الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الرابع
الفصل الخامس والعشرون: همدان
…
الفصل الخامس والعشرون: همدان
ومن القبائل الكبيرة التي كان لها شأن يذكر في عهد "ملوك سبأ"، قبيلة "همدان"، والنسابون بعضهم يرجع نسبها إلى:"أوسلة بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة الخيار بن زيد بن كهلان"، وبعض آخر يرجعونه إلى "همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان"، إلى غير ذلك من ترتيب أسماء تجدها مسطورة في كتب الأنساب والأخبار1.
ويرجع أهل الأنساب بطون همدان، وهي كثيرة، إلى "حاشد" و"بكيل"؛ أما "حاشد"، فتقع مواطنها في الأرضين الغربية من "بلد همدان"، وأما "بكيل"، فقد سكنت الأرضين الشرقية منه2، وهما في عرفهم شقيقان من نسل "جشم بن خيران بن نوف بن همدان"3. وقد تفرع من الأصل بطون
1 منتخبات "ص110"، الاشتقاق "2/ 250"، ابن خلدون "2/ 252"، ابن حزم، جمهرة أنساب العرب "369"، المبرد، نسب عدنان وقحطان، "ص21"، تاج العروس "2/ 547"، Ency.، II، P. 246
2 Handbuch، I، S.، 113، ENCY.، II، P. 246
3 تاج العروس "2/ 232، 336"، "حاشد بن جشم بن حبران بن نوف بن همدان"، منتخبات "ص27، 53"، "ولد همدان نوفًا وخيران، فمنهم بنو حاشد وبنو بكيل، منهم تفرقت همدان"، الاشتقاق "2/ 250""طبعة وستنفلد""حاشد بن جشم بن خيوان بن نوفل بن همدان"، ابن حزم، جمهرة "ص372""تحقيق ليفي بروفنسال"، "وأولد نوف بن همدان حبران، فأولد حبران جشم، فأولد جشم حاشدا الكبرى وبكيلا"، الإكليل "10/ 28".
عديدة، ذكر أسماءها وأنسابها "الهمداني" في الجزء العاشر من "الإكليل"، وهو الجزء الذي خصصه بحاشد وبكيل1.
وقد ورد في الكتابات العربية الجنوبية أسماء عدد من المدن والمواضع الهمدانية ورد عدد منها في "صفة جزيرة العرب" و"الإكليل" وفي كتب أخرى، ولا يزال عدد غير قليل من أسماء تلك المواضع أو القبائل والبطون التي ورد ذكرها في الكتابات باقيًا حتى الآن. وتقع هذه المواضع في المناطق التي ذكرت في تلك الكتابات، وهي تفيدنا من هذه الناحية في تعيين مواقع الأمكنة التي وردت أسماؤها في النصوص، ولكننا لا نعرف الآن من أمرها شيئًا.
وكان للهمدانيين مثل القبائل الأخرى إلهٌ خاص بهم، اسمه "تالب""تألب" اتخذوا لعبادته بيوتًا في أماكن عدة من "بلد همدان"، وقد عرف أيضا في المسند بـ"تالب ريمم""تألب ريمم"، أي:"تألب ريام"2. وقد انتشرت عبادته بين همدان، وخاصة بعد ارتفاع نجمهم واغتصابهم عرش سبأ من السبئيين، فصار إله همدان، بتعبد له الناس تعبدهم لإله سبأ الخاص "المقه"، فتقربت إليه القبائل الأخرى، ونذرت له النذور. ونجد في الكتابات أسماء معابد عديدة شيدت في مواضع متعددة لعبادة هذا الإله، وسميت باسمه.
وقد تنكر الهمدانيون فيما بعد لإلههم هذا، حتى هجروه. ولما جاء الإسلام كانوا بتعبدون -كما يقول ابن الكلبي- لصنم هو "يعوق"، وكان له بيت بـ"خيوان"3، وقد نسوا كل شيء عن الإله "تألب ريام"، نسوا أنه كان إلهًا لهم، وأنه كان معبودهم الخاص، إلا أنهم لم ينسوا اسمه، إذ حولوه إلى إنسان، زعموا أنه جد "همدان" وأنه هو الذي نسل الهمدانيين، فهم كلهم من نسل "تألب ريام".
ولم يكتفِ الهمدانيون بتحويل إلههم إلى إنسان، حتى جعلوا له أبًا سموه "شهران الملك"، ثم زوَّجوه من "ترعة بنت يازل بن شرحبيل بن سار
1 نشر بتحقيق محب الدين الخطيب، القاهرة، المطبعة السلفية "1368هـ".
2 CIH، IV، I، IV، P. 529
3 الأصنام "ص57"، "ومن بطون همدان أيضًا، بطن يقال لهم: بنو قابض بن يزيد بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم، وكان عمرو بن لحي دفع إلى قابض المذكور صنمًا اسمه يعوق، فجعله في قرية باليمن يقال لها: خيوان، فكان يعبد من دون الله
…
"، ابن حزم، جمهرة "ص371".
ابن أبي شرح يحضب بن الصوار"1، وجعلوا له ولدًا منهم "يطاع"، و"يارم".
وأما أبوه "شهران" -على حد قول أهل الأخبار- فهو ابن "ريام بن نهفان"، صاحب محفد "ريام". وأما "نهفان" والد "ريام"، فهو ابن "بتع" الملك، وشقيق "علهان بن بتع"، وكان ملكًا كذلك، وأمهما "جميلة بنت الصوَّار بن عبد شمس"2. وأما "بتع"، فهو ابن "زيد بن عمرو بن همدان"3، وكان قريبا لـ"شرح يحضب بن الصوار بن عبد شمس"، وإليه ينسب سد "بتع".
وإذا دققنا النظر في هذه الأسماء، أسماء الآباء والأجداد والأبناء والبنات والحَفَدة والأمهات، نجد فيها أسماء وردت حقًّا في الكتابات، إلا أن ورودها فيها ليس على الصورة التي رسمها لها أهل الأخبار. فـ"ترعة" مثلا، وهو اسم زوجة "تألب ريام" المزعومة، لم يكن امرأة في الكتابات، وإنما كان اسم موضع شهير ورد اسمه في الكتابات الهمدانية، عرف واشتهر بمعبده الشهير المخصص لعبادة الإله "تألب ريام"؛ معبد "تألب ريام بعل ترعت"4. والظاهر أن الأخباريين -وقد ذكرت أن منهم من كان يستطيع قراءة المساند لكن لم يكونوا يفهمون معاني هذه المساند كل الفهم- لما قرءوا الجملة المذكورة ظنوا أن كلمة "بعل" تعني الزواج كما في لغتنا، فصار النص بحسب تفسيرهم "تألب زوج ترعت". وهكذا صيَّروا "ترعت""ترعة" زوجة لـ"تألب ريام"، وصيروا "تألب ريام" رجلًا زوجًا؛ لأنهم لم يعرفوا من أمره شيئًا.
و"أوسلة" الذي جعلوا اسما لـ"همدان" والد القبيلة، هو في الواقع "أوسلت رفش" في كتابات المسند5، وهو والد "يرم أيمن""يريم أيمن""ملك سبأ". وقد عرف "الهمداني" اسم "أوسلت رفشن""أوسلة رفشان"، فذكر في كتابه "الإكليل" أن اسمه كان مكتوبًا بالمسند على حجر بمدينة "ناعط"،
1 الإكليل "10/ 17 وما بعدها".
2 الإكليل "10/ 13 وما بعدها".
3 الإكليل "10/ 11 وما بعدها".
4 CIH 337، 338، IV، I، IV، p.388، 390، 391
5 Glaser، abessi، S، 63، Glaser 1320، 1359، 1360
ودوّن صورة النص كما ذكر معناه1. ويظهر من عبارة النص ومن تفسيره أن "الهمداني" لم يكن يحسن قراءة النصوص ولا فهمها، وإن كان يحسن قراءة الحروف وكتابتها. ولم يتحدث "الهمداني" بشيء مهم عن "أوسلة رفشان" في الجزأين المطبوعين من "الإكليل"، وقد ذكره في الجزء الثامن في معرض كلامه على حروف المسند، فأورده مثلًا على كيفية كتابة الأسطر والكلمات2. وذكره في الجزء العاشر في "نسب همدان"، في حديثه عن "يطاع" و"يارم" ابني "تألب ريام بن شهران" على حد قول الرواة، ولم يذكر شيئًا يفيد أنه كان على علم به3.
وأرى أن أهل الأنساب أخذوا نسبهم الذي وضعوه لـ"أوسلة" ولغيره من أنساب قبائل اليمن القديمة من قراءتهم للمساند. وقد كان بعضهم -كما قلت- يحسن قراءة الحروف، إلا أنه لم يفهم المعنى كل الفهم، فلما قرءوا في النصوص "أوسلت رفشن بن همدان"4، أي:"أوسلة رفشان من قبيلة همدان"، أو "أوسلة رفشان الهمداني" بتعبير أصح، ظنوا أن لفظة "بن" تعني "ابن"؛ ففسروا الجملة على هذا النحو:"أوسلة رفشان بن همدان" وصيروا "أوسلة" ابنًا لهمدان، مع أن "بن" في النص هي حرف جر بمعنى "من"، وليست لها صلة بـ"ابن".
و"أوسلت""أوسلة" مركبة من كلمتين في الأصل، هما:"أوس": بمعنى "عطية" أو "هبة"، و"لت""لات"، وهو اسم الصنم "اللات"، فيكون المعنى "عطية اللات"، أو "هبة اللات". ومن هذا القبيل "أوسل آل"،
1 الإكليل "10/ 18"، كتب أنستاس ماري الكرملي الاسم على هذا الشكل:"أوسلة رلشان"، "8/ 142"، أما "نبيه أمين فارس" فقد كتبه "أوسلة رلشن"، وأعتقد أن هذا الخطأ في النقل إنما أحدثه النساخ، وأن "الهمداني" كان يعرف الاسم معرفة صحيحة، بدلالة كتابته كتابة صحيحة في الجزء العاشر، الذي نشر بتحقيق محب الدين الخطيب. وقد نقضت الكلمة الأولى من الاسم المدون نقشًا قريبًا جدًّا من الصحة في طبعتي الكرملي ونبيه. أما الكلمة الثانية من الاسم وباقي النص، فقد حرفها النساخ على ما يظهر تحريفًا قبيحًا أبعدها عن الصواب.
2 الإكليل "8/ 123".
3 الإكليل "10/ 18".
4 Glaserabessi.، S. 63، Glaser 1320، 1359، 1360
أي: "أوس إيل"، ومعناها "وهب إيل" و"عطية إيل"، و"سعدلت" أي:"سعد لات" و"عبد لات" و"زيد لات"، وما شاكل ذلك من أسماء1.
وقد أغفلت النصوص التي ذكرت اسم "أوسلت رفشان" اسم أبيه. غير أن هناك كتابات أخرى ذكرت من سمته "أوسلت بن أعين"، "أوسلة بن أعين"، فذهب علماء العربيات الجنوبية إلى أن هذا الرجل الثاني هو "أوسلة رفشان" نفسه، وعلى ذلك يكون اسم أبيه "أعين"، وهو من همدان2. وقد عاش في حوالي السنة "125ق. م." على تقدير "ألبرايت"3.
وقد جعل "فون وزمن""أعين" من معاصري "ياسر يهصدق" الحميري و"ذمر على ذرح" ملك السبئيين، و"نشأكرب يهأمن" من أسرة "جرت""كرت""كرأت""جرأت"، وجعل زمانهم في حوالي السنة "80" بعد الميلاد4. وهو تقدير يخالف رأي "فلبي" و"ألبرايت" وغيرهما ممن وضعوا أزمنة لحكم الملوك.
وقد ذكر اسم "أوسلت رفشان" في نص وسمه العلماء بـCIH 647، وهو نص قصير مثلوم في مواضع منه، يفهم منه أنه بنى بيتًا، ولم يرد في النص أين بني ذلك البيت، ولا نوع ذلك البيت: أكان يت سُكنى أم بيت عبادة؟ 5.
