الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثخينين لا يصل الماء منهما إلى الرِّجلين.
* * *
11 - باب التَّيمُّم
(باب التيمم)
مِنَ الصِّحَاحِ:
364 -
عن حُذَيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فُضِّلْنا على النَّاسِ بثلاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنا كصُفُوفِ الملائكَةِ، وجُعِلَتْ لنا الأرضُ كُلُّها مسجِدًا، وجُعِلَتْ تُرْبَتُها لنا طَهُورًا إذا لَمْ نَجِدِ الماءَ".
(من الصحاح):
قوله: "فضِّلنا"؛ يعني: لم يكن واحدٌ من هذه الثلاثة للأمم المتقدمة؛ أي: فضَّلنا الله على الأمم المتقدِّمة بهذه الأشياء، وذلك لأن الأمم المتقدِّمة يقفون كيف اتَّفق من غير الصف، وأُمرنا أن نقف في الصلاة على الصف كما تقف الملائكة هكذا.
ولم يجز للأمم المتقدمة أن يصلُّوا إلا في كنائسهم، وجاز لهذه الأمة أن يصلُّوا في جميع وجه الأرض إذا كان الموضعُ طاهرًا.
ولم يجز التيمم لأحدٍ من الأمم المتقدمة، وكذلك لم يكن في أول الإسلام جائزًا حتى أضلَّت عائشة قلادةً وهي مع رسول الله عليه السلام في غزوٍ، فأقاموا في ذلك الموضع لطلب قلادة عائشة حتى دخل وقت الصلاة، ولم يكن هناك ماء، فاغتمَّ المسلمون لأجل الصلاة، وجاء أبو بكر عائشةَ وآذاها بالكلام، وقال: فوَّتِّ الصلاة على المسلمين، فنزلت آية التيمم، وهي قوله
تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} إلى آخر الآية [النساء: 43].
قوله عليه السلام: "وجعلت تربتها لنا طهورًا"، (تربتها)، أي: ترابُ الأرض، (طهورًا)؛ أي: مطهِّرًا.
قوله: "إذا لم نجد الماء"، (إذا): للشرط، يعني: لا يجوز التيمم إلا إذا لم يجد الماء، وكذلك يجوز لمَن به مرضٌ أو جراحةٌ يضرُّه استعمال الماء، يجوز التيمم مع وجود الماء.
* * *
365 -
وقال عِمْران: كُنَّا في سَفَرٍ معَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فصلَّى بالنَّاسِ، فلمَّا انفتلَ إذا هو برَجُلٍ مُعتزلٍ لم يُصَلِّ مع القومِ، فقال:"ما منعَكَ أنْ تصلِّيَ معَ القومِ؟ "، قال: أصابَتْني جنابةٌ ولا ماءَ قال: "عليكَ بالصَّعيدِ فإنَّه يكفيك".
قوله: "وقال عمران: كنا في سفرٍ مع النبي عليه السلام فصلى بالناس، فلما انفتل إذا هو برجلٍ معتزلٍ".
قوله: "انفتل"؛ أي: رجع وفرغ من الصلاة، "إذا هو برجل"؛ أي: إذا رسول الله عليه السلام حاصل برجل؛ يعني: رأى رسول الله عليه السلام رجلًا واقفًا في ناحية لم يصلِّ مع القوم.
"معتزل": اسم فاعلٍ من اعتزل: إذا خرج من بين القوم، ووقف في جانبٍ منفردًا.
"عليك بالصعيد"؛ يعني: يلزم عليك التيمُّمُ بالصعيد، و (الصعيد): التراب عند الشافعي، ووجهُ الأرض سواءٌ كان عليها الترابُ أو لم يكن عند أبي حنيفة.
قوله: "فإنه يكفيك": أي: سيغنيك عن الوضوء، ويدفع عنك القضاء، بل من تيمم وصلَّى فلا قضاء عليه سواءٌ كان محدِثًا أو جنبًا.
* * *
366 -
وقال عمَّار رضي الله عنه: كُنَّا في سَرِيَّةٍ فأجْنَبْتُ، فتمعَّكْتُ فصلَّيْتُ، فذكرتُ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"إنَّما كانَ يكفيكَ هكذا"، فضربَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بكَفَّيْهِ الأرضَ ونفخَ فيهما، ثمَّ مسحَ بهما وجهَهُ وكفَّيْهِ.
وفي روايةٍ قال: فأَتيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"إنما يَكفيكَ أنْ تضربَ بيَدَيْكَ الأرضَ، ثمَّ تنفُخَ، ثمَّ تمسحَ بهما وجهَكَ وكَفَّيْكَ".
قوله: "كنا في سرية"، (السرية): قطعة من الجيش، يقال: خير السرية: أربع مئة رجل.
"فتمعكت"؛ أي: تمرَّغْتُ في التراب؛ أي: أوصلتُ التراب إلى جميع أعضائي، وظننتُ أن إيصال التراب إلى جميع الأعضاء واجبٌ في الجنابة، كإيصال الماء إلى جميع الأعضاء.
