الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 - أبواب: الذكر والدعاء مع الزهد والرقائق والمواعظ وصحيح القصص النبويِ
(متن الحديث)(إسناده)(درجته)(تخريجه)(موضعه في كتب الشيخ)
الذكر والدعاء في الصلاة:
713/ 1 - (قمتُ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، فبدأ فاستَاكَ، وتوضَّأَ، ثم قام فصلَّى، فبدأ فاستفتح من البقرة، لا يمرُّ بآيةِ رحمةٍ إلا وقف وسأل، ولا يمرُّ بآيةِ عذابٍ إلا وقف يتعوَّذُ، ثم ركعَ، فمكثَ راكعًا بقدرِ قيامِهِ، يقولُ في ركوعه: سُبحَانَ ذِي الجَبَرُوتِ والمَلَكوتِ والكِبرياء والعَظَمَةِ. ثم سجدَ بقدرِ رُكُوعِهِ، يقولُ في سُجُودِهِ: سُبحَانَ ذِي الجَبَرُوتِ والمَلَكوتِ والكِبرِياء والعَظَمَةِ. ثم قرأ: آل عمران، ثم سورةً ثم سورةً فعلَ مِثلَ ذلك. لفظ النسائيّ).
(أخرجوه من طرقٍ عن معاوية بنِ صالح، عن عَمرو بنِ قيس الكندي، أنه سمع عاصم بنَ حُمَيد، يقول: سمعتُ عوف بنَ مالكٍ رضي الله عنه يقول:
…
فذكره). (وهذا سندٌ قويٌّ) (د، س، تم، حم، أبو عبيد فضائل القرآن، الروياني، طب كبير،
طب مسند الشاميين) (التسلية / ح 45).
الذكر حتى تطلع الشمس:
714/ 2 - (غَدَونَا على عبد الله بنِ مسعود يومًا، بعد ما صَلَّينا الغدَاةَ، فسلَّمنا بالباب، فأَذِنَ لنا، قال: فمكثنا بالباب هُنَيَّةً، قال: فخرجتِ الجاريةُ، فقالتْ: ألا تدخلون؟ فَدَخَلْنَا. فإذا هو جالسٌ يُسَبِّحُ. فقال: ما منعكم أنْ تدخُلُوا وقد أُذِنَ لكم؟ فقلنا: لا، إلا أنَّا ظَنَنَّا أنَّ بعضَ أهلِ البيتِ نائمٌ. "قال: ظنَنْتُم بآل ابن أُمِّ عبدٍ غَفْلَةً؟
قال: ثم أقبل يُسَبِّحُ حتى ظنَّ أنَّ الشمسَ قد طلعتْ. فقال: يا جارية! انظري هل طلعتْ؟ قال: فنظرتُ فإذا هِيَ لم تطلُعْ. فأقبلَ يُسَبِّحُ، حتى إذا ظَنَّ أنَّ الشمسَ قد طلعتْ، قال: يا جارية! انظري هل طلعتْ؟ فنظرتْ فإذا هِيَ قد طلعتْ. فقال: الحمدُ لله الذي أقالنا يومنا هذا. -فقال مهديٌّ: وأحسِبُهُ قال:- ولم يُهْلِكْنَا بذُنُوبنا. قال فقال رجلٌ من القوم: قرأتُ المُفَصَّلَ البارِحَةَ كُلَّهُ.
قال فقال عبد الله: هذًّا كَهَذِّ الشِّعْر؟ إنَّا لقد سَمِعْنَا القَرَائِنَ (1). وإنِّي لأحفظُ القرائِنَ التي كان يقرَؤُهُنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. ثمانيةَ عَشَرَ مِنَ
(1) حديث (النَّظائر) ذكرتُهُ مفصلا في أبواب: الصلاة / باب الجمع بين السورتين في الركعة الواحدة.
المفصل. وسورتين مِنْ آلِ حم. سياق مسلم.
قال الحافظُ في الفتح 9/ 90: قوله هذًّا كَهَذِّ الشِّعْر: هَذًّا بفتح الهاء وبالذال المعجمة المنونة، قال الخطابيُّ: معناه سرعة القراءة بغير تأمل كما ينشد الشعر.
وأصل الهَذِّ سرعةُ الدفع. اهـ.).
(أخرجوه من طرقٍ عن مهدي بنِ ميمون، عن واصل بنِ حيَّان الأحدب، عن أبي وائل قال:
…
فذكره.
ورواه عن مهدي بنِ ميمون جماعةٌ، منهم: أبو النعمان عارم، وشيبان بنُ فروخ، وعبيد الله بنُ موسى، وعاصم بنُ عليّ، وعبد الله بنُ محمد بنِ أسماء، وعفان ابنُ مسلم، وعبد الصمد بنُ عبد الوارث).
(صحيحٌ)(خ، م، عو، حم، طب كبير)(التسلية / ح 49).
الدعاء على المشركين:
715/ 3 - (شَغَلُونا عَن صلاةِ الوسطى، صلاة العصر حتى غَابَتِ الشمسُ، ملأ الله بُطونَهم وقُبورَهم، أو قُبورَهم وبُيُوتهم نارًا. وهذا لفظ أبي عَمرو السمرقندي في الفوائد (2)).
(أخرجوه من طرقٍ عن قتادة، عن أبي حسَّان الأعرج، عن عبيدةَ السلماني، عن علىّ بن أبي طالب رضي الله عنه به).
(قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ) (م، عو، س، ت، حم، ابن سعد،
(2) حديث (الصلاة الوسطى) أخرجته بشواهده في أبواب: الصلاة والمساجد والأذان.
يع، البزار، ابن جرير، جا، ابن عبد البر، ابن حزم، الدمياطي) (الفوائد / 71 ح 28).
تَرِكَةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم:
716/ 4 - (ما ترك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دينارًا ولا درهمًا، ولا عبدًا، ولا أَمَةً، ولا شيئًا).
(أخرجوه من طرقٍ: عن أبي إسحاق السبيعيّ، عن عَمرو بنِ الحارث الخزاعي رضي الله عنه فذكره. ورواه عن أبي إسحاق السبيعي: الثوريُّ، وزهير بنُ معاوية، وأبو الأحوص سلام بنُ سُلَيم، ويُونُس بنُ أبي إسحاق.