وقد عاش "أوسلت رفشن""أوسلة رفشان" في حوالي السنة "110م" على رأي "فون وزمن"6. وكان من المعاصرين للملك "رب شمس" "ربشمس" من ملوك حضرموت، وللملك "وهب آل يحز" "وهب إيل يحز"، وهو من ملوك "بني بتع" من "سمعي"7. أما "فلبي"، فيرفع أيام هؤلاء المذكورين إلى ما قبل الميلاد، أي: إلى العهود التي سبقت تأليف حكومة "سبأ وذي ريدان"8.
1 Glaser، Abessi.، S. 63
2 Glaser 1228، 1320، Abessi.، S. 63، Handbuch، I، S. 90، Le Museon، 1964، 3-4، P.498، P. Mahram، P.284، Le Museon، 1967، 1-2، p.281.
3 BOASOOR، NUM. 119، 1950، p.9
4 Le Museon، 1964، 3-4، P.498
5 CIH 647، Langer 17، Brit. Mus. 67.
6 Le Museon، 1964، 3-4، P.498
7 Le Museon، 1964، 3-4، P.498.
8 Background، P.88، 91.
وأما "ألبرايت"، فجعل أيامه في حوالي السنة "100ق. م."1.
وجعل "فون وزمن""سعد شمس أسرع"، الذي هو من "مرثد" من فرع "بكيل" من المعاصرين لـ"أوسلت رفشن""أوسلت فشان". وتقع أرض "مرثد" في "شبام أقيان"2.
ويظهر من النص الموسوم بـCIH 287 أن "أوسلت" كان "مقتوى"، أي: قائدًا كبيرًا من قواد الجيش عند "ناصر يهأمن"، ثم صار قيلًا "قول" على عشيرة "سمعي" في أيام "وهب إيل يحز"3، فبرز اسمه واسم أولاده وصار لهم سلطان في عهد هذا الملك4. والظاهر أنه كان كبير السن في هذا العهد، وأن وفاته كانت في أيام "وهب إيل".
وقد عرفنا من الكتابات اسم ولدين من ولد "أوسلت رفشان" أحدهما "يرم أيمن"، والآخر "برج يهرجب"، "برج يهرحب"5. وقد ورد اسماهما في عدد من الكتابات، منها الكتابة الموسومة بـJamme 561 Bis التي تحدثت عنها في أثناء كلامي على "وهب إيل يحز". وقد وجدنا فيها أن الشقيقين وكذلك "علهان نهفان" وهو ابن "برم أيمن"، كانوا أقيالًا إذ ذاك على عشيرة "سمعي"، التي تكوّن ثلث عشائر قبيلة "حاشد"، وأنهم كانوا قد أسهموا في الغارة التي شنها الملك "وهب إيل يحز" على الأعراب.
وقد ورد اسماهما في الكتابة الموسومة6 بـGlaser 1359، 1360، وقد تبين منها أنهما كانا قيليْنِ "قول" على قبيلة "سمعي" ثلث "حاشد"، وأنهما قدما إلى حاميهما الإله "تالب ريمم""تألب ريام"، بعل "ترعت"، أي: رب معبده المقام في "ترعت""ترعت"، ستة تماثيل "ستتن أصلمن"؛ لأنه مَنَّ على "يرم أيمن" بالتوفيق والسداد في مهمته، فعقد الصلح بين ملوك
1 BOASOOR، NUM 119، 1950، P.9
2 Le Museon، 1964، ، 3-4، p.498
3 Abessi.، S. 63
4 Mahram، p.285
5 في بعض الكتابات "يهرجب" وفي بعض آخر "يهرحب"، ومرد هذا التباين إلى قراءة تلك الكتابات، واختلافهم في نسخ الحروف.
6 CIH 315، IV، I، IV،P.346، Halevy Revue Semitique، IV، 1897، p.76، Winckler، Die Sab. Inschr. Der Zeit Alhan Nahfan's، S.9
سبأ وذي ريدان وحضرموت وقتبان، وذلك بعد الحرب التي وقعت بينهم فانتشرت في كل البلاد والأرضين، بين هؤلاء الملوك المذكورين وشعوبهم وأتباعهم. وقد كان من منن الإله "تألب ريام" على "برم أيمن" أن رفع مكانته في عين ملك سبأ، فاتخذه وسيطًا في عقد صلح بينه وبين سائر الملوك، فنجح في مهمته هذه وعقد الصلح، وذلك في سنة "ثوبن بن سعدم بن يهسم"1.
وقد اختتم النص بدعاء الإله "تألب ريام" أن يوفق "يرم أيمن" ويديم له سعادته، ويرفع منزلته ومكانته دائمًا في عين سيده "إمراهمو ملك سبا" ملك سبأ، ويبارك له، ويزيد في تقدمه، وينزل غضبه وثبوره "ثبر" وضرره وتشتيته على أعداء "برم أيمن" وحساده، وكل من يتربص الدوائر بـ"تألب ريام"2.
ويتبين من هذا النص الموجز -الذي كتب لإظهار شكر "يرم أيمن" لإلهه "تألب ريام" على توفيقه له، وعلى ما مَنَّ عليه به من الإيحاء إلى ملك سبأ بأن يختاره وسيطًا- أن حربًا كاسحة شاملة كانت قد نشبت في العربية الجنوبية في أيام الملك "كرب إيل وتر يهنعم"، وأن الملك كلفه أن يتوسط بين المتنازعين، وهم حكومات سبأ وذي ريدان وحضرموت وقتبان، ويعقد صلحًا بينهم، وأنه قد أفلح في وساطته، وسُرَّ كثيرًا بنجاحه هذا وباختياره لهذا المركز الخطير، الذي أكسبه منزلة كبيرة، وهيبة عند الحكومات، فشكر إلهه الذي وفقه لذلك، وقد كان يومئذٍ قَيْلًا من الأقيال. وقد ساعدته هذه الوساطة كثيرًا، ولا شك، فمهدت له السبيل لأن ينازع "ملك سبأ" التاج.
وقد اتخذ "كلاسر" من سكوت النص عن ذكر اسم "معين" دليلًا على انقراض "مملكة معين"، وفقدان شعب معين استقلاله، وهو رأي عارضه بعض الباحثين3.
وقد وصل إلينا نص قصير لقب فيه "يرم أيمن" بلقب "ملك سبأ"، وقد سجله ابناه، ولقب ابناه بهذا اللقب كذلك. وهو نص ناقص أعرب فيه
1 الفقرة الخامسة عشرة من النص، غويدي: المختصر "ص21 وما بعدها".
2 بتألب "يمم"، الفقرتان "22" و"23" من النص.
3 Abessi.، S. 72، KTB.، II، S. 68، Hartmann، Arab. Frage.، S. 142، 144
ابنا "يرم أيمن" عن شكرهما للإله "تألب ريام"؛ لأنه مَنَّ وبارك عليهما1؛ فهذا النص إذن من النصوص المتأخرة بالنسبة إلى أيام "يرم أيمن".
وانتهى إلينا نص مهم، هو النص المعروف بـWien 669، وقد دونه أحد أقيال "أقول" قبيلة "سمعي"، وقد سقط اسمه من الكتابات وبقي اسم ابنه، وهو "رفش""رفشان" من آل "سخيم".
أما قبيلة "سمعي" المذكورة في هذا النص، فهي "سمعي" ثلث "ذ حجرم""ذي حجر". وقد قدم هذا القيل مع ابنه "رفشان" إلى الإله "تألب ريام""بعل رحبان""بعل رحبن" نذرًا؛ وذلك لعافيتهما ولسلامة حصنهما، حصن "ريمن""ريمان"، ولخير وعافية قيلهما وقبيلته "يرسم" التي تكون ثلث "ذي حجر"، وليبارك في مزروعاتهما وفي غلات أرضهما، ولينزل بركته ورحمته على "يرم أيمن" و"كرب إيل وتر" ملكي سبأ. وقد ختم النص بتضرع "تالب ريام" أن يهلك أعداءهما وحسادهما وجميع الشانئين لهما ومن يريد بهما سوءًا2.
وقد جعل "فون وزمن"، "يرم أيمن" معاصرًا لـ"أنمار يهأمن" الذي ذكره بعد "وهب إيل يحز"، ثم لـ"كرب إيل يهنعم"، وهما في رأيه من المعاصرين لـ"شمر يهرعش الأول" من ملوك "حمير" أصحاب "ظفار". وجعل "كرب إيل وتر يهنعم" معاصرًا للملك "كرب إيل بين" ملك سبأ الشرعي من الأسرة الحاكمة في "مأرب". وجعل "يرم أيمن" من المعصرين لـ"مرثد يهقبض"، وهو من "جرت""كرت""كرأت" ولـ"مرثدم""مرثد" الذي ذكر بعد "نبط يهنعم" آخر ملوك قتبان، كما جعله من المعاصرين للملك "يدع إيل بين" من ملوك حضرموت. وجعل حكم "يرم أيمن" فيما بين السنة "130" والسنة "140" بعد الميلاد3.
وقد نشر "جامه" نصًّا وسمه بـJamme 565، جاء فيه: أن جماعة من "بني جدنم""جدن" قدموا إلى الإله "المقه بعل أوَّام" نذرًا تمثالًا "صلمن"
1 Abessi.، S. 70، ZDMG.،XXXIII، 485
2 Wien 669،REP. EPIG.، 4190، VII،I، P.131، SE 8، Le Museon، 1967، 1-2، P.282
3 Le Museon، 1964، 3-4، P.498
لأنه منّ عليهم بالعافية ووفقهم في الغارة التي أسهموا فيها بأمر سيديهما ملكي سبأ: يرم أيمن، وأخيه كرب إيل وتر؛ ولأنه بارك لهما ومنحهما السعادة بإرضاء مليكهما1، وقصد بلفظة "واخيهو" حليفه؛ لأنهما متآخيان بتحالفهما. ويلاحظ أن هذا النص قد قدم اسم "يرم أيمن" على اسم الملك "كرب إيل وتر" مع أن هذا هو ملك سبأ الأصيل، ولقب "يرم أيمن" بلقب ملك، أي: إنه أشركه مع الملك "كرب إيل" في الحكم، وفي هذا دلالة على أن "يرم أيمن" كان قد أعلن نفسه ملكًا على سبأ ولقب نفسه بألقاب الملوك، وأن الملك الأصلي اعترف به، طوعًا واختيارًا أو كرهًا واضطرارًا، فصرنا نجد اسمي ملكين يحملان هذا اللقب: لقب "ملك سبأ" في وقت واحد.
وقد ورد اسم "يرم أيمن" في النص الموسوم بـCIH 328، وقد لقب فيه بلقب "ملك سبأ"؛ إلا أن النص لم يذكر اسم ملك سبأ الأصيل الذي كان يحكم إذ ذاك2، وقد ذكر في هذا النص اسم الإله "تألب ريام"، وهو إله همدان، ولم يذكر معه اسم أي إله آخر. ولما كان صاحب النص همدانيًّا، وقد كان "يرم أيمن" ملك همدان وسيدها، لم يذكر اسم ملك سبأ ولم يشر إليه، واكتفى بذكر ملكه فقط.
هذا، وليس في استطاعتنا تثبيت الزمن الذي لقب فيه "يرم أيمن" نفسه بلقب "ملك سبأ"، فقد رأينا قيلًا في أيام الملك "وهب إيل يحز" ورأينا صلاته به لم تكن على ما يرام في بادئ الأمر، وأنه كان يتمنى لو أن الإله "المقه" أسعده بالتوفيق بين ملكه وبينه، ثم لا ندري ما الذي حدث بينهما بعد ذلك. ولكن الظاهر أن طموح "يرم أيمن" دفعه إلى العمل في توسيع رقعة سلطانه وفي تقوية مركزه، حتى نجح في مسعاه، ولا سيما في عهد "كرب إيل وتر يهنعم"، فلقب نفسه بلقب "ملك"، وأخذ ينقش لقبه هذا في الكتابات، وصار يحمل اللقب الرسمي الذي يحمله ملوك سبأ الشرعيون حتى وفاته.
وقد عرفنا من الكتابات اسمي ابنين من أبناء الملك "يرم أيمن"، هما:
1 Jamme 565، Mamb 266، Mahram P.47
2 Mahram، P.288
"علهان نهفان"، و"برج يهرجب""برج يهرحب""بارج يهرحب"1، "برج يهأمن"2. أما "علهان نفهان" فهو الذي تولى الملك بعد أبيه، وقد لقب بـ"ملك سبأ"، وعاصر "كرب إيل وتر يهنعم" وابنه "فرعم ينهب".
