الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: علم اللغة والجغرافيا اللغوية
الأطلس اللغوي
الأطلس اللغوي
…
الفصل الخامس: علم اللغة والجغرافيا اللغوية
الأطلس اللغوي:
عرفنا من قبل، أن علم اللغة له صلة وثيقة بعلوم أخرى، فقد درسنا من قبل شيئا من علم الاجتماع اللغوي، وعلم النفس اللغوي، كما عرفنا أن عالم اللغة، لا بد له من الإلمام بعلم الفسيولوجيا، أو وظائف الأعضاء، وعلم التشريح، وعلم الطبيعة في دراسة الأصوات اللغوية، بأنواعها المختلفة.
ونتحدث هنا عن صلة علم اللغة، بعلم آخر، هو "علم الجغرافيا"، فقد اقتبس علم اللغة، منذ أكثر من نصف قرن مضى، طرق علم الجغرافيا، ليضع حدودا لغوية للهجات المختلفة في خرائط تبين معالم كل لهجة، وتفرق بين لهجة وأخرى، ولا تختلف هذه الخرائط عن خرائط الجغرافيا، إلا في أن ما يدون عليها ظواهر لغوية، تطلع القارئ على أدق الفروق في الأصوات والمفردات، بين اللغات المختلفة، واللهجات المتباينة.
وتطلعنا هذه الخرائط، على الاختلافات الصوتية، بين المناطق المختلفة، فقوم يجهرون أصواتا وقوم يهمسونها، وطائفة تنطق الفتحة صريحة، وأخرى تنطقها ممالة، ولهجة تنبر الكلمة في مقطعها الأول، وأخرى تنبر المقطع الأخير منها
…
وهكذا. كما يبرز في هذه الخرائط الدرس الواسع للمفردات، من حيث البنية والمترادفات المختلفة للمعنى الواحد واختلاف الألفاظ باختلاف المناطق اللغوية، ومقدار انتشار الكلمات في الأقطار والأقاليم، وغير ذلك، مما يتيح لنا معرفة الواقع اللغوي للغة من اللغات، سواء أكانت لغات فصحى أم مشتركة أم خاصة، أم لهجات اجتماعية، أم إقليمية، أم عاميات خاصة
هذه الدراسة الجغرافية اللغوية، تعد من أحدث وسائل البحث في علم اللغة. ولها وظيفة ذات أثر بالغ في الدراسات اللغوية في العصر الحديث؛ لأنها تسجل الواقع اللغوي للغات أو اللهجات، على خرائط يجمعها آخر الأمر أطلس لغوي عام. وتختص كل خريطة بكلمة، أو بظاهرة صوتية معينة، يبدو فيها الاتفاق، أو الاختلاف بين المناطق اللغوية المتعددة. ومما لا شك فيه أن هناك تشابها بين لهجة إقليمية وأخرى، أو بين لهجتين اجتماعيتين أو بين عاميات خاصة، ما دامت هذه جميعا ترجع إلى أصل لغوي واحد.
ولقد "كان إعداد الأطالس اللغوية، أسبق في الوجود من معظم الإنجازات الوصفية الحديثة. وهو يعتمد إلى حد كبير، على مفردات اللغة التي تعد في نظر الوصفيين، في الدرجة الثانية من الأهمية، ولكنه مع ذلك اتبع منهجا يمكن أن يوصف على الأقل بأنه وصفي، وبأنه خير مثل للعمل اللغوي تحت ظروف البيئة المعينة. وعلى الرغم من أن هذا العمل قد بدأ أساسا على يد اللغويين التاريخيين، لأغراض تاريخية في معظمها، فإنه قد وضع الأساس لنموذج الدراسة الوصفية العملية في مجال البحث اللغوي"1.
وعلى الرغم من تقدم هذا الفرع من فروع الدراسة اللغوية في أوربا وأمريكا، فإنه لا يزال غض الإهاب في بلادنا. وليس لدينا في لغتنا العربية، إلا محاولة قام بها المستشرق الألماني:"برجشتراسر" G Bergstrasser لعلم أطلس لغوي لبلاد سوريا وفلسطين Sprachatlas von Syrien und Palastina نشره في ليبزج سنة 1915م. وسنتحدث عنه بالتفصيل بعد ذلك.
1 انظر: أسس علم اللغة لماريوباي 131.
ولا شك في أن المسح الجغرافي للهجات العربية المختلفة، في البلاد العربية، له فوائد جليلة، أهمها:
1-
دراسة هذه اللهجات لذاتها، دراسة علمية عميقة، لاكتشاف ما فيها من خصائص الصوت والبنية والدلالة والتركيب، ولمعرفة التغييرات المختلفة، التي تطرأ عليها من وقت لآخر.
2-
إثراء الدراسات في العربية الفصحى نفسها؛ إذ يتيح لنا ذلك المسح الجغرافي، كتابة تاريخ هذه اللغة، في عصورها المختلفة، ويمدنا بوسائل علمية لمعرفة أقرب اللهجات العربية، صلة باللغة الفصحى، وأبعدها عنها.
3-
يمدنا هذا المسح الجغرافي بالمعلومات اللازمة، لمعرفة مدى امتداد اللهجات العربية القديمة، في الوطن العربي، ويفسر لنا النصوص المبتورة عن هذه اللهجات، في تراثنا العربي.
4-
يتيح لنا هذا العمل، فرص الدراسة المقارنة، لا بين اللهجات واللغة الفصحى فحسب، ولكن بين اللغات السامية المختلفة كذلك، ويقفنا على مصادر الكلمات الأجنبية هنا وهناك.
وقد أبان الأستاذ "شتيجر" Steiger العالم اللغوي السويسري، الذي له بهذا الموضوع عناية خاصة، عن قيمة الأطلس اللغوي، وأهميته للغة العربية، بقوله في تقرير له: "وبالنسبة للغة العربية، نقول: إن القيام بعمل أطلس لغوي لها، سيحدث ثورة في كل الدراسات الخاصة بفقه اللغات السامية؛ لأنه سيكمل من غير شك، الدراسات التي تعتمد على النصوص القديمة، بكشفه عن التطورات المتعلقة باللهجات، وباللغات الشعبية العصرية. وسيكون لهذا الأطلس الفضل في إطلاعنا على تاريخ الأصوات،