المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الحادي والثلاثون: سبأ وذو ريدان وحضر موت ويمنت ‌ ‌مدخل … الفصل الحادي - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ٤

[جواد علي]

الفصل: ‌ ‌الفصل الحادي والثلاثون: سبأ وذو ريدان وحضر موت ويمنت ‌ ‌مدخل … الفصل الحادي

‌الفصل الحادي والثلاثون: سبأ وذو ريدان وحضر موت ويمنت

‌مدخل

الفصل الحادي والثلاثون: سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت

وفي حوالي السنة "300ب. م." أو بعد ذلك بقليل، لحقت اللقبَ الرسميَّ لملوك "سبأ وذي ريدان" إضافةٌ جديدةٌ، هي "حضرموت ويمنت"، فصار "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، وصرنا نقرأ أسماء الملوك، ونقرأ بعدها هذا اللقب الجديد.

وفي الإضافة الجديدة دلالة على أن مملكة "سبأ وذي ريدان" عدت حضرموت منذ هذا العهد أرضًا تابعة لها وخاضعة لحكمها، ليس لها منذ هذا الضم استقلال ولا ملوك، وأنها عدت أرض "يمنت" خاضعة لها وجزءًا من ممتلكاتها كذلك. ومعنى هذا أن رقعة أرض "سبأ وذي ريدان" قد توسعت كثيرًا بهذا الضم.

وكلمة "يمنت" لم ترد قبل هذا العهد، لا في المسند ولا في كتب "الكلاسيكيين"، ولهذا فهي بالنسبة إلينا لفظة جديدة، وقفنا عليها في الكتابات التي دونت بعد الميلاد. وقد يأتي زمان يعثر فيه العلماء على كتابات تحمل هذه الكلمة، وترجع بها إلى ما قبل الميلاد.

ويمنت -في رأي "كلاسر"- كلمة عامة تشمل الأرضين في القسم الجنوبي الغربي من جزيرة العرب؛ من باب المندب حتى حضرموت. وكانت تتألف من مخاليف عديدة، يحكمها أقيال وأذواء مستقلون بشئونهم، ولكنهم يعترفون بسيادة "ظفار" أو "ميفعة" عليهم. ومن أشهر مدن "يمنت" الساحلية في رأي

ص: 182

"كلاسر" Ocelis عند باب المندب، و"عدن" Arabia Emporium و"قانة""قنا" Cane في حضرموت1.

وتعني "يمنت" في العربيات الجنوبية الجنوب، وقد رأى "فون وزمن" أنها تعني القسم الجنوبي من أرض حضرموت، وهي الأرض التي كانت عاصمتها "ميفعت""ميفعة" في ذلك الزمان2.

ومن "يمنت" ولدت كلمة اليمن التي توسع مدلولها في العصور الإسلامية حتى شملت أرضين واسعة، لم تكن تعد من اليمن قبل الإسلام، تجدها مذكورة في مؤلفات علماء الجغرافيا والبلدان والموارد الأخرى3.

واليمن عند أهل الأخبار أرض واسعة يحدها من الغرب بحر القلزم، أي: البحر الأحمر، ومن الجنوب بحر الهند، أي: البحر العربي في اصطلاحنا، ومن الشرق البحر العربي، وتتصل حدود اليمن الشمالية إلى حدود مكة حيث الموضع المعروف بـ"طلحة الملك"4.

وقد أورد أهل الأخبار على مألوف عادتهم تفاسير لسبب تسمية اليمن يمنًا، فذكروا أن اليمن إنما سميت يمنًا نسبة إلى يمن بن قحطان، وقيل: إن قحطان نفسه كان يسمى بيمن. وقيل: إنما سميت بيمن بن قيدار، وقيل: سميت؛ لأنها يمين الكعبة، وقيل: سميت بذلك؛ لتيامنهم إليها، وقيل: لما تكاثر الناس بمكة وتفرقوا عنها، التأمت بنو يمن إلى اليمن، وهو أيمن الأرض5.

وأول ملك نعرفه حمل اللقب الجديد، لقب "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، هو الملك "شمر يهرعش" المعروف بـ"شمر يرعش" عند الإسلاميين. أما أبوه فهو "يسر يهنعم""ياسر يهنعم"، المعروف والمشهور أيضا مثل ابنه بين أهل الأخبار.

وقبل أن أدخل في موضوع "شمر يهرعش" وفي أبيه، أودُّ أن أبين أن

1 Glaser، Punt Und Die Sudarabischen Reiche، In Mitteillungen Der Der Vorderasiatischen Gesellschaft، 1899، S. 99

2 Le Museon، 1964، 3-4، P.456

3 الصفة "ص48"، البلدان "8/ 522".

4 صبح الأعشى "5/ 6".

5 صبح الأعشى "5/ 6"، اللسان "13/ 462، 464".

ص: 183

الباحثين في هذا اليوم ليسوا على اتفاق في عدد من تسمى بـ"ياسر يهنعم" وفي أيام حكمهم، وكذلك في عدد من تسمى بـ"شمر يهرعش" وفي أيام حكمهم، فبينما كان قدماؤهم يذهبون إلى وجود "ياسر يهنعم" واحد ووجود "شمر يهرعش" واحد، ذهب بعض المحدثين إلى وجود شخصين اسم كل واحد منهما "ياسر يهنعم"، وشخصين اسم كل واحد منهما "شمر يهرعش" واسم والد كل واحد منهما "ياسر يهنعم"1.

وقد ذهب "فون وزمن" إلى وجود ثلاثة ملوك كان اسم كل واحد منهم "ياسر يهنعم"، وثلاثة ملوك كان اسم كل واحد منهم "شمر يهرعش"، واسم والد كل واحد منهم "ياسر يهنعم". أما "ياسر يهنعم الأول"، فجعل زمان حكمه في حوالي السنة "200" للميلاد، وقد حكم معه ابنه المسمى بـ"شمر يهرعش"، وقد لقبه بالثاني ليميزه عن ملك آخر حكم قبله وتسمى بهذا الاسم أيضا، وهو "شمر يهرعش"، الذي دعاه بالأول، وقد حكم في حوالي السنة "140" للميلاد. ولم يعرف اسم والده2.

وجعل "فون وزمن" حكم "ياسر يهنعم الثاني" في حوالي السنة "270" للميلاد، وقد حكم ابنه "شمر يهرعش الثالث" معه، ثم حكم "شمر يهرعش الثالث" وحده. ثم نصب ملكًا آخر من بعده، جعل حكمه في حوالي السنة "330" للميلاد سماه "ياسر يهنعم الثالث" حكم مع ابنه "ثارن يهنعم""ثأران يهنعم"3.

ويعرف "ياسر يهنعم" عند أهل الأخبار بـ"ياسر أنعم" وبـ"ناشر النعم" وبـ"ياسر ينعم" وبـ"ناشر ينعم" وبـ"ناشر أنعم"، وزعموا أنه إنما عرف بذلك لإنعامه عليهم، ووالده في نظرهم "عمرو بن يعفر بن حمير بن المنتاب بن عمرو بن زيد بن يعفر بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبأ"4، أو "يعفر بن عمرو بن حمير بن السياب بن عمرو بن زيد بن يعفر بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبأ"5، أو "عمرو ذي الأذعار"، أو

1 Le Museon، 1964، 3-4، P.422، Oriens Antiquus، Iii، 1964، P.80

2 Le Museon، 1964، 3-4، P.498

3 Le Museon، 1964، 3-4، P.498

4 الإكليل "ص207"، الطبري "1/ 566""دار المعارف""2/ 11""دار المعارف"، مروج الذهب "2/ 5"، ابن خلدون "2/ 52".

5 التيجان "ص219".

ص: 184

"عمرو بن يعفر بن شرحبيل بن عمرو ذي الأذعار". وزعموا أنه سار إلى وادي الرمل بأقصى الغرب، فلم يجد وراءه مذهبًا، فنصب صنمًا من نحاس، وزبر عليه بالمسند:"هذا الصنم لناشر أنعم، ليس وراءه مذهب، فلا يتكلف أحد ذلك فيعطب"1.

وقد حكم "ياسر أنعم" أو "ناشر النعم" أو "ناشر ينعم" بعد "بلقيس بنت إيليشرح" معاصرة "سليمان""1021-981ق. م."، على رواية من روايات أهل الأخبار2، أو بعد ثلاثين سنة أو أربعين من حكم "سليمان" لحمير، حيث أخذه منه وأعاده إلى حمير، فملكهم هو، وكان ملكه خمسًا وثلاثين سنة3. وهكذا رجع أهل الأخبار زمان "ياسر أنعم" إلى ما قبل الميلاد، وصيروه معاصرًا لسليمان، وهو من رجال أواخر القرن الثالث للميلاد.

أما سبب اشتهاره بين أهل الأخبار بـ"ناشر النعم"، أي:"محيي النعم"4 فلأنه كما يقولون: "أحيا ملك حمير"، أو "لإنعامه عليهم بما قوى من ملكهم، وجمع من أمرهم"5، أو "لإنعامه على الناس بالقيام بأمر الملك، ورده ذلك بعد زواله"6. ولفضله العميم هذا على حمير، نعتوه بالنعت المذكور.

ونسب الأخباريون إلى "ناشر النعم" الغزوات والفتوح، زعموا أنه جمع حميرَ وقبائل قحطان، وخرج بالجيوش إلى المغرب حتى بلغ البحر المحيط، فأمر ابنه "شمر يرعش" أن يركب البحر، فركب في عشرة آلاف مركب، وسار يريد وادي الرمل، ونزل "ناشر النعم" على صنم "ذي القرنين" فأخرج عساكره إلى الإفرنج و"السكس" وأرض "الصقالبة"، فغنموا، وسبوا، ورجعوا إليه بسبي عظيم. ولما رجع "شمر" من المحيط إلى أبيه، أمر بمنارة فبنيت إلى جانب منارة ذي القرنين، ثم أمر فكتب في صدر التمثال الذي عليها من النحاس بالمسند: هذا الصنم لياسر أنعم الحميري، وليس وراءه مذهب،

1 صبح الأعشى "5/ 22".

2 التيجان "ص219"، الطبري "1/ 566""طبعة دار المعارف بمصر" مروج الذهب "2/ 4 وما بعدها""تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد".

3 التيجان "ص219"، مروج الذهب "2/ 4".

4 التيجان "ص219".

5 الطبري "1/ 566""دار المعارف".

6 حمزة "ص83".

ص: 185

فلا يتكلفن ذلك فيعطب1. ونسبوا إليه فتح الحبشة، وإرسال العساكر إلى أرض "الروم بني الأصفر"، وملكهم يومئذ "باهان بن سحور بن مدين بن روم بن أسطوم بن روم بن ناطس بن سامك بن رومي بن عيص، وهو الأصفر بن يعقوب"، وذكروا أنه غلب على أرض الترك، وسار إلى التبت والصين وأرض الهند. فلما بلغ "نهاوند" و"دينور"، مات بها، فدفنه ابنه "شمر" في ديار الغربة، وولي الملك بعده2.

وأبت قرائح أهل الأخبار إلا أن تضيف إلى "ناشر النعم" شعرًا، فيه فخر وفيه حماسة، زعمت أنه قاله3. وأضافت إلى ابنه شعرًا، زعمت أنه قاله في رثاء أبيه، ولم تنسَ هذه القرائح أن تأتي بنماذج من كلامه العربي العذب؛ لترينا أنه كسائر ملوك اليمن يتكلم بلسان عربي مبين4.

أما نحن، فلا نعلم شيئًا من أمر هذه الفتوح والغزوات، ولا من أمر هذا المنظوم أو المنثور، وإنما الذي نعرفه أنه كان يسمى "ياسر يهنعم"، لا "ناشر النعم" كما جعله الأخباريون، وأنه عاش في القرن الثالث للميلاد، وبينه وبين سليمان مئات من السنين، وأنه لا يمكن أن يكون قد خلف "بلقيس" معاصرة "سليمان" على حد زعم أهل الأخبار، ولا أن يكون قد انتزع الملك من "سليمان"، ولا أن يكون صاحب فضل ونعمة على حمير؛ لأنه أنقذهم من حكم "سليمان". وكل ما في الأمر أن الاسم كان بالنسبة إلى أهل الأخبار غريبًا، فصيروه "ناشر النعم"، وابتكروا له قصصًا في تفسير معنى ذلك الاسم.

وإذا كان حكم "ياسر يهنعم" في النصف الثاني من القرن الثالث للميلاد، فإنه يكون من المعاصرين لمملكة "تدمر"، وربما كان قد عاصر الملكة الشهيرة "الزباء"5، وأدرك أيام سادات الحيرة أول مؤسسي أسرة لخم. وقد قدر بعض الباحثين في العربيات الجنوبية زمان حكم "ياسر يهنعم" بأوائل النصف الأول من

1 التيجان "ص221"، الطبري "2/ 3""المطبعة الحسينية".

2 التيجان "ص221 وما بعدها" "قبر الملك مالك ناشر النعم بأرض نهاوند ودينور بأرض العجم

"، الإكليل "ص207".

3 التيجان "ص221".

4 التيجان "ص220" الأصمعي، تأريخ ملوك العرب الأولية "ص80، 103"، حمزة "ص83".

5 Carl Rathjens، Sabaeica، I، S. 89.، Le Museon، 1961، 1-2، P.172

ص: 186

القرن الثالث للميلاد، أي: في حوالي سنة "201" أو "207" للميلاد فما بعدها1.

ولا نعرف اسم والد "ياسر يهنعم" إذ لم يرد ذكره في النصوص، أما أهل الأخبار فقد عينوه وثبتوه على نحو ما ذكرت، وصيره "حمزة""شراحيل"، -وهو على زعمه- عم "بلقيس" التي حكمت اليمن قبل عمها "ناشر النعم"2. وقد ذهب "فلبي" مستندًا إلى دراسة بعض النصوص إلى احتمال كون "العذ نوفان يهصدق" الذي وضع اسمه قبل اسم "ياسر يهنعم" والدًا له3.

وقد ورد اسم "ياسر يهنعم" في جملة نصوص، منها نص رقمه العلماء بـCIH 46، عثر عليه في موضع "يكرن""يكاران""يكر""يكار" أرخ بشهر "ذو المحجة""ذو محجة""بورخن ذ محجتن""ذو الحجة" من سنة "385" من التأريخ الحميري5، الموافقة لسنة "270م" من سني "مبحض بن إبحض""مبحض بن أبحض"6. وقد جاء فيه اسم الإله "عثتر ذو جوفت" بعل "علم" و"بشر"، أي: إله وسيد موضعي "علم" و"بشر"، واسم قبيلتي "مهأنف" و"شهر"7.

وقد تبين من الكتابات أن "ياسر يهنعم" كان قد حكم وحده في بادئ الأمر، لم يشاركه أحد في اللقب ولا في الحكم، ثم بدا له ما حمله على إشراك ابنه "شمر يهرعش" معه، بدليل ذكر اسمه من بعده، وبعده:"ملك سبأ وذي ريدان"، فصرنا نقرأ الكتابات المتأخرة المدونة في هذا العهد وبها اسم الملكين.

وورد اسم "ياسر يهنعم" وابنه "شمر يهرعش" في نص آخر مؤرخ كذلك، أُرِّخَ في شهر "مذران""مذرن" سنة "316" من سني تقويم "نبط ال""نبط إيل" دوَّنه "فرعن يرل بن ذرنح""فرعان يأزل بن ذرنح"، و"يعجف" رئيس قبيلتي "قشم""قشمم" و"مضحيم""مضحي"، وذلك عند

1 Le Museon، 1964، 3-4، P.456

2 حمزة "ص83".

3 Background، P.109

4 "يكاران" الصفة "ص111 س14"، "يكر". Background، P.109

5 "ذو الحجة"، "ذبخرفن خمست وثمني وثلث ماتم".

6 Cih 46، Iv، I، P.76، Cih 26، Langer 7، D.H. Muller، In Zdmg.، Xxxvii، "1883"، S.365-370، Background، P.109

7 راجع نهاية النص.

ص: 187

بنائها "ماجلهمو""مأجل" صهريجين يخزنان فيهما المياه لإسقاء أرضين لهما مغروسة بالكروم، وكان ذلك في أيام سيديهما "ياسر يهنعم" وابنه "شمر يهرعش" ملكي "سبأ وذي ريدان"1، ولهذه المناسبة تيمنا بذكر اسمي الملكين.

وقد قدر "فلبي" مبدأ تقويم "نبط إيل" بسنة "40ق. م."، فإذا أخذنا بهذا التقدير، يكون هذا النص قد دون حوالي سنة "276ب. م."2.

وأود أن ألفت نظر القارئ إلى أن أحد النصين قد أرخ بـ"سني نبط""نبط ال""نبط إيل"، وأن النص الآخر قد أرخ بسني "مبحض بن أبحض"، كما عثر على نصين آخرين أرخا بسني "مبحض بن أبحض".

وقد ذهب العلماء إلى أن الناس كانوا يؤرخون في ذلك الزمان وفق تقويمين، أي: تأريخين، مبدأ أحدهما تقويم "نبط""نبط إيل"، ومبدأ ثانيهما تقويم "مبحض بن أبحض"، والفرق بين التقويمين خمسون سنة، أو خمس وسبعون سنة. وقد بقي الناس يؤرخون بهذين التقويمين أمدًا، ثم مالوا إلى التوريخ بتقويم واحد، إلى أن أهمل أحدهما إهمالًا تامًّا. ويرى "بيستن" أن التقويم الذي أهمل وترك، هو تقويم "نبط" نبط إيل"، وأن الذي بقي مستعملًا هو تقويم "مبحض بن أبحض"3.

ويرى "بيستن" أن الكتابات السبئية المتأخرة، قد أرخت وفق تقويم "مبحض بن أبحض"، وإن لم تشر إلى الاسم؛ إذ أسقطته من الكتابات.

أما مبدأ هذا التقويم، فيقع فيما بين سنة "118" و"110ق. م."، غير أن الناس لم يؤرخوا به عمليًّا وفي الكتابات إلا في القرن الثالث بعد الميلاد. أما فيما قبل القرن الثالث للميلاد، فقد كانوا يؤرخون على عادتهم بتقاويم محلية مختلفة4.

ويرى "ريكمنس" أن التواريخ التي أرخت بها النصوص المؤرخة في عهد "ياسر يهنعم" وفي عهد ابنه "شمر يهرعش" تختلف عن التقويم السبئي المألوف الذي يبدأ -على رأيه- بسنة "109ق. م." وهي لذلك لا يمكن أن تثبت

1 Le Museon، 1964، 3-4، P.475، Rep. Epig.، Vii، P.138، Rep. Epig. 4196

2 Background، P.110

3 A.F.L. Beeston، Epigraphic South Arabian Calendars And Dating، London، 1956. P.36

4 Beeston، Epigraphic، P.37

ص: 188

وفق هذا التقويم1.

وقد حارب "ياسر يهنعم" الهمدانيين الذين تعاونوا مع قبائل "ذي ريدان" لمهاجمة "مأرب"، غير أنه باغت الهمدانيين في غرب "صنعاء" وتغلب عليهم2.

وفي النص الموسوم بـCIH 353 خبر ثورة للحميريين على "ياسر يهنعم" وابنه "شمر يهرعش" في "ضهر"، وقد حاصر "ياسر" الحميريين، ويرى "فون وزمن" أن هذه الثورة حدثت في حوالي سنة "300ب. م.". وقد عثر على كتابات في منطقة "ضهر"، وهي لا تبعد كثيرًا عن "صنعاء"، وفي هذه المنطقة خرائب "دورم"، كما عثر على كتابات في "ثقبان" بين "ضهر" و"صنعاء"3.

أما الذي حارب "شمر يهرعش بن ياسر يهنعم"، من الحميريين، وذلك كما جاء في النص المتقدم، أي النص الموسوم بـCIH 353 فـ"يرام أيمن" وأخوه "برج""بارج". فيكون حكمها إذن في أيام "شمر يهرعش"، أي في القرن الثالث للميلاد4. وهذا مما يشير إلى أن العلاقات بين الطرفين أي: بين "سبأ" و"حمير"، كانت قد تعرضت لهزة عنيفة خطيرة حتى تحولت إلى حرب، أشير إليها في هذا النص5.

ومن النصوص التي تعود إلى الدور الثاني من أدوار حكم "ياسر يهنعم" النص: Jamme 646، وصاحبه شخص اسمه "شرح سمد بن يثار""شر حسمد بن يثأر" وآخر اسمه "الفنم""الفن""الفان". وكانا من كبار الضباط في حكومة "ياسر يهنعم" وابنه "شمر يهرعش"، ومن درجة "مقتوى". وقد دونا نصهما حمدًا وشكرًا للإله "المقه""بعل أوام"؛ لأنه مكنهما من الشخص الذي أراد إحراج "ذ حرجهو" مكانتهما وزعزعتها عند سيدهما "شمر يهرعش"، ولكن "المقه" مَنَّ عليهما وشملهما بفضله ولطفه، فنصرهما عليه وأبطل خطته في إحراج مكانتهما "يحر جنهو" عند سيدهما. وتعبيرًا عن حمدهما وشكرهما له، تقدما إلى الإله "المقه" بصنم "صلمن" وضعاه في

1 Beitrage، S. 116

2 A. Grohmann، Arabien، S. 29

3 Beitrage، S. 20، Oriens Antiquus، Iii، 1964، P.81

4 Le Museon، 1964، 3-4، P.485

5 Le Museon، 1964، 3-4، P.451

ص: 189

معبد "أوام"، ولكي يمن عليهما ويبعد عنهما أذى الأعداء وحسد الحاسدين1.

وورد اسم "ياسر يهنعم" واسم ابنه "شمر يهرعش" في النص:Jamme 647، وهو نص دونه ضابطان كبيران "مقتوى" من ضباط الملكين؛ لمناسبة ولادة مولود لهما "هو ولدم"، وقد شكرا فيه الإله "المقه""بعل أوام" على هذه النعمة، وتوسلا إليه بأن يمن عليهما بأولاد آخرين؛ وبأن يرفع من مكانتهما عند سيديهما الملكين، وبأن ينصر جيشهما ويرفع من مكانة قصر "سلحن""سلحين""سلحان" مقر الملوك بمأرب ومن منزلة قصر "ريدان"، وتوسلا إليه بأن يبارك في كل ما قام به الملكان من أعمال، وبأن يبارك في كل مشروع وضعوه في خلال السنين السبع في أي مكان كان، في مأرب أو في صنعاء أو في نشق أو في نشان "نشن"، وفي كل مكان يجتمعون به في أرض البدع الخمس "بارضت خمس بدعتن"2، أو في مواضع السقي "وسقين"، ولكي يحفظهما من كل بأس وأذى، وبأن يبعد عنهما حسد الحاسدين.

وورد اسمهما في النص: Jamme 648، وهو مثل النص المتقدم حمد وشكر للإله "المقه""بعل أوام"؛ لأنه حفظ صاحب النص وعافاه وأعطاه الصحة وبارك في حياته وفي حياة ابنه، ولكي يرفع من مكانته ومكانة ابنه، ويجعل لهما الحظوة عند الملكين، ويرضيهما عنهما، ولكي يبعد عنهما أذى كل مؤذٍ، وحسد كل شانئ حقود3.

