الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطْبَة الْكتاب
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين
الْحَمد لله الْملك الديَّان ذِي الْعِزَّة وَالسُّلْطَان قاهر الْجَبَابِرَة ذَوي التيجان كقيصر وكسرى أنوشروان باعث سيدنَا وَنَبِينَا مُحَمَّد بأشرف الْأَدْيَان إِلَى الْأَحْمَر وَالْأسود من إنس وجان فَأَجَابَهُ وَاتبعهُ قبل مولده بِأَلف عَام تبع الأول ملك الأَرْض من ولد قحطان وطغى وتجبر أبرويز صَاحب الإيوان فَدَعَا عَلَيْهِ فمزق ملكه وَذَهَبت عبَادَة
النيرَان صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه ذَوي النجدة الشجعان الَّذين شدّ بهم أزره وَأَعْلَى بهم ذكره فشاد الدّين وَارْتَفَعت لَهُ الْأَركان وَرَضي الله عَنْهُم وَعَن التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان
أما بعد نور الله قُلُوبنَا بِنور مَعْرفَته وأبهج بصائرنا بلوامع رحموتيته فَإِنِّي نظرت فِيمَا وَقع لي من مكاتباته صلى الله عليه وسلم إِلَى مُلُوك الأَرْض حِين أمره الله تَعَالَى بتبليغ رسَالَته فَرَأَيْت فِيمَا رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَزَّار رَحمَه الله تَعَالَى فِي مُسْنده من إرْسَاله صلى الله عليه وسلم دحْيَة الْكَلْبِيّ رضي الله عنه إِلَى قَيْصر وَرَوَاهَا عَنهُ فاستحسنتها لكَونهَا مروية عَن الْمُرْسل بِخِلَاف مَا وَقع فِي الصَّحِيحَيْنِ للإمامين الحافظين أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ وَمُسلم بن الْحجَّاج الْقشيرِي رحمهمَا الله تَعَالَى فَإِنَّهُمَا رويا قصَّة الْكتاب عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب فألقي فِي روعي أَن أثْبته وأضيف إِلَيْهِ مَا وَقع فِي مصنفات الْعلمَاء رضي الله عنهم من مكاتباته صلى الله عليه وسلم وَمن كتب لَهُ من الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم وَمَا يتَعَلَّق بذلك من فَوَائِد كوفيات بعض من وَقع ذكره من الصَّحَابَة وَابْتِدَاء إِسْلَامه وَمَا يحْتَاج إِلَى بَيَانه من غَرِيب لُغَة أَو نادرة تتَعَلَّق بِبَعْض مراسلاته صلى الله عليه وسلم إِلَى مُلُوك الأَرْض وَغَيره مِمَّن آمن بِهِ وَمن لم يُؤمن واستخرجته من دواوين كَثِيرَة بطرق مُتعَدِّدَة
إِذْ فِي كل طَرِيق مِنْهَا فَائِدَة لم تتضمنها الْأُخْرَى فَجمعت الطّرق وأوردتها لفائدتها وَمَا ظهر من خضوع مُلُوك الأَرْض لَهُ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَظِيم سلطانهم وَكَثْرَة عساكرهم وأتباعهم وإقرارهم لَهُ بالرسالة وتواضعهم لَهُ وَهُوَ إِذْ ذَاك وَأَصْحَابه قَلِيل عَددهمْ يسير مددهم لَا يخطرون لأحد من الْمُلُوك ببال لما كَانُوا عَلَيْهِ من الْفقر وَقلة ذَات الْيَد وَقَوله صلى الله عليه وسلم إِذا ذهب كسْرَى فَلَا كسْرَى بعده وَإِذا ذهب قَيْصر فَلَا قَيْصر بعده ولتنفقن كنوزهما فِي سَبِيل الله عز وجل كَمَا سَيَأْتِي مُبينًا