الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ وَلَا كَيْفِيَّتِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ عُرِفَ بِالتَّوَاتُرِ وَالضَّرُورَةِ فَكَانَ يَقِينًا، وَلَكِنْ يُنْظَرُ فِي الْحَال فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى صِفَةٍ يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا أُقِرَّ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا كَإِحْدَى الْمُحَرَّمَاتِ بِالنَّسَبِ أَوِ السَّبَبِ أَوِ الْمُعْتَدَّةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَمْ يُقَرَّ (1) .
وَإِنْ أَسْلَمَ الْحُرُّ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ وَيُفَارِقَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لأَِمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِغَيْلَانَ لَمَّا أَسْلَمَ عَلَى تِسْعِ نِسْوَةٍ: أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا (2) .
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَلَمْ يُسْلِمِ الآْخَرُ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَ الآْخَرُ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (نِكَاحٌ وَإِسْلَامٌ ف 5) .
نِكَاحُ الْمُسْلِمِ كَافِرَةً وَنِكَاحُ الْكَافِرِ مُسْلِمَةً:
21 -
يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِمَّنْ لَا كِتَابَ
(1) بدائع الصنائع 2 / 310، والدسوقي 2 / 267، 269، والمهذب 2 / 53، والمغني 6 / 613.
(2)
المهذب 2 / 53، والمغني 6 / 620، والبدائع 2 / 314، والدسوقي 2 / 271 - 272. وحديث:" أمر النبي صلى الله عليه وسلم لغيلان. . . ". أخرجه البيهقي (7 / 183) وقال ابن حجر في التلخيص (3 / 169) : رجال إسناده ثقات
لَهَا مِنَ الْكُفَّارِ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (1) ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ (2) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ فِي تَحْرِيمِ نِسَائِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ.
وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ - كَمَا يَقُول الْكَاسَانِيُّ: إِنَّ ازْدِوَاجَ الْكَافِرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ مَعَهَا مَعَ قِيَامِ الْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ لَا يَحْصُل السَّكَنُ وَالْمَوَدَّةُ الَّتِي هِيَ قِوَامُ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ (3) .
50
22 -
وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ زَوَاجُ الْحَرَائِرِ مِنْ نِسَاءِ أَهْل الْكِتَابِ وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (4) ، وَلأَِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ تَزَوَّجُوا مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ فَتَزَوَّجَ عُثْمَانُ رضي الله عنه نَائِلَةَ بِنْتَ الْفَرَافِصَةِ الْكَلْبِيَّةِ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ وَأَسْلَمَتْ عِنْدَهُ، وَتَزَوَّجَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِيَهُودِيَّةٍ مِنْ أَهْل الْمَدَائِنِ (5) . وَإِنَّمَا جَازَ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ لِرَجَاءِ إِسْلَامِهَا،
(1) سورة البقرة / 221.
(2)
البدائع 2 / 270، والدسوقي 2 / 267، والمهذب 2 / 45، والمغني 6 / 592.
(3)
بدائع الصنائع 2 / 270.
(4)
سورة المائدة / 5.
(5)
بدائع الصنائع 2 / 270، والدسوقي 2 / 267، والمهذب 2 / 45، والمغني 6 / 589.
لأَِنَّهَا آمَنَتْ بِكُتُبِ الأَْنْبِيَاءِ وَالرُّسُل فِي الْجُمْلَةِ (1) .
وَمَعَ الْحُكْمِ بِجَوَازِ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ الزَّوَاجُ مِنْهَا، لأَِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَمِيل إِلَيْهَا فَتَفْتِنَهُ عَنِ الدِّينِ، أَوْ يَتَوَلَّى أَهْل دِينِهَا، فَإِنْ كَانَتْ حَرْبِيَّةً فَالْكَرَاهِيَةُ أَشَدُّ، لأَِنَّهُ لَا تُؤْمَنُ الْفِتْنَةُ أَيْضًا، وَلأَِنَّهُ يُكْثِرُ سَوَادَ أَهْل الْحَرْبِ، وَلأَِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُسْبَى وَلَدُهُ مِنْهَا فَيُسْتَرَقُّ.
