حمل أمانتها والوفاء بتبعاتها

فإذا ألقينا ببصرنا على ساحة الدعوة خارج بلاد المسلمين، وحيث يوجد ملايين البشر مازالوا على فطرتهم، أوشابتهم وثنية انتقلت إليهم بالعدوى، وحيث يوجد ملايين من أصحاب الديانات الأخرى يعانون القلق، ويبحثون عن معتقد تطمئن إليه نفوسهم التي يرهقها الآن أن تتقبل عقائد ومذاهب يصعب على عقل أضاءه العلم وصقلته الحضارة أن يتقبلها.

هؤلاء حيارى يتلمسون الضوء في ظلمات بعضها فوق بعض، ولو أن دعوة الإسلام بلغتهم في خطاب يفهمونه وأسلوب حكيم يفتح لها الطريق الصحيح إلى عقولهم وضمائرهم لكان لهم من الإٍسلام موقف آخر، ولغدوا جنودا مخلصين، يستطيعون ويملكون من وسائل نشر الإسلام بين أقوامهم ما لا نملكه نحن في بلاد المسلمين.

إن الإسلام ليس ملكا لنا، وإنما هو أمانة الله في أعناقنا، ومن الوفاء بالأمانة أن تودى إلى من هو أقدر على القيام بها والحفاظ عليها، وهو مغزى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ـ " ليبلغ الشاهد الغائب " ـ رواه البخاري ـ وقوله ـ " رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " ـ رواه الترمذي وحسنه ـ

لقد انتشر الإسلام في إفريقيا وآسيا على أيدي التجار المسلمين بأكثر مما انتشر على أيدي الدعاة الرسميين، ذلك أن)) الإحتساب ((غير)) الإحتراف ((وليس من قبيل المصادفة أن يكون هذا القول الكريم {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} شعارا مشتركا بين رسل الله أجمعين.

نحن بحاجة إلى تأمل المغزى العميق وراء هذا الشعار لنصل إلى معادلة صحيحة نحل بها مشكلة الدعوة العويصة في عالمنا وهي كيف نوفق بين كون الدعاة غاية يجب التجرد لها والتضحية

ص: 125

في سبيلها، وبين كونها مصدرا ضروريا لرزق من تناط بهم وظائفها في عالم أصبح توزيع العمل والتخصص في المعرفة سمة من سماته؟..

كم من ((الدعاة)) يبشرون اليوم بالإسلام على سطح هذا الكوكب الذي نعيش فيه؟ لو تصورنا أن مليون من البشر يكفيهم داعية واحد ـ وهو فرض أقرب إلى الخيال ـ لكان العدد المطلوب من ((الدعاة)) بضعة آلاف داعية فهل نستطيع أن نحصي على مستوى العالم غير الإسلامي كله أكثر من بضع عشرات؟ تلك حقيقة يجب أن نذكرها وأن نذكر بها..

هذه مشكلة ((الدعوة)) وجهازها من حيث عدد ((الدعاة)) وهم العنصر الأساسي فيها. فإذا انتقلنا إلى مشكلة الدعوة من حيث نوعية الدعاة صدمنا الواقع صدمة قاسية ـ إن مستوى الداعية في أحسن حالاته اليوم لا يفي على الإطلاق بحاجة من يدعوهم.

إن انسان العصر يريد أن يجد في ((الدين)) حلولا لكل مشكلات الحياة التي تعترضه سواء في سلوكه الشخصي، أو في علاقاته الأسرية، أو في معاملاته الإقتصادية، ويريد أن يجد في الدين كلمة تضيء له طريقه في قضايا الحكم، ومسائل السياسة، ومشكلات الإقتصاد.

والشباب ـ بخاصة ـ في حاجة إلى أن يقدم لهم من خلال الدين نظرة متكاملة للحياة، تستطيع إشباع حاجتهم للمعرفة، وتتيح لهم ما يبحثون عنه من سكينة نفس. واطمئنان الضمير.

هذه المطالب المعقدة المتشابكة، يقدم ((الدين)) حلولا جذرية عميقة لها، ولكن السؤال هو ما مدى ادراك ((الداعية)) لهذه المشكلات؟ ثم ما مدى قدرته على استنباط حلولها والإجابات الصحيحة عنها من المصدر الأصيل للدين ممثلا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يعتمد عليهما أساسا ويستعين بعد ذلك بما يراه ملائما من الأدوات؟..