فِي موَاضعه من هَذَا الْكتاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وعزيت كل مَا أوردته إِلَى من ذكره من الْعلمَاء أَصْحَاب المصنفات الْمَشْهُورَة بَين عُلَمَاء هَذَا الشَّأْن وحذفت أسانيدها خشيَة الإطالة إِلَّا مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ من ذكر الصَّحَابِيّ وَبَعض التَّابِعين مِمَّن رُوِيَ عَنهُ وسميته ب الْمِصْبَاح الْمُضِيّ فِي كتاب النَّبِي الْأُمِّي وَرُسُله إِلَى مُلُوك الأَرْض من عَرَبِيّ وعجمي
وَجَعَلته قسمَيْنِ الْقسم الأول فِي كِتَابه وَالْقسم الثَّانِي فِي رسله ومكاتباته إِلَى الْمُلُوك صلى الله عليه وسلم
ورتبت أَسمَاء الصَّحَابَة على حُرُوف المعجم بعد ذكر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة رضي الله عنهم
وابتدأت فِي صدر الْقسم الأول فِي التَّعْرِيف بنسبه الشريف صلى الله عليه وسلم وَالْكَلَام عَلَيْهِ تبركا بِهِ إِذْ هُوَ سيد الْكل وَقَائِدهمْ وإيانا إِن شَاءَ الله تَعَالَى إِلَى جنَّات النَّعيم
وَالَّذِي حداني على البدأة بنسبه الشريف هُوَ
مَا وجدته لِابْنِ مُنِير الْحلَبِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي شَرحه لمختصر السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي الجماعيلي قَرْيَة بَين الْقُدس ونابلس
قَالَ ذكر لي جمَاعَة من الْعلمَاء أَن سَبَب تأليف عبد الْغَنِيّ لمختصر السِّيرَة أَنه خرج وَمَعَهُ بعض أَصْحَابه إِلَى أَن قربا من دير فَقعدَ الْمُؤلف على جنب نهر وَقصد صَاحبه الدَّيْر فطرقه فَخرج إِلَيْهِ رَاهِب فَقَالَ مَا دينك فَقَالَ مُسلم فَقَالَ من تتبع فَقَالَ مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اذكر لي نسبه وحاله فَلم يكن عِنْده علم فَقَالَ مَا أقريك شَيْئا فَرجع صَاحب الْمُؤلف إِلَيْهِ وَقَالَ مَا قَالَ لَهُ الراهب فَقَالَ لَهُ الْمُؤلف شَيْئا من نسب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وأحواله فَرجع إِلَى الراهب وَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ الراهب هَذَا مَا هُوَ مِنْك هَذَا من ذَلِك الشَّيْخ الْجَالِس على النَّهر وَكَانَ الراهب رأى الشَّيْخ فأعجبه حَاله فجَاء إِلَيْهِ فَذكر لَهُ شَيْئا كثيرا من أَحْوَال سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزاته فَأسلم الراهب وَحسن إِسْلَامه فأملى الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ رحمه الله مُخْتَصر السِّيرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة
فتأملت هَذِه الْوَاقِعَة وَمَا فِيهَا من الْفَوَائِد من هِدَايَة الراهب وَتَعْلِيم صَاحب الشَّيْخ وتأليفه لسيره وأحواله صلى الله عليه وسلم وَالِانْتِفَاع بِهِ فِي حَيَاته وَبعد وَفَاته رحمه الله
فَبَدَأت بنسبه الشريف
لذَلِك وَمن الله تَعَالَى أسأَل التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة إِلَى أقوم طَرِيق وَأَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم
وَأَنا أقدم إِلَيْك أَيهَا النَّاظر فِي كتابي هَذَا من الِاعْتِذَار مَا ختم بِهِ الشاطبي رحمه الله قصيدته الموسومة بحرز الْأَمَانِي إِذْ يَقُول
(وَلكنهَا تبغي من النَّاس كفأها
…
أَخا ثِقَة يعْفُو ويغضي تجملا)
(وَلَيْسَ لَهَا إِلَّا ذنُوب وَليهَا
…
فيا طيب الأنفاس أحسن تأولا)
(وَقل رحم الرَّحْمَن حَيا وَمَيتًا
…
فَتى كَانَ للانصاف والحلم معقلا)
(عَسى الله يدني سَعْيه بِجَوَازِهِ
…
وَإِن كَانَ زيفا غير خَافَ مزللا)
(فيا خير غفار وَيَا خير رَاحِم
…
وَيَا خير مأمول جدي وتفضلا)
(أقل عثرتي وانفع بهَا وبقصدها
…
حنانيك يَا الله يَا رَافع الْعلَا)
وَهَذَا حِين ابْتَدَأَ بحول الله وقوته وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل
بَاب فِي التَّعْرِيف بنسبه الشريف صلى الله عليه وسلم وَالْكَلَام عَلَيْهِ
روينَا فِي كتاب السِّيرَة عَن ابْن هِشَام أَنه صلى الله عليه وسلم مُحَمَّد بن عبد الله فمحمد اسْم علم مَنْقُول من صفة من قَوْلهم رجل مُحَمَّد أَي كثير الْخِصَال المحمودة والمحمد فِي اللُّغَة هُوَ الَّذِي يحمد حمدا بعد حمد مرّة بعد مرّة فِيهِ معنى الْمُبَالغَة والتكرار وَهُوَ فِي معنى مَحْمُود فاسمه مُطَابق لمعناه وَالله تَعَالَى سَمَّاهُ بِهِ قبل أَن يُسمى فَهَذَا علم من أَعْلَام نبوته إِذْ كَانَ اسْمه صَادِقا عَلَيْهِ فَهُوَ عليه السلام مَحْمُود فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فِي الدُّنْيَا بِمَا نفع بِهِ من الْعلم وَالْحكمَة وَفِي الْآخِرَة بِشَفَاعَتِهِ صلى الله عليه وسلم فقد تكَرر معنى الْحَمد
ثمَّ إِنَّه لم يكن مُحَمَّدًا حَتَّى كَانَ أَحْمد حمد ربه فنبأه وشرفه فَلذَلِك تقدم اسْم أَحْمد على مُحَمَّد فَذكره عِيسَى عليه السلام فِي قَوْله {وَمُبشرا برَسُول يَأْتِي من بعدِي اسْمه أَحْمد} فبأحمد ذكر قبل أَن يذكر بِمُحَمد لِأَن حَمده
لرَبه كَانَ قبل حمد النَّاس لَهُ فَلَمَّا وجد وَبعث كَانَ مُحَمَّدًا بِالْفِعْلِ
وَكَذَلِكَ فِي الشَّفَاعَة يحمد ربه بالمحامد الَّتِي يفتحها عَلَيْهِ فَيكون أَحْمد النَّاس لرَبه ثمَّ يشفع فيحمد على شَفَاعَته
فَانْظُر كَيفَ ترَتّب هَذَا الِاسْم الآخر فِي الذّكر والوجود فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وروى ابْن عبد الْبر أَن جده سَمَّاهُ مُحَمَّدًا يَوْم سابعه
وروى أَن آمِنَة أمرت وَهِي حَامِل بِهِ أَن تسميه أَحْمد
وروى أَن آدم عليه السلام قَالَ إِنِّي لسَيِّد الْبشر يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا رجلا من ذريتي نَبِي من الْأَنْبِيَاء يُقَال لَهُ مُحَمَّد فضل عَليّ بِاثْنَتَيْنِ زَوجته أعانته فَكَانَت لَهُ عونا يَعْنِي خَدِيجَة وَالله أعلم وَكَانَت زَوْجَتي عَليّ عونا وَالله أَعَانَهُ على شَيْطَانه فَأسلم وَكفر شيطاني رَوَاهُ الدولابي عَن يُونُس