وقد ذكر "نشوان بن سعيد الحميري" أن "علهان اسم ملك من ملوك حمير، وهو علهان بن ذي بتع بن يحضب بن الصوار، وهو الكاتب هو وأخوه نهفان لأهل اليمن إلى يوسف بن يعقوب عليهما السلام بمصر في الميرة، لما انقطع الطعام عن أهل اليمن"3، ففرق "نشوان" بين "علهان" و"نهفان"، وظن أنهما اسمان لشقيقين. وقد دون "الهمداني" صور نصوص ذكر أنه نقلها من المسند، وفرق فيها أيضا بين "علهان" و"نهفان"، فذكر مثلًا أنه وجد "في مسند بصنعاء على حجارة نقلت من قصور حمير وهمدان: علهان ونهفان، ابنا بتع بن همدان"4، و"علهن ونهفن ابنا بتع بن همدان صحح حصن وقصر حدقان.."5. فعد "علهان" اسمًا، و"نهفان" اسم شقيقه. وقد ذكر الاسم صحيحًا في موضع، ولكنه عاد فعلق عليه بقوله: "وإنما قالوا علهان نهفان، فجعلوه اسمًا واحدًا؛ لما سمعوه فيهما من قول تبع بن أسعد:
وشمر يرعش خير الملوك
…
وعلهان نهفان قد أذكر
وإنما أراد أن يعرف واحدًا بالثاني، فلما لم يمكنه أن يقول: العلهانان، قال: علهان نهفان"6.
ويلاحظ أن قراءة "الهمداني" للسند الأول، هي قراءة قُرِئت وفق عربيتنا، فجعل "علهن""علهان" و"نهفن""نهفان" و"همدن""همدان"، أما قراءته للمسند الثاني، فهي على نحو ما دوّن في المسند، وذلك بالنسبة إلى
1 "علهن نهفن" في الكتابات.
2 Le Museon، 1967، 1-2، P.281.
3 منتخبات "ص75".
4 الإكليل "10/ 15".
5 الإكليل "10/ 16".
6 الإكليل "10/ 33"، "حب الملوك""2/ 389".
الأعلام، فإن المسند لا يكتب "علهان" بل يكتبه "علهن"، وهكذا بقية الأسماء.
ونسب "نشوان بن سعيد الحميري" هذا البيت إلى "أسعد تبع"، وعلق على اسم "علهان نهفان" بقوله:"أراد علهان ونهفان فحذف الوأو "1. فـ"علهان نهفان" إذن اسما رجلين على رأي هذين العالمين، وعلى رأي عدد آخر من العلماء مثل "محمد بن أحمد الأوساني" أحد من أخذ "الهمداني" علمه منهم، وهو في الواقع اسم واحد لرجل واحد. ولا أدري كيف أضاف "الهمداني" و"الأوساني" وغيرهما ممن كان يذكر أنه كان يقرأ في المسند حرف "الوأو" بين "علهان نهفان"، فصيروه "علهان" و"نهفان"، وجعلوهما اسمين لشقيقين2.
وقد أدى سوء فهم أهل الأخبار لقراءاتهم للمساند إلى اختراع والد للأخوين "علهان" و"نهفان"، أو لـ"علهان نهفان" بتعبير أصح، فصيروه "بتع بن زيد بن عمرو بن همدان"3، أو "ذا بتع بن يحضب بن الصوَّار"4. وعرف "نشوان" "ذا بتع" بأنه "ذو بتع الأكبر"، وهو ملك من ملوك حمير، واسمه نوف بن يحضب بن الصوار، من ولده ذو بتع الأصغر زوج بلقيس بنة الهدهاد ملكة سبأ5 وصيروه "تبعًا"، فقالوا: "علهان نهفان ابنا تبع بن همدان"6. ويظهر أن النساخ قد وقعوا في حيرة في كيفية كتابة اسم والد "علهان"، فكتبوه "بتعًا"، وكتبوه "تبعًا"، وكلا الاسمين معروف شهير، فوقعوا من ثم في الوهم.
وأما اسم الوالد الشرعي الصحيح فهو "يرم أيمن"، كما ذكرت، وأما الاسم المخترع، فقد جاءوا به من عندهم بسبب عدم فهمهم لقراءة نصوص المسند. فقد وردت في النصوص جملة "علهن نهفن بن بتع وهمدان"7،
1 منتخبات "ص75".
2 الإكليل "8/ 83".
3 الإكليل "10/ 11، 13".
4 منتخبات "ص75، 105".
5 منتخبات "ص5".
6 الإكليل "8/ 42، 83""طبعة نبيه"، "8/ 51، 103""الكرملي".
7 المختصر "ص26"، Glaser 16، Louvre 10، CIH، IV، I، I، P. 8.
فظن قراء المساند من أشياخ "الهمداني" وأمثالهم "ممن كانوا يحسنون قراءة الحروف والكلمات، إلا أنهم لم يكونوا يفهمون معاني الألفاظ والجمل في الغالب" أن لفظة "بن" تعني هنا "ابن"، فقالوا: إن اسم والد "علهان نهفان" أو "علهان" و"نهفان" على زعمهم إذن هو "بتع". على حين أن الصحيح، أن "بن" هي حرف جر يقابل "من" في عربيتنا، ويكون تفسير النص:"علهان نهفان من بتع وهمدان" و"بتع" اسم قبيلة من القبائل المعروفة المشهورة.
وأما "بتع" فقد ذكرت أن النساخ هم الذين أخطئوا في تدوين الاسم، وأن "الهمداني" وغيره كانوا قد كتبوه "بتعًا"، لا "تبعًا". ولكن النساخ أخطئوا في الكتابة، فكتبوا اسم "بتع""تبعًا" على نحو ما شرحت.
وورد في النص الموسوم بـGlaser 865 اسم "علهان نهفان"، وقد رأيت نقله هنا؛ لأن في ذلك فائدة في شرح اسم أبيه1. فقد ورد فيه:"علهن نهفن بن همدن بن يرم أيمن ملك سبأ"، أي:"علهان نهفان من همدان ابن يرم أيمن ملك سبأ". فأنت ترى أن لفظة "بن" المكتوبة قبل "همدن"، أي "همدان" هي حرف جر، أما "بن" الثانية المذكوة قبل "يرم أيمن" فإنها بمعنى "ابن"، فصارت الأولى تعني أن "علهان نهفان" هو من قبيلة همدان، وأما أبوه، فهو "يرم أيمن ملك سبأ"، ولعدم وقوف أولئك العلماء على قواعد العربيات الجنوبية، لم يفهموا النص على حقيقته.
وقد ورد اسم "علهان نهفان" في كتابة وسمها العلماء بـGlaser 16، وصاحبها رجل من "يدم""آل يدوم" اسمه "هعَّان أشوع"، ذكر أنه قدم هو وأبناؤه إلى الإله "تألب ريمم بعل ترعت" تمثالًا؛ وذلك لخيره ولعافيته ولعافية أولاده، ولأنه أعطاهم كل أمانيهم وطلباتهم، ولأنه خلصهم ونجاهم في كل غزوة غزوها لمساعدة "مراهمو علهن نهفن بن بتع وهمدان"، أي لمساعدة سيدهم وأميرهم: علهان نهفان من "بتع" من قبيلة همدان، وليمنحهم غلة وافرة وأثمارًا كثيرة، وليمنحهم أيضًا رضا أربابهم آل همدان وشعبهم حاشد "حشدم"، وليهلك وليكسر وليصرع كل عدو لهم وشانئ
1 Glaser 865، Berlin 2679، CIH 312، IV، I، IV، P.337
ومؤذٍ1. ولم يلقب صاحب هذا النص "علهان" بلقب "ملك"، وإنما استعمل لفظة "مراهمو" "مرأهمو"، أي: أميرهم أو سيدهم، ويظهر لي في هذا الاستعمال أن هذا النص قد كتب قبل انتقال العرش إلى "علهان" من أبيه؛ ولهذا أغفل اللقب.
ووجد اسم "علهان نهفان" واسم ابنه "شعرم أوتر" في كتابة دوَّنها "حيوم يشعر""حيو يشعر"، وأخوه "كعدان"؛ وذلك لمناسبة بنائهم أسوار بيتهم:"وترن""وتران"، ولم يشر النص إلى هوية هذا البيت، أهو بيت للسكنى، أم بيت للعبادة اسمه "بيت وترن"، أي: معبد وترن، خصصوه بعبادة الإله "عثتر" الذي ذكر اسمه في آخر النص2.
وتعد النصوص الموسومة بـ CIH2 و CIH 296 و CIH 305 و CIH 312 من النصوص المدونة في أيام "علهان" حين كان قيلًا؛ ولذلك ورد فيها اسمه دون أن تلحق به جملة "ملك سبأ". أما النصوص الأخرى، فقد كتبت في الأيام التي نصب فيها نفسه ملكًا على سبأ، ولقب نفسه باللقب المذكور منافسًا ملك سبأ الحاكم في مأرب في حكمه، مدعيًا على الأقل أنه ملك مثله.
وليس في استطاعتنا التحدث عن الزمن الذي تلقب فيه "علهان نهفان" بلقب "ملك"؛ فلا ندري أكان قد لقب نفسه به حين وفاة والده مباشرة، أم بعد ذلك؟ فإذا كان الظن الأول، تكون الكتابات المذكورة قد دونت في أيام أبيه، وإذا كان الثاني تكون هذه الكتابات قد دونت في عهد لم يكن "علهان" تمكن فيه من حمل هذا اللقب لسبب لا نعرفه، قد يكون تخاصم الأسرة على الإرث، وقد يكون ضعف "علهان" في ذلك الوقت، وخوفه من ملك سبأ الذي كان أقوى منه.
ولا ندري كذلك متى أشرك "علهان" ابنه "شعرم أوتر""شعر أوتر" معه في الحكم، إذ حصل المنقبون والسياح على كتابات سبئية لقب فيها "علهان" وابنه "شعرم أوتر" بلقب "ملك سبأ" و"ملكي سبا"3.
1 المختصر "ص26 وما بعدها".
Glaser، 16، Louvre 10، CIH 2، IV، I، I، P.7.
2 نشر "ص43 وما بعدها".
3 CIH 155، CIH 289، 308، 308 BIS، 401، 693، REP. EPIG.، 4216، MAHRAM، P.290.
وفي هذه الجمل دلالة على أن "شعر أوتر" كان يشارك أباه في لقبه في أيامه، وأنه أسهم معه في إدارة الملك. وأغلب الظن أنه أشركه معه في الحكم لحاجته إليه في تثبيت ملكه في وضع سياسي قلق، إذ كانت الثورات والحروب منتشرة، وكان حكام سبأ وحضرموت وحمير والحبش يخاصم بعضهم بعضًا، فرأى "علهان" إشراك ابنه معه في الحكم وتدريبه على الإدارة، وبقي على ذلك حتى وفاة "علهان" وعندئذٍ صار الملك له وحده، فلقب نفسه بلقب "ملك سبأ".
لقد كان لا بد لـ"علهان نهفان" من السعي في عقد معاهدات ومحالفات مع الحكومات والقبائل؛ لتثبيت الملك الذي ورثه من أبيه، ولا سيما مع الحكومات المناوئة والمنافسة لحكومة "مأرب". ونجد في كتابة همدانية تضرعًا إلى الإله "تألب ريام" ليوفق "علهان نهفان" في مسعاه بالاتفاق مع ملك حضرموت لعقد معاهدة إخاء ومودة، حتى "يتآخيا تآخيًا تامًّا"، وذلك في المفاوضات التي كانت تجري بينهما في موضع "ذت غيل""ذات غيل"1.
وقد نجحت مفاوضات "علهان" مع ملك حضرموت "يدع أب غيلان" في التآخي معه، وفي عقد معاهدة صداقة بينهما، وأفاد من ذلك فائدة كبيرة، إذ أصبحت هذه المملكة التي تقع في جنوب سبأ وفي جنوب الريدانيين والمتصلة اتصالًا مباشرًا بالحميريين في جانبه، فإذا لم تقم حضرموت بأي عمل حربي ضد أعداء علهان، فإن مجرد وقوفها إلى جانبه يفيده فائدة كبيرة، إذ يفزع ذلك أعداءه، ويضطرهم إلى تخصيص جزء من قواتهم العسكرية للمحافظة على حدودهم مع حضرموت؛ خوفًا من هجومها عليهم عند سنوح الفرص2.
