الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
اللغة أعظم إنجاز بشري على ظهر الأرض، ولولا اللغة ما قامت للإنسان حضارة ولا نشأت مدنية ولقد وقر في أذهان الناس منذ القديم تقديس اللغة وإعظام شأنها، وبلغت القداسة عند الشعوب البدائية، أن ارتبطت اللغة عندهم بتأثير اللفظ وسحر الكلمة، واختلط الاسم بالمسمى، في عقيدة هذه الأقوام.
وقد أدرك العلماء في العصر الحديث، علاقة اللغة بالمجتمع الذي تعيش فيه، ومدى تأثرها وتأثيرها عليه، كما عرفوا الصلة القائمة بين اللغة والنفس الإنسانية، وتلونها بألوان الانفعالات والعواطف الوجدانية، لدى بني البشر.
ولم يأل علماء اللغة جهدا في الوقوف على أسباب الصراع اللغوي بين اللغات المتجاورة ومظاهره ونتائجه، وولادة لغة واندثار أخرى، والعلاقة بين اللغات واللهجات.
وأفاد هؤلاء العلماء من معطيات العلوم الأخرى في الدرس اللغوي، فاستخدموا المعامل في الوقوف على كنه الصوت اللغوي ومميزاته، واستطاعوا أن يصفوا بدقة الفرق بين صوت وصوت، ويميزوا الوحدات الصوتية، وتنوعاتها المختلفة في هذه اللغة أو تلك.
كما استخدم العلماء طرائق علم الجغرافيا، في وضع الظواهر اللغوية على خرائط تبين حالها، وتوضح توزيعها بين المتحدثين بهذه اللهجة أو تلك. شأنها في ذلك شأن الظواهر الطبيعية والجوية والاقتصادية، في خرائطها الدالة عليها.
وقد تعددت مناهج البحث اللغوي عند علماء اللغة، وتمخضت بحوثهم عن ثلاثة مناهج مختلفة: المنهج الوصفي، والمنهج التاريخي، والمنهج المقارن. ولكل منهج من هذه المناهج أنصار يدعون له، ويغضون من شأن المناهج الأخرى، ولكننا مع ذلك نرى أن كل منهج منها يؤدي غرضا لا يؤديه غيره، وإن مال الميزان في العصر الحديث مع المنهج الوصفي، وتعددت طرائقه وتشعبت مسالكه.
ولكن هذه اللغة التي جند لها العلماء كل هذا الحشد الهائل من الدراسات والبحوث، لم تسفر بعد عن طريقة نشأتها عند الإنسان الأول، رغم كثرة النظريات والمذاهب اللغوية، حول هذه النشأة.
وهذا الكتاب مدخل إلى كل هذه القضايا اللغوية، توخيت فيه الإحاطة والإيجاز، ولم أغفل جهد السابقين الأوائل من علمائنا العرب، أو أسرف في النقل عن المحدثين من علماء الغرب. وقد أوليت فيه تطبيقات المنهج المقارن عناية خاصة. وفي النية أن تكون لتطبيقات المناهج الأخرى، مساحة في هذا الكتاب في طبعة أخرى بعون الله تعالى.
ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.
د. رمضان عبد التواب