الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الثالث
الباب السادس موضوعات القران الكريم
تمهيد
لقد كان محمد أميّا لا يعرف أن يقرأ، ولا يعرف أن يكتب، ما فى ذلك شك، يدلك على ذلك اتخاذه بعد أن أوحى إليه كتّابا يكتبون عنه الوحى، منهم:
أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، والزبير بن العوام، وأبى بن كعب بن قيس، وزيد بن ثابت، ومعاوية ابن أبى سفيان، ومحمد بن مسلة، والأرقم بن أبى الأرقم، وأبان بن سعيد بن العاص، وأخوه خالد بن سعيد، وثابت بن قيس، وحنظلة بن الربيع، وخالد بن الوليد، وعبد الله بن الأرقم، والعلاء بن عتبة، والمغيرة بن شعبة، وشرحبيل بن حسنة، وكان أكثرهم كتابة عنه: زيد بن ثابت، ومعاوية.
كما يدلك على ذلك أيضا ما ذكره المؤرخون عند الكلام على غزوة «أحد»
أن العباس، وهو بمكة، كتب إلى النبى كتابا يخبره فيه يتجمع قريش وخروجهم، وأن العباس أرسل هذا الكتاب مع رجل من بنى غفار، وأن النبى حين جاءه الغفارى بكتاب العباس استدعى أبىّ بن كعب- وكان كاتبه- ودفع إليه الكتاب يقرؤه عليه، وحين انتهى «أبىّ» من قراءة الكتاب استكتمه النبى.
ولو كان النبى غير أمى لكفى نفسه دعوة «أبىّ» لقراءة كتاب العباس فى أمر ذى بال.
وثمة ثالثة نزيدك دليلا ثالثا يذكرها المؤرخون أيضا مع وفود وفد ثقيف على النبى،
فلقد سألوا النبى حين أسلموا أن يكتب لهم كتابا فيه شروط. فقال لهم: أكتبوا ما بدا لكم ثم ائتونى به، فسألوه فى كتابهم أن يحل لهم الربا والزنى فأبى على بن أبى طالب أن يكتب لهم. فسألوا خالد بن سعيد بن العاص أن يكتب
لهم. فقال له على: تدرى ما تكتب؟ قال: أكتب ما قالوا ورسول الله أولى بأمره. فذهبوا بالكتاب إلى رسول الله، فقال للقارىء: أقرأ، فلما انتهى إلى الربا، قال له الرسول: ضع يدى عليها، فوضع يده، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا ثم محاها، فلما بلغ الزنى وضع يده عليها وقال: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ثم محاها، وأمر بكتابنا أن ينسخ لنا.
ولقد عثر الباحثون على الكتابين المرسلين من النبى إلى المقوقس وإلى المنذر ابن ساوى، والكتاب الأول محفوظ فى دار الآثار النبوية فى الآستانة، وكان قد عثر عليه عالم فرنسى فى دير بمصر قرب أخميم، والكتاب الثانى محفوظ بمكتبة فينا.
ومن قبل هذه الادلة يقول تعالى فى الرسول: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ويقول تعالى فى الرسول أيضا: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ.
ولم تكن البيئة العربية على هذا بيئة كاتبة قارئة، بل كان ذلك فيها شيئا يعد ويحصى، وكان حظ المدينة من ذلك دون حظ مكة، ولم يكن فى المدينة حين هاجر إليها الرسول غير بضعة عشر رجلا يعرفون الكتابة، منهم: سعيد بن زرارة، والمنذر بن عمرو، وأبى بن وهب، وزيد بن ثابت، ورافع بن مالك، وأوس ابن خولى. ولقد أحس الرسول ذلك بعد هجرته إلى المدينة، فكان أول ما فعله بعد انتصاره فى بدر وأسره من أسر من رجال قريش القارئين الكاتبين، أن يجعل فدية هؤلاء أن يعلّم كل رجل منهم عشرة من صبيان المدينة، وبهذا بدأت الكتابة تروج سوقها فى المدينة.
حتى إذا كان عهد عمر بن الخطاب أمر بجمع الصبيان فى المكتب، وأمر عبد عامر بن عبد الخزاعى أن يتعهدهم بالتعليم، وجعل له رزقا على ذلك يتقاضاه من بيت المال.
وكان المعلّم يجلس للصبيان بعد صلاة الصبح إلى أن يرتفع الضحى، ومن بعد صلاة الظهر إلى صلاة العصر.