وَقَدْ قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لِلَّذِينَ تَزَوَّجُوا مِنْ نِسَاءِ أَهْل الْكِتَابِ: طَلِّقُوهُنَّ فَطَلَّقُوهُنَّ إِلَاّ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه، فَقَال لَهُ عُمَرُ: طَلِّقْهَا قَال: تَشْهَدُ أَنَّهَا حَرَامٌ؟ قَال: هِيَ خَمْرَةٌ (2) طَلِّقْهَا، قَال: تَشْهَدُ أَنَّهَا حَرَامٌ؟ قَال: هِيَ خَمْرَةٌ، قَال: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهَا خَمْرَةٌ، وَلَكِنَّهَا لِي حَلَالٌ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ طَلَّقَهَا، فَقِيل لَهُ: أَلَا طَلَّقْتَهَا حِينَ أَمَرَكَ عُمَرُ؟ قَال: كَرِهْتُ أَنْ يَرَى النَّاسُ أَنِّي رَكِبْتُ أَمْرًا لَا يَنْبَغِي لِي (3) .
وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ أَيْضًا مَالِكٌ لأَِنَّهَا تَتَغَذَّى بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَتُغَذِّي وَلَدَهُ بِهِمَا، وَهُوَ يُقَبِّلُهَا وَيُضَاجِعُهَا وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ التَّغَذِّي، وَلَوْ تَضَرَّرَ بِرَائِحَتِهِ، وَلَا مِنَ الذَّهَابِ لِلْكَنِيسَةِ، وَقَدْ تَمُوتُ وَهِيَ حَامِلٌ
(1) بدائع الصنائع 2 / 270.
(2)
وفي بعض النسخ " جمرة ".
(3)
المهذب 2 / 45، والمغني 6 / 590، والدسوقي 2 / 267.
فَتُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ وَهِيَ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ (1) .
23 -
وَلَا يَجُوزُ لِلْكَافِرِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُسْلِمَةً لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} (2) ، وَلأَِنَّ فِي نِكَاحِ الْمُؤْمِنَةِ الْكَافِرَ خَوْفُ وُقُوعِ الْمُؤْمِنَةِ فِي الْكُفْرِ، لأَِنَّ الزَّوْجَ يَدْعُوهَا إِلَى دِينِهِ، وَالنِّسَاءُ فِي الْعَادَاتِ يَتْبَعْنَ الرِّجَال فِيمَا يُؤْثِرُونَ مِنَ الأَْفْعَال وَيُقَلِّدْنَهُمْ فِي الدِّينِ، وَقَدْ وَقَعَتِ الإِْشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ الآْيَةِ بِقَوْلِهِ عز وجل:{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} (3) ، لأَِنَّهُمْ يَدْعُونَ الْمُؤْمِنَاتِ إِلَى الْكُفْرِ، وَالدُّعَاءُ إِلَى الْكُفْرِ دُعَاءٌ إِلَى النَّارِ، لأَِنَّ الْكُفْرَ يُوجِبُ النَّارَ، فَكَانَ نِكَاحُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَةَ سَبَبًا دَاعِيًا إِلَى الْحَرَامِ فَكَانَ حَرَامًا، وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي الْمُشْرِكِينَ لَكِنَّ الْعِلَّةَ وَهِيَ الدُّعَاءُ إِلَى النَّارِ تَعُمُّ الْكَفَرَةَ أَجْمَعَ، فَيَعُمُّ الْحُكْمُ بِعُمُومِ الْعِلَّةِ (4) .
24 -
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي زَوَاجِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْمَجُوسِيَّةِ بِاعْتِبَارِ شَبَهِهَا بِأَهْل الْكِتَابِ.
كَمَا اخْتَلَفُوا فِي الزَّوَاجِ مِنَ السَّامِرَةِ وَالصَّابِئَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيِّ الْكَافِرَةِ
(1) الدسوقي 2 / 267.
(2)
سورة البقرة / 221.
(3)
سورة البقرة / 221.
(4)
بدائع الصنائع 2 / 271 - 272.