الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
13-
التجنيس، كقوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلهِ النَّاسِ الناس: 1- 3.
14-
كونه أهم من الضمير، كقوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى البقرة: 282.
15-
كون ما يصلح للعود ولم يسق الكلام له، كقوله تعالى: حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ الأنعام: 124.
16-
الإشارة إلى عدم دخول الجملة فى حكم الأولى، كقوله تعالى: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ الشورى: 24، فإن (يمح) استئناف وليس عطفا على الجواب، لأن المعلق على الشرط عدم قبل وجوده.
(50) خط المصحف:
من الناظرين فى رسم القرآن فريق صرفهم الإجلال له عن أن يفصلوا بين ما هو وحى من عند الله حرك به لسان رسوله، وبين ما صوره كتاب الرسول حروفا وكلمات.
وأنت تعرف أن الكلمة الواحدة قد تختلف صورة رسمها على أيدى كتبة يستملون عن ممل واحد، إذا اختلفت طرق تلقيهم للإملاء، غير أنهم حين ينطقون هذه الكلمة يجمعون على نطق واحد.
وما من شك فى أن القرآن الكريم تعرض رسمه لهذا الخلاف، وكان حفظ الله له فى بقاء حفظته، يعى الناس عنهم أكثر ما يعون عن القراءة، وكانوا بهذا مطمئنين، وحين عدت العاديات على الحفظة بدأ الخوف يدب، وبدأ تفكير الصحابة يتجه إلى ما هو أبقى، أعنى جمع القرآن مكتوبا.
وكانت محاولة أبى بكر وعمر التى مرت بك، واجتمع للناس قرآنهم مكتوبا،
وبدأ شغلهم بما هو متلو أو يعادله، وأخذ الرسم يملى برسمه، ويقومه الحفظ، فى فترة لم يكن الصحابة فيها أبعدوا كثيرا عن فترة نزول القرآن.
وما كانت الأمة العربية عهد كتابة الوحى أمة عريقة فى الكتابة، وما كان كتاب النبى إلا صورة من العصر البادىء فى الكتابة، ولم تكن الكتابة العربية على حالها اليوم من التجويد والكمال إملاء ورسما. ونظرة فى رسم المصحف، وما يحمل من صور إملائية تخالف ما استقر عليه الوضع الإملائى أخيرا، تكشف لك عما كان العرب عليه إملاء، وعما أصبحنا عليه نحن إملاء.
وقد لا يفوتك أن الخط العربى، عصر كتابة الوحى إلى أيام عبد الملك بن مروان، لم يكن عرف النقط المميز للحروف فى صورته الأخيرة، كما لم يكن عرف شكل الكلمات، وبقى المصحف المرسوم ينقصه الشكل وعاش يحميه حفظ الحفاظ من اللحن.
وللسلف والخلف فى مرسوم المصحف آراء نجملها فيما يلى:
يقول السلف: إن الخط ثلاثة أقسام:
1-
خط يتبع به الاقتداء اللفى، وهو رسم المصحف.
2-
خط جرى على ما أثبته اللفظ وإسقاط ما حذفه، وهو خط العروض، فيكتبون التنوين ويحذفون همزة الوصل.
3-
خط جرى على العادة المعروفة، وهو الذى يتكلم عليه النحو.
ويقول ابن درستويه: خطان لا يقاس عليهما: خط المصحف. وخط تقطيع العروض.
ويقول الفراء: إتباع المصحف، إذا وجدت له وجها من كلام العرب وقراءة القرآن، أحب إلى من خلافه.
ويقول الشيخ عز الدين عبد السلام: لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة، لئلا يوقع فى تغيير من الجهال، ولكن لا ينبغى إجراء
هذا على إطلاقه لئلا يؤدى إلى دروس العلم، وشىء أحكمته القدماء لا تترك مراعاته لجهل الجاهلين.
وقال البيهقى: من كتب مصحفا فينبغى أن يحافظ على الهجاء التى كتبوا بها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغير مما كتبوه شيئا.
ويقال: اتباع حروف المصاحف كالسنن القائمة التى لا يجوز لأحد أن يتعداها.
وسئل مالك رحمه الله تعالى: أرأيت من استكتب مصحفا اليوم، أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء؟ فقال: لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى. فسأله السائل عن نقط القرآن، فقال: أما الإمام من المصاحف فلا أرى أن ينقط، ولا يزاد في المصاحف ما لم يكن فيها، وأما المصاحف التى يتعلم فيها الصبيان، فلا أرى بذلك بأسا.
وقال الإمام أحمد: تحرم مخالفة خط مصحف عثمان فى: واو، أو ألف، أو ياء، أو غير ذلك.
