المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌9 - باب تطهير النجاسات - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ١

[مظهر الدين الزيداني]

الفصل: ‌9 - باب تطهير النجاسات

‌9 - باب تَطْهير النَّجاسات

(باب تطهير النجاسات)

مِنَ الصِّحَاحِ:

338 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شرِبَ الكلْبُ في إناءِ أحدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا".

قوله: "إذا شرب الكلب" بَحْثُ هذا الحديثِ يأتي في الذي بعده.

* * *

339 -

وقال: "طُهُورُ إناءِ أحدِكُمْ إذا وَلَغَ فيهِ الكلبُ أنْ يغسلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاهُنَّ بالتُّرابِ"، رواه أبو هريرة رضي الله عنه.

قوله: "طهور إناء أحدكم"، (الطهور) بضم الطاء، بمعنى التطهير أو الطهارة.

"إذا ولغ"؛ أي: إذا أدخل فيه الكلب فمه.

"أولاهن بالتراب"؛ يعني: يكون الماء الأول مكدَّرًا (1) بالتراب، وفي حديثٍ آخر:"أولاهن أو أخراهن" فيجب استعمال التراب في مرةٍ من السبعة أيَّةِ مرةٍ كانت.

وعلةُ جَعْلِ التراب في الماء: أن التراب طهورٌ في التيمم، والماء طهور، فيجب استعمال الطهورين في ولوغ الكلب؛ لكون نجاسته أغلظَ النجاسات.

ومذهب أبي حنيفة: أن ولوغ الكلب كسائر النجاسات، لا حاجةَ إلى عدد السبع، ولا إلى استعمال التراب فيه.

وعند مالك: يغسل سبعًا من غير تراب، دليله الحديث الذي قبل هذا

(1) في "ت" و"ش": "مكررًا".

ص: 434

الحديث؛ لأنه لا يذكر فيه التراب.

* * *

340 -

وقال أبو هريرة: قامَ أعرابيٌ، فبالَ في المَسْجد، فتناوَلَهُ النَّاسُ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"دَعُوهُ، وأهريقُوا على بَولِهِ سَجْلًا - أَوْ ذَنُوبًا - مِنْ ماءٍ، فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرينَ، ولم تُبْعَثُوا مُعَسِّرين".

ويُروى: أنَّه دَعاهُ فقال: "إنَّ هذهِ المساجِدَ لا تَصْلُحُ لشيءٍ مِنْ هذا البَوْلِ ولا القَذَرِ، وإنَّما هِيَ لِذِكْرِ الله، والصَّلاةِ، وقِراءَةِ القُرآن"، أو كما قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: "فتناوله الناس"؛ أي: فأخذه الناس ليضربوه.

"دعوه": أي: اتركوه ولا تضربوه ولا تشتموه، فإنه معذورٌ؛ لأنه لم يعلم أن البول في المسجد لا يجوز.

"وأهريقوا"؛ أي: صبُّوا.

"السَّجْل": الدلو الذي فيه الماء قلَّ أو كثر، و"الذَّنوب": الدلو الملآن.

و (أو) في قوله: "أو ذنوبًا" يحتمل أن تكون للشك من الراوي، ويحتمل أن تكون للتخيير؛ يعني: خيَّرهم النبي عليه السلام بين أن يُهريقوا فيه سَجْلًا غيرَ ملآن، أو ذنوبًا ملآن.

و"من ماء" تأكيدٌ وليس بتبيينٍ؛ لأن السَّجْلَ والذَّنوب لا يكونان إلا من الماء.

وهذا دليل على أن الأرض تطهر بإراقة الماء عليها.

وقال أبو حنيفة: لا تطهر حتى يحفر ذلك التراب، فإن وقع عليها الشمس طهر عنده من غير حفرٍ وصبِّ ماء.

ص: 435

قوله: "بعثتم ميسِّرين"، (التيسير): التسهيل؛ يعني: أُمرتم باللطف والرحمة على الناس، وترك إيذائهم.

"التعسير": ضد التيسير.

"لا تصلح": أي: لا يليق، ولا يجوز.

"القذر": ما يَنفر ويَتقذَّر منه الطبع، كالنجاسات والأشياء المنتنة.

قوله: "أو كما قال رسول الله عليه السلام"؛ يعني: شك الراوي أن رسول الله عليه السلام قال هذه الكلمات، أو قال شيئًا آخر.

* * *

341 -

قالت أسماءُ بنت أبي بكر رضي الله عنها: سأَلَتِ امرأَةٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: أرأَيْتَ إحدانا إذا أصابَ ثَوْبَها الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ؟ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أصابَ ثَوْبَ إِحْداكُنَّ الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ، ثمَّ لتَنْضَحْهُ بماءٍ، ثمَّ تُصلِّي فيه".

وفي روايةٍ: "حُتِّيه، ثم اقْرُصيهِ، ثم اغسِليهِ بالماء".

