الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روى ابْن الْجَوْزِيّ عَنهُ قَالَ أول من كناني رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِأبي حَفْص
قَالَ الْجَوْهَرِي الحفص زبيل من جُلُود وَولد الْأسد أَيْضا وَأم حَفْصَة الدَّجَاجَة
ولد بعد الْفِيل بِثَلَاث عشرَة سنة وَكَانَ من أَشْرَاف قُرَيْش أسلم بعد تِسْعَة وَثَلَاثِينَ رجلا وَإِلَيْهِ كَانَت السفارة فِي الْجَاهِلِيَّة وَذَلِكَ أَن قُريْشًا كَانَت إِذا وَقعت بَينهم حَرْب أَو بَينهم وَبَين غَيرهم بعثوه سفيرا وَإِن نافرهم منافر أَو فاخرهم بعثوه منافرا ومفاخرا وَرَضوا بِهِ
فصل فِي إِسْلَامه
روى ابْن إِسْحَاق عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة عَن أمه أم عبد الله بنت أبي حثْمَة رضي الله عنها قَالَت إِنَّا وَالله لنترحل إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَقد ذهب عَامر فِي بعض حاجاتنا إِذْ أقبل عمر بن الْخطاب حَتَّى وقف عَليّ وَهُوَ على شركه قَالَت وَكُنَّا نلقى مِنْهُ الْبلَاء أَذَى لنا وَشدَّة علينا فَقَالَ إِنَّه للانطلاق يَا أم عبد الله قَالَت فَقلت نعم وَالله لَنخْرجَنَّ فِي أَرض الله آذيتمونا
وقهرتمونا حَتَّى يَجْعَل الله لنا مخرجا قَالَت فَقَالَ صحبكم الله وَرَأَيْت لَهُ رقة لم أكن أَرَاهَا ثمَّ انْصَرف وَقد أحزنه فِيمَا أرى خروجنا
قَالَت فجَاء عَامر بحاجته تِلْكَ فَقلت لَهُ يَا أَبَا عبد الله لَو رَأَيْت عمر آنِفا ورقته وحزنه علينا قَالَ أطمعت فِي إِسْلَامه قَالَت قلت نعم قَالَ لَا يسلم الَّذِي رَأَيْت حَتَّى يسلم حمَار الْخطاب قَالَت يأسا مِنْهُ لما كَانَ يرى من غلظته وقسوته عَن الْإِسْلَام
قلت وَقد جَاءَ إِسْلَام عمر رضي الله عنه من طرق رَوَاهَا الْعلمَاء من الْمُحدثين وَأَصْحَاب السّير وَأَنا أورد من ذَلِك طرقا مِمَّا وَقع فِي مروياتي وَغير ذَلِك
روى ابْن عبد الْبر عَن زيد بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه قَالَ نظر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى عمر وَأبي جهل وهما يتناجيان فَقَالَ اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بأحبهما إِلَيْك
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَ إِسْلَامه أَن أُخْته فَاطِمَة زَوْجَة سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل أسلمت هِيَ وَزوجهَا سعيد وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر وَكَانَ نعيم بن عبد الله النحام رجل من قومه من بني عدي ابْن كَعْب قد أسلم وَكَانَ مستخفيا بِإِسْلَامِهِ فرقا من قومه وَكَانَ خباب بن الْأَرَت يخْتَلف إِلَى فَاطِمَة بنت الْخطاب يقرئها الْقُرْآن
فَخرج عمر يَوْمًا متوشحا بِسَيْفِهِ يُرِيد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من