ولـ"شمر يهرعش" قصص ومقام لدى الأخباريين، له عندهم ذكر فاق ذكر والده بكثير. هو عندهم "تبع الأكبر الذي ذكره الله سبحانه في القرآن؛ لأنه لم يقم للعرب قائم قط أحفظ لهم منه

فكان جميع العرب بنو قحطان وبنو عدنان، شاكرين لأيامه. وكان أعقل من رأوه من الملوك وأعلاهم همةً وأبعدهم غورًا وأشدهم مكرًا لمن حارب، فضربت به العرب الأمثال"4 إلى غير ذلك مما رتبه "وهب بن منبه" عنه، وكان على زعمهم معاصرًا لـ"قباذ بن شهريار" الفارسي. ولما بلغه أن الصغد والكرد وأهل نهاوند ودينور هدموا

1 Jamme 646، Mamb 243، Mahram، P.148

2 الفقرة 29 وما بعدها من النص: Jamme 647، Mamb 265، Mahram، P.149ذ

3 Jamme 648، Mamb 94، Mahram، P.150

4 التيجان "ص222"، تفسير الطبري "25/ 77".

ص: 190

قبر "ناشر النعم" وفرقوا رخامه وزجاجه وما كان فيه من جذع وغيره، غضب غضبًا شديدًا ونذر لله نذرًا:"ليرفعن ذلك القبر بجماجم الرجال حتى يعود جبلًا منيفًا شامخًا كما كان". ثم سار بجيوشه وبأهل جزيرة العرب، فسار إلى أرمينية، فبلغ ذلك قباذ، فأمر الترك بالمسير إلى أرمينية، فسارت الترك تريد أرمينية فقاتلهم قتالا شديدا، ثم هزمهم فقتلهم قتلًا ذريعًا، ثم سار نحو المشرق فتغلب على قباذ، واستولى على الفرس، وأعاد بناء قبر أبيه. ثم هدم المدائن بدِينَوَرَ و"سنجار" بين نهاوند ودينور "فجميع الأرض التي خربها شمر يهرعش، سماها بنو فارس شمر كند، أي: شمر خرّب باللسان الفارسي، فأعربته العرب بلسانها، فقالوا: "سمرقند"، وهو اسمها اليوم"1، ثم بسط سلطانه على الهند، وعين أحد أبناء ملوك الهند ملكًا على الصين، ثم عاد فسار إلى مصر، ومنها إلى الحبشة، فاستولى عليها، وهرب الأحباش إلى غربي الأرض إلى البحر المحيط، فتبعهم "شمر" حتى بلغ البحر، ثم رجع قافلًا إلى المشرق، فمر بمدينة "شداد بن عاد" على البحر، فأقام بها خمسة أحوال. ثم ذهب لزيارة قبر والده، ثم رجع إلى بلاده إلى "قصر غمدان"، فأقام فيه إلى أن توفي وعمره ألف سنة وستون عامًا، بعد أن ملك الأرض كلها2. وزعم بعض أهل الأخبار أنه هو الذي بنى الحيرة بالعراق3.

وزعم "حمزة" أن والد "شمر" هو "إفريقيس"، وذكره على هذا النحو:"يرعش أبو كرب بن إفريقيس بن أبرهة بن الرايش، وإنما سمي يرعش لارتعاش كان به". وذكر أن رواة أخبار اليمن تفرط في وصف آثاره، ثم ذكر بعض ما ذكروه عنه، وذكر أن بعض الرواة يزعمون أنه كان في زمان "كشتاسب"، وأن بعضًا آخر يزعم أنه كان قبله، وأن "رستم بن دستان" قتله، وجعل ملكه سبعًا وثلاثين سنةً4.

وقال الأخباريون: إن "شمر يرعش" هو أول ملك أمر بصنعة الدروع المفاضة

1 التيجان "ص227"، ابن خلدون "2/ 52"، البلدان "5/ 122".

2 التيجان "ص222 وما بعدها".

3 صبح الأعشى "5/ 22"، "كان رجلًا من حمير، سار بالجيوش حتى حير الحيرة، ثم إلى سمرقند فهدمها"، تفسير الطبري "25/ 77".

4 حمزة "ص84".

ص: 191

التي منها سواعدها وأكفها وهي الأبدان، وقد فرض على فارس ألف درع يؤدونها كل عام، وكان عامله عليهم "بلاس بن قباذ"، وجعل على الروم ألف درع يؤدونها كل عام، وكان عامله على الروم "ماهان بن هرقل"، وجعل على أهل بابل وعمان والبحرين ألف درع، وعلى أهل اليمن ألف درع. وجعلوا أهل "التبت" من بقايا قوم "شمر يرعش"، وذكروا عنه قصصًا أخرى من هذا القبيل1، ولم ينسوا بالطبع حكمه وشعره، فذكروهما2.

أما علمنا عنه، فيختلف عن علم أهل الأخبار عنه. وقد حصلنا على علمنا عنه من كتابات المسند من أيامه. وهي كلها خرس صامتة، ليس فيها شيء من أخبار تلك الفتوحات المزعومة والحروب الواسعة التي أشعلها "شمر" على زعمهم في جميع أنحاء الأرض، وليس فيها كذلك شيء عن نقل حمير إلى "التبت" وإسكانه لهم في تلك الأرضين البعيدة، وليس فيها شيء ما عن قبر والده بدينور، ولا عن تهديمه لمدينة "سمرقند".

ونستطيع تقسيم كتابات المسند من أيام "شمر يهرعش" إلى قسمين: كتابات من أوائل أيام حكمه، أي: الأيام التي حكم فيها بلقب "ملك سبأ وذي ريدان"، ولم يكن قد استولى بعد على حضرموت ويمنت، وكتابات من العهد الثاني من أيام حكمه، أي: العهد الذي لقب فيه نفسه بلقب "ملك سبأ وذي ريدان ويمنت" حتى وفاته، وانتقال الحكم إلى خليفته في الحكم.

ومن كتابات الدور الأول، الكتابة التي وسمها العلماء بـ Glaser 542، وقد سقطت أسطر منها. وهي على جانب كبير من الأهمية بالنسبة إلى من يريد الوقوف على تأريخ التشريع عند الجاهليين، ترينا قانونًا سنه الملك لشعب سبأ، أهل "مأرب" وما والاها، في تنظيم البيوع بالمواشي والرقيق. فحدد المدة التي يعد فيها البيع تمامًا، وهي أمد شهر، والمدة التي يجوز فيها رد المبيع إلى البائع، وهي بين عشرة أيام وعشرين يومًا. كما بين حكم الحيوان الهالك في أثناء المدة التي يحق للمشتري فيها رد ما اشتراه إلى البائع، فحددها بسبعة أيام؛ فإن مضت هذه الأيام، وهلك الحيوان في حوزة المشتري وجب عليه دفع الثمن كاملًا إلى

1 التيجان "ص240"، الإكليل "211".

2 التيجان "222".

ص: 192

البائع، ولا يحق له الاعتراض عليه والاحتجاج بأن الحيوان قد هلك في أثناء مدة أجاز له القانون فيها فسخ عقد الشراء1.

ويعد النص الموسوم CIH 407 من النصوص المهمة، من الأيام الأولى من أيام حكم "شمر يهرعش". وهو يتحدث عن حرب قام بها جيش "شمر" في شمال غربي اليمن، امتدت رقعتها حتى بلغت اليم، شملت أرض "عسير" و"صبية""صبا"2، بين وادي "بيش" ووادي "سهام"، وهي أرض تهامة، قام بها ضد قبائل "سهرت""سهرة" و"عكم""عك" وغيرها. وصاحبه رجل اسمه "أبو كرب"، وهو في درجة "مقتوى" أي: قائد في جيش شمر، وقد أبلى في هذه الحرب بلاءً حسنًا، فقتل ثلاثين من الأعداء، وقتل أسيرين، وغنم فيها كثيرًا3. فقدم من أجل ذلك إلى الإله "المقه ثهون بعل أوم"4 تمثالين من الذهب، وتمثالًا من الفضة؛ لأنه من عليه فأنقذه من مرض أصابه في مدينة "مأرب" مدة ثمانية أشهر، ولأنه من عليه في الحرب التي اشتعلت في "وادي ضمد"، وامتدت حتى موضع الـ"عكوتين" "عكوتنهن" وساحل البحر، وقد انتصرت فيها جيوش "شمر" على جمع من قبائل تهامة عسير. ومن القبائل التي ورد اسمها في هذا النص: "ذ سهرتم"، أي:"ذو سهرت""ذ سهرتن""ذو سهرت""ذو سهرة""سهرة""ساهرة" و"دوأت" و"صحرم""صحار""صحر" و"حرت""حرة"5، و"عكم"6.

فيتبين من هذا النص أن الملك "شمر يهرعش" سير حملة عسكرية إلى جملة قبائل من قبائل عسير وتهامة حتى ساحل البحر، فانتصرت الحملة عليها، وتعقبت القبائل في البحر، وجرت معارك في وسطه، وأنزلت بالمنهزمين، وهم على أمواج

1 Rep. Epig. 3910، Vi، P.378، Conti Rossini، Ar. Merid.، 1931، P.52، Background، P.110، Glaser 542، B. M. 10396

2 Beitrage، S. 119، Le Museon، 1964، 3-4، P.485

3 أغناطيوس غويدي: المختصر في علم اللغة العربية الجنوبية "ص19 وما بعدها".

4 "المقه ثهوان بعل أوَّام".

5 سطر "18 وما بعده".

6 Cih 407، Jamme 649، 650، Jamme، Les Antiquites Sud-Arabes Du Musee Borely، Cahiers De Byrsa 8، 1958/ 9، Pp.151-167، Sabaean Inscriptions، P.369

ص: 193

البحر، خسائر فادحة1. وقد استدل بعض الباحثين من إشارة "أبي كرب" إلى الخسائر التي مُنِيَ بها المنهزمون وهم في البحر، إلى أن أولئك المنهزمين كانوا من الحبش الذين كانوا يحكمون ساحل تهامة، وأن المعركة قد وقعت في البحر الأحمر2.

ويقع موضع "عكوتن""العكوتان"3 شمال "وادي ضمد"، وأما "صحار""صحرم"، فيقيمون اليوم حوالي "صعدة"، وأما "سهرتم""سهرة"، فقبيلة تقع منازلها في تهامة، وربما كانت منازلها من "وادي بيش" في الشمال إلى "وادي سردد""وادي سردود" في الجنوب، وقد كانت هذه القبيلة على صلات قوية بالحبش في أيام "الشرح يحضب". وقد أدت فتوحات "شمر يهرعش" في هذه الأرضين التي بلغت سواحل البحر الأحمر إلى دخوله في نزاع مع الحبش الذين كانوا يحتلون مواضع من الساحل، ويؤيدون بعض القبائل لوجود أحلاف عقدوها معها4.

و"عكم""عك" من الأسماء المعروفة التي ترد في كتب أهل الأخبار. أما هنا، فإنه اسم قبيلة5.

وإلى هذا العهد أيضا تعود الكتابة: Jamme 649 وهي من الكتابات التي تتحدث عن حروب وقعت في أيام "شمر يهرعش". وقد دونها رجل اسمه "وفيم أحبر""وفي أحبر""وافي أحبار"، وهو من "حبب""حبيب" و"هينن""هينان" و"ثارن""ثأران""ثئرآن"، وهم من "عمد" و"سارين""سأريان" و"حولم"، أقيال "أقول" عشائر "صروح""صرواح" و"خولان حضلم""خولان حضل" و"هينان". وكان "وفيم أحبر" ضابطًا كبيرًا "مقتوى" عند "شمر يهرعش""ملك سبأ وذو ريدان"، دونها لمناسبة تقديمه صنمًا "صلم" إلى الإله "المقه""بعل أوام"

1 Rep. Epig. 189، I، Iii، P.150، Hartwig Derenboug، Les Monuments Sabeens Et Himyartes D'musee D'archeologie De Marseille، In Revue Archeologique، 3، Vol.، Xxxv، "1899"، P.25

2 Beitrage، S. 119

3 والمفرد "عكوت""عكوة".

4 Cih 407، Beitrage، S. 119

5 Le Museon، 1964، 3-4، P.485

ص: 194

لأنه نجاه وحفظه وأعانه في كل المعارك والمناوشات والغزوات "سبات""سبأت"، التي خاضها لمعاونة "شوعن" سيده الملك، وذلك في "سهرتن ليت""سهرتان ليت"، و"خيون""خيوان"، و"ضدحن""ضدحان"، و"تنعم" و"نبعت""نبعة"، ولأنه ساعده وقواه ومكنه من قتل خمسة محاربين في خلال هذه المعارك، أطار رءوسهم بسيفه، ولأنه مكنه من أخذ أسير، ومن الحصول على غنائم كثيرة، ولأنه أنعم على قبيلته بغنائم كثيرة حصلت عليها من هذه المعارك، وبأسرى جاءت بهم إلى مواطنها، ولأنه عاد معها سالمًا غانمًا معافًى1.

وأرض "سهرتن ليت"، هي جزء من أرض "سهرتن"، وتقع غرب "دوت""دوات""دوأة"، ويسقيها "وادي ليت""وادي لية". وأما "خيون""خيوان"، فموضع يقع على وادي "خبش"، في المنطقة المهمة من "حاشد"، وهو مدينة تقع في جنوب شرقي "جيزان"، وعلى مسافة "90" كيلومترًا تقريبا جنوب شرقي صعدة، وحوالي "105" كيلومترات شمال "صنعاء"2.

وأما موضع "ضدحن""ضدحان"، فإنه وادي "ضدح""الضدح" الذي يوازي "وادي أملح"، ويقع إلى الجنوب منه، وعلى مسافة "35" كيلومترًا إلى جنوب شرقي "الأخدود"3. وأما موضع "نبعت" "نبعة"، فإنه "نبعة"، وهو تلال تقع بين وادي "حبونت" "حبونة" ووادي "ثار" "ثأر"، وقد يكون موضع "نبعة" المكان الذي يسمى اليوم "مجونة" الذي يقع على مسافة "25" كيلومترًا شمال شرقي "بئر سلوى" وعلى مسافة "63" كيلومترًا من شمال غربي "الأخدود". وإذا كان هذا الرأي الأخير صحيحًا، صار موضع "تنعم" فيما بين "صندحان" و"نبعت""نبعة"4.

وتحدث النص عن معارك أخرى، وقعت بعد المعارك المتقدمة، وقد اشترك

1 Jamme 649، Mamb 223، Mahram، P.151.

2 Mahram، P.369

3 Mahram، P.369، L. Farrer، Sudarabien Nach Al-Hamdani's Beschreibung Der Arabischen Halbinsel، Leipzig، 1942، S. 121، Note 2، H. Von Wissmann، Geographische Grundiagen Und Fruhzeit Der Geschichte Sudarabiens، In Saeculm، 4، "1953"، S. 61

4 Mahram، P.369

ص: 195

فيها مدون النص. إذ يذكر "وفيم أحبر" أنه قاتل وأعان سيده "شمر يهرعش" وذلك في وادي "ضمدم""ضمد"، وأنه ذهب مع سرية لاستطلاع الأخبار عن قبيلة "حرت""حرة"، وقد قتل خمسة محاربين من محاربي العدو، قطع رءوسهم، وقد كان ذلك أمام سريته، مما ترك أثرًا مهمًّا فيهم. ثم يذكر أنه أصيب في هذه المعارك بخمسة جروح، أصابت وركيه وقدميه وفرسه "ندف". وقد خشي من أن يؤدي الجرح الذي أصاب قدميه إلى قطعهما، وخشي على فرسه كذلك من أن تنفق من الجرح الذي أصابها، غير أن الإله "المقه" لطف به، فشفاه وعافاه وشفى فرسه، وأعاده مع قبيلته التي حاربت معه، إلى موطنه، غانما محملا مع عشيرته بالغنائم وبالأموال التي استلبوها من أعدائهم، وبعدد من الأسرى1.

وقد قاتل "وفيم أحبر"، مرة أخرى في وادي "حرب""حريب"، على مقربة من "قريتهن""قريتهان""القريتان"، ثم جاء إليه أمر سيده الملك "شمر يهرعش" بأن يتجه على رأس قوة تتألف من "170" محاربًا من المشاة من عشيرتيه "صرواح" و"خولان"، ومن ستة فرسان؛ وذلك لمهاجمة عشائر "عكم""عك" و"سهرت""سهرة" ولإنزال ضربة قاصمة بها، فاتجه نحوها، والتقى بها عند "عقبت ذر جزجن""عقبة ذر جزجان"، وألحق بها خسائر، حاربها من وقت شروق الشمس، وطول النهار وحين اشتدت حرارة الشمس إلى وقت الغروب، وكل الليل حتى طلع "كوكبن ذ صبحن"، كوكب الصبح، فاضطرت إلى الهروب، وعندئذ أدار وجهه نحو فلولها فقتل منها، وقد ذبح محاربًا واحدًا أمام المحاربين، وأخذ أسيرين. وكان عدد من قتل من الأعداء عند المعركة "عقبت ذر جزجن""عقبة ذر جزجان" مائة وعشرة محاربين، وعدد من وقع في الأسر من المحاربين "46" أسيرًا محاربًا، وعدد من سُبِيَ "2400" سبي، وغنم من الإبل "316" بعيرًا، عدا الماشية الأخرى التي نهبت وأخذت.

وإلى هذا العهد أيضا يعود النص: Jamme 650 وصاحبه شخص اسمه "بهل أسعد""باهل أسعد" من عشيرة "جرت""جرة" ومن عشيرة

1 من الفقرة "15" إلى الفقرة "24" من النص.

ص: 196

"بدش" أقيال "أقول" عشيرة "ذمرى هوتن""ذمرى هوتان"، التي تكون ربع قبيلة "سمهرم""سمهر"، وكان ضابطًا كبيرًا بدرجة "مقتوى" عند الملك "شمر يهرعش""ملك سبأ وذي ريدان". وقد سجله لمناسبة إهدائه معبد "أوام"، وهو معبد الإله "المقه""بعل أوام" صنمًا، من العُشْر "ابن عشر يعشرن" الذي يعشر من كل زرع ليكون نصيب الإله "المقه ثهوان". أخذه من حاصل زرع الصيف "قيظن" ومن ثمار الجنينات أو الجني "جنين"، وجعله قربة له؛ لكي يمن عليه بالنعم، ويبارك فيه وفي أمواله وفي سيده الملك، ولأنه أسعده وحفظه في كل المناوشات والحروب والغزوات "بكل سبات وحريب سباو" التي خاضها، ولأنه عاون "شوعن" سيده الملك، في المعارك وفي القتال وفي المناوشات التي وقعت بين قوات الملك التي اشترك هو فيها وبين قبيلة "سهرتن""سهرتان"، والتي انتهت بانتصار "سبأ وذو ريدان"، وعاد الجيش منها محملًا بالغنائم وبالأسلاب وبالماشية التي انتزعت من الأعداء وبالأسرى، وليمن عليه في المستقبل فيعطيه ذرية طيبة "هنام""هنأم" هنيئة من أولاد ذكور، وليرعاه ويحفظه ويقيه في المعارك التي سيخوضها من أجل سيده الملك1.

فيظهر من هذا النص أن "بهل أسعد"، كان يتحدث عن المعارك والمناوشات التي وقعت في أرض "سهرتن""سهرتان""سهرة"، بين الملك "شمر يهرعش" وبين رجال قبيلة "سهرتن" العاصية التي مر اسمها مرارًا فيما سبق في عداد القبائل الثائرة المحاربة لحكومة سبأ، والتي كانت قد مُنيت بخسائر كبيرة ومع ذلك فإنها لم تترك عداءها لملوك مأرب.

وفي النص: Jamme 651 أخبار مهمة سجلها لنا رجل اسمه "عبدعم" من "مذرحم""مذرح"، ومن "ثفين""ثفيان"، وكان من كبار ضباط "مقتوى" جيش الملك "شمر يهرعش". وقد ذكر أنه أهدى معبد "أوام" صنما "صلمن"، وهو معبد الإله "المقه"؛ لأنه من عليه وشمله بلطفه وفضله، إذ أعانه وأعان من كان معه من رجال عشيرته "شعبهو" ومن أتباعه ومحاربيه الذين كانوا معه ومن انضم إليه من أهل البيوتات ومن سواد الناس "محقر""حقراء"، من أبناء البيتين المتصاهرين:"همدان" و"بتع"،

1 Jamme 650، Mamb 200، Mahram، P.153

ص: 197

إذ أمره سيده الملك بأن يذهب بهم إلى "مأرب""مريب"؛ ليحميها ويقيها من الأمطار التي ستتساقط في اليوم التاسع من يوم موسم سقوط المطر المعهود "وذنم ذنم بيوم تسعم عهدتن"، وفي أوائل أيام الشهر، وفي أيام الموسم الثاني من سقوط المطر، وقد أمره الملك بأن يقوم بهذا الواجب، حتى شهر "أبهى"1.

وقد حمد صاحب النص إلهه "المقه" لأنه وحد بين البيتين: بيت "همدان" وبيت "بتع"، ولأنه أعانه في القيام بعمله الذي كلف به، فكافح وهو على رأس جيش "خمس""خميس" سبأ ومن كان معه لبناء سور وحصون "مأرب" وفي إقامة حواجز وموانع وسدود لتحول بين السيول وبين اكتساحها المدينة، وفي إنشاء مبانٍ وأحواض "مضرفن" في جهة "طمحنين""طمحنيان"، حتى تمكن من إنجاز كل ما كلف به، دون أن يخسر جنديا واحدا من الجنود الشجعان الذين كانوا من جنود "كبر رحلم" كبير "رحلم""رحال"، فأرضى بذلك سيده الملك وشرح صدره.

وتوسل بعد ذلك إلى الإله "المقه" لكي يقيه من كل "باس""بأس"، أي: من كل أذًى وشر، ولكي يرفع من منزلته وينال الرضا والحظوة عند سيده الملك، ويمنحه غلة وافرة وثمارًا كثيرة من ثمار الصيف والخريف في كل مزارعه، وتوسل إليه أيضا بأن يبعد عنه كل نكايات "نكيتن" الأعداء.

ويشير هذا النص إلى سقوط أمطار غزيرة في ذلك الموسم، هددت مدينة "مأرب"، فأمر الملك الشخص المذكور بأن يقوم على رأس قوة من جيش سبأ ومن كبار "همدان" و"آل بتع"، بتقوية سور مأرب وتحصينه وحمايته من مداهمة السيول له، وبإنشاء سدود وموانع لمنع الأمواج العاتية من اكتساح مأرب والأماكن الأخرى، وذلك بمن جمعهم من الناس من سوادهم ومن ساداتهم؛ للقيام بهذه الأعمال، ولمنع المسخرين الذين سخروا من الفرار، وقد وضع الملك جيشًا تحت تصرف هذا القائد، في جملته مفرزة من جنود الكبير "كبر رحلم""كبير رحلم""رحال".

وسجل شقيقان كانا من "حظرم عمرت""حظرم عمرة"، ومن ضباط "مقتوى" الملك "شمر يهرعش" حمدهما وشكرهما في كتابتهما التي وسمها الباحثون

1 Jamme 651، Mamb 108، Mahram، P.155

ص: 198

بـ Jamme 652، للإله "المقه"؛ لأنه من على سيدهما بالعافية وبالبركة وأوفى له ما أراد، ولأنه رفع حظوتهما عنده وزاد في رضاه عنهما، وليرعاهما ويحفظهما في أيام الحروب وفي أيام السلم، ويقيهما أذى الأشرار وحسد الحساد، ولكي يعاونهما ويشد الإله أزرهما في إرضاء سيدهما، ويبارك في قصره، أي: قصر الملك "سلحن""سلحين""سلحان"1.

