المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - باب سنن الوضوء - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ١

[مظهر الدين الزيداني]

الفصل: ‌5 - باب سنن الوضوء

بسنته عليه السلام.

قولها: "يستاك": استاك وتسوَّك وسوَّك بمعنًى واحد.

* * *

264 -

وقالت عائشة رضي الله عنها: كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَستاكُ، فيُعطيني السِّواكَ لأغسِلَهُ، فأبْدَأُ بِهِ فأستاكُ، ثمَّ أغسِلُهُ، وأدفَعُهُ إليه.

قولها: "لأغْسِلَه"، هذا دليلٌ على أنَّ غَسْلَ المِسْواكِ سنةٌ بعد التسوُّكِ، والمِسواك مِفْعَال بمعنى الآلة؛ لأنه آلة التسويك، والتسويك: الترديدُ، والمراد ها هنا: ترديد خَشَبٍ، أو خِرْقَةٍ، أو إصبَعٍ في الفم؛ لإزالة الرائحةِ الكريهة.

قولها: "فأبدأ به"، يعني: فأبدأ باستعماله في فمي قبل الغَسْل؛ لينالني بركةُ فمِ رسول الله، وهذا دليلٌ على أن الاستعمال بمسواكِ الغير غيرُ مكروهٍ بشرْطِ أن يكونَ بإذن صاحبه؛ لأن استعمالَ مالِ الغيرِ لا يجوزُ بغير إذنِ مالكِه.

وعائشةُ رضي الله عنها إنما فعلتْ هذا للانبساط الذي يكون بين الزوجة وزوجها.

* * *

‌5 - باب سُنن الوُضوء

(باب سنن الوضوء)

مِنَ الصِّحَاحِ:

265 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استَيقظَ أحدُكُمْ مِنْ نَومِهِ فلا يغمِسْ يدَهُ في الإِناءَ حتَّى يغسِلَهَا ثلاثًا، فإِنَّهُ لا يدري أينَ باتتْ يدُهُ".

ص: 393

قوله: "باب سنن الوضوء"، ليس مرادُه بسنن الوضوء ذِكْرَ السُّنَنِ في هذا الباب دون الفرائض، بل يذكر السُّنَنَ والفرائض جميعًا في هذا الباب، وإنما مراده: بيانُ أفعال رسول الله عليه السلام في الوضوء من الفرائض والسنن.

ويقال لأفعال رسول الله وأقوالهِ: سُننٌ، فرضًا كان أو سنة، وقولهم: جاء في السنة كذا؛ أي: في الحديث كذا.

"فلا يَغْمِسْ"، أي: فلا يُدْخِلْ يده في ماء الإناء، وهذا نهيُ تنزيهٍ لا نهيُ تحريم، بل لو أدخلَ يدَه في الإناء ولم يتيقَّنْ نجاسةَ يدِه لا يصير الماء نَجِسًا.

قوله: "لا يدري أين باتت يده؟ "، باتَ الرجلُ: إذا أقام في الليل بمكانٍ، أو فعل فِعلًا في الليل، يعني: لا يدري أين وصلت يده؟ لعلَّ يدَه وصلتْ إلى نجاسةٍ وهو نائم أو يقظانْ، ولكن يَنْسَى ذلك إذا انتبهَ من النوم، مثل أن يقتُلَ الرجلُ بُرْغُوثًا أو قَمْلًا بيده، أو مسَّ رَأْسَ ذَكَرِه، وكان رَأْسُ ذَكَرِه نَجِسًا بخروج مَذْيٍ، أو استنجى بالحَجَر، وعَرِقَ ووصَلَتْ يدُه إلى رأس ذَكَرِه أو دُبُرِه في حال الرطوبة.

* * *

266 -

وقال: "إذا استيقظَ أحدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فتوضَّأَ فلْيَسْتَنْثِر ثلاثًا، فإنَّ الشيطانَ يَبيتُ على خَيْشومِه"، رواه أبو هريرة.

قوله: "فليستنثر"، أي: فليغسِلْ داخلَ أنفه.