أَصْحَابه ذكرُوا لَهُ أَنهم قد اجْتَمعُوا فِي بَيت عِنْد الصَّفَا وهم قريب من أَرْبَعِينَ من بَين رجال وَنسَاء وَمَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَمه حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَأَبُو بكر وَعلي فِي رجال من الْمُسلمين رضي الله عنهم مِمَّن كَانَ أَقَامَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِمَكَّة وَلم يُهَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَكَانَ حَمْزَة أسلم قبل عمر بِثَلَاثَة أَيَّام فَلَقِيَهُ نعيم بن عبد الله النحام فَقَالَ أَيْن تُرِيدُ يَا عمر قَالَ أُرِيد مُحَمَّدًا هَذَا الصابيء الَّذِي فرق أَمر قُرَيْش وسفه أحلامها وَعَابَ دينهَا وَسَب آلهتها فَأَقْتُلهُ
قَالَ ابْن عبد الْبر فَقَالَ لَهُ بئس الممشى مشيت وَأَرَادَ أَن يصرفهُ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ عمر لَو أعلم أَنَّك صَبَأت لبدأت بك
قَالَ ابْن إِسْحَاق فَقَالَ لَهُ نعيم وَالله لقد غرتك نَفسك من نَفسك يَا عمر أَتَرَى بني عبد منَاف تاركيك تمشي على الأَرْض وَقد قتلت مُحَمَّدًا أَفلا ترجع إِلَى أهل بَيْتك فتقيم أَمرهم قَالَ وَأي أهل بَيْتِي قَالَ ختنك وَابْن عمك سعيد بن زيد وأختك فَاطِمَة بنت الْخطاب فقد وَالله أسلما وتابعا مُحَمَّدًا على دينه فَعَلَيْك بهما
قَالَ فَرجع عمر عَامِدًا إِلَى أُخْته وَخَتنه وَعِنْدَهُمَا خباب بن الْأَرَت مَعَه صحيفَة فِيهَا طه يقرئهما إِيَّاهَا فَلَمَّا سمعُوا حس عمر تغيب خباب فِي مخدع لَهُم وَأخذت فَاطِمَة الصَّحِيفَة فجعلتها تَحت فَخذهَا وَقد سمع عمر حِين دنا إِلَى الْبَيْت قِرَاءَة خباب عَلَيْهِمَا
فَلَمَّا دخل قَالَ مَا هَذِه الهينمة الَّتِي سَمِعت قَالَا لَهُ مَا سَمِعت شَيْئا قَالَ بلَى وَالله وَقد أخْبرت أنكما تابعتما مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم على دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد فَقَامَتْ إِلَيْهِ أُخْته فَاطِمَة لتكفه عَن زَوجهَا فضربها فشجها
فَلَمَّا فعل ذَلِك قَالَت لَهُ
أُخْته وَخَتنه نعم قد أسلمنَا وآمنا بِاللَّه وَرَسُوله فَاصْنَعْ مَا بدا لَك وَلما رأى عمر مَا بأخته من الدَّم نَدم على مَا صنع فارعوى وَقَالَ لأخته أعطيني هَذِه الصَّحِيفَة الَّتِي سمعتكم تقرؤون آنِفا أنظر مَا هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد وَكَانَ عمر كَاتبا فَلَمَّا قَالَ ذَلِك قَالَت لَهُ أُخْته إِنَّا نخشاك عَلَيْهَا
قَالَ لَا تخافي وَحلف لَهَا بآلهته ليردنها إِلَيْهَا إِذا قَرَأَهَا
فَلَمَّا قَالَ ذَلِك لَهَا طمعت فِي إِسْلَامه فَقَالَت لَهُ يَا أخي إِنَّك نجس على شركك فَإِنَّهُ لَا يَمَسهَا إِلَّا طَاهِر فَقَامَ عمر فاغتسل فَأَعْطَتْهُ الصَّحِيفَة وفيهَا طه فقرأها فَلَمَّا قَرَأَ مِنْهَا صَدرا قَالَ مَا أحسن هَذَا الْكَلَام وأكرمه فَلَمَّا سمع خباب ذَلِك خرج إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا عمر وَالله إِنِّي لأرجو أَن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه فَإِنِّي سمعته أمس يَقُول اللَّهُمَّ أيد الْإِسْلَام بِأبي الحكم بن هِشَام أَو بعمر بن الْخطاب فَالله الله يَا عمر فَقَالَ لَهُ عمر عِنْد ذَلِك فدلني على مُحَمَّد حَتَّى آتيه فَأسلم فَقَالَ لَهُ خباب هُوَ فِي بَيت عِنْد الصَّفَا مَعَه فِيهِ نفر من أَصْحَابه