وتابعهم: إسرائيل بنُ يونس، عن جدِّهِ أبي إسحاق، عن عَمرو بن الحارث خَتَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأخي جويرية بنتِ الحارثِ أمِّ المؤمنين فذكره (3)). (صحيحٌ. وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها ويأتي في الحديث التالي. وشاهد آخر من حديث ابنِ عباس رضي الله عنهما ويأتي بعد حديث عائشة وطرقه).
(خ، س، حم، هَنَّاد، عُمر بن شبة، ابن سعد، بغ أبو القاسم مسند ابن الجعد، خز، ابن أبي عاصم آحاد، ابن قانع، قط، طب كبير، كر أربعين بلدانية، ابن عبد البر، بغ. تخريج حديث إسرائيل: تم، ابن سعد، عُمر بن شبة، طب كبير)(التسلية / ح 66؛ ابن كثير 1/ 251؛ الفضائل / 171).
فصلٌ فيه الاختلافُ على إسرائيل: ورواه عن إسرائيل كما تقدم:
(3) وأيضًا: زهير بنُ معاوية، فقد وافق إسرائيل على زيادة صِفَة عَمرو بنِ الحارث في سنده ووقعت روايته في صحيح البخاري.
عبيد الله بنُ موسى، وحسين بنُ محمد، وأبو أحمد الزبيريّ، وعبيد الله بنُ رجاء.
وخالفهم: مُؤَمَّل بنُ إسماعيل، فرواه عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عَمرو ابنِ الحارث، عن جويرية، قالت: ما تَرَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوم تُوُفِّيَ إلا: بغلةً بيضاء، وسلاحه، وأرضًا جعلها صدقة. فجعله من "مسند جويرية".
أخرجه طب أوسط رقم 515، قال: ثنا أحمد بنُ القاسم، قال: ثنا إبراهيم ابنُ محمد بنِ عرعرة، قال: ثنا مؤمل بنُ إسماعيل.
قال الطبرانيُّ: "لم يرو هذا الحديث عن أبي إسحاق إلا إسرائيل، تفرَّد به: مؤمل".
قال الهيثميُّ 9/ 40: "إسناده حسنٌ".
قلتُ: كذا! والصواب: أنَّ السندَ ضعيفٌ للمخالفة، ومؤملٌ: ففط حفظه ضعفٌ، ولا يقوى على مخالفة واحدٍ من المتقدمين فضلًا عن جميعهم رحمه الله فالصوابُ: أنَّ الحديثَ من "مسند عَمرو" لا من "مسند جويرية". والله أعلم.
717/ 5 - (ما تَرَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دينارًا ولا دِرهمًا، ولا شاةً ولا بعيرًا، ولا أوصى بشيء).
(أخرجوه من طرقٍ: عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:
…
فذكرته). (حديثٌ صحيحٌ)(م، عو، د، س، ق، حم، حم زهد، إسحاق، ش، عُمر بن شبة، يع، أبو الشيخ أخلاق، حماد ابن إسحاق، ابن الأعرابي، طب أوسط، ابن بشران، أبو بكر الشافعي، هق، بغ، بغ شمائل)(التسلية / ح 166).
فصلٌ فيه الاختلافُ على الأعمش: ورواه عن الأعمش كما تقدم:
الثوري، وابنُ نمير، وأبو معاوية، ومحمد بنُ عبيد، وزائدة بنُ قدامة، وعبد الواحد ابنُ زياد، وداود الطائي، ومفضل بنُ مهلهل، وجرير بنُ عبد الحميد.
وخالفهم: سعد بنُ الصلت، وحسن بنُ عياش، وروح بنُ مسافر.
فأمَّا سعد بنُ الصلت، فرواه عن الأعمش، عن مسلم بنِ صُبَيح، عن مسروق، عن عائشة مثله. أخرجه أبو الشيخ في الأخلاق ص 305، قال: نا الوليد بنُ أبان: نا إسحاق بنُ إبراهيم: نا سعد بنُ الصلت به.
قلتُ: فأمَّا الوليد بنُ أبان، فهو ابنُ بُونه أبو العباس، ترجمه أبو الشيخ في كتاب الطبقات 4/ 217، وقال:"كان أحدَ من ارتحل رحلات كثيرة، وسمع الكثير وصنَّف: التفسير، والمسند، والشيوخ، وكان حافظًا ديِّنًا، أحدُ العلماء بالحديث".
وإسحاق: هو ابنُ راهويه، الجبل الشامخ، لكنَّ علَّة هذا الإسناد هذا من سعد ابن الصلت، فترجمه ابنُ أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/ 1 / 86 ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابنُ حبان في الثقات 6/ 378، وقال: ربما أغرب. فروايته شاذَّة.
وقد وقعتُ له على أكثر من حديث خالف فيه أصحاب الأعمش (4).
وأمَّا حديثُ روح بنِ مسافر، فقد: أخرجه أبو الشيخ في الأخلاق ص 305 من طريق محمد بنِ مصعب القرقساني: نا روح بنُ مسافر: نا الأعمش، عن أبي صالح، عن عائشة مثله. قال أبو الشيخ: ورواه مندل بنُ عليّ وصالح بنُ موسى الطلحي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مثله.
وكلا الإسنادين لا يصحُّ، وروح بنُ مسافر ومندل بنُ عليّ والطلحيّ متروكون.
(4) انظر مثال على ذلك في أبواب: البعث والحشر.
والقرقسانيُّ كثيرُ الخطأ.
وأمَّا حديث الحسن بنِ عياش: فأخرجه س 6/ 240، وابنُ الأعرابي في معجمه 6/ 123 / 1 - 2، وأبو الشيخ في الأخلاق ص305، خط 4/ 396، نعيم أخبار أصبهان 1/ 100، 136 من طريق عاصم بنِ يوسف، قال: ثنا الحسن بنُ عياش، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة بمثل حديث مسروق.
والحسن بنُ عياش وثقوه، لكن قال عثمانُ الدارميُّ:"ليس في الحديث بذاك". فلعلَّه وهم على الأعمش بمخالفة هذا الجمع، وفيهم من اختص بحديث الأعمش، ويحتمل أنَّ يكونا جميعًا محفوظين عن الأعمش. والله أعلم.
