المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السابع: الأفعال المعتلة - المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي

[رمضان عبد التواب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌القسم الأول: ال‌‌مدخلإلى علم اللغة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: الدراسة الصوتية

- ‌مدخل

- ‌كيف يحدث الصوت الإنساني:

- ‌الأصوات الصامتة والمتحركة:

- ‌بيننا وبين القدماء في وصف بعض الأصوات

- ‌الضاد

- ‌الطاء:

- ‌الجيم:

- ‌القاف:

- ‌العين:

- ‌نظرية الفونيم والكتابة:

- ‌أصوات العلة "الحركات

- ‌المقاطع الصوتية:

- ‌النبر والتنغيم:

- ‌الفصل الثاني: نشأة اللغة الإنسانية

- ‌مدخل

- ‌المذهب الأول:

- ‌المذهب الثاني:

- ‌المذهب الثالث:

- ‌المذهب الرابع:

- ‌المذهب الخامس:

- ‌المذهب السادس:

- ‌المذهب السابع:

- ‌الفصل الثالث: علم اللغة والمجتمع الإنساني

- ‌الفصل الرابع: علم اللغة والنفس الإنسانية

- ‌الفصل الخامس: علم اللغة والجغرافيا اللغوية‌‌ الأطلس اللغوي

- ‌ الأطلس اللغوي

- ‌طريقة عمل الأطلس اللغوي

- ‌مدخل

- ‌ الطريقة الألمانية:

- ‌ الطريقة الفرنسية:

- ‌الفرق بين الطريقتين:

- ‌محاولات "برجشتراسر" في هذا الميدان

- ‌الفصل السادس: اللغة المشتركة واللهجات

- ‌الفصل السابع: الصراع اللغوي "أسبابه ونتائجه

- ‌القسم الثاني: مناهج البحث اللغوي وتطبيقات المنهج المقارن

- ‌الفصل الأول: المنهج المقارن بين مناهج البحث اللغوي

- ‌مدخل

- ‌ المدرسة اللغوية البنيوية:

- ‌ مدرسة النحو التوليدي التحويلي:

- ‌ مدرسة القوالب:

- ‌المستويات النحوية:

- ‌الفصل الثاني: في أصوات اللغة

- ‌ الأصوات الشفوية:

- ‌ أصوات الصفير والأصوات الإنسانية:

- ‌ صوت الجيم:

- ‌ الكاف والقاف:

- ‌ أصوات الحلق:

- ‌ الأصوات المائعة:

- ‌الفصل الثالث: أبنية الفعل

- ‌ الوزن الأصلي "مجرد الثلاثي

- ‌ وزن فعل

- ‌ وزن فاعل:

- ‌ وزن السببية:

- ‌ وزن المطاوعة بالتاء:

- ‌المطاوعة البنون

- ‌ المبنى للمجهول:

- ‌ أبنية أخرى:

- ‌الفصل الرابع: أدوات التعريف والتنكير

- ‌الفصل الخامس: التذكير والتأنيث

- ‌الفصل السادس: إسناد الماضي إلى الضمائر

- ‌الغائب المفرد المذكر

- ‌ الغائبة المفردة المؤنثة:

- ‌جمع الغائبين

- ‌ جمع الغائبات:

- ‌ المخاطب المذكر:

- ‌ المخاطبة المؤنثة:

- ‌ جمع المخاطبين:

- ‌ جمع المخاطبات:

- ‌ المتكلم المفرد:

- ‌ المتكلمون:

- ‌الفصل السابع: الأفعال المعتلة

- ‌الفصل الثامن: تطابق العدد في الجملة الفعلية

- ‌قائمة المصادر:

- ‌أولا: المصادر العربية

- ‌ثانيا: المصادر الأفرنجية:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌الفصل السابع: الأفعال المعتلة

‌الفصل السابع: الأفعال المعتلة

نعني بالأفعال المعتلة هنا، ما كان منها "أجوف"؛ مثل: قال، وباع، وخاف، وطال، أو "ناقصا"؛ مثل: دعا، وقضى، أو من نوع "اللفيف المقرون"؛ مثل: رَوَي، وهَوَى؛ فإن كل هذه الأفعال وما شابهها، بصورتها التي ذكرناها هنا، تعدّ آخر مرحلة من مراحل تطورها في اللغات السامية.