فَأخذ عمر سَيْفه فتوشحه ثمَّ عمد إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه فَضرب عَلَيْهِم الْبَاب فَلَمَّا سمعُوا صَوته قَامَ رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَنظر من خلل الْبَاب فَرَآهُ متوشحا السَّيْف فَرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فزع فَقَالَ يَا رَسُول الله هَذَا عمر بن الْخطاب متوشحا السَّيْف فَقَالَ حَمْزَة بن عبد الْمطلب فَأذن لَهُ فَإِن جَاءَ يُرِيد خيرا بذلناه لَهُ وَإِن كَانَ يُرِيد شرا قَتَلْنَاهُ بِسَيْفِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ائْذَنْ لَهُ فَأذن لَهُ الرجل ونهض إِلَيْهِ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لقِيه فِي الْحُجْرَة فَأَخذه بحجزته أَو بمجمع رِدَائه ثمَّ جبذه بِهِ جبذة شَدِيدَة وَقَالَ مَا جَاءَ بك يَا ابْن الْخطاب فوَاللَّه مَا أرى أَن تَنْتَهِي حَتَّى ينزل الله بك قَارِعَة وَفِي رِوَايَة مَا أَرَاك منتهيا حَتَّى يصنع الله بك مَا صنع بالوليد وَفُلَان وَفُلَان فَضَحِك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ أهده قَالَ ابْن إِسْحَاق فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله جئْتُك لأؤمن بِاللَّه وبرسوله وَبِمَا جَاءَ من عِنْد الله أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ فَكبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَكْبِيرَة علم أهل الْبَيْت من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن عمر قد أسلم وَفِي رِوَايَة كبر أهل الدَّار تَكْبِيرَة سَمعهَا من وَرَاء الدَّار
فَتفرق أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من مكانهم وَقد عزوا فِي أنفسهم حِين أسلم عمر مَعَ إِسْلَام حَمْزَة وَعرفُوا أَنَّهُمَا سيمنعان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وينتصفون بهما من عدوهم
وَقَالَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه حِين أسلم
(الْحَمد الله ذِي الْمَنّ الَّذِي وَجَبت
…
لَهُ علينا أياد مَا لَهَا غير)
(وَقد بدأنا فكذبنا فَقَالَ لنا
…
صدق الحَدِيث نَبِي عِنْده الْخَبَر)
(وَقد ظلمت ابْنة الْخطاب ثمَّ هدى
…
رَبِّي عَشِيَّة قَالُوا قد صبا عمر)
(وَقد نَدِمت على مَا كَانَ من زلل
…
بظلمها حِين تتلى عِنْدهَا السُّور)
(لما دعت رَبهَا ذَا الْعَرْش جاهدة
…
والدمع من عينهَا عجلَان يبتدر)
(أيقنت أَن الَّذِي تَدعُوهُ خَالِقهَا
…
فكاد تسبقني من عِبْرَة دُرَر)
(فَقلت أشهد أَن الله خالقنا
…
وَأَن أَحْمد فِينَا الْيَوْم مشتهر)
(نَبِي صدق أَتَى بِالْحَقِّ من ثِقَة
…
وافي الْأَمَانَة مَا فِي عوده خور)
ثمَّ قَالَ عمر فلنظهرن بِمَكَّة دين الله فَإِن أَرَادَ قَومنَا بغيا علينا ناجزناهم وَإِن قَومنَا أنصفونا قبلنَا مِنْهُم
فَخرج عمر وَالصَّحَابَة فجلسوا فِي الْمَسْجِد فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْش إِسْلَام حَمْزَة وَعمر سقط فِي أَيْديهم