وكان فرح "علهان" بنجاح مفاوضاته مع ملك حضرموت، واتفاقه معه كبيرًا، وقد نجح فعلًا في عقد ذلك الحلف، فنراه يحارب الحميريين ويهاجمهم، يؤيده في ذلك ملك حضرموت "يدع أب غيلان"؛ لقد هاجمهم من الشمال،
1 اسم الملك "يدع ال""يدع إيل" في النص الذي نشره يحيى نامي في كتابه: نشر "ص30"، أما في النصوص الأخرى، فكان اسم ملك حضرموت المتحالف مع "علهان""يدع أب غيلان"، "بذت غليم"، "بذ غليم""بذت غيل""بذغيل"، Le Museon، 1964، 3-4، P.466
2 CIH 155، 308، Nami 71-73، Beitrage، S. 113، Le Museon، 1964، 3-4، P.468
وهاجمهم الحضارمة من الشرق، فانتصر على الحميريين في "ذت عرمن""ذات عرمن""ذات العرم"، وهو موضع يظهر أنه قريب من "ذات العرم"، وربما كان هو نفسه1؛ وهكذا حصل "علهان" على ثمرة شهية من هذا الحلف. وقد كان الحميريون من المقاتلين المعروفين ومن المغيرين على غيرهم، فانتصار "علهان" عليهم هو ذو مغزى عظيم.
ويظهر أن "يدع أب غيلان" ملك حضرموت لم يُعمَّر طويلًا؛ لأننا نقرأ في أحد النصوص أن أحد الهمدانيين كان يتوسل إلى الإله "تألب ريام" أن يمن عليه بعقد حلف بين "علهان" ملك سبأ و"يدع إيل" ملك حضرموت. ويظن أن الملك "يدع إيل" هذا، هو الملك "يدع إيل بين"، وهو ابن "يدع أب غيلان"، الذي هو ابن "أمينم""أمين" كما جاء ذلك في النص الموسوم2 بـREP. EPIG. 4698. وإذا أخذنا بما جاء في النص المنشور في كتاب "نشر نقوش سامية قديمة"، وهو النص المرقم بـ"19"، فإننا نستنتج منه أن الملك "يدع أب غيلان"، كان قد توفي في أيام "علهان نهفان"، وأن الملك "علهان نهفان" صار يرجو عقد حلف مع ابنه "يدع إيل" الذي ولي في أواخر أيام حكم "علهان" على ما يظهر؛ ولذلك توسل صاحب النص أو أصحابه إلى الإله "تألب ريام" رب همدان، أن يساعده على عقد ذلك الحلف.
وحوَّل "علهان نهفان" أنظاره نحو الحبشة أيضًا لعقد معاهدة معها، وقد أشار إلى هذا في كتابة ملكية سجلها هو وابناه "شعرم أوتر" و"يرم أيمن" ونعت كل واحد منهما في هذه الكتابة بـ"ملك سبأ".
وقد جاء في مقدمتها أنه هو وابنيه قدموا إلى "تألب ريام بعل ترعت" ثلاثين تمثالًا من الذهب، وفضةً لإصلاح حرم الإله في معبده "يهجل"، وأصلحوا إصلاحات كثيرة في فنائه وفي أملاكه؛ لأنه أجاب طلباتهم ومنَّ عليهم، ولأنه وفقه في عقد تحالف مع "جدرت""جدروت" ملك "نجاشي"
1 Abessi.، S. 103، 105، CIH 155، IV، I، III، P.216، Mordtmann، Himjarsche Ins- chriften، S. 18، Winckler، Die Sabi Insche. Der Zeit Alhan's، S. II
2 نشر، النص رقم 19، SE 49، Mahram، p. 305
الحبشة، ولأنه وفق الوفد الذي قام بالمفاوضات، فتمكن من تنظيم اتفاقية بين الطرفين حتمت عليهما التعاون في أيام السلم والحرب؛ لرد كل اعتداء يقع على الطرفين، ومحاربة كل عدو يريد سوءًا بأحدهما.
وأشير أيضا إلى اسمي "سلحين" و"زررن""زراران""زريران"، وقد كانا متحالفين مع "جدرت"، فشملهما بذلك هذا الحلف1.
وقد ورد اسم "علهان نهفان" في كتابات أخرى، ناقصة ويا للأسف، وقد سقطت منها كلمات في مواضع متعددة فأضاعت علينا المعنى. وقد أشير فيها إلى جيوش "علهان" وأعرابها، كما أشير إلى "ردمان" و"مذحيم" و"قتبان" وإلى أقيال وسادات قبائل ملك الحبشة2، وإلى "ذي ريدان"، وإلى أعراب ملك حضرموت3. ويرى "فون وزمن" أن في ذكر أقيال وسادات قبائل ملك "حبشت" الحبشة في هذه الكتابات دلالة على أن الحبش لم يكونوا يمتلكون أرض Kinaidokolttitai، أي: ساحل الحجاز من ينبع ثم ساحل عسير فقط، بل كانوا يمتلكون أيضا الساحل المسيطر على مضيق باب المندب، وقد كان ملكهم إذا ذاك هو الملك "جدرت" "جدرة" المذكور4.
ويرى "فون وزمن" أن الحلف الذي عقد بين "علهان" وملك الحبشة، عقد بعد الحرب التي شنها "علهان" ومن ساعده فيها، وهم ملك حضرموت وملك الحبشة ضد "حمير". وقد كان ابنه "شعرم أوتر""شعر أوتر" يشارك أباه في الحكم إذ ذاك؛ ولهذا ذكر في الكتابة5. وقد فرض "شعر أوتر" سلطانه على حمير وأخضعها لها، وذلك في أوائل أيام حكمه. أما الحبش، فكانوا يمتلكون الأرضين التي ذكرتها وأرض قبيلة "أشعرن" أي:"الأشعر"6.
1 المختصر "ص25"،
CIH 308، 308 BIS، MULLER، EPIGRAPHISCHE DENKMALER AUS ABESSINIEN، S. 73، D. H. MULLER، SUDARABISC ALTERTHUMER IM KUNSTHISTORISCHEN HOFMUSEUM، S. 4، 1899
2 نشر "ص92 وما بعدها".
3 نشر "ص92 وما بعدها"، Le Museon، 1964، 3-4، Pp.470
4 LE MUSEON، 1964، 3-4، P.471
5 CIH 308، A
6 LE MUSEON، 1964، 3-4، P.471
وقد حمد "علهان نهفان" وابناه الإله "تألب ريام" أيضًا؛ لأنه نصرهم وساعدهم في الحرب التي وقعت بينهم وبين "عم أنس بن سنحن""عمى أنس بن سنحان"، وبينهم وبين قبيلة "خولان". وقد توسط أمير اسمه "شابت بن عليان""شبت بن علين"، أو من "آل عليان" بين "عمى أنس" و"خولان" والريدانيين لتكوين جبهة واحدة قوية في محاربة "علهان" وقد انضمت إليها قبائل معادية للهمدانيين، واشتبكوا مع جيش "علهان" غير أن الإله "تألب ربام" -كما يقول "علهان"- نصره على أعدائه، فانهزموا وهزم الذين من "حقلان""الحقل"، ويظهر أنهم كانوا قد حاربوا "علهان" أيضا، وخربت حقولهم، وعندئذٍ جاءوا إلى "علهان" طائعين، وندموا على ما فعلوا، ووضعوا رهائن عنده، هم:"أشمس بن ريام"، أو من "ريام""آل ريام" و"حارث بن يدم""حرث بن يدم1".
لقد كان حكم "علهان نهفان" في حدود سنة "135ق. م." على تقدير "فلبي"2، أو في النصف الأول من القرن الأخير قبل الميلاد على رأي آخرين3، وفي حوالي السنة "60ق. م" على رأي "ألبرايت"4، وفي حوالي السنة "160" بعد الميلاد على رأي "فون وزمن"5، وفي حوالي السنة "85" قبل الميلاد على تقدير "جامه"، أما نهاية حكمه فكانت في حوالي السنة "65" على تقديره أيضًا6.
وقد جعل "كروهمن" حكم "شعر أوتر" في حوالي السنة "50" أو "60" بعد الميلاد7. ومعنى هذا أن حكم أبيه "علهان" يجب أن يكون بعد الميلاد؛ ليتناسب مع الحكم الذي وضعه "كروهمن" لابنه.
وقد عثر علماء العربيات الجنوبية على عدد من الكتابات ورد فيها اسم "شعرم أوتر"، لُقِّب في بعضها بـ"ملك سبأ"، ولقب في بعض آخر بـ"ملك
1 المختصر "ص25"، Abessl، S. 46.
2 BACKGROUND، P.142.
3 BEITRAGE، S. 113.
4 BOASOOR، NUM. 119، 1950، P.9.
5 LE MUSEON، 1964، 3-4، P.498.
6 MAHRAM، PP.390.
7 ARABIEN، S. 28.
سبأ وذي ريدان"، ومعنى هذا أنها أحدث عهدًا من الكتابات الأولى، وأن "شعر أوتر" كان قد بدأ عهد حكمه حاملًا لقب "ملك سبأ"، وهو اللقب الذي تلقب به منذ أيام أبيه، ثم غيَّره بعد ذلك بأن أضاف إليه جملة هي: "وذي ريدان"، فصار لقبه في الدور الثاني من حكمه: "ملك سبأ وذي ريدان"1.
غير أن لدى الباحثين في العربيات الجنوبية نصًّا وسموه بـGlaser 1371 لقب فيه كل من "علهان نهفان" و"شعر أوتر" ابنه بلقب "ملك سبأ وذي ريدان". ومعنى هذا أن لقب "ملك سبأ وذي ريدان" نفسه كان قد ظهر في أيام "علهان" لا في أيام ابنه، وأن "علهان" نفسه كان قد تلقب به مع ابنه في أواخر أيام حكمه. وهناك من الباحثين من يشك في صحة النص، ويرى أن كاتب النص كان هو الذي وضع هذا اللقب، سهوًا أو تعمدًا، وأن "علهان" لم يحمل هذا اللقب، وأن ابنه هو الذي حمله. ومهما يكن من شيء، فإن النص المذكور هو النص الوحيد الذي نملكه، لقب فيه "علهان" على هذا النحو2.
ومن الكتابات التي يجب أن نضيفها إلى أوائل أيام "شعرم أوتر""شاعر أوتر" كتابة عثرت عليها بعثة "وندل فيلبس"، وقد نشرها "الدكتور خليل يحيى نامي" في "مجلة كلية الآداب" بجامعة القاهرة3. وقد بدأت بجملة:"شعرم أوتر ملك سبا بن علهن نهفن ملك سبا"، أي "شعر أوتر ملك سبأ ابن علهان نهفان ملك سبأ"4. ولتلقيب "شعر أوتر" فيها بـ"ملك سبأ" فقط دون ذكر "ذي ريدان" يجب إرجاعها إلى الأيام الأولى من حكمه. وقد ذكر "شعر أوتر" فيها أنه قدم إلى الإله "المقه بعل أوام" صنمًا "صلم" تقربًا إليه، وتحدث عن حرب وقعت في موضع يسمى "تعمتن" وعن رجل اسمه "سعد تألب" وعن رجل آخر اسمه "حيوم بن غثريان""حيم بن غثر بن"، وذكر أن الحرب كانت قد وقعت في شهر "ذالت الت ذخرف
1 Abessi.، S. 83، Sab. Inschr.، S. 279، Mahram، P.295.
2 Mahram، P.295، M. Hofner، Die Sammlung، Eduard Glaser، Wien، 1944، S. 50، Le Museon، 1-2، 1967، Pp.271.
3 مجلة كلية الآداب، المجلد الثاني والعشرون، العدد الثاني سنة 1960، مطبعة جامعة القاهرة سنة 1965 "ص53".
4 راجع النقش رقم 12.
