الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن والعشرون: سبأ وذو ريدان
مدخل
…
الفصل الثامن والعشرون: سبأ وذو ريدان
أضفت في الفصل السابق اسمي الملكين "سعد شمس أسرع" و"مرثد يهحمد" إلى آخر أسماء الملوك الذين حكموا بعد "الشرح يحضب"؛ وذلك حكاية على لسان "جامه" وبحسب ترتيبه لأولئك الملوك، ولِمَا تراءى له من دراسته لطبيعة الأحجار المكتوبة التي عثر عليها، ومن دراسته أساليب وأشكال الحروف وطرق نقشها على تلك الأحجار. أما غيره من الباحثين القدامى في العربيات الجنوبية فلم يذكروهما؛ لأنهم لم يكونوا قد وقفوا على الكتابات التي أوردت اسميهما، لأنهم لم يكونوا قد عرفوها إذ ذاك، إذ هي من الكتابات التي اكتشفت من عهد غير بعيد.
وقد اختلف الباحثون في تأريخ حكومة سبأ، في تثبيت اسم الملك الذي حكم بعد آخر ابن من أبناء الملك "الشرح يحضب"، وتباينت آراؤهم في ذلك. وترك "ريكمنس" فراغًا بعد اسم "نشأكرب يهأمن يهرحب" و"وتر"، دلالة على أنه يرى وجود فجوة في الحكم لا يدري من حكم فيها، وضع بعدها اسم "ذمر على بين". وقد جعله من المعاصرين للملك "العز" ملك حضرموت1. أما "جامه"، فقد وضع كما قلت اسمي الملكين "سعد شمس أسرع" وابنه "مرثد يهحمد"، بعد اسم الملك "نشأكرب يهأمن يهرحب"، ثم دوَّن اسم
1 J. RYCKMANS، L'INSTITUTION، P.338
"ذمر على بين" بعد اسم "مرثد يهحمد"، دلالة على أنه هو الذي كان قد حكم بعده. وقد جعل ابتداء حكمه في حوالي السنة الثلاثين بعد الميلاد، وانتهاء حكمه في حوالي السنة الخامسة والأربعين للميلاد1.
وأما "فلبي"، فقد وضع اسم "وتر يهأمن" بعد اسم "نشأكرب يهأمن يهرحب"، ثم وضع اسم "ياسر يهصدق" من بعده. وقال باحتمال كون "ياسر" ابنًا من أبناء "وتر"، ثم دون اسم "ذمر على يهبر" من بعد "ياسر" وهو ابن "ياسر"، ثم دون اسم "ثارن يعب يهنعم" من بعده، ثم وضع اسم "ذمر على يهبر" بعد "ثارن" وعبر عنه بالثاني؛ ليميزه بذلك عن "ذمر على" المتقدم، ثم جعل اسم "ذمر على بين" من بعده2، وهو الملك الذي أتحدث عنه الآن، والذي جعله "ريكمنس" و"جامه" على رأس أسرة جديدة حكمت بعد زوال حكم أبناء "الشرح يحضب" على نحو ما ذكرت.
وسأسير في هذا الفصل في ترتيب حكام "سبأ وذي ريدان"، وفقًا للقائمة التي وضعها ورتبها "ريكمنس" مع مراعاة القائمة التي وضعها "جامه" والإشارة إلى القوائم الأخرى حسب الإمكان.
ولا نعرف من أمر "ذمر على بين" شيئًا يذكر. وقد ورد اسمه في نص وسم CIH 373، غير أنه لم يلقب فيه بلقب "ملك سبأ وذي ريدان"، على حين لقب ابنه به، فحمل هذا بعضهم على التريث في الحكم بأنه كان ملكًا3. وقد جعل "جامه" حكمه فيما بين السنة الثلاثين والسنة الخامسة والأربعين بعد الميلاد4.
وقد ورد في هذا النص المتقدم، أي: النص: CIH 373 اسم ابن من أبناء "ذمر على بين"، هو "كرب إيل وتر يهنعم"، وقد لقب فيه وفي نصوص أخرى بـ"ملك سبأ وذي ريدان"، ومدوّن النص: CIH 373 وصاحبه هو الملك "كرب إيل وتر يهنعم" أمر بتدوينه عند تقديمه نذرًا إلى الإله
1 MAHRAM، P.390
2 BACKGROUND، P.140
3 MAHRAM، P.344
4 MAHRAM، P.390
"المقه"؛ ليوفي له وليبارك عليه وعلى قصره "سلحن""سلحين""سلحان" وعلى مدينة "مريب" مأرب. وقد ذكر مع اسمه اسم ابن له هو "هلك إمر""هلك أمر"1.
ووصل إلينا نقد ضرب عليه اسم "كرب إيل"، وأول من أشار إلى هذا النقد "بريدو" Prideaux الذي بين أن الـ"مونكرام" Monogram، أي الحروف المتشابكة المضروبة على النقد، تشير إلى نعت هذا الملك2. وقد بحث "موردتمن" كذلك في هذا الموضوع3.
وقد ذهب "ريكمنس" إلى أن "كرب إيل وتر يهنعم"، كان يعاصر الملك "العز" ملك حضرموت.
وللملك "كرب إيل وتر يهنعم" كتابة أخرى أمر هو نفسه بتدوينها، هي الكتابة التي وسمت بـREP. EPIG. 3895، وهي قصيرة ناقصة، سقطت منها كلمات عدة. وقد ورد فيها اسم ابن الملك، وهو "هلك إمر""هلك أمر"، ولم يلقب "هلك أمر" فيه بـ"ملك سبأ وذي ريدان".
ويظهر من ورود اسم الملك "كرب إيل وتر يهنعم"، وحده في بعض النصوص ملقبًا بـ"ملك سبأ وذي ريدان" أن هذا الملك حكم وحده في بادئ الأمر، لم يشاركه أحد، ثم بدا له فأشرك ابنه "ذمر على ذرح" معه، وذلك في العهد الثاني، وهو العهد الأخير من حكمه؛ لورود اسم "ذمر على ذرح" من بعد اسم أبيه، منعوتًا بنعت الملوك.
ويلاحظ ورود اسم "هلك أمر" بن "كرب إيل وتر يهنعم" في كتابات الدور الأول من دوري حكم أبيه، إلا أنه لم يلقب فيها بـ"ملك سبأ وذي ريدان". أما كتابات الدور الثاني من أدوار حكم "كرب إيل"، فلا نجد فيها اسمه وإنما نجد فيها اسم شقيقه "ذمر على ذرح"، وقد تلقب بـ"ملك سبأ وذي ريدان" دلالة على أنه كان يحكم مع أبيه حكمًا ملكيًّا مزدوجًا. وقد
1 CIH 373، FRESNEL 54، GLASER 482، 483، OSIANDER، IN ZDMG.، X، "1856"، S. 67، DISCOVERIES، P.222، MAHRAM، P.344
2 HILL، P. IXVIII. PL.، XI، I، 2، MULLER، BURGEN، II، S. 904
3 HILL، P.IXVIII، MORDTMANN، IN NUMIS. ZEIT.، 1880، S. 308، D.H. MULLER، HOFMUS.، S. 71
يعني هذا وفاة "هلك أمر" في أيام حكم أبيه؛ ولهذا اختفى اسمه من الكتابات. وقد قدر "ألبرايت" F. P. Albright حكم "كرب إيل وتر يهنعم" وابنه "هلك أمر" في منتصف القرن الأول للميلاد1.