ويحدثنا النص: Jamme 653 بحمد "سباكهلن"، أي:"سبأكهلان" لربهم "المقه" وشكرهم له؛ لإفضاله وإنعامه عليهم، بأن استجاب لدعائهم، فأمطرهم بوابل من رحمته، وأنزل الغيث عليهم وذلك مع برق "برق خرف" الخريف، أي: موسم أمطار الخريف، الذي تساقط عليهم سنة "تبع كرب بن ودال""تبعكرب بن ودايل" من "حزفرم""آل حزفر" الثالث. وقد استبشروا به وسُروا، وسألوا ربهم "المقه" وذلك في اليوم الرابع من ذي "فقهى"، شهر ذي "مليت" الذي هو من أشهر الخريف "ذ منذ خرفن"، بأن ينزل عليهم غيثًا يسقي أوديتهم ويكفي زرعهم، غيثًا يرضيهم ويسرهم ويثلج صدورهم، وبأن ينال أهل "سبأكهلان" رضا سيدهم "شمر يهرعش" ويرفع من حظوتهم "حظى" عنده2.

وقد كتب النص المذكور بمدينة "مأرب"، قبل ثلاث سنوات من الكتابة المرقمة بـCIH 314 + 954 التي يخلد فيها "الشرح يحضب الثاني" وأخوه "يأزل بين""يازل بين""يزل بين" انتصارهما على السبئيين، وطردهما "شمر يهرعش" من مأرب3.

وذكر جماعة من "عقبم""عقب""عاقب""عقاب"، بأنهم أهدوا معبد "أوام" صنمًا "صلمن"؛ وذلك حمدًا للرب "المقه" وشكرًا له لأنه رزقهم ولدًا ذكرًا، ولكي يرزقهم أولادًا ذكورًا، ولكي يبارك فيهم وفي أموالهم ويرضي سيدهم "شمر يهرعش" عنهم ويرفع من منزلتهم وحظوتهم عنده، ولكي يبارك في زرعهم ويعطيهم غلة وافرة وحصادًا جيدًا4.

1 Jamme 652، Mamb 161، Mahram، P.157

2 Jamme 653، Mamb 220، Mahram، P.158

3 Le Museon، 1964، 3-4، P.476

4 Jamme 654، Mamb 31، Mahram، P.159

ص: 199

ويذكر "شرح ودم""شرحودم""شرح ودّ"، و"رشدم""رشيدم""راشد""رشيد"، وهو بدرجة "وزع""وازع"، أي: سيد قبيلة "ماذن""مأذن"، أنهما قدما صنمًا إلى الإله "المقه ثهوان"؛ لأنه أوحى إلى قلبهما بأنه سيمنحه ولدًا "رشدم" ولذا يسميه "ودًّا" وذلك من زوجته "أثتهر""حلحلك"، وأنه سيعطيه مولودًا غلامًا "غلمم"، عليه أن يسميه "مرس عم""مرسعم"1، وأنه سيرزق عبده "شرح ودم" ولدًا ذكورًا، وأنه سيمنحهما غلة وافرة وحصادا جيدا، وأنه سيرفع من مكانتهما عند سيدهما الملك، وسيبارك في زرعهما وفي زرع قبيلتهما، وذلك في موسمي الصيف والخريف2.

وفي النصف الثاني من سني حكمه، تلقب "شمر يهرعش الثالث"، أي "شمر يهرعش" الذي نبحث فيه الآن بلقب "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"3. وتدل هذه الإضافة الجديدة إلى اللقب، على استيلاء "شمر يهرعش" على حضرموت، أو على جزء كبير منها4. أما "يمنت" فيرى "فون وزمن" أن المراد بها الأرضون التي تكون القسم الجنوبي من مملكة "حضرموت"، ويستدل على رأيه هذا بوجود عاصمتين لحضرموت، هما:"شبوة" و"ميفعة"، مما يدل على انقسام المملكة إلى قسمين: قسم شمالي يدعى حضرموت، وقسم جنوبي يعرف بـ"يمنت""يمنات" اليمن5.

ويقع النصف الثاني من حكم "شمر يهرعش" في رأي "فون وزمن"، ما بين "285ب. م." أو "291ب. م." أو "310ب. م." أو "316ب. م." ومعنى هذا في رأيه أن "شمر" كان يعاصر "امرأ القيس بن عمرو" المذكور في نص النمارة، المتوفى سنة "328م" والذي حارب وأخضع قبائل عديدة، منها: مذحج ومعد وأسد "أسدين" ونزار "نزرو"، ووصل إلى "نجران" عاصمة "شمر"6. وقد يعني ذلك أن حروبًا نشبت بين الملكين.

1 يعود الضمير إلى "رشدم"، كما يظهر من النص.

2 Jamme 655، Mamb 253، Mahram، P.160

3 Cih 431، Cih، Iv، Ii، Ii، P.120، Cih 430، 438، Glaser 1050، Le Museon، 1964، 3-4، P.485

4 Le Museon، 1964، 3-4، P.485

5 Le Museon، 1964، 3-4، P.485

6 "الأسدين""أسدين" في النص،

Rep. Epg. 483، F. Altheim، Geschichte Der Hunnen، I، 1959، S. 127

Le Museon، 1964، 3-4، Pp.456، 486

ص: 200

ولم يشر نص "النمارة" إلى بقية اسم "شمر"؛ لنعرف من كان ذلك الملك الذي كان يحكم في ذلك الزمان، والذي كانت مدينة "نجران" مدينته إذ ذاك. ويظهر من هذا النص أن قتالًا نشب بين قوات "امرئ القيس" و"شمر" صاحب نجران، وأن النصر كان لامرئ القيس1.

وإذا كان ما ذهب إليه "فون وزمن" صحيحًا من معاصرة "امرئ القيس" لـ"شمر يهرعش"، فإن هذا يعني أن جزيرة العرب كانت في ذلك الزمن أي: في أوائل القرن الرابع للميلاد، ميدانًا للتسابق بين رجلين قويين:"شمر يهرعش" وهو من العربية الجنوبية، و"امرئ القيس" وهو من الشمال، وأن العرب كانوا قد انقسموا إلى حزبين: عرب شماليين وعرب جنوبيين، وأن "امرأ القيس" كان قد توغل في جزيرة العرب حتى بلغ "نجران" وأعالي العربية الجنوبية، وأخضع القبائل المذكورة لحكمه، وهي قبائل يرجع النسابون نسب أكثرها إلى "عدنان"، وفي جملتها "الأسدين" أي:"أسد" و"نزار""نزرو". هذا، وإن وصول "امرئ القيس" إلى نجران، وإخضاعه للأعراب ولقبائل عدنانية يقيم بعضها على حدود العربية الجنوبية الشمالية، جعله أمام "شمر يهرعش"، ووضع مثل هذا لا بد من أن يثير نزاعًا وخصومةً بين الرجلين.

ولا يستبعد اصطدام "امرئ القيس" بـ"شمر يهرعش"، أو بأي ملك آخر ملك "نجران"، ما دام ذلك الملك قد حكم قبائل "معد" النازلة في الحجاز وفي نجد والتي تتصل منازلها بحدود نجران. وقد خضعت "معد" لحكم ملوك الحيرة، كالذي يظهر من نص كتاب "شمعون" الذي هو من "بيت أرشام" Simeon Of Beth Arsham، حيث ذكر "طيايا حنبا "حنفا" ومعدايا" في معسكر "المنذر" الثالث ملك الحيرة. و"طيايا" هم الأعراب الشماليون و"معدايا" هم "معد". وكما يفهم أيضا من نص "مريغان"2.

ويرى بعض الباحثين أن "مرالقس بن عمرم ملك خصصتن" الذي ورد اسمه في النص: Ryckmans 535 الذي سبق أن تحدثت عنه في أثناء كلامي على "الشرح يحضب"، وأخيه "يأزل بين"، هو "امرؤ القيس" البدء، ملك

1 Oriens Antiquus، Iii، 1964، P.81

2 Ryckmans 506، Die Araber، Ii، S. 321

ص: 201

الحيرة، ويرى أيضا أن "شمر ذي ريدان" المذكور في النص أيضًا، هو "شمر يهرعش". وبناء على ذلك يكون "مالك" ملك "كدت" كندة من المعاصرين لامرئ القيس، ولشمر يهرعش أيضًا1.

إننا لا نملك أي نص يشير إشارة صريحة إلى حدوث قتال بين "شمر يهرعش" و"امرئ القيس"، غير أن لدينا نصًّا هو النص المعروف بـJamme 658، يرى بعض الباحثين أن فيه تلميحًا إلى أن الحرب المذكورة فيه، هي حرب نشبت بين قوات الرجلين، وأن القائد المذكور فيه، أعني القائد "نشدال""نشد إيل"، هو قائد عربي شمالي، ويحتمل على رأيهم أن يكون قائدًا من قواد جيش "امرئ القيس". ويظهر من النص أن قوات "شمر يهرعش" كانت قد تجمعت في مدينة "صعدتم"، أي: مدينة "صعدة" في "خولان" العالية، أي: الشمالية "خولان أجددن"2، ثم تقدمت منها نحو الشمال الغربي إلى حدود "خولان" القديمة في "وادي دفاء"، حيث حاربت القبائل المجاورة قبائل "شنحن""شنحان" الساكنة في الغرب، ثم نزلت من مساكنها إلى أرض "سهرتن""سهرتان" ثم اجتازت هذه الأرض إلى وادي "بيش"، وهي الحدود القديمة للعربية الجنوبية، ثم تقدمت منها نحو الشمال إلى "وادي عتود" الذي يقع في الأرض المسماة بـKinaidokoltitai عند الكلاسيكيين. وفي هذه الأرض اصطدمت قوات "شمر" بقوات "نشد إيل" القائد المذكور3.

ويظهر من نص عثر عليه منذ عهد غير بعيد، أن قائدًا من قواد "شمر" كان قد قاد أعرابًا غزا بهم ملك "أسد"، وأرض "تنخ""تنوخ" التي تخص "الفرس""فرس"، أي:"فارسًا". وذكر أن أرض "تنخ""تنوخ"، كانت تحت حكم مملكتين، يقال لإحداهما "قطو"، وللأخرى "كوك" أو "كوكب"، وقد أنزل أعراب "شمر" بهما خسائر فادحة. ثم عاد ذلك القائد بعد نجاحه في غزوه هذا صحيحًا معافًى إلى نجران، حيث قدم إلى الآلهة

1 Die Araber، Ii، S. 322، Le Museon، 69، "1956"، Pp.139، 152، Pirenne، Le Royaume Sud Arabe، 30، 166، 168، Die Araber، Iv، S. 272

2 Le Museon، 1964، 3-4، P.486

3 Le Museon، 1964، 3-4، P.487

ص: 202

شكره، وسجل ذلك في النص المذكور1.

وقصد القائد بأرض "تنخ" أرض الأحساء في الزمن الحاضر، وكانت منزل قبائل "تنوخ" في ذلك الزمن. وقصد بـ"قطو""قطوف""القطيف" Qtw'f وفي إشارة القائد إلى مهاجمة تلك الأرضين، أي أرض تنوخ، التي كانت تحت سيادة "فرس"، أي الفرس الساسانيين، تأييد لروايات الأخباريين التي تذكر أن "شمر يهرعش""شمر يرعش" غزا أرض الفرس2.

هذا ولا بد من أن يكون "شمر" قد كان على اتفاق تام مع أعراب نجد، ولا سيما سادة "كدتم""كدت"، أي: كندة في ذلك الزمن؛ إذ كان من العسير عليه غزو الأحساء وساحل الخليج، لو لم يكن على صلات بهم حسنة، وقد كان هؤلاء الأعراب ينزلون فيما يسمى الأفلاج والخروج في الزمن الحاضر. وتعد الأفلاج من مواطن "كدت" كندة منذ زمن "شعرم أوتر""شعر أوتر" في حوالي السنة "180م"، وقد عبر عنهم بـ"ذال ثور" أي "ذي آل ثور" في النص Jamme 635، وكذلك في زمن "الشرح يحضب الثاني" في أثناء حكمه مع "يأزل"3، أي في حوالي السنة "210ب. م."4. وربما قبل ذلك أيضا حيث نجد في تاريخ "بلينيوس" ما يشير إليهم، إذ ورد في تأريخه:Dae Aiathuri Fons Aeunuscabales، ويمكن تفسيرها بـ"ذي آل ثور في عين الجبل"5، و"آل ثور" هم كندة، وقد عرفوا بهذا النسب عند أهل الأخبار.

والنص المذكور، هو نص وسمه العلماء بـ"شرف الدين 42". وقد ورد فيه أن الملك "شمر يهرعش" أمر قواته بغزو أرض "ملك""مالك" ملك "أسد""ملك أسد". فتقدمت نحوها، واتجهت منها نحو أرض "قطوف"، أي القطيف، حتى بلغت موضع "كوكبن" "كوكبان" "كوكب" ثم "ملك فارس وأرض تنخ" "ملك الفرس" أي:"الأرض التابعة للفرس"

1 Le Museon، 1964، 3-4، P.487

2 Le Museon، 1964، 3-4، P.487

3 Le Museon، 1964، 3-4، P.487

4 وذلك بحسب تقدير "فون زمن"، راجع.Le Museon، 1964، 3-4، P.488

5 Pliny، Vi، 158، Le Museon، 1964 3-4، P.488

ص: 203

وأرض تنوخ. وقد دون النص قائدان من قواد "شمر يهرعش"، كانا من "ريمن ذ حزفرم"، أي: من "ريمان ذوي حزفر"، ومن "عنن""عنان"، وذلك بعد عودتهما سالمين غانمين من ذلك الغزو1.

وقد كانت "مذحج" تنزل في الأفلاج أو حولها وفي المنطقة المسماة بـ"جبل طويق" في الزمن الحاضر. والظاهر أن غزو "امرئ القيس" لنجد قد اضطر أكثر قبائل "مذحج" إلى الهجرة نحو الجنوب، وكانت حسنة الصلات بـ"كدت" أي كندة، التي اضطرت أيضا إلى الهجرة إلى الجنوب؛ ولهذا انضمتا إلى جيوش "شمر يهرعش"، وإلى جيوش من جاء بعده من الملوك، وقد أشير إليهما في الكتابات بـ"كدت ومذحجم"2. وقد أدت هجرة كندة ومذحج وبقية أعراب نجد إلى الجنوب نتيجة لغزو العرب الشماليين لهم إلى استيطان قسم كبير منهم في العربية الجنوبية، ودخولهم في جيوش ملوك حمير؛ وذلك لتهديد أعدائهم بهم، إذ كانوا أعرابًا أشداء، يحبون الغزو والقتال، حتى صاروا قوة رادعة مخيفة، ولهذا السبب أدخل اسمهم في لقب الملوك كما سنرى فيما بعد.

ومن جملة القواد الذين تولوا قيادة الأعراب، أو الكتائب الخاصة التي ألفها التبابعة منهم، قائد اسمه "وهب أوم""وهب أوام"، وكان من قادة "شمر يهرعش"، وقائد اسمه "سعد تالب يتلف""سعد تألب يتلف"، وكان في أيام "ياسر يهنعم الثالث" وابنه "ذرأ أمر" وذلك على رأي "فون وزمن"3.

إننا لا نعرف حتى الآن كيف استولى "شمر يهرعش" على حضرموت، وكيف ضمها إلى سبأ؛ إذ لم نتمكن من الظفر بكتابة فيها حديث عن كيفية قضاء "شمر" على استقلال تلك المملكة. وعلمنا بضم حضرموت إلى سبأ، مقتبس من اللقب الجديد الذي لقب "شمر" به نفسه على نحو ما ذكرت4.

وقد رأى بعض الباحثين أن سقوط "شبوة" وتدميرها في قبضة قوات "شمر" كان في القرن الرابع للميلاد وقبل استيلاء الحبش على العرببة الجنوبية بزمن قصير5.

1 Sharaffadin 42، Le Museon، 3-4، 1967، Pp.505، 508

2 Le Museon، 1964، 3-4، P.488، Jamme 660، 665، Ryckmans، 510

3 Le Museon، 1964، 3-4، P.489

4 Glaser 1050، Beitrage، S. 116

5 Beitrage، S. 144

ص: 204

ذهب "ريكمنس" إلى أن الحبش احتلوا العربية الجنوبية حوالي السنة "335" بعد الميلاد، ودام احتلالهم هذا لها إلى حوالي السنة "370م"، ولم يذكر من حكم بعد "شمر يهرعش"، غير أنه وضع "ملكيكرب يهأمن" في نهاية احتلال الحبش لليمن، أي: بعد سنة "370م"، ووضع لفظة "حسن" في قوس قبل "ملكيكبرب يهأمن" ثم ذكر بعد "أب كرب أسعد""ذرأ أمر أيمن"1.

وفي النص Jamme 656 خبر حرب وقعت بين "شمر يهرعش" وحضرموت، وقد لقب "شمر يهرعش" فيه بلقبه الجديد:"ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، وذكر أن حضرموت كانت إذ ذاك تحت حكم ملكين، اسم أحدهما:"شرح ال""شرح إيل""شرحئيل"، واسم الآخر "رب شمس""ربشمس""رب شمسم". وزعم أن الملكين المذكورين هما اللذان أعلنا "هشتا" الحرب على الملك "شمر يهرعش"، غير أن النص لم يتحدث، كعادة النصوص، إلى الأسباب التي حملت الملكين على إعلان تلك الحرب2. وقد ذكر أن عاقبتها كانت سيئة بالنسبة لحضرموت؛ إذ خسرت فيها، وأن الحرب كانت قد وقعت في "سررن" "سرران"، وأن أصحاب النص وكانوا من "سباكهلن" "سبأكهلان"، عادوا مع عشيرتهم من تلك الحرب سالمين غانمين. وقد قدموا عُشر حاصل غلتهم من زرع أرضهم بـ"رحبتن""رحابتان""رحبتان"، للإله "المقه" ليبارك فيهم ويديم نعمه عليهم ويزيد مكانتهم عند سيدهم "شمر يهرعش، ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت" ولكي يعطيهم غلة وافرة وحصادًا طيبًا هنيئًا.

وقد شهد أصحاب هذا النص المعركة أو المعارك التي جرت في وادي "سررن" السر، وهو وادٍ يقع على مسافة سبعة كيلومترات من مدينة شبام، ويعرف بـ"وادي سر""وادي السر"، ولم يتحدثوا عن معارك أخرى، مما يدل على أنهم لم يشتركوا في غير هذه المعركة، وأنهم عادوا بعدها مع قبيلتهم التي أسهمت في القتال إلى مواطنهم.

وفي النص: Jamme 662 خبر مهم له علاقة وصلة بالنص السابق وبالعلاقات

1 J. Ryckmans، L'institution، P.338

2 راجع السطر 11 من النص: Jamme 656، Mamb 135، Mahram، PP.161، 371

ص: 205

فيما بين سبأ وحضرموت في هذا العهد. خبر يفيد أن "شبوت""شبوة" كانت في أيدي السبئيين في هذا العهد، وأن الملك "شمر يهرعش""ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، كان قد عين "يعمر إشوع""يعمر أشوع"، وهو سيد "وزع" من سادات "سبأ"، على مدينة "شبوة"، عينه عليها لحمايتها وللمحافظة على الأمن فيها، وقد ذهب إليها ومعه قوم من "سبأ". وقد سر "يعمر أشوع" بالطبع بهذا التعيين وشكر ربه "المقه" على هذا التوفيق العظيم الذي حصل عليه بفضله1.

فيظهر من هذا النص أن "شبوة" وهي عاصمة حضرموت، كانت في أيدي "شمر يهرعش"، قبل اختيار "يعمر أشوع" ليكون حاكمًا عليها، ومعنى هذا أن جزءًا من حضرموت كان قد أصبح في جملة أملاك سبأ، وهذا ما حمل "شمر يهرعش" على إلحاق جملة "وحضرموت ويمنت" إلى لقبه السابق، وهو "ملك سبأ وذو ريدان". غير أن السبئيين لم يكونوا قد استولوا على كل مملكة حضرموت، بدليل ما ورد في النص السابق من وجود ملكين كانا يحكمان حضرموت وهما:"شرح إيل" و"ربشمس""رب شمس". ويظهر أن "شرح أيل" هذا هو الملك "شرح إيل""شرحئيل" المذكور في النص CIH 948. أما الملك "ربشمس" هذا، فهو ملك آخر لا صلة له بـ"ربشمس" الذي هو ابن الملك "يدع إيل بين" ملك حضرموت ووالد ملك آخر اسمه "يدع إيل بين" كذلك2.

ويتبين من النص: CIH 948 -وهو نص فيه أمور غامضة غير مفهومة، وعبارات غير واضحة، أمر الملك "شمر يهرعش" نفسه بتدوينه- أن الملك المذكور حارب الملك "شرح ال""شرحئيل""شراحيل""شرح إيل" ملك حضرموت، وأنه انتصر عليه انتصارًا كاسحًا. ويظهر أن الملك "شمر يهرعش" اضطر إلى قيادة حملة جديدة على حضرموت؛ لأن الحضارمة انتهزوا فرصة عودة الملك "شمر يهرعش" إلى سبأ، وعودة معظم جيشه معه، سوى الحاميات التي تركها في بعض المدن والمواضع مثل "شبوة" التي مر ذكرها،

1 Jamme 662، Mamb 98، Mahram، P.167، Mamb 91، 96

2 Mahram، P.372

ص: 206

فثاروا على السبئيين، ثاروا بقيادة الملك "شرح إيل" الذي مر ذكره؛ مما حمل الملك "شمر يهرعش" على الإسراع بالاتجاه نحو حضرموت للقضاء على الثورة1. ويظهر من هذا النص ومن النصوص الأخرى أن الحضارمة وإن اندحروا وأُصيبُوا بهزائم في هذه المعارك، إلا أنهم لم يتركوا النضال في سبيل الاستقلال وفي سبيل التخلص من حكم سبأ، وأن ما تذكره النصوص السبئية من أخبار الهزائم الفادحة والانتصارات الباهرة، هي من قبيل المبالغات في غالب الأحيان.

ويلاحظ أن النص المذكور، قد أغفل اسم الملك الثاني "ربشمسم""رب شمس" الذي كان يشارك "شرح إيل" في حكم حضرموت، ولا ندري بالطبع سر إغفال اسمه منه. كما يلاحظ أيضا أنه سمى الملك بـ"شمر يرعش" بدلًا من "شمر يهرعش" كما يرد في كل النصوص الباقية2، ويلاحظ أن الأخباريين لا يسمون هذا الملك إلا بـ"شمر يرعش".

وبعد أن عاد الملك "شمر يهرعش" من حملته على وادي حضرموت، عاد فقاد حملة أخرى على أرض "أرض خولان الددن""أرض خولن الددن"، "خولان الدودان". وقد كلف الملك أحد قواده بأن يعسكر في مدينة "صعدة""بهجرن صعدتم"، ويضع بها حامية، ثم يقوم بقطع الطريق على بعض فلول "خولان الدودان"، وقد نفذ القائد ما طلب منه، فتعقب تلك الفلول. ولما أنهى الملك الحرب التي قام بها في أرض "خولان الدودان" حارب جيشه فلول "سنحن""سنحان" في وادي "دفا"، وقد مَنَّ الإله "المقه" عليه، فأعطاه غنائم وأسرى وسبايا وأموالًا طائلة، أرضته وشرحت صدره3.