وربما تقوَّى الاحتمالُ الثاني بما رواه: ابنُ عون، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: ذكروا عند عائشة، أنَّ عليًّا كان وصيًّا
…
الحديث (5). وله طريق آخر عن عائشة تراه ني الحديث التالي:
718/ 6 - (تُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وما في بيتي مِنْ شيءٍ -يأكلُهُ ذو كبدٍ-، إلا شطر شعرٍ في رفٍّ لِي، فأكلتُ منه حتى طال عَلَيَّ، فَكِلْتُهُ ففني).
(رواه: ابنُ أبي شيبة، وأبو كريب كلاهما، عن أبي أسامة، قال: ثنا هشام ابنُ عُروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:
…
فذكرته. وتابعه: أبو معاوية، عن هشام -كما في الحديث التالي). (صحيحٌ)(خ، م، ق، نعيم دلائل)(التسلية / ح 66؛ تنبيه / 91 رقم 66؛ تنبيه 1 / رقم 66).
(5) قال أبو عَمرو غفر الله له: تقدم وانظره في أبواب: الإيمان والإسلام والإحسان.
719/ 7 - (تُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وترك عندنا شيئًا مِنْ شعير، فما زلنا نأكلُ منه، حتى كَالَتْهُ الجارِيةُ، فلم يلبثْ أنْ فَنِيَ، ولو تركَتْهُ لم تَكِلْهُ لرجوتُ أن يكون يبقى).
(حدَّثَ به: إسحاق بنُ راهُويه في مسنده 333، قال: نا أبو معاوية، قال: ثنا هشام بنُ عُروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:
…
فذكرته. ورواه: هَنَّاد بنُ السَّرِيّ، عن أبي معاوية- كما تراه في الحديث التالي). (صحيحٌ)(إسحاق، حب)(التسلية / ح 66؛ تنبيه / 91 رقم 66؛ تنبيه 1 / رقم 66).
فصلٌ: وخولف إسحاق بنُ راهويه وهناد بنُ السري.
خالفهما: محمد بنُ يزيد بنِ طيفور، فرواه عن أبي معارية، قال: ثنا إسماعيل بنُ أبان: نا هشام بنُ عُروة بسنده سواء. فأدخل "إسماعيل بن أبان" بين "أبي معاوية" و "هشام بن عُروة". أخرجه ابنُ الأعرابي في معجمه ج 4 / ق 66/ 2. وشيخ ابنِ الأعرابي: محمد بنُ يزيد بن طيفور، ترجمه الخطيبُ 3/ 378 - 379 ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وروايته مرجوحةٌ، والصواب أنَّ أبا معاوية يرويه عن هشام بلا واسطة. وإسماعيل بنُ أبان الذي زاده ابنُ طيفور: متروك الحديث.
720/ 8 - (تُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم -وعندنا شطرٌ مِنْ شعير، فأكلنا منه ما شاء الله، ثم قلتُ للجارية: كِيلِيه، فكالَته، فلم يلبث أنْ فَنِيَ. قالت: فلو كنَّا تركناهُ، لأكلنا منه أكثرَ مِن ذلك).
(حدَّثَ به: الترمذيُّ 2467، قال: ثنا هَنَّاد، وهو في الزهد 736، قال: ثنا أبو معاوية، عن هشام بنِ عُروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:
فذكرته).
(قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ، ومعنى قولها: شطر، تعني: شيئًا. اهـ.
قال شيخُنا رضي الله عنه: قلتُ: فرواية هنَّاد وفَّقَت بين رواية أبي أسامة ورواية أبي معاوية، ففي رواية أبي أسامة: أنَّ عائشةَ هي التي كالَت. وفي رواية إسحاق بنِ راهويه، عن أبي معاوية: أنَّ الجاريةَ هي التي كالَته. ويكون الجمعُ بينهما: أنَّ عائشة لمَّا أمرت الجارية بكيله، فكأنما هي الفاعلة.
كما لو قال الأميرُ: أنا فعلتُ كذا وكذا، ولم يباشر فعل ذلك بنفسه، كما يقال: رجم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقطع في السرقة. وإنما أَمَرَ بذلك. ومن هذا قولُه تعالى {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} [الزخرف: 51] قال بعضُ العلماء: أمرَ فنوديَ، ذكره ابنُ عبد البر في التمهيد 8/ 360. والله أعلم.
وتابعهما: عبد الرحمن بنُ أبي الزناد -كما في الحديث التالي) (ت، هَنَّاد)(التسلية / ح 66؛ تنبيه / 91 رقم 66؛ تنبيه 1 / رقم 66).
721/ 9 - (يا ابنَ أُختِي كانَ شَعرُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فوقَ الوَفْرَةِ ودونَ الجُمَّة، وايمُ الله يا ابنَ أختي إنْ كانَ ليمُرُّ على آل محمدٍ صلى الله عليه وسلم الشَّهرُ ما يُوقَدُ في بيتِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ نارٍ إلا أنْ يكونَ اللَّحِيم، وما هو إلا الأسودان: الماءُ والتمرُ، إلا أنَّ حَوْلَنا أهلَ دُورٍ مِنْ الأنصارِ -جزاهم الله خيرًا في الحديث والقديم- فكلَّ يومٍ يبعثون إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بغَزِيرة شاتِهم -يعني: فينالُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ ذلك اللبنِ-. ولقد تُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وما في رَفِّي مِنْ طَعَامٍ يأكلُهُ ذو
كَبِدٍ، إلا قريبٌ مِنْ شَطْر شعير، فأكَلْتُ منه حتى طال عليَّ لا يفنى، فكِلْتُهُ فَفَنِيَ، فليتني لم أكن كِلْتُهُ. وايمُ الله لئن كان ضِجاعُهُ مِنْ أَدمٍ حَشْوُه لِيْفٌ).
(قال الإمامُ أحمد 6/ 108: حدثنا سريج هو ابنُ النعمان الجوهري: ثنا ابنُ أبي الزناد، عن هشام بنِ عُروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، أنَّها قالت:
…
فذكرته. قال الإمامُ أحمد بعده: وقال الهاشمي: بغزيرة شاتهم، وذكر نحوه إلا ضِجاعه). (وسنده حسنٌ. لأجل ما قيل في حفظ ابن أبي الزناد، وهو متابعٌ كما رأيت فلله الحمد)(حم)(التسلية / ح 66).