وفي روايةٍ: "ثُمَّ رُشِّيهِ بالماءِ، وصلِّي فيه".

قولها: "أرأيت إحدانا": أي: أَخبِرْنا عن حكم إصابة دم الحيضة ثوبَ إحدانا، و (الحيضة): الحيض.

قوله: "فلتقرصه": فلتَمْسَحْه بيدها مسحًا شديدًا قبل الغَسْلِ حتى تنقيته.

"ثم لتنضحه"؛ أي: ثم لتغسله، (النضح) هنا: صبُّ الماء.

"ثم تصلي فيه"؛ يعني: إذا غسلته وبقي أثره فلا بأس؛ لأن إزالة لون الدم متعسِّر.

* * *

ص: 436

342 -

عن سُليمان بن يَسار قال: سألتُ عائشةَ عن المَنيِّ يُصيبُ الثَّوبَ، فقالت: كنتُ أغسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فيخرُجُ إلى الصَّلاةِ وأثَرُ الغَسْلِ في ثَوْبِهِ.

343 -

وعن عَلقمة والأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنتُ أفرُكُ المنيَّ مِنْ ثَوْبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ يُصَلِّي فيه.

قوله: "عن المني" اعلم أن المنيَّ طاهرٌ عند الشافعي وأحمد، ونجسٌ عند مالكٍ، وأما عند أبي حنيفة: يغسل ما دام رطبًا، فإذا يبس جاز فركُه من غير غَسْلٍ.

والفرك: الدَّلكُ والمسحُ حتى يذهب أثره وغبارُه من الثوب.

* * *

344 -

عن أُمِّ قَيْس بنت مِحْصَن رضي الله عنها: أنَّها أتتْ بابن لها صغيرٍ لَمْ يأكُل الطَّعامَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأجْلَسَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حَجْرِهِ، فبالَ على ثَوْبِهِ، فدعا بماءٍ فنضَحَهُ ولم يَغْسِلْهُ.

قوله: "فدعا بماء فنضحه ولم يغسله": اعلم أن الصبي الذي لم يَطْعَم غيرَ اللبن اختُلف في غسل بوله:

فمذهب أبي حنيفة رحمه الله أن يُغسل كسائر النجاسات.

ومذهب الشافعي: أن يُرشَّ عليه بحيث أن يغلب الماء على البول؛ لأن لفظ الحديث هو الرشُّ كما يأتي بعد هذا.

والمراد بالرش: إيصالُ الماء إلى جميع موضعِ البول بحيث يكون الماء أكثر من البول.

ص: 437

قيل في حدِّه: ليكن الماء مِثْلَي البول، ولا يشترطُ سيلان الماء من ذلك الموضع، ولا تقاطُره، وإذا رُشَّ الماء على ذلك الموضع على هذه الصفة طهُر ذلك الثوب برخصة الشارع، وعُفي عن البول الباقي في ذلك الموضع، بخلافِ بول الصبيَّة، فإن لبولها لُزوجةٌ، فيُحتاج في غسل بولها إلى دلكٍ وعصرٍ.

"أم القيس" اسم جدِّها: حرثان، وهي أخت عكاشة بن محصن، وهي أسدية.

* * *

345 -

وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دُبغَ الإِهابُ فقدْ طَهُرَ".

قوله: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر"، (الإهاب): الجلد، يعني: إذا دُبغ جلد الميتة طهُر، إلا جلد الكلب والخنزير.

وعند أبي حنيفة: يطهر جلدُ الكلب أيضًا.

* * *

346 -

وقال عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما: تُصُدِّقَ على مَولاةٍ لمَيْمُونةَ بشاةٍ، فماتَتْ، فَمَرَّ بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال:"هَلَاّ أَخَذْتُمْ إِهابَهَا فدبَغْتُمُوهُ فانتفَعْتُمْ بهِ؟ "، فقالوا: إنَّها مَيْتَةٌ، فقال:"إنَّما حَرُمَ أكْلُها".

قوله: "تُصُدِّقَ"؛ أي: دُفعت صدقةٌ إلى عتيقةٍ لميمونة.

قوله: "وإنما حَرُم أكلها"؛ يعني: إنما حرم من الميتة أكلُها ونَجُسَ لحمُها، وأما جلدها فيجوز دباغته، ويطهر بالدباغة.

* * *

347 -

وقالت سَوْدَة رضي الله عنها زَوجُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ماتَتْ لنا شاةٌ، فَدَبَغْنَا

ص: 438

مَسْكَها، ثم ما زِلْنَا نَنبذُ فيهِ حتَّى صارَ شَنًّا.

قوله: "سودة زوج النبي عليه السلام: ماتت لنا شاة

" إلى آخره، الزوج والزوجة واحدٌ.

"المَسك" بفتح الميم: الجلد.