ثمَّ من عجائب هَذَا الِاسْم أَنه لم يتسم بِهِ أحد قبله يَعْنِي أَحْمد
وكنيته صلى الله عليه وسلم أَبُو الْقَاسِم قيل كني بِهِ لِأَنَّهُ يقسم الْجنَّة بَين الْخلق يَوْم الْقِيَامَة وَقيل كني ببكر وَلَده من خَدِيجَة وَهُوَ الْقَاسِم وَلما ولد لَهُ إِبْرَاهِيم من مَارِيَة كناه جِبْرِيل عليه السلام بِأبي إِبْرَاهِيم وَقيل كنيته فِي التَّوْرَاة أَبُو الأرامل صلى الله عليه وسلم
ابْن عبد الله معنى عبد الله الخاضع لله وكنيته أَبُو قثم وَقيل أَبُو مُحَمَّد وَقيل أَبُو أَحْمد وَلَا عقب لعبد الله أصلا وَلم يُولد لَهُ غير رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا ذكر وَلَا أُنْثَى
وَكَذَلِكَ آمِنَة قَالَه ابْن مُنِير الْحلَبِي فِي المورد العذب الهني فِي الْكَلَام على السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ ابْن عبد الْمطلب وَاسم عبد الْمطلب شيبَة سمى بذلك لِأَنَّهُ ولد وَفِي رَأسه شيبَة عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة ذكرت خَبره مَعَ سيف بن ذِي يزن وبشراه لَهُ برَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَأْتِي من هَذَا الْكتاب ابْن هَاشم وَاسم هَاشم عَمْرو ذكر السُّهيْلي فِي اشتقاقه أقوالا مِنْهَا أَنه مَنْقُول من الْعُمر وَهُوَ اسْم لنخل يُقَال لَهُ السكر ذكره العسكري فِي أَجنَاس التَّمْر وَبِذَلِك سمى الرجل عمرا وَقَالَ كَانَ ابْن أبي ليلى يستاك بعسيب الْعُمر
ابْن عبد منَاف واسْمه الْمُغيرَة لِأَنَّهُ كَانَ يُغير على الْأَعْدَاء وَكَانَ يلقب قمر الْبَطْحَاء
ابْن قصي واسْمه زيد وَهُوَ تَصْغِير قصي أَي بعيد لِأَنَّهُ بعد عَن عشيرته فِي بِلَاد قضاعة ابْن كلاب مَنْقُول من الْمصدر فِي معنى المكالبة أَو من الْكلاب جمع كلب قيل لبَعض الْعَرَب لم تسمون أبناءكم بشر الْأَسْمَاء وعبيدكم بِأَحْسَن الْأَسْمَاء فَقَالَ نسمي أبناءنا لأعدائنا وعبيدنا لأنفسنا ابْن مرّة مَنْقُول من وصف الحنظلة والعلقمة وَكَثِيرًا مَا يسمون بهما فَيكون مَنْقُولًا
من وصف الرجل بالمرارة ابْن كَعْب كَعْب مَنْقُول من كَعْب الْقدَم لثُبُوته وَهُوَ أول من جمع يَوْم الْعرُوبَة وسماها الْجُمُعَة وَقيل غير ذَلِك وَكَانَت قُرَيْش تَجْتَمِع إِلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْم فيخطبهم وَيذكرهُمْ بمبعث النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَيُعلمهُم أَنه من وَلَده وَيَأْمُرهُمْ باتباعه وَالْإِيمَان بِهِ وينشد أبياتا مِنْهَا
(يَا لَيْتَني شَاهد فحواء دَعوته
…
إِذا قُرَيْش تبغي الْحق خذلانا)
ابْن لؤَي تَصْغِير اللأي وَهُوَ الثور وَقيل الْبَقَرَة وَفِي الحَدِيث من قَول أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أحب إِلَيّ من شَاءَ وَلَاء وَهُوَ الثور قَالَ أَبُو ذَر فِي شرح السِّيرَة لِابْنِ هِشَام هُوَ الثور الوحشي ابْن غَالب بن فهر واسْمه قُرَيْش وفهر لقب وَقيل عَكسه والفهر من الْحِجَارَة الطَّوِيل قَالَ أَبُو ذَر هُوَ على مِقْدَار ملْء الْكَفّ وَقيل غير ذَلِك ابْن مَالك بن النَّضر قَالَ أَبُو ذَر هُوَ الذَّهَب الْأَحْمَر ابْن كنَانَة بن خُزَيْمَة تَصْغِير خزمة والخزم مثل الدوم يتَّخذ من سعفه