وعاد الملك "شمر يهرعش" فأصدر أمره بوجوب الزحف على "سهرتن""سهرتان" و"حرتن""حرتان"، أي: أرض قبيلة "حرت""حرة"4. وهي أرض ورد اسمها قبلًا، حيث سبق للملك أن زحف عليها، وذلك قبل استيلائه على حضرموت. ولما انتهت القوات من مقاتلة "سهرتن" و"حرتن"، اتجهت نحو الشمال لمحاربة فلول "نشدال""نشد إيل" في وادي "عتود"،

1 Mahram، P.373

2 Mahram، P.373

3 Jamme 658، 659، Mamb 182، 244، Mahram، P.163

4 السطر 19 فما بعده حتى السطر 21 من النص.

ص: 207

الذي يصب في البحر الأحمر، والذي يقع على مسافة "85" كيلومترًا إلى الشمال الغربي من "جيزان". وتقع مدينة "جيزان" حوالي ثمانية كيلومترات إلى الشمال الشرقي من مصبه في البحر1.

ويتحدث نص وسم بـJamme 660، عن غارة قام بها رجل اسمه "حرثن بن كعبم""الحارث بن كعب"، ورجل آخر اسمه "سددم بن عمرم""سداد بن عمرو""سدد بن عمر"، وكانا "جرينهن"، وقد تعني اللفظة منزلة من المنازل الاجتماعية، ومعهما محاربان من محاربيهم هما:"نخعن""النخع""نخعان" و"جرم"، على "ذخزفن" بمدينة مأرب "هجرن مرب"، فحققوا ما أرادوا ثم خرجوا من "مأرب" ومعهم "يعمر" سيد "وزع" سبأ. فأمر الملك "شمر يهرعش" أحد رجاله واسمه "وهب أوم""وهب أوام"، بأن يقتفي آثار الجناة ويقبض عليهم، فخرج إليهم وتعقبهم وقبض عليهم، وجاء بهم إلى الملك حيث عرضهم عليه في قصره "سلحن""سلحين""سلحان" بمدينة مأرب2.

وكان "وهب أوم"، الذي تعقب الجناة وقبض عليهم، من كبار الموظفين في حكومة "شمر يهرعش"، وكان بدرجة "كبر" أي:"كبير" وهي درجة رفيعة في الحكومة تعني أن صاحبها موظف من أكبر الموظفين في الدولة، وأن الملك عينه ممثلًا عنه لإدارة المقاطعات. وقد وضعت تحت تصرف هذا الكبير إدارة ثماني مقاطعات وقبائل هي:"حضرموت" و"كدت""كندة" و"مذحجم""مذحج" و"بهلم""باهل" و"حدان""حدأن" و"رضوم""رضو" و"إظلم""أظلم" و"إمرم""أمرم"3. والأسماء الأولى هي أسماء قبائل معروفة؛ معروفة عند أهل الأخبار كذلك، ولا يزال بعضها معروفًا حتى اليوم.

وشخص تناط به إدارة هذه القبائل والأرضين، لا بد وأن يكون من الموظفين الأكْفَاء في عهد "شمر يهرعش". ويظهر من تسلسل أسماء المواضع والقبائل،

1 Mahram، P.373

2 Jamme 660، Mamb 156، Mahram، P.164

3 راجع الأسطر 2-4 من النص.

ص: 208

أنها كانت متجاورة يتاخم بعضها بعضًا؛ إذ لا يعقل إدارة شخص في ذلك الوقت مقاطعات متفرقة، وقبائل متباعدة من الوجهة الإدارية.

ويشير هذا النص إلى نوع من التنظيم الإداري الذي كان في حكومة سبأ في أيام هذا الملك1.

ويعد النص: Jamme 657 من النصوص التي تعود إلى هذا العهد أيضا. وهو نص دونه شخص من "مرحبم" أي: "مرحب"، لمناسبة تقديمه ثلاثة أصنام إلى ربه "المقه ثهوان"؛ لأنه أجاب طلبه ومَنَّ عليه بتحقيقه كل ما سأله من رجاء وتوسلات، ولكي يحقق كل ما سيطلبه من مطالب؛ من إعطائه ثمارًا كثيرة من كل مزارعه، ومن حمايته وحفظه من كل سوء، ومن رجائه في أن يحظى بمكانة محمودة عند ملكه2.

والنص: Jamme 661، هو كذلك من النصوص التي تعود إلى هذا العهد. وقد كتبه جماعة لمناسبة شفائهم من مرض خطير كاد أن يقضي عليهم، أُصيبُوا "مرضو" به في مدينة "ثت""ثات"، فلما شُفُوا منه، حمدوا ربهم "المقه ثهوان""بعل أوام"؛ لأنه من عليهم إذ شفاهم وحفظهم، وتوسلوا إليه أيضًا بأن يعطيهم القوة والمنعة، وبأن يمنحهم غلة وافرة ويبارك في زرعهم، ويبعد عنهم أعداءهم وشانئيهم بحق "المقه ثهوان"3.

وقد استنتج "جامه" من النص: CIH 353، أنه قد كان للملك "شمر يهرعش" شقيق اسمه "ملكم""ملك""مالك"، وقد سقط لقبه من هذا النص، وقد استنتج منه أيضًا أنه كان قد حكم مع أخيه "شمر" وشاركه في الحكم. ولم يرد اسم "ملكم" هذا في نص آخر؛ لذلك لم يدخل أكثر الباحثين في العربيات الجنوبية اسمه في عداد ملوك سبأ وذي ريدان4.

وقد وضع "فلبي" اسم "يرم يهرحب" بعد "شمر يهرعش" وقال: إن من المحتمل أن يكون أحد أبناء "شمر"، وقد جعل حكمه في حوالي

1 Mahram، P.372

2 Jamme 657، Mamb 216، Mahram، P.162

3 Jamme 661، Mamb 242، Mahram، P.166

4 Mahram، P.362

ص: 209

السنة "310ب. م."1.

أما "فون وزمن"، فجعل من بعده ولدًا له سماه "ياسر يهنعم"، ولقبه بالثالث؛ ليميزه عن "ياسر يهنعم" والد "شمر يهرعش"، وعن "ياسر يهنعم" الأول الذي عاش قبله2.

وأما "ريكمنس"، فذهب إلى أن "ياسر يهنعم" هذا لم يكن ابنًا لـ"شمر يهرعش"، بل كان أباه، وقد حكم مع ابنه في بادئ الأمر حكمًا مشتركًا، ثم انفرد ابنه بالحكم وأخذه لنفسه إلى أن مات، فعاد الحكم إلى أبيه "ياسر يهنعم" فأشرك "ياسر" هذا ابنه "ثارن أيفع""ثأران أيفع" في الحكم، ثم أشرك ابنه الآخر "ذرأ أمر أيمن" معه في الحكم أيضا. ويعارض "فون وزمن" هذا الرأي، إذ يراه تفسيرًا غريبًا لا مثيل له في الحكم، ويقتضي أن يكون عمر "ياسر" إذن عمرًا طويلًا جدًّا3.

وقد جعل "فون وزمن" حكم "ياسر يهنعم" الثالث وابنه "ثارن أيفع" فيما بين السنة "310" و"320" للميلاد. ثم ذكر اسم "ثارن يركب""ثأران يركب" من بعدهما، وقد جعل زمانه فيما بين السنة "320" و"330" للميلاد4.

ثم وضع "فون وزمن" أيام حكم "ياسر يهنعم الثالث" وابنه "ذرأ أمر أيمن" في النصف الأول من القرن الرابع للميلاد، في حوالي السنة "330" بعد الميلاد و"336" بعد الميلاد. وإذا كان هذا الافتراض صحيحا أو قريبا من الصحيح، فإنه يكون قد عاصر أو أدرك أيام "قسطنطين الكبير""313-337ب. م."5.

ويظهر من ذلك أن "فون وزمن" عاد، فأعاد الحكم إلى "ياسر يهنعم" الثالث إلا أنه قرن حكمه هذا مع حكم ابن آخر له هو "ذرأ أمر أيمن".

وأما "جامه"، فقد ذهب مذهب "ريكمنس" في أن "ياسر يهنعم"، الذي وضع هو أيضًا اسمه بعد اسم "شمر يهرعش"، هو والد "شمر يهرعش"

1 Background، P.143

2 Le Museon، 1964، 3-4، P.489

3 Le Museon، 1964، 3-4، P.489، Note 165، Von Wissmann،

Zur Geschichte، S. 200، 407

4 Le Museon، 1964، 3-4، P.498

5 Le Museon، 1964، 3-4، P.498

ص: 210

وقد حكم بعد ابنه "شمر" بسبب حادث لا نعرف سببه، حكم مع ابن له حكمًا مشتركًا، ثم حكم مع ابن آخر له، حكم مع "ذرأ أمر أيمن" من حوالي السنة "305" وحتى السنة "320" للميلاد تقريبًا، ثم حكم مع ابنه الآخر "ثارن أيفع""ثأران أيفع" من حوالي السنة "320" وحتى السنة "325" للميلاد تقريبا1.

ويرى "جامه" أن تولي الأب الحكم بعد الابن ليس بحادث مستغرب، فهنالك أمثلة لعودة الآباء إلى الحكم بعد حدوث شيء لأبنائهم، وعودة "ياسر يهنعم" إلى الحكم بعد "شمر" هو مثل من تلك الأمثلة. ثم إن اسم "ياسر يهنعم" هو نفس اسم والد "شمر"؛ لذلك يرى "جامه" أنه هو والد "شمر" نفسه وأنه حكم مع أولاده مرارًا2.

وعندي أن في رأي "جامه" هذا تكلفًا وتصنعًا، واتفاق اسمين لا يدل حتمًا على أن الاسمين لمسمًّى واحد، وإن كان الزمن متقاربًا. ثم من يثبت لنا أن "ياسر يهنعم" الذي يرد اسمه في النصين: Jamme 664 و Jamme 665 هو "ياسر يهنعم" الأول والد "شمر يهرعش"، لا سيما وأن لقب "ياسر يهنعم" في النصين يختلف عن لقب "ياسر" والد شمر؟ وفي افتراض أخذ "ياسر" لقبه الجديد من اللقب الذي أحدثه ابنه في أيامه، تكلف بَيِّن واضح لا يؤيده أيضا دليل، ثم إن تصور اشتراكه في الحكم مع أربعة أولاد، هو تصور غريب أيضا؛ ولذلك أرى أن "ياسر يهنعم" هذا هو شخص آخر، وليس بوالد "شمر". وأما أنه ابن "شمر يهرعش"، فلا أعتقد أنه رأي صحيح أيضا؛ فلو كان ابن "شمر" لذكر اسم والده في النصين، كما هي العادة في النصوص، وقد كان من فخر الملوك ذكر أسماء آبائهم في النصوص، إلا إذا لم يكونوا ملوكًا، فإنهم كانوا يغفلون أسماءهم، أو يذكرونها دون لقب، وقد كان "شمر يهرعش" ملك، وصاحب لقب جديد، فقد كان من فخر "ياسر يهنعم" ذكر اسم والده مع لقبه لو كان ابن شمر حقًّا.

وقد ورد اسم "ذرأ أمر أيمن" مع اسم والده "ياسر يهنعم" في النص:

1 Mahram، P.393

2 Mahram، P.374

ص: 211

Jamme 665. وهو نص مهم جدًّا، فيه أخبار حروب وأنباء عن الأعراب، أي: أهل الوبر في العربية الجنوبية، وعن الأدوار التي كانوا يقومون بها من النواحي السياسية والحربية والاجتماعية، كما أن فيه أخبارًا عن التنظيمات الإدارية إذ ذاك. وصاحب النص موظف كبير من موظفي الدولة اسمه: "سعد تالب يتلف بن جدنم"، أو من "آل جدنم"، أي "جدن"، وكان بدرجة "كبر"، أي "كبير" على أعراب ملك سبأ "كبر أعرب ملك سبأ" وعلى "كدة" أي كندة وعلى "مذحجم"، أي "مذحج"، وعلى "حرمم""حرم""حرام"، وعلى "بهلم" أي "باهلم""باهلة" وعلى "زيد ال""زيد إيل"، وعلى كل أعراب سبأ "وكل أعرب سبأ"، وأعراب حمير وأعراب حضرموت وأعراب "يمنت"، أي اليمن1. وقد دونه لمناسبة تخليده ذكرى حروب قام بها في أرض حضرموت وفي مواضع أخرى، كلفه القيام بها سيده الملك "ياسر يهنعم" وابنه "ذرأ أمر أيمن".

وقد أُمِرَ ذلك الكبيرُ بالذهاب إلى حضرموت، فذهب إليها ومعه محاربون من أعراب ملك سبأ ومن كندة "كدة"، وانضم إليه سادات "أبعل""نشقم""نشق" و"نشن""نشان". ولما وصل مدينة "عبرن""عبران" اصطدم بمحاربيها، وجرت معارك بين الطرفين. وتقع "عبرن" غرب "وادي العبر" ويقال لها "حصن العبر"، وهي مدينة ذات آبار2. وقد اشترك في المعركة محاربون: ركبان "ركبم" وفرسان "أفرسم" ومشاة. ويقصد بـ"ركبم" المحاربون الذين كانوا يركبون الجمال ويقاتلون عليها، وبـ"أفرسم" المحاربون الفرسان، أي: الذين يحاربون وهم على ظهور الجياد. وقد ذكر أن عدد المحاربين الراكبين كان "750" محاربا راكبا، وأن عدد الفرسان كان سبعين فارسا. وقد اصطدمت إحدى المفارز التي كانت مقدمة للجيش "مقدمتن"، بمفرزة أرسلها ملك حضرموت لمباغتة محاربي "نشق" و"نشان" و"مأرب"، وأخذهم على غرة لإيقاعهم في الأمر3.

1 Jamme 665، Mamb 290، Mahram، P.169، Le Museon، 1964، 3-4، P.490

2 Mahram، P.375، Sprenger، Die Alte Geographie Arabiens، S. 189، 306

3 السطر الثامن عشر من النص.

ص: 212

فوقعت معركة عند موضع "أرك"، وقد تمكن قائد الحملة "سعد تألب يتلف" من التغلب على الحضارمة، ومن تخليص مقدمته وإنقاذ من كان قد وقع أسيرًا في أيدي المستوطنين الحضر من أهل المدر، الساكنين في مستوطنات "أحضرن"، ثم اتجه بجيشه نحو "دهر" و"رخيت"، فجرت معركة تغلب فيها على أهل الموضعين وحصل منهم على غنائم وأسرى وأموال، واقتاد جمالًا وثيرانًا وبقرًا وغنمًا كثيرًا، أخذها معه، ثم اتجه نحو الأرضين المنخفضة "سفل" حتى بلغ "عيون خرصم""أعين خرصم""أعين خرص"، حيث تحارب مع من كان هناك من العصاة والمنشقين والأعداء.

ودخل السبئيون بعد هذه المعركة معركة أخرى دخلوها مع قطعات "مصر" حضرموت المتقدمة "قدمهو". وكانت تتألف من "3500" جندي راكب "أسدم ركبم" ومن "125" فارسًا "أفرسم"، وكان يقودها قائدان "أسود يهمو"، أحدهما:"ربعت بن ولم""ربيعت بن والم""ربيعة بن وائل"، وهو من آل "هلم" ومن آل "الين""ألين"، وثانيهما:"أفصى بن جمن""أفصى بن جمان"، ثم قائد الركبان "نحل ركبن" وأقيال "أقول" وكبراء "أكبرت" حضرموت وأسباطهم. وقد أصيبت قوات حضرموت بخسائر؛ قُتل منهم "850" محاربًا بحد السيف، وأُسر "أقصى"، وكان قائدا بدرجة "نحل" وأُسر "جشم"، وهو "نحل أفرسم"، أي قائد الفرسان، وأُسر معهما "470" محاربًا، وعدد من أقيال وكبراء حضرموت، وأُسر "45" فارسًا من فرسان حضرموت، وغُنم ثلاثون فرسًا، وأُخذ 1200 جمل ركوب مع رحالها "برحلهن". وهكذا انتهت هذه المعركة بانتصار السبئيين على حضرموت.

وأمر الملك قائده بأن يقاتل "بساعم""بسأعم"، وأن يذهب لمساعدة قبيلة "جدنم""جدن". فذهب ومعه "35" فارسًا وقطعات من جيشه على "بسأعم"، والتحم به، وتمكن من إنقاذ كل الروايا "كل روتهمو" المحملة على الدواب، وكل الأمتعة المحملة على حيوانات الركوب، كما استولوا على إبل من إبل "بسأعم". وعاد القائد مع جنده بعد ذلك سالمًا غانمًا بفضل الإله "المقه" ونعمه عليه1.

1 الفقرة "40" وما بعدها من النص.

ص: 213

ويظهر أن عهد "ياسر يهنعم الثالث" وعهد ابنه "ذرأ أمر أيمن" كانا من العهود السيئة لحكومة "سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"؛ ففيهما انفصلت "حضرموت" عن تلك الحكومة، واستقلت أرض "سهرت""سهرتن""سهرة""السهرة"، واستعاد الحبش سلطانهم في السواحل الغربية للعربية الجنوبية، وانتهز "الأقيال" وسادات القبائل هذه الفرصة، فكونوا حكومات إقطاعية، يحارب بعضها بعضًا، وعمت الفوضى تلك البلاد1.

وأما النص: Jamme 664 الذي دوّن فيه اسم "ياسر يهنعم" و"ثارن أيفع""ثأران أيفع""ملك سبأ وذ ريدن وحضرموت ويمنت"، أي:"ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، ويقصد بـ"ملوك""ملكا"، أي: ملكان اثنان، فصاحبه رجل اسمه "ال أمر ينهب""إيل أمر ينهب"، وهو من "سحر""سحار"، وكان قد أهدى معبد "المقه ثهوان""بعل أوام" صنمًا؛ لأنه أوحى إليه بأنه سيهبه ولدا ذكرا، وقد وهبه ولدا سماه "برلم""برل""بارل"، ولأنه أوحى إليه بأنه سيهبه أولادًا ذكورًا في المستقبل وأنه سيرفع من منزلته ومكانته عند سيديه:"يسرم يهنعم وثارن أيفع أملك سبأ وذ ريدن وحضرموت ويمنت"، أي:"ياسر يهنعم وثارن أيفع ملكي سبأ وذي ريدن وحضرموت ويمنت"، ولأنه أوحى إليه بأنه سيعطيه غلة وافرة وثمارا كثيرة من أرضه الزراعية "أرضهمو" بمأرب وبنشق وبنشان2.

ويلاحظ أن هذا النص لم يشر إلى أن "ثأران أيفع" كان ابنًا لـ"ياسر يهنعم"، إذ لم يورد لفظة "وبنهو" التي تعني "وابنه" بل ذكر "الواو" وحده، أي: حرف العطف، ومعنى هذا أن "ثاران أيفع" لم يكن من أبناء "ياسر يهنعم"، بل كان غريبًا عنه. ثم يلاحظ أن النص ذكر لفظة "أملك" أي:"ملوك" بعد اسم "ثأران أيفع"، والواجب أن يكتب "ملكي"، أي "ملكا"، في حالة التثنية لا الجمع، فلعل ذلك من خطأ الكاتب أو الناسخ للنص.

وقد وضع "جامه" اسم "كرب ال وتر يهنعم""كرب إيل وتر يهنعم""كربئيل وتر يهنعم" بعد اسم "ثأران أيفع"، وجعل حكمه من سنة "325"

1 Le Museon، 1964، 3-4، P.490

2 Jamme 664، Mamb 293، Mahram، P.168

ص: 214

حتى السنة "330" للميلاد1. ثم نصب "ثأران يركب" ملكًا من بعده، وقد جعل حكمه من سنة "330" حتى السنة "335" للميلاد. ثم ذكر اسم "ذمر على يهبر" من بعده، وأعطاه لقب "الثاني" ليميزه بذلك عن "ذمر على يهبر" الذي حكم قبله بأمد، وذكر أنه حكم من سنة "335" حتى السنة "340" للميلاد. ثم وضع اسم "ثأران يهنعم" من بعده ثم اسم "ملكيكرب يهأمن""ملكي كرب يهأمن"، ثم اسمي ملكين هما:"أبكرب أسعد" و"ذرأ أمر أيمن"2.

وأما "فون وزمن"، فوضع اسم "ذمر على يهبر""ذمر على يهبأر" بعد اسم "ثارن يركب"، ثم عاد فذكر اسم "ذمر على يهبر" مع ابنه "ثارن يهنعم"، بمعنى أنهما حكما معًا فيما بين السنة "340" والسنة "350" للميلاد. ثم ذكر أن "ثأرن يهنعم" حكم مع ابنه "ملكيكرب يهأمن" حكمًا مزدوجًا، ثم حكم "ملكيكرب يهأمن" مع ابنيه "أبي كرب أسعد" و"ذرأ أمر أيمن". ثم أشار إلى انفراد "أبي كرب أسعد" مع ابنه "حسن يهأمن""حسان يهأمن" بالحكم في حوالي السنة "400" للميلاد3.

وقد ورد اسم الملك "كرب ال وتر يهنعم""كرب إيل وتر يهنعم" في النص: Jamme 666، وصاحبه رجل اسمه:"أبكرب أبهر""أبو كرب أبهر"، ورجل آخر اسمه:"عبد عثتر إشوع""عبد عثتر أشوع"، و"وهب أوم أسعد"، وكانوا أقيالًا "أقول" على عشيرة "عضدن""عضدان"، وكانوا هم منها. وقد تقدموا إلى الإله "المقه" بصنم هو عبارة عن تمثال فرس وعليه راكبه، "ركبهو"؛ وذلك حمدًا له وشكرًا لأنه من عليهم وحماهم من مالك الأرض "بن محر"، ولأنه أسعدهم، ولكي يبعد عنهم كل أذى وسوء وكل عدو حاسد، ويعطيهم القوة والحظوة والمكانة عند سيدهم "كرب ال يهنعم""ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، ويمنحهم حصادًا طيبًا وغلة وافرة4.

1 Mahram، P.393

2 Mahram، P.393

3 Le Museon، 1964، 3-4، P.498

4 Jamme 666، Mamb 140، Mahram، P.172

ص: 215

ويلاحظ أن هذا النص سمى الملك "كرب ال يهنعم""كرب إيل يهنعم" ولم يذكر لفظة "وتر" بين "كرب إيل" و"يهنعم". وقد وضع "جامه" لفظة "وتر" بين الاسمين من عنده لاعتقاده بأن هذا الملك هو الملك "كرب إيل وتر يهنعم" الذي يرد اسمه في نص آخر وسم بـJamme 667.

وأما النص: Jamme 667، فصاحبه رجل اسمه "رببم""ربيب"، وهو من "خلفن أنمرم""خلفان أنمر""خلفان أنمار" ومن "حيم""حيوم". وقد ذكر فيه أنه قدم صنما إلى الإله "المقه ثهوان""بعل أوام"؛ لأنه من عليه بأن حفظه ونجاه من الثورة "بن حبل" والاضطرابات "وقسدت""ق س د ت" التي وقعت بمدينة "ظفار" وذلك قبل هذا اليوم "بقدمي ذن يومن"، ولكي يديم نعمه ومننه عليه وينيله رضا وحظوة "حظى ورضو" سيده الملك "كرب ال وتر يهنعم، ملك سبا وذ ريدن وحضرموت ويمنت"، أي:"كرب إيل وتر يهنعم، ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"1.

وقد ورد اسم الملك "ذمر على يهبر" في النص Jamme 668، وورد معه اسم ابنه "ثأران يهنعم"، وأصحابه جماعة من "سباكهلن"، أي "سبأكهلان". وقد حمدوا فيه الإله "المقه"؛ لأنه نجَّى وحمى وحفظ أصحاب النص، ولأنه من عليهم فمكنهم من الحصول على غنائم في المعارك التي خاضوها ومن أخذ سبي من أعدائهم، مما أثلج نفوسهم وشرح صدورهم وأفرحهم، ولكي يبارك فيهم ويرضى عنهم سيدهم الملك "ذمر على يهبر" وابنه "ثارن يهنعم" وهما "ملكا سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، ولكي ينعم عليهم "وليهعننهمو"، ويمتعهم في الحياة "متعنهمو" ويبعد عنهم كل أذى وسوء2.