وددال بن حيوم بن كبر خلل خمسن"1، أي: في شهر "ذي إلالات من السنة الخامسة من حكم وددايل بن حيوم بن كبير خليل"، ثم ذكر بعض الشهور التي وقع فيها القتال. والظاهر أنها قد كانت قد انتهت في مصلحته، وأن القائد الذي أمره بمحاربة عدوه كان قد انتصر عليه؛ لذلك تقدم إلى الإله "المقه بعل أوام" بنذره، وهو الصنم المذكور. وقد لقب "شعرم أوتر" نفسه في موضع من النص بـ"شعرم أوتر ملك سبا وبيتن سلحن وغمدن وأدمهوسبا وفيشن"2، أي: شعر أوتر ملك سبأ وبيت سلحين وغمدان، وعبيده "سبأ وفيشان". وذكر البيتين أي: القصرين "سلحين" و"غمدان"، هو كناية عن الملك، و"سلحين" هو قصر الملوك ومستقرهم في مأرب، و"غمدان" هو قصرهم ومقرهم في صنعاء. وقد أخذت صنعاء تنافس مأرب منذ هذا الزمن حتى حلت محلها في الأخير.
وقد جاءت في النص جملة: "كما أمر المقه أن يحارب حيوم حتى حريب"3. و"حريب" هي مدينة مشهورة ووادٍ بين بيحان ومأرب4، وهي من مواضع حمير، فالحرب يجب أن تكون قد تناولت أرض حمير. وقد كان الحميريون في هذا الزمن يحاربون السبئيين.
ولدينا نص وسمه العلماء4 بـCIH 33، وهو نص مهم من الوجهة التأريخية يتحدث عن حرب أعلنها "شعرم أوتر ملك سبأ وذي ريدان""شعر أوتر ملك سبأ وذي ريدان" على "العز يلط" ملك حضرموت، ولم يذكر لقب "العز" فيه. وقد ذهب بعض الباحثين إلى أنه "العز يلط""العذ يلط" ابن الملك "عمذخر""عم ذخر"5. وقد انضم إلى الحضارمة عدد من القبائل والجنود المرتزقة، ويذكر النص أن الهمدانيين أتباع "شعرم أوتر" تغلبوا على جيوش حضرموت، فانتصرت عليها في موضع "ذت غيلم" "ذات غيل" "ذت غربم" "ذات غراب"، "ذت غ. رم"6. وبعد هذا النصر عيّن
1 السطران السادس والسابع من النص.
2 السطران: 21 و22 من النص.
3 المصدر المذكور "ص57"، والسطر "25" من النص.
4 المصدر المذكور "ص60".
5 Beitrage، S. 113
6 Glaser 825، Berlin 2672، Cih، 334، Iv، I، Iv، P.377، Mahram، P.300.
"شعرم أوتر" أحد رجاله، ويدعى "سعدم أحرس بن غضبم""سعد أحرس بن غضب" قائدًا حارسًا للحدود. وقد أغار "سعد" هذا بقوة مؤلفة من مائتي محارب من قبيلة "حملان" من المخلصين للملك على أرض "ردمان" فأنزلت بها أضرارًا فادحة، ووقعت معارك دموية هلك فيها خلق من الردمانيين. ووصل "شعرم أوتر" نفسه بجيوشه إلى موضع سقطت حروفه الأولى من اسمه وبقي حرفان منه، وهما "
…
وت"؛ لذلك يرى "كلاسر" أنهما بقية اسم عاصمة حضرموت مدينة "شبوت" "شبوة"1، أو "موت" على رأي غيره2، ووصل "شعرم" إلى موضع آخر اسمه "صوارن" "صواران" "صوأرن" "صوارن"3. وقد عاد "سعد أحرس" بغنائم كثيرة من حروبه هذه وغزواته، شاكرًا الإله "تألب ريام بعل ترعت"، أن نصره وعافاه وشفاه من جروحه في غزوته المذكورة4.
ويظهر أن "صوأرن" هي "صوران" التي ذكرها "الهمداني"، وتعرف اليوم بـ"العادية" وهي في حضرموت في "وادي الكسر"5. ويظهر من ذلك أن جيش "شعرم أوتر" قد وصل إلى قلب حضرموت.
ويرى "كلاسر" أن "شعرم أوتر" كان قد استطاع أن ينتصر على بعض قبائل حمير فانضمت إليه، على حين كانت القبائل الحميرية الأخرى منحازة إلى خصمه "الشرح يحضب"، وأن هذا النزاع الذي أدى إلى نشوب الحرب بينه وبين ملك حضرموت كان بسبب تنافسهما في اقتسام تركة "قتبان". وقد تحارب "شعرم" عند "يريم"، حيث كان خصمه "الشرح يحضب" أو الحضرميون قد هاجموا هذه الجبهة، على حين قام قائده "سعد" بالهجوم على ردمان الذين أرادوا اكتساب الفرص بالمباغتة للحصول على غنائم، فهاجمهم "سعد" وكبدهم خسائر فادحة6.
1 Abessi.، S. 109، Glaser 424
2 CIH، IV، I، IV، P.377
3 CIH IV، I، Iv، P.377
4 Mordtmann، Himjarische، S. I، M. Hartmann، In Zeitschrift Fur Assyriologle، X، 1895، S. 152، Winckler، Die Sab. Inschr. Der Zelt Alhan Nahfan's، S. 17
5 Beitrage، S. 124
6 Abessin.، S. 110، Beitrage، S. 113
ويظهر من دراسة النص المتقدم أن الملك "شعر أوتر" كان قد وجه جيشًا مؤلفًا من سبئيين ومن حميريين ومن قبائل أخرى إلى أرض حضرموت للقضاء على جيشها والاستيلاء عليها ولا سيما القسم الشرقي، إقليم "ظفار". واستطاع جيشه أن ينزل خسائر كبيرة بقوات "العز" المرتزقة وبجيشه النظامي الذي كان يحارب خارج حضرموت؛ بدليل ورود اسم موضع "ذت غيلم" في النص. وموضع "ذت غيلم"، أي "ذات غيل" الذي نشبت فيه معركة بين الجيشين، هو مكان في أرض قتبان، وفي "وادي بيحان". ثم عاد فأنزل بجيش حضرموت خسارة أخرى، وذلك حين أراد جيش "العز" مباغتة جيش "شعر أوتر" وهو في معسكره، ولكن يقظة صاحب النص الذي كان يحرس الملك وجيشه وهو على رأس قوة مؤلفة من مائتي محارب من حملان، أفسدت خطة الهجوم، واضطر جيش "العز" إلى التراجع، فتعقبه صاحب النص ومحاربوه، ولكنه فُوجئ بهجوم "الردمانيين" محاولين مباغتة الجيش من المؤخرة، فاشتبك معهم فأصيب بجرح في أثناء القتال، ولكنه تمكن مع ذلك من صد المهاجمين، ومن الرجوع سالمًا إلى منزله معافًى؛ ولذلك قدم إلى إلهه الحمد والشكر؛ لأنه عافاه ونجاه ونصره1.
وقبل عودة صاحب النص إلى وطنه سالمًا، كان قد رافق ملكه في حملته على بقية الأرضين التابعة لحكم الملك "العز"، فذكر أنه رافقه في حملته على مدينتي "
…
وت" و"صوارن"، وقد تمكن جيش الملك "شعر أوتر" من الانتصار على الحضارمة في هذين المكانين. وقد قرأ بعض الباحثين اسم المدينة الأولى "شبوت"، وقرأها بعض آخر "رسوت"، وزعموا أنها "ريسوت"، وهي مدينة معروفة في الجنوب الشرقي من حضرموت. وأما "صوأرن" "صواران" فهي على مسافة "115" كيلومترًا إلى الشرق من شبوة2.
وقد تمكن جيش الملك "شعر أوتر" من الانتصار على جيش "العز" ومن الاستيلاء على العاصمة "شبوت""شبوة". ونجد خبر هذا النصر في النصين الموسومين بـJamme 636 و Jamme 637، وفي نصوص أخرى3. والنص
1 Mahram، P.300.
2 Mahram، P.301.
3 A. Fakhry 75، 102.
الأول يحدثنا بأن صاحبه، وقد سقط اسمه منه بسبب تلف أصاب مقدمته، قد حمد ربه "المقه" وشكره؛ إذ مَنَّ عليه وأغدق نعمه عليه وهو في حضرموت مع جيش سيده وملكه "شعر أوتر""ملك سبأ وذي ريدان"، الذي حارب حضرموت واستولى على "شبوة" التي لم تمتثل أوامر الملك وقاومته، ولأنه أي: ربه "المقه" نصر ملكه ووفقه في هذه الحرب فعاد سالمًا ظافرًا إلى المدينة "مأرب" بالأسلاب والغنائم من ماشية وأموال وأسرى، مما سرَّ الملك ورعيته، ولأنه من عليه فرزقه أولادًا ذكورًا1.
وأما النص الثاني، وهو النص Jamme 637، فقد حمد صاحبه ربه "المقه" إذ وفقه ومن عليه فحصل على غنائم من مدينة "شبوة" التي قاومت الملك "شعر أوتر" فاكتسحها، فقدم لمعبده:"معبد أوَّام" تمثالًا تعبيرًا عن شكره له واعترافًا بمننه عليه2. فيظهر منه أن هذا الرجل، واسمه "ظبنم أثقف بن حلحلم"، كان نفسه في جملة من دخل مدينة شبوة من جيش "شعر أوتر"، فحصل على أسلاب وغنائم جعلته يحمد إلهه عليها ويشكره، ويقدم إليه ذلك التمثال تعبيرًا عن تقربه إليه.
وعثر المنقبون على نص مهم آخر رقم بـJamme 632، يفيد أن جيش "شعر أوتر" استولى على "شبوة" وعلى مدينة "قنا" ميناء حضرموت الرئيسي في ذلك العهد، وأن صاحبي النص "حمعثت أرسف بن رابم" و"مهقبم بن وزعان"، وهما بدرجة "مقتوى"، أي: درجة قادة الجيش الكبار، في جيش "أسدم أسعد"3، الذي هو من بني "سأرن""سأران" و"محيلم"، كانا قد تقربا إلى الإله "المقه ثهوان" بأربعة تماثيل وثور، وضعوها في معبده المخصص لعبادته المسمى "معبد أوام"؛ تعبيرًا عن حمدهما وشكرهما له، إذ من عليهما وأسبغ عليهما نعمه، وأفاض عليهما الغنائم والأموال وأعاد سيدهما ورئيسهما "أسد أسعد" من بني "سأران" سالما غانما من كل المعارك التي خاضها في سبيل سيده الملك "شعر أوتر""ملك سبأ وذي ريدان" يصحب
1 Jamme 636، Mamb 245، Mahram P.139.
2 Jamme 637، Mamb 60، Mahram P.139.
3 "أسد أسعد".
الغنائم والأموال والماشية، ولأنه أغدق عليهما أيضًا الغنائم الوافرة التي سرت خاطرهما، وقد حصلا عليها في جملة ما حصلوا عليه من "شبوة" ومن مدينة "قنا"، وقد سألا الإله "المقه" أن يديم بركته عليهما وعلى سيدهما "أسد أسعد"، وأن يبعد عنهم شر الأعداء1.
وفي النص الموسوم بـJamme 741 وبـJamme 756، أن شخصًا اسمه "هيثع بن كلب ذكرم" السبئي، وهو من عبيد "آل نعم برل" و"آل حبت""آل حبة"، كان قد نذر نذرًا للإله "المقه ثهوان"، بأن يقدم له تمثالين بعضهما في معبده "أوام"، إذا مَنَّ عليه ووفقه وأعاده سالمًا من "شبوة" ومن البحر. فلما أجاب دعاءه فأعاده سالمًا معافًى، قدم النذر ووضعه في ذلك المعبد، وقد سأل ربه أن يديم نعمه عليه ويبارك فيه ويسعده2. ويظهر أن لهذا النص علاقة بالنصوص المتقدمة التي تتحدث عن غزو جيش "شعر أوتر" لحضرموت، وأن صاحبه كان في جملة من أسهموا فيها.
ويظهر من جملة: "بن شبوت وبن بحرن"3، ومعناها "من شبوة ومن البحر"، أن جيش الملك "شعر أوتر" كان قد هاجم الحضارمة من البر ومن البحر، وأن الذين استولوا على مدينة "قنا" كانوا قد هاجموها من البحر. ولم يذكر النص المكان الذي أبحر منه جيش "شعر أوتر" للاستيلاء على السواحل الجنوبية من حضرموت، ولا بد من أن يكون ذلك المكان من الأمكنة التابعة لحكم الملك "شعر أوتر" أو لحكام كانوا محالفين له وعلى صلات حسنة به.