"فإن الشيطان يبيت على خيشومه"، (الخيشوم): باطنُ الأنفِ، يعني: إذا كان الرجلُ يقظانَ يوسوسه الشيطانُ، ويأمره بالسوء من كلِّ طريق، ويوقعُ في قلبه الوَسْوَسة، فإذا نام الرجلُ عَلِمَ الشيطانُ أنه لا يمكنه وسوسةٌ؛ لأنه زالَ بالنوم إحساسُه، ورُفِعَ عنه بالنوم قَلَمُ التكليف، فيبيت الشيطان في داخل أنفه؛

ص: 394

ليلقيَ في دماغه الرؤيا الفاسدة، ويمنعَه عن الرؤيا الصالحة؛ لأن محلَّ الرؤيا الدماغ، وكثيرٌ من الناس قد يَضِلُّ ويقعُ في الفتنة بالرؤيا الفاسدة، مثل أن يريَه الشيطان ويقول له: إنك نبيٌّ، أو إنك وليٌّ، أو أمرَه بشيءٍ لم يكن شرعيًا، أو نهاه عن شيءٍ هو شرعي.

فأمر النبي عليه السلام أمتَه أنَّ يغسِلُوا داخلَ أنوفهم؛ لإزالة لَوْثِ الشيطان ونَتْنهِ منها، وطريقُ دفع الرؤيا الفاسدة أن يضطجع الرجل بالوضوء على جنبه الأيمن، ويذكرَ اسم الله تعالى، ويقرأَ القرآن حتى يدركَه النوم، فإذا نام كذلك لا يقربُه الشيطانُ حتى يستيقظ.

* * *

267 -

وقيل لعبد الله بن زَيد بن عاصِم: كيفَ كانَ يتوضَّأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فدعا بوَضُوءٍ، فأفرغَ على يدِهِ اليُمْنَى، فغسَلَ يدَيْهِ مرَّتين مرتين، ثم مَضْمَضَ واسْتَنْثَرَ ثلاثًا، ثمَّ غَسلَ وجهَهُ ثلاثًا، ثمَّ غَسلَ يديهِ مرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إلى المِرْفَقَيْنِ، ثمَّ مسَحَ رأسَهُ بِيَدَيْهِ، فأقبَلَ بهما وأدبَرَ، بدأ بمُقدَّمِ رَأْسِهِ ثمَّ ذهبَ بهما إلى قَفَاهُ، ثمَّ ردَّهُمَا حتى رجعَ إلى المكانِ الذي بدأَ منهُ، ثم غَسلَ رِجلَيْهِ، وفي روايةٍ: فمضمَض واستنشَقَ ثلاثًا بثلاثِ غَرَفَاتٍ مِنْ ماء، وفي روايةٍ: مضمَضَ واستنشقَ مِنْ كفٍّ واحدةٍ، فعلَ ذلكَ ثلاثًا، وقال: مسحَ رأسَهُ فأقبلَ بهما وأدبرَ مرةً واحدةً، ثُمَّ غَسلَ رِجلَيْهِ إلى الكَعْبَيْنِ، وفي روايةٍ: فمَضْمضَ واسْتَنْثَرَ ثلاثَ مرَّاتٍ مِنْ غرفةٍ واحدةٍ.

قوله: "فدعا بوَضوء"، الوَضُوء بفتح الواو: الماءُ الذي يُتوضَّأُ به.

"أَفْرَغَ"، أي: صبَّ الماءَ.

"فأَقبلَ بهما وأَدْبَرَ"، أي: وضع كفيه وأصابعَه عند جبهته، وأمرَّهما على رأسه حتى وصل إلى قفاه، ثم ردَّهما حتى وصل إلى جبهته.

ص: 395

الغَرَفَات: جمع غَرْفَة، والغَرْفَة بفتح الغين: مصدرٌ بمعنى مرة واحدة مِن (غَرَفَ) إذا أخذ الماءَ بالكفِّ.

والغُرْفَةُ بضم الغَين: الاسمُ، وهي ملء كفٍّ من الماء.