وروى ابْن إِسْحَاق أَيْضا بِسَنَدِهِ عَن عمر رضي الله عنه أَنه قَالَ كنت لِلْإِسْلَامِ مباعدا وَكنت صَاحب خمر فِي الْجَاهِلِيَّة أحبها وأشربها وَكَانَ لنا مجْلِس يجْتَمع فِيهِ رجال من قُرَيْش بالحزورة
قَالَ فَخرجت ذَات لَيْلَة أُرِيد جلسائي أُولَئِكَ فجئتهم فَلم أجد فِيهِ مِنْهُم أحدا
قَالَ فَقلت لَو أَنِّي جِئْت فلَانا الْخمار وَكَانَ بِمَكَّة يَبِيع الْخمر لعَلي أجد عِنْده خمرًا فأشرب مِنْهَا قَالَ فَجئْت فَلم أَجِدهُ
قَالَ فَقلت فَلَو أَنِّي جِئْت الْكَعْبَة فطفت بهَا سبعا أَو سبعين قَالَ فَجئْت الْمَسْجِد أُرِيد أَن أَطُوف بِالْكَعْبَةِ فَإِذا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَائِم يُصَلِّي وَكَانَ إِذا صلى اسْتقْبل الشَّام وَجعل الْكَعْبَة بَينه وَبَين الشَّام وَكَانَ مُصَلَّاهُ بَين الرُّكْن الْأسود والركن الْيَمَانِيّ
قَالَ فَقلت حِين رَأَيْته وَالله لَو أَنِّي استمعت الْآن لمُحَمد اللَّيْلَة حَتَّى أسمع مَا يَقُول فَقلت لَئِن دَنَوْت مِنْهُ لأروعنه فَجئْت من قبل الْحجر وَدخلت تَحت ثِيَابهَا فَجعلت أَمْشِي رويدا وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَائِم يُصَلِّي يقْرَأ الْقُرْآن حَتَّى قُمْت فِي قبلته مستقبله مَا بيني وَبَينه إِلَّا ثِيَاب الْكَعْبَة
قَالَ فَلَمَّا سَمِعت الْقُرْآن رق لَهُ قلبِي وبكيت ودخلني الْإِسْلَام فَلم أزل قَائِما فِي مَكَاني ذَلِك حَتَّى قضى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صلَاته ثمَّ انْصَرف وَكَانَ مَسْكَنه فِي الدَّار الرقطاء الَّتِي كَانَت بيَدي مُعَاوِيَة
قَالَ فتبعته حَتَّى إِذا دخل الْمَسْعَى بَين دَار الْعَبَّاس وَدَار ابْن أَزْهَر أَدْرَكته فَلَمَّا سمع حسي عرفني فَظن إِنَّمَا اتبعته لأؤذيه فنهمنى وَقَالَ مَا جَاءَ بك يَا ابْن الْخطاب هَذِه السَّاعَة قَالَ قلت جِئْت لأؤمن بِاللَّه وَرَسُوله وَبِمَا جَاءَ من عِنْد الله تَعَالَى فَحَمدَ الله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَ قد هداك الله يَا عمر ثمَّ مسح صَدْرِي ودعا لي بالثبات ثمَّ انصرفنا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَدخل بَيته قَالَ ابْن إِسْحَاق فَالله أعلم أَي ذَلِك كَانَ
وَذكر ابْن ظفر فِي بشائر الْجِنّ بمبعث مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم قَالَ فَمن ذَلِك مَا تضمنه حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي سَبَب إِسْلَام عمر رضي الله عنهما وَأَنه توجه لما ضمنه لقريش من قتل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَمر بِقوم من خُزَاعَة وَقد اعتمدوا صنما لَهُم يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَيْهِ فَقَالُوا لعمر ادخل مَعنا لتشهد الحكم فَدخل مَعَهم
فَلَمَّا مثلُوا بَين يَدي الصَّنَم سمعُوا مِنْهُ هاتفا يَقُول شعرًا
(يَا أَيهَا النَّاس ذَوي الْأَجْسَام
…
مَا أَنْتُم وطائش الأحلام)
(ومسندي الحكم إِلَى الْأَصْنَام
…
أَصْبَحْتُم كراتع الْأَنْعَام)
(أما ترَوْنَ مَا أرى أَمَامِي