722/ 10 - (أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم التَفَتَ إلى أُحُدٍ، فقال: والذي نفسُ محمدٍ بيده! ما يسُرُّنِي أنَّ أُحُدًا يُحَوَّلُ لآل محمدٍ ذَهَبًا أُنفِقُهُ في سبيل الله، أموتُ يومَ أموتُ، أَدَعُ منه دِينَارَينِ إلا دينارينِ أُعِدُّهُمَا لِدَيْنٍ، إنْ كان. فماتَ وما تركَ دينَارًا ولا درهمًا، ولا عبدًا، ولا وليدةً، وتركَ درعهُ مَرْهُونةً عند يهوديّ على ثلاثينَ صَاعًا مِن شعيرٍ.
وزاد عند بعضهم: قال ابنُ عباس: والله! إنْ كان ليأتي على آل محمدٍ الليالي ما يجدونَ فيها عشاءً).
(رواه: ثابت بنُ يزيد أبو يزيد، قال: ثنا هلال بنُ خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما به). قال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ) (حم، حم زهد، حماد بن إسحاق، ابن سعد، ت، ق، ابن جرير تهذيب، بحشل، يع،
أبو الشيخ أخلاق) (التسلية / ح 66).
النبيُّ صلى الله عليه وسلم في رمضان:
723/ 11 - (كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودَ النَّاسِ بالخير، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان حين يلقاهُ جبريلُ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان؛ يعرض عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودَ بالخير من الريح المرسلة).
(أخرجوه من طرقٍ عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال:
…
فذكره. ورواه عن الزهري: إبراهيم بنُ سعد، ويونس بنُ يزيد، وعُقَيل ابنُ خالد، ومعمر بنُ راشد. وتابعهم محمد بنُ إسحاق كما في الحديث التالي).
(صحيحٌ)(خ، بخ، م، س، س فضائل، تم، حم، عب، ش، عبد، ابن سعد، يع، خز، حب، أبو الشيخ أخلاق، أبو محمد الجوهري، هق، هق دلائل، بغ)(التسلية / ح 51).
724/ 12 - (كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعرضُ الكتاب على جبريل في كل رمضان، فإذا أصبح النبيّ صلى الله عليه وسلم من ليلته التي يعرضُ فيها ما يعرضُ أصبحَ وهو أجودُ من الريح المرسلة، لا يُسألُ شيئًا إلا أعطاه، فلما كان الشهر الذي هلك بعده، عَرَضَهُ عليه عَرْضَتَين).
(رواه: محمد بنُ إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال:
…
فذكره). (صحيحٌ. وهذا سندٌ حسنٌ، لولا تدليس ابن
إسحاق. وتابعه جماعة عن الزهري كما في الحديث الفائت.
وأمَّا عرض القرآن عليه صلى الله عليه وسلم فإنه مرويٌّ من حديث أبي هريرة، وابن عباس، وفاطمة الزهراء رضي الله عنهم وتأتي أحاديثهم إن شاء الله وفيه مراسيل أيضًا) (حم، ش، ابن سعد، عبد، هق شعب)(التسلية / ح 51).
مَن سَتر مسلمًا:
725/ 13 - (المُسْلِمُ أخو المسلمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يُسْلِمُهُ، ومَنْ كان في حاجةِ أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كُرْبَةً من كُرَبِ الدُّنيا، فرَّج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن سَتَرَ مسلمًا ستره الله يوم القيامة).
(أخرجوه مِنْ طُرُقٍ: عن الليث بنِ سعد، عن عُقَيل بنِ خالد، عن ابنِ شهابٍ الزهري، أنَّ سالمًا، أخبره أنَّ عبد الله بنَ عُمر رضي الله عنهما، أخبره أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال:
…
الحديث.
ورواه عن الليث: قتيبة بنُ سعيد، وعبد الله بن صالح، والوليد بنُ صالح، وحجاج ابنُ محمد، ويحيى بنُ بُكَير.
وتوبع عقيل بنُ خالد. تابعه: معمر بنُ راشد، فرواه عن الزهري، بسنده سواء، بأوله فقط). (قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. وقال أبو عليّ التنُّوخِيُّ: هذا حديثٌ مشهورٌ) (تخريج حديث عقيل: خ، م، د، س. كبرى، ت، حم، حب، السَّرَّاج بيتوتة، طب كبير، هق، هق آداب، أبو عليّ التنوخيّ، القُضاعيّ، كر، ابن النَّجار، بغ، ابن المُستوفى. تخريج حديث معمر: الخرائطيّ
مساويء) (التسلية / ح 63).
726/ 14 - (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُربةً مِنْ كُرَبِ الدنيا نفَّسَ الله عنه كُربةً من كُرَبِ يوم القيامة. وَمَنْ يَسَّر على مُعْسِرٍ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن سَتَرَ مُسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عَوْنِ العبدِ ما كان العبدُ في عون أخيه. ومن سَلَكَ طرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سهَّل الله له بِهِ طَرِيقًا إلى الجنة. وما اجتمع قومٌ في بيتٍ مِن بُيُوتِ الله، يَتْلُونَ كتابَ الله، ويَتَدَارَسُونَهُ بينهم، إلا نَزَلَتْ عليهِم السَّكِينةُ، وغَشِيَتْهُمُ الرحمةُ وحفَّتهم الملائكةُ، وذكَرَهم الله فِيمَن عِنده. وَمَنْ بَطَّأ بِهِ عَمَلُهُ، لم يُسْرِع بِهِ نَسَبُهُ).
(حدَّث به مسلمٌ في صحيحه 2699/ 38 من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره).
(صحيحٌ. ووهم الزيلعيُّ في نصب الراية 3/ 307، فعزاه للبخاريّ، وقد قال الحافظُ في الفتح 1/ 174: لم يخرجه المصنِّفُ -يعني: البخاري- لاختلافٍ فيه. اهـ. وقال الخطيبُ في تخريج المهروانيات ص 123: انفرد مسلمٌ بإخراجه في صحيحه. اهـ) (تخريج الحديث: م، س كبرى، ت، ق، حم، ابن أبي الدنيا قضاء الحوائج، البزار، ابن بشران، طب أوسط، هق زهد، هق شعب، هق مدخل، هق آداب، هق الأربعون، المهرواني، خط، بغ، الشجريّ.