وللنص الموسوم بـGeukens I صلة بهذه الحرب وبانتقام جيش "شعر أوتر" من "بني ردمان" الذين أرادوا مباغتة جيشه من المؤخرة وتدميره. ويظهر منه أن القائد "أسدم أسعد""أسد أسعد"، الذي كان معسكرًا مع الجيش في مدينة "القاع" ومعه قائد آخر هو "ربيبم أخطر""ربيب أخطر"، خرجا من هذه المدينة مع جيش الملك "شعر أوتر" لمحاربة "قتبان" و"ردمان" و"مضحيم" و"أوسان"، وانضمت إليهما قوة من "بني بكيل"، قبيلة
1 Jamme 632، Mamb 301، Mahram، P.134.
2 Jamme 741، Mamb 251، Mahram، P.216، Jamme 756، Mamb 297، Mahram، P.226.
3 راجع السطر السابع والثامن من النص، Jamme 741.
القائدين وبقيا مع الملك يحاربون معه حتى بلغ مدينة "قنا". ولما رجعا إلى وطنهما، رجعا بغنائم كثيرة وبأموال طائلة حتى وصلا إلى مدينة "حرمتم""حرمت""حرمة". ولما وصل "أسد أسعد" إلى موطنه، وجد أن الأحباش كانوا اغتنموا فرصة انشغال جيش "شعر أوتر" بمحاربة "العز" فأغاروا عليه وأصابوه بأضرار كبيرة. ويظهر أنهم أغاروا عليه وعلى أرضين أخرى كانت تابعة للملك "شعر أوتر"، في أثناء هجوم الردمانيين على مؤخرة جيش "شعر"، ولعل ذلك كان باتفاق قد تم بينهم وبين بني ردمان. ومهما كان الأمر فإن تحرش الأحباش هذا بـ"شعر أوتر" دفعه إلى الانتقام منهم ومحاربتهم1.
ونجد نبأ هذه الحروب في النص الموسوم بـJamme 631؛ إذ يخبرنا القائد "قطبان أوكان""قطبن أوكن"، وهو من "بني جرت" أقيال عشيرة "سمهرم يهولد"، بأنه قدم إلى الإله "المقه ثهوان" تمثالين، وضعهما في معبده "معبد أوام"، حمدًا له وشكرًا؛ لأنه من عليه بنعمته، فمكنه من التنكيل بمن تجاسر وتطاول فأعلن الحرب على "شعر أوتر" ملك سبأ وذي ريدان، ولأنه أعانه فقتل من أعداء الملك عددًا كبيرًا، ولأنه أنعم عليه بأن أعانه في رد عادية المعتدين الذين أعلنوا حربا على الملك من البحر ومن الأرض "بن ذبحرم ويبسم"2، ومكنه من تكبيدهم خسائر كبيرة ومن أسر عدد كبير منهم ومن الاستيلاء على غنائم كبيرة منهم، ولأنه ساعده وأيده في مهمته التي كلفه سيده "شعر أوتر" إياها، وهي مهاجمة أرض الحبشة "أرض حبشت"3، و"جدرت" ملك "حبشت"، أي ملك الحبشة وأكسوم4، ولأنه أعاده سالما مع كل من اشترك معه في المعارك أو قام بالواجبات العسكرية التي عهد إليه أن يقوم بها ضد النجاشي "نجشين"5، ولأنه ساعده وأعانه "هعن" في كل المعارك التي وقعت بين مدينة "نعض" ومدينة "ظفار"، التي تقدم نحوها "بيجت""ب ي ج ت" ولد النجاشي "نيجش" ومن كان معه
1 Geukens I، G. Ryckmans. Inscriptions Sud-Arabes، In Le Museon، Xii، 1942 P.297-308، Mahram، P.301.
2 السطر السابع من النص.
3 السطران 12، 13 من النص.
4 السطر 13 من النص.
5 السطر 15 من النص.
من قوات جيشه، فنزل بها وتمكن منها، وعندئذ أعانه "المقه" ربه على الحبش بأن أوحى إليه بأن يباغتهم ليلًا، فباغتهم وانتزع "قتروعد" منهم، وهو جزء من مدينة "ظفار"، فذعر الحبش والتجئوا إلى حصن في وسط "ظفار" فتحصنوا فيه وأخذوا يقاومون منه. غير أنهم لم يتمكنوا من الاحتماء به طويلًا في مقاومة قوات سبأ؛ لأن الإله "المقه" عزز جيش "قطبان أوكان" بقوات "لعززم يهنف يهصدق""ملك سبأ وذي ريدان" التي كانت قد وصلت إلى هذه الجبهة واتصلت بقواته. وعندئذ حاصرت الأحباش وقتلت منهم ونهكتهم، ثم اتفق القوم في اليوم الثالث من الحصار على أن يباغتوا الحبش ليلًا، فيهاجمهم قوم من ذمار وجماعة من الفرسان وعشائر من "بني ذي ريدان"، ويأخذوهم على غرة، وقد نجحت هذه الخطة وبُوغِتَ الحبش وقتل منهم أربعمائة جندي، قطعت رءوسهم، وفي اليوم الثالث أيضا ترك "قطبان أوكان" جبهة "ظفار" وتوجه ليعقب فلول الحبش إلى أرض المعارف "معفرم". فلما أدركهم قتل قومًا منهم واتصل بهم، فاتجه الباقون هاربين إلى معسكراتهم، وفي اليوم الثاني من هذا الالتحام تداعى الأحباش فتركوا منطقة ظفار، وذهبوا إلى المعاهر "معهرتن".
وقد أنهى "قطبان أوكان" صاحب النص نصه بالتوسل إلى الإله "المقه ثهوان" أن يمد عمر سيده "لحيعثت يرخم""ملك سبأ وذي ريدان" ويمنحه الصحة والقوة والمعرفة، وأن يقهر أعداءه وخصومه، وأن يبارك له ولأهله، ويمنحه ثمارًا وافرة وغلة كثيرة في موسمي الصيف والخريف، ويبارك في زرع أرضه وأرض عشيرته في الصيف وفي الشتاء1.
ويتبين من هذا النص أنه ما كاد جيش "شعر أوتر" ينتصر على حضرموت وعلى الردمانيين حتى فُوجِئَ بالحبش يشنون حربا عليه ويتصدون له. فكلف الملك القائد "قطبان أوكان" أن يسير إلى من عصى وتمرد وخالف أوامر الحكومة للقضاء عليه، ثم يسير على رأس قوة إلى أرض الحبشة: يحارب بها "جدرت" ملك الأحباش والأكسوميين "عدى أرض حبشت بـ عبر جدرت ملك حبشت وأكسمن" فنفذ القائد أمره وأتم الخطط العسكرية التي وضعت له، ثم عاد مع
1 Jamme 631، Mamb 213، Mahram، P.132، Le Museon، 1964، 3-4، P.475. Le Museon، 1964، 3-4، P.475
جنده سالمًا، ولم يشرح النص كيف بلغ القائد أرض الحبشة، وهل قصد بأرض الحبشةِ الحبشةَ المعروفة والسواحل الإفريقية المقابلة لبلاد العرب، أم قصد موضعًا آخر في العربية الجنوبية؟ ولكن الذي يقرأ النص ويدقق في جمله ويوفق بين معانيها، يخرج بنتيجة تجعله يرى أن المراد من جملة "على أرض الحبشة إلى جدرت ملك الحبش والأكسوميين"، أرض الحبش في إفريقيا؛ لأن الملك "جدرت" ملك الحبشة وأكسوم لم يكن يقيم في بلاد العرب، ولكن في إفريقيا، فأمر "شعر أوتر" قائده بالسير إلى أرض الحبشة إلى "جدرت"، معناه التوجه إلى إفريقيا لمحاربة النجاشي "جدرت"، أما "الحبش" الذين كانوا في بلاد العرب، فقد كانوا تحت حكم "بيجت ولد النجاشي"، فلا يمكن أن تكون الأرض المحتلة هي المقصودة. والظاهر أن القائد المذكور ركب البحر مع جنوده من "الحديدة"، وتوجه منها إلى السواحل الإفريقية فنزل بها، وباغت أهلها بغزو من وجده أمامه، ثم جمع كل ما ظفر به من أموال ومن أناس أسرهم وعاد بهم وبالأموال مسرعًا إلى بلاده، فاشترك في بقية المعارك التي ذكرها في نصه، وفي جملتها محاربة الحبش الذين تحت إمرة "بيجت".
و"معاهر" على ما يظهر حصن "وعلان" في "ردمان"، وقد استدل "فون وزمن" من عدم تدوين اسم الملك "شعر أوتر" في نهاية النص ومن ذكر اسم الملك "لحى عثت يرخم""ملك سبأ وذي ريدان" فيه؛ تقربًا إليه وتيمنًا به، على وفاة "شعر أوتر"، وتحكم الملك "لحيعثت" عند تدوين هذه الكتابة1.
وقد انتهت المعارك التي جرت مع الحبش النازلين في السواحل الجنوبية من جزيرة العرب بطردهم عن "ظفار" المدينة التي احتلوها، وصاروا يهاجمون منها جيش "شعر أوتر"، وطردوا من كل أرض "معافر"، ولكنهم ذهبوا إلى "معاهر""معهرتن" حيث بقوا هناك.
ويظهر أن الأحباش ومن انضم إليهم من قبائل باغتوا حكومة "شعر أوتر" بالهجوم عليها من البحر والبر "بن ذبحرم ويبسم"، وامتدت رقعة الهجوم من مدينة "نعض" إلى مدينة "ظفار". ويظهر أن "بيجت ولد النجاشي" كان
1 Le Museon، 1964، 3-4، P.475
قد تلقى أمدادًا من إفريقيا، فصار يهاجم بها السواحل، ويعبئ بها سفنه لمهاجمة الأماكن البعيدة عن منطقة احتلاله. ولم يتحدث النص عن مصيره بعد هزيمة جيشه من ظفار ومن أرض "معافر". والظاهر أنه بقي في أرض "المعاهر""معهرت""معهرة"، وأن السبئيين لم يزيحوا الحبش عنها، فبقوا معسكرين ومتحصنين في هذه الأرض وفي الحصن.
ولدينا نص وُسِمَ بـJamme 633 يفيد أن صاحبه واسمه "أبكرب أحرس""أبو كرب أحرس"، وهو من بني "عبلم" و"يحمذيل""يحمد آل""يحمد إيل" كان قد تولى أمر الحميريين المستقرين الذين صاروا بين جيشين وأنه قام بواجبه، غير أنه أصيب بمرض صار يعادوه، وأنه لما عاد من "لحج" قدم تمثالًا إلى الإله "المقه ثهوان" وضعه في معبده:"معبد أوام"؛ وذلك ليحفظه من كل سوء، لأنه ساعده على تحمل مرضه، وأعاده إلى دياره من "لحج"، وقد قدم نذره هذا في شهر "دنم" من سنة "أبكرب بن معد كرب""أبي كرب بن معد يكرب بن فضحسم"1. وليس في هذا النص شيء عن هوية الجيشين، ويرى بعض الباحثين أن المراد بذلك أن الحميريين المذكورين كانوا في ذلك العهد قد صاروا بين فرقتين من فرق الجيش، جيش "شهر أوتر": فرقة مؤلفة من محاربين سبئيين، وفرقة مؤلفة من محاربين حميريين، وأن الحكومة عينت صاحب النص على الأهلين الحميريين الذين صاروا بين الجيشين، ليضمن تعاونهم وتآزرهم مع الجيشين، وييسر لهم الطعام والماء2. ولم يشر النص إلى قتال أو حرب يومئذ، ولكن يظهر أن وجود الفرقتين هناك كان بسبب وجود حالة غير طبيعية، ولعلها حالة الحرب التي أتحدث عنها.