قوله: "تمَضْمَضَ واستنشَقَ ثلاثًا"، بثلاث غَرَفَات، يعني: أخذ غَرْفَةً، وجعلَ بعضَه في فمه، وبعضَه في أنفه، وكذلك فعلَ في الغَرْفَة الثانية والثالثة.

قوله: "فمَضْمَضَ واستنشقَ من كفٍّ واحدةٍ ففعلَ ذلك ثلاثًا"، يعني: أخذ غَرْفةً واحدةً، وجعل بعضَه في فمه، وبعضَه في أنفه، ثم جعلَ ثانيًا وثالثًا، كلُّ ذلك من كفٍّ واحدة، والرواية التي بعدَ هذا مثلُ هذا، إلا أنهما اختلفا في اللفظ.

"عبد الله بن زيد بن عاصم" بن كعب بن عوف الأنصاري.

* * *

268 -

رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال: توضَّأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً مَرَّةً.

269 -

وعن عبد الله بن زيد: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم توضَّأَ مرَّتينِ مرَّتين.

270 -

وروي عن عثمان رضي الله عنه: أنَّهُ توضَّأَ ثلاثًا ثلاثًا.

قوله: "مَرَّةً مَرَّةً"، يعني: غَسَلَ كلَّ عُضْوٍ مَرَّةً واحدةً، ومَسَحَ برأسه مَرَّةً واحدة، هذا هو أقلُّ الوضوء، والمرَّتان أفضلُ، والثلاث هو الأكمل، وقد فعل رسول الله كلَّ ذلك؛ ليبيَّنَ لأمته؛ أنَّ: جميعَ ذلك جائز، فمَنْ فعلَ الأكملَ يكونُ ثوابُه أكثرَ.

* * *

ص: 396

271 -

وقال عبد الله بن عمرو: رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم قومًا توضَّؤُوا وأعقابُهُمْ تَلُوحُ لم يمسَّهَا الماءُ فقال: "ويلٌ للأَعقابِ مِنَ النَّارِ، أَسبِغُوا الوُضُوء".

قوله: "وأَعْقابُهُم تَلُوحُ"، الواو في (وأعقابهم) للحال.

والأعقاب: جمع عَقِب، وهو خَلْف القدم.

(تلوح)؛ أي: تظهرُ يُبُوسَتُها، لم يصلْ إليها الماء.

"فقال رسول الله عليه السلام: ويلٌ للأعقابِ من النَّار"، يعني: تصلُ النارُ المواضعَ التي لم يَصِلْ إليها الماءُ من مواضعِ الوضوءِ إذا كان إيصالُ الماءِ إليها فَرْضًا.

"أسبِغُوا"، أي؛ أَتِمُّوا.

* * *

272 -

وقال المُغيرة بن شُعبة رضي الله عنه: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم توضَّأَ، فمَسحَ بناصيَتِهِ وعلى عِمَامَتِهِ وخُفَّيْهِ.

قوله: "فمسحَ بناصِيِتهِ"، اعلم أن مسحَ جميعِ الرأس فرضٌ عند مالك، بدليل قوله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6].

وعند أبي حنيفة: مسحُ قَدْرِ الناصيةِ فرضٌ بدليل هذا الحديث.

وعند الشافعي: فلو مسحَ على ثلاث شعرات، وفي قولٍ: على شَعْرَةٍ واحدة لأَجزَأَهُ؛ لأن الباءَ في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} للتبعيض، والقليلُ بعضٌ كالكثير.

وإنما مسح رسول الله عليه السلام على العِمَامة؛ لتكميلِ المَسْح، فكما أن المَسْحَ على الخُفَّين يقومُ مَقامَ غَسْل الرجلين، فكذلك المسحُ على العِمامة يقوم مَقام

ص: 397

المسحِ على الرأس في تكميل المَسْح، لا في قَدْرِ الفَرْض؛ لأن مَسْحَ الرأسِ بقدْرِ الفَرْضِ سهلٌ لا مشقةَ في كشفه من العِمَامة، بخلافِ كشف الرِّجْلِ من الخُفِّ.

"المغيرة بن شعبة" بن أبي عامر بن مسعود بن معتب الثقفي.

