الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَنْهِيِّ إِلَى فِعْلِهِ، فَلَا تَكْلِيفَ قَبْل الدَّاعِيَةِ، فَإِذَا قَال الشَّارِعُ: لَا تَزْنِ، وَالْغَرَضُ أَنَّ مَعْنَاهُ كُفَّ نَفْسَكَ مِنَ الزِّنَا لَزِمَ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ التَّكْلِيفُ قَبْل طَلَبِ النَّفْسِ لِلزِّنَا، لأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يَخْطُرْ طَلَبُهَا لِلزِّنَا كَيْفَ يُتَصَوَّرُ كَفُّهَا عَنْهُ؟ فَلَوْ طَلَبَ مِنْهُ كَفَّ النَّفْسِ فِي حَال عَدَمِ طَلَبِهَا طَلَبَ مَا هُوَ مُحَالٌ.
وَعَلَى هَذَا يَكُونُ نَحْوُ: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} (1) تَعْلِيقُ التَّكْلِيفِ، أَيْ إِذَا طَلَبَتْهُ نَفْسُكَ فَكُفَّهَا (2) .
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَسَّرَ أَكْثَرُ الأُْصُولِيِّينَ الْقَادِرَ الْمُوَجَّهَ إِلَيْهِ التَّكْلِيفُ بِأَنَّهُ إِنْ شَاءَ فَعَل وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَل، لَا إِنْ شَاءَ فَعَل وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَيَدْخُل فِي الْمَقْدُورِ عَدَمُ الْفِعْل إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِ الْمَشِيئَةِ، وَكَانَ الْفِعْل مِمَّا يَصِحُّ تَرَتُّبُهُ عَلَى الْمَشِيئَةِ، فَتُخْرَجُ الْعَدَمِيَّاتُ الَّتِي لَيْسَتْ كَذَلِكَ، فَالْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ لَيْسَ مُجَرَّدُ عَدَمِ الْفِعْل، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ (3) .
وَعَلَى ذَلِكَ فَكَفُّ النَّفْسِ فِعْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَمَل فِي الْمَأْمُورِ بِهِ، أَمَّا عَدَمُ الْفِعْل، فَكَانَ مُتَحَقِّقًا مِنْ قَبْل وَاسْتَمَرَّ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ أَصْلاً، كَمَا حَقَّقَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الشِّرْبِينِيُّ عَلَى حَاشِيَةِ
(1) سورة الإسراء / 32.
(2)
التقرير والتحبير 2 / 81.
(3)
نفس المرجع، وجمع الجوامع 1 / 69، 213، 214.
الْعَلَاّمَةِ الْبُنَانِيِّ (1) .
وَنَقَل ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ عَنِ السُّبْكِيِّ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى دَلِيلَيْنِ يَدُلَاّنِ عَلَى أَنَّ الْكَفَّ فِعْلٌ (2)، أَحَدُهُمَا قَوْله تَعَالَى:{وَقَال الرَّسُول يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (3) إِذِ الاِتِّخَاذُ افْتِعَالٌ، وَالْمَهْجُورُ الْمَتْرُوكُ.
وَالثَّانِي مَا رَوَاهُ أَبُو جُحَيْفَةَ السَّوَائِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: أَيُّ الأَْعْمَال أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَسَكَتُوا فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، قَال: هُوَ حِفْظُ اللِّسَانِ (4) .
وَتَفْصِيل الْمَوْضُوعِ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
تَرَتُّبُ الثَّوَابِ عَلَى كَفِّ النَّفْسِ
4 -
لَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَفَّ النَّفْسِ فِعْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ، وَمِنَ الْمُقَرَّرِ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ أَنَّ مُمْتَثِل التَّكْلِيفِ مُطِيعٌ، وَالطَّاعَةُ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلثَّوَابِ عَلَى مَا قَال تَعَالَى:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (5) وَقَال تَعَالَى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (6) .
(1) حاشية البناني مع جمع الجوامع 1 / 213.
(2)
التقرير والتحبير 2 / 82.
(3)
سورة الفرقان / 30.
(4)
حديث أبي جحيفة السوائي: " أي الأعمال أحب إلى الله. . . ". أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (4 / 245) وأورده المنذري في الترغيب (3 / 506) وقال: في إسناده من لا يحضرني الآن حاله.
(5)
سورة الأنعام / 160.
(6)
سورة النجم / 31.