ويحدثنا القائد المتقدم، أي "أبكرب أحرس"، في نص آخر له يتألف من "46" سطرًا، وسمه الباحثون بـJamme 635 وهو من النصوص التي دونها وسجلها "جامه" Jamme أحد أعضاء البعثة الأمريكية لدراسة الإنسان3، بأنباء معارك واضطرابات وانتفاضات قام بها القبائل ضد سيدها الملك "شعر أوتر" في الجنوب وفي الشمال، في البحر وفي البر "يبسم"، اشترك فيها هذا القائد،
1 Jamme 633، Mamb 271، Mahram، P.135، Le Museon، 1967، 1-2، P.282
2 Mahram، P.303
3 The American Foundation For The Study Of Man
وقد حمد الإله "المقه" بعد عودته منها كلها سالمًا معافًى؛ لأنه هو الذي حرسه وحماه وحفظه، واعترافًا بنعمه هذه عليه، قدم إليه تمثالًا وضعه في معبده المخصص بعبادته المسمى "معبد أوَّام". وقد توسل إلى إلهه "المقه" بأن يديم نعمه عليه وعلى ملكه "شعر أوتر" ملك سبأ وذي ريدان، وأن يبعد عنه كل أذًى وشر، وأن يهلك أعداءه وحساده1.
وذكر القائد بعد هذه المقدمة أن في جملة الحروب والمعارك التي خاضها في سبيل سيده الملك، حروبًا خاضها مع "أشعرن""أشعران" و"بحرم" ومن انضم إليهما من ناس، وحروبًا خاضها في منطقة خلف مدينة "نجران""نجرن"؛ لمحاربة مقاتلي الحبش "حبشن" ومن كان يؤازرهم ويساعدهم2. ويظهر من هذا النص أن نجران كانت في أيدي الحبش في هذا الزمن.
وكانت منازل "الأشاعرة""الأشاعر""الأشعر""الأشعريون" في القديم منتشرة على الساحل الغربي من "جيزان" إلى "باب المندب"3. أما في أيام "الهمداني"؛ فقد كانت في أرض "معافر" المعافريين4.
وأما "بحرم""بحر"، فقد كانت عشيرة من عشائر "ربيعة""ربيعت""ربعت"5.
ويظهر من دراسة هذا النص أن الملك "شعر أوتر" كان قد هاجم أولًا أرض "أشعرن""أشعران"، ثم هاجم "بحرم"، وكان القائد صاحب النص يحارب معه. وبعد أن انتهى من قتالهما انتقل بجيشه للقتال في منطقة "نجران" حيث كان الحبش قد تجمعوا فيها، فقاتلهم وقاتل من كان معهم. ثم نقل القتال إلى الغرب إلى "قريتم""قرية" وهي "لبني كاهل""كهل"، "قريتم ذت كهلم". فتحارب جيش "شعر أوتر" مع سيد المدينة "بعل هجرن"، أي: مع صاحب مدينة "قرية"، وتغلب عليه، وحصل على غنائم
1 Jamme 635، Mamb 270، Mahram، Pp.136
2 السطران: "23" و"24" من النص.
3 Sprenger، Die Alte Geographie Arabiens، S. 63
4 D. H. Muller، Al-Hamdani's Geographie Der Arabischen
5 Halbinsel، I، S. 53، Mahram، P.303
كثيرة منها. ثم حارب "ربيعة" ثور ملك "كدت""كدة" كندة وقحطان "بعلى ربعت ذ الثورم ملك كدت وقحطن"1.
ويظهر من هذا النص أن "ربيعة""ربعت" كانت من القبائل المعروفة يومئذ، وكانت تابعة لحكم "ثور"، "ملك كندة وقحطان". وقد انتصر على جميع من حاربهم من أهل "قربتم" ومن أتباع الملك "ربيعة" ملك كندة وقحطان، واستولى على غنائم كثيرة، في جملتها خيول وأموال طائلة، كما أخذ عددًا من الأسرى.
وقد كلف الملك "شعر أوتر"، صاحب النص بعد المعارك المذكورة أن يتولى قيادة بعض "خولان حضلم""خولان حضل"، وبعض أهل نجران وبعض الأعراب؛ لحرب المنشقين من بني "يونم""يوان" ومن أهل "قريتم" وقد حاربهم "أبكرب أحرس""أبو كرب أحرس" عند حدود "بكنف أرض الأسد مجزت مونهن ذ ثمل" أرض "الأسد مجزت مونهان" الذي هو صاحب "ثمل""ثمال"2. ثم عاد مع جيشه كله سالمًا غير مصابين بأذًى.
ويظن أن المراد من "بني يونم"، "بني يوان" الياوانيون، أي: من "يونم""يوان" وهم قوم من اليونان، استوطنوا في جزيرة العرب، وقد ورد اسمهم في النص3: Glaser 967. ويظهر أنهم كانوا يحالفون "قريتم" في هذا العهد وقد جاءوهم ليساعدوهم على الملك "شعر أوتر".
وأما "الأسد مجزت مونهن"، فاسم علم على شخص، يظهر أنه كان يحكم أرض "ثمل""ثمال". ويظهر أنه لم يكن يلقب نفسه بـ"ملك"، بدليل عدم ورود هذا اللقب بعد اسمه في النص. وقد كان كذلك من المخالفين لـ"شعر أوتر" ومن المعارضين له4.
ويظهر من تكليف الملك قائده أبا كرب أحرس "أبكرب أحرس" أن
1 السطران: "26" و"27" من النص، Le Museon، 1964، 3-4، P.473
2 السطر 36 فما بعده من النص، Mahram، P.137، 304
3 Le Museon، 1964، 3-4، P.473، Mahram، P.138، K. Mlaker، Die Hierodulen-Listen، S. 35، Jamme، South-Arabian Inscriptions، Princeton، 1955، P.508
4 Mahram، P.137
يتولى بنفسه قيادة هذه القوى، أن الملك قد وجد فيه حنكة عسكرية وجدارة جعلته يثق به؛ فكافأه بتسليمه قيادتها إليه1.
ويظهر أن غنائم السبئيين من "قريتم""قرية"، كانت كثيرة جدًّا، إذ نجد إشارة في نصين آخرين. ففي أحدهما شكر وحمد لـ"المقه"؛ لأنه من على عبده "شحرم""شحر" من "بني حذوت""حذوة" و"رجلم""رجل"، وأعطاه غنائم كثيرة من غنائم تلك المدينة، جعلته سعيدًا2، وفي النص الثاني شكر لهذا الإله كذلك، دونه "قشن أشوع" وابنه "أبكرب""أبو كرب" وهما من "صعقن""صعقان"؛ لأنه من عليهما فأغناهما بما غنموا من "قريتم" قرية، إذ كانا يساعدان سيدهما "شعر أوتر"؛ ولذلك قدما إليه نذرًا: تمثالًا؛ تعبيرًا عن حمدهما له، وليمن عليهما وعلى سيديهما:"شعر أوتر" وأخيه "حيو عثتر يضع""ملكي سبأ وذي ريدان"3.
ولدينا نص وسم بـJamme 640 يتحدث عن مساعدة "شعر أوتر""العزَّ" ملك حضرموت في القضاء على تمرد قبائل حضرموت وثورتهم عليه، ولم يذكر النص أسباب ذلك التمرد. والظاهر أنها تمردت على ملكها، لأنه تعاون مع "شعر أوتر" الذي فتح حضرموت وأخذ جيشه منها غنائم كثيرة، وأنزل بالحضارمة خسائر فادحة؛ فغضبوا عليه لتعاونه مع ملك سبأ4.
وقد جاء في هذا النص اسم مدينة دُعِيَتْ "هجرن أسورن"، أي مدينة أسورن "أسوران"، ويظن أنها مدينة "أوسرة" Ausra، التي ذكرها بعض الكتبة اليونان، وهي موضع "غيظت""غيظة" التي تقع على مسافة "220" كيلومترًا جنوب غربي "ريسوت"5.
وقد ورد اسم "حيو عثتر يضع" في هذا النص، وهو شقيق الملك "شعر أوتر"، غير أنه لم يضع بعده لقب "ملك سبأ وذي ريدان"6.
1 Mahram، P.304
2 Jamme 634، Mamb 273، Mahram، P.136
3 Jamme 631، Mamb 49، 205، Mahram، P.140، 141، Le Museon، 1967، 1-2، P.283
4 Jamme 640، Mamb 250، Mahram، P.140، 304
5 Mahram، P.304
6 Mahram، P.140، 304
ولدينا نص آخر دونه رجل اسمه "ربيعت""ربيعة"، ذكر فيه أنه قدم تمثالًا إلى الإله "المقه"؛ لأنه أعاده سالمًا معافًى من كل المعارك التي اشترك فيها والحرب التي شنها، وقد سأل إلهه أن يحفظه وأن يمنَّ عليه وعلى سيديه "شعر أوتر" و"حيو عثتر يضع"1. ولم يذكر النص شيئًا عن تلك المعارك وعن المواضع التي دارت فيها رحاها.
ويعد النص: CIH 398 من النصوص المهمة التي تتحدث عن تأريخ سبأ، إذ تحدث عن "شعر أوتر"، على أنه "ملك سبأ وذي ريدان"، ثم تحدث في الوقت نفسه عن "الشرح يحضب" وعن أخيه "يأزل بين"، وقد لقبهما بـ"ملكي سبأ وذي ريدان". ومعنى هذا أن حكم سبأ وذي ريدان كان لـ"شعر أوتر" وللأخوين:"الشرح يحضب" وشقيقه "يأزل بين"، وهما من أسرة همدانية أخرى سأتحدث عنها في موضع آخر، وقد توسل صاحب النص إلى آلهته بأن تمن عليهما بالصحة والعافية والنصر2.
وقد أثار هذا النص جدلًا بين علماء العربيات الجنوبية في معاصرة "علهان نهفان" لـ"فرعم ينهب"، وفي حكم "شعر أوتر" و"الشرح يحضب" وشقيقه، وتلقب كل واحد منهم بلقب "ملك سبأ وذي ريدان" فذهبوا في ذلك مذاهب؛ إذ ليس من المعقول أن يكون مقر حكم "شعر أوتر" و"الشرح يحضب" وأخيه في "مأرب"، ويكون حكمهم حكمًا مشتركًا. فبين أسرة "شعر أوتر" وأسرة "الشرح" تنافس قديم، لا يمكن أن يسمح بحكم هؤلاء الثلاثة من مدينة مأرب، وبحملهم لقبًا واحدًا عن رضًا واتفاق.
وذهب بعضهم إلى أن هذا النص لا يشير إلى حكم الأخوين، في أيام حكم "شعر أوتر"، وإنما يشير إلى أنهما حكما بعده، وإذن فلا غرابة في القضية؛ إذ لم يكن الحكم مشتركًا وفي زمن واحد. وذهب بعض آخر إلى أن حكم "الشرح" وشقيقه كان مستقلًّا عن حكم "شعر أوتر"، وأن الأخوين لم يكونا مرتبطين بـ"شعر أوتر" بأي رباط، وإنما كانا يعدان أنفسهما الملكين الشرعيين،
1 Rep. Epig. 4842، Le Museon، Li، 1938، P.133، 135، Mahram، P.304، Le Museon، 1967، 1-2، P.283
2 Glaser 891، Abessi.، S. 83، Cih 398، Iv، Ii، I، P.58، Die Arabische Frage، S. 148، Background، P.95
وأن الحكم إنما انتقل إليهما من أبيهما "فرعم ينهب". وذهب آخرون إلى أن "فرعم ينهب" كان قد وضع أساس الحكم والملك في منطقة تقع غرب "مأرب"، وأن "الشرح يحضب" و"يأزل بين" خلفاه على ملكه، واهتبلا الفرص للاستيلاء على عرش سبأ، حتى إذا سنحت لهما، لقبا أنفسهما بلقب "ملك سبأ وذي ريدان"، وذلك بعد اختفاء ذكر "شعر أوتر" وأخيه "حيو عثتر يضع"، وصارا بذلك ملكي سبأ وذي ريدان، وإنما كان حكمهما على جزء من تلك المملكة1.
وقد جاء اسم "شعر أوتر" مع لقبه "ملك سبأ وذي ريدان" في النص الموسوم بـJamme 638، وقد سقطت الأسطر الأولى منه فلم يعرف مدونه وصاحبه. وقد ذكر فيه اسم والد الملك، وهو "علهان"، وقد لقب فيه بلقب "ملك سبأ" فقط2.