وقد وضع "فلبي" اسم "ذمر على ذرح" بعد "هلك أمر"، وهو شقيقه. وقد ذكر اسمه في النص الموسوم بـCIH 791، وقد كان حكمه بحسب تقدير "فلبي" فيما بين السنة "75ب. م." والسنة "95ب. م."2.
أما الكتابات التي ذكر فيها "ذمر على ذرح" مع أبيه فيها، فهي الكتابة: REP. EPIG. 4132 والكتابة:REP. EPIG. 4771 ، والكتابة الأولى قصيرة أصيبت مواضع منها بتلف. ويلاحظ أن النص لم يذكر "ملك سبأ وذي ريدان" بعد اسم "كرب إيل وتر يهنعم" الذي سقط من الكتابة، ولم يبقَ منه إلا الحروف الأخيرة من نعته "يهنعم"3. وأما النص REP. EPIG. 4771، فقد أُهمل فيه لقب "كرب إيل" الذي هو "وتر يهنعم"، واكتُفِيَ بذكر اسمه الأول وحده وهو "كرب إيل"، ثم دونت بعده جملة "ملك سبأ وذي ريدان وذمر على ذرح ملك سبأ وذي ريدان"4. وهو من النصوص التي عثر عليها في مأرب5.
ولدينا عدد من الكتابات دون فيها اسم الملك "ذمر على ذرح"، منها الكتابة: CIH 143، والكتابة CIH 729، والكتابة CIH 791، والكتابة Jamme 644، والكتابة Jamme 878 والكتابة Geukens 12 والكتابة REP. EPIG. 4391. وبعض هذه الكتابات ليست من أيامه ولكنها من أيام ابنه "يهقم"، وقد ذكر فيها لأنه أبوه، كما أن بعضها مثل الكتابة: REP. EPIG. 4391 مؤلف من سطر واحد: "ذمر على ذرح، ملك سبأ وذي ريدان"6.
1 DISCOVERIES، P.222
2 CIH 791، IV، III، I، P.177، REP. EPIG. 631، II، I، P.62، LOUVRE 5
3 راجع السطر الرابع من النص.
4 الفقرة الثانية من النص.
5 REP. EPIG. 4771، REP. EPIG.، VII، III، P.357، ORIENS ANTIQUUS، III، 1964، P.70
6 GLASER 462، REP. EPIG. 4391، REP. EPIG.، VII، II، P.221
ويحدثنا النص: Jamme 644، عن عصيان قام به رجل اسمه "لحيعثت بن سم همسمع""لحيعثت بن سمهسمع"، ومعه قبيلته قبيلة "شددم""شدادم""شداد"، ورجل آخر اسمه "رب أوم بن شمس""رب أوام بن شمس" ورجال آخرون انضموا إليهما وأيدوا حركتهما. وقد ثاروا على سيدهم "يهقم" وهو ابن "الشرح يحضب ملك سبأ وذي ريدان"، وهاجموا قصر "سلحن""سلحين""سلحان"، قصر الملوك ومقر الحكم في "سبأ وذي ريدان" ودخلوه، واعتصموا به؛ فهب رجل اسمه "أوس إل يضع""أوس إيل يضع""أوسئيل يضع"، وهو من قبيلة "غيمان" وكان قيلها أيضا، فهاجم الثوار، وتغلب عليهم وطردهم من القصر، ويظهر أنه أخذهم غرة، فصان بذلك القصر من الأذى، وهربوا من مأرب، وحمد "أوسئيل" ربه "المقه" إذ وفقه وساعده في انتصاره على الثوار، وقدم إليه تمثالًا من ذهب تعبيرًا عن شكره وحمده له1.
ويحدثنا صاحب النص المذكور، وهو "أوس إيل يضع"، بأن العصاة هربوا من مأرب، وتحصنوا في مواضع أخرى، واستمروا في عصيانهم هذا، فأمر عندئذٍ "يهقم" بعض عشائر "غيمان" أن تهاجم أرض "شددم""شداد" من مدينة "صنعاء""صنعو" وتقضي على "لحيعثت بن سمهسمع"، فهاجم جنود "غيمان" العصاة في موضع "كومنن""كومنان"، وتغلبوا عليهم واستنقذوا منهم خيلًا وإبلًا ودوابَّ أخرى، وأخذوا منهم غنائم وأسرى وحراس الأسرى الذين كانوا قد وضعوهم في "كومنن"، وسر قيلهم كثيرًا أن أرضى بذلك قلب سيده "يهقم" وأخذ منهم بثأره2.
وقامت جماعة أخرى من محاربي غيمان بتعقب ثلاثمائة مقاتل من العصاة كانوا قد فروا من مأرب، وكانوا قد ساعدوا رئيس العصابة في هجومه على قصر "سلحن". وقد لحقت بهم وأعملت السيف فيهم، ثم عادت بعد أن أفنتهم. وقد غنم الغيمانيون من المعركتين ستمائة رأس من الماشية وأربعة أفراس3.
ولا نجد في هذا النص إشارة ما، لا إلى الملك "ذمر على"، ولا إلى
1 JAMME 644، MAMB 274، MAHRAM، PP.145
2 الفقرة 15 فما بعدها.
3 الفقرة 21 فما بعدها.
موضع وجوده في ذلك العهد. ويظهر أنه كان خارج "مأرب"، وإلا لما أغفل النص الإشارة إليه، أما ابنه فقد كان في مأرب على ما يظهر منه. ويلاحظ أن النص قد ذكر لفظة "مراهموا" أي سيده قبل اسم "يهقم"، ويعود الضمير إلى صاحب الكتابة، أي "سيد صاحب الكتابة"، ولكنه لم يذكر بعد اسم "يهقم" جملة "ملك سبأ وذي ريدان"، دلالة على أنه لم يكن ملكًا إذ ذاك، وأن صاحب الكتابة كان يعترف بسيادته عليه.
وفي النص: Jamme 878، نبأ معارك جرت في أيام "يهقم" كذلك، غير أن النص أصيبت مواضع منه بالتلف، أفسد علينا المعنى، كما أن فيه غموضًا وإيجازًا يصعب معه استخراج شيء مهم منه عن تلك المعارك التي خاضها أصحاب النص مع "يهقم" الذي كتب اسمه على هذه الصورة "يها.."؛ لوجود تلف في بقية الاسم وتلف آخر في أول السطر الجديد يليه اسم "
…
مر على ذرح"، مما يدل على أن المراد "يهقم" المذكور، وأنه هو الذي تولى قتال المخالفين.
ووضع "جامه" اسم "كرب إيل بين""كربئيل بين" بعد اسم "ذمر على ذرح"، وهو ابن "ذمر على ذرح"، وجعل حكمه فيما بين السنة الثمانين والسنة الخامسة والتسعين بعد الميلاد1.