وقد بقيت من هذه المرحلة، عدة أفعال في العربية؛ مثل:"عور" بمعنى: فقد إحدى عينيه، و"حَوِرَ"، والحَوَرَ: نقاء بياض العين واشتداد سوادها، "وهيف" بمعنى:"ضمر بطنه"، و"استحوذ" في مثل تعالى:

1 Dillmann، Grammatik der athiopischen Sprache 163 - 165.

ص: 291

{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّه} [المجادلة: 58/ 19] ، و"استنوق الجمل"، وهو مثل عربي، يقال إن "طرفة بن العبد" هو أول من قاله، حين سمع "المتلمس" ينشد شعرا له، ويقول فيه:

وقد أتناسى الهم عند احتضاره

بناج عليه الصيعرية مكدم

والصيعرية: سمة للنوق، فجعلها المتلمس للجمل، وسمعه طرفة ينشد البيت فقال: استنوق الجمل، فضحك الناس، وسارت مثلا1.

أما المرحلة الثانية في تطور هذه الأفعال المعتلة، فهي مرحلة التسكين، أو ضياع الحركة بعد الواو والياء للتخفيف، فيصبح الفعل على نحو: قول، وبيع، وخوف، وقضى، ورمى

إلخ.

وقد فطن العلامة "ابن جني" بحسه اللغوي، إلى ضرورة وجود هذه المرحلة في طريق تطور الأفعال المعتلة، فقال:"ومن ذلك قولهم: إن أصل قام: قوم، فأبدلوا الواو ألفا، وكذلك: باع، أصله: بيع، ثم أبدلت الياء ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، وهو لعمري كذلك، إلا أنك لم تقلب واحدًا من الحرفين إلا بعد أن أسكنته استثقالا لحركته، فصار إلى: قوم وبيع"2.

وقد بقيت هذه المرحلة عند قبيلة طيئ، فقد روي لنا عنها أنها تقول مثلا:"حبلى" و"أفعى"، "هدى" ما شابه ذلك في الوصل والوقف3. وأغلب الظن أن الراجز الذي قال:

1 انظر: الصناعتين لأبي هلال العسكري 92.

2 الخصائص 2/ 417-472 وانظر كذلك: شرح مراح الأرواح 122

3 انظر: كتاب سيبويه 2/ 287 ومعاني القرآن للزجاج 1/ 87.

ص: 292

وفرج منك قريب قد أتى

وزميله الذي قال:

يمنعهن الله ممن طغى

إنما كانا من شعراء هذه القبيلة كذلك1.

ولعل هذه الظاهرة كانت شائعة عند قبيلة "هذيل" كذلك؛ لأنهم كانوا يضيفون المقصور إلى ياء المتكلم، في مثل:"هداي" و"هواي" وغيرهما، يقولون: هُدَىَّ "= هُدَيْ+ يَ"، وهَوَيَّ "= هَوَيْ+ يَ" وغير ذلك. وعلى لغتهم جاء قول أبي ذؤيب الهذلي:

سبقوا هويَّ وأعنقوا لهواهم

فتخرموا ولكل جنب مصرع2

كما أننا نلاحظ أن تسكين الوسط للتخفيف، روي لنا في العربية كثيرا، وقالوا عنه إنه "لغة بني بكر بن وائل، وأناس كثير من تميم"3، كما يروى عن قبيلة ربيعة كذلك4. ومن أمثلته قول القطامي:

إذا هدرت شقاشقه ونشبت

له الأظفار ترك له المدار5

وقول القطامي كذلك:

ألم يخز التفرق جند كسرى

ونفخوا في مدائنهم فطاروا6

1 انظر: المنصف لابن جني 1/ 160 ومعاني القرآن للزجاج 1/ 87.