* * *

273 -

وقالت عائشة رضي الله عنها: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُحبُّ التَّيَمُّنَ ما استطاعَ في شأْنِهِ كُلِّهِ: في طُهُورِهِ، وتَرَجُّلِهِ، وتَنَعُّلِهِ.

قوله: "يُحبُّ التيمُّنَ"، (التيمُّنُ): الابتداء باليمنى.

"في شَأْنه"، أي؛ في أمره، (الشأن): الأمر.

"في طُهُوره"، أي: في وضوئه، يعني: يغسِلُ أولًا يدَه اليمنى ورجلَه اليمنى قبل اليسرى.

"وتَرَجُّلِه"، (التَّرَجُّلُ): امتشاطُ الرأس، وهو استعمالُ المِشْطِ في الرأس، يعني: يتمشَّطُ الجانبَ الأيمنَ من رأسه قبل اليسار.

و (التَّنَعُّلُ): لُبْسُ النَّعْلَين، يعني: يدخل رِجْلَه اليمنى في النَّعْلِ قَبْلَ اليُسْرى.

* * *

مِنَ الحِسَان:

274 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا لَبِسْتُمْ وإذا توضَّأْتُمْ فابْدَؤُا بأَيمانكم".

قوله: "فابدَؤُوا بأيامِنِكُم"، (الأَيامِنُ): جمع الأيمن، وهو بمعنى اليمين، والمَيامِنُ: جمع المَيْمَن، وهو بمعنى اليمين أيضًا، وفي رواية:"ميامنكم".

* * *

ص: 398

275 -

وعن سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسمَ الله عليهِ".

قوله: "لا وضوءَ"، يعني: لا وضوءَ كاملًا لمن لم يَذْكُرِ اسمَ الله عند التوضُّؤ، و (لا) لنفي الكمال عند أكثرِ العلماء.

وقال بعضهم: بَطَلَ وضوؤُه.

وقال إسحاق بن رَاهَوَيه: إنَّ مَنْ تَرَك التسميةَ عامدًا بطلَ وضوؤه، وإن تركَها ناسيًا لم يَبْطُلْ.

وأبو "نفيل": عبد العُزَّى القرشي.

* * *

276 -

وقال لَقيط بن صَبِرة: قلت: يا رسولَ الله! أخبِرْنِي عن الوُضُوءِ، قال:"أسْبغِ الوُضُوءَ، وخَلِّلْ بينَ الأَصابعِ، وبالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إلَّا أن تكونَ صائمًا".

قوله: "أَسْبغِ الوُضوءَ"، فإن قيل: هذا الجواب لا يناسِبُ ظاهرَ السؤال؛ لأنه عليه السلام لم يعلِّمْه كيفيةَ التوضُّؤ، وهو سأل عن الوُضوء؟.

الجواب: أنه سألَ عن بعض سُنَن الوضوء أو كمالِه لا عن أصلِ الوضوء، فإنه يعرِفُ الوضوء.

وقوله: "ثم أَسْبَغِ الوُضوءَ"، يعني: لا تتركْ شيئًا من فرائضه وسُننه، وتخليلُ الأصابعِ سُنَّةٌ، إن وصل الماءُ بين الأصابع عند غَسْلِ الرِّجْلَين، وإن لم يصل فتخليلُها واجبٌ، والمبالغةُ في الوضوء سنة، وهو أن يوصِلَ الماءَ في المضمضة إلى الحَلْق، وفي الاستنشاق إلى باطن الأنف، ويجرَّه إلى أقصى الأنف، إلا أن يكون صائمًا فلا يبالغ كيلا يصلَ الماءُ في بطنه، ويبطل صومه.

ص: 399

"لَقِيط بن صَبرة"، وقيل: بل: لَقِيطُ بن عامر بن صَبرة بن عبد الله بن المُنْتَفِق.

* * *

278 -

وقال المُسْتَوْرِدُ بن شدَّاد: رأَيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا توضَّأَ يَدْلُكُ أصابعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ.

قوله: "يَدْلُكُ أصابعَ رِجْلَيه"، أي: يُخَلِّلُها.

