الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التميمي، والله أعلم.
* * *
13 - باب الحيض
(باب الحيض)
مِنَ الصِّحَاحِ:
378 -
قال أنسٌ رضي الله عنه: إنَّ اليهودَ كانُوا إذا حاضَتْ المرأةُ منهُمْ لمْ يُوْاكِلُوها، فسألَ أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأنزلَ الله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} الآية، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"اصنَعُوا كُلَّ شيءٍ الَاّ النِّكاحَ".
(مِنَ الصِّحَاحِ):
قوله: "إن اليهود"، (اليهود): جمعٌ، واحدها: يهودي.
آكل يؤاكل مؤاكلةً: إذا أكل واحدٌ مع واحدٍ.
"لم يؤاكلوها"؛ يعني: يحترزون عنها في الأكل والشرب.
قوله: "فسأل أصحاب النبي"؛ يعني: سأل الصحابة رسول الله عليه السلام عن ذلك: هل نجانبهن في الأكل والشرب ومساكنتهن في حال الحيض كما فعلت الهود، أم لا؟، فأنزل الله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222].
(المحيض) في قوله: {عَنِ الْمَحِيضِ} : زمان؛ يعني: يسألونك عن حكم زمان الحيض {قُلْ هُوَ أَذًى (1)} ؛ أي: هو قذرٌ ونجسٌ يتأذى أزواجهن بمجامعتهن
(1) جاء في هامش "ش": "فإن قيل: لِمَ قال {قُلْ هُوَ أَذًى} وهذا مما لا يشك فيه أحد؟ قلت: الأذى هو المكروه الذي ليس شديدًا جدًا كقوله تعالى {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى}، فالمعنى أنه أذى يسيرٌ يُعتزل موضعه لا غير".
في ذلك الوقت {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ} ؛ أي: ابعدوا منهن {فِي الْمَحِيضِ} ؛ أي: في مكان المحيض وهو الفرج.
يعني: الحيض أذى يتأذى الزوج من مجامعتها فقط، وليس أن يحصل منها للزوج أذًى من سائر أعضائها حتى يُخرجها الزوج من فراشه ومجلسه، ويتركَ مؤاكلتها كفعل اليهود.
قوله عليه السلام: "اصنعوا"؛ أي: افعلوا "كل شيء" من المضاجعة، والمؤاكلة معهن، وملامستهن، "إلا النكاح"؛ أي: الجماع.
فعند أبي حنيفة رحمه الله والشافعي ومالك: يحرم ملامَسةُ الحائض فيما بين السرة والركبة.
وعند أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وفي وجهٍ من أصحاب الشافعي: أنه تحرم المجامعة فقط بدليل هذا الحديث، فإنه قال:"اصنعوا كل شيء إلا النكاح".
ودليل أبي حنيفة والشافعي ومالك: حديث عائشة، ويأتي بعد هذا.
* * *
379 -
وقالت عائشة رضي الله عنها: كنتُ أغتَسِلُ أنا والنبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إناءٍ واحدٍ وكِلانا جُنبٌ، وكانَ يأمُرُني فأتَّزِر، فيُباشِرُني وأنا حائضٌ، وكان يُخرِجَ رأسَهُ إليَّ وهو مُعتكِفٌ فأغسِلُه وأنا حائض.
قولها: "فأتَّزِرُ"، أي: فأعقد الإزار في وسطي، "فيباشرني"؛ أي: فيلامسني فوق الإزار.
قولها: "وكان يخرج رأسه"؛ يعني: كان النبي عليه السلام معتكفًا في المسجد، وكان باب الحجرة مفتوحًا إلى المسجد، فيخرج رأسه من المسجد
إلى الحجرة، فتغسله عائشة.
وهذا دليلٌ على ترك مجانبة الحائض، ودليلٌ أيضًا على أن المعتكف إذا أخرج بعض أعضائه من المسجد لم يبطل اعتكافه.
* * *
380 -
وقالت: كنتُ أشربُ وأنا حائضٌ، ثمَّ أُناوِلُهُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فيضَعُ فاهُ على مَوضِعِ فِيَّ، فيشرَبُ، وأَتَعَرَّقُ العَرْقَ وأنا حائضٌ، ثم أُناوِلُهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعُ فَاهُ على موضعِ فِيَّ.
المناولة: الإعطاء، "ثم أناوله النبي عليه السلام"؛ أي: ثم أعطي الإناء النبي.