وتعود الكتابة: Jamme 642 إلى أيام هذا الملك، وقد دونها شخص اسمه "حربم ينهب""حرب ينهب" من عشيرة "هللم""هلال""هلل"، عند شفائه من مرض "بن مرض"، ألم به ولزمه حتى قدم مأربًا، فعُوفِيَ من مرضه هذا في شهر "ذي ال الت""ذي الالت""الئيلت""الئيلوت". وقد حمد "حرب" ربه وشكره على أن من عليه بالشفاء، وقدم إليه نذرًا: صنمًا "صلمن" تعبيرًا عن هذا الشكر، وليبارك فيه وفي سيده "مرأهم"، "كرب إيل بين ملك سبأ وذي ريدان، ابن ذمر على ذرج، وليديم الإله نعمه عليه ويرزقه أولادًا ذكورًا"2. ويلاحظ أن النص لم يدون جملة "ملك سبأ وذي ريدان" بعد اسم "ذمر على ذرح" على حسب القاعدة المتبعة في تدوين أسماء الملوك.
1 MAHRAM، P.390
2 JAMME 642، MAMB 260، MAHRAM، P.141
والنصان: Jamme 643 و Jamme 643 Bis، يكمل أحدهما الآخر؛ فالنص الثاني هو تتمة وتكملة للنص الأول، وهما على جانب كبير من الأهمية عند المؤرخ؛ لورود أخبار تأريخية فيهما، لم ترد أية إشارة إليها في نصوص أخرى. وصاحباهما رجلان من عشيرة "جرت""جرة"، وهي عشيرة معروفة مر بنا اسمها مرارًا، وكان منها أقيال عشيرة "سمهرم""سمهر"، وصاحبا النصين هما من أقيال "سمهرم"، اسم أحدهما "نشأكرب" واسم الآخر "ثوبن""ثوبان". وقد دونا في النصين أخبار معارك خاضاها، وكانا قائدين فيها من قواد جيش "كرب إيل بين""ملك سبأ وذي ريدان"، وقد أمرهما الملك بقيادة كتائب من جيشه وكذلك فرسانه لمحاربة ملك حضرموت ومن عصى أمره فثار عليه، أو من انضم إلى ملك حضرموت من عشائر وحضر.
ويظهر من مقدمة هذا النص أن العلاقات لم تكن حسنة بين "ملك سبأ وذي ريدان" وملك حضرموت، وأن مناوشات ومعارك كانت قد وقعت بين حكومة سبأ وحكومة حضرموت؛ مناوشات أتعبت الطرفين على ما يظهر حتى اضطرا في الآخر إلى عقد صلح بينهما، وأخذا الأيمان على أنفسهما بوجوب المحافظة على ما اتفقا عليه. وقد وافق ملك حضرموت وهو "يدع إيل" فضلًا عن ذلك على أن يكون في جانب ملك "مأرب" وأن يحافظ على حسن الجوار، وأن يضع تحت تصرف الملك "يدع إيل بين" قوة من حرس "يعكرن""يعكران"، وهو ملك آخر من ملوك حضرموت، يوجهها حيث يشاء تكون عنده في مأرب.
غير أن هذا الاتفاق لم يدم طويلًا، فسرعان ما نكث ملك حضرموت بعهده كما يقول النص، وخالف وعده، بحجة أن "كرب إيل بين" أرسل قوة من
محاربي "سمهرم""سمهر"، وضعها تحت قيادة "نشأكرب" إلى "حنن""حنان"، وهي مدينة لا تبعد كثيرًا عن "مأرب"، فخالف بذلك ما اتفق عليه، وأحل نفسه بذلك من تنفيذ ما اتفق عليه، وزحف على بعض المواضع ليهدد باستيلائه عليها الملك.
وكان الملك "كرب إيل بين" قد أمر قائده "نشأكرب" بأن يذهب بثلاثمائة محارب من أهل "سمهرم" إلى مدينة "حنن""حنان"، فلما وصل بهم إليها، اعترضه ملك حضرموت ومنعه من الدخول إليها؛ لكي يقوم فيها
بتنفيذ أوامر ملكه التي كلفه تنفيذها، وهي تتعلق ببناء مواضع لتعزيز الأمن في هذه المدينة. وقد عرض "نشأكرب" على الملك "يدع إيل" ملك حضرموت الأمر الملكي الذي يأمره فيه بتنفيذ ما كلفوه إياه، فرفض قبوله، وطلب منه أن يعود برجاله إلى مأرب، فاستاء ملك سبأ، وهاج على ملك حضرموت.
ويظهر أن "يدع إيل" ملك حضرموت كان يريد إبقاء منطقة "حنن""حنان" بدون حراسة ولا قوات تحميها ليفرض سلطانه عليها. وقد استغل ضعف "سبأ وذي ريدان" في هذا الوقت فأراد التدخل في شئونها، وحل نفسه مع جنوده في مدينة "حنن""حنان" مع أنها مدينة سبئية تابعة لملك "سبأ وذي ريدان"، وكان قد صمم أيضا على إخضاع القسم الجنوبي الشرقي من سبأ لحكمه؛ فارتاع "ملك سبأ وذي ريدان"، وشعر بالخطر الذي سيتهدد مملكته لو تساهل في ذلك، وسمح لملك حضرموت بأن يتصرف في الأمور كيف يشاء فأمر قائده بالذهاب إلى تلك المدينة لتحصينها وإبعاد الحضارمة منها، فلما وصل إليها، صادف وجود ملك حضرموت فيها، وأدرك ملك حضرموت سبب قدوم هذا القائد على رأس هذه القوة، فمنعه من تنفيذ ما كلف إياه، لئلا يتعزز حكم سبأ في هذه المدينة السبئية، وتصرف "يدع إيل" وكأنه ملك سبأ، لا ملك حضرموت ولا ملك آخر غيره هناك. فصرف "نشأكرب" ومن كان معه، ولم يعبأ بأمر ملك "سبأ وذي ريدان" الذي عرض عليه. ثم توجه إلى أرض معين ليهدد سبأ ويفاجئها بحرب.
اتجه نحو مدينة "يثل" أولًا، وهي من مدن معين المهمة القديمة، فلما وصل إلى أبوابها، فتحت له ولجنوده واستقر بها مدة. ثم اتجه منها نحو مدينتي "نشقم""نشق" و"نشن""نشان"، وهما من مدن "معين" القديمة المهمة كذلك، فحاصرهما وأخذ يهاجم مواضع التحصين والدفاع فيهما. فقرر ملك "سبأ وذي ريدان" الإسراع بإرسال نجدات إليهما تمكنهما من مقاومة الحضارمة ومن الصمود أمامهم، أمر بوضعها تحت قيادة "نشأكرب" و"سمه يفع""سمهو يفع""سمهيفع" وهو من "بتع"، وقد تألفت من كتائب محاربة ومن فرسان. ولما جاء خبر وصول المدد إلى المدينتين، أبلغه به "منذر" أي أحد الذين كانوا يسترقون الأنباء ويبعثون بها إلى الحكومات التي أرسلتهم للتجسس على خصومهم، أسرع فترك حصار المدينتين، وعاد إلى "يثل" ليتحصن بها.
وقرر الملك "كرب إيل بين" مهاجمة خصمه بنفسه، فسار على رأس قوة من جيشه من عاصمته "مأرب" واتجه نحو "يثل"، وأمر قائديه بالزحف مع قواتهما نحو "يثل" أيضا. وهكذا هاجم "ملك سبأ وذي ريدان" مدينة "يثل" من ناحيتين؛ لتطويق "يدع إيل" فيها، وقد سار القائدان من مدينة "نشق"، فلما بلغا "يثل"، وكان ملكهما قد وصل إليها كذلك، هاجمت قوات "سبأ وذي ريدان" قوات حضرموت فهزموها، واضطر ملك "حضرموت" إلى ترك "يثل" والاتجاه منها نحو "حنن""حنان". وكان هذا الملك قد حاول قبل ارتحاله نحو "يثل" نهب "المعبد" الحرام "محرمن" وأخذ ما فيه، غير أن قوات القائدين المذكورين الزاحفة من "نشق" أدركته، فخاف من الالتحام بها، وفر نحو "يثل"، وبذلك أنقذ المعبد الحرام من النهب1. ويرى "جامه" أن ذلك المعبد هو المعبد المعروف بـ "محرم بلقيس" بين الناس في هذا العهد2.
