الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجب ألا يطيل الداعي على الناس في موقف وعظه وارشاده بل يأخذهم بالرفق واليسر لأن اليسر سمة الإسلام وطابعه، كما يجب على الداعي ألا يتنقل بين موضوعات كثيرة، وحسبة أن يمسك بموضوع واحد، يكشف حقيقته ويبين حدوده، فذلك أجدى على الناس من موضوعات كثيرة تشتت أفكارهم، وتضعف الأثر المنتظر لما سمعوا، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعهد أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ بالموعظة، ويتخير لعظاته الأوقات المناسبة ولا يقدم منها إلا تقتضيه داعية الحال منهم، شأن الطبيب الحكيم، يعطي الدواء في جرعات، ولا يعطيه مرة واحدة، ثم هو لا يعطي الدواء إلا حيث يرى الداء ويتعرف إليه.
روي أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا.
هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم منطق الحكمة، والنظر إليه، والاستماع إلى كلماته مهفى كل قلب، ورغيبة كل نفس، فأين الدعاة في العصر الحديث من أنفس الناس وقلوبهم حتى يثقلوا عليهم، ويتنقلوا بين موضوعات كثيرة دون أن يصيب السامعين الملل والسآمة إذا أطال الدعاة عليهم في مواقف الوعظ والارشاد، وجعلوا أحاديثهم تشمل موضوعات شتى.
ثم ينبغي على القائم بالدعوة في الناس أن يعلم أنه يخاطب عقولا متفاوتة في الفطنة مختلفة في المدارك، وهذا يقتضيه أن يسلك طريقا وسطا في عظاته حتى تظل العقول متجهة إليه، والقلوب مقبلة عليه، وهذا موقف يحتاج إلى بصيرة نافذة، وبيان مبين.
وعلى الداعي أن يذكر دائما أنه في أكرم موقف يقفه إنسان في الحياة، وأنه في ميدان جهاد في سبيل الله، وهذا من شأنه أن يبعث فيه عزما قوياً صادقاً في الحرص على هداية الناس، وعلى تعهدهم كما يتعهد الأب أبناءه راغبا في ثواب الله، غير ناظر إلى ما قد يفوته من عرض الدنيا، وبذلك يبارك الله دعوته وينفع بها.
الدعوة الإسلامية في العصر الحالي:
والدعوة الإسلامية في العصر الحالي تحتاج إلى مزيد من اليقظة، وتكاتف للجهود واستفادة من جميع الوسائل المبلغة لدعوة الحق، فقد كثرت في هذا العصر القوى المعادية للإسلام، لكثرة التيارات الفكرية بسبب تقدم
العلم ومكتشفاته التي غيرت وجه الحياة تغييرا ماديا ونفسيا فقامت مذاهب مادية أثرت في كثير من الناس، فتخففوا من جانب الروح، وأعطوا وجودهم للجسد، واستهلكوا أنفسهم في سبيل إرضاء مطالبه، فكان من نتيجة هذا أن خف ميزان الدين عند كثير من الناس، بل وأخلى الدين مكانه نهائياً من شعوب بأسرها، كما حدث في الشعوب التي خضعت للنظام الشيوعي، أما الشعوب الرأسملي فأصبحت تجري لاهثة وراء جمع المال بكل وسيلة وإرضاء مطالب الجسد.
وتولدت عن تلك المذاهب الفاسدة من شيوعية واشتراكية ورأسمالية نزعات فاسدة وفلسفات مريضة كالمادية والوجودية، وتسللت من مهاب تلك المذاهب ريح خبيثة إلى الأقطار الإسلامية أصابت مرضى العقول والقلوب من أبناء المسلمين بعدواها، فظهرت أعراضها على أعداد غير قليلة منهم، وخاصة أولئك الذين سافروا إلى أوربا وأمريكا ورأوا أن الدين لم يعد له سلطان هناك، وهو السلطان الذي يلازم الإنسان في سره وجهره في وحدته ومع الجماعة والذي لا يستريح إلى ظله إلا المؤمنون الذين تمتلئ قلوبهم بجلال الله، وخشيته والطمع في رحمته، والخوف من عذابه.
وقد ساعد على انتشار هذه المذاهب الضالة ورواج سوقها في العالم أنها دعوة إلى ما في الإنسان من ضعف إزاء شهواته وأهوائه، وما تلوح به من مغريات تتملق هذه الشهوات وتلك الأهواء من زخارف المدنية وألوان الحضارة، كل ذلك تنقله وسائل الإعلام من صحف ومجلات وكتب وإذاعات ومسرحيات وأفلام تعرض على شاشات السينما والتلفزيون صوراً حية شاخصة أمام الأعين متحركة ناطقة، فما يجري في أوربا وأمريكا على مسرح الحياة من هزل أوجد ينقل إلى العالم كله حتى لكأن ما يعيش في الشرق يعيش بين أمم الغرب، وأكثر ما يعلق بأذهان الشباب ومن هم في حكمهم من الكبار إنما هو الجانب الهازل اللاهي من الحياة دون الجاد منها، فالمسلمون في مختلف أقطارهم يواجهون في العصر الحديث غزواً رهيباً من وسائل الإعلام مجملاً بالدعوات الضالة المضللة، الفاسدة المفسدة، فينبغي أن يأخذوا حذرهم ويواجهوها بإعلام إسلامي، يذكر الغافلين، ويرشد الضالين إلى طريق الحق المبين.
والدعوة إلى دين الله ليست مقصورة على علماء الدين وحدهم وإن كان