وقال صاحب فتح الرحمن: فما كتبوه فى المصاحف بغير ألف فواجب أن يكتب بغير ألف، وما كتبوه بألف كذلك، وما كتبوه متصلا فواجب أن يكون متصلا، وما كتبوه منفصلا فواجب أن يكتب منفصلا، وما كتبوه بالتاء فواجب أن يكتب بالتاء، وما كتبوه بالهاء فواجب أن يكتب بالهاء، ومن خالف فى شىء من ذلك فقد أثم.
وقال ابن القاضى المغربى: لا يلتفت إلى اعتلال من قال: إن العامة لا تعرف مرسوم المصحف، ويدخل عليهم الخلل فى قراءتهم فى المصحف إذا كتب على المرسوم العثمانى، فهذا ليس بشىء، لأن من لا يعرف المرسوم من الأمة يجب عليه ألا يقرأ فى المصحف
حتى يتعلم القراءة على وجهها ويتعلم مرسوم الصحف، فإن فعل غير ذلك فقد خالف ما اجتمعت عليه الأمة.
والقائلون بالتزام الرسم الأول يرون لذلك حكما خفية، وأن هذه الأحرف إنما اختلفت حالها زيادة أو نقصا فى الخط بسبب اختلاف أحوال معانى كلماتها.
1-
الزائد: وفيه أقسام:
(أ) زيادة الألف، وهى إما أن تزاد من أول الكلمة أو من آخرها، أو من وسطها.
1-
فمن زيادتها أولا، وتكون بمعنى زائد بالنسبة إلى ما قبله فى الوجود قوله تعالى: لَأَذْبَحَنَّهُ النمل: 21، و (ولا أوضعوا خلالكم) التوبة: 47، فقد زيدت الألف تنبيها على أن المؤخر أشد فى الوجود من المقدم عليه لفظا، فالذبح أشد من العذاب، يعنى قوله تعالى فى أول الآية: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً والإيضاح أشد إفسادا من زيادة الخيال، يعنى قوله تعالى فى أول الآية: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا واختلفت المصاحف فى حرفين، وهما:(لا لإلى الجحيم) الصافات: 68، و (لا لإلى الله تحشرون) آل عمران:158.
فمن رأى أن مرجعهم إلى الجحيم أشد من أكل الزقوم وشرب الحميم، يعنى قوله تعالى: أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
…
الصافات: 64، وثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ الصافات: 67، وأن حشرهم إلى الله أشد عليهم من موتهم أو قتلهم فى الدنيا، يعنى قوله تعالى: وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ، أثبت الألف، ومن لم ير ذلك، لأنه غيب عنا، فلم يستو القسمان فى العلم بهما، لم يثبت، وهو أولى.
2-
ومن زيادتها آخرا، وهذا يكون باعتبار معنى خارج عن الكلمة
يحصل فى الوجود لزيادتها بعد الواو فى الأفعال، نحو:(يرجو) ، و (يدعو) ، وذلك لأن الفعل أثقل من الاسم فى الوجود، والواو أثقل حروف المد، واللين، والضمة أثقل الحركات، والمتحرك أثقل من الساكن، فزيدت الألف تنبيها على ثقل الجملة، وإذا زيدت مع الواو التى هى لام الفعل، فمع الواو التى هى ضمير الفاعلين أولى، لأن الكلمة جملة، مثل:(قالوا) و (عصوا) ، إلا أن يكون الفعل مضارعا وفيه النون علامة الرفع، فتختص الواو بالنون، التى هى من جهة ثمام الفعل، إذ هى إعرابه، فيصير ككلمة واحدة وسطها واو، كالعيون والسكون، فإن دخل ناصب أو جازم، مثل: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا البقرة: 24، أثبتت الألف.
3-
ومن زيادتها وسطا، وهذه تكون لمعنى فى نفس الكلمة ظاهرا، مثل:(وجاىء يومئذ بجهنم) الفجر: 23، فقد زيدت الألف دليلا على أن هذا المجىء هو بصفة من الظهور ينفصل بها معهود المجىء، وقد عبر عنه بالماضى، ولا يتصور إلا بعلامة من غيره ليس مثله، فيستوى فى علمنا ملكها وملكوتها فى ذلك المجىء، هذا بخلاف حال وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ الزمر: 69، حيث لم تكتب الألف، لأنه على المعروف فى الدنيا.
(ب) زيادة الواو:
زيدت للدلالة على ظهور معنى الكلمة فى الوجود، فى أعظم رتبة فى العيان.
وهذا مثل قوله تعالى: سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ الأعراف: 145، وقوله تعالى:
سَأُرِيكُمْ آياتِي الأنبياء: 37، وهذا يدل على أن الآيتين جائتا للتهديد والوعيد.