…
من سَاطِع يجلو دجى الظلام)
(قد لَاحَ للنَّاظِر من تهام
…
وَقد بدا للنَّاظِر الشآم)
(مُحَمَّد ذُو الْبر وَالْإِكْرَام
…
أكْرمه الرَّحْمَن من إِمَام)
(قد جَاءَ بعد الشّرك بِالْإِسْلَامِ
…
يَأْمر بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَام)
(وَالْبر والصلات للأرحام
…
ويزجر النَّاس عَن الآثام)
(فبادروا سبقا إِلَى الْإِسْلَام
…
بِلَا فتور وَبلا إحجام)
قَالَ فَتفرق الْقَوْم عَن الصَّنَم وَلم يحضرهُ يَوْمئِذٍ أحد إِلَّا أسلم
ثمَّ أَتَى عمر إِلَى بَيت أُخْته فَبَاتَ فِيهِ ثمَّ أصبح فَسَأَلَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقيل لَهُ إِنَّه فِي منزل عَمه حَمْزَة فَخرج وَاضِعا سَيْفه على عَاتِقه فَلَقِيَهُ رجال من سليم قد سافروا إِلَى صنم لَهُم ليحكم بَينهم وَكَانَ اسْم الصَّنَم ضمار فدعوا عمر إِلَى الدُّخُول ليحضر الحكم فَفعل
فَلَمَّا وقفُوا بَين يَدي الصَّنَم سمعُوا هاتفا يَقُول
(أودي الضمار وَكَانَ يعبد مرّة
…
قبل الْكتاب وَقبل بعث مُحَمَّد)
(إِن الَّذِي ورث النُّبُوَّة وَالْهدى
…
بعد ابْن مَرْيَم من قُرَيْش مهتدي)
(سَيَقُولُ من عبد الضمار وَمثله
…
لَيْت الضمار وَمثله لم يعبد)
(أبشر أَبَا حَفْص بدين صَادِق
…
تهدي إِلَيْهِ وبالكتاب المرشد)
(واصبر أَبَا حَفْص قَلِيلا إِنَّه
…
يَأْتِيك عز فَوق عز بني عدي)
(لَا تعجلن فَأَنت نَاصِر دينه
…
حَقًا يَقِينا بِاللِّسَانِ وباليد)
قَالَ فتعجب الْقَوْم وَتَفَرَّقُوا وأذهب الله مَا كَانَ فِي نفس عمر من الْعَدَاوَة ثمَّ ذهب فَأسلم
قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني نَافِع مولى عبد الله بن عمر عَن عبد الله قَالَ لما أسلم أبي عمر قَالَ أَي قُرَيْش أنقل للْحَدِيث قَالَ قيل لَهُ جميل ابْن عمر الجُمَحِي قَالَ فغدا عَلَيْهِ قَالَ عبد الله فَغَدَوْت أتبع أَثَره وَأنْظر مَا يفعل وَأَنا غُلَام أَعقل كل مَا رَأَيْت حَتَّى جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ أعلمت يَا جميل أَنِّي قد أسلمت وَدخلت فِي دين مُحَمَّد قَالَ فوَاللَّه مَا رَاجعه حَتَّى قَامَ يجر رِدَاءَهُ وَاتبعهُ عمر وَاتَّبَعت أبي حَتَّى إِذا قَامَ على بَاب الْمَسْجِد صرخَ بِأَعْلَى صَوته يَا معشر قُرَيْش وهم فِي أَنْدِيَتهمْ حول الْكَعْبَة أَلا إِن ابْن الْخطاب قد صَبأ
قَالَ يَقُول عمر من خَلفه كذب وَلَكِنِّي أسلمت لله وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله
وثاروا إِلَيْهِ فَمَا برح يقاتلهم ويقاتلونه حَتَّى قَامَت الشَّمْس على رؤوسهم
قَالَ وطلح فَقعدَ قَالَ الْجَوْهَرِي طلح الْبَعِير أعيا وطلحت الْإِبِل بِالْكَسْرِ اشتكت بطونها
قَالَ وَقَامُوا على رَأسه وَهُوَ يَقُول افعلوا مَا بدا لكم
فأحلف بِاللَّه أَن لَو كُنَّا ثَلَاثمِائَة رجل لقد تركناها لكم أَو تَرَكْتُمُوهَا لنا
قَالَ فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ أقبل شيخ من قُرَيْش عَلَيْهِ