"فاه"؛ أي: فمه.
"فيّ" بتشديد الياء؛ أي: فمي.
"وأتعرق"؛ أي: أفصل اللحم بفمي، من العَرْق - بفتح العين -: وهو العظم الذي عليه اللحم.
* * *
381 -
وقالت: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتَّكِئُ في حَجْري وأنا حائضٌ، ثمَّ يقرأُ القُرآنَ.
"وقالت"؛ أي: وقالت عائشة.
هذه الأحاديث تدلُّ على جواز مؤاكلة الحائض ومجالستها.
* * *
382 -
وقالت: قالَ لي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ناوِلِيني الخُمْرَةَ مِنَ المسجِدِ"،
فقلت: إنِّي حائضٌ! فقال: "إنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ في يدِكِ".
"وقالت"؛ أي: وقالت عائشة: "قال لي النبي عليه السلام: ناوليني الخمرة"؛ أي: أعطيني، و (الخمرة): السجَّادة.
"من المسجد"؛ أي: ناداني من المسجد، وهو في المسجد حين قال:"ناوليني الخمرة".
"إن حيضتك ليست في يدك"؛ يعني: ليست يدك نجسةً؛ لأن الحيض يخرج من موضع آخر لا من يدك، فلا بأس بأن تعطيني الخُمرة.
وقيل: معناه: ليس مجيء حيضتك باختيارك، فإذا لم يكن باختيارك، فلا بأس بمجالستك ومؤاكلتك، وأن تأخذي شيئًا بيدك.
* * *
383 -
وقالت ميمونة رضي الله عنها: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي في مِرْطٍ، بعضُهُ عليَّ وبعضُهُ عليهِ، وأنا حائضٌ.
قولها: "في مرط"، (المرط): شبهُ ملحفة، يعني: بعض المرط ألقاه رسول الله عليه السلام على كتفه يصلِّي، وبعضه أنا ملتفَّةٌ به.
* * *
مِنَ الحِسَان:
384 -
قال أبو هُريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ أَتى حائضًا أو امرأةً في دُبُرِها، أو كاهِنًا فقدْ كَفَر بما أُنزِلَ على مُحمَّدٍ"، ضعيف.
قوله: "من أتى"؛ أي: مَن جامَعَ.
قوله: "أو كاهنًا"، (الكاهن): الذي يخبر عمَّا يكون في الزمان المستقبل
بالنجوم، أو بأشياء مكتوبةٍ في الكتب من أكاذيب الجن؛ لأن الجن كانوا يصعدون السماء قبل بعثة النبي عليه السلام فيستمعون ما تقول الملائكة في السماء من أحوال أهل الأرض، من قَدْرِ أعمالهم وأرزاقهم، وما يحدث من الحوادث، فيأتون إلى الكهنة ويخبرونهم بذلك، فيخبر الكهنة الناس بذلك، ويخلطون بكلِّ حديث مئة كذبة.
وقد كتبوا تلك الأشياء في كتبهم، فبقيت تلك الكتب بين الناس، فيقرأ [بها] جماعة من الناس (1)، فيتحدثون بما فيها.
يعني: مَن جامع امرأة في حال الحيض أو في دبرها معتقدًا تحليله، أو سأل كاهنًا عن حالٍ معتقدًا أنه حق وصدق؛ فقد كفر؛ لأن تحليل الحرام كفر، وإن علم بطلان ذلك وتحريمه كان فاسقًا، فيكون معنى "كفر" حينئذٍ: كفران نعمة الله، أو يكون للتهديد والوعيد الشديد.
* * *
386 -
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عمَّا يَحِلُّ للرجلِ مِنْ امرأتِهِ وهي حائضٌ؟ قال: "ما فَوْقَ الإِزار، والتَّعفُّفُ عن ذلكَ أفضل"، إسناده ليس بقوي.
قوله: "التعفف عن ذلك أفضل"، (التعفف): الاحتراز (عن ذلك)؛ أي: عما فوق الإزار (أفضل).
وإسناد هذا الحديث ليس بقويٍّ، وحكمُه ضعيف؛ لأنه قد تقدم أن رسول الله عليه السلام كان يأمر عائشة بالاتَّزار ويباشرها فوق الإزار؛ أي: ولو كان التعفف عمَّا فوق الإزار أفضل لتعفَّف عن ذلك.
* * *
(1) في "ش": "فيقرأ جماعة من الناس تلك الكتب"