ويكمل النص الثاني، وهو النص Jamme 643 Bis، آخر خبر ورد في النص الأول، فيقول: إن قوات إضافية وصلت من مأرب، إلى الملك وقائديه، وعندئذ اتخذت هذه القوات خطة المهاجمة، فهاجمت ملك حضرموت وجيش حضرموت، وأنزلت به خسائر فادحة، فتكت بألفي جندي من جنود حضرموت، واستولى السبئيون على كل ما كان عند الحضارمة من خيل وجمال وحمير ومن كل حيوان جارح "جرح" كان عند ملك حضرموت، وبذلك ختم هذا النص، بالنص على انتصار "سبأ وذي ريدان" على ملك حضرموت3.
ونحن لا نعلم ماذا جرى بعد هذا النصر الذي أحرزه السبئيون على حضرموت؛ إذ ليست لدينا نصوص تتحدث عن ذلك. ولكننا نستطيع أن نقول: إننا تعودنا قراءة أخبار أمثال هذه الانتصارات ثم تعودنا أن نقرأ بعد ذلك أن المهزوم يعود فيحارب المنتصر الهازم، وأن المعارك لم تكن تنتهي حتى تبدأ بعد ذلك معارك انتقامية جديدة أخذًا للثأر. لقد صارت العربية الجنوبية ويا للأسف وكأنها ساحة
1 الفقرة: 28 فما بعدها.
2 Mahram، P.348
3 الفقرة الواحدة حتى الفقرة "10" من النص.
Jamme 643 Bis، Mamb 316، Mahram، PP.144
لعب، لا تخلو من اللعب إلا لفترات الراحة والاستجمام.
هذا، ونحن لا نعرف شيئًا يذكر عن الملك "يعكرن""يعكران" ملك حضرموت الثاني الذي ورد اسمه في النصين المتقدمين، إذ لم يرد اسمه في نصوص أخرى، ولا أمل لنا إلا في المستقبل، فقد يعثر على كتابات جديدة يرد فيها اسم هذا الملك.
وقد قدر "جامه" حكم الملك "يهقم" والملك "كرب إيل بين" فيما بين السنة "80" والسنة "95" بعد الميلاد. وفي هذا الزمن كان أيضًا حكم ملكي حضرموت "يدع إيل" و"يعكرن""يعكران".
وقد ترك "ريكمنس" فراغًا بعد اسمي "هلك أمر" و"ذمر على ذرح" إشارة إلى فجوة لا يدري من حكم فيها، ثم دون بعده اسم "وتر يهأمن"، ثم ترك فراغًا دوَّن بعده اسم "شمدر يهنعم"، ثم عاد فترك فراغًا ثالثًا دون بعده اسم "الشر يحمل"، ثم ترك فراغًا ذكر بعده "عمدان بين يهقبض"، ثم فراغًا خامسًا دون بعده اسم "لعز نوفان يهصدق"، ختمه بفراغ سادس دون بعده اسم "ياسر يهصدق"1.
ووضع "فلبي" اسم "ياسر يهصدق""يسر يهصدق" بعد "وترم يهأمن"، وجعل مبدأ حكمه حوالي سنة "60ق. م."، وذكر أن من المحتمل أن يكون "وترم" "وتر" هو والده2. وقد ورد اسمه في النص: CIH 41، وهو نص دونه جماعة من أقيال قبيلة "مهانفم"3، عند بنائهم بيتهم "مهورن""مهور" و"يسر" و"مزودًا" اسمه "حرور"4، وقد وردت فيه أسماء الآلهة:"عثتر شرقن" أي "عثتر الشارق"، و"عثتر ذ جفتم بعل علم"، و"شرفن"، و"ذات حميم" "بعلى محرمن ريدان" أي: ربّا "حرم ريدان"، و"الهموبشر"، أي إلههم "بشر". ودون بعد أسماء الآلهة اسم الملك "ياسر يهصدق ملك سبأ وذي ريدان"، ولم يذكر
1 J. RYCKMANS، L'INSTITUTION، P.338
2 BACKGROUND، P.142، ORIENS ANTIQUUS، III، 1964، P.80
3 "أقول شعبن مهانف".
4 "مزود همو حرور".
اسم والد "ياسر" في هذا النص1. والكتابة المذكورة من "ضاف" بـ"قاع جهران" شمال "ذمار"، و"قاع جهران" هو "مهانفم" في كتابات المسند2.
ويعد النص المذكور من أقدم النصوص الحميرية التي وصلت إلينا. ويرى "فون وزمن"، أنه أول نص يصل إلينا لقب فيه ملك من ملوك حمير بلقب "ملك سبأ وذو ريدان"3. ومعنى هذا أن ملوك حمير كانوا قد نافسوا الأسرة السبئية الشرعية ونازعوها على العرش، وتلقبوا بهذا اللقب الذي هو من ألقاب ملوك سبأ الشرعيين.
وأرض "مهأنف""مهانفم" هي "قاع جهران"، ومعنى ذلك أن هذه الأرض كانت تابعة لهذا الملك في ذلك العهد4.
ويعد "ياسر يهصدق""يسر يهصدق" من حمير، ومعنى هذا أن حمير التي نازعت الأسرة القديمة لسبأ عرشها لقب حكامها أنفسهم باللقب الرسمي الذي يتلقب به ملوك "سبأ" الأصليون، تعبيرًا عن إثبات حقهم في الملك. وقد حكم "ياسر" -على رأي "فون وزمن"- في حوالي السنة "75م" أو "80م". وكان يقيم في "ظفار"، في حصن "ريدان". ويرى "فون وزمن" أنه في خلال المدة التي انصرمت بين حملة "أوليوس غالوس" وبين حكم "ياسر يهصدق"، لم يصل إلينا أي نص من نصوص المسند5.
وجعل "جامه" حكم "ياسر يهصدق" بين السنة "200" والسنة "205" بعد الميلاد6.
وقد وضع "فون وزمن" اسم "الشرح" بعد اسم "ياسر يهصدق"، وجعل أيامه في حوالي السنة "90" بعد الميلاد. وقد ذكر أنه من حمير وإلى أيامه تعود الكتابة المرقمة بـ7CIH 140.
1 CIH 41، IV، I، I، P.67، LANGER 2، RHODOKANAKIS، KTB، II، S. 64، SIEGFRIED LANGER'S REISEBERICHTE AUS SYRIEN UND ARABIEN، S. XXXIV، "1866"، 34-43،
ZDMG.، "1883"، S. 352
2 LE MUSEON، 1964، 3-4، P.448
3 LE MUSEON، 1964، 3-4، PP.448
4 LE MUSEON، 1964، 3-4، PP.448
5 LE MUSEON، 1964، 3-4، PP.450، 495
6 MAHRAM، P.392
7 LE MUSEON، 1964، 3-4، P.498
وعرف ولد من أولاد "ياسر" اسمه "ذمر على يهبر"، وقد ذكر في النص1 CIH 365. وقد عثر على بعض النقود ضرب عليها اسم صاحبها، وهو "يهبر"، فلعله هذا الملك2.