هل يملك ((داعية)) العصر القدرة على الاقتراب المباشر من هذا المصدر، وأخد الأحكام والحلول لقضايا الحياة المعاصرة ومشكلاتها من خلال نصوصه مباشرة؟

هنا يبرز لنا قصور الإعداد ونقصه حتى على مستوى حملة الشهادات العلمية التي تجيزهم بأهلية العمل في مجال الدعوة، وتقرر صلاحيتهم لها

ص: 126

هذا القصور إذا أردنا تحديد أسبابه وجب أن نتجه على الفور إلى الجهات التي تتولى إعداد هؤلاء الدعاة، ونتفحص مناهج إعدادهم ووسائل تكوينهم

وأول ما يلاحظ على هذه المناهج والأساليب –

(1)

أنها بدلا من وصل الطالب وصلا مباشراً بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلت بديلاً منهما يتمثل في كتب ومذكرات مهما كانت قيمتها فلن تصلح بديلاً في يد داعية لا بد أن يكون على بصيرة في دين الله، يستمدهامن مصادره الموثوقة، وليس من آراء البشر، واجتهاداتهم، وشروحهم وتفسيراتهم، مهما بدت قيمتها في نظر من يضعون المناهج..

(2)

وهذا يقودنا إلى أصل الداء في الدراسات الدينية المعاصرة، ويتمثل في قصور الأدوات التي لا بد من توافرها للتمكن في هذه الدراسات، وفي مقدمة هذه الأدوات ((العربية)) ، وفقه لغة القرآن الكريم والسنة الشريفة.

إن مجتهدي الفقهاء لم يتمكنوا من الاجتهاد الفقهي إلا بعد امتلاك ناصية اللغة امتلاكاً تاماً، وعلم ((أصول الفقه)) ـ في جملته وتفصيله ـ هو علم لغوي في أساسه..

وهل استطاع أو يستطيع مفسر جاد أن يجلس إلى كتاب الله هو آية بيانية معجزة وأداته اللغوية لم تكتمل، وذوقه اللغوي لم يصل إلى القمة؟ ..

إن فهم مراد الله من كتابه مرهون بالقدرة على النفاذ إليه من خلال أسلوب عربي شاء الله له أن يكون معجزة بلاغية في صياغيته..

وقصارى أمر من يحاول التفسير دون استكمال عدته اللغوية أساساً، أن يكون راوياً لأقوال الآخرين، أو جامعاً منظماً لها، أما أن يكون مفسراً بنفسه، فهذا ما لا سبيل له إليه.. وقل مثل ذلك بالنسبة لمن يفسر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم..

إن كل خلاف في آراء المفسرين مرده إلى أساس لغوي بالدرجة الأولى، وكل ترجيح بين رأيين فمستنده أساس لغوي كذلك، فكيف يسوغ الترخص في هذا التكوين اللغوي للدعاة وهو أداة الأدوات في يد كل باحث،

ص: 127

ومفكر، ودارس، ومعلم يبلغ عن الله ما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن إعداد الدعاة ـ مهما تضخمت المناهج وتشعبت ـ يضل عاجزاً عن ربطهم ربطاً وثيقاً بمصدر الدين الأساسي طالما بقيت هذه الثغرة.. أعني هبوط المستوى اللغوي في هذا الإعداد.

(3)

إذا كانت ثقافة العصر تفرض نفسها على عقول الناس وتخلق فيها من المشكلات ما لم يكن في عقول السابقين فالضرورة قاضية بأن يلم الداعية بتيارات هذه الثقافة، ووزنها، وتمييز ما هو حق فيها وما هو باطل، ثم يسلح بأسلحة ملائمة للهجوم وللدفاع في معارك الفكر التي لا بد له أن يخوضها إذا كان يريد أو يراد له ـ حقاً ـ أن يؤدي رسالته على وجهها.

أصالة الثقافة بربطها بالمصدر الأول للإسلام، ومعاصرتها بالتفتح على ثقافات العصر وميادين المعرفة اليوم، كلاهما ضروري لداعية العصر، وإلا كان سطحياً غير عميق الجذور إذا فقد شرط الأصالة، أو منغلقاً ضيق الأفق إذا فقد شرط المعاصرة.