2 شرح ديوان الهذليين 1/ 7 وانظر: معاني القرآن للزجاج 1/ 87.

3 انظر: شرح شواهد الشافعية 4/ 15.

4 انظر: الصاهل والشاحج 440، 486، 666.

5 ديواه ق 29/ 57 ص86 وانظر البيت برواية أخرى في الصاهل والشاحج 440.

6 شرح شواهد الشافية 4/ 15 وفي ديوانه ق 29/ 39 ص83. "وأجلوا عن مدائنهم". وفي هامشة عن إحدى النسخ الخطية: "ونفخوا".

ص: 293

وقول الأخطل:

وما كل مغبون ولو سلف صفقه

براجع ما قد فاته برداد1

وقول الأخطل كذلك.

فإن أهجه يضجر كما ضجر بازل

من الأدم دبرت صفحتاه وغاربه2

وقول الشاعر:

وقالوا ترابي فقلت صدقتم

أبي من تراب خلقه الله آدما3

وقول الآخر:

فإن النبيذ الصرد إن شرب وحده على

غير شيء أحرق الكبد جوعها4

وقول أبي خواش الهذلي:

ولحم امرئ لم تطعم الطير مثله

عشية أمسى لا يبين من البكم5

وقو ل الشاعر:

ألا يا ليتها لدغت

وأدعى كيم ذي أرقي6

وقول أبي النجم العجلي:

لو عصر منها البان والمسك انعصر7

1 ديوانه ص137 وشرح شواهد الشافية 4/ 18 ورسالة الغفران للمعري 312 والخصائص 3/ 338.

2 ديوانه ص217 والكامل للمبرد 3/ 177 والصاهل والشاحج 486 وإصلاح المنطق 36.

3 البيت في أمثال أبي عكرمة 128 مع مصادر أخرى في هامشه.

4 الصاهل والشاحج 440.

5 شرح ديوان الهذليين 3/ 1345 وشرح شواهد الشافية 4/ 18.

6 الصاهل والشاحج 486.

7 شرح شواهد الشافية 4/ 15 وإصلاح المنطق 36.

ص: 294

وقوله كذلك:

حتى إذا ما رضي من كمالها1

وقول الراجز:

رجم به الشيطان في هوائه2

وقول الآخر:

قالت أراه دالفا قد دني له3

ومن أمثال العرب قولهم: "لم يحرم من فصد له"4.

والمرحلة الثانية في تطور الأفعال المعتلة، هي تلك المرحلة التي تسمى في عرف اللغويين المحدثين:"انكماش الأصوات المركبة kontarktion der Diphthonge5 والأصوات المركبة في العربية هي: الواو والياء المسبوقتان بالفتحة، في مثل: "قول" و"بيت"، فإن الملاحظ في تطور اللغات، هو انعكاش هذه الأصوات، فتتحول الواو المفتوح ما قبلها إلى ضمة طويلة ممالة، كقولنا في اللهجة المصرية مثلا: som nom yom بدلا من: "يوم" و"نوم" و"صوم". وكذلك تنكمش الياء المفتوح ما قبلها، فتتحول إلى كسرة طويلة ممالة، كقولنا في اللهجة المصرية مثلا: zet و lel و bet بدلا من: "بيت" و"ليل" و"زيت" وغير ذلك.

1 الصاهل والشاحج 666.

2 إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه8.

3 التمام في تفسير أشعار هذيل 223 واللسان "دنا" 18/ 300.

4 انظر: كتاب الأمثال لمؤرج السدوسي 50 مع مصادر أخرى في هامشه.

5 انظر: Brockelmenn Syrische Grammmatik 32 ff.