وذكر اسم الملك "ذمر على يهبر" واسم أبيه "ياسر يهصدق" في الكتابة المذكورة، وقد جاء فيها: أن هذا الملك قاتل رجلًا من "بني حزفرم""بني حزفر""آل حزفر"، و"آل حزفر" هم عشيرة من "ذي خليل" وهي عشيرة قديمة شهيرة، أخرجت جملة "مكرب""مكارب" و"ملوك". ويرى "فون وزمن" أن هذه الحرب كانت ضد الأسرة السبئية المالكة المتوارثة للعرش من عهد قديم، وأن هذا الملك الذي هو من "حمير" استولى على حصن "ذت مخطرن""ذات مخطران""ذات المخاطر"، واستولى على "مأرب" عاصمة سبأ في هذه الحرب3.
ومعنى هذا أن حمير استولت على سبأ وحكمتها، فصارت مأرب خاضعة لها. وقد دام خضوع سبأ لحمير إلى أيام "ثأرن يعب" وهو ابن "ذمر على يهبر""ذمر على يهبأر"، إذ نجد على مأرب ملكًا، هو الملك "ذمر على ذرح"، وقد قدر "فون وزمن" زمان استيلاء حمير على مأرب بحوالي عشر سنين4.
وورد اسم "ذمر على يهبر" واسم أبيه "ياسر يهصدق" في الكتابة:REP. EPIG. 310، والآمر بكتابتها هو "تبع كرب""تبعكرب" من آل "حزفرم""حزفر"، وقد قدم إلى الإله "المقه" نذرًا يتألف من أوثان لتوضع في معبد هذا الإله "المقه" ولحمايته ولخير أرضه وحصنه. ويظهر أن أملاكه كانت في منطقة "رحب""رحاب"5.
1 CIH 365، GLASER 612، LUPARENSIS 4105، CIH، IV، II، I، P.6. FF، O. WEBER STUDIEN ZUR SUDARABISCHEN ALTERTUMSKUNDE، "1907"، S.، 36، REP. EPIG.، 310، I، V، P.255، LE MUSEON، LXI، 3-4، "1948"، P.232، ORIENS ANTIQUUS، III، 1964، P.80
2 HANDBUCH.، S. 94
3 CIH 365 = GLASER 612، M. HOFNER، DIE INSCHRIFTEN AUS GLASER TAGEBUCH XI، WIENER ZLITSCHRIFT FUR DIE KUNDE DES MORGENLANDES 45، 1938، S. 19-21،
LE MUSEON، 1964، 3-4، P.459
4 LE MUSEON، 1964، 3-4، P.498
5 REP. EPIG.، I، V، P.255
وقد قام "ذمر على يهبر" ومعه ابنه "ثارن يعب يهنعم" الذي أشركه أبوه معه في الحكم، بإعادة بناء سد "ذمر""ذامر""ذو أمر""ذمار" في منطقة "أبين"؛ وذلك لتهدم السد القديم الذي كان يمد أهل مأرب بالماء، فأعادا بذلك الحياة لمساحة واسعة من أرضين موات. وقد قام بهذا العمل عمال من شعب "سبأ" ومن "ذو عذهبن""ذي عذهب"1، وقدما في ذلك قرابين إلى آلهتهما:"عثتر" و"سحر" نحراها في معبد "نفقن""نفقان"2.
وذكر "ذمر على يهبر" مع ابنه "ثارن" في الكتابة المرقمة بـREP. EPIG. 4708، وقد كتبت على تمثال من البرونز محفوظ الآن في متحف "صنعاء"، وذكرت فيها أسماء أصحابها، وهم قوم من "آل ذرنح"، وورد فيها اسم معبد "صنع""صنعو"، ولعله "صنعاء"3.
وقد ورد اسم "ثارن يعب يهنعم" في الكتابة الموسومة بـREP. EPIG. 4909، وهي كتابة سجلها رجلان من أشراف حمير، أوفدهما ملكهما "ثارن يعب" إلى الملك "العذ يلط""العز يلط" ملك حضرموت، لتهنئته باعتلاء العرش وتلقبه باللقب الملوكي في حصن "أنودم""أنود"4، ويرى بعض الباحثين أن ذلك كان في حوالي السنة "200ب. م."5. أما "فلبي" فجعل زمانه في حوالي السنة "20ق. م."6. ومعنى هذا أن زمان حكمه كان بعد حملة "أوليوس غالوس" بقليل، وهو تقدير لا يقره عليه أكثر علماء العربيات الجنوبية.
وأما "جامه"، فقد جعل زمان حكمه بين السنة "265" والسنة "275" بعد الميلاد، وجعله معاصرًا للملك "العذ يلط" بن "عم ذخر" "العذ يلط
1 REP. EPIG. 4775، REP. EPIG.، VII، III، P.360، GLASER، 551، M. HOFNER، DIE INSCHRIFTEN AUS GLASERS TAGEBUCH XI، "CIT. NOTE 71"، S. 15 A. GROHMANN، REALEN. D. CLASS. ALTER.، XIV، 2، S. 1739، LE MUSEON، 1964، 3-4، P.459
2 LE MUSEON، 1964، 3-4، P.459
3 REP. EPIG. 4708، VII، III، P.330، ORIENS ANTIQUUS، III، 1964، P.80
4 SHEBA'S DAUGHTERS، P.449، REP. EPIG. 4909، VII، III، P.414
5 BEITRAGE، S. 133، 144
6 BACKGROUND، P.142
ابن عمذخر" ملك حضرموت1. وقد جعله "فون وزمن" معاصرًا للملك "نشأكرب يهأمن يهرجب" "نشأكرب يهأمن يهرحب"، الذي حكم على رأيه في حوالي سنة "230ب. م." إلى "240ب. م."2.
وقد ذكر مع ابنه في الكتابة المعروفة بـREP. EPIG. 3441، وهي تخص أعمالًا عمرانية أمر بها "ذمر على" وابنه "ثارن" تتعلق بسد "ذو أمر""ذمر""ذمار"3.
وورد اسم "ثارن يعب" في النص: CIH 457، وقد ذكر معه اسم أبيه "ذمر على يهبر"، وقد دونه جماعة من "بني ذي سحر" عند تقديمهم إلى الآلهة أوثانًا؛ لحماية سيديهم الملكين "ذمر على يهبر" وابنه "ثارن يعب"، ولحماية أملاكهم ورعايتهم. وقد ذكرت في الكتابة أسماء الآلهة التي توسل إليها أصحابها ورجوا منها الحماية والرعاية، وهي:"عثتر" و"سحر بعلى نفقن" و"هبس" و"المقه" و"ذات حميم" و"ذات بعدان" و"شمس"4.
وورد اسم "ثارن يعب" في نهاية النص: CIH 569، وهو نص قصير مؤلف من ثلاثة أسطر5.
وقد خلف "ثارن يعب" على عرش سبأ ابنه الملك "ذمر على يهبر"، الذي يمكن أن نطلق عليه "ذمر على يهبر الثاني"؛ تمييزًا له عن جده. وقد وجد اسمه في نص أرخ بشهر "ذو نسور""ذ نسور"، وقد سقط اسم السنة التي أرخ بها من النص6.