وورد اسم "ثارن يهنعم""ثأران يهنعم"، وبعده اسم ابنه "ملك كرب" يهامن" "ملككرب يهأمن" "ملكيكرب يهأمن" "ملكي كرب يهأمن"، في النص: Jamme 669، وهو نص دونه جماعة من عشيرتي: "عبلم" "عبل" "عبال" و"قترن أتون" "قتران أتوان"، حمدوا فيه الإله "المقه" لأنه أنعم عليهم فوهبهم مولودًا ذكرًا، ولأنه أوحى إليهم بأنه سيهبهم أولادًا

1 Jamme 667، Mamb 15، 86، Mahram، P.172

2 Jamme 668، Mamb 236، Mahram، P.173

ص: 216

ذكورًا، وأنه سينجيهم من الضر والسوء، ولأنه أمات "وميت""يحمد" الذي دخل أرضهم وقاتل أولادهم وآذاهم، ولأنه حفظ أخاهم وشفاه، مما أصيب به من مرض جعله صامتا هادئا، وتعبيرًا عن شكرهم وحمدهم هذا، أهدوا معبده صنمًا "صلمن"، وكتابة "مسدم""مسندم"، وكانت زنتهما "عصيم""عصى"، وقدموا ثورين "ثنى ثورن" إلى "كلونم""كلوان"1.

ويلاحظ أن هذا النص لم يذكر مع اسم "ملككرب""ملك كرب""ملكيكرب" لقبه وهو "يهأمن" من بعده، بل أهمله.

كما ورد اسمه وبعده اسم ابنه في النص: Jamme 670. وقد دونه "شرحعثت إشوع" "شرحعثت أشوع"، وابنه "مرثدم" "مرثد"، وهما من "سخيمم" سادات "بيت ريمان" "أبعل بيتن ريمن"، وأقيال عشيرة "يرسم" من قبيلة "سمعي" التي تكوِّن ثلث "حجرم" "حجر". وقد كتباه لحمد الإله "المقه" وشكره؛ لأنه من على عبده "شرحعثت أشوع" فعافاه مما ألَمَّ به من مرض شديد "ضللم" كاد أن يقضي عليه، حل به بمدينة "ظفار"، ولأنه أعاد إليه ابنه "كسدم" فساعده، ولكي يبارك فيه وفي ابنه "مرثد"، ويبعد عنهما كل مرض، ويرفع من مكانتهما لدى الملكين:"ثأران يهنعم وابنه ملك كرب يهأمن، ملكي سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"2.

وكتب جماعة من "سخيم" سادات "بيت ريمان""أبعل بيتن ريمن" وأقيال "أقولن""يرسم" من عشيرة "سمعي"، التي تكون ثلث عدد "حجرم ذخولن جددتن""حجر خولان جددتان"، نصًّا وسم بـJamme 671؛ وذلك ليكون معبرًا عن حمدهم وشكرهم للإله "المقه"، الذي من عليهم بنعمه وساعدهم بالقيام بالعمل الذي كلفهم به سيداهم:"ثأران يهنعم" و"مككرب يامن""ملك كرب يامن""ملكيكرب يأمن"، "ملكأ سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، وهو أن يتقدموا ويقودوا "لقتد من" جيش الأعراب "خمس بعرب"، ويتجهوا إلى السد "عرمن" الذي تهدم "بكن ثبرت عرمن بحببض"، عند موضع "حببض""حبابض" وموضع "رحبتن""رحبتان""الرحبة""الرحابة"، فتداعت جدرانة ومبانيه وأحواضه وسدوده

1 Jamme 669، Mamb 183، Mahram، P.174

2 Jamme 670، Mamb، 292، Mahram، P.175

ص: 217

الفرعية ومضارفه "مضرفن"، الواقعة فيما بين "حبابض" و"رحبتن""الرحبة"، وخرب منه ما مقداره سبعون "شوحطم""شوحطا". وقد حمدوا الإله "المقه" وسبحوه لأنه أجاب دعوتهم، فحبس الأمطار والأمواج والسيول عنهم حتى تم العمل وأقاموا الأسس والجدران والسد، ولأنه وفقهم في خدمة سيديهم "ثأران يهنعم"، و"ملككرب يامن""ملك كرب يأمن""ملكيكرب يأمن"1.

ويظهر من هذا النص أن خرابًا كان قد حل بسد "حبابض"، فتهدم قسم منه فأضر ذلك بالمزارع التي كانت ترتوي منه، وأن الملك أمر بإصلاحه وبإعادة بنائه، وقد تم هذا العمل في عهده.

وأما الذي حكم بعد "ذرأ أمر أيمن" الذي هو ابن "ياسر يهنعم الثالث"، فهو "ذمر على يهبأر"، وكان قد حكم على رأي "فون وزمن" في حوالي السنة "340ب. م.". وقد استنتج "فون وزمن" رأيه هذا من كتابة ورد فيها اسم القائد "سعد تالب يتلف"، وهو في خدمة "ذمر على يهبأر". ولما كان هذا القائد قد خدم في عهد "ياسر" وابنه، رأى أن "ذمر على يهبأر" يجب أن يكون هو الملك الذي تولى الحكم بعد "ذرأ أمر أيمن"، وقد نعته بـ"ذمر على يهبأر الثاني" تمييزًا له عن ملك سابق حكم بهذا الاسم2.

وقد تمكن القائد المذكور من الوصول إلى موضع "صوران""صورأران" الواقع غربي الطريق المؤدية إلى روضة "سررن""سرران" بوادي حضرموت. واشترك في معركة نشبت في "سرران" على مقربة من موضع "مريمت""مريمات"، وهو موضع تقع آثاره وخرائبه اليوم بين "سيوون" و"تريم"، في المكان الذي سماه "بطلميوس" Marimatha3.

ولا نعلم من أمر "ذمر على يهبأر" شيئًا يذكر. أما الذي جاء بعده في الحكم، فهو "ثارن يهنعم"، "ثأران يهنعم"، وهو ابنه، وقد حكم مع أبيه حكمًا مشتركًا بعد السنة "340م" على رأي "فون وزمن". وقد عثر على

1 Jamme 671، Mamb 294، Mahram، P.176

2 Le Museon، 1964، 3-4، Pp.491، 498

3 J. Ryckmans، Chronologle، Oriens Antiquus، Iii، 1964، P.22، Le Museon، 1964، 3-4، P.491

ص: 218

عدد من الكتابات من أيامه، وفي عهده تصدع السد -سد مأرب- للمرة الثالثة على ما جاء في المسند1.

ولعل النصوص الموسومة بـJamme 669 و Jamme 670 و Jamme 671 هي آخر النصوص التي نقرأ فيها اسم الإله "المقه"، إله سبأ الكبير ورمز السبئيين. وقد عثر عليها المنقبون في معبده بمدينة مأرب، المعبد المعروف بـ"أوم""أوام"، وهي مكتوبة في عهد الملك "ثارن يهنعم" وابنه "ملككرب يهأمن""ملكيكرب يهأمن"2. وإذا كان هذا الانقطاع صحيحًا، أي: إن المنقبين لن يعثروا على كتابات أخرى تحمل اسم ذلك الإله وتمجده، فإنه يمكن تفسيره عندئذٍ بإعراض ملوك سبأ منذ عهد هذين الملكين، أي: منذ أواخر القرن الرابع بعد الميلاد، عن عبادة "المقه" وبقية آلهة سبأ، ودخولهم في التوحيد.

ولو افترضنا احتمال عثور الباحثين على كتابات مفقودة فيها اسم "المقه"، فإن عهدها لن يكون طويلًا؛ ذلك لأننا سوف نرى بعد قليل أن الملك "ملك كرب يهأمن""ملكيكرب يهأمن" وهو ابن الملك "ثأرن يهنعم""ثاران يهنعم"، يتجاهل بعد توليه الحكم اسم "المقه"، ولا يتقرب إليه على سنة الملوك الماضين، بل يتقرب إلى إله جديد هو الإله "ذ سموى"، أي الإله "رب السماء"، وهو تحول يدل على حدوث تغير عند هذا الملك بالنسبة إلى ديانة آبائه وقومه، ويدل على دخوله في ديانة جديدة، هي ديانة "رب السماء"، أو "رب السماوات"، وهي ديانة تعبر عن عقيدة التوحيد، وعن اعتقاد الملك بوجود إله واحد هو "رب السماء"3.

وقد عثر على الكتابات المذكورة بـ"منكث" خارج خرائب "ظفار"4.

ويرى بعض الباحثين احتمال حدوث هذا التحول في عهد الملك "ثارن يهنعم"، ويرون أن هذا التحول يتناسب كل التناسب مع الرواية المعزوة إلى "فيلوستورجيوس" Philostorgios عن كيفية تنصير الحميريين، إذ زعم أن "ثيوفيلوس" Theophilos كان قد تمكن من إقناع ملك حمير بالدخول في النصرانية، فدان

1 Le Museon، 1964، 3-4، P.498

2 Le Museon، 1964، 3-4، P.461

3 GLASER 389

4 Le Museon، 1964، 3-4، P.492

ص: 219

بها، وأمر ببناء كنائس في "ظفار" وفي "عدن"، وكان القيصر "قسطنطين الثاني""350-361م" هو الذي أرسله إلى العربية الجنوبية ليدعو إلى النصرانية بين أهلها. ويؤيدون رأيهم هذا بالكتابة المذكورة التي يرجع عهدها إلى سنة "378م" أو "384م"، فهي غير بعيدة عن أيام "ثارن يهنعم"، ويحتمل لذلك أن يكون هو الملك الحميري الذي بدل دينه الوثني، ودخل في ديانة التوحيد1.

ويتحدث النص: Jamme 671 من بين النصوص المذكورة، عن تصدع أصاب وسط سد مأرب الكبير وعن سقوطه، وعن قيام الملك "ثأرن يهنعم""ثأران يهنعم" بإصلاحه وإعادته إلى ما كان عليه. ويكون هذا الخبر، هو ثاني خبر يصل إلينا مدونًا في كتابات المسند عن تصدع السد إلى هذا العهد2.

أما الكتابة التي ورد فيها اسم الإله "ذ سموى""رب السماء"، فتعود إلى الملك "ملككرب يهأمن""ملك كرب يهأمن""ملكيكرب يهأمن"، وهو ابن الملك "ثارن يهنعم"، وقد عثر عليها في "منكث" خارج خرائب "ظفار". وقد ورد فيها مع اسمه اسم ولدين من أولاده، هما:"أبكرب أسعد""أبو كرب أسعد"، و"ذرأ أمر أيمن""ورأ أمر أيمن"3، وكانا يشاركانه في الحكم لورود لقب الملوكية الكامل بعد اسميهما. وقد تقربوا بها إلى الإله "ذ سموى"، أي "إله السماء"، وذلك في سنة "493" من التأريخ الحميري، المقابلة لسنة "378" أو "384" للميلاد4.

وقد أغفل "فلبي" الإشارة إلى "ياسر يهنعم الثالث" ثم من جاء بعده إلى "ملك كرب يهأمن"، فلم يذكرهم في قائمته لملوك "سبأ وذي ريدان وحضرموت

1 Le Museon، 1964، 3-4، P.492، J. Ryckmans، Chronologie، Orients Antiquus، Iii، 1964، P.22

2 Le Museon، 1964، 3-4، P.491.3

3 "ورأ أمر أيمن" في بعض القراءات، و"ذرأ أمر أيمن" في قراءة أخرى، Le Museon، 1964، 3-4، P.492

4 Glaser، Skizze، I، S. 12، Dammbruch، S. 14، Le Museon، 1950، 3-4، P.270، 1964، 3-4، P.492، Glaser 389، Die Araber، Iv، S. 273

وقد أخطأ هذا المصدر: "Die Araber" في تدوين التأريخ الحميري، إذ جعله "473"، بينما هو "493"، Le Museon، 66، "1953"، 303

ص: 220

ويمنت". وقد قلت: إنه جعل "يرم يهرحب" بعد "شمر يهرعش"، ومن المحتمل -في نظره- أن يكون أحد أولاد "شمر"، ثم ذكر أن الأحباش استولوا على العربية الجنوبية بعده، وذلك في حوالي السنة "340ب. م."، وقد دام حكمهم حتى سنة "375م"، حيث ثار عليهم "ملكيكرب يهأمن"، ويحتمل في نظره أن يكون أحد حفدة "يرم يهرحب"، فطرد الأحباش من العربية الجنوبية، وأقام نفسه ملكًا1.

وقد ورد اسم "ملك كرب يهأمن" محرَّفًا في كتب أهل الأخبار؛ فدعاه "حمزة" بـ"كلي كرب بن تبع"، وقد جعل حكمه خمسًا وثلاثين سنة2. وسماه "الطبري" "ملكي كرب تبع بن زيد بن عمرو بن تبع"3، وسماه "المسعودي" "كليكرب بن تبع"4، ودعاه "القلقشندي" "كليكرب بن تبع الأقرن"، الذي حكم على زعمه بعد "شمر يرعش" "شمر مرعش" ثلاثًا وخمسين سنة، وقيل: ثلاثًا وستين سنة، واسمه زيد، وهو على زعمه ابن "شمر"، وذكر أن الأقرن إنما عرف بالأقرن لشامة كانت في قرنه5.

وانتقل الملك بعد وفاة "ملك كرب يهأمن" إلى ابنه "أب كرب أسعد""أبي كرب أسعد"، ويرى المستشرقون أنه "أسعد كامل تبع" الذي يزعم الأخباريون أنه أول من تهود من التبابعة ونشر اليهودية بين اليمانيين.

وقد جعل "الطبري" حكم "أبي كرب أسعد" بعد حكم "شمر يهرعش"، إذ قال:"ثم كان بعد شمر يرعش بن ياسر ينعم تبع الأصغر، وهو تبان أسعد أبو كرب بن ملكيكرب بن زيد بن تبع الأول بن عمرو ذي الأذعار، وهو الذي قد قدم المدينة، وساق الحبرين من يهود إلى اليمن، وعمر البيت الحرام وكساه"6، وتهود وطلب من قومه الدخول في اليهودية. "وقال الكلبي: تبع هو أبو كرب أسعد بن ملكيكرب، وإنما سمي تبعًا؛ لأنه تبع من قبله. وقال سعيد بن جبير: هو الذي كسا البيت الحبرات". وذكر أنه قال شعرًا أودعه

1 Background، P.143

2 حمزة "ص85".

3 الطبري "1/ 566""دار المعارف".

4 مروج "2/ 5، 13""طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد".

5 صبح الأعشى "5/ 23".

6 الطبري "2/ 11"، الإكليل "1/ 34""حاشية 4".

ص: 221

عند أهل يثرب، "فكانوا يتوارثونه كابرًا عن كابر إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فأدوه إليه، ويقال: كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب خالد بن زيد"1. وورد في مسند الإمام "أبي حنيفة": "أول من ضرب الدينار تبع، وهو أسعد بن كرب"2.

وقد تحدث "الهمداني" عن "أبي كرب أسعد"، فقال:"فأولد ملكيكرب بن تبع الأكبر: أسعد تبع بن ملكيكرب، وهو أسعد الكامل، وتبع الأوسط""وكانت أمه من فايش بن شهاب بن مالك بن معاوية بن دومان بن بكيل بن جشم بن جبران بن نوف بن همدان، ومولده بخمر من ديار فايش بن شهاب"، و"خمر" موضع بظواهر همدان. "ونشأ بجبل هَنْوَم من أرض همدان

فأولد أسعد تبع بن ملكيكرب: كربًا وهو الفدى، وبه كان يكنى

ومعدي كرب وحسان وعمرًا

وجبلًا

فهؤلاء

خمسة نفر بنو أسعد بن ملكيكرب، وقال البلخي وغيره: خطيب بن أسعد. والخطيبون بأكانط ومدر من ولده"3 فيكون ولد "أسعد" ستة نفر على هذه الرواية.

وذكر "الهمداني" أن والد "أسعد" هو "ملكيكرب بن تبع الأكبر، وهو الرائد بن تبع الأقرن بن شمر يرعش بن إفريقس ذي المنار بن الحارث الرائش بن ألي شدد"4. وعرف "تبع الأقرن" بالأقرن؛ لشامة كانت في قرنه5.

وقد أورد "الهمداني" في كتابه "الإكليل" أشعارًا كثيرة نسبها إلى "أسعد بن ملكيكرب"، بعضها قصائد، ذكر أنه نظمها في مناسبات مختلفة. وقد تطرق في بعض منها إلى أنساب الناس وإلى أمور ذكر أنه تنبأ بها قبل وقوعها بمئات من السنين، ومنها ظهور الرسول ومبعثه في قريش. وذكر "الهمداني" أن شعر "أسعد" وفصاحته من شعر وفصاحة "همدان"، ونسب له شعرًا في مدحهم6.

1 القرطبي: الجامع لأحكام القرآن "16/ 145".

2 مسند الإمام أبي حنيفة "ص163"، "حلب 1962م".

3 الإكليل "2/ 56 وما بعدها".

4 الإكليل "2/ 54 وما بعدها، 110 وما بعدها".

5 الإكليل "2/ 54".

6 الإكليل "2/ 57".

ص: 222

ويلاحظ أن أهل الأخبار قد صيروا اسم "أب كرب أسعد""أبكرب أسعد""أبي كرب أسعد" على هذا النحو: "أسعد تبع" و"أسعد تبع بن ملكيكرب" و"أسعد الكامل"، فأسقطوا "أب كرب""أبكرب" منه، وأخذوا الجزء الأخير منه وهو "أسعد". ويظهر أن فتوحاته كانت قد تركت أثرًا في ذاكرة أهل اليمن، وقد بقي ذلك الأثر إلى الإسلام، ولكن الزمن والعصبية لعبا دورًا خطيرًا في تكييفه حتى طغى عليه الطابع الأسطوري، فوصل إلينا على نحو ما نجده في كتب أهل الأخبار والتواريخ.

وقد تولى هذا الملك -على رأي المستشرقين- الحكم منفردًا من سنة "400" بعد الميلاد حتى حوالي سنة "415" أو "420ب. م." على رأي1، أو من سنة "385" حتى سنة "420ب. م." على رأي آخر2، أو من سنة "378" حتى سنة "415ب. م." على رأي "فلبي"3. والذي أراه أن حكمه امتد إلى ما بعد السنة "430" للميلاد، كما سأشرح ذلك في موضعه. وقد أضاف إلى لقب "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت" الذي ورثه من أبيه إضافة جديدة في آخره، هي:"واعربهمو طودم وتهمتم"، أي:"وأعرابها في الجبال وفي التهائم"، فصار بذلك أول ملك يحمل هذا اللقب4.

ولا بد أن تكون للإضافة التي ألحقت بآخر اللقب معنى سياسي مهم، إذ لا يعقل أن يكون هذا الملك قد ألحقها باللقب اعتباطًا من غير قصد. والظاهر أن الذي حمله على إلحاقها به، هو ظهور أهمية الأعراب، ولا سيما أعراب الهضاب وأعراب جنوب نجد من قبائل "معد" وقبائل تهامة أو التهائم، أي: المنخفضات الساحلية، بالنسبة إلى زمانه إذ صاروا يؤثرون في سياسة العربية الجنوبية تأثيرًا واضحًا، وصار في استطاعتهم إحداث تغيير كبير في الوضع السياسي، فانتبه لقوتهم هذه وأعارها أهمية كبيرة، فأضاف اسمهم إلى اللقب؛ دلالة على سيطرته عليهم وخضوعهم له، كما فعل الملوك الماضون بإضافة أسماء جديدة إلى ألقابهم الملكية كلما أخضعوا أرضًا من الأرضين.

1 Handbuch، S. 104، Anm. 3. Background، Pp.116، 143

2 Background، P.143، Beitrage، S. 20، 40

3 Le Museon، "Note On The Last Kings Of Saba"، By Philby، Lxiii، 3-4، "1950"، P.269

4 Le Museon، 1964، 3-4، P.492

ص: 223

ومعنى ذلك أن حكم "أبي كرب أسعد" كان قد شمل التهائم بأعرابها وقراها، وكذلك قبائل معدّ التي تمتد منازلها من أرض نجران إلى مكة ونجد1.

وعلى مقربة من مدينة "غيمان" قبر ينسب إلى هذا الملك، وقد فتح من عهد غير بعيد. وذكر أن "غيمان" كانت مقرًّا للتبابعة مدة ما، وأن "أب كرب أسعد" أقام بها زمنًا. ويظن أن الرأس المصنوع من البرونز الذي يمثل رأس امرأة والمحفوظ في المتحف البريطاني، والرأس الجميل الذي يمثل مهارة فائقة في الصنعة ويمثل رأس رجل، كلاهما قد أخذ من ذلك القبر2.

ويقع قبر "أسعد أبو كرب" أسفل التل الذي أقيم عليه قصر "غيمان""حصن غيمان". وقد دل البحث في موضعه على أنه يعود إلى عهود متعددة، وأن جملة ترميمات وإصلاحات أدخلت على هذا القصر3.

وقد ذكر "الهمداني" أن "أبيكرب أسعد" كان قد أقام في مدينة "بينون"، وأقام أيضا في مدينة "ظفار"4. أقام في قصر "ريدان" بـ"ظفار" وفي قصر "هكر" بمدينة "بينون"، كما أقام في قصر "غيمان" وفي قصر "غمدان" بصنعاء، وهي كلها من قصور اليمن وحصونها الشهيرة المذكورة في تأريخ اليمن5.

وقد أخذ جماعة من المستشرقين برواية أهل الأخبار في تهود "أب كرب أسعد""أبكرب أسعد"، فجعلوه على رأس أسرة متهودة حكمت منذ هذا العهد. وجعله "فلبي" رأس الأسرة الثامنة من الأسرة التي حكمت السبئيين بحسب ترتيبه لقائمة الأسرة الحاكمة6.

ويدل عثور "فلبي" على كتابة دون فيها اسم "أب كرب أسعد" واسم ابنه "حسان يهأمن" في وادي "مأسل الجمح""ماسل جمح"، في موضع مهم على طريق بين "مكة" والرياض، ولا يزال يعرف اسم جمح على أن هذا الموضع كان من جملة الأرضين الخاضعة لحكم ذلك الملك، وأن نفوذه كان قد جاوز اليمن حتى

1 Die Araber، Ii، S. 321، Iv، S. 274

2 Beitrage، S. 20

3 Arabien، S. 276

4 Beitrage، S. 40

5 Le Museon، 1964، 3-4، P.439

6 Background، P.493، Le Museon، 1964، 3-4، P.493

ص: 224

بلغ نجدًا. وبلغ هذه الأرض المهمة التي تجتازها القوافل والتجارات حتى اليوم1، وكانت تعد من منازل قبائل "معد" في ذلك الحين، وهي قبائل متحالفة يجمع شملها هذا الاسم2.

والكتابة التي أقصدها، هي الكتابة التي وسمت بـ3Philby 227، وقد دونت عند إقامة حصن في وادي "ماسل الجمح"، وورد فيها اسم موضع آخر هو "مودم ضمو"، ويرى "فلبي" أنه المكان المسمى "دودمي""دوادمي" في الزمن الحاضر4. وقد وردت فيها أعلام أخرى، منها: "كدت" "كدة"، و"سود"، و"وله" "وده"5.

