الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يُتَصَوَّرُ إِلَاّ فِي الْمُسْتَقْبَل (1) ، وَالْيَمِينُ فِي الْمُسْتَقْبَل يَمِينٌ مَعْقُودٌ سَوَاءٌ وُجِدَ الْقَصْدُ أَمْ لَا، وَوُجُوبُ الْحِفْظِ يَقْتَضِي الْمُؤَاخَذَةَ عِنْدَ عَدَمِهِ، فَوَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ. كَمَا اسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَخَذُوا حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ وَأَبَاهُ رضي الله عنه وَاسْتَحْلَفُوهُمَا أَنْ لَا يَنْصُرَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال صلى الله عليه وسلم: انْصَرِفَا، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ بِاللَّهِ عَلَيْهِمْ (2) . وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ: أَنَّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَمَرَ حُذَيْفَةَ بِالْوَفَاءِ رَغْمَ أَنَّهُ مُكْرَهٌ غَيْرُ قَاصِدٍ فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْقَصْدِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ (3) .
وَقَالُوا كَذَلِكَ: اللَّغْوُ مَا يَكُونُ خَالِيًا عَنِ الْفَائِدَةِ، وَالْخَبَرُ الْمَاضِي خَالٍ عَنْ فَائِدَةِ الْيَمِينِ فَكَانَ لَغْوًا، وَأَمَّا الْخَبَرُ فِي الْمُسْتَقْبَل فَإِنَّ عَدَمَ الْقَصْدِ لَا يَعْدَمُ فَائِدَةَ الْيَمِينِ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِأَنَّ الْهَزْل وَالْجِدَّ فِي الْيَمِينِ سَوَاءٌ (4) .
تَعَدُّدُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ:
10 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى
(1) بدائع الصنائع للكساني 3 / 4، والبحر الرائق 4 / 303.
(2)
حديث: " أن المشركين أخذوا حذيفة بن اليمان وأباه واستحلفوهما. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1414) .
(3)
المبسوط 8 / 130.
(4)
المبسوط 8 / 130.
أُمُورٍ شَتَّى بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَاحِدَةٍ، كَمَا لَوْ قَال: وَاللَّهِ لَنْ آكُل وَلَنْ أَشْرَبَ وَلَنْ أَلْبَسَ، فَحَنِثَ فِي الْجَمِيعِ فَكَفَّارَتُهُ وَاحِدَةٌ، لأَِنَّ الْيَمِينَ وَاحِدَةٌ وَالْحِنْثَ وَاحِدٌ، فَإِنَّهُ بِفِعْل وَاحِدٍ مِنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ يَحْنَثُ وَتَنْحَل الْيَمِينُ (1) .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا حَلَفَ بِأَيْمَانٍ شَتَّى عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ حَلَفَ بِأَيْمَانٍ شَتَّى عَلَى أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ.
أ -
الْحَلِفُ عَلَى الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً:
11 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَجِبُ بِالْحِنْثِ فِي الْحَلِفِ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً كَأَنْ قَال: وَاللَّهِ لَا أَفْعَل كَذَا، وَاللَّهِ لَا أَفْعَل كَذَا، ثُمَّ يَفْعَل الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل:
إِنَّهُ يَجِبُ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَاحِدَةٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْل قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ (2) . فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَال:(قُلْتُ) أَرَأَيْتَ إِنْ قَال: وَاللَّهِ لَا أُجَامِعُكِ، وَاللَّهِ لَا أُجَامِعُكِ، أَيَكُونُ عَلَى هَذَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَاحِدَةٍ فِي قَوْل مَالِكٍ؟ قَال: نَعَمْ (قُلْتُ) أَرَأَيْتَ الرَّجُل يَحْلِفُ أَنْ لَا يَدْخُل دَارَ فُلَانٍ، ثُمَّ يَحْلِفُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ: أَنَّهُ لَا يَدْخُل دَارَ فُلَانٍ لِتِلْكَ
(1) المدونة الكبرى 3 / 115، والمغني والشرح الكبير 11 / 211.
(2)
المدونة الكبرى 3 / 116.