وقد وضع "فون وزمن" اسم "شمر يهرعش" من بعده، ودعاه بـ"الأول" تمييزا له عن "شمر يهرعش" الآخر الذي ولي الحكم بعده بأمد طويل. وقد جعل "فون وزمن""شمر يهرعش الأول" معاصرًا لـ"أنمار يهأمن"
1 MAHRAM، P.392، LE MUSEON، 1964، 3-4، P.498
2 LE MUSEON، 1964، 3-4، P.498
3 REP. EPIG. 3441، VI، I، 158، RHODOKANAKIS، KTB.، II، S. 77
4 CIH 457، O. M. 304، CIH.، VI، II، II، P.158
5 CIH 569، BENEYTON 4، GLASER 807، 1044، CIH، VI، II، IV، P.353، LE MUSEON، 1964، 3-4، P.498
6 REP. EPIG.، VII، I، P.15، REP. EPIG. 3960، S. E. 103، ORIENS ANTIQUUS، 1964، P.80
ولـ"كرب إيل وتر يهنعم" من "بني بتع"، من قبيلة "سمعي". وقد كان حكمه في حوالي السنة "140" بعد الميلاد1.
أما "ريكمنس"، فقد دون اسم "ذمر على يهبأر" بعد "ياسر يهصدق" ونعته بـ"الأول" ثم دون اسم "ثارن يعب يهنعم" من بعده، ثم ترك فراغًا وضع اسم "ذمر على يهبأر" بعده، ونعته بـ"الثاني" ليميزه عن الأول، ثم ترك فراغًا ذكر بعده اسم "رب شمس نمران"، ثم وضع فراغًا آخر، ذكر بعده ملكًا سماه "الشرح يحضب""الشرح يحب"، ثم ذكر بعده ملكين أحدهما اسمه:"سعد شمس أسرو"، والآخر اسمه مكسور لم يبقَ منه إلا ثلاثة أحرف، هي "حمد"، ثم دون فراغًا بعد هذين الاسمين، وختمه بذكر اسم "ياسر يهنعم"، ثم اسم "شمسر يهرعش" وهو ابنه من بعده، وقد كان معاصرًا للملك "شرح إيل" ملك حضرموت. وبـ"شمر يهرعش" أنهى "ريكمنس" قائمته لملوك "سبأ وذي ريدان"2.
أما "فلبي"، فقد وضع اسم "ذمر على بين" بعد اسم "ذكر على يهبر" الثاني. وقد وضع علامة استفهام أمامه دلالة على أنه غير متأكد من اسم أبيه، وربما كان ابن أخي "ذمر على يهبر الثاني"، وزعم أنه حكم حوالي سنة عشرين بعد الميلاد3.
ووضع "فلبي" اسم "كرب ال يهنعم""كرب إيل وتر يهنعم" بعد اسم "ذمر على بين"، ثم اسم "هلك إمر""هلك أمر" من بعده، ثم "ذمر على ذرح"، وقد سبق أن تكلمت عنهم، إذ قدمتهم وفقًا لقائمة "ريكمنس".
ووضع "فلبي" اسم "يدع ال وتر" بعد "ذمر على ذرح" أبيه. وقد جعل حكمه من حوالي السنة 95 حتى السنة "115ب. م"4.
ويظن "فلبي" أن "يدع ال وتر"، هو الشخص المسمى بهذا الاسم في النص: CIH 7715، ويحتمل في نظره أن يكون ابنه6.
1 LE MUSEON، 1964، 3-4، P.498
2 J. RYCKMANS، L'INSTIUTION، P.338
3 BACKGROUND، P.142
4 BACKGROUND، P.142
5 CIH 771، CIH، IV، III، I، P.167، HALEVY 640، 642، HANDBUCH، S. 94
6 BACKGROUND، P.105
وذكر "فلبي" أنه منذ السنة "115" إلى السنة "245ب. م"، حكم عرش "سبأ وذي ريدان" ملوك من أسرة "بني بتع" من "حاشد"، و"حاشد" قبيلة من "همدان". وقد بلغ عددهم اثني عشر ملكًا، جمعهم في ست مجموعات، ولم يضع أمام كل ملك زمان حكمه كما فعل في قائمته للملوك الذين حكموا قبلهم؛ ذلك لأنه -كما بين هو نفسه- غير واثق من معرفة زمان حكمهم ولا من ترتيب المجموعات، وإنما رتبهم على ما أداه إليه اجتهاده، لا غير1.
ومن هؤلاء الملوك، الملك "شمدر يهنعم""شمدار يهنعم"، وقد عرف اسمه من نقود عثر عليها، ضربت في مدينة "ريدان"2، وهي مما بعد الميلاد، ولا نعرف من أمره شيئا آخر.
ووضع "فلبي" بعد الملك المذكور اسم "عمدن بين يهقبض""عمدان بيّن يهقبض"، وقد ورد اسمه في النص الموسوم بـ3Glaser 567، كما وجد مضروبًا على نقد ضُرِبَ في مدينة "ريدان"، وقد صور رأسه على النقد، فبدا وجهه حليقًا، وضفائر رأسه متدلية على رقبته. وأول من وجه أنظار الباحثين إلى هذا النقد، "موردتمن" Mordtmann، و"بريدو"4 Prideux.
ووجد اسم "عمدان بين يهقبض" في نص عثر عليه في "حرم بلقيس"، وقد لقب بـ"ملك سبأ وذي ريدان". وهو نص ناقص، ذكر فيه اسم الإله "عثتر"5.
ووضع "فلبي" بعد الملكين المذكورين اللذين كونا المجموعة الأولى، "نشأكرب يزن""نشأكرب يأزن" ثم "وهب عثت يفد"6. وهما يكوِّنان
1 BACKGROUND، P.142
2 BACKGROUND، P.142، HANDBUCH، S. 95
3 HANDBUCH، S. 94، SAB. INSCHR.، S. 9، REP. EPIG. 3433، REP. EPIG.، VI، I، P.155، GLASER، ABESSI.، S. 32، ANM. I، RHODOKANAKIS، KTP.، II، S. 66، LE MUSEON، 1967، 1-2، P.298
4 HILL، P.IXIX، JASB، 1881، P.99 PLATE، X، 3، 4، 5.
5 العظم،
AL-'AZAM 5، 0، LE MUSEON. LV، 1-4، "1942" P.128، REP. EPIG. 5099، LE MUSEON. 1967، 1-2، P.298.
6 "وهب عثت".
المجموعة الثانية من المجموعات الست التي تصور أنها حكمت في المدة المذكورة1. وقد ورد اسماهما في النص:2 CIH 336، ولم يلقبا بـ"ملك سبأ وذي ريدان"، ولم أجد في هذا النص إشارة ما، يمكن أن يستدل بها على أنها ملكان. ولم يذكر "هومل" اسميهما مع من ذكر من الملوك الذين حكموا بعد "الشرح يحضب" والذين رتب أسماء من عثر عليهم بحسب حروف الهجاء، ويبلغ عددهم، في رأيه، زهاء عشرين ملكًا3.
وذكر "فلبي" أن والد الملكين المذكورين هو "تصح بن يهزحم"4.
ودون "فلبي" اسمي ملكين آخرين بعد الملكين المتقدمين، أحدهما "هوتر عثت يشف"، والآخر "كرب عثت يهقبل"5.