"بخِنْصَره"، أي: بخِنْصَرِه اليسرى.

فالسُّنَّةُ تخليلُ الأصابعِ بخِنْصَر اليدِ اليسرى، يبدأ برجلِه اليمنى من الخِنْصَر إلى الإبهام، وبرِجْلِه اليسرى من الإبهام إلى الخِنْصَر.

المُسْتَوْرِد بن شدَّاد بن عُمَر الفِهْري القرشي.

* * *

279 -

وقال أنس: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا توضَّأ أخذَ كفًّا مِنْ ماءٍ فأَدخَلَهُ تحتَ حَنَكِهِ، فخلَّلَ بِهِ لحيتَهُ، وقال:"هكذا أمرَنِي ربِّي".

قوله: "تحت حَنَكِه"، أي: تحتَ لِحْيته، يعني: إذا غسلَ وجهَه أخذَ كَفَّ ماء، وخلَّل به شعر لحيتهِ من جانب حَلقه؛ ليصلَ الماءُ إلى كل جانبٍ من اللحية، ويفعل هذا وقتَ غَسْلِ وجهه؛ لأنه من كمال غَسْلِ الوجْهِ، لا بعد الفراغ من الوضوء كما ظنه قومٌ.

* * *

280 -

وعن عثمان رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُخلِّلُ لِحْيَتَهُ.

ص: 400

قوله: "عن عثمان

" إلى آخره، معناه ظاهر.

* * *

281 -

عن أبي حَيَّة رضي الله عنه قال: رأيتُ عليًّا رضي الله عنه توضَّأَ فغسلَ كفَّيْهِ حتَّى أنقاهُما، ثمَّ مَضْمَضَ ثلاثًا، واستنشَقَ ثلاثًا، وغسلَ وجهَهُ ثلاثًا، وذِرَاعَيْهِ ثلاثًا، ومسحَ برأْسِهِ مَرَّةً، ثمَّ غسلَ قَدَمَيْهِ إلى الكعبَيْنِ، ثمَّ قامَ، فأخذَ فَضْلَ طَهُورِهِ فشَرِبَهُ وهو قائمٌ، ثم قال: أَحبَبْتُ أنْ أُرِيَكُمْ كيفَ كانَ طُهُورُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ويُروى: فمضمضَ واستنْشَقَ ونَثَرَ بيَدِهِ اليُسرى، فعلَ ذلك ثلاثًا، ويُروى: ثم تضمضَ واستنْشَقَ بكفٍّ واحدةٍ ثلاثَ مرات.

قوله: "حتى أنقاهما"، أي: حتى أزال الوَسَخ من كفيه.

(الإنقاء): التطهير.

"وذراعيه"، يعني: ويديه من رؤوس الأصابع إلى المِرْفَقين.

"فَضْلَ طَهُورِه"، بفتح الطاء، يعني: بقية الماء الذي توضَّأَ به، وعِلَّةُ شُرْبِ فَضْل الطَّهُور: أنه ما يُؤَدَّى منه عبادة، وهي الوضوء، فيكونُ فيه بركةٌ، وما فيه بركةٌ يَحْسُنُ شُرْبُه، وأما شُرْبُه من القيام قد يكون لتعليم الناسِ أن الشُّرْبَ قائمًا جائزٌ وليس بحرام.

وقد جاء أحاديثُ تدلُّ على نَهْيِ الشُّرْب من القيام.

ويأتي بحث هذا في بابه إن شاء الله تعالى.

"كيف كان طُهُوُر رسولِ الله عليه السلام"، بضم الطاء: وهو التوضُّؤ.

و"أبو حية" بالياء المنقوطة بنقطتين من تحتُ، وهو ابن قيس الوَدَاعِيُّ الهَمْدَانيُّ، الهَمْدان: اسم قبيلةٍ من اليمن.

* * *

ص: 401

283 -

عن ابن عباس: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مسحَ برأسِهِ وأُذُنَيْهِ باطِنِهِمَا بالسَّبَّابَتَيْنِ، وظاهِرِهما بإبهامَيْهِ.

