الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدنيا سترحل إلى دار الجزاء، هل أنت مستعد للحساب؟ تحشرج الصدر وتتابعت الأنفاس {وجاءت سكرة الموت بالحق} وفاضت الروح إلى بارئها. أصبح الجسد خامدا ممدودا وأُخذ بك من فراشك إلى لوح مغتسلك فغسلك الغاسل وألبسك الأكفان وأوحش منك الأهل الجيران وبكى عليك الأصحاب والإخوان.
ضعوا خدي على لحدي ضعوه
…
ومن عفر التراب فوسدوه
وشقوا عنه أكفانا رقاقا
…
وفي الرمس البعيدة فغيبوه
وناداه البلا هذا فلان
…
هلموا فانظروا هل تعرفوه
حبيبكم وجاركم المفدى
…
تقادم عهده فنسيتموه
يا ابن آدم: أين الذي جمعته من الأموال وأعددته للشدائد والأهوال ولقد أصبح كفك منه عند الموت خالية صفرا، وبدّلت من بعد غناك وعزك ذلا وفقرا فكيف أصبحت يا رهين أوزاره ويا من سلب من أهله ودياره ما كان أخفى عليك سبيل الرشاد وأقل اهتمامك لحمل الزاد إلى سفرك البعيد وموقفك الصعب الشديد أو ما علمت يا مغرور أن لابد من الارتحال إلى يوم شديد الأهوال وليس ينفعك ثَمَّ قيل ولا قال بل يُعدّ عليك بين يدي الملك الديان ما بطشت اليدان ومشت القدمان ونطق به اللسان وعملت الجوارح والأركان، قال تعالى {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} الإسراء:36. فإن رحمك فإلى الجنات وإن كانت الأخرى فإلى النيران.
لقد أجرى الله تعالى سنته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بعث عليه فمن عاش على طاعته مخلصا عمله لله تعالى ومتبعا لهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه بإذن الله تعالى يموت على طاعة وينوَّر له في قبره بل ويصبح قبره روضة من رياض الجنة جزاء كل لحظة عاشها في طاعة الله عز وجل.
فاحرص أيها المسلم على اغتنام أوقاتك بالأعمال الصالحة والتوبة النصوح واستعد للموت في كل وقت واحذر من الذنوب والمعاصي ومن تضييع الأوقات فهي سبب الهلاك؛ قال صلى الله عليه وسلم ((إياكم ومحقرات الذنوب فإن مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم وإن محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه)) صحيح الجامع1/ 2686.
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذلك التقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
فيجب علينا إصلاح الأعمال قبل اخترام النفوس وحضور الآجال قبل أن تقول النفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وطاعة ذي الجلال كيف نغتر بالدنيا وقد أمدنا الله بعمر يتذكر فيه من تذكر وجاءا النذير. قد علمنا أن الآجال تنطوي والإنسان في كل لحظة يرحل ويسير وا عجبا لنا نضيع أوقاتنا وهي أنفس ما لدينا باللهو والبطالات، وقد جعلنا الدنيا كدار قرار وإنما هي دار العمل والتزود واغتنام الخيرات، نعرض عن مولانا وقت الرخاء والسراء ونلجأ إليه حين تصيبنا الضراء أعرضنا عن ذكره، آثرنا رضا المخلوقين على رضاه أخفينا الذنوب عن خلقه وبها جاهرناه، اعتصمنا بغيره وتركناه، ألهتنا الدنيا عن ذكره فنسيناه.
ماذا أقول لربي إذا ما قال لي يوما أما استحييت تعصيني
وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني، فما قولي له لمّا يعاتبني ويقصيني
**
(المسارعة إلى الجنة)
قال تعالى {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين} آل عمران: 133.
وصف الله تعالى الجنات في كتابه وصفا دقيقا يقوم مقام العيان في أكثر من سورة في القرآن وأكثر ذلك في سورة الواقعة، والرحمن، وهل أتاك حديث الغاشية، والإنسان، ويبين ذلك أيضا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأوضح بيان فنذكر هنا ما بلغنا من الأخبار الصحيحة.
إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشر بالجنة من آمن وعمل صالحا قال تعالى {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار} سورة البقرة: 25. والصحابة الكرام كانوا دائما يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الأعمال التي تدخل الجنة وهذا دليل على حرصهم عليها وعلى الأعمال التي تقربهم إليها ودخول الجنة هو الفوز الحقيقي، قال تعالى {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} آل عمران: 185. كما أن الإيمان وطاعة الله ورسوله من أهم أسباب دخول الجنة، قال تعالى {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم} النساء:13.