الحبال وَله ثَمَر تَأْكُله الْغرْبَان ابْن مدركة واسْمه عَامر ابْن الياس وَقيل إلْيَاس بِكَسْر الْهمزَة مُوَافقا لاسم إلْيَاس النَّبِي عليه السلام وَقيل سمي بضد الرَّجَاء وَاللَّام فِيهِ للتعريف والهمزة همزَة وصل يذكر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لَا تسبوا الياس فَإِنَّهُ كَانَ مُؤمنا وَهُوَ أول من أهْدى الْبدن إِلَى الْبَيْت وَكَانَ يسمع فِي صلبه تَلْبِيَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم ابْن مُضر وَمُضر الْأَبْيَض مُشْتَقّ من اللَّبن الماضر والمضيرة شَيْء يصنع من اللَّبن قيل هُوَ أول من سنّ للْعَرَب حداءا لإبل وَكَانَ أحسن النَّاس صَوتا
وَفِي الحَدِيث لَا تسبوا مُضر وَلَا ربيعَة فَإِنَّهُمَا كَانَا مُؤمنين وَرَبِيعَة أَخُوهُ ابْن نزار النزر الْقَلِيل كَانَ أَبوهُ حِين ولد لَهُ وَنظر إِلَى النُّور بَين عَيْنَيْهِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ ينْتَقل فِي الأصلاب إِلَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَرح فَرحا شَدِيدا وَنحر وَأطْعم وَقَالَ إِن هَذَا كُله نزر لحق هَذَا الْمَوْلُود فَسُمي نزارا ابْن معد من تمعدد إِذا اشْتَدَّ وتمعدد أبعد فِي الذّهاب قَالَه أَبُو ذَر وَقيل هُوَ من الْمعد بِسُكُون الْعين وَهُوَ الْقُوَّة وَمِنْه اشتقاق الْمعدة ابْن عدنان وَهُوَ مَأْخُوذ من عدن فِي الْمَكَان إِذا أَقَامَ فِيهِ وَمِنْه {جنَّات عدن} أَي جنَّات إِقَامَة وخلود
قَالَ السُّهيْلي وَمَا بعد عدنان من الْأَسْمَاء
مُضْطَرب فِيهِ وَالَّذِي صَحَّ عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه لما بلغ عدنان قَالَ كذب النسابون
وَرُوِيَ عَن عمر رضي الله عنه أَنه قَالَ إِنَّمَا ننتسب إِلَى عدنان وَمَا فَوق ذَلِك لَا نَدْرِي مَا هُوَ وَأَصَح شَيْء رُوِيَ فِيمَا بعد مَا ذكره الدولابي عَن أم سَلمَة رضي الله عنها عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ معد ابْن عدنان بن أدد بن زند بن اليرى ابْن اعراق الثرى قَالَت أم سَلمَة رضي الله عنها فزند هُوَ الهميسع واليرى هُوَ نبت واعراق الثرى هُوَ إِسْمَاعِيل عليه السلام لِأَنَّهُ ابْن إِبْرَاهِيم عليه السلام وَإِبْرَاهِيم لم تَأْكُله النَّار كَمَا أَن النَّار لَا تَأْكُل الثرى
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَا نَعْرِف زندا يَعْنِي بالنُّون إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث وزند بن الجون وَهُوَ أَبُو دلامة الشَّاعِر