وحين خرج عمر إلى الشام وغاب عن المدينة شهرا استوحش إليه الناس، وخرج صبيان المكتب للقائه على مسيرة يوم من المدينة، وكان ذلك يوم الخميس، ورجعوا معه إلى المدينة يوم الجمعة، وقد انقطعوا عن المكتب يومين أجازهما لهم عمر، وكانت بعد ذلك عادة متبعة.
وحين اختار الله لرسالته محمدا اختار فيه صفات كريمة أمده بها وطبعه عليها، فوهبه نفسا قوية، وروحا عالية، وقلبا كبيرا وذهنا، وقادا وبصيرة نفاذة، ولسانا مبينا، وفكرا واعيا، ووهبه صدق لسان، وطهارة ذيل، وعفة بصر، وأمانة يد، ورحمة قلب، ورقة وجدان، ونبل عاطفة، ومضاء عزيمة، ورحمة للناس جميعا.
وكان اختيار الله له أميّا لا يقرأ ولا يكتب يضيف إلى إذعان الناس له، وإيمانهم برسالته سببا يفسره تعالى فى قوله: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [العنكبوت: 48] ويبينه صدور هذا الوحى على لسانه يتلوه على قومه بكرة وعشيّا، لا تبديل فيه ولا تغيير، وما يقوى على مثلها إلا من يملك أسفارا يعود إليها ليستظهر ما فيها.
وليس فى منطق الرسالات أن تكون الحجة للناس عليها، بل هى لا تطالع الناس إلا والحجة لها عليهم، كما لا تطالعهم إلا وفى صفحاتها الجواب عن كل ما يصوره لهم تصورهم، تحوط السماء رسالاتها بهذا كله لكيلا يكون للناس على الله حجة، وليكون منطق الرسالات من منطق الناس، لا تلتوى عليهم الرسالة فيلتووا هم عليها.
ولم يكن اختيار محمد قارئا وكاتبا شيئا يعز على السماء، ولكنه كان شيئا إن
ثمّ يهوّن من حجة السماء فى نفوس الناس، وكانوا عندها يملكون أن يقولوا باطلا ما حرص القرآن على ألا يقولوه: من أن هذا الذى جاء به الرسول أخذه من أسفار سابقة.
وهذه التى تبينها السلف من قبل فأذعنوا لها عن وعى وبصر- وأعنى بها أمية الرسول- أراد أن يثيرها نفر من الخلف من بعد ليخرجوا على حجة السماء عن غير وعى ولا بصر.
غير أننا نفيد من هذا الذى يريد الخلف أن يثيروه تأكيد المعنى الذى قدمناه من أن حجة السماء تجىء أشمل ما تكون بشكوك العقول، محيطة بكل ما يصدر عنهم فيها، يستوى فى ذلك أولهم وآخرهم.
وقد ننسى مع هؤلاء المخالفين الطاعنين تقرير القرآن الصادق عن أمية محمد والأدلة القائمة فى ظل القرآن على ذلك، قد ننسى هذا وذاك لنسائلهم: أى جديد يفيدهم هذا- إن صح- وقد مضى على رسالة محمد ما يقرب من أربعة عشر قرنا خطا فيها العلم والبحث خطوات سريعة وما وجدنا شيئا ينال من هذه الرسالة من قرب أو من بعد، جهر به أو أسر من يريدون أن يجعلوا محمدا قارئا كاتبا، وأن يجعلوا من هذا سببا إلى أنه نقل عن أسفار سابقة.
ولقد كان نزول الوحى فى السابع عشر من رمضان، من السنة الحادية والأربعين من ميلاد الرسول، وأن قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ يشير إلى ذلك، فالتقاء الجمعين- أعنى المسلمين والمشركين ببدر- كان فى السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة، وفى مثلها من السنة الحادية والأربعين من مولده كان ابتداء نزول الفرقان.
ينضم إلى هذه الآية قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ [البقرة: 85] .
وهذا الكتاب الكريم الذى أوحى الله تعالى به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم منذ أن تلقاه المسلمون عن رسولهم وهم به معنيون، عنى به الأولون عناية جمع، ثم عنى به اللاحقون عناية دراسة، وقد تمخضت هذه النظرات الكثيرة عن علوم مختلفة حول القرآن، اتسعت لها مؤلفات كثيرة فى مجلدات ضخمة، وفيما يلى إجمال لهذا كله، مع كل موضوع كلمته. وهذه الموضوعات مرتبة على حروف الهجاء كى يسهل الرجوع إليها.