الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي وُجُوبِهَا فِي الْيَمِينِ اللَّغْوِ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَل.
وَفِي تَعَدُّدِ الْكَفَّارَاتِ بِتَعَدُّدِ الأَْيْمَانِ، وَفِي رَفْعِ الْكَفَّارَةِ الْحِنْثُ.
الْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ:
8 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل:
عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ (1) ، وَهُوَ قَوْل سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ وَأَهْل الْعِرَاقِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْل الشَّامِ (2) .
الْقَوْل الثَّانِي:
وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَكَمُ وَعَطَاءٌ وَمَعْمَرٌ (3) .
(1) البحر الرائق 4 / 301، 302، 303، 304، وبدائع الصنائع وترتيب الشرائع للكاساني 3 / 3 طبع دار الكتب العلمية - بيروت، التاج والإكليل لمختصر خليل مطبوع بهامش مواهب الجليل للحطاب 3 / 266، وكشاف القناع 6 / 235.
(2)
الجامع لأحكام القرآن 6 / 266، 267، وفتح الباري 11 / 566.
(3)
روضة الطالبين 11 / 3، وفتح الباري 11 / 566.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ مُعَارَضَةُ عُمُومِ الْكِتَابِ لِلأَْثَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَْيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} (1) ، تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ كَفَّارَةٌ لِكَوْنِهَا مِنَ الأَْيْمَانِ الْمُنْعَقِدَةِ.
وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: مِنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوَجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ (2) ، يُوجِبُ أَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَةٌ (3) . وَقَدِ اسْتَدَل كُل فَرِيقٍ بِأَدِلَّةٍ تُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ.
فَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الآْخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4) ، فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ عز وجل فِيهَا جَزَاءَ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ بِالْوَعِيدِ فِي الآْخِرَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً، فَلَوْ كَانَتِ الْكَفَّارَةُ فِيهَا وَاجِبَةً لَكَانَ الأَْوْلَى بَيَانَهَا، وَلأَِنَّ الْكَفَّارَةَ لَوْ وَجَبَتْ إِنَّمَا تَجِبُ لِرَفْعِ هَذَا الْوَعِيدِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الآْيَةِ
(1) سورة المائدة / 89.
(2)
حديث: " من اقتطع حق امرئ مسلم. . . ". أخرجه مسلم (1 / 122) من حديث أبي أمامة.
(3)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد 1 / 349 طبع المكتبة التجارية الكبرى.
(4)
سورة آل عمران / 77.
فَيَسْقُطُ جُرْمُهُ، وَيَلْقَى اللَّهَ - تَعَالَى - وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْوَعِيدَ الْمُتَوَعَّدَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا لَا يَقُول بِهِ أَحَدٌ (1) .
قَال القرطبي: وَكَيْفَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ، وَقَدْ جَمَعَ هَذَا الْحَالِفُ: الْكَذِبَ، وَاسْتِحْلَال مَال الْغَيْرِ، وَالاِسْتِخْفَافَ بِالْيَمِينِ بِاللَّهِ - تَعَالَى - وَالتَّهَاوُنَ بِهَا وَتَعْظِيمَ الدُّنْيَا؟ فَأَهَانَ مَا عَظَّمَهُ اللَّهُ، وَعَظَّمَ مَا حَقَّرَهُ اللَّهُ، وَحَسْبُكَ. وَلِهَذَا قِيل: إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْيَمِينُ غَمُوسًا لأَِنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ (2) .
وَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي هَذِهِ الآْيَةِ قَال: فَهَذِهِ الْيَمِينُ فِي الْكَذِبِ وَاقْتِطَاعِ الْحُقُوقِ، فَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهَا كَفَّارَةٌ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ السَّكْسَكِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ فَقَال: وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا كَذَا وَكَذَا، وَلَمْ يُعْطَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} (3) .
وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ كَذَلِكَ بِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي
(1) المبسوط 8 / 128، والجامع لأحكام القرآن 6 / 268، ومواهب الجليل والتاج والإكليل 3 / 266.
(2)
الجامع لأحكام القرآن 6 / 268.
(3)
المدونة الكبرى 3 / 100، 101، والآية من سورة آل عمران / 77.
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ عز وجل، وَقَتْل النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَبُهْتُ مُؤْمِنٍ، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَيَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالاً بِغَيْرِ حَقٍّ (1) . وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ؟ قَال: الْكَبَائِرُ: الإِْشْرَاكُ بِاللَّهِ قَال: ثُمَّ مَاذَا؟ قَال: ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ قَال: ثُمَّ مَاذَا؟ قَال: ثُمَّ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ قُلْتُ: وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَال الَّذِي يَقْتَطِعُ مَال امْرِئٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ (2) . فَفِي الْحَدِيثَيْنِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَةٌ لأَِنَّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم عَدَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ، وَالْكَبَائِرُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَإِنَّمَا كَفَّارَتُهَا التَّوْبَةُ مِنْهَا، فَكَذَلِكَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ حُكْمُهَا حُكْمُ مَا ذُكِرَتْ مَعَهُ (3) . وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ
(1) حديث: " خمس ليس لهن كفارة. . . ". أخرجه أحمد (2 / 362) وإسناده حسن.
(2)
حديث عبد الله بن عمرو: " الكبائر: الإشراك بالله. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 264) .
(3)
فتح الباري 11 / 566.