نعيم الجنة يفوق الخيال ولا يوصف قال تعالى في الحديث القدسي ((أعدت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)) رواه البخاري6/ 230، ومسلم: 2824، والجنة مسماها ليس مجرد الأشجار والأنهار والحور والقصور والذهب والفضة واللبن والخمر؛ وإنما مسمى الجنة الحقيقي اسم لدار النعيم المطلق الكامل وأعلى درجات النعيم هو التمتع بالنظر إلى وجه الله تعالى.
فهيا بنا لنمتع أنفسنا بوصف الجنة ونعيمها ونعيش فيها بأرواحنا ونحن في الدنيا ونشوّق قلوبنا لها لتعلو همتنا ونسارع في الخيرات لننعم بدخولها ..
1 -
الجنة دار الخلود، قال تعالى {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا} الطلاق:11. وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث ((ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت)) البخاري:4730، ومسلم:2849.
2 -
بناؤها: قال صلى الله عليه وسلم ((الجنة بناؤها لبنة من فضة، ولبنة من ذهب وملاطها المسك الأذفر)) صحيح الجامع1/ 3116.
3 -
أبوابها: قال تعالى {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب} ص: 50. وقال صلى الله عليه وسلم ((من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة)) رواه البخاري4/ 96، ومسلم: 1027.
4 -
ترابها قال صلى الله عليه وسلم ((تربتها الزعفران)) صحيح الجامع1/ 3116.
5 -
حصباؤها: قال صلى الله عليه وسلم ((وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت)) صحيح الجامع1/ 3116.
6 -
أشجارها: قال تعالى {ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا} الإنسان: 14. وقال صلى الله عليه وسلم ((إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد - أي الفرس - المضمر السريع مائة سنة ما يقطعها)) البخاري11/ 366، ومسلم: 2828.
7 -
أنهارها: قال تعالى {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى} محمد: 15. وقال صلى الله عليه وسلم ((
الكوثر نهر في الجنة؛ حافتاه من ذهب، ومجراه على الدرر والياقوت تربته أطيب ريحا من المسك، وماؤه أحلى من العسل وأشد بياضا من الثلج)) صحيح الجامع2/ 4615.
8 -
عيونها: قال تعالى {إن المتقين في جنات وعيون} الذاريات: 15. وقال تعالى {عينا فيها تسمى سلسبيلا} الإنسان: 18.
9 -
قصورها: قال صلى الله عليه وسلم ((دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب .. )) السلسلة الصحية:1405. وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث: ((فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من اللؤلؤ والزبرجد) البخاري:7517
10 -
مساكنها: قال تعالى {ومساكن طيبة في جنات عدن} التوبة: 72. وقال تعالى {لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار} الزمر: 20. وقال صلى الله عليه وسلم ((إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام)) صحيح الجامع1/ 2123. واعلم أخي المسلم أن هذه الغرف مختلفة في العلو والصفة بحسب اختلاف أصحابها في الأعمال فبعضها أعلى من بعض وأرفع قال صلى الله عليه وسلم ((إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تتراءون الكواكب في السماء)) البخاري11/ 356، مسلم: 2830. وقال صلى الله عليه وسلم ((الجنة مائة درجة مابين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلى الجنة، وأوسطها وفوقه عرش الرحمن، ومنها يتفجر أنهار الجنة فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس)) صحيح الجامع:1/ 3121. وقال صلى الله عليه وسلم ((يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه)) صحيح الجامع2/ 8821.
11 -
خيامها: قال تعالى {حور مقصورات في الخيام} الرحمن: 72، وقال صلى الله عليه وسلم ((إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا)) البخاري8/ 479، ومسلم:2838.
12 -
أسواقها: قال صلى الله عليه وسلم ((إن في الجنة سوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثوا في وجوههم وثيابهم) مسلم: 2833. وفي رواية أخرى ((فتحثو في وجوههم وثيابهم المسك، فيزدادون حسنا وجمالا فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا فيقول لهم أهلهم والله لقد ازددتم حسنا وجمالا فيقولون وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا)) مسلم:2833
13 -
جناتها: قال تعالى {ولمن خاف مقام ربه جنتان} الرحمن: 46. وقال تعالى {جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار} البينة: 8. وقال صلى الله عليه وسلم ((جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما)) صحيح الجامع1/ 3101.