لقد حفل تاريخ الدعوة الإسلامية وتطورها بنماذج فريدة من ((الدعاة)) المدافعين عن الإسلام، تمكنوا من قديمهم، وتسلحوا بأسلحة عصرهم. فلم يتهيبوا ميدان النزال، بل اقتحموا وصالوا وجالوا، وغلبوا ورفعوا راية الحق عالية يقذفون الباطل من تحتها بقذائف لم تكن لتخطئ مقاتله..

إن هذا التاريخ ليذكر بالفخر والاعتزاز أمثال أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن حنبل رضوان الله عليهم. ويذر أمثال الحسن البصري وابن سيرين وأبي الحسن الأشعري. ويذكر الباقلاني، والغزالي، وابن رشد، ومن إليهم ممن كانوا حصونا ومعاقل تقف لترد عن الإسلام هجمات الطاعنين والمفترين. ويذكر ابن تيمية، وابن القيم، والشاطبي.. وابن كثير..

ويذكر في عصرنا الحديث محمد بن عبد الوهاب والأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، والكواكبي، ممن كانوا شهبا راصدة تنقض على كل من يحاول النيل من الإسلام بالطعن والتشكيك.

إن العودة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، واستمداد مناهج إعداد الدعاة منهما مباشرة، وتمكين الأساس اللغوي للدعاة، هو نقطة بدأ لا بد من التفكير فيها تفكيراً عميقاً، ومخلصاً، ووثقاً من أن ذلك

ص: 128

هو الطريق لنهضة الدعوةا والدعاة والذي لا طريق سواه، ثم يكون بعد ذلك الانفتاح على ثقافات العصر.

(4)

كل ما مضى يتصل بالتكوين العلمي أو المعرفي والثقافي للدعاة، ويحدد جوانب النقص فيه.

وبقي جانب وهو أخطر الجوانب كلها في تظرنا، لأن نقصه يذهب بكل النتائج التي نرجيها من وراء تصحيح المسار في التكوين العلمي النظري لمن يوكل إليهم أمر الدعوة ومهامها.

إن فلسفة إعداد الدعاة تبدو لنا ناقصة نقصاً خطيراً، ذلك أنها تعنى بالجانب التعليمي التلقيني، أو بالجانب النظري من الإعداد، بينما هي تهمل إهمالاً شبه كامل الجانب التربوي الذي هو الوجه المكمل للوجه النظري.

إن العلم وحده لا يكفي لتكوين داعية، والمعرفة وحدها لا تصنع داعية كذلك لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أخوف ما أخاف على أمة كل منافق عليم اللسان" رواه ابن عدي عن عمر.

إن العلم إذا لم يستند إلى خلق يحميه من نزوات النفس وطغيان الشهوات ويصونه عن الدنايا وسفاسف الأمور، يصبح كارثة حين يوجه لغايات آثمة، أو يستغل في مآرب خبيثة.

إن تنمية الإحساس بأن ((الداعية)) صاحب رسالة: هي امتداد لوظيفة النبوة، ومسؤليتها ـ لذلك ـ مسؤلية ضخمة، والتبعة فيها على قدر سموها وجلالها.

تنمية الإحساس بهذه المعاني شرط أولي يجب أن تحرص على التمكين له فلسفة إعداد ((الدعاة)) ولا تغفل عنه في خطوة من خطوات هذا الإعداد.

يجب أن يختار ((الدعاة)) اختياراً مدققاً، بحيث تتوافر فيهم مقومات إذا تخلفت كانت البداية خاطئة وغير موصلة إلى الغاية المرجوة.

إن المستوى العقلي الجيد، والذكاء بدرجة واضحة ضروري هنا، ومن المقرر: أن الفطانة من صفات الأنبياء عليهم السلام. فلنتعلم جيداً من قول الله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ـ الأنعام 124.

والمستوى الخلقي الممتاز ضرورة فوق كل الضرورات، فالدعوة أمانة لا رقيب على صاحبها سوى ربه وضميره، ومن المقرر كذلك: أن الأمانة من صفات الأنبياء صلوات الله عليهم.