وانتقل بعد ذلك إلى مجموعة أخرى تضمنت اسمي ملكين أيضا، هما "نشأكرب أوتر"، و"شهر أيمن"6. وقد ورد اسم "نشأكرب أوتر" في النص الموسوم: Om II، 2، غير أنه لم يلقب فيه بملك، وقد رجح "هومل" كونه ملكًا؛ للقبه الذي هو من نوع الألقاب التي يستعملها الملوك7.
ودون "فلبي" اسم "رب شمس نمران""ربشمس نمران"، بعد "شهر أيمن". وذكر أنه مذكور في النص الموسوم بـ8 REP. EPIG. 3621، وهو نص عثر عليه في "مأرب"، ووجد اسمه في نصوص أخرى عثر عليها في "حاز" معقل "همدان" ومقر "رب شمس". وقد استدل "فلبي" من وجود النص المذكور في "مأرب" على بلوغ سلطانه وسلطان قومه "آل بتع" هذا المكان9.
وأما غير "فلبي" مثل "ريكمنس" و"جامه"، فقد قدموا -كما رأينا-
1 BACKGROUND، P.142
2 CIH 336، IV، I، IV، P.385
3 HANDBUCH، S. 94-95
4 BACKGROUND، P.142
5 BACKGROUND، P.142
6 BACKGROUND، P.142
7 HANDBUCH، S. 94
8 REP. EPIG. 3621، REP. EPIG.، VI، I، P.244
9 BACKGROUND، P.142
مكان الملك "رب شمس نمران""ربشمس نمران" في القوائم التي رتبوها لملوك "سبأ وذي ريدان". وقد جعل "جامه" زمان حكمه بين السنة "120" والسنة "140" بعد الميلاد1.
وجعل "فون وزمن" زمان حكم الملك "ربشمس نمران" فيما بين السنة "160" والسنة "170" أو "180" بعد الميلاد، وجعله من المعاصرين للملك "يدع أب غيلان" ملك حضرموت، وممن أدرك أيام حكم "علهان نهفان" ملك همدان2.
وورد اسم "رب شمس نمران" في النص: REP. EPIG. 4138، وهو نص مهم وردت فيه أخبار حروب وغزوات قام بها "عبد عثتر" وأخوه "سعد ثون" ابنا "جدنم""جدن" أو من آل "جدن"، بأمر من سيدهم "رب شمس نمران ملك سبأ وذي ريدان". فلما عادا إلى مواطنهما سالمين، دوَّنا شكرهما وحمدهما للإله "المقه" الذي من عليهما بالعافية وحفظهما وأعادهما بصحة جيدة، وأنقذهما "المقه بعل حروان" من الوباء الذي عَمَّ كل الأرض، وبارك عليهما في مدينة "نعض"، إذ أنعم عليهما سيدهما "رب شمس نمران". وقد دعيا في هذه الكتابة لـ"المقه ثهوان" و"ثور بعلم بعل حروان" بأن يبارك عليهما ويحفظها ويمن عليهما بالعافية وبأولاد ذكور، وبثمار كثيرة وجني جيد، وذلك بحق الآلهة:"عثتر وهوبس والمقه وذات حميم وذات بعدان وشمس"3.
ويظهر من هذا النص أن وباء كان قد عم البلاد في عهد هذا الملك فأهلك خلقًا كثيرًا، وقد حمدا الآلهة التي جعلتهما من الناجين، ويظهر أنهما كانا من قواد جيش هذا الملك الذي كلفهما غزو أعدائه ومحاربتهم. وورد في النص اسم قبيلة "جرش"، ولعل لاسم "جرش" -وهو اسم موضع في اليمن- علاقة باسم هذه القبيلة4.
1 MAHRAM، P.392، LE MUSEON، 1967، 1-2، P.294، H. VON WISSMANN، HIMJAR.، S. 458، 496، ZUR GESCHICHTE، S. 322، 326، 392
2 LE MUSEON، 1964، 3-4، P.498
3 REP. EPIG.، 4138، REP. EPIG.، VII، I، P.96، VA 3820، 3843، ORIENTS ANTIQUUS، III، P.70
4 الصفة "45، 51، 70، 115، 117، 118، 119، 121، 123، 125، 186، 243"، منتخبات "ص19، 20".
ويظهر أن الوباء الذي أشار إليه "عبد عثتر" هو الوباء الذي أشير إليه في النص الموسوم بـJamme 645، وصاحبه رجل اسمه "وهب إيل" من "يهعن""يهعان" ومن "قرضنن""قرضان". وقد دون هذا الرجل نصه حمدًا للإله "المقه ثهوان""بعل أوام"، وشكرًا له على نعمه عليه بأن حفظه وسلمه وصانه من الوباء "بن خوم" والطاعون "وعوس" ومن الموت "موتت" الذي عم البلاد، وذلك في سنة "حيم""حي""حيي""حيوم""حيو" بن "أبكرب""أبي كرب" من "كبر خلل ثكمتن" كبراء "خليل ثكمتان". فصانه وحفظه
من هذا الوباء العام الذي انتشر في الأرض "وموتت كون بارضن"، فأهلك خلقًا من الناس، وليمن عليه ويبارك فيه وفي أرضه وزرعه، ويعطيه ثمارًا كثيرة وغلة وافرة من جميع مزارعه في "مأرب" و"نشق" و"رحبتن""رحبتان"، ولينال حظوة ورفعة عند سيده "رب شمس نمران، ملك سبأ وذي ريدان"1.
وليس هذا الوباء الفتاك الذي انتشر في الأرض في أيام هذا الملك، هو أول وباء نسمع به؛ ففي الكتابات إشارات إلى أوبئة عديدة أخرى كانت تعم البلاد بين الحين والحين، ولا سيما بعد الحروب التي لا تكاد تنقطع، وبعد الحروب الكبيرة الماحقة التي قام بها الملوك فخربوا المدن ودمروا مجاري المياه، وأباحوا مواضع السكنى، والبشر، وتركوا جيف القتلى في مواضعها لتنتشر الأوبئة والأمراض.
وقد ذهب "ريكمنس" إلى أن الوباء المذكور هو جزء من وباء عام كان قد انتشر من الهند نحو الخارج، فجاء إلى جزيرة العرب ووصل حوض البحر الأبيض وطفح في "سلوقية" Seleucia وقد وقع ذلك سنة "165" للميلاد2.
وورد اسم "رب شمس نمران""ربشمس نمران" في نصوص أخرى وسمت بـ: CIH 164، وبـ Geukens 10، وبـ Jamme 496.
1 خليل يحيى نامي: نقوش عربية جنوبية، مجلة كلية الآداب، القاهرة 9، "1947" ص1 = 13، قسم 2، 16، "1954" ص21-43، Jamme 645، Mamb 276
2 Le Museon، 1964، 3-4، P.496
و"رب شمس نمران" معروف لدينا معرفة حسنة، وهو من "بتع"، ومن "ملوك سبأ وذي ريدان"؛ لورود ذلك صريحًا في بضعة نصوص؛ أحدها عثر عليه في مأرب1، وعثر على البقية في "حاز" أي: في بلد همدان.
والنص الذي عثر عليه في مأرب هو النص المعروف بـREP. EPIG. 3621، وهو نص قصير يظهر أنه بقية نص أطول لم تبقَ منه غير كلمات2.