حلَّة حبرَة وقميص موشى حَتَّى وقف عَلَيْهِم فَقَالَ مَا شَأْنكُمْ قَالُوا صَبأ عمر قَالَ فَمه رجل اخْتَار لنَفسِهِ أمرا فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَتَرَوْنَ بني عدي بن كَعْب يسلمُونَ لكم صَاحبهمْ هَكَذَا خلوا عَن الرجل قَالَ فوَاللَّه لكَأَنَّمَا كَانُوا ثوبا كشط عَنهُ
قَالَ فَقلت لأبي بعد أَن هَاجر إِلَى الْمَدِينَة يَا أَبَت من الرجل الَّذِي زجر عَنْك الْقَوْم بِمَكَّة يَوْم أسلمت وهم يقاتلونك جزاه الله خيرا قَالَ ذَاك الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي لَا جزاه الله خيرا
قَالَ وَعَن بعض آل عمر قَالَ قَالَ عمر لما أسلمت تِلْكَ اللَّيْلَة تذكرت أَي أهل مَكَّة أَشد عَدَاوَة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى آتيه فَأخْبرهُ أَنِّي أسلمت
قَالَ قلت أَبُو جهل بن هِشَام وَكَانَ عمر لحنتمة بنت هَاشم بن الْمُغيرَة
قَالَ فَأَقْبَلت حِين أَصبَحت حَتَّى ضربت عَلَيْهِ بَابه قَالَ فَخرج إِلَيّ أَبُو جهل فَقَالَ مرْحَبًا وَأهلا بِابْن أُخْتِي مَا جَاءَ بك قَالَ جِئْت لأخبرك أَنِّي قد آمَنت بِاللَّه وبرسوله مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وصدقت بِمَا جَاءَ بِهِ
قَالَ فَضرب الْبَاب فِي وَجْهي وَقَالَ قبحك الله وقبح مَا جِئْت بِهِ
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ كَانَ إِسْلَام عمر فتحا وهجرته نصرا وإمامته رَحْمَة وَلَقَد رَأَيْتنَا وَلم نستطع أَن نصلي فِي
الْبَيْت حَتَّى أسلم عمر فَلَمَّا أسلم قَاتلهم حَتَّى تركونا نصلي
وَذكر أَن عمر لما أسلم نزل جِبْرِيل فَقَالَ استبشر أهل السَّمَاء بِإِسْلَام عمر
وَكَانَ إِسْلَامه فِي السّنة الْخَامِسَة من الْبعْثَة وَقيل فِي السَّادِسَة وَاتَّفَقُوا على تَسْمِيَته بالفاروق قيل سَمَّاهُ الله بذلك وَقيل سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
وَهُوَ أحد أَصْهَار رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكتابه قَالَه ابْن عبد الْبر وَغَيره
هَاجر إِلَى الْمَدِينَة جَهرا فَقدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي جمَاعَة وَشهد مَعَه الْمشَاهد كلهَا وَكَانَ شَدِيدا على الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَكَانَ زاهدا فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا سيق إِلَيْهِ من خَزَائِن مُلُوك الأَرْض فِي خِلَافَته
روقنا فِي كتاب التِّرْمِذِيّ عَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَو كَانَ بعدِي نَبِي لَكَانَ عمر
وروى الأقليشي فِي فَضَائِل الصَّحَابَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لم يبْعَث الله نَبيا قطّ إِلَّا كَانَ فِي أمته مُحدث فَإِن يكن أحد فِي أمتِي فَهُوَ عمر قيل يَا رَسُول الله وَكَيف يحدث قَالَ تكلم الْمَلَائِكَة على لِسَانه
وَلِهَذَا رُوِيَ أَن عمر كَانَ يخْطب يَوْم جُمُعَة بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ فِي خطبَته يَا سَارِيَة بن