قوله: "باطِنِهما بالسَّبَّابتين"، باطنُ الأذن: الطرفُ الذي فيه الثُّقْبة، وظاهره: الطَّرَفُ الذي يَلِي الرَّأْسَ.

و (السَّبَّابتين): بمعنى المُسَبِّحَتَين.

عند الشافعي رضي الله عنه: يمسَحُ الأذن بماءٍ جديدٍ، لا بالماء الذي مَسَحَ به الرأسَ.

وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: يمسحُ الأذنين مع الرأس بماءٍ واحد.

* * *

284 -

وعن الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ: أنَّها رأَت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يتوَضَّأُ، قالت: ومسَحَ رأْسَهُ ما أقبلَ مِنْهُ وما أدْبَرَ، وصُدْغَيْهِ، وأُذُنَيْهِ مَرَّةً واحِدةً، وقالت: وأَدخلَ أُصْبُعَيْهِ في جُحْرَيْ أُذُنَيْهِ.

قوله: "وصُدْغَيه"، (الصُّدْغُ): الشَّعْرُ الذي بين الأذن وبين الناصية من كلِّ جانبٍ من جانبي الرأس، (جُحْرُ) الأذنِ وصماخُه: ثُقْبةٌ مفتوحة إلى الدماغ.

"الرُّبَيِّع بنت معوذ" بن الحارث بن رِفَاعة بن النَّجَّار.

* * *

285 -

وعن عبد الله بن زَيد: أنَّه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم توضَّأَ، وأنَّه مسحَ رأسَهُ بماءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ.

قوله: "بماء غيرِ فَضْلِ يديه"، يعني: مسحَ رأسَه بماءٍ جديد، لا بالماءِ الذي بقيَ على يديه من غَسْلِ اليدين؛ لأن ذلك الماء مستعمَلٌ.

وهذا الحديث منقول في "صحيح المسلم"، فينبغي أن يكون من الصحاح،

ص: 402

فلعلَّ المصنف رحمه الله لم يشعرْ كونَه في صحيح مسلم، ووجده في "صحيح الترمذي" فجعله من الحِسَان.

واعلم أن عبد الله بن زيد حيث أتى ذكرُه في كتاب "المصابيح" فهو: عبد الله بن زيد بن عاصم، إلا في (حديث الأذان)؛ فإنه عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الخَزْرَجِي.

* * *

286 -

عن أبي أُمامة، ذكرَ وُضوءَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يمسحُ المَأْقَيْن، قال: وقال: "الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأسِ"، وقيل: هذا من قول أبي أُمامة.

قوله: "يمسح المَأْقَيْنِ"، (المَأْقُ): طَرَفُ العَيْنِ من جانب الأيمن، يعني: ذكرَ صفة وضوء رسول الله عليه السلام، وذكرَ من جملتها أنه عليه السلام يمسَحُ المَأْقين؛ أي: ينقِّيهما ويغسِلُها من الغَمَص، وهو قُبْح العين.

قوله: "قال: الأذنان من الرأس"، يعني: قال أبو أُمَامة: إن رسول الله عليه السلام قال: "الأذنان من الرأس"، يعني: يجوز مسحُ الأذنين مع مسح الرأس بماءٍ واحد، وهو مذهبُ أبي حنيفة ومالك وأحمد رضي الله عنهم.

وقال الشافعي: تُمسَحُ الأذنان بماء جديد، لا بالماء الذي مُسِحَ به الرأسُ.

* * *

287 -

وعن عمْرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده: أنَّ أعرابيًّا سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الوُضُوءِ، فأَراهُ ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال:"هكذا الوُضُوءُ، فمنْ زادَ على هذا فقدْ أَساءَ وتعدَّى وظلَمَ".

قوله: "أراه" الوضوء.

ص: 403

"ثلاثًا ثلاثًا"، يعني: غسلَ كلَّ عضوٍ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء بترْكِ الأدب بمخالفة رسول الله عليه السلام.

"وتعدَّى"، أي: جاوز الحد المحدود، وهو التوضؤ ثلاثًا ثلاثًا.