وقد ثبت الآن من نصوص عثر عليها من عهد غير بعيد أن "حيو عثتر يضع" كان شقيقًا لـ"شعر أوتر"، وأنه كان قد شارك شقيقه في التلقب بـ"ملك سبأ وذي ريدان"3. ويظهر أن ذلك كان بعد مدة حكم فيها "شعر أوتر" حكمًا منفردًا، أي من غير مشاركة أخيه له في اللقب، بدليل ورود اسمه في النص Jamme 640 بعد اسم أخيه، ولكن من غير تدوين أي لقب له.
وذكر في هذا النص اسم "عبد عثتر بن موقس"، وهو من سادات "خولان"، وقد هاجمته جيوش "شعرم أوتر" وهزمته، وكبدته خسائر، وكان قد هدم وخرب معبدًا لعبادة "المقه" في موضع "أوعلن""أوعلان""محرم بعل أوعلن"، فعد صاحب النص هذه الهزيمة عقابًا وجزاءً من الإله "المقه" أنزله عليه لفعلته هذه بمعبده. فيظهر من هذا النص أن "شعرم أوتر" كان قد أغار على الخولانيين أو على القسم الذي يترأسه "عبد عثتر" منهم، وأصابهم بضرر فادح، ففرح بذلك صاحب النص؛ لتطاول "عبد عثتر" على
1 Abessi، S. 83، Rhodokanakis، Altsudarabische Inschr. S. 468، J. Ryckmans، L'institution Monarchique، P.297، Mahram، Pp.305، A. F. L. Beeston، Problems Of Sabaean Chronology، P.53
2 Jamme 638، Mamb 128، Mahram، P.139
3 Cih 408، Jamme 641، Rep. Epig. 4842، Le Museon، 1967، 1-2، P.283
معبد "المقه" إله السبئيين واستخفافه به. ولم يذكر صاحب النص السبب الذي حمل "شعرم أوتر" على مهاجمة سيد خولان، إذ عزاه إلى انتقام الإله "المقه" منه، فكأن هذا الإله هو الذي سلط "شعرم أوتر" عليه؛ لينتقم منه جزاء فعلته المنكرة بمعبده، ولعل "عبد عثتر" كان قد تجاسر على "شعرم أوتر" فهاجم أرضه، أو أنه خاصمه وعارضه أو عصى أمرًا له، فهاجمه "شعرم أوتر" وانتقم منه.
واختتم صاحب النص المذكور نصه بتقديم حمده وشكره لإلهه، إذ مَنَّ عليه فمكنه من الدفاع عن تربة بلاده، وأغدق عليه نعماءه فمنحه غلة وافرة وثمارًا كثيرة. وذلك في أيام سيديه الملكين، وفي عهد "القول" القيل "رثد أوم بزد بن حبب"1، وفي أيام "بني عنن""بني عنان" وشع "صرواح"، ثم ذكر أسماء الآلهة2.
ويظهر من النص أن صاحبه كان ممن اشتركوا في الحروب، ولعله كان من قادة الجيش فيها، أو من سادات القبائل الذين أسهموا مع قبيلتهم فيها. وكان في جانب "الشرح"، وأخيه "يأزل" وقد يكون ذكر "شعر أوتر" وذكر لقبه معه على سبيل الحكاية، لا الاعتراف بكونه ملكًا على سبأ وذي ريدان.
وسجل رجل من أتباع الملك "شعرم أوتر" أنه قدم إلى الإله "عزى" حصانًا وصورة من الذهب؛ لأنه أنقذ حياته، ونجاه في الحروب التي خاضها فيها مع سيده الملك، ولكي يمن الإله عليه، ويبارك فيه وفي سيده الملك3. ويتبين من ذلك أن صاحب هذا النص كان من المحاربين الذين قاتلوا في صفوف "شعرم أوتر".
وذُكِرَ "شعرم أوتر" في كتابة دونها قوم من "بني تزأد"، وقد حمدوا فيها الإله "المقه ثهون بعل رثون"4 ومجدوه، وقدموا نذرًا إليه. ثم ذكروا
1 قد يقرأ الاسم على هذه الصورة: "رثد أوم يزيد بن حبيب"، "رثد أوام يزد بن حباب"، وما شاكل ذلك من قراءات.
2 Cih 398، Iv، Ii، I، P.58، Halevy. Revue Semitique، Iv، 1896، P.79، Winckler، Die Sab. Inschri.، Der Zelt Alhan Nahfan's S. 347
3 Rep. Epig. 4194، Vii، I، P.105، Va 5313
4 "المقه ثهوان إله رثون""المقه ثهوان إله رثوان".
"شعرم أوتر، وحيو عثتر يطع "يضع" ملكي سبأ وذي ريدان"1، وهي جملة يفهم منها أن "حيو عثتر يطع""حيو عثتر يضع""حيو عثتر يثع"2 كان ملكًا أيضًا، وكان يلقب أيضا بـ"ملك سبأ وذي ريدان". ويرى "هومل" أن "حيو عثتر" هذا كان أحد أولاد "يرم أيمن بن علهان نهفان"، فهو ابن أخي "شعرم أوتر" وكان له شقيق سقط الشق الأول من اسمه، وبقي الشق الثاني منه، وهو "أوتر". ويرى أن من المحتمل أن يكون الاسم الكامل "شعرم أوتر"، أي مثل اسم عمه3.
وجعل "موردتمن" و"ميتوخ"، "حيو عثتر"، ابنًا من أبناء "شعرم أوتر"، فوضعاه بعده في الحكم4. وقد شارك أباه الحكم في حياته، فلقب على العادة الجارية بـ"ملك سبأ وذي ريدان". وأما اسم "شعرم أوتر"، الذي سقط القسم الأول منه، وهو "شعرم" من الكتابة، فإنه اسم الأب لا الشخص الذي ذهب "هومل" إليه5.
وورد اسم "شعرم أوتر" وبعده اسم "حيو عثتر يضع" في كتابة أخرى6 يدعى صاحبها "ربيعت""ربيعة"، وقد قدم إلى الإله "المقه" تمثالًا من الذهب؛ لأنه أعاده سالمًا من غزوة غزاها، ومن حرب حضرها في سبيل "شعرم أوتر"، وتضرع إلى "المقه" أن يديم نعمه عليه، ويمد في عمره، ويبارك فيه وفي سيديه "شعر أوتر، وحيو عثتر يضع"7.
ولما كان صاحب هذه الكتابة من السبئيين، وكنا قد وجدنا كتابات أخرى حمدت وذكرت "شعرم أوتر" بخير، وكان أصحابها من السبئيين كذلك8،
1 Burchardt 6، Cih 408، Iv، Ii، I، P.82، Hartmann، In Orletallstische Litteratur Zeltung، X، 1909، C. 605-607
2 Sab. Inschr.، S. 218. Le Museon، Lxiv، 1-2، 1951، P.134
3 Handbuch، I، S. 90
4 Sab. Inschr.، S. 218. Le Museon، Lxiv، 1-2، 1951، P.134
5 المصدر نفسه.
6 Rep. Epig. 4842، Vii، Iii، P.387، Le Museon Li، 1938، P.133، Oriens Antiquus، Iii، 1964، P.70، 80
7 السطران العاشر والحادي عشر من النص.
8 Rep. Epig. 4125، 4155، Vii، I، P.108، 109
فإننا نستنتج من ذلك كله أن قسمًا من السبئيين كانوا منحازين إلى هذا الملك، وأنهم كانوا يعترفون به ملكًا على سبأ وذي ريدان، وأن "الشرح يحضب" لم يكن يحكم كل سبأ والقبائل التابعة للسبئيين.
وذكر اسم "شعرم أوتر" في نصين آخرين قصيرين، هما بقايا نصين. ورد في أحدهما اسم "ظفار"1، وقد أهمل فيه لقبه، أما النص الثاني فقد دون عند بناء بيت، وقد لقب فيه بـ"ملك سبأ وذي ريدان"2.
ويظهر أن "شعر أوتر" قد تمكن من بسط سلطانه على أكثر حكومات العربية الجنوبية وعلى قبائلها، ما خلا المناطق التي كانت في أيدي الحبش، وهي الأرضون الغربية من اليمن والواقعة على ساحل البحر الأحمر3.
لقد جعل "جامه" حكم "شعر أوتر" فيما بين السنة "65" والسنة "55" قبل الميلاد، وجعل نهاية حكم شقيقه "حيو عثتر يضع" في السنة "50" قبل الميلاد، وهي سنة انتقال الملك من أسرة "يرم أيمن" إلى أسرة "فرعم ينهب" التي بدأت حكمها في أرض تقع حوالي "صنعاء"، ثم وسعت حكمها حتى شمل مملكة سبأ وذي ريدان كلها4.
هذا، وأود أن أشير هنا إلى أن النص: Jamme 631 المكتوب في أيام الملك "شعر أوتر" والذي تحدثت قبل قليل عنه، قد ورد فيه اسم ملك هو "لعززم يهنف يهصدق"، وملك آخر اسمه "لحيعثت يرخم"، وقد لقب كل واحد منهما بـ"ملك سبأ وذي ريدان". ومعنى هذا وجود ملكين آخرين كانا يحكمان في أيام "شعر أوتر"، كل منهما يلقب بلقب "ملك سبأ وذي ريدان". وإذا أضفنا إليهما وإلى الملك "شعر أوتر" الشقيقين "الشرح يحضب" و"يأزل بين"، وقد كانا يلقبان بهذا اللقب أيضًا، نجد أمامنا خمسة ملوك يلقبون بلقب واحد. ويرى بعض الباحثين أن الملك "لعززم يهصدق" كان ملك أرض "ظفار" وما جاورها، وهو الذي هاجمه الحبش وانتصروا عليه،
1 نشر "ص61، 62، 63".
2 نشر "ص64 وما بعدها".
3 Le Museon، 1964، 3-4، P.475
4 MAHRAM، PP.390
وكان يحكم هذه الأرضين حكمًا مستقلًّا، فلما هاجمه الحبش أسرع الملك "شعر أوتر" لنجدته على نحو ما ورد في النص1.
وأما الملك "لحيعثت يرخم"، فقد ورد اسمه في نص وسمه العلماء بـREP. EPIG. 2633، ولسنا نعرف من أمره اليوم شيئًا يذكر2. ويظن أنه من ملوك المقاطعات، أي: الملوك الصغار المحليين، وقد كان حكمه يتناول الأرضين الواقعة شمال أرض ظفار3.
يتبين لنا مما تقدم أن ملوك سبأ لم يكونوا ينفردون وحدهم بالحكم دائمًا، وإنما يظهر بين الحين والحين ملوك ينازعونهم الملك واللقب، يبقون أمدًا مستقلين، وقد يتغلبون على الملوك الشرعيين الأصليين ويسلبونهم الملك، كالذي فعله "الشرح يحضب" وشقيقه "يأزل بين"، إذ كانا ملكين يحكمان أرض "صرواح" ثم بسطا سلطانهما على أرضين أخرى ثم انتزعا العرش نهائيا، وصارا الملكين على مملكة "سبأ وذي ريدان"4.
لقد انتهيت من الكلام على أسرة "أوسلة رفشان"، وهي من عشيرة "بتع" من قبيلة "حاشد" أحد فرعي "هَمْدان"، وقد وجب الكلام الآن على أسرة همدانية أخرى ظهرت في هذا الزمن أو قبل ذلك بقليل، وانتزعت الملك من السبئيين وأخذته لها، وهذه الأسرة هي أسرة "نصرم يهأمن" التي سبق أن تحدثت عنها في أثناء كلامي على "ملوك سبأ". فقد كان "نصرم يهأمن" من قبيلة همدان أيضا، فنحن إذن في عصر سبئي، إلا أن الحكم فيه لم يكن في أيدي ملوك سبئيين، ولكن كان في أيدي ملوك من همدان.
أسرة "يرم أيمن":
1-
أوسلت رفشان "أوسلت رفشن".
1 Mahram، P.306
2 Mahram، P.134
3 Mahram، P.306
4 Cih 398، Mahram، P.306
2-
يريم أيمن "يرم أيمن".
3-
علهان نهفان "علهن نهفن".
4-
شعر أوتر "شعرم أوتر".
5-
حيو عثتر يضع.