والالتزام الديني بالإسلام فكراً وسلوكاً في كل صغيرة وكبيرة مما يجب تمكينه

ص: 129

تمكيناً متأصلا في أنفس الدعاة ومن الخطورة أن نقدم للناس دعاة يقولون ما لا يفعلون أو يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، أو ينهون عن المنكر ولا يتناهون هم عن فعله.

إن الداعية قدوة وشرط القدوة تطابق القول والعمل بعد استقامتها على نهج صحيح.

تربية الداعية دينياً، وتدريبه على تطبيق الإسلام في حياته عملياً، وتزكية نفسه بما يجعلها متأبية على الدنايا، وأخذه أخذاً بما يحصنه ضد فتنة المال وإغراءات الحياة ثم الترقي به ليعيش في المستوى ((التجرد)) لرسالته مطمئنا ومستعداً للتضحية في سبيلها بكل ما يستطيع.. هذه التربية ضرورية، ولازمة، وبدونها لا يكون هناك معنى للحديث عن دعوة ودعاة:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ـ الأنعام 162. هذا ما ينبغي أن يكون شعار الدعاة.

هذا الجانب التربوي من الإعداد غائب تماماً الآن في بيئات إعداد الدعاة وكيف ننتظر داعية حقيقياً ألف أن تمر عليه مواقيت الصلاة وهو في قاعات الدرس مثلاً مع أساتذته العلماء دون أن يكون من حوله ما يوحي أن هناك التزاماً بقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} ـ النساء 103 ـ ويكفينا هذا المثال.

هذه التربية العملية للدعاة على قيم الإسلام ومثله وعلى شرائعه وشعائره، وعلى مفاهيمه وعقائده، لا يغني فيها التلقين ولا المعرفة النظرية، بل لا بد لاستكمال هذا الجانب الخطير من تغير جذري يمس فلسفة الإعداد. ويعدل من المناهج والأساليب، ولن يتم ذلك إلا بأن يتم الإعداد والدراسة والتربية من خلال حياة متكاملة، يتخلق كل العاملين في إطارها بخلق القرآن، ويلتزمون التزاماً كاملا بتطبيق الإسلام شعائر وآداباً وقيما وضوابط للسلوك بحيث يترجم ما يدرسه الطالب نظرياً إلى حياة وممارسة.

هل تصلح معاهد اعداد الدعاة الحالية لهذا اللون من التربية؟

بالقطع هي لا تفي بهذا، ولم تصمم مبانيها ومناهجها ولا فلسفاتها على هذا الأساس.

وهنا نقترح:

انشاء كلية ((للدعوة الإسلامية)) بتمويل إسلامي عام، ويختار لها الدارسون اختيار دقيقا من كل أنحاء العالم الإسلامي، من خلال نظام محكم للقبول لا يمر منه إلا من تتوافر فيه

ص: 130

مقومات خاصة، تؤهله لأن يكون ((داعية)) بمفهوم الداعية الصحيح.

هذه الكلية يجب أن تختلف كلية عن المألوف في النظم الجامعية أو المدرسية العادية. فالدراسة والتربية فيها متكاملتان، وتبدآن من سن باكرة 12 ((سنة مثلا)) .

والمراحل فيها مترابطة تسلم كل منها إلى ما يليها. والحياة فيها تصمم بحيث تتيح لأصحابها معايشة الإسلام معايشة حية تحوله إلى نسيج نفسي وعقلي داخل الدارسين، وإلى ظواهر صادقة في سلوكهم.

ونظم التقويم فيها يجب أن تشمل الجانبين العلمي والتربوي أو المعرفي والسلوكي.

وهيئة التدريس وجهاز التربية فيها يجب أن يكون كله من رجال لهم ـ إلى جانب علمهم وخبرتهم ـ اهتمام بالدعوة إلى لله، بدرجة تجعل منهم مجاهدين محتسبين، وليس مجرد موظفين يتقاضون أجورا يتنافسون عليها..

أما المناهج: فيجب أن يتوافر فيها ما يغطي جوانب النقص التي فصلناها هنا وفي مقدمتها: ـ

1ـ ثغرة الضعف في التكون اللغوي.

2ـ ثغرة الإنفصام عن المصدر الأصلي للإسلام ممثلا في الكتاب والسنة.