وأخرج بعضه: د، س كبرى، ت، مي، ش، طي، حم زهد زوائد عبد الله، حب، قط علل، جا، الآجري أخلاق، الآجري أخلاق حملة القرآن، أبو الشيخ
توبيخ، الخرائطي مكارم، طب أوسط، أبو الحسن الرقام، السهمي، ابن عبد البر، أبو عليّ التنوخي، نعيم حلية، نعيم أخبار، هق شعب، الأصبهاني، الرافعي، القضاعي، ابن شاهين ترغيب، الجوزقاني، ابن الأبار، كر، ابن المستوفى).
(التسلية / ح 63؛ الأربعون / 152،18 ح 94،2؛ ابن كثير 1/ 250؛ الفضائل / 169؛ غوث 3/ 106 ح 802؛ تنبيه 1 / رقم 173،49).
فصلٌ، فيه: ذِكْرُ نقدِ علماءِ الصَّنعَةِ لهذا الحديث، ومناقشتُهم فيه:
قال الترمذيُّ 4/ 34: "هكذا روى غيرُ واحدٍ عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة نحو رواية أبي عوانة، وروى أسباط بنُ محمد، عن الأعمش، قال: حُدِّثْتُ عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه. وكأنَّ هذا أصحّ من الحديث الأول". اهـ. وذكر الترمذيُّ 5/ 196 نحو هذا الكلام.
وقال ابنُ رجب في جامع العلوم 2/ 284: "هذا الحديث خرَّجه مسلمٌ من رواية الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ واعترض عليه غيرُ واحدٍ من الحفاظ في تخريجه، منهم: أبو الفضل الهروي، والدارقطنيُّ؛ فإنّ أسباط بنَ محمد رواه، عن الأعمش، قال: حُدِّثتُ عن أبي صالح، فتبين أنَّ الأعمش لم يسمعه من أبي صالح، ولم يذكر مَنْ حدَّثه به عنه". اهـ.
قلتُ: وهذا الترجيح فيه نظرٌ، كما يأتي.
فأمَّا روايةُ أسباط بنِ محمد: فأخرجها د 4946، قال: ثنا واصل ابنُ عبد الأعلى. س كبرى ج 4 / رقم 7290، قال: أخبرني محمد بنُ إسماعيل بنِ سمرة الكوفيُّ. ت 1425، 1930، قال: ثنا عبيد بنُ أسباط بنِ محمد القرشيُّ. قالوا: ثنا أسباط بنُ محمد، عن الأعمش، قال: حُدِّثْتُ عن أبي صالح، عن أبي هريرة
مرفوعًا: "مَنْ نفَّسَ عَنْ مُسلمٍ كربةً .. إلى قوله: في عون أخيه".
هكذا روى أسباط بنُ محمد، وأفسدَ الإسنادَ، وهو وإنْ كان ثقةً إلا أنهم ليَّنُوهُ قليلًا، وقد خالفه عامةُ أصحاب الأعمش مثل: سفيان الثوري، وأبي معاوية، وأبي أسامة، وأبي بكر بن عيَّاش، وأبي عوانة (6)، وجرير بن عبد الحميد، ويحيى ابن سعيد الأموي، ومحاضر بن المورع، وعبد الله بن نمير، ومحمد بن واسع، وفضيل ابن عياض، وزائدة بن قدامة، ومالك بن سعير، وأبي سورة، وبحر بن كنيز السقاء، وعليّ بن صالح، وعبيد الله بن زحر، وعبد الرحمن بن مغراء، وأبي يحيى الحماني؛ كلّهم اتفقوا على جعل الحديث عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وقد وقع تصريحُ الأعمشِ بالتحديث في رواية أبي أسامة، عن الأعمش. ورواه عن أبي أسامة: نصر بنُ عليّ، ومحمود بنُ غيلان، كما عند مسلمٍ والترمذيّ.
ثم وقفتُ على كتاب "علل الأحاديث الواقعة في صحيح مسلم" لأبي الفضل الهروي، فوجدتُه يقول ص 136 - 138:"ووجدتُ فيه -يعني: صحيح مسلم- حديثَ الأعمشِ، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربةً .. الحديث. قال أبو الفضل: وهو حديثٌ رواه الخلقُ، عن الأعمش، عن أبي صالح؛ فلم يذكر الخبر (7) في إسناده غيرُ أبي أسامة، فإنه قال فيه: عن الأعمش، قال: ثنا أبو صالح؛ ورواه أسباط بنُ محمد، عن الأعمش، عن بعض أصحابه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. والأعمش كان صاحبَ تدليسٍ، فربما أخذ عن غير الثقات". اهـ.
(6) وقد اختلف عليه فيه.
(7)
يعني الإخبار، وهي لفظة التحديث.
فظاهرٌ مِنْ هذه العبارة أنه يُوَهِّمُ أبا أسامة، حيث صرَّح بالتحديث ما بين الأعمش وأبي صالح، واستدلَّ لذلك أنَّ أصحاب الأعمش رووه بالعنعنة، وما ينبغي أن تكون هذه عِلّةً قطُّ، إلا أن يكون الذي زادَ التصريحَ بالتحديث مثلُ أسباط ابنِ محمد؛ أمَّا أبو أسامة، فإنه ثقةٌ ثبتٌ حافظٌ، وإذا زادَ مثلُهُ زيادةً فينبغي أَنْ تُقْبَلَ، وقد سُئِلَ أحمدُ عن أبي أسامة، فقال:"كان ثبتًا، ما كان أثبتُه، لا يكاد يخطيء"، وقيل له:"أبو عاصم النبيل وأبو أسامة أيهما أثبتُ في الحديث؟ فقال: أبو أسامة أثبت مِنْ مائة مثل أبي عاصم، كان أبو أسامة صحيحَ الكتابِ، ضابطًا للحديث، كيِّسًا، صدوقًا". وناهيك بمثل هذا مِنَ الإمامِ أحمد، وأبو عاصم: ثقةٌ ثبتٌ. ولا أعلمُ في أبي أسامة مغمزًا أذكُرُهُ إلا ما ذكره الأزديُّ عن سفيان بنِ وكيعٍ، وقد أجبتُ عنه في بذل الإحسان 52 فاطلبه هناك.