"ما زلنا ننبذ"؛ أي: نشرب منه الماء، وإنما قالت:(ننبذ فيه)؛ لأنهم كانوا ينبذون في الماء التمرَ وغيرَه ليحلوَ.

وفي هذا بيانُ طهارة الجلد المدبوغ.

"حتى صار شنًا"؛ أي: حتى صار خَلَقًا بحيث لا يمكن استعماله، من الخُلوقة.

"سودة" اسمُ أبيها: زمعةُ بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودٍّ.

* * *

مِنَ الحِسَان:

348 -

عن لُبابة بنت الحارِث قالت: كانَ الحُسَيْنُ بن عليٍّ رضي الله عنهما في حَجْرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَبَالَ، فقلتُ: أعْطِنِي إزارَكَ حتَّى أغسِلَهُ، قال:"إنَّما يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الأُنثى، ويُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ".

وفي روايةٍ: "يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الجاريَةِ، ويُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الغُلامِ".

قوله: "عن لبابة" تقدم بحثُ حديثها.

و"لبابة": أم عبد الله بن عباس، واسم جدها: حَزْنُ بن بجير بن الهزم، وهي أخت ميمونة.

* * *

349 -

وقال: "إذا وَطِئَ بنعْلِهِ أحدُكُم الأَذَى فإن التُّرابَ لهُ طَهُورٌ".

ص: 439

قوله: "وطئ"؛ أي: ضرب ومسح الأذى النجاسة.

ذهب الأوزاعي وأبو ثور: أن النعل والخفَّ إذا أصابتهما نجاسةٌ رطبةٌ، ومسحهما على الأرض حتى يذهب أثرها، جازت الصلاة بهما.

وذهب الشافعي: إلى أن النجاسة لا يزيلها إلا الماء، وتأويل الحديث عنده: أن الرجل إذا مشى على نجاسة يابسة، فأصاب النعلُ غبار النجاسة اليابسة، ثم مشى على مكان طاهرٍ، يَطْهُر نعله؛ لزوال غبار النجاسة بمشيه على مكان طاهر.

وعند أبي حنيفة: إذا جفَّت النجاسة بالنعل أو الخف، فمسَحَه على الأرض، جازت صلاته، وإن كانت النجاسة رطبةً لم تجز.

* * *

351 -

عن المِقْدَامِ بن مَعْدِ يْكَرِب رضي الله عنه قال: نَهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ جُلودِ السِّباعِ والرُّكوبِ عليها.

قوله: "نهى رسول الله عليه السلام عن لبس جلود السباع والركوب عليها" هذا النهي يحتمل وجوهًا:

أحدها: أن يكون قبل الدباغ فيكون نجسًا، ولبسُ النجس والركوبُ عليه لا يجوز.

والثاني: أن يكون بعد الدباغ، ولكن الظاهر كونُ الشعر على جلود السباع يُدبغ مع الشعر (1)، والشعر لا يطهر بالدباغ؛ لأن الدباغ لا يغيِّر الشعر عن حاله، ولا يؤثِّر فيه، فإذا كان كذلك يكون نجسًا، فالنهي على هذين الوجهين نهيُ تحريمٍ، وفي وجهِ يَطْهُر الشعر بالدباغ تبعًا للجلد.

(1) كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب:"الجلد".

ص: 440

والوجه الثالث: أن لبس جلود السباع والركوب عليها من فعل السلاطين، وفيه تكبُّرٌ وزينة، ولا يليق هذا بالصلحاء، فإذا كان النهي لأجل ترك التكبر والخيلاء يكون النهي نهيَ تنزيهٍ إذا قلنا: يطهر الشعر بالدباغ، أو كان جلدًا لم يكن عليه شعر.

* * *

352 -

وعن أبي المَليح عن أبيه رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن جُلُودِ السِّباعِ أنْ تُفْتَرشَ.

قوله: "عن أبي المليح عن أبيه: أن النبي عليه السلام نهى عن جلود السباع أن تفترش": أي: تبسط ويجلس عليها.

و"أبو المليح" بفتح الميم وكسر اللام: اسمه عامر، واسم أبيه: أسامة بن عمير الهذلي.

* * *

353 -

ورُوي عن أبي المَليح رضي الله عنه: أنَّهُ كَرِهَ ثَمنَ جُلُودِ السِّباعِ.

قوله: "أنه كره ثمن جلود السباع"؛ يعني: أن رسول الله عليه السلام كره بيع جلود السباع وشراءها، وذلك قبل الدباغ؛ لكونها نجسة قبل الدباغ، وأما بعد الدباغ فيجوز.

* * *

354 -

وعن عبد الله بن عُكَيْم قال: أتانا كتابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: "أنْ لا تَنْتَفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بإِهابٍ ولا عَصَبٍ".

قيل: هذا فيما لم يُدبغ لِمَا رُوي:

ص: 441