وقد ذكر "الهمداني" أن "مأسل الجمح" كان من مواضع "نُمَيْر"، واسم "نمير" قريب من اسم قبيلة Nomeritae التي ذكرها "بلينيوس" إذ قال: Nomeritae Mesala Oppido؛ ولذلك ذهب بعض الباحثين إلى أن "مأسل الجمح" كان من مواضع "نمير"، وذلك في أيام "بلينيوس"، أي في أواخر القرن الأول قبل الميلاد فما بعده6.

ويظهر أن الملك "أب كرب أسعد" أقام هذا الحصن في "وادي مأسل" ليكون معقلًا تقيم فيه قوات سبئية لحماية الطريق من هجوم القبائل وتعرضها للقوافل التي تسلك هذا الوادي محملة بالبضائع والتجارات بين اليمن ونجد، وهو طريق مهم من الطرق التي تصل أرض اليمن بنجد وبشرق الجزيرة7.

وقد افتتح نص: Philby 227 بجملة: "أبكرب أسعد وبنهو حسن يهأمن ملكي سبا وذ ريدان وحضرموت ويمنت وأعربهمو طودم وتهمتم بن حسن ملك كرب يهامن ملك سبا وذ ريدن وحضرموت ويمنت"، أي "أبو كرب أسعد

1 Beitrage، S. 120، Ryckmans 464، Philby 228

2 Le Museon، 1964، 3-4، P.492، J. Ryckmans، In: Bibl. Or.، 14، 1957، P.93

3 Philby 227، Ryckmans 409، 445، 509، Philby، Motor Tracks And Sabaean Inscriptions In Najd.، Geogr. Journ.، 1950، Pp.211-215،

Le Museon، Lxiv، 1-2، "1951"، P.99

Le Museon، 3-4، 1953، P.303

4 المصادر نفسها، Beitrage، S. 120

5 Le Museon، Lxiv، 1-2، "1951"، P.102، Le Museon، 3-4، 1953، P.304

6 Beitrage، S. 120

7 Philpy، In The Geographical Journal، Vol.، Cxvi، No. 4-6، "1950"، P.214

ص: 225

وابنه حسان يهأمن، ملكا سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الأطواد والتهائم، ابنا حسان ملكيكرب يهأمن ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت". فيفهم منها إذن أن اسم والد "أبي كرب أسعد" هو "حسان ملكيكرب يهأمن"، لا "ملكيكرب يهأمن". فهل نحن أمام ملك واحد، عرف بـ"ملكيكرب يهأمن" وبـ"حسان ملكيكرب يهأمن"، أم أمام ملك آخر غير الملك "ملكيكرب يهأمن"؟

ويتبين من هذا النص أن الملكين كانا قد غزَوَا "كسباو" أرض "مودم ضمو"، غزواها بجمع من أهل حضرموت وسبأ وبني مأرب، أي أهل مأرب وبأصاغر الناس "صغرم". وكان في جيشهما "المقتوين""مقتوتهمو"، أي: القادة؛ قادة الجيش. وأشير في النص إلى أعراب كندة "باعربهمو كدت" وإلى "سود" و"وله""واله"1.

ولدينا كتابة وسمت بـRyckmans 534، ورد فيها اسم الملك "أبي كرب أسعد" وأشير فيها إلى ستة أولاد من أولاده. وهي كتابة مؤرخة، ويقابل تأريخها الحميري "543" السنة "428م" أو "434م"2، كما عثر على كتابة أخرى وسمت بـRyckmans 534 يرى من درسها أنها يجب أن تكون قد كتبت بعد السنة "433" أو "439م"3. ومعنى هذا أن حكم "أبي كرب أسعد"، قد جاوز السنة "428ب. م." أو السنة "430ب. م."، أي: إن تقدير الذين جعلوا نهاية حكم "أبي كرب أسعد" في سنة "415ب. م." أو "420ب. م."، هو تقدير خاطئ. والظاهر أنهم قد وقعوا في هذا الخطأ؛ لأن الكتابتين المذكورتين لم تكونا قد نشرتا في ذلك العهد.

وقد أشير في الكتابة Rossi 24 إلى ستة أو سبعة أبناء للملك "أبي كرب أسعد"4.

وتشير الكتابة الموسومة بـRyckmans 409 إلى حملة قام بها الملك "أبو كرب

1 Philby 227، Ryckmans 509، Le Museon، 1953، 3-4، P.303، Die Araber، Iv، S. 273.

2 Le Museon، 1964، 3-4، P.492، 1955، P.308، Die Araber، Iv، S. 273

3 Le Museon، 1964، 3-4، P.492، J. Ryckmans، In Riv. D. Studi. Orient.، 37، Rome، 1962، Pp.243، 249، Die Araber، Iv، S. 273

4 Le Museon، 1964، 3-4، P.492، J. Ryckmans، In Riv. D. Studi. Orient.، 37، Rome، 1962، P.249، Die Araber، Iv، S. 273

ص: 226

أسعد" وابنه الأول "حسان يهأمن" على "وادي مأسل" في أرض "معد"، وقد ساهم بها معه جمع من "كندة"1. ونجد لقبيلة "كندة" ذكر في الكتابات التي يعود عهدها إلى ما بعد الميلاد.

وذهب "كروهمن" إلى أن ورود اسم "أبي كرب أسعد" في النص: Jamme 856 -وهو من النصوص السبئية المتأخرة- يجعل أيامه في السنين الثمانين فما بعد، من القرن الخامس للميلاد2. وقد قدّر أيام حكمه بحوالي السنة "400" بعد الميلاد3.

ويظهر أن حكم الملك "أبي كرب أسعد" كان حكمًا طويلًا، وأن عمره كان عمرًا طويلًا أيضًا؛ وذلك لأنه كان ملكًا إلى ما بعد السنة "430" بعد الميلاد، وإذ قد ذكر ملكًا مع والده في النص المؤرخ بسنة "378ب. م." أو "384ب. م."، فيكون مجموع حكمه قد بلغ زهاء خمسين سنة أو أكثر من ذلك بقليل. ولو فرضنا أنه كان في حوالي العشرين من عمره يوم ذكر مع أبيه في النص، فيكون عمره إذن يوم وفاته حوالي السبعين، أو بعد ذلك بسنين4.

لقد استطاع "أبو كرب أسعد" توسيع ملكه، حتى بلغ البحر الأحمر والمحيط الهندي والأقسام الجنوبية من نجد، وربما كان قد استولى على جزء كبير من الحجاز. وفي روايات أهل الأخبار عن فتوحاته وعن غزواته أساس من الصحة، وإن دخل فيها عنصر المبالغة والقصص. ولا بد أن يكون هذا الملك ذا شخصية قوية وكفاءة مكنته من القيام بتلك الفتوحات والتغلب على القبائل، حتى تركت أعماله أثرًا بقي يتنقل بين الأجيال، ويتطور بمروره على الأفواه حتى وصل إلينا على الشكل الذي نقرؤه في كتب أهل الأخبار.

وقد ذكر "الطبري" أن "أسعد أبا كرب بن ملكيكرب"، ونعته بـ"تبع" كان قد قدم بجيوشه الأنبار، وأسكن من قومه الأنبار والحيرة، ثم رجع إلى

1 Le Museon، 1964، 3-4، P.492

2 Arabien، S. 29، 273

3 Arabien، S. 276

4 Le Museon، 1964، 3-4، P.492

ص: 227

اليمن1. وذكر غيره أنه "تبان أسعد أبو كرب بن قيس بن زيد الأقرن بن عمرو ذي الأذعار، وهو تبع آخر، ويقال له: الرائد، وكان على عهد يستأسف أحد ملوك الفرس الكيانية وحافده أردشير، وملك اليمن والحجاز والعراق والشام، وغزا بلاد الترك والتبت والصين، ويقال: إنه ترك ببلاد التبت قومًا من حمير

وغزا القسطنطينية ومر في طريقه بالعراق فتحير قومه فبنى هناك مدينة سماها الحيرة

ويقال: إنه أول من كسا الكعبة المُلأ وجعل لبابها مفتاحًا وأوصى ولاتها من جرهم بتطهيرها، ودام ملكه ثلاثمائة وعشرين عامًا2".

وهذه الفتوحات التي نسبوها إلى "تبان أسعد"، هي مثل الفتوحات التي نسبوها لـ"شمر يرعش"، وهي في الواقع تكرار لها. والظاهر أنها خلط بين فتوحات الملكين التي وضعها لهما أهل الأخبار.

ونصب بعض أهل الأخبار من بعده "ربيعة بن نصر بن الحارث بن نمارة بن لخم" ملكًا على اليمن، ثم ذكروا أنه رأى "رؤيا هالته فسار بأهله إلى العراق وأقام بالحيرة، وحكم عليها، ومن عقبه كان النعمان بن المنذر ملك الحيرة"3.

وهناك طريق بري يربط المناطق المرتفعة الزراعية بالمناطق الشمالية، وهي مناطق مأهولة ومن أكثر أرض اليمن كثافة سكان، يسمى بـ"درب أسعد كامل" أو "طريق أسعد كامل"، نسبة إلى هذا الملك، وهو يصل إلى شمال "الطائف" ويتصل بطريق الحجاز4. ويمتد من "خيوان" وأعالي "خولان" في اتجاه "بيشة" و"ريع المنهوت"، ثم في الممر الضيق المؤدي إلى "الطائف". ويستعمل تجار "عمران" هذا الدرب5.

ويظهر هذا الدرب تحولًا خطيرًا في الطرق البرية القديمة التي كانت تسير في محاذاة حافة الصحراء الشرقية المتصلة بالجوف، إذ يشير إلى تحول هذه الطرق من

1 "وفي ذلك يقول كعب بن جميل بن عجرة بن قمير بن ثعلبة بن عوف بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل:

وغزا تبع في حمير حتى

نزل الحيرة من أهل عدن".

الطبري "1/ 612"، "دار المعارف".

2 صبح الأعشى "5/ 23".

3 صبح الأعشى "5/ 23".

4 Le Museon، 1964، 3-4، P.493

5 Le Museon، 1964، 3-4، P.493

ص: 228

الأرض السهلة إلى الهضاب التي يعيش عليها المزارعون الذين يعيشون على الزراعة التي تعتمد على المطر، وقد شمل هذا التحول فيما شمله طريق البخور واللبان القديم1.

وجعل "فلبي" الحكم لـ"ورو أمر أيمن" بعد وفاة "أبي كرب أسعد"، وهو شقيقه. قد حكم على رأي "فلبي" من سنة "415م" حتى سنة "425م"، ولما توفي انتقل الحكم إلى "شرحبيل يعفر""شرحب إيل يعفر"، وهو ابن "أبي كرب أسعد". وقد حكم على تقديم "فلبي" أيضًا من سنة "415ب. م." حتى سنة "455ب. م."2، وحكم على تقدير "هومل" من سنة "420م" حتى سنة "455م"3. ولكن "فلبي" في كتابه "النجاد العربية" عاد فجارى "هومل" فيما ذهب إليه في تقدير مدة حكم "شرحبيل يعفر"، فجعلها منذ سنة "420ب. م." حتى سنة "455ب. م."4.

وأما "جامه"، فوضع "أبكرب أسعد" واسم شقيقه "ذرأ إمر أيمن""ذرأ أمر أيمن" بعد اسم "ملككرب يهأمن". وقد حكم "أبكرب أسعد" مع والده في حوالي السنة "365" وحتى السنة "375" للميلاد. وأما "ذرأ أمر أيمن"، فجعله مشاركًا لوالده في الحكم وذلك في حوالي السنة "375" وحتى السنة "385" للميلاد5.

ولكن "جامه" عاد فوضع بعد القائمة المتأخرة لحكام سبأ، والتي انتهت في القائمة "E"، باسمي "ذرأ أمر أيمن" و"أبكرب أسعد"، قائمة أخرى دعاها بـ"F"، وقد خصصها بمن حكم في النصف الأول من القرن الخامس للميلاد، ابتدأها باسم "حسن ملككرب يهأمن""حسان ملكيكرب يهأمن"، وجعل حكمه من حوالي السنة "415" حتى حوالي السنة "425" للميلاد، ثم وضع اسم "أبكرب أسعد" من بعده، وجعل حكمه في حوالي السنة "425" وحتى السنة "430" للميلاد. ثم ذكر اسم "حسان يهأمن""حسن يهأمن" من بعده، وقد شارك "أبكرب أسعد" في الحكم من سنة "425" حتى "430" للميلاد، ثم دون اسم "شرحبيل يعفر" من بعد "أبكرب أسعد" وقد جعله شريكًا في

1 Le Museon، 1964، 3-4، P.423

2 Background، P.143

3 Handbuch، S. 104، Anm. 3

4 Philby، Highlands، P.460، Le Museon، 1961، 1-2، P.174

5 Mahram، P.391

ص: 229

الحكم لـ"أبكرب أسعد" من حوالي السنة "450" حتى السنة "440" للميلاد1.

وقد أغفل "فلبي" وغيره اسم "حسان يهأمن"، وهو ابن "أب كرب أسعد"، فلم يذكره بعد اسم أبيه، مع أنه ذكر معه في النص Philby 227، ونعت مثله بـ"ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعراب في الجبال والتهائم".

وقد عرف أهل الأخبار اسم "حسان"، وذكروا أنه حكم من بعد أبيه "أسعد أبي كرب"، وذكروا اسمه على هذا النحو:"حسان بن تبع أسعد أبي كرب"، ولم يذكروا لقبه. وقد زعموا أنه أغار على طسم وجديس باليمامة وأنه حارب "جذيمة" ملك الحيرة، وكان "جذيمة" قد خرج يريد طسم وجديس في منازلهما من "جوّ" وما حولهما، فوجد "حسان" قد أغار على طسم وجديس باليمامة، فانكفأ راجعًا بمن معه، فأتت خيول "تبع" على سرية لجذيمة فاجتاحتها2. فهو من معاصري "جذيمة" على رأي أهل الأخبار.

و"حسان" هذا هو الذي أفنى "جديس" على رواية أهل الأخبار، وهو الذي فقأ عيني "اليمامة" في شعره3، وإن "النمر بن تولب العكلي"، أشار في شعره إلى قصتها أيضا4.

وذكر "الطبري" أن "حسان بن تبع" الذي أوقع بجديس، هو ذو معاهر، وهو تبع بن تبع تبان أسعد أبي كرب بن ملكيكرب بن تبع بن أقرن وهو أبو تبع الذي يزعم أهل اليمن أنه قدم مكة، وكسا الكعبة، وأن الشعب من المطابخ إنما سُمي هذا الاسم لنصبه المطابخ في ذلك الموضع وإطعامه الناس، وأن أجيادًا إنما سمي أجيادًا؛ لأن خيله كانت هنالك، وأنه قدم يثرب فنزل منزلًا يقال له منزل الملك اليوم، وقتل من اليهود مقتلة عظيمة بسبب شكاية من شكاهم إليه من الأوس والخزرج بسوء الجوار، وأنه وجه ابنه حسان إلى المسند وشمرًا ذا الجناح إلى خراسان، وأمرهما أن يستبقا إلى الصين، فمر بسمرقند فأقام عليها حتى افتتحها، وقتل مقاتلتها، وسبى وحوى ما فيها ونفذ إلى الصين فوافى حسان بها، فمن أهل اليمن من يزعم أنهما ماتا هنالك، ومنهم من يزعم

1 Mahram، P.394

2 الطبري "1/ 615، 629 وما بعدها"، "دار المعارف".

3 الطبري "1/ 630"، ديوان الأعشى "72-74".

4 الطبري "1/ 631".

ص: 230

أنهما انصرفا إلى تبع بالأموال"1.

وقد ذكر "الطبري" أيضا أن "حسان بن تبان أسعد أبي كرب بن ملكيكرب بن زيد بن عمرو ذي الأذعار" سار بقومه من أهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب وأرض العجم، كما كانت التبابعة قبله تفعل، فلما كان بالعراق قتله أخوه "عمرو بن تبان أسعد أبي كرب" ورجع "عمرو" بمن معه من جنده إلى اليمن، وأصيب بمرض نفسي، وقتل خلقًا من قومه لندمه على قتله أخاه، ثم لم يلبث أن هلك2.

وقد زعم أن "عمرًا" هذا عرف بـ"موثبان"، وأنه قتل أخاه بموضع "رحبة طوق بن مالك"، التي عرفت بـ"فرضة نعم"3.

وقد زعم الأخباريون، أن الأمر قد مرج في حمير بعد وفاة "عمرو" وتفرقوا، فوثب عليهم رجل من حمير لم يكن من بيوت المملكة منهم، يقال له:"لخنيعة ينوفة ذو شناتر"، فملكهم، فقتل خيارهم، وعبث ببيوت أهل المملكة منهم، حتى قتله "ذو نواس" في قصة من القصص المألوف وروده من أهل الأخبار4.

وذكر "القلقشندي"، أن الذي حكم بعد "ربيعة بن نصر" الذي حكم اليمن على زعمه بعد "تبان أسعد"، هو "حسان ذو معاهر"، وهو "ابن تبان أسعد أبي كرب"، ثم ملَّك أخاه "عمرو بن تبان أسعد أبي كرب" من بعده، ونعته بـ"الموثبان"، وذكر أنه حكم ثلاثًا وستين سنة، ومات عن أولاد صغار وأكبرهم قد استهوته الجن، فوثب على الملك "عبد كلال بن مثوب"، فملك أربعًا وتسعين سنة، وهو تبع الأصغر5.

قد ترك لنا "شرحبيل يعفر""شرحب إيل يعفر" نصًّا مهمًّا وسمه علماء العربيات الجنوبية بـ6Glaser 554، وهو وثيقة تتعلق بتصدع سد مأرب الشهير

1 الطبري "1/ 632".

2 الطبري "2/ 115 وما بعدها".

3 الطبري "2/ 117".

4 الطبري "2/ 117" وما بعدها.

5 صبح الأعشى "5/ 23".

6 Cih 540، Glaser 554 + 410 + 408 + 408 Bis + 406 + 407 + 409، Cih، Iv، Ii، Iii، P.262، Glaser، Zwei Inschriften Uber Den Dammbruch Von Marib، In Mitteillungen Der Vorderasiatischen Gesellschaft، Ii، "1897"، S. 372، Seper.، S. 13، Le Museon، 1964، 3-4، P.493

ص: 231

في أيامه وإعادة بنائه، فقصَّ علينا فيه الحادث، وتحدث عن مقدار ما أنفقه على الفعلة والعمال لإعادة البناء. ويتألف هذا النص من مائة سطر، جاء فيه: أن "شرحبيل يعفر ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات وأعرابها في النجاد والتهائم ابن أبي كرب أسعد ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في النجاد والتهائم"، قام بتجديد بناء سد مأرب وترميمه على مقربة من موضع "رحب""رحاب"1، وعند "عبرن""عبران"، وقام بإصلاح أقسام منه حتى موضع "طمحن""طمحان""الطمح"، كما قام بحفر مسايل المياه وبناء القواعد والجدران بالحجارة، وقوَّى فروعه، وبنى أقسامًا جديدة، وأوصلها بعضها ببعض بين "غيلن""غيلان""الغيل" و"مفلل""م ف ل ل""مفلول"، وجدد سد "يسرن""يسران"، وقام بإعاشة العمال ومن اشتغل ببنائه، وتمت هذه الأعمال في شهر "ذي داون""ذي دأون" من سنة "564""565" من التأريخ الحميري، أي: سنة "449""450""456" للميلاد2. ويشير هذا العمل بالطبع إلى حدوث تصدع في السد، اضطر الملك إلى تجديد بناء أقسام منه، وترميم ما أمكن ترميمه من أقسام أخرى، وإضافة أقسام جديدة إليه.

ويظهر من هذا النص أيضًا أن السد قد تهدم بعد مدة قصيرة، وذلك في شهر "ذو ثبتن""ذو الثبت" من سنة "565" من التقويم الحميري، أي: سنة "450" أو "451"، "455""456" للميلاد، فأثر ذلك تأثيرا سيئا جدا فيمن كان ساكنًا في جواره، حتى اضطر من كان ساكنًا في "رحبتن""الرحبة" إلى الفرار إلى الجبال خوف الموت3، فأسرع الملك إلى الاستعانة بحمير وبقبائل حضرموت لإعادة بناء السد، فتجمع لديه زهاء عشرين ألف رجل اشتغلوا بقطع الحجارة من الجبال وحفر الأسس وتنظيف الأودية وإنشاء خزانات لخزن المياه وعمل أبواب ومنافذ لمرور الماء والسيطرة عليه، حتى تم ذلك في شهر "ذو دأو" من سنة "565" من تأريخ حمير4. وذكر ما أنفقه على العمال وما قدمه لهم من

1 "رجم"، السطر السادس وما بعده من النص.

2 Glaser. Mitt.، S. 379، Sep.، S. 20، Handbuch، S. 105، Background، P.118،

Le Museon، 1964، 3-4، P.494

3 السطر 68 من النص.

4 أي: سنة "450" أو "451" للميلاد.

ص: 232

طعام وما ذبحه من بقر وأغنام، وما صرفه من دبس "دبسم" وخمر وغير ذلك مما ذكره وفصله1. وقد استخدم الملك عشرين ألف رجل لإصلاح السد2.

لقد قَلََّ شأن مأرب في هذا العهد، وأخذ الناس يرحلون عنها إلى مواضع أخرى مثل "صنعاء" التي تألق نجمها حتى صارت مقرًّا للحكام الذين أقاموا في قصر "غندن""غندان"، أي:"غمدان"، وقد يكون لتصدع السد مرارا، دخل في هذا التحول، حيث أجبر المزارعين على ترك أرضهم التي أصابها التلف والجفاف والارتحال إلى أرضين أخرى، فتركوها إلى الهضاب والجبال. وقد يكون للتحول السياسي الذي أصاب هذا العهد دخل أيضًا فيه3.

وفي تصدع السد بعد مدة ليست طويلة من ترميمه وإصلاحه وتجديده، وبعد إنفاق أموال طائلة عليه واشتغال آلاف من العمال في بنائه، شيء يثير السؤال عن سبب سقوطه أو سقوط جزء منه بهذه السرعة، فهل تهدم من سقوط أمطار غزيرة جدًّا في هذا العام لم يكن في طاقة السد احتمالها فسقط؟ أم أن بناء السد لم يكن قد كمل تمامًا، فسقطت أمطار غزيرة سببت انهيار الأماكن الضعيفة من المواضع التي لم تكن قد تمت، فانهار لذلك؟ أم أنه انهار بفعل كوارث طبيعية مثل زلزال أو بركان؟ إلى هذا الرأي الأخير يميل "فلبي" في كتابه "سناد الإسلام"4.

إن مما يؤسف عليه حقًّا أن هذا النص لم يذكر أسماء القبائل التي هربت من "رحبتن""رحبت""الرحبة" خوفًا من الهلاك. وعلى الجملة، فالمستفاد منه بكل صراحة أن القبائل التي كانت تقطن هذه المنطقة تفرقت وتشتتت لتهدم السد، وفيه دليل على وجود أصل تأريخي للروايات العديدة التي يرويها الأخباريون عن تهدم سد مأرب وتفرق سبأ5. ولكننا لا نستطيع بالطبع أن نقول: إن هذا الحادث الذي وقع في أيام "شرحبيل" هو الحادث المقصود في روايات الأخباريين، وهي روايات يتغلب عنصر الخيال والابتداع والمبالغات فيها على عنصر الحقيقة والتأريخ.