14 -
فُرشها: قال تعالى {متكئين على فرش بطائنها من إستبرق} الرحمن: 54. أي: حرير، وقال تعالى {على سرر موضونة. متكئين عليها متقابلين} الواقعة: 15، موضونة: منسوجة من الذهب بإحكام.
15 -
آنيتها: قال تعالى {ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا. قوارير من فضة قدروها تقديرا} الإنسان: 15. قوارير من فضة: أي أنها من فضة يرى باطنها من ظاهرها كالزجاج. وقدروها تقديرا: أي على قدر ري الشاربين من غير زيادة ولا نقصان وذلك ألذ للشارب، وقال صلى الله عليه وسلم ((آنيتهم فيها الذهب)) البخاري6/ 230، 232 ومسلم: 2834، 15.
16 -
لباسهم وحليهم: قال تعالى {عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة} الإنسان: 21. وقال تعالى {ولباسهم فيها حرير} الحج: 23. وقال صلى الله عليه وسلم ((لو أن امرأة من أهل الجنة
اطلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها)) البخاري:2769. وقال صلى الله عليه وسلم ((لو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدى أساوره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم)) صحيح الجامع:2/ 5251. وقال صلى الله عليه وسلم ((أمشاطهم الذهب)) البخاري6/ 230، ومسلم: 2834، وقال تعالى {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا} الحج:23. وقال صلى الله عليه وسلم ((لا تبلى ثيابهم)) صحيح الجامع1/ 3116.
17 -
أزواجهم: قال تعالى {وزوجناهم بحور عين} الطور: 20. قال صلى الله عليه وسلم ((أزواجهم الحور العين وفي رواية: لكل واحد منهم زوجتان، يرى مخ ساقيها من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا)) البخاري:3245، مسلم: 2834،. وقال صلى الله عليه وسلم ((للشهيد عند الله سبع خصال .... ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين)) صحيح الجامع2/ 5182. وقال صلى الله عليه وسلم ((إ ن الرجل ليفضي في اليوم الواحد إلى مائة عذراء)) السلسلة الصحيحة:367، أما إذا اشتهى الولد، قال صلى الله عليه وسلم ((المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة كما يشتهي)) صحيح الجامع2/ 6649.
أما النساء في الجنة فيعطيهم الله تعالى أضعاف جمال الحور العين قال تعالى {إنا أنشأناهن إنشاءً فجعلناهن أبكارا. عربا أترابا} الواقعة: 35. فالله تعالى يعطي للرجال الحور العين وللنساء الجمال وهذا ما يشتهيه كل واحد منهما.
18 -
طعامهم: قال تعالى {ولهم فيها من كل الثمرات} محمد: 15. وقال تعالى {وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون} الواقعة: 20. قال تعالى {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين} الزخرف: 71. وقال صلى الله عليه وسلم ((إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون، قالوا: فما بال الطعام قال: جشاء أو رشح كرشح المسك)) مسلم:2835
19 -
شرابهم: قال تعالى {يسقون من رحيق مختوم. ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. ومزاجه من تسنيم عينا يشرب به المقربون} المطففين: 25. وقال تعالى {يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين. لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون} الصافات: 45. وقال تعالى {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} الإنسان: 21.
20 -
نعيمهم الأعظم: قال صلى الله عليه وسلم ((إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار؟ فيكشف الحجاب - أي يكشف الله تبارك وتعالى الحجاب بينهم وبينه فيرونه جل جلاله فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم)) رواه مسلم: 181.
فالجنة فيها كل ما يشتهيه المؤمن ويتمناه وهذا الوصف ليس على سبيل الحصر فلو وصفناها وصفا كاملا لما كفّت الكتب والأقلام ويكفي قول اله تعالى {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون. وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعلمون} الزخرف: 71. وقال صلى الله عليه وسلم ((إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي مناد إنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا)) رواه مسلم: 2837.
إن الطريق إلى الجنة طريق يحتاج إلى مجاهدة وصبر وعمل فالطريق ليس مفروشا بالورود والرياحين، قال تعالى {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} آل عمران:142. وقال صلى الله عليه وسلم ((حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات)) البخاري:6487،مسلم:2822. فلابد على كل مسلم أن يسارع في عمل الخيرات وترك المعاصي والشهوات ليحظى بجنة عرضها الأرض