قوله: "فضرب النبي عليه السلام بكفيه الأرض ونفخ فيهما" إنما نفخ فيهما لأنه حصل في كفيه ترابٌ كثير، فنفخ فيهما ليَقِلَّ التراب، ولو نفخ حتى يذهب جميع التراب من الكف لم يجز التيمم عند الشافعي؛ لأن إيصال التراب إلى الوجه واليدين واجب عنده.
ويجوز عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن إيصال التراب إلى الوجه واليدين غير واجب عنده، بل الواجبُ عنده ضربُ الكفين على وجه الأرض، وإن كان على حجر أملس.
وهذا الحديث يدل على أنه يكفي ضربةٌ واحدة للوجه والكفين، وبه قال أحمد والأوزاعي.
وأما عند مالكٍ والشافعي وأبي حنيفة: لا يجوز إلا بضربتين للوجه، وضربةٍ لليدين إلى المرفقين، بدليلِ حديث ابن عمر، وقد ذكر في آخر باب مخالطة الجنب.
* * *
367 -
عن أبي جُهَيْم بن الحارِث بن الصِّمَّة قال: مَرَرْتُ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يبولُ، فسلَّمْتُ عليه، فلمْ يَرُدَّ عليَّ حتَّى قامَ إلى جِدارٍ، فحتَّهُ بعَصًا كانتْ معه، ثمَّ وضعَ يده على الجدارِ، فمسحَ وجهَهُ وذِراعَيْهِ، ثمَّ ردَّ عليَّ.
قوله: "فحته"؛ أي: فحتَّه وخدشه حتى يحصل منه تراب.
هذا الحديث يدل على استحباب ذكر الله تعالى في حال الطهارة؛ لأن السلام من أسماء الله تعالى.
قوله: "وضع يده على الجدار"؛ أي: ضرب بيده على الجدار.
"أبو الجُهيم"، وقيل: أبو الجهم، اسمه: الحارث بن الصَّمَة - بكسر الصاد وتخفيف الميم - الأنصاري.
* * *
مِنَ الحِسَان:
368 -
عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الصَّعيدَ الطَّيِّبَ وَضُوءُ المسلمِ وإنْ لمْ يجِدِ الماءَ عَشْرَ سنِينَ، فإذا وجدَ الماءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فإنَّ ذلك خَيْرٌ".
قوله: "إن الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين".
و"الوضوء" بفتح الواو: ماء الوُضوء، والمراد ها هنا: أن التراب بمنزلة ماء الوضوء في صحة الصلاة بالتيمم.
قوله: "وإن لم يجد الماء عشر سنين" والمراد بعشر سنين: الكثرة؛ يعني: وإن لم يجد الماء مدةً طويلة، وليس المراد منه أنه لا يجوز فوق عشر سنين، بل يجوز أبدًا إن لم يجد الماء.
قوله: "فليُمِسه" بضم الياء وكسر الميم، وهو مضارعُ (أَمسَّ)، يقال:
مَسِسْتُ اليدَ، وأَمْسَسْتُ الماءَ اليدَ؛ أي: مسحت اليدَ بالماء، و"البَشَر والبَشَرة": وجه الجلد؛ يعني: إذا وجد الماء فليتوضأ.
قوله: "فإن ذلك خير": ليس معنى هذا أن الوضوء والتيمم كلاهما جائزٌ عند وجود الماء لكنَّ الوضوء خير، بل المراد منه: أن الوضوء واجبٌ عند وجود الماء، ولا يجوز التيمم.
وهذا نظير قوله: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24] مع أنه لا خير ولا حُسْنَ لمستقَرِّ أصحاب النار ومَقيلهم، و (المقيل): موضع القيلولة، وهو النوم نصف النهار.
* * *
369 -
وقال جابرٌ: خَرَجْنا في سفَرٍ، فأصابَ رَجُلاً مِنَّا حجَرٌ فشجَّهُ في رأسِهِ، فاحتلَمَ، فسألَ أصحابَهُ: هَلْ تجدُونَ لي رُخصةً في التَّيمُّمِ؟ قالوا: ما نجدُ لكَ رُخصةً وأنتَ تقدِرُ على الماءِ، فاغتَسَلَ فمات، فلمَّا قدِمْنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بذلك، قال:"قتلُوهُ قتلَهُمُ الله، ألا سالُوا إذْ لمْ يعلَمُوا، فإنَّما شِفاءُ العِيِّ السُّؤالُ، إنَّما كانَ يَكفيهِ أنْ يتيمَّمَ، وَيَعصبَ على جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثمَّ يمسحَ عليها، ويغسِلَ سائرَ جسَدِهِ".
قوله: "فشجه"؛ أي: كسره الحجر، و"في رأسه" بيانٌ لموضع الشج، يعني: كسر رأسه.
"فاحتلم"؛ أي: أصابته جنابةٌ، وخاف أن يقع الماء في الجراحة لو اغتسل.
"العي" بكسر العين: التحيُّر في الكلام، يعني: لمَ لم يسألوا، ولم يتعلَّموا ما لا يعلمون، فإنه لا شفاء لداء الجهل إلا التعلُّم.