ودون "فلبي" اسم "سخمن يهصبح""سخمان يهصبح" بعد "رب شمس نمران"، وقد ورد اسمه في كتابتين، هما Glaser 208 و Glaser 136، غير أنه لم يلقب فيهما بـ"ملك سبأ وذي ريدان". وقد استدل "فلبي" من كلمة "مراهمو" أي: سيدهم، الواردة قبل اسمه أنه كان ملكًا3. وورد اسم رجل يعرف بـ"أجرم يهنعم بن سخمان"، ويرى "فلبي" احتمال كون "سخمان" هذا هو "سخمان يهصبح"، واحتمال كون "أجرم" أحد أبنائه4. ولم يذكر "هومل" اسم "سخمان" في جملة من ذكرهم من ملوك "سبأ وذي ريدان"5.
وللسبب المذكور جعل "فلبي""أجرم يهنعم" ملكًا بعد "سخمان يهصبح" ثم ذكر من بعده "سعد أوم نمران"، وقد ذكر في النص: Glaser 210، وهو من النصوص التي عثر عليها في المدينة الهمدانية "حاز"6. ويرى "هومل" أن "
…
نمران ملك سبأ وذي ريدان" الذي سقط اسمه من النص: Glaser 571 وبقي فيه نعته وهو "نمران"، قد ينطبق على "سعد أوم نمران" هذا الذي نتحدث عنه، كما ينطبق على "رب شمس نمران"7.
وبـ"سعد أوم نمران" ختم "فلبي" هذا العهد الذي استمر -على رأيه-
1 BACKGROUND، P.107، LE MUSEON، 1967، 1-2، 294
2 REP. EPG. 3621، REP. EPIG.، VI، I، P.244
3 HANDBUCH، S. 95، CIH 153، 224، CIH، IV، I، III، P.214، 258، GLASER 136، 208، JAMME 562، 564، LE MUSEON، 1967، 1-2، P.280
4 Background، P.107
5 Handbuch.، S. 94
6 Cih 226، Iv، I، Iii، P.260، Handbuch.، S. 95
7 Handbuch.، S. 95
من سنة "115ب. م." حتى السنة "245". وقد حكم فيه من بني "بتع"، وقد كونوا -على حسب رأيه أيضا- الأسرة السادسة من الأسر التي حكمت عرش "سبأ". ثم وضع بعد هذه الأسرة أسرة جديدة جعلها الأسرة السابعة، وهي من "يكبل"، وقد جعل أول رجالها الملك "العذنوفان يهصدق""العزنوفان يهصدق"، وقد حكم -على حسب رأيه- من سنة "245ب. م." حتى السنة "260 للميلاد"1.
ووضع "فلبي" اسم "ياسر يهنعم" بعد "العذنوفان"، وهو على حسب ترتيبه الملك الستون من ملوك سبأ الذين حكموا السبئيين من مكربين وملوك، وهو والد "شمر يهرعش" الملك الشهير المعروف بين الأخباريين. وبذلك ننتقل من أسرة قديمة إلى أسرة جديدة، ومن عهد قديم إلى عهد آخر جديد.
وأما "فون وزمن"، فإنه لم يذكر اسم من حكم مباشرة بعد "ربشمس نمران"، بل ذكر اسم "شعرم أوتر" وهو من "همدان" بعد اسم "علهان نهفان" الذي أدرك أوائل حكم "ربشمس نمران"، كما ذكر اسم "فرع ينهب"، وهو من "جرت""جرة" وقد جعل حكمه في حوالي السنة "180" بعد الميلاد. وذكر اسم "حيو عثتر يضع" مع اسم "شعرم أوتر"، دلالة على أنه حكم معه في أواخر أيام حكمه. ثم ذكر اسم "لحيعثت يرخم" من بعده، وجعله معاصرًا لـ"لعزز يهنف يهصدق" ملك حمير. وجعل "ياسر يهنعم" الأول وهو والد "شمس يهرعش" الثاني معاصرًا لـ"لحيعثت يرخم" وقال: إن في أيامه استولى الحميريون على مأرب، وكان معاصرا لـ"الشرح يحضب الثاني" الذي حكم مع أخيه "يازل بين"2.
وجعل "فون وزمن" زمان حكم "الشرح يحضب" الثاني في حوالي السنة "200" للميلاد. ثم جعل حكمه مع أخيه في حوالي السنة "210"، ثم عاد فجعله يحكم وحده في حوالي السنة "220" إلى السنة "230" حيث ذكر اسم "نشأكرب يأمن يهرحب" من بعده، وجعل على حمير في أثناء هذه المدة "كرب إيل""ذو ريدان" و"ثأرن يعب يهنعم"، وعلى حضرموت
1 Background، P.143
2 Le Museon، 1964، 3-4، P.498
"العز يلط" الذي تحالف مع "ثارن يعب"1.
وذكر "فون وزمن" اسم "ذمر على وتر يهبر" بعد "ثارن يعب يهنعم" ثم جعل "عمدان بين يهقبض" على عرش سبأ، ثم "ياسر يهنعم الثاني" من بعده، وقد حكم مع ابنه "شمر يهرعش الثالث" الذي انفرد بالحكم في حوالي السنة "300" بعد الميلاد2.
وقبل أن أنتهي من هذا الفصل وأختمه، أود أن أشير إلى منافسة كانت بين الأسرة السبئية الحاكمة المنحدرة من "فيشان" صاحبة قصر مأرب، وبين أسر أخرى لم تكن لها صلة بالعرش، ولكنها ادعت لنفسها حق حكم سبأ وذي ريدان، وتلقب أفرادها باللقب الرسمي المقرر للحكم، ونازعت الملوك الشرعيين في حق الحكم والسلطان. فنجد الهمدانيين مثلًا وهم يحكمون الثلث الشمالي من دولة "سمعي" القديمة من مقرهم "ناعط"، ونجد "بني بتع"، وهم يحكمون الثلث الغربي لمملكة "سمعي"، "حملان" وعاصمته "حاز" وكذلك "مأذن"، ثم نجد "مرثدم" أي "مرثد" ومعها "أقيان""شبام أقيان"، و"جرت" بما في ذلك كنين "كنن"3.
هذا، ولا بد لي وقد انتهيت من تدوين هذا الفصل من الإشارة إلى أن عهد "ملوك سبأ وذي ريدان" هو من أصعب الفصول كتابةً في تاريخ سبأ، على كثرة ما عثر عليه من كتاباته؛ ذلك لأن الكتابات لا تقدم إلينا مواطئ تمكن الإنسان أن يقف عليها ليتعرف ما حوله من أمور، ثم إن بعضها ناقص أصابه التلف فأثر في معناه، إلى غير ذلك من أمور. لذا نجد علماء العربيات الجنوبية متباينين في تثبت تأريخ هذا العهد وفي أسماء الملوك، وأعتقد أن هذا الخلل لن يُصلَح، وأن الفجوات لن تُحشَى وتُملَأ، إلا بعد أمد؛ بعد استقرار الأمور في اليمن بحيث يسمح لأصحاب العلم بالبحث عن الكنوز المدفونة لاستنباط ما فيها من سر دفين عن هذا العهد، والعهود الأخرى من تأريخ اليمن القديم.
1 Le Museon، 1964، 3-4، P.498
2 Le Museon، 1964، 3-4، P.498
3 Le Museon، 1964، 3-4، Pp.454، 498