الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيَخْتَلِفُ حُكْمُ الْكَافِرِ فِي حَالَةِ الْعَهْدِ عَنْهُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعَهْدِ:
فَفِي غَيْرِ حَالَةِ الْعَهْدِ يَجُوزُ قَتْل الْمُقَاتِلِينَ مِنَ الْكُفَّارِ، لأَِنَّ كُل مَنْ يُقَاتِل يَجُوزُ قَتْلُهُ.
(ر: أَهْل الْحَرْبِ ف 11)
وَلَا يَجُوزُ قَتْل النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِل بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَتْل الشُّيُوخِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْفَلَاّحَ الَّذِي لَا يُقَاتِل لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَل لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: (اتَّقُوا اللَّهَ فِي الْفَلَاّحِينَ الَّذِينَ لَا يَنْصِبُونَ لَكُمُ الْحَرْبَ) وَقَال الأَْوْزَاعِيُّ: لَا يُقْتَل الْحَرَّاثُ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ (1) .
(ر: جِهَادٌ ف 29) .
وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْعَهْدِ فَيُعْصَمُ دَمُ الْكَافِرِ وَمَالُهُ بِتَفْصِيلٍ فِي مُصْطَلِحَاتِ (أَهْل الذِّمَّةِ، مُسْتَأْمَنٌ، هُدْنَةٌ) .
الإِْكْرَاهُ عَلَى الْكُفْرِ:
7 -
مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ فَأَتَى بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَمْ يَصِرْ كَافِرًا لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ
(1) المغني 8 / 479.
مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (1) .
وَوَرَدَ أَنَّ عَمَّارًا رضي الله عنه أَخَذَهُ الْمُشْرِكُونَ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَقَال لَهُ النَّبِيُّ: إِنْ عَادُوا فَعُدْ (2) قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَرُوِيَ أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يُعَذِّبُونَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَاّ أَجَابَهُمْ إِلَاّ بَلَالاً فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول: أَحَدٌ أَحَدٌ (3)، وَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (4) ، وَلأَِنَّهُ قَوْلٌ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الإِْقْرَارِ (5) .
وَهَذَا أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، إِلَاّ أَنَّ لِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلَاتٍ وَقُيُودًا تَخْتَلِفُ مِنْ مَذْهَبٍ إِلَى مَذْهَبٍ وَبَيَانُهَا كَمَا يَأْتِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الإِْكْرَاهَ عَلَى الْكُفْرِ
(1) سورة النحل / 106.
(2)
حديث: " أن عمارًا أخذه المشركون. . . ". أخرجه الحاكم (2 / 357) وصححه ووافقه الذهبي.
(3)
حديث: " تعذيب بلال وقوله: أحد أحد. . . ". أخرجه البيهقي في السنن (8 / 209) .
(4)
حديث: " إن الله وضع عن أمتي الخطأ. . . ". أخرجه ابن ماجه (1 / 659) ، والحاكم (2 / 198) واللفظ لابن ماجه، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(5)
المغني 8 / 145 - 146، والبدائع 7 / 176 - 177، والدردير مع الدسوقي 2 / 369، والشبراملسي مع نهاية المحتاج 7 / 247، وأسنى المطالب 4 / 9.
لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إِكْرَاهًا تَامًّا (1)، جَاءَ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا:
إِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ تَعَالَى - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - أَوْ سَبَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَيْدٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِكْرَاهًا حَتَّى يُكْرَهَ بِأَمْرٍ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، فَإِذَا خَافَ عَلَى ذَلِكَ وَسِعَهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا أُمِرَ بِهِ (2) .
وَجَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَحَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ عَلَيْهِ: وَيُوَرِّي وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ، ثُمَّ إِنْ وَرَّى لَا يَكْفُرُ كَمَا إِذَا أُكْرِهَ عَلَى السُّجُودِ لِلصَّلِيبِ، أَوْ سَبِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَفَعَل وَقَال: نَوَيْتُ بِهِ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَمُحَمَّدًا آخَرَ غَيْرَ النَّبِيِّ، وَبَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً.
وَإِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ التَّوْرِيَةُ وَلَمْ يُوَرِّ كَفَرَ وَبَانَتْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ دِيَانَةً وَقَضَاءً، لأَِنَّهُ أَمْكَنَهُ دَفْعُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ وَوَجَدَ مَخْرَجًا عَمَّا ابْتُلِيَ بِهِ ثُمَّ لَمَّا تَرَكَ مَا خَطَرَ عَلَى بَالِهِ وَشَتَمَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كَانَ كَافِرًا، وَإِنْ وَافَقَ الْمُكْرِهَ فِيمَا أَكْرَهَهُ، لأَِنَّهُ وَافَقَهُ بَعْدَمَا وَجَدَ مَخْرَجًا عَمَّا ابْتُلِيَ بِهِ، فَكَانَ غَيْرَ مُضْطَرٍّ.
وَإِنْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ شَيْءٌ وَفَعَل مَا يَكْفُرُ بِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ لَمْ يَكْفُرْ وَلَمْ تَبِنْ زَوْجَتُهُ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً، لأَِنَّهُ تَعَيَّنَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَلَمْ
(1) البدائع 7 / 176.
(2)
تكملة فتح القدير والهداية 8 / 174 نشر دار إحياء التراث، وأشباه ابن نجيم ص 282.
يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ إِذْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ غَيْرُهُ (1) .
وَيَقُول الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْكُفْرَ مُحَرَّمٌ فِي نَفْسِهِ مَعَ ثُبُوتِ الرُّخْصَةِ بِهِ فَأَثَرُ الرُّخْصَةِ فِي تَغَيُّرِ حُكْمِ الْفِعْل وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ، لَا فِي تَغَيُّرِ وَصْفِهِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ، لأَِنَّ كَلِمَةَ الْكُفْرِ مِمَّا لَا يَحْتَمِل الإِْبَاحَةَ بِحَالٍ فَكَانَتِ الْحُرْمَةُ قَائِمَةً، إِلَاّ أَنَّهُ سَقَطَتِ الْمُؤَاخَذَةُ لِعُذْرِ الإِْكْرَاهِ (2) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (3) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَجُوزُ لِلْمُكْرَهِ الإِْقْدَامُ عَلَى الْكُفْرِ إِلَاّ إِذَا كَانَ الإِْكْرَاهُ بِالْقَتْل فَقَطْ، فَمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُقْتَل جَازَ لَهُ الإِْقْدَامُ عَلَى الْكُفْرِ مَا دَامَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإِْيمَانِ.
أَمَّا الإِْكْرَاهُ بِغَيْرِ الْقَتْل كَالضَّرْبِ وَقَتْل الْوَلَدِ وَنَهْبِ الْمَال وَقَطْعِ عُضْوٍ فَلَا يَجُوزُ مَعَهُ الإِْقْدَامُ عَلَى الْكُفْرِ، وَلَوْ فَعَل ذَلِكَ كَانَ مُرْتَدًّا (4) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُبَاحُ بِالإِْكْرَاهِ التَّكَلُّمُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مَا دَامَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإِْيمَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ} .
(1) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 83 - 84، وتكملة فتح القدير 8 / 174 - 176.
(2)
بدائع الصنائع 7 / 176 - 177، وتكملة فتح القدير 8 / 175.
(3)
سورة النحل / 106.
(4)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 369.