"وظلم"، أي: وظلمَ نفسَه لمخالفةِ رسول الله عليه السلام، أو لأنه أتعبَ نفسَه فيما زاد على الثلاث من غير حُصُولِ ثوابٍ له، أو لأنه أتلفَ الماءَ بلا فائدة.

* * *

288 -

عن عبد الله بن المُغَفَّل رضي الله عنه: أنَّه سمعَ ابنهُ يقولُ: اللهمَّ إنَّي أسألُكَ القَصْرَ الأبيضَ عَنْ يمينِ الجنَّةِ، قال: أيْ بنيَّ، سَلِ الله الجنَّةَ، وتعوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ، فإنَّي سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إنه سيكونُ في هذه الأُمَّةِ قوْمٌ يعتدونَ في الطُّهُورِ والدُّعاءِ".

قوله: "يَعْتَدُونَ في الدُّعاء والطَّهور"، معنى الحديث: أن ابن عبدِ الله بن مُغَفَّل بلغَه أنَّ عن يمين الجنةِ قصرًا أبيضَ فقال: اللهم إني أسألك القصرَ الأبيض، فقال له أبوه: أيْ بني! يعني: يا بني، لا تسألْ شيئًا معيَّنًا من الجنة؛ لأنه ربما يكونُ ذلك الشيءُ مقدَّرًا في تقدير الله لشخصٍ مُعيَّن غيرِك، فحينئذ سألتَ ما ليس لك، ومن سأل شيئًا ليس له فقد تعدَّى في الدعاء؛ لأنه طلبَ شيئًا ليس له، ومن سألَ شيئًا أكثرَ من قَدْره، أو سألَ شيئًا ليس له إليه حاجةٌ فقد تعدَّى في الدعاء.

وأما التعدِّي في الطَّهور: فهو أن يغسِلَ الأعضاءَ أكثرَ من ثلاثِ مرَّات، أو أسرفَ في إراقةِ الماءِ في الاستنجاء والوضوء والغُسْل.

* * *

ص: 404

289 -

وعن أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إنَّ للوُضُوءِ شيطانًا يُقالُ له: الوَلْهَانُ، فاتَّقُوا وَسْوَاسَ الماءِ" ضعيف.

قوله: "يقال له: الوَلْهَان"، بفتح الواو واللام: مصدر من وَلِهَ - بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر -: إذا تحيَّرَ من غاية العِشْقِ بشيءٍ، يعني: وكَّلَ إبليسُ شيطانًا بإيقاع الوسوسة في الوضوء، يقول للمتوضِّيء: لم يَصِل الماءُ إلى هذا العُضْو، زدْ مرةً أُخرى، حتى يحملَه على غَسْلِ الأعضاء أربعَ مرات وأكثر؛ ليوقعَه في البدعة؛ لأن استعمالَ الماءِ أكثرَ من ثلاث مراتٍ بدعةٌ، فأمر النبي عليه السلام أمتَه أن يحذَرُوا من الوَسْوَسة والإسرافِ في استعمال الماء.

وسمِّيَ هذا الشيطان وَلْهانًا؛ لإلقاء الناس في التحيُّر حتى لم يعلموا هل وصل الماء في أعضاء الوضوء والغسل، أو لم يصل؟ وهل غسل مرة أو مرتين أو ثلاثًا أو أكثر؟

كنية "أُبَيِّ بن كعب": أبو المنذر، وجدُّه: قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية ابن عمرو.

* * *

290 -

عن مُعاذ بن جَبلٍ قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا توضَّأَ مسحَ وجهَهُ بطَرَفِ ثَوْبِهِ. غريب.

قوله: "مسح وجهه بطرف ثوبه"، يعني: نَشَّفَ أعضاءَه بعد الوضوء، وفي تنشيف الأعضاء بعد الوضوء وجهان:

أحدهما: أن السنة ألَاّ يُنشِّفَ أعضاءَه بعد الوضوء؛ لحديث ميمونة في (باب الغسل).

والثاني: أن السنة أن ينشِّفَ الأعضاءَ بدليل هذا الحديث، والذي بعدَه.

ص: 405