أمَّا أسباط بنُ محمدٍ، فوثَّقَهُ: ابنُ معين ويعقوب بنُ شيبة، وقال النسائيُّ: ليس به بأس. ولكن قال العقيليُّ: "ربما يهم في الشيء". وقال ابنُ سعد: "كان ثقةً صدوقًا، إلا أن فيه بعضُ الضعف". وسُئِلَ ابنُ المبارك عنه، فقال:"أصحابُنَا لا يرضونه". وذكر ابنُ معين أنَّ الكوفيين يُضَعِّفُونه. فلو لم يكن في الحديث إلا غلطُ أبي أسامة أو أسباط بنِ محمد، لكان إلصاقُهُ بأسباطٍ أولى باتفاق أهل المعرفة، فلماذا لا يُقالُ: قصَّر أسباطٌ في الإسناد ولم يضبطه، وغير مستبعدٍ منه ذلك؛ وكأنه لم يعبأ الحافظُ ابنِ حجر بمثل هذا التعليل، فقال في الفتح 1/ 160:"فانتفت تهمةُ تدليس الأعمش".
فإن قيل: إنَّ الترمذيُّ رحمه الله رجَّح روايةَ أسباط بنِ محمد، لأنَّهُ وقعتِ الواسطةُ بين الأعمش وبين أبي صالح في بعض الأسانيد؟ قلتُ: نعم!
فأخرج الطبرانيُّ في الأوسط 1332 من طريق الحكم بنِ فُضيل، عن
الأعمش، عن الحكم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا ببعضه. قال الطبرانيُّ:"لم يرو هذا الحديث عن الأعمش، عن الحكم، إلا الحكم". اهـ.
والحكم هذا قال فيه أبو زرعة: "ليس بذاك"، وقال الأزديُّ:"منكر الحديث"، وقال ابنُ عديّ:"هو قليل الرواية، وما تفرَّد به لا يتابعه الثقات عليه".
ولم يتفرد الحكم بنُ فُضَيل بإدخال الواسطة بين الأعمش وأبي صالح كما قال الطبرانيُّ (8)، بل تابعه: إبراهيم بنُ عثمان أبو شيبة، فرواه عن الأعمش، عن الحكم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا: "من نفس كربةً من كرب المسلم
…
إلى قوله: في عون أخيه". أخرجه أبو الشيخ في رواية الأقران ق 8/ 2 ومن طريقه أبو موسى المدينيُّ في اللطائف ج 1 / ق 7/ 1، قال: ثنا أحمد ابنُ صالح الواسطيُّ ومحمد بنُ جعفر الشعيريُّ. والطبرانيُّ في الأوسط ج 2 ق 292/ 2، قال: ثنا النعمان بنُ أحمد. قالوا: ثنا مقدَّم بنُ محمد بنِ يحيى: ثنا عمِّي: القاسم ابنُ يحيى، عن إبراهيم بنِ عثمان به. قال الطبرانيُّ: "لم يُدْخِل بين الأعمش وأبي صالح: الحكم، أحدٌ ممن روى هذا الحديث عن الأعمش، إلا أبو شيبة، ولا رواه عن أبي شيبة، إلا القاسم بن يحيى، تفرَّد به مقدم بن محمد" اهـ.
قلتُ: كذا قال الطبرانيُّ (9)، فكأنه لم يستحضر ما قاله في الموضع الأول! وشيخُ الطبراني: النعمان بنُ أحمد الواسطيُّ القاضي لم أجد له ترجمة، ولم يتفرَّد به كما رأيت، وأبو شيبة إبراهيم بنُ عثمان: واهٍ، اتفقوا على تضعيفه. فلا نحكم على رواية الأعمش بالانقطاع، أو أنه دلَّس بمثل هذه الأسانيد. والله أعلم.
(8) وتعقب شيخُنا الطبرانيَّ في ذلك وذكره في تنبيه الهاجد ج 1 / ص 93 - 94 / رقم 49.
(9)
وتعقبه شيخُنا في ذلك، وذكره في تنبيه الهاجد ج 1 / ص 221 - 222 / رقم 173.
فإن قيل: فإنَّ الحفاظَ قد يذكرون الروايةَ الضعيفةَ أو المنكرةَ في التدليلِ على إثباتِ الانقطاع أو التدليس.
قلتُ: نعم! هذا يقع منهم أحيانًا، ولكن إذا تأمَّلت وجدت أنهم لا يعتمدون على هذه الأسانيد وحدها، فلا بد من قرينةٍ أخرى ويكونُ الاعتمادُ عليها في الغالب، ثم يذكرون هذه الأسانيد الضعيفة على سبيل الاعتضاد، وإلا فلو كان الاعتماد في تضعيف السند الذي ظاهره الصحة على الأسانيد الواهية لعظم الخَطْبُ، وانتشرَ الفسادُ. وهذا لا يخفى إن شاء الله.
وأضرب لذلك مثالًا ليتضح المقام، وبالله التوفيق:-
فأخرج د 4765، حم 3/ 224، ك في المستدرك 2/ 148، هق 8/ 171 من طرق عن الأوزاعي، قال: حدثني قتادة، عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري، مرفوعًا:"سيكون في أمتي اختلافٌ وفُرقةٌ .. " وذَكَرَا حديثًا في صفة الخوارج.
قال الحاكمُ: "لم يسمع هذا الحديث: قتادةُ من أبي سعيد الخدري، إنما سمعه من أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد". ثم رواه الحاكمُ من طريق: أبي الجماهر محمد بنِ عثمان التنوخي، قال: ثنا سعيد بنُ بشير، عن قتادة، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد
…
ثم ذكر الحديث.
فها هو الحاكمُ يستدل على انقطاع الإسناد بين قتادة وأبي سعيد، برواية: سعيد بن بشير عن قتادة؛ مع أن الأوزاعيَّ أثبت مِنْ مائة مثل سعيد بن بشير.
وقد ذكر أهلُ المعرفة أن سعيد بنَ بشير منكرُ الحديث عن قتادة، فكيف يحكم بالانقطاع بروايته؟ فيقال: قد نصّ أهل المعرفة أنَّ قتادة، لم يسمع مِنْ صحابيِّ
غير أنس، واختلفوا في صحابيِّ آخر هو عبد الله بن سرجس.