زنيم الْجَبَل الْجَبَل فَالْتَفت النَّاس بَعضهم لبَعض فَلم يفهموا مُرَاده فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ لَهُ عَليّ رضي الله عنه مَا هَذَا الَّذِي قلته قَالَ أَو سمعته قَالَ نعم وكل أهل الْمَسْجِد قَالَ وَقع فِي خلدي أَن الْمُشْركين هزموا إِخْوَاننَا وركبوا أَكْنَافهم يَمرونَ بجبل فَإِن عدلوا إِلَيْهِ قَاتلُوا من وجدوا وظفروا وَإِن جاوزوه هَلَكُوا فَخرج مني هَذَا الْكَلَام فجَاء البشير بعد شهر فَذكر أَنهم سمعُوا فِي ذَلِك الْيَوْم وَتلك السَّاعَة حِين جاوزوا الْجَبَل صَوتا يشبه صَوت عمر فعدلنا إِلَيْهِ فَفتح الله رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر بِسَنَد رِجَاله كلهم ثِقَات
قَالَ قَالَ السمنطاري وَقد عبرت فِي أَرض وطئة بَين جبال بِقرب نهاوند فَأرَانِي بعض أهل تِلْكَ النَّاحِيَة مَوضِع الْقِتَال وأخبروني أَن الْمُشْركين يَوْمئِذٍ أوقدوا نَارا فِي خَنْدَق هُنَاكَ أشاروا إِلَيّ بموضعه ليكيدوا الْمُسلمين بالإنهزام إِلَيْهِ كي يقعوا فِي تِلْكَ النَّار فأنجى الله سَارِيَة وَأَصْحَابه بِصَوْت عمر رضي الله عنه وأدال لَهُم على الْمُشْركين فوقعوا فِي تِلْكَ النَّار الَّتِي وقدوها بِأَيْدِيهِم واحترقوا فِيهَا وَفتح الله على الْمُسلمين بنهاوند هَذَا نَحْو مَا أخبروني بِهِ هُنَاكَ على مَا توارثوه فيهم
وَذكر ابْن ظفر فِي كتاب خير الْبشر عَن عمر رضي الله عنه أَنه
قَالَ لكعب يَا كَعْب أدْركْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد علمت أَن مُوسَى بن عمرَان تمنى أَن يكون فِي أَيَّامه فَلم تسلم على يَدَيْهِ ثمَّ أدْركْت أَبَا بكر وَهُوَ خير مني فَلم تسلم على يَدَيْهِ ثمَّ أسلمت فِي أيامي قَالَ لَا تعجل عَليّ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي كنت أتلبث حَتَّى أنظر الْأَمر كَيفَ هُوَ فَوَجَدته كَالَّذي هُوَ فِي التَّوْرَاة
فَقَالَ عمر وَكَيف هُوَ قَالَ رَأَيْت فِي التَّوْرَاة أَن سيد الْخلق والصفوة من ولد آدم وَخَاتم النَّبِيين يظْهر من جبال فاران من منبت الْفَرْض من الْوَادي الْمُقَدّس فَيظْهر التَّوْحِيد وَالْحق ثمَّ ينْتَقل إِلَى الطّيبَة فَتكون حروبه وأيامه فِيهَا ثمَّ يقبض فِيهَا ويدفن بهَا
قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَلِي من بعده الشَّيْخ الصَّالح قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَمُوت مُتبعا قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَلِي الْقرن الْحَدِيد فَقَالَ عمر وادفراه ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يقتل شَهِيدا قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَلِي صَاحب الْحيَاء وَالْكَرم قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يقتل مَظْلُوما قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَلِي صَاحب المحجة الْبَيْضَاء وَالْعدْل والسواء صَاحب الشّرف التَّام وَالْعلم الْجَام قَالَ عمر هُوَ أَبُو الْحسن ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَمُوت شَهِيدا سعيدا قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ ينْتَقل الْأَمر إِلَى الشَّام فَقَالَ عمر حَسبك يَا كَعْب