ص: 295

_________

1 انظر: Praetorius، Aethiopische Grammatik 79.

2 انظر: التيسير في القراءات السبع 223.

3 معاني القرآن للزجاج 1/ 144.

4 انظر: التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه 51.

ص: 296

وقد حدث مثل ذلك في لغة طيء، في الأفعال المعتلة المكسورة العين في الماضي كذلك؛ مثل قولهم:"رضا" في: "رَضِى"، و"فَنَا" في:"فَنِىَ"، و"هُدِاَ" في:"هُدِىَ" وغير ذلك2.

تلك هي مراحل تطور الأفعال المعتلة. وقد رأينا كيف خلّفت تلك المراحل ركاما لغويا، في العربية الفصحى، واللغات السامية، واللهجات العربية المختلفة. ومن كل ذلك نرى أن ما يقوله النحاة من أن "قال" مثلا، أصلها:"قَولَ" صحيح، بصرف النظر عن تعليلهم هذا، بتحرك الواو وانفتاح ما قبلها، وإن كان "ابن جني" مثلا، يزعم أن ذلك الأصل لم يوجد في العربية يوما ما؛ إذ عقد في "الخصائص" بابا سماه:"باب مراتب الأشياء وتنزيلها تقديرا وحكما، لا زمانا ووقتا" وقال فيه: "هذا الموضع كثير الإيهام لأكثر من يسمعه، لاحقيقة تحته؛ وذلك كقولنا: الأصل في قام: قوَم، وفي باع: بَيَعَ

فهذا يوهم أن هذه الألفاظ وما كان نحوها -مما يدعي أن له أصلا يخالف ظاهر لفظه- قد كان مرة يقال، حتى إنهم كانوا

1 انظر أيضا: Rabin، Ancient West- Arabian 160.

2 انظر: كتاب سيبويه 2/ 290 وخزانة الأدب 4/ 149.

ص: 297

يقولون في موضع قام زيد: قوم زيد، وكذلك: نوم جعفر، وطول محمد

وليس الأمر كذلك، بل بضده، وذلك أنه لم يكن قط مع اللفظ به إلا على ما تراه وتسمعه. وإنما معنى قولنا إنه كان أصله كذا: أنه لو جاء مجيء الصحيح، ولم يعلل، لوجب أن يكون مجيئه على ما ذكرنا، فأما أن يكون استعمل وقتا من الزمان كذلك، ثم انصرف عنه فيما بعد إلى هذا اللفظ، فخطأ لا يعتقده أحد من أهل النظر"1.

ويحاول ابن جني أن يؤكد فكرته تلك مرة أخرى في كتابه: "سر صناعة الإعراب"، غير أنه يعود فيعترف بأن الظاهرة اللغوية القديمة، قد تبقى منها أمثلة تعين على معرفة الأصل، وهو ما نسميه هنا:"الركام اللغوي"، يقول ابن جني:"فبهذا ونحوه استدل أهل التصريف على أصول الأشياء المغيرة، كما استدلوا بقوله عز اسمه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَان} على أن أصل استقام: استقوم، وأصل استباع: استبيع، ولولا ما ظهر من هذا ونحوه، لما أقدموا على القضاء بأصول هذه الأشياء، ولما جاز ادعاؤهم إياها"2.

وهكذا نرى ابن جني، لا يريد أن يعترف بوجود الأصل القديم، لهذه الظاهرة في الواقع اللغوي، غير أنه حين عثر على مثال من "الركام اللغوي"، وهو قوله تعالى:{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَان} ، اضطر إلى الاعتراف به.

1 الخصائص 1/ 256.

2 سر صناعة الإعراب 1/ 194 كما يقول المبرد في المقتضب 2/ 97: "وقد يجيء في الباب الحرف والحرفان على أصولهما، وإن كان الاستعمال على غير ذلك، ليدل على أصل الباب".

ص: 298