3ـ ثغرة الإنغلاق وعدم الإقتحام لثقافات العصر وتحديد مواقف منها.

وليس ثمة ما يمنع أن يكون في خطة الدراسة مجال واسع لتدريب عملي على البحث العلمي من ناحية، وعلى ممارسة فنون الدعوة العملية: من خطابة ومحاضرة، ودرس، وحوار، ومناظرة واذاعة.. إلخ.

إن تركيز جهود الإعداد في ((كلية إسلامية)) كبرى يمكن تطويرها لتصبح جامعة للدعوة خير بكثير من تفتيت الجهود في وحدات صغيرة الإمكانات، عاجزة عن تطبيق مثل هذه الفلسفة.

ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى ضرورة العناية بتدريس اللغات الأساسية المنتشرة في بلاد العالم الإسلامي غير الناطقة بالعربية، وبلغات العالم المعاصر الحية والواسعة الإنتشار.

5ـ بقي جانب مهم لاينال ـ في واقعنا ـ ما يستحق من عناية في مناهج اعداد الدعاة ونعني به الجانب الفني العملي للدعوة في مجال الممارسة والتطبيق.

إن ((الدعوة)) حين يمارسها الداعية خطابة، ووعظا، وفتيا، ودرسا، ومحاضرة، وحديثا اذاعيا، وحوارا، ومناضرة، وهجوما، ودفاعا..

ص: 131

هي في كل ذلك ذات وجه فني يتمثل في أساليبها وطرقها.

وإذا كان الفن في ذاته استعداد بالدرجة الأولى، فإن ذلك لا يغني عن دراسة الأصول العامة التي تكشف عن حقائقه، وتصقل مواهبه، وتعين عل الإبداع والتطوير الناجح خلال الممارسة.

وإذا كانت مناهج الدراسة تزود الداعية بالمضمون الفكري الذي يستمد منه، وإذا كانت التربية المتكاملة التي اقترحناها تكوّن شخصية تكويناً متوازناً يؤهله لرسالته، فإن استكمال هذا الجانب الفني المتصل بالأساليب والأدوات لا بد منه.

الخطابة ـ مثلا ـ فنّ، أساسه استعداد فطري لا شك، لكن فهم الخطيب لطبيعة موقف الخطابة، وتكيفه بظروف الحاضرين، وأنها لون من السياسة النفسية للجماهير، وتصلح لتناول موضوعات دون غيرها، وتحتاج لاصطناع أسلوب غير ما يحتاج إليه في محاضرة مثلا، إلى ما يكون للآداء الصوتي من تأثير، بتلوين نبرات الصوت ودرجته، والوقفات والسكتات التي تتخللها، والسرعة والبطء، وطول الجمل وقصرها، وكونها مرسلة أو مسجوعة أو متوازنة.. وكيف يكون تفجير طاقات الناس واستفسارهم، أو استهواؤهم. وتهيئة قابليتهم لما يلقى إليهم، كل أولئك مما يفيد ((الداعية)) معرفته، ويزيد من بصيرته بفنه الذي يمارسه.

إن القرآن الكريم، حافل بالمناهج، والأساليب، والطرائق التي يتمكن الاستنباط منها والاستهداء بها في كل موقف نوعي يقفه الداعية أو يتعرض له: خطابة، وحواراً، وقصصاً، وموعظة، وتقريراً في تنوع يقدم لكل مقام ما يلائمه، ولكل موضوع ما يناسبه.

وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومواقفه العملية ذخيرة ثمينة وثرية لو تناولها باحث بالدرس والاستقراء، واستنبط منها الأصول النفسية والاجتماعية والدينية التي تفسر نفاذ النبي صلى الله عليه وسلم إلى قلوب الناس وعقولهم. في سنة النبي هذه ما لو تناوله باحث حصيف لقدم لنا ما يمكن أن نسميه: علم نفس الدعوة، على غرار ما يعرف من علم النفس التعليمي أو التربوي. ويعمق أكثر فيما يتصل بطبيعة النفس، إذا كان منهج النبوة في دعوة الناس منهجاً ربانياً ألهمه إياه ربنا الذي أعطى كل شيئ خلقه ثم هدى..

ص: 132