قَالَ السُّهيْلي وَهَذَا الحَدِيث عِنْدِي لَيْسَ بمعارض لما تقدم من قَوْله كذب النسابون وَلَا لقَوْل عمر رضي الله عنه لِأَنَّهُ حَدِيث متأول يحْتَمل أَن يكون قَوْله ابْن اليرى بن اعراق الثرى كَمَا قَالَ كلكُمْ بَنو آدم وآدَم من تُرَاب لَا يُرِيد أَن الهميسع وَمن دونه ابْن لإسماعيل لصلبه وَلَا بُد من هَذَا التَّأْوِيل أَو غَيره لِأَن أَصْحَاب الْأَخْبَار لَا يَخْتَلِفُونَ فِي بعد الْمدَّة مَا بَين عدنان وَإِبْرَاهِيم ويستحيل فِي
الْعَادة أَن يكون بَينهمَا أَرْبَعَة آبَاء أَو سَبْعَة كَمَا ذكر ابْن إِسْحَاق أَو عشرَة أَو عشرُون فَإِن الْمدَّة أطول من ذَلِك كُله وَذَلِكَ أَن معد بن عدنان كَانَ فِي مُدَّة بخت نصر ابْن ثِنْتَيْ عشرَة سنة قَالَه الطَّبَرِيّ وَذكر أَن الله أوحى فِي ذَلِك الزَّمَان إِلَى إرميا بن حلقيا أَن اذْهَبْ إِلَى بخت نصر فَأعلمهُ أَنِّي قد سلطته على الْعَرَب واحمل معدا على الْبراق كي لَا تصيبه النقمَة فيهم فانى مستخرج من صلبه نَبيا كَرِيمًا أختم بِهِ الرُّسُل
فَاحْتمل معدا على الْبراق إِلَى أَرض الشَّام فَنَشَأَ مَعَ بني إِسْرَائِيل وَتزَوج هُنَاكَ امْرَأَة اسْمهَا معانة بنت جوشن من بني دب بن جرهم
وَمن ثمَّ وَقع فِي كتب الإسرائيليين نسب معد ثبته فِي كتبه رخيا وَهُوَ بورخ كَاتب إرميا وَبَينه وَبَين إِبْرَاهِيم فِي ذَلِك النّسَب نَحْو من أَرْبَعِينَ جدا وَقد ذكرهم المَسْعُودِيّ على اضْطِرَاب فِي الْأَسْمَاء وتغيير فِي الْأَلْفَاظ وَلذَلِك وَالله أعلم أعرض النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن رفع نسب عدنان إِلَى إِسْمَاعِيل لما فِيهِ من التَّغْيِير وعواصة تِلْكَ الْأَسْمَاء
وَذكر الطَّبَرِيّ نسب عدنان إِلَى إِسْمَاعِيل من وُجُوه ذكر فِي أَكْثَرهَا نَحوا من أَرْبَعِينَ أَبَا باخْتلَاف فِي الْأَلْفَاظ لِأَنَّهَا
نقلت من كتب عبرانية وَذكر من وَجه قوي أَن نسب عدنان يرجع إِلَى قيذر بن إِسْمَاعِيل
وَكَانَ رُجُوع معد إِلَى أَرض الْحجاز بعد مَا رفع الله بأسه عَن الْعَرَب وَرجعت بقاياهم الَّتِي كَانَت فِي الشواهق إِلَى محالهم ومياههم بعد أَن دوخ بِلَادهمْ بخت نصر وَخرب الْمَعْمُور واستأصل أهل حُضُور وهم الَّذين ذكرهم الله تَعَالَى فِي قَوْله {وَكم قصمنا من قَرْيَة كَانَت ظالمة} الْآيَة
وَذَلِكَ لقتلهم شُعَيْب بن ذِي مهدم نَبيا أرسل إِلَيْهِم وقبره بصنين جبل بِالْيمن وَلَيْسَ بشعيب الأول صَاحب مَدين ذَلِك شُعَيْب بن عيفي وَيُقَال فِيهِ ابْن صيفون وَكَذَلِكَ أهل عدن قتلوا نَبيا لَهُم اسْمه حَنْظَلَة بن صَفْوَان فَكَانَت سطوة الله بالعرب لذَلِك نَعُوذ بِاللَّه من غَضَبه وأليم عِقَابه
عدنا إِلَى تَمام النّسَب الشريف قَالَ ابْن إِسْحَاق بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح ابْن يعرب بن يشجب بن نابت بن
إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن بن تارح وَهُوَ آزر بن ناحور بن ساروح بن راعو ابْن فالخ بن عيبر بن شالخ بن ارفخشد بن سَام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ وَهُوَ إِدْرِيس النَّبِي فِيمَا يَزْعمُونَ وَالله أعلم وَكَانَ أول نَبِي أعطي النُّبُوَّة والخط بالقلم ابْن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شِيث بن آدم صلى الله عليه وسلم هَكَذَا سَاقه ابْن إِسْحَاق وَرُوِيَ فِيهِ غير ذَلِك
قَالَ السُّهيْلي إِبْرَاهِيم مَعْنَاهُ أَب رَاحِم
قَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخ دمشق إِن إِبْرَاهِيم عليه السلام ولد بالغوطة بقرية لَهَا يُقَال لَهَا بَرزَة قَالَ وَالصَّحِيح أَنه ولد بكوثا من إقليم بابل من الْعرَاق كوثى بِضَم أَوله وبالثاء الْمُثَلَّثَة مَقْصُور على وزن فعلى قَالَه الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا
استعجم ولد على رَأس ألفي سنة من خلق آدم عليه السلام وَكَانَ بَين نوح وآدَم عشرَة قُرُون وَبَين نوح وَإِبْرَاهِيم عشرَة قُرُون
وآزر قيل مَعْنَاهُ يَا أَعْوَج وَقيل هُوَ اسْم صنم وَقيل هُوَ اسْم لِأَبِيهِ كَانَ يُسمى تارح وآزر
وَأمه نونا وَيُقَال اسْمهَا ليوثي
وَمَا بعد إِبْرَاهِيم أَسمَاء سريانية فسر أَكْثَرهَا بِالْعَرَبِيَّةِ ابْن هِشَام وَذكر أَن فالغ مَعْنَاهُ القسام وشالخ مَعْنَاهُ الرَّسُول أَو الْوَكِيل
وَذكر أَن إِسْمَاعِيل تَفْسِيره مُطِيع الله
وَذكر الطَّبَرِيّ أَن بَين فالغ وعابر أَبَا اسْمه قينن أسقط اسْمه فِي التَّوْرَاة لِأَنَّهُ كَانَ ساحرا
وأرفخشد قَالَ النَّوَوِيّ بالراء الساكنة ثمَّ فَاء مَفْتُوحَة ثمَّ خاء مُعْجمَة سَاكِنة ثمَّ شين مُعْجمَة وَذكرهَا الْمصْرِيّ بِالْفَتْح وذال مُعْجمَة
أمه من بَنَات الْمُلُوك عَاشَ أرفخشد أَرْبَعمِائَة عَام وَثَلَاثَة أَعْوَام وَهُوَ وَصِيّ أَبِيه تَفْسِيره مِصْبَاح مضيء وشاد مخفف بالسُّرْيَانيَّة الضياء وَمِنْه جم شاد وَهُوَ رَابِع الْمُلُوك بعد جيومرث وَقد سميت بِهِ كتابي هَذَا تبركا بِهِ
قَالَ ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر إِن نوحًا عليه السلام سَأَلَ الله تَعَالَى أَن يرزقه الْإِجَابَة فِي وَلَده وَذريته فوعده ذَلِك فَنَادَى وَلَده وهم نيام عِنْد السحر فَنَادَى ساما فَأَجَابَهُ يسْعَى وَصَاح سَام فِي وَلَده فَلم يجبهُ إِلَّا أرفخشد فَانْطَلق بِهِ مَعَه حَتَّى أَتَيَاهُ فوصع نوح يَمِينه على سَام وشماله على أرفخشد بن سَام
وَسَأَلَ الله تَعَالَى عز وجل أَن يُبَارك فِي سَام وَأَن يَجْعَل الْملك والنبوة فِي ولد أرفخشد ثمَّ نَادَى حاما فَلم يجبهُ وَلم يقم إِلَيْهِ هُوَ وَلَا أحد من وَلَده فَدَعَا الله تَعَالَى نوح أَن يَجْعَل وَلَده أذلاء وَأَن يجعلهم عبيدا لولد سَام
فَعَاشَ سَام مُبَارَكًا حَتَّى مَاتَ وعاش ابْنه أرفخشد بن سَام مُبَارَكًا حَتَّى مَاتَ وَكَانَ الْملك الَّذِي يُحِبهُ الله والنبوة وَالْبركَة فِي ولد أرفخشد بن سَام
وَقَالَ الإِمَام أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن يُوسُف بن الْعَطَّار فِي تأليفه نظم الدُّرَر فِي نسب سيد الْبشر