1 راجع السطر 84 وما بعده حتى نهاية النص، Discoveries، P.74

2 Le Museon، 1964، 3-4، P.494، Glaser 554، Cih، 540، 554

3 Le Museon، 1964، 3-4، P.493

4 Background، P.118

5 Glaser، Mitt.، S. 387، Sep.، S. 28

ص: 233

وفي النص كما نرى ونقرأ جملة مهمة تشير إلى انتشار عقيدة التوحيد في ذلك الزمن بين اليمانيين، وإلى الابتعاد عن آلهة اليمن القديمة، وتشير إلى ظهور "إله السماء والأرض" أو "إله السماوات والأرض"، فهو إله واحد، يرعى ملكوت السماء والأرض. وفي هذه العقيدة اعتقاد بوجود إله واحد، فقد ورد في النص:"بنصر وردا الهن بعل سمين وأرضن"1، أي "بنصر وبعون الإله رب السماوات والأرض"، وهي عقيدة ظهرت عند أهل اليمن بعد الميلاد بتأثير اليهودية والنصرانية ولا شك.

وفي جملة "الهن ذلهو سمين وأرض" الواردة في النص: Ryckmans 507 ومعناها: "الإله الذي له السماوات والأرض"2، تعبير عن التوحيد أيضًا، وهي من نص يرجع إلى هذا الملك أيضا. فنحن إذن في عصر أخذت عقيدة التوحيد تنتشر فيه.

وقد انتقل الحكم بعد "شرحبيل يعفر""شرحب إيل يعفر"3 إلى "عبد كلال""عبد كللم""عبد كلالم" على رأي "هومل"، وجاراه "فلبي" في رأيه هذا، وجعل حكمه منذ سنة "455م" حتى سنة "460م"4. ولم يشرح "هومل" الأسباب التي دفعته إلى اعتبار "عبد كلال" ملكًا.

أما "فلبي"، فرأى أنه كان كاهنًا وسيد قبيلة، ثار على ملكه؛ طمعًا في الملك أو إخمادًا للثورة التي أجج الملك نيرانها على آلهة قومه، فغلبه، وربما كان ذلك بفضل مساعدة مملكة "أكسوم" له. ولكنه لم ينعم بالملك طويلًا، فلم يزد مدة حكمه على خمس سنين5.

وقد ورد اسم "عبد كلال" في النص الموسوم بـ6Glaser 7، وذكر معه اسم "هنام""هنم""هانئ" و"هعلل"، وهما ابناه. ووردت بعد

1 السطر "81" وما بعده.

2 Le Museon، 1961، 1-2، P.174

3 Handbuch، S.104

Handbuch، P.104

4 Background، P.143، Le Museon، 1961، 1-2، P.174

5 Philby، Highlands، P.260

6 Cih 6، Iv، I، I، P.15، Glaser 7، Halevy 3، Guttenden 3، Fresnel 3، D.H. Muller، Siegfried Langer's Reiseberichte، Leipzig، 1884، S. 52

ص: 234

أسمائهم عبارة: "ألهت قولم"، أي:"سادة أقيال"، وهي جملة تدل على أنه هو وابنيه كانوا أقيالًا، فإن كانت كلمة "قولم" اسم علم، صار معناها "آلهة قولم"، أي "سادة قول"، على اعتبار أن "قول" اسم قبيلة، ولا يفهم من التفسيرين على كل حال أن "عبد كلال" كان ملكًا. وقد دون هذا النص عند بنائهم بيت "يرت":"براو وهشقرن بتهمو يرت"، وذكرت بعد هذه الكلمات جملة:"بردا رحمنن"، أي:"بعون الرحمن" وذلك في سنة "573" من التأريخ الحميري، المقابلة لسنة "458" الميلادية1. وليست في هذا النص إشارة لا إلى ثورة، ولا إلى ملك، ولا إلى تعلق بآلهة قديمة ودفاع عنها بل الأمر على العكس، فجملة "بردا رحمنن" تدل على أنه كان مثل "شرحبيل يعفر" موحدًا أيضا، يدين بإله واحد، هو "الرحمن" الذي ظهرت عبادته متأخرة كذلك، وأنه لم يكن على دين أجداده في عبادة "المقه" وبقية الأصنام.

وذكر الأخباريون أن من ملوك حمير ملكًا اسمه "عبد كلال"، وكان مؤمنًا يدين بدين المسيح، فآمن بالنبي قبل مبعثه. ومن ولده "الحارث بن عبد كلال" وهو أحد الملوك الذين وفدوا على رسول الله من ملوك حمير، فأفرشهم رداءه، وهم:"الأبيض بن حمال"، و"الحارث بن عبد كلال"، و"أبرهة بن شرحبيل بن أبرهة بن الصباح"، و"وائل بن حجر الحضرمي"، يضاف إليهم "جرير بن عبد الله البَجَليّ"، و"عبد الجد الحكمي" في رواية أخرى2. ودون اسمه في نسخة "كتاب التيجان" المطبوعة على هذه الصورة "عبد كاليل بن ينوف"، وجعل ملكه أربعًا وستين سنة، وذكر أنه حكم بعد "عمرو بن تبان"، وأنه كان مؤمنًا على دين عيسى، ولكنه ستر إيمانه3.

وجعله بعض المؤرخين "عبد كلال بن مثوب"، وذكروا أنه وثب على ملك التبابعة بعد وفاة "عمرو بن تبان أسعد" عن أولاد صغار، وأكبرهم استهوته الجن، فملك أربعًا وتسعين سنة، وهو تبع الأصغر، وله مغازٍ وآثار بعيدة، فلما توفي ملك أخوه "مرثد"، وقد ملك سبعة وثلاثين عامًا4.

1 Background، P.117، Sab. Inschriften، S. 192

2 منتخبات "ص93".

3 التيجان "ص299"، حمزة "ص87".

4 التيجان "ص299"، صبح الأعشى "5/ 23 وما بعدها".

ص: 235

ومن روايات الأخباريين هذه ومن تشابه الاسمين، استنتج "فون كريمر" و"هومل" وغيرهما أن "عبد كلال" المذكور في النص هو "عبد كلال" المذكور عند الأخباريين، وأنه كان لذلك ملكًا1.

و"عبد كلال"، هو رجل ثائر لم يكن من أبناء الملوك، وإنما اغتصب العرش اغتصابًا على رأي أهل الأخبار، وقد زعم بعضهم أن الذي حكم بعده أخوه لأمه واسمه "مرثد"، وقد حكم سبعًا وثلاثين سنة. ثم ملك من بعده ابنه "وليعة بن مرثد"، ثم ملك من بعده "أبرهة بن الصباح بن لهيعة بن شيبة بن مرثد بن ينف بن معد يكرب بن عبد الله بن عمرو بن ذي أصبح، الحارث بن مالك"، وقيل: إنما ملك تهامة فقط2.

وذكر "الهمداني" أن "عبد كلال"، ونعته بـ"الكبر ذي الحدث"، كان قائد "حسان بن تبع"، وكان على مقدمته إلى اليمامة يوم قتل جديسًا، وقريش تقول: إن "حسان بن عبد كلال هذا حاربهم وأسروه". ثم ذكر أن "حسان بن عبد كلال بن ذي حدث الحميري"، أقبل من اليمن "في حمير وقبائل من اليمن عظيمة، يريد أن ينقل أحجار الكعبة من مكة إلى اليمن؛ ليجعل حج الناس البيت عنده وإلى بلاده، فأقبل حتى نزل نخلة، فأغار على سرح الناس ومنع الطريق، وهاب أن يدخل مكة، فلما رأت كنانة وقريش وقبائل خندف ومن كان معهم من أفناء مضر ذلك، خرجوا إليه ورئيس القوم يومئذٍ "فهر بن مالك"، فاقتتلوا قتالا شديدا، فهزمت حمير وأسر حسان بن عبد كلال ملك حمير، أسره الحارث بن فهر، وقتل في المعركة فيمن قتل: قيس بن غالب بن فهر. وكان حسان عندهم بمكة أسيرًا ثلاث سنين، حتى افتُدِيَ منهم، فخرج به، فمات بين مكة واليمن"3.

وقد عَلَّق "الهمداني" بعد ذلك على هذا الخبر، فقال: "ما سمعت العلماء ولا أحدًا من عُرَّاف حمير، يثبت هذه الحرب التي كانت بين حمير وقريش، وإنما كانت خزاعة الغالبة في عصر فهر على مكة، ولم يكن هَمَّ بحمل حجارة

1 Hartmann، Arabische Frage، S. 486، 492، Wellhausen، Skizzen Und Vorarbeiten، Iv، S. 191، Mordtmann Und Mittwoch، Sab. Inschriften، S. 192

2 صبح الأعشى "5/ 24".

3 الإكليل "2/ 357 وما بعدها".

ص: 236

البيت سوى تبع بمشورة هذيل بن مدركة"1. فهو مثل سائر أهل اليمن المتعصبين لقحطان لا يؤيد خبر تلك الحرب، التي تجعل النصر لأهل مكة، ويضع تبعة ما يذكره أهل الأخبار من نقل حجارة الكعبة إلى اليمن على عاتق "هذيل بن مدركة"، من سادات مكة.

وشهدت اليمن في سنة "460" للميلاد أو قبل ذلك بقليل ملكًا جديدًا اسمه "شرحبيل يكف""شرحب ال يكف""شرحب إيل يكوف"، كانت نهاية حكمه في سنة "470" للميلاد على تقدير "هومل" و"فلبي"2، وهو ملك لا نعرف اسم أبيه، ولا نعرف علاقته بالملك السابق. ويرى "فلبي" أنه على الرغم من هذا اللقب الطويل:"ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الأطواد وفي تهامة"، الذي يشير إلى تملك صاحبه العربية الجنوبية الغربية، فقد ظل الأحباش في بقعتهم الضيقة التي ارتكزوا عليها يحاربون حكومة "حمير" وهم البقية الباقية من عهد الاحتلال السابق3.

وقد جاء اسم "شرحب إيل يكف""شرحبيل يكف" في كتابة مؤرخة بسنة "575" من التقويم الحميري، المقابلة لسنة "460" للميلاد. وقد وردت في الكتابة جملة:"رحمنن وبنهو كرشتش غلبن"، أي:"الرحمن وابنه المسيح الغالب"، وقد استعمل لفظة "كرشتش" في مقابل لفظة Christus، مما يدل على أن صاحبها نصراني. وقد استعمل المصطلح اليوناني، ويظهر أن نصارى اليمن كانوا قد أخذوه من المبشرين، وعربوه على الصورة المذكورة. وقد ذكر بعد تلك الجملة اسم الملك ونعته الذي هو:"ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في النجاد وفي التهائم"4.

وقد بقي من تأريخ النص اسم الشهر وهو "ذ حجت"، أي:"ذو الحجة""ذو حجة" والعدد الأول من اسم السنة وهو خمسة. ويرى "فلبي" احتمال كون السنة "585" أو"575" من التأريخ الحميري، أي سنة "470" أو "460"

1 الإكليل "2/ 359".

2 Background، P.143، Highlands، P.260، Handbuch، S. 105،

Le Museon، 1961، 1-2، P.174

3 Philby، Highlands، P.260

4 A. Jamme، La Dynastie De Sharahbi'll Yakuf Et La Documentation Epigraphique Sud-Arabe، Istanbul، 1961، P.4

ص: 237

للميلاد1.

وورد اسمه في كتابة أخرى ناقصة، وقد سقطت منها حروف وكلمات2.

وقد ذهب "جامه" إلى أن "شرحبيل يكف""شرحب إيل يكوف"، كان قد حكم حكمًا منفردًا، وذلك من سنة "570" حتى سنة "580" من التقويم الحميري، ثم أشرك معه أولاده الثلاثة في الحكم، وذلك من سنة "580" حتى سنة "585" من التقويم المذكور، ثم حكم مع ولدين من ولده، وذلك من سنة "585" حتى سنة "590" من التقويم الحميري، ثم حكم ابنان من أبنائه وذلك من سنة "590" حتى سنة "595" من التقويم المذكور، ثم حكم من بعدهما "معد يكرب ينعم" حكمًا منفردًا وذلك من سنة "595" حتى سنة "600" من ذلك التقويم، ثم خلفه "عبد كلال" الذي حكم من سنة "600" حتى سنة "602" من التقويم الحميري3.

ووصل إلينا نص أرخ بسنة "582" من التأريخ الحميري، أي: سنة "467" للميلاد، وفيه كلمات مطموسة، منها كلمة أو كلمات سقطت بعد كلمة "شرحب إيل""شرحبيل"، وبعدها "معد كرب ينعم""معد يكرب ينعم". ويستدل بتأريخ هذا النص على أن المراد بـ"شرحبيل""شرحب إيل" الملك "شرحبيل يكف""شرحب إيل يكف" الذي نتحدث عنه. ولم يرد في هذا النص اسم ابن آخر من أبنائه غير هذا الابن، وهو "معد كرب ينعم""معد يكرب ينعم"4.

وقد وجد مدونًا في إحدى الكتابات أسماء ثلاثة أولاد من أولاد "شرحبيل يكف"، هم:"نوفم""نوف""نوَّاف""نائف"، و"لحيعت ينف""لحيعث ينوف"، و"معد يكرب ينعم" وقد نعتوا جميعًا بالنعت الملكي المعروف5،

1 Cih، Iv، Iii، I، P.78، Le Museon، 3-4، 1964، P.270،

Jamme، La Dynastie De Sharahbi'll Yakuf، P.4

2 Jamme، La Dynastie.، P.7

3 Jamme، La Dynastie.، P.20

4 Background، P.143، Philby، Highlands، P.260، Handbuch، S. 105، Le Museon، 1961، 1-2، P.174، Joseph Et H. Derenbourg، Etudes Sur L'epigraphie Du Yemen، P.70

5 Jamme، La Dynastie، Pp.8، 19 Rep. Epig. 4919، Cih 537

ص: 238

مما يدل على أنهم كانوا قد اشتركوا جميعًا في الحكم.

وقد ورد اسم "شرحبيل يكف" في عدد من كتابات أخرى، وقد ذكر معه في بعضها اسم ولدين من أولاده هما:"لحيعت ينف" و"معد يكرب ينعم""معد يكرب ينعم"، وقد لقبا بلقب "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الجبال وفي تهامة"، مما يدل على أنهما حكمَا حكمًا مشتركًا وكان ملكيْنِ1.

وحكم بعد "شرحبيل يكف" -في رأي "هومل"- ولداه "معد يكرب يهنعم" و"لحيعثت ينف""لحيعث ينف""لحيعث ينوف"، وذلك من حوالي سنة "470م" حتى سنة "495م"2. أما "فلبي"، فقد وضع في قائمته التي رتبها في كتابه "سناد الإسلام" لملوك سبأ، اسم "نوف" بعد اسم "شرحبيل يكف"، وقدر مدة حكمه منذ سنة "470م" حتى سنة "480" "490م" ووضع اسم "لحيعثت ينف" بعده، وجعل مدة حكمه منذ سنة "480ب. م." حتى سنة "500ب. م."3.

و"لحيعثت ينف" هو "لخيعة بن ينوف ذو شناتر" المذكور عند أهل الأخبار، وقد زعم بعضهم أنه حكم سبعًا وعشرين سنة4.

وقد ورد اسم "معد يكرب يهنعم""معد يكرب ينعم" واسم شقيقه "لحيعثت ينف""لحيعت" في النص: Ryckmans 264 وفي النص:5 CIH 620، وورد اسم "لحيعثت" وورد معه اسم "نوف"، وهو شقيقه في النص:6 Ryckmans 203.

1 Cih 537، Iv، Ii، Iii، P.257، Cih 644، 620، Background، P.118، Le Museon، Lxiii، 3-4، "1950"، P.270، Ott. Mus. 29، Cih، Iv، Iii، I، P.78، Nordtmann Und Muller، Sabaische Denkmaler، "1883"، S. 85، Seetzen 4، Cih، Iv، Iii، I، P.53، J.H. Mortdtmann، Miscellen Zur Himjarischen Alterthumskunde، In Zdmg.، Xxxi، "1877"، S. 89-90، Hartmann، Arabische Frage، "1909"، S. 163،

Jamme، La Dynastie، P.10

2 Handbuch، S. 105

3 Background، P.143، Le Museon، 1961، 1-2، P.174

4 صبح الأعشى "5/ 24"، الطبري "2/ 117".

5 Cih 620، Iv، Iii، P.53، Mordtmann Und Muller، Sabaische Denkmaller، 1883، S. 85، Mordtmann، Miscellen، Zur Himjarischen Alterthmskunde، In Zdmg.، Xxxi، "1877"، S. 89، Jamme، La Dynastie، P.17

6 Le Museon، Lxiii، 3-4، "1950"، P.271

ص: 239

وقد ذكر "فلبي" أنه في حوالي سنة "495م" شبَّت ثورة قام بها "مرثد ألن""مرثد علن"، غير أنها أحبطت. ووضع بعد اسم "لحيعثت ينف" اسم "معد يكرب ينعم"، وقدر مدة حكمه بعشر سنين، منذ سنة "490م" حتى سنة "500م"، أي: إنه شارك، على رأيه، أخاه في الحكم1.

أما الذي حكم بعد الأخوين "معد يكرب يهنعم" و"لحيعثت ينف" -في رأي "هومل"- فهو "مرثد ألن" وقال: إنه قد حكم من حوالي سنة "495م" حتى سنة "515م"2.

أما "جامه"، فقد وضع اسم "عبد كللم""عبد كلالم"، أي:"عبد كلال" بعد اسم "معد يكرب ينعم"، وقد جعل حكم "معد يكرب" فيما بين السنة "595" والسنة "600" من التقويم الحميري، أي: بين سنة "480" أو "486" للميلاد والسنة "485" أو "491" للميلاد، وجعل حكم "عبد كلال" فيما بين السنة "600" والسنة "602" من التقويم الحميري، أي: سنة "485" أو "491" للميلاد، والسنة "487" أو "493" للميلاد. ثم جعل فراغًا لا يدري من حكم فيه، جعله يمتد من السنة "602" حتى السنة "610" من التقويم الحميري، أي: ثماني سنين، ثم ذكر بعده اسم الملك "مرثد ألن ينف""مرثد علن""مرثد علان"، وجعل حكمه من سنة "610" حتى السنة "620" من التقويم الحميري، أي: من سنة "495" أو "501" حتى السنة "505" أو "511" للميلاد3.

ووصل إلينا نص وُسِمَ بـCIH 596، وهو ناقص ويا للأسف، ورد فيه اسم الملك "مرثد ألن ينف" "مرثد ألن ينوف" وقد لقب فيه باللقب المألوف:"ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الجبال وفي التهائم"4، يظهر أنه الملك "مرثد ألن" الذي عناه "هومل". وقد أصيبت أسطر النص بأضرار، أتلفت كلمات منه وأفسدت علينا المعنى. وقد وردت في السطر السابع

1 Background، P.143

2 Handbuch، S. 105، Philby، Highlands، P.260، Le Museon، 1961، 1-2، P.174

3 Jamme، La Dynastie، P.20

4 Cih 596، Iv، Iii، P.1، Rehatsek 2، E. Rehatsek، Twele Sabaean Inscriptions، In Journal Of The Bombay Branch Of The Royal Asiatic Society، X، 1874، P.140

ص: 240

منه كلمة "ومهرجتم"، مما يفهم أن حربًا وقعت في البلاد في تلك الأيام؛ فـ"الهرج" في العربيات الجنوبية بمعنى الحرب، وأن فتنة حدثت، لا ندري سببها. ومهما يكن من شيء، فهي لم تكن بعيدة عهد عن أيام حكم "ذي نواس"، ذلك العهد الذي انتهى بدخول الحبشة أرض اليمن.

ووضع "هومل" بعد اسم "مرثد ألن" اسم "ذي نواس"، وقد حكم -على تقديره- من سنة "515م" حتى سنة "525م"، وبه ختمت -في رأيه- سلسلة ملوك الحميريين1.

وقد عثر على كتابة وسمت بـPhilby 228 ورد فيها اسم ملك من ملوك "سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الجبال وفي تهامة"، هو "معد يكرب يعفر"2. وأُرِّخت هذه الكتابة بشهر "ذي القيض" ذ قيضم" من سنة "631" من التأريخ الحميري، الموافقة لسنة "516م"3، ومعنى هذا أن هذا الملك قد حكم قبل حكم "ذي نواس" بمدة قليلة. ونحن لا نعلم في الزمن الحاضر شيئًا من صلة هذا الملك بـ"ذي نواس".

وقد عبث الدهر ببعض كلمات هذا النص وحروفه، فأضاع علينا معاني مفيدة. وردت فيه أسماء أعلام، هي:"سبأ، و"حميرم" "حمير"، و"رحبتن" أي: "رحبة" "الرحابة". وقد ورد اسم "رحبتن" في عدد من النصوص على أنه اسم موضع4، أما هنا، فهو اسم قبيلة؛ لورود كلمة "أشعبهمو" قبل "سبأ وحميرم ورحبتن"5، ووردت كلمة "واعربهمو"، وبعدها جملة "كدت ومذحجم وبني ثعلبت ومذر وسبع"6. وفي النص حروف طامسة حرمتنا معرفة بعض الأعلام.

وأما "كدت"، فقد قلت: إن رأي علماء العربيات الجنوبية أنها "كندة". ويظهر من ورود اسمها في النصوص التي ترجع إلى ما بعد الميلاد، أنها أخذت

1 Handbuch، S. 105. Le Museon، 1961، 1-2، P.174

2 Le Museon، Lxiv، 1-2، "1951"، P.103، The Geographical Journal، Vol. Cxvi، Nos. 4-6، "1950"، P.214، Le Museon، 3-4، 1953، P.307، 1961، 1-2 P.174

3 السطر التاسع من النص.

4 Cih 289، Iv، I، Iii، P.300، Glaser، Die Abessinier، S. 74، 117

5 السطر السادس من النص.

6 السطران السابع والثامن من النص.

ص: 241

تؤثر تأثيرًا واضحًا في سياسة العربية الجنوبية بعد الميلاد، ولا سيما بعد توسع سلطان القبائل، وتدخل الأعراب في الشئون السياسية لعدم الاستقرار، ولتدخل الحبش في شئون العربية الجنوبية، وتقاتل الملوك والأقيال بعضهم مع بعض.

ويتبين من ورود كلمة "أعربهمو" قبل كلمة "كدت" في النص، أن قبيلة كندة كانت من القبائل الأعرابية أي: البدوية، ولم تكن من القبائل المستقرة، النازلة في منازل ثابتة؛ ولهذا استعان بها حكام اليمن في تأديب القبائل اليمانية أو قبائل معد وقبائل نجد التي كانت تغزو اليمن، كما كانت نفسها تهاجم حكام اليمن وتغزو أرضهم، فصار لها من ثَمَّ شأن يذكر في سياسة اليمن في هذا الوقت.

و"مذحجم" قبيلة "مذحج"، وهي من القبائل المعروفة، وينسبها أهل الأنساب إلى مذحج بن مالك بن أدد، ويذكرون أن مذحج أكمة ولدت عليها أمهم فسموا مذحجًا1. وقد ورد اسم هذه القبيلة في النص: Ryckmans 5082 المدون في أيام الملك "يوسف أسأر" الذي سأتحدث عنه، كما ورد في نص قتباني، هو النص الذي وسم بـREP. EPIG، 46883. وقد ذكر بعده اسم قبيلة "رغض"، ويظن البعض أن في قراءة الحرف الأول شيئًا من التحريف، وأن الحرف الأول هو حرف "ب" لا "راء"، فيكون اسم القبيلة "بغض" لا "رغض"، وهو اسم القبيلة "بغيض"، وبغيض من القبائل العربية المعروفة.