فروى ابنُ أبي حاتم في المراسيل ص 168 عن الإمام أحمد، قال: ما أعلمُ قتادة روى عن أحدٍ مِنْ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا أنس. قيل فابن سرجس؟ فكأنه لم يره سماعًا. وقال ابنُ أبي حاتم ص 175: سمعتُ أبي يقول: "لم يلق قتادة من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا أنسًا وعبد الله بن سرجس". اهـ.
ونصَّ الحاكمُ في "المستدرك" أنَّ قتادةَ لم يسمع مِنْ صحابيٍّ غيرهما.
فإذا كان ذلك مستقرًا عند أهل العلم = فجاءت روايةٌ عن ثقةٍ عن قتادة، عن أبي سعيد، وأخرى عن ضعيف عن قتادة عن رجلٍ عن أبي سعيد، صوَّبُوا رواية الضعيف لهذه القرينة الظاهرة. والله أعلم. أما إذا لم تأت القرينة، وجاءت رواية الضعيف وحده فتكون أمارة فقط، لا دليلًا، وحينئذٍ يحكم بما يليق بالحال، وليست هناك قاعدةٌ ثابتةٌ يرجع إليها في ذلك. والله أعلم.
عَوْدٌ على بَدْءٍ:
وقال أبو موسى المديني في اللطائف 1/ 7 / 1 - 2: "هذا حديثٌ محفوظٌ من حديث الأعمش، واختُلِف عليه في إسناده فرواه: الثوريُّ وأبو معاوية وابنُ نمير وأبو أسامة ومحاضر، وغيرُ واحدٍ: عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، لم يذكروا: الحكم. ورُوِيَ عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أو أبي سعيد بالشك. ورُوِيَ عن أسباط بنِ محمد، عن الأعمش، قال: حُدِّثتُ عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وقيل عن أسباطٍ أيضًا، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة وأبي سعيد معًا. وتفرَّد بذكر "الحكم": القاسم بنُ يحيى ابنِ عطاء المقدمي عمُّ مقدَّم بنِ يحيى هذا، عن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان.
وللأعمش عن الحكم: أحاديثُ عِدَّة، عن غير أبي صالح". اهـ. وقد سبق الرد على بعض ما قاله أبو موسى رحمه الله.
وقال ابنُ أبي حاتم في علل الحديث 2/ 162 / 1979: "سألتُ أبا زرعة عن حديثٍ رواه جماعةٌ، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِنٍ كُرْبةً
…
"؟ قال أبو زرعة: منهم من يقولُ: الأعمش، عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. والصحيحُ: عن رجلٍ، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم". اهـ.
قلتُ: هكذا قال أبو زرعة رحمه الله!، ومن حفظ حجةٌ على من لم يحفظ، لا سيما ولا نعلمُ قدرَ هذا المخالف للجماعة من الضبطِ والإتقان، ورواية الجماعة أصحُّ. والله أعلم. ولبعضه طريقٌ آخر، تراه في الحديث التالي:
ذِكْرُ الله تعالى:
727/ 15 - (لا يقعدُ قومٌ يذكرون الله عز وجل إلا حفَّتْهُمُ الملائكةُ وغشيتهم الرحمةُ، ونزلتْ عليهمُ السَّكِينةُ، وذكرهُم اللهُ فيمن عنده).
(أخرجوه مِنْ طُرُقٍ: عن شعبة بن الحَجَّاج، قال: سمعتُ أبا إسحاق السبيعيّ، يُحَدِّتُ عن الأَغَرِّ أبي مُسلْمٍ، أَنَّهُ قال: أشهدُ على أبي هريرةَ وأبي سعيدٍ الخُدْرِيّ، أنهما شهدا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قال:
…
وذكر الحديث.
ورواه عن شعبة جماعةٌ مِنْ ثقاتِ أصحابه، منهم: محمد بنُ جعفر غندر، وأبو داود، وأبو الوليد الطيالسيان، وعبد الرحمن بنُ مهدي، وحفص بنُ عُمر، والنضر ابنُ
شُمَيل، ومسلم بنُ إبراهيم.
وتوبع شعبة. تابعه: سفيان الثوري (10)، ومعمر بنُ راشد، وعمار بنُ رزيق، وأبو الأحوص سلام بنُ سليم، وإسرائيل بنُ يونس، وشريك النَّخَعِي، ومحمد ابنُ طلحة، وعَمرو بنُ قيس، وإسماعيل بنُ حماد بنِ أبي سليمان، ومحمد بنُ جُحَادة، وعبد الملك بنُ أَبْجَر، وجابر بن يحيى الحضرميُّ.
وقد توبع الأغر. ولبعضه شواهد عن جماعة من الصحابة، منهم: عوف بنُ مالك، وابنُ عباس، وكعب بنُ عُجْرَةَ، وأبو الرَّدَيْنِ، ومسلمة بنُ مخلد، وابنُ عُمر (11)، وأنس بنُ مالك رضي الله عنهم). (صحيحٌ، (م -والسياق له-، حم، طي، يع، طب دعاء، هق أسماء، نعيم حلية، بغ)(التسلية / ح 63؛ تنبيه 11 / رقم 2308).
728/ 16 - (مَا مِنْ قومٍ يَذكُرُونَ الله إلا حَفَّتْ بهمُ الملائكةُ، وغَشِيَتْهُم الرحمةُ، ونَزَلَتْ عليهم السَّكِينَةُ، وذكرهم الله فِيمَنْ عنده).
(قال الترمذيُّ: ثنا محمد بنُ بشار: ثنا عبد الرحمن بنُ مهدي: ثنا سفيان -هو الثوري-، عن أبي إسحاق، عن الأغَرِّ أبي مُسلِم: أَنَّهُ شَهِدَ على أبي هريرة وأبي سعيد الخُدْرِيّ، أَنَّهما شهدا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أَنه قال:
…
وذكره). (قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقال أبو نعيم: غريبٌ من حديث الثوريّ، تفرَّد به عبدُ الرحمن. قال شيخُنا رضي الله عنه: وقد سبق أنَّ ابنَ مهدي رواه، عن شعبةَ. وروى عنه الروايتين معًا: الإمامُ أحمد. وتابعه عليه عن الثوريّ: زهير
(10) ويأتي حديثه في الرقم التالي.
(11)
وتقدم حديثه.
ابنُ حرب، وعبد الرحمن بنُ محمد بنِ منصور. فالروايتان محفوظتان. والله أعلم).