(لما بدا نور النَّبِي المرشد
…
حَيا ببهجته فَحَيَّا أرفخشد)
(أهْدى لَهُ سَام الْبَهَاء وَإِنَّمَا
…
أهْدى الْبَهَاء ممجد لممجد)
(وكساه من حلل السِّيَادَة حلَّة
…
موشية بسنا النَّبِي مُحَمَّد)
(بالمجد من بَين البرايا خصّه
…
وحباه أَحْمد بالثناء الأحمد)
وَآخر الأبيات
(منا السَّلَام عَلَيْهِ يحمل طيبه
…
ريح الصِّبَا هبت على روض شدي)
وَاسم نوح عليه السلام عبد الْغفار سمي نوحًا لنوحه وَأَخُوهُ صابيء وَإِلَيْهِ ينْسب دين الصابئين ولامك وَقيل لمك وَهُوَ أول من اتخذ الْعود للغناء لسَبَب يطول ذكره وَاتخذ مصانع المَاء ومتوشلخ وَقيل متوشلخ بِضَم الْمِيم وَفتح التَّاء وَالْوَاو سَاكِنة قَالَه السُّهيْلي تَفْسِيره مَاتَ الرَّسُول لِأَن أَبَاهُ كَانَ رَسُولا وَهُوَ خنوخ وَهُوَ إِدْرِيس عليه السلام وَإِدْرِيس بن يزدْ وَتَفْسِيره الضَّابِط ابْن مهلائيل يَعْنِي الممدوح وَفِي زَمَنه كَانَ بَدْء عبَادَة الْأَصْنَام ابْن قينان وَتَفْسِيره المستوي ابْن أنوش وَتَفْسِيره الصَّادِق وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ آنش وَهُوَ أول من غرس النَّخْلَة وَبَوَّبَ الْكَعْبَة وبذر الْحبَّة وشيث وَهُوَ بالسُّرْيَانيَّة شاث وَتَفْسِيره عَطِيَّة الله وآدَم عليه السلام قيل هُوَ سرياني وَقيل أفعل من الأدمة وَقيل أَخذ من لفظ الْأَدِيم لِأَنَّهُ خلق من أَدِيم الأَرْض رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ النَّضر بن شُمَيْل سمي آدم لبياضه من قَوْلهم ظَبْي آدم إِذا كَانَ نَاصح بَيَاض الْبَطن مسكي الظّهْر
وَذكر ثَعْلَبَة بن سَلامَة نسابة الأندلس أَنه كَانَ طول آدم عليه السلام يَوْم خلقه الله مِائَتي ذِرَاع بذراعه فَلَمَّا خلقت مِنْهُ حَوَّاء عليها السلام أنقص مِنْهُ مائَة ذِرَاع
وَكَانَ إِذا قعد فِي الأَرْض لم يخف عَلَيْهِ من أَرْكَانهَا شَيْء كَمَا لَا يخفى على أحدكُم أَرْكَان بَيته إِذا جلس فِي وَسطه
وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه كَانَ طول آدم سِتِّينَ ذِرَاعا وَعرضه سَبْعَة أَذْرع
وَكَانَ لَهُ لحية سَوْدَاء عرض شبر فِي شبر
وَقَالَ عبد الله بن قُتَيْبَة فِي المعارف كَانَ أَمْرَد وَإِنَّمَا نَبتَت اللحى لوَلَده بعده وَلما احْتضرَ اشْتهى قطفا من قطف الْجنَّة فَانْطَلق بنوه ليطلبوه لَهُ فلقيتهم الْمَلَائِكَة فَقَالُوا ارْجعُوا فقد كفيتموه فَانْتَهوا إِلَيْهِ فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وَصلى عَلَيْهِ جِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة خلف جِبْرِيل وَبَنوهُ خلف الْمَلَائِكَة ودفنوه وَقَالُوا هَكَذَا سنتكم فِي مَوْتَاكُم يَا بني آدم
قَالَ وهب وحفر لَهُ فِي مَوضِع من أبي قبيس يُقَال لَهُ غَار الْكَنْز فَلم يزل آدم فِي ذَلِك الْغَار حَتَّى كَانَ زمَان الْغَرق استخرجه نوح وَحمله فِي تَابُوت مَعَه فِي السَّفِينَة فَلَمَّا نضب المَاء