وأما "ثعلبة"، فهي قبيلة "ثعلبان" التي ورد اسمها في السطر الثالث عشر من نص "سميفع أشوع" المحفوظ في متحف "إستانبول"4، وفي نص: Philby 123 حيث ورد: "ألهت ثعلبن"، "آلهة ثعلبان"، أي: سادة قبيلة "ثعلبان"5.

وذكر اسم "دوس ثعلبان" في قصة تعذيب "ذي نواس" لنصارى "نجران"،

1 الاشتقاق "ص237".

2 الفقرة السابعة منه.

3 السطر الثاني منه، British Museum 125، 349، Le Museon، 1953، 3-4، P.301، Bibliotheca Orientalis، X، 1953، P.150

4 Istanbul 7608، Bis، 13، Le Museon، Lxiv، 1-2، "1951"، P.105، Le Museon، Lix، 1-4، "1964"، P.171، Rep. Epig. 2633، V، I، P.5

5 Le Museon، Lx، 1-2، "1947"، P.150

ص: 242

ويرى علماء العربيات الجنوبية وجود صلة بين قبيلة "ثعلبان" و"دوس ثعلبان"1. وورد اسم "دوس ثعلبان" في أثناء كلام الطبري على "ذي نواس"2.

ويعرف "ذو ثعلبان" المتقدم ذكره بـ"ذي ثعلبان الأصغر"، وقد قال عنه "نشوان بن سعد الحميري": إنه من نسل "ذي ثعلبان الأكبر"، وهو ملك من ملوك حمير، وأحد المثامنة منهم، واسمه "نوف بن شرحبيل بن الحارث"، وزعم أن "ذا ثعلبان الأصغر" هو الذي أدخل الحبشة إلى اليمن غضبًا لما فعل ذو نواس بأهل الأخدود من نصارى نجران3.

وأما "مذر" و"سبع"، فقبيلتان. وأظن أن في قراءة اسم القبيلة الأولى بعض التحريف، وأن الحرف الذي قُرِئَ بـ"ذ" يجب أن يقرأ "ضادًا""ض"، وتكون القراءة عندئذ "مضر"، وهو الاسم الشهير المعروف عند النسابين. وقد رجعت إلى الصورة "الفوتوغرافية" المنشورة في مجلة Le Museon، فوجدت أن الحرف المذكور هو أقرب إلى حرف "الضاد" من حرف "الذال"4. والذين يقرءون المسند يعرفون أن من السهل الوقوع في الخطأ في قراءة الحرفين، إذا كان قد كُتبا على أحجار قديمة، وقد عبث الدهر بتلك الأحجار؛ لأن بين الحرفين شيئًا من التشابه. ويظهر لديَّ أن رسم الحرف أقرب إلى الضاد من الذال؛ لوجود أثر لخط في أعلى وفي أسفل الحرف.

ويفهم من هذا النص أن حربًا أو فتنةً كبيرةً كانت قد حدثت في أيام هذا الملك، أسهمت فيها القبائل المذكورة، وهي: سبأ وحمير ورحبة وكدت "كندة" ومضر وثعلبة، وذلك قبل احتلال الحبش لليمن بقليل أو في أيام "معد يكرب يعفر"، وفي سنة "516م"5. وقد مهدت هذه الفتنة الطريق للأحباش أن يدخلوا إلى العربية ويحتلوها بسهولة؛ وذلك بسبب الخصومات التي كانت بين القبائل، وظهور الروح القبلية التي لا تعرف التعاون إلا في سبيل مصلحة القبيلة فحسب.

1 Le Museon، Lxiv، 1-2، "1951"، P.105، M. Hartmann، Die Arabische Frage، S. 335.

2 الطبري "1/ 925""طبعة ليدن"، "2/ 106""طبعة المطبعة الحسينية بمصر".

3 شمس العلوم "جـ1 ق1 ص251".

4 Le Museon، 3-4، 1953، P.307، Plate Vi، Ryckmans 510

5 The Geographical Journal، Vol.، Cxvi، Nos: 4-6، 1950، P.214

ص: 243

وتولى المُلْكَ بعد "معد يكرب يعفر" المَلِكُ ذُو نواس، وهو زرعة ذو نواس بن تبان أسعد أبي كرب بن ملكيكرب بن زيد بن عمرو في رأي الأخباريين1، وهو يوسف ذو نواس بعد تهوده في رأيهم أيضا. ولقد زعم بعض أهل الأخبار أنه كان من أبناء الملوك، وزعم بعض آخر أنه لم يكن من ورثة الملك، ولا من أبناء من حازه قبله، وإنما أخذه أخذًا2. قيل: كانت له ذؤابتان تنوسان على عاتقه، بهما سمي ذا نواس3.

ولا يعرف أهل الأخبار اسم الملك "معد يكرب يعفر"، بل ذكروا اسم ملك آخر قالوا: إنه حكم قبل "ذي نواس" زعموا أن اسمه "لخيعة ينوف ذو شناتر"، وقالوا: إنه لم يكن من بيوت المملكة، بل كان من حمير، وثب على الملك، فملك حمير، وقتل خيارهم، وعبث ببيوت أهل المملكة منهم. وكان امرأً فاسقًا، إذا سمع بالغلام من أبناء تلك الملوك زرعة ذو نواس بعث إليه؛ ليفعل به كما كان يفعل بأبناء الملوك قبله، فلما خلا به، وثب عليه ذو نواس بالسكين فطعنه به حتى قتله، ثم احتز رأسه، فخرجت حمير والأحراس في أثر ذي نواس حتى أدركوه، فقالوا له: ما ينبغي لنا أن يملكنا إلا أنت؛ إذ أرحتنا من هذا الخبيث فملَّكوه، واستجمعت عليه قبائل حمير وقبائل اليمن، فكان آخر ملوك حمير4.

أما "ابن قتيبة"، فقد زعم أن "ذا شناتر" رجل لم يكن من أهل بيت الملك ولكنه من أبناء المقاول، أي: من طبقة الأقيال "أقول". وقد اتفق مع غيره من أهل الأخبار في قصة غلظه وفحشه، وفعله القبيح بأبناء الملوك، وفي إرساله إلى ذي نواس يستدعيه إليه ليفعل به ما كان يفعله بغيره، وفي قتله إياه5.

وتهود ذو نواس وتهودت معه حمير، وتسمى "يوسف". هذا ما عليه أكثر أهل الأخبار6،

1 التيجان "300"، الطبري "2/ 103""المطبعة الحسينية"، المعارف لابن قتيبة "311".

2 الأصمعي، تاريخ ملوك العرب الأولية "ص43 وما بعدها".

3 المعارف لابن قتيبة "311".

4 الطبري "2/ 118 وما بعدها""دار المعارف".

5 المعارف "277".

6 الطبري "2/ 119""دار المعارف"، المعارف "277".

ص: 244

وقد ذكر "ابن كثير" في تفسيره، أنه كان مشركًا1.

وبهذه القصة والطريقة صيَّر أهل الأخبار ابتداء ملك "ذي نواس".

وذكر "ابن هشام" أن ذا نواس كان آخر ملوك حمير، وذكر آخرون أن ذا جدن وهو ابن ذي نواس، قد خلف أباه على حمير2. وفي رواية أخرى أن ملك حمير لما انقرض وتفرق في الأذواء من ولد زيد الجمهور، قام ذو يزن بالملك، واسمه علي بن زيد بن الحارث بن زيد الجمهور، أو علي بن الحارث بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد الجمهور، فثار عليه الحبشة وعليهم أرياط، ولقيهم فيمن معه، فانهزم واعترض البحر فأقحم فرسه وغرق، فهلك بعدُ ذو نواس وولي ابنه مرثد بن ذي يزن مكانه، وهو الذي استجاشه امرؤ القيس على بني أسد.

وكان من عقب ذي يزن أيضًا، علقمة ذو قيفال بن شراحبيل بن ذي يزن ملك مدينة "الهون"، فقتله أهلها من همدان3.

ولم يصل إلينا شيء من هذا القصص الذي رواه الأخباريون عن ذي نواس، مكتوب بالمسند، ولم يرد اسمه في أي نص من نصوصه حتى الآن.

وزعم المؤرخ "ابن العبري" Barhebraeus، أن "ذا نواس" واسمه "يوسف"، وكان من أهل الحيرة في الأصل، وكانت أمه يهودية من أهل "نصيبين" Nisibis وقعت في الأسر، فتزوجها والد "يوسف" فأولده منها4، ومعنى هذا أنه لم يكن يمانيًّا، بل يهوديًّا وفد على اليمن من الحيرة. وقد لاحظ بعض المستشرقين أن اسم "يوسف ذي نواس"، ليس على شكل وطراز أسماء وألقاب ملوك اليمن، وهذا ما دعاهم إلى التفكير في احتمال وجود شيء من الصحة في رواية "ابن العبري"، لا سيما وأن يهود اليمن ويثرب وخيبر كانوا من المؤيدين للساسانيين ومن المناصرين لهم5.

وقد اختلف الأخباريون في مدة حكمه؛ فقال بعضهم: إنه ملك ثمانيًا وثلاثين

1 تفسير ابن كثير "4/ 548".

2 ابن هشام "1/ 20"، حمزة "89"، Fell، In ZDMG.، 35، 1881، S. 33

3 ابن خلدون "2/ 61"، Caussin، Essai.، I، P.135

4 Chron. Eccles.، I، 201، 14، Chronik Von Se'ert، I، P.331، Die Araber، I، S. 630

5 Die Araber، I، S. 630، Michael Syrus، 2، "1901"، Pp.410، 414

ص: 245

سنة1. وذكر المسعودي وآخرون أنه حكم مائتي سنة وستين سنة2، وذكر حمزة أنه ملك عشرين سنة3. وهكذا هم فيه وفي غيره مختلفون.

وإذا ما استثنينا الأخبار التي رُويت عن تعذيب "ذي نواس" لنصارى نجران، فإننا لا نعرف شيئًا آخر مهمًّا عن أعمال هذا الملك، الذي كان متحاملا جدا على النصارى والنصرانية، حتى إنه راسل ملك الحيرة لكي يؤثر عليه فيحمله على أن يفعل بنصارى مملكته ما يفعله هو بهم4. ولعله كان يريد بذلك أن يكوِّن حلفا سياسيا مع ملوك الحيرة ومن ورائهم الفرس لمقاومة الحبش الذين كانوا قد وطئوا سواحل اليمن وأقاموا لهم قواعد فيها وعقدوا معاهدات مع الأمراء المنافسين لملوك حمير، وصاروا يحرضونهم على أولئك الملوك؛ ليتمكنوا بذلك من السيطرة على كل من اليمن والتوسع من ثم نحو الحجاز، للاتصال بحلفائهم الروم، والسيطرة بذلك على أهم جزء من جزيرة العرب، والهيمنة على البحر الأحمر والمحيط الهندي، وإنزال ضربة عنيفة بسياسة خصوم الروم، وهم الساسانيون.

وفي حوالي السنة "525م" كانت نهاية حكم "ذي نواس"، إذ احتل الأحباش اليمن كما سنرى ذلك فيما بعد.

وفي موضع "سلع"، ويسمى "نخلة الحمراء" وهو خربة عادية، موضع زعم أنه قبر "ذي نواس"، المتوفى في حوالي "سنة 525م". وقد فتح الموضع واستخرجت منه آثار فنية ذات قيمة، من بينها تمثالان لزنجيين من البرونز5.

ويظن بأن ما جاء بنص "حصن غراب" الموسوم بين المستشرقين بـREP. EPIG. 2633 من أن الأحباش فتحوا أرض حمير سنة "640" من التقويم الحميري الموافقة لسنة "525" للميلاد، وقتلوا ملكها وأقياله الحميريين والأرحبيين، يشير إلى الملك "ذي نواس"، وإن لم يرد بالنص على اسمه6.

1 التيجان "301"، الإكليل "226".

2 مروج "1/ 280""المطبعة البهية"، شرح قصيدة ابن عبدون المعروفة بالبسامة "91".

3 حمزة "89".

4 Die Araber، I، S. Ii

5 Beitrage، S. 22

6 Rep. Epig.، V، I، P.5، Glaser، Die Abessinier، S. 131، Mordtmann، In Zdmg.، Vliv، "1890"، S. 176

ص: 246

وقد عثر على نصين مهمين هما: Ryckmans 507 والنص Ryckmans 508، وقد أشير فيهما إلى حروب وقعت بين الأحباش وبين ملك سمي فيهما بـ"يسف أسار""يوسف أسأر"، ولم يلقب النصان "يوسف" باللقب الطويل المألوف بل نعتاه بـ"ملكن يسف أسأر"، أي:"الملك يوسف أسأر" فقط1، و"يسف أسار" هذا، هو الملك "ذو نواس". وقد كتب النصان في سنة واحدة هي سنة "633" من التقويم الحميري، الموافقة لسنة "518" للميلاد، إلا أنهما كتبا في شهرين مختلفين؛ فكتب أحدهما في شهر "ذ مذرن""ذ مذران""ذو مذران"2، وكتب الثاني في شهر "ذ قيضن""ذو قيضن""ذو القيض". ويستنتج من عدم تلقيب "يوسف" باللقب الملكي الطويل المألوف، أن ملكه لم يكن متسعًا وأن سلطانه لم يكن عاما شاملا كل اليمن، بل كان قاصرًا على مواضع منها، فقد كان الأحباش يحتلون جزءًا منها بما في ذلك عاصمة حمير مدينة "ظفار" وكان الأقيال ينازعونه السلطة وقد كونوا لهم إقطاعيات مستقلة، نازعت الملك على الحكم والسلطان. وكانت الفتن مستعرة وهذا مكن الحبش من انتهاز الفرص؛ فأخذوا يتوسعون بالتدرج حتى قضوا على استقلال البلاد واستولوا عليها، وتلقب حكام الحبش باللقب الملكي اليماني الطويل المألوف دلالةً على سيطرتهم على اليمن.

وقد سقطت من النص Ryckmans 507 كلمات من صدره، فأثر سقوطها هذا بعض التأثير على فهم المعنى فهمًا واضحًا. وقد وردت في الفقرة الأولى منه كلمات مثل:"أشعبه" أي "قبائله"، و"أقولهمو ومراسهمو"، أي "أقيالهم ورؤساؤهم"، وجاءت جملة:"وبنيهمو شرحب ال يكمل" أي "وبنيهم: شرحبيل يكمل"، أي "وابنهم: شرحبيل يكمل". ثم دونت بعد هذا الاسم أسماء: "هعن أسانن"، و"لحيعت يرخم" و"ومرثد ال يملد" "مرثد إيل يملد"، وقد سقطت كلمات بعد لفظة "بني" أي أبناء، وهم من مؤيدي "الملك يوسف أسأر" ومن مساعديه. وقد أشير بعد ذلك إلى

1 راجع الفقرة الثالثة من النص: "Ryckmans 507"، والفقرة الثانية والعاشرة من النص:"Ryckmans 508"، المنشور في مجلة: Le Museon، 3-4، 1953، P.284

2 راجع الفقرة "10" من النص: Ryckmans 507

ص: 247

قتال وقع بينهم أي جماعة الملك وبين الحبش "أحبشن" بموضع "ظمو" وفي مواضع أخرى.

وتناول النص الثاني خبر حروب وقعت بين الملك "يوسف أسأر" وبين الحبش ومن كان يؤيدهم من أقيال اليمن. وهو نص سجله القيل "قولن""شرح إيل يقبل ابن شرح إيل يكمل" من بني "يزأن""يزن" و"جدن""جدنم" و"حبم""حب" و"نسان""نان" و"جبا""جبأ".

ويتبين من هذا النص أن الملك "يوسف أسأر" هاجم "ظفر""ظفار" مقر الأحباش، واستولى على "قلسن"، أي:"القليس"، أي: كنيسة "ظفار". ثم سار بعد ذلك إلى "أشعرن"، أي "الأشعر""الأشاعر" قبيلة من قبائل اليمن. ثم سار الجيش إلى "مخون""مخا"، وحارب وقاتل، فقتل كل سكانها "حورهو"، واستولى على كنيستها، وحارب كل مصانع أي: معاقل "شمر" ودكها دكًّا، وحارب سهول "شمر" كذلك، ثم هاجم الملك هجومًا ماحقًا قبيلة "الأشعر""أشعرن". ثم أحصى عدد من قتل في هذا الهجوم وعدد ما وقع في أيدي جيشه من غنائم، فكان عدد من قتل: ثلاثة عشر ألف قتيل، وعدد من أخذ أسيرًا تسعة آلاف وخمسمائة أسير، واستولى على "280" ألف رأس من الإبل والبقر والمعز "عنزم""عنز"، وأخذت غنائم عديدة أخرى.

واتجه الملك مع جيوشه بعد ذلك إلى "نجرن""نجران"، وفي صعيد هذه المدينة كان قد تجمع "أقرام""قرم""بني أزأن" وقبائل همدان وأهل مدنهم وأعرابهم وأعراب "كدت""كندة" و"مردم""مراد" و"مذحج"، فأنزلت جيوش الملك خسائر بالأحباش الذين كانوا قد تحصنوا بالمصانع والحصون، وبمن ساعدهم من القبائل، وبمن كان قد تجمع في "نجران" لمساعدتهم. وكان مع الملك وفي جيشه "أقولن" الأقيال:"لحيعت يرخم" و"سميفع أشوع" و"شرحب ال أسعد""شرحبيل أسعد"، أقيال وسادات "يزان" "يزأن" "يزن" ومعهم قبائلهم: قبل "أزانن""أزأن"1.

1 راجع النص:

Le Museon، 3-4، 1953، P.296، Bulletin Of The School Of Oriental And African Studies، University Of London، Vol.، Xvi، Part: 3، 1954، P.434، Ryckmans 508

ص: 248

وقد جاءت في هذا النص جملة: "سسلت مدين"، وقد قصد بها "حصن المندب"، أي: ما يسمى بموضع "باب المندب" في الوقت الحاضر1.

نرى من خلال قراءتنا لهذين النصين أن الوضع في اليمن كان قلقًا جدًّا، وأن الأمور كانت مضطربة، وأن الفتن كانت تعم البلاد، وأن الأحباش كانوا يمتلكون قسما كبيرا من أرض اليمن، وكان مقرهم مدينة "ظفار"، وكان لهم أعوان وأحلاف من الأقيال والقبائل. وقد استعان بهم الحبش في نزاعهم مع "يوسف أسأر" حتى تمكنوا في الأخير من الاستيلاء على كل اليمن ومن انتزاع السلطة من أيدي حكام اليمن الشرعيين، ومن القضاء على الملك سنة "525" بعد الميلاد.

و"بنو يزان""بنو يزأن"، هم "ذو يزن" عند أهل الأخبار، وكانوا من العشائر البارزة التي ورد اسمها في نصوص عديدة، وإليهم ينسب "سيف بن ذي يزن". وذكر "ابن دريد" أن "يزن" موضع، ويقال:"ذو أزن" و"ذو يزن"، وهو أول من اتخذ أسنة الحديد، فنُسبت إليه، يقال للأسنة:"يزني" و"أزني" و"يزأني"، وإنما كانت أسنة العرب قرون البقر2.

والأقيال المذكورون في النصين وهم: "شرحبيل يكمل" و"لحيعت يرخم" و"شرحئيل يقبل""شرح ال يقبل" و"السميفع أشوع" و"شرحبيل أسعد" كانوا من أقيال "يزان""يزن"، وقد لعبوا دورا مهما في الميدان السياسي والعسكري لهذا العهد.

وقد ورد ذكر القيل "شرحب ال يكمل""شرحبيل يكمل" في النص: Ryckmans 512، ومدونه رجل اسمه "حجي إيهر" "حجي أيهر". وذكر اسم قيل آخر اسمه:"شرح ال ذ يزان""شرحئيل ذي يزأن""شرحئيل ذي يزن"3.

وورد اسم قيل آخر من أقيال "ذي يزن" عرف بـ"شرحئيل ذي يزن""شرح ال ذ يزان"4، لعله القيل المتقدم. وقد جاء اسمه في نص عرف بـRyckmans 515، دونه شخص اسمه "معويت بن ولعت""معاوية بن والعة" و"نعمت بن ملكم""نعمت بن مالك""نعمة بن مالك". وقد

1 Le Museon، 3-4. 1953، P.335

2 الاشتقاق "2/ 310".

3 Le Museon، 3-4، 1953، P.311، Kaukab 2

4 Ryckmans 515

ص: 249

ختم النص بعبارة مهمة هي: "رب هود برحمنن"1، أي:"بالرحمن: رب يهود"2. ويدل هذا النص على أن صاحبيه كانا من اليهود، أو من العرب المتهودة.

وأما "جدنم" فهم "جدن"، وهم أيضا من العشائر اليمانية المعروفة، وقد ورد اسمها في عدد من الكتابات3. وقد ذكر "ابن دريد" أن من رجال "جدن" "ذا قيفان بن عَلَس بن جدن"، الذي ذكره "عمرو بن معدي كرب" في شعره:

وسيف لابن ذي قيفان عندي

تخيره الفتى من قوم عاد4

وقد أشير في النص: Ryckmans 51 إلى قيل من أقيال هذه القبيلة دعي بـ"لحيعت ذ جدنم""لحيعت ذي جدن"، وقد دونه رجل اسمه "تمم يزد""تميم يزيد"، وقد نعت نفسه بـ"مقتوت لحيعت ذ جدنم"، أي: ضابط وقائد "لحيعت ذي جدن"5. ومعنى هذا أنه قد كان لهذا القيل جيش، وكان "تميم" من قادة ذلك الجيش.

وقد يكون "تميم" هذا هو "تميم""تمم" مدون النص الموسوم بـRyckmans 513. وقد جاء فيه: "تمم مقتو لحيعت يرخم ذ جدنم وترحم على ابني ملكم ذ جدنم. رحمنن وامنن"6، ومعناه: "تميم ضابط لحيعت يرخم ذو جدن. وترحم على ابن مالك ذو جدن. الرحمن والأمن "الأمان آمين". وإذا كان تميم هو "تميم" المتقدم ذكره، فيكون "لحيعت ذو جدن" المذكور هو "لحيعت يرخم" المذكور في هذا النص إذن.

1 السطر الخامس من النص.

2 Le Museon، 3-4، 1953، P.314

3 Le Museon، 3-4، 1953، P.299

4 الاشتقاق "2/ 311".

5 Le Museon، 3-4، 1953، P.313، Kaukab 4، Ryckmans 511

6 Le Museon، 3-4، 1953، P.312، Ryckmans 513، Kaukab 3.

ص: 250

ملوك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت:

وقد رتب "فون وزمن" ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت على النحو الآتي:

ص: 250

1-

شمر يهرعش الثالث.

2-

ياسر يهنعم الثالث مع "تارن أيفع".

3-

ثارن يكرب.

4-

ياسر يهنعم الثالث مع ابنه "ذرأ أمر أيمن".

5-

ذمر على يهبر "ذمر على يهبأر".

6-

ذمر على يهبر مع ابنه ثارن يهنعم.

7-

ثارن يهنعم مع ابنه ملكيكرب يهامن.

8-

ملكيكرب يهامن مع ابنيه أبي كرب أسعد وذرأ أمر أيمن.

9-

أبو كرب أسعد مع ابنه حسان يهأمن1.

10-

شرحبيل يعفر2.

1 Le Museon، 1964، 3-4، P.498

2 Le Museon، 1964، 3-4، P.495

ص: 251