الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطاء:
عرفنا من قبل أن الطاء، كما ينطق بها اليوم، تقابل التاء في الترقيق والتفخيم، أي أنها صوت شديد مهموس مفخم، ولا فرق بينهما إلا في أن مؤخرة اللسان ترتفع تجاه الطبق عند نطق الطاء ولا ترتفع نحوه في نطق التاء.
أما الطاء عند القدماء، فهي صوت شديد مجهور مفخم، عدها سيبويه من الأصوات المجهورة، كما قال عنها:"ولولا الإطباق لصارت الطاء دالا"1. أي أنها نظير الدال المفخم، عند سيبويه، في حين أنها في نطقنا اليوم، نظير التاء المفخم، كما سبق أن ذكرنا ذلك.
وقد مال معظم المحدثين، من دارسي الأصوات اللغوية، إلى تصديق رواية القدماء، عن الطاء العربية القديمة، من أنها كانت صوتا مجهورا، يشبه الضاد الحديثة، التي تطورت فضاع منها الجهر، وأصبحت تلك الطاء الحديثة، التي لم يكن لها وجود أصلا في العربية القديمة، فيذكر برجشتراسر أن "الطاء مهموسة اليوم، مجهورة "عند القدماء" ونطق الطاء العتيق قد أنمحى وتلاشى تماما"2.
أما "شاده" فيرى على العكس من ذلك أن نطق الطاء العتيق، يوجد في جنوب جزيرة العرب، فيقول:"سيبويه يعد من المجهورة الطاء والقاف، وفي لفظ عصرنا لا نصيب للأوتار الصوتية في إنتاجهما، ولكن ذلك لا يصح إلا عن لفظ المدارس "يقصد الفصحى الحالية". وأما اللهجات فتخالفها مخالفة شديدة، فإن سكان جنوب جزيرة العرب مثلا،
1 كتاب سيبويه 2/ 406.
2 التطور النحوي 9.
يلفظون الطاء، كأنها ضاد المصريين، والقاف كأنها جيم المصريين بإطباق، فيقولون مثلا:"وجع فوجنا مضر" يعني: وقع فوقنا مطر، أو "قضعت ورجة" يعني: قطعت ورقة. ومثل ذلك يصح عن غير لهجة جنوب جزيرة العرب، من اللهجات العصرية"1.
وأما الدكتور إبراهيم أنيس، فيعترف كذلك بالتطور الذي أصاب نطق هذا الصوت، فأبعده عن حالته القديمة، فيقول: "وقد أجمع الرواة في وصفهم للطاء القديمة، على أنها صوت مجهور، مما يحملنا على الاعتقاد بأن الطاء القديمة، تخالف التي ننطق بها الآن، على أن وصف الطاء في كتب الأقدمين، لا يمكن الباحث المدقق من تحديد كل صفات ذلك الصوت، ولا كيف كان ينطق به على وجه الدقة، غير أنه من الممكن أن نستنتج من وصفهم أنها كانت صوتا يشبه الضاد، التي نعرفها الآن. وهنا يتضح معنى قول ابن الجزري: إن المصريين ينطقون بالضاد المعجمة طاء مهملة. وليس من المحتمل أن يكون القدماء قد خلطوا في وصفهم بين صفتي الجهر والهمس، فيما يتعلق بهذا الصوت، ولكن الذي أرجحه أن صوت الطاء، كما وصفها القدماء كان يشبه الضاد الحديثة. ولعل الضاد القديمة كانت تشبه ما نسمعه الآن من العراقيين في نطقها. ثم تطور الصوتان فهمست الأولى، وأصبحت الطاء التي نعرفها الآن، كما اختلف مخرج الثانية وصفتها، فأصبحت تلك الضاد الحديثة. أي أن ما كان يسمى بالطاء، كان في الحقيقة ذلك الصوت الذي ننطق به الآن ونسميه ضادا، فلما همست أصبحت الطاء الحديثة، التي -فيما يظهر- لم تكن معروفة في
1 علم الأصوات عند سيبويه وعندنا 13.
النطق العربي القديم، أما الضاد القديمة العصية النطق، فقد تطور مخرجها وصفتها، حتى أصبحت على الصورة التي نعهدها في مصر"1.
أما الدكتور تمام حسان، فيرى أن الطاء القديمة كانت مهموسة، غير أنها كانت ذات نطق مهموز، وهذا هو ما أوقع اللغويين القدامى في الخطأ -في نظره- حين عدوا هذه الطاء مجهورة، فيقول: "أما الطاء التي وصفها لنا القراء القدماء فمجهورة على ما رأوا، وهذا يحتاج إلى قليل من المناقشة، ففي بعض اللهجات العامية المعاصرة، صوت من أصوات الطاء، يمكن وصفه بأنه مهموز، ولإيضاح ذلك نقول: إن طرف اللسان ومقدمته، يتصلان في نطقه بالثنايا واللثة وتعلو مؤخرة اللسان وتتراجع إلى الخلف في اتجاه الجدار الخلفي للحلق، ويقفل المجرى الأنفي للهواء الخارج من الرئتين، بخلق اتصال بين الطبق والجدار الخلفي للحلق. وفي نفس الوقت تقفل الأوتار الصوتية، فلا تسمح بمرور الهواء إلى خارج الرئتين، وبذلك تتكون منطقة في داخل الفم والحلق، يختلف ضغط الهواء فيها عنه في الرئتين وفي الخارج. وفجأة يتم انفصال الأعضاء المتحركة، التي وصفنا اتصالها في وقت ما، فيندفع هواء الرئتين إلى الخارج، ويندفع الهواء الخارجي إلى الداخل، فيحدثان بالتقائهما أثرا صوتيا، هو صوت الطاء، كالتي تنطق في بعض لهجات الصعيد مثلا.
"ومعنى كون الطاء مهموزة هنا، أنه صحبها إقفال الأوتار الصوتية حين النطق، فأصبح عنصر الهمز جزءا لا يتجزأ من نطقها. هذه الطاء مهموسة قطعا؛ لأن إقفال الأوتار الصوتية لا يسمح بوجود الجهر
…
ويرجح عندي أن الطاء العربية الفصحى القديمة، التي وصفها القراء كانت في صوتها وفي نطقها بهذا الوصف، ثم لغرابة صوتها على السمع، أخطأ النحاة والقراء، فجعلوها مجهورة في دراستهم، وجعلوا الدال مقابلا مرققا لها"2.
1 الأصوات اللغوية 58.
2 مناهج البحث في اللغة 94.