(حم، ت، البزار، طب دعاء، نعيم حلية)(التسلية / ح 63).
ومن الذِّكرِ تلاوةُ القرآن:
729/ 17 - (مَثَلُ المؤمِنِ الذي يقرأُ القرآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ، رِيحُها طَيِّبٌ، وطعمها طيِّبٌ. ومثل المؤمن الذي لا يقرأُ القرآنَ كمثل التَّمْرَةِ، لا رِيحَ لها، وطعمُها حُلْوٌ. ومثل المُنَافِقِ الذي يقرأُ القرآنَ مَثَلُ الرّيحَانَةِ، رِيحُها طيب وطعمُها مُرٌّ. ومثل المنافقِ الذي لا يقرأُ القرآن كمثل الحَنْظَلَةِ، ليس لها رِيحٌ وطعمُها مُرٌّ.
فائدة: قال الحافظُ ابنُ كثير في فضائل القرآن: ووجه مناسبةِ الباب لهذا الحديث أنَّ طِيبَ الرائحة دَارَ مع القرآن وُجُودًا وعَدَمًا، فدلَّ على شَرَفِهِ على ما سواهُ مِنَ الكلامِ الصَّادرِ مِنَ البَرِّ والفاجِرِ).
(رواه: همام بنُ يحيى، قال: ثنا قتادة: ثنا أنس، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، مرفوعًا به. ورواه عن همام.: هُدْبة بنُ خالد، وبهز بنُ أسد، وعفان بنُ مسلم، والطيالسي أبو داود، وأبو الوليد الطيالسي، وعبد الرحمن بنُ مهدي، وداود ابنُ شبيب. ووراه عن قتادة خلقٌ مِن أصحابه، منهم: أبو عوانة، وشعبة بنُ الحجاج، وأبان بنُ يزيد العطار، وسعيد بنُ أبي عروبة، ومعمر بنُ راشد، وأبو هلال الراسبي. وله طرق أخرى عن أبي موسى الأشعري عنه. وله شواهد عن بعض الصحابة، منهم: عليّ بن أبي طالب، وابن مسعود رضي الله عنهما. (صحيحٌ متفقٌ عليه) (خ، م، حم، ش، عبد، طي، حب، ابن أبي عاصم آحاد، البزار، فر صفة
المنافق، أبو الشيخ أمثال، ابن بشران، نعيم حلية، هق شعب، هق أسماء، الذهبي سير) (التسلية / ح 69؛ ابن كثير 1/ 253، 327؛ الفظائل / 264، 173).
شهود الملائكة صلاة الفجر وصلاة العصر:
730/ 18 - (الملائكةُ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُم: ملائكةٌ بالليلِ، وملائكةٌ بالنَّهارِ. وقال: يجتمعونَ في صلاةِ الفجرِ وصلاة العصرِ. ثم يَعْرُجُ إليهِ الذين باتُوا فِيكُم، فَيَسْأَلُهُم -وهو أعلَمُ-: كيفَ تركتُم عِبادِي؟ فقالوا: تركناهُم وهُم يُصَلُّون، وأَتَينَاهُم وهُم يُصَلُّون).
(رواه عبد الرزاق، قال: نا معمر، عن همام بنِ مُنَبِّه، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. ورواه عن عبد الرزاق هكذا: أحمد بنُ حنبل -واللفظُ له-، ومحمد بنُ رافع، وأحمد بنُ يوسف السلميُّ، وعبد الرحمن بنُ بشر بنِ الحكم. ورواه العباس ابنُ عبد العظيم العنبريُّ، عن عبد الرزاق، ولفظه كما في الحديث التالي). (حديثٌ صحيحٌ. ورواه: الإمامُ مالك (12)، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا. وللحديث طرق أخرى (13) عن أبي هريرة رضي الله عنه) (م، عو، حم، خز، السَّرَّاج، ابن منده توحيد، هق، هق أسماء، بغ)(التسلية / ح 64).
731/ 19 - (يَتَعَاقَبُون فِيكُم ملائكةُ الليلِ، وملائكةُ النَّهارِ، فيجتمعونَ في صلاةِ الفجرِ وصلاةِ العصرِ. ثم يَعْرُجُ إليه الذينَ بَاتُوا
(12) انظر حديثَهُ في أبواب: الإيمان والإسلام والإحسان.
(13)
ذكرتُ شيئًا منها في أبواب: التفسير وفضائل القرآن، وفي أبواب: الصلاة والمساجد / باب فضل صلاتي الفجر والعصر.
فِيكُم، فَيَسْأَلُهُم رَبُّهُم -وهو أعلَمُ بهم-: كيفَ تركتُم عِبادِي؟ قالوا: تركناهُم وهُم يُصَلُّون، وأَتَينَاهُم وهُم يُصَلُّون).
(حدَّث به ابنُ حبان في صحيحه 1736، قال: نا الحسن بنُ سفيان، قال: ثنا العباس بنُ عبد العظيم العنبريُّ، قال: ثنا عبد الرزاق، بسنده سواء كما مرَّ في الحديث السابق). (حديثٌ صحيحٌ)(حب)(التسلية / ح 64).
732/ 20 - (إنَّ الملائكةَ فِيكُم متعقبونَ: ملائكةٌ بالليلِ، وملائكةٌ بالنَّهارِ، ويجتمعونَ في صلاةِ الصبحِ وصلاةِ العصرِ، ثم يعرُجُونَ إلى الله تعالى، فَيُقَال: ما وجدتُم عبادِي يعملون؟ فيقولونَ: جئناهُم وهُم يُصَلُّون، وفَارقْنَاهُم وهم يُصَلُّون).
(حدَّث به: أبو نعيم 7/ 325، من طريق يونس بنِ محمد المُؤَدِّب، قال: ثنا الليث بنُ سعد، عن عَمرو بنِ الحارث، عن أبي يُونُس، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا به). (قال أبو نعيم: غريبٌ من حديثِ الليث بنِ سعد، عن عَمرو بنِ الحارث، صحيحٌ متفقٌ عليه من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه من غيرِ وجهٍ. اهـ. قال شيخُنا رضي الله عنه: وإسناده صحيحٌ، كما قال الحافظُ في الفتح 2/ 35)(نعيم حلية)(التسلية / ح 64).