الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (1) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُل يُطِيل السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ (2) .
ثَانِيًا - الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى اسْتِعْمَال الْمِلْكِ
11 - وَضَعَتِ الشَّرِيعَةُ قُيُودًا عَلَى الْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ الاِسْتِعْمَال فَأَوْجَبَتْ عَلَى الْمَالِكِ:
أ - أَنْ لَا يَكُونَ مُبَذِّرًا مُسْرِفًا، وَلَا مُقَتِّرًا بَخِيلاً، قَال تَعَالَى:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيل وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (3) وَقَال سُبْحَانَهُ {وَلَا تَجْعَل يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُل الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (4) .
وَالآْيَاتُ وَالأَْحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَجَال كَثِيرَةٌ
(1) سورة البقرة / 172.
(2)
حديث: " أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا. . . ". أخرجه مسلم (2 / 703) .
(3)
سورة الإسراء / 26 - 27.
(4)
سورة الإسراء / 29.
تَدُل عَلَى حُرْمَةِ الإِْسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ وَتَضْيِيعِ الْمَال بِدُونِ فَائِدَةٍ حَتَّى فِي مَجَال الأَْكْل، يَقُول مُحَمَّدٌ بْنِ حَسَنٍ الشَّيْبَانِيُّ: ثُمَّ الْحَاصِل أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْءِ فِيمَا اكْتَسَبَهُ مِنَ الْحَلَال الإِْفْسَادُ، وَالسَّرَفُ، وَالتَّقْتِيرُ. . . ثُمَّ السَّرَفُ فِي الطَّعَامِ أَنْوَاعٌ: وَمِنْهُ الاِسْتِكْثَارُ فِي الْمُبَاحَاتِ وَالأَْلْوَانِ (1) .
ب - أَلَاّ يَسْتَعْمِل الْمَالِكُ مَا حَرَّمَهُ الشَّرْعُ، وَمِنْ ذَلِكَ حُرْمَةُ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَال وَاسْتِعْمَال الذَّهَبِ لَهُمْ وَاسْتِعْمَال أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلرِّجَال وَالنِّسَاءِ
ج - وُجُوبُ الاْسْتِنْمَاءِ فِي الْجُمْلَةِ وَعَدَمِ تَعْطِيل الأَْمْوَال حَتَّى تُؤَدِّيَ دَوْرَهَا فِي التَّدَاوُل وَالتَّعْمِيرِ، تَدُل عَلَى ذَلِكَ الآْيَاتُ وَالأَْحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي تُطَالِبُ بِالْعَمَل وَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَالزِّرَاعَةِ بِصِيَغِ الأَْوَامِرِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى:{هُوَ الَّذِي جَعَل لَكُمُ الأَْرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} (2) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَْرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْل اللَّهِ} (3) وَمِنَ الأَْحَادِيثِ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ
(1) الكسب للشيباني، تحقيق د. سهيل زكار، ط دمشق ص 79 - 82.
(2)
سورة الملك / 15.
(3)
سورة الجمعة / 10.
وَلَا يَتْرُكُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ (1) . كَمَا صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّ مَا لَا تَتِمُّ مَصَالِحُ الأُْمَّةِ إِلَاّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الْحِرَفَ وَالصَّنَائِعَ وَالتِّجَارَةَ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ لأَِنَّ قِيَامَ الدُّنْيَا بِهَا، وَقِيَامَ الدِّينِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا، حَتَّى لَوِ امْتَنَعَ الْخَلْقُ مِنْهُ أَثِمُوا، وَكَانُوا سَاعِينَ فِي إِهْلَاكِ أَنْفُسِهِمْ، لَكِنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ، فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى حَثٍّ عَلَيْهَا وَتَرْغِيبٍ فِيهَا (2) .
وَقَال مُحَمَّدٌ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ: ثُمَّ الْمَذْهَبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْكَسْبَ بِقَدْرِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَرِيضَةٌ (3) .
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (إِنْمَاءٌ ف 10 - 17) .
د - عَدَمُ الإِْضْرَارِ بِالْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ فِي اسْتِعْمَالِهِ مِلْكَهُ أَنْ يَقْصِدَ الإِْضْرَارَ بِالْغَيْرِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ (4) وَهَذَا
(1) حديث: " من ولي يتيمًا له مال. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 24) من حديث عبد الله بن عمرو، ثم قال: في إسناده مقال، لأن المثنى بن الصباح يضعف في الحديث.
(2)
مغني المحتاج 4 / 213، وإحياء علوم الدين 1 / 17، وتيسير التحرير 2 / 213.
(3)
الكسب ص 44، 63.
(4)
حديث: " لا ضرر ولا ضرار. . . ". أخرجه مالك في الموطأ (2 / 745) من حديث يحيى المازني مرسلاً، وذكر ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2 / 208 - 211) طرقه وخرجها، ونقل عن ابن الصلاح أنه حسنه لطرقه.
يَدُل عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الإِْضْرَارِ بِأَحَدٍ لَا فِي مَالِهِ، وَلَا فِي نَفْسِهِ وَلَا فِي عِرْضِهِ.
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ مُقَابَلَةُ الضَّرَرِ بِالضَّرَرِ وَالإِْتْلَافِ بِالإِْتْلَافِ، فَكُل تَصَرُّفٍ - وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الْمَالِكِ - يُمْنَعُ إِذَا أَدَّى إِلَى الإِْضْرَارِ بِالآْخَرِينَ، وَلِذَلِكَ مَنَعَ الْفُقَهَاءُ الْمَالِكَ مِنْ إِشْعَال النَّارِ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، مَا دَامَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِحْرَاقُ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَال الْجِيرَانِ، حَيْثُ يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّيًا، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ (1) .
12 -
وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي مَنْعِ الْجَارِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الإِْضْرَارُ بِالْجَارِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، وَهُمْ مُتَقَدِّمُو الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُ مَا دَامَ فِيهِ قَصْدُ الإِْضْرَارِ، أَوْ كَانَ الضَّرَرُ فَاحِشًا، وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ، وَأَحْمَدُ
(1) المبسوط للسرخسي (15 / 12) ، وفتح القدير 5 / 506، وحاشية ابن عابدين 5 / 443، ونهاية المحتاج 5 / 327، والقوانين الفقهية ص 370، والمغني لابن قدامة 4 / 388.