(ج) زيادة الياء:
زيدت لاختصاص ملكوتى باطن، وهذا فى تسعة مواضع، وهى:
1-
أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ آل عمران: 144، ومِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ الأنعام: 14، ومِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي يونس: 15، ووَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى النحل:
90، ووَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ طه: 130، وأَ فَإِنْ مِتَّ الأنبياء: 34، ومِنْ وَراءِ حِجابٍ الشورى: 51، وو السماء بنيناها بأييد الذاريات: 47 وهذه كتبت بياءين فرقا بين «الأيد» الذى هو القوة، وبين «الأيدى «جمع يد» .
ولا شك أن القوة التى بنى الله بها السماء هى أحق بالثبوت فى الوجود من «الأيدى» وبأييكم المفتون ن: 6، كتبت بياءين تخصيصا لهم بالصفة، لحصول ذلك وتحققه فى الوجود، فإنهم هم المفتونون دونه، فانفصل حرف (أى) بياءين لصحة هذا الفرق بينه وبينهم قطعا، لكنه باطن، فهو ملكوتى.
2-
الناقص، وهو ما ينقص عن اللفظ، وهو أقسام:
(ا) نقص الألف. فكل ألف فى كلمة لمعنى له تفصيل فى الوجود، له اعتباران. اعتبار: من جهة ملكوتية، أو صفات حالية أو أمور علوية مما لا يدركه الحس، فإن الألف تحذف فى الخط علامة لذلك، واعتبار من جهة ملكية حقيقية فى العلم، أو أمور سفلية، فإن الألف تشبت، وأعتبر هذا فى لفظىّ: القرآن، والكتاب، فإن القرآن هو تفصيل الآيات التى أحكمت فى الكتاب، فالقرآن أدنى إلينا فى الفهم من الكتاب، وأظهر فى التنزيل، ولذلك تثبت فى الخط ألف القرآن، وحذفت ألف الكتاب.
(ب) نقص الواو وهذا اكتفاء بالضمة قصدا للتخفيف، فإذا اجتمع واوان والضم، فتحذف الواو التى ليست عمدة وتبقى العمدة، سواء كانت الكلمة فعلا، مثل:
لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ الإسراء: 7، أو صفة مثل: الْمَوْؤُدَةُ التكوير: 8، أو اسما مثل:(داود) إلا أن ينوى كل واحد منهما فتثبتان جميعا، مثل:
تَبَوَّؤُا الحشر: 9، فإن الواو الأولى تنوب عن حرفين لأجل الإدغام، فنويت فى الكلمة، والواو الثانية ضمير الفاعل، فثبتا جميعا.
3-
نقص الياء اكتفاء بالكسرة، وهذا ضربان:
(ا) ضرب محذوف فى الخط ثابت فى التلاوة.
(ب) ضرب محذوف فيهما.
ويلحق بهذا الباب أشياء، منها:
1-
كتابة الألف واوا على سبيل التفخيم، فى نحو (الصّلوة) و (الزّكواة) .
2-
مد التاء وقبضها، وذلك لأن هذه الأسماء لما لازمت الفعل صار لها اعتباران:
(ا) أحدهما من حيث هى أسماء وصفات، وهذه تقبض فيها التاء.
(ب) والثانى من حيث أن يكون مقتضاها فعلا أو أثرا ظاهرا فى الوجود، وهذه تمد فيها التاء، كما تمد فى: قالت، وحفت.
3-
الفصل والوصل:
(ا) فالموصول فى الوجود توصل كلماته فى الخط، كما توصل حروف الكلمة الواحدة.
(ب) والمفصول معنى فى الوجود يفصل فى الخط، كما تفصل كلمة عن كلمة، مثل (إنما) بالكسر، فهى موصولة كلها إلا فى موضع واحد، وهو قوله تعالى: إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ الأنعام: 134، لأن حرف «ما» هنا وقع على مفصل، فمنه خير موعود به لأهل الخير، ومنه شر موعود به
لأهل الشىء فمعنى «ماء» مفصول فى الوجود والعلم.
وكذلك وصلوا (الم) و (المر) و (الر) لأنه ليس هجاء لاسم معروف، وإنما هى حروف اجتمعت يراد بكل حرف فيها معنى.
وقطعوا (حم عسق) ولم يقطعوا (كهيعص) ، لأن (حم) قد جرت فى أوائل سبع سور فصارت اسما للسورة فقطعت مما قبلها، أو جوزوا فى (ق والقرآن) و (ص القرآن) وجهين، من جزمهما فهما حرفان ومن كسر آخرهما فعلى أنه أمر كتب على لفظهما.
4-
الحروف المتقاربة: تختلف لفظا باختلاف المعنى، مثل قوله تعالى:
وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ البقرة: 247، وقوله تعالى: يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ الرعد: 26، وقوله تعالى: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ البقرة: 245، فبالسين السعة الجزئية، كذلك علة التقييد، وبالصاد السعة الكلية، بدليل علو معنى الإطلاق، وعلو الصاد مع الجهارة، والإطباق.
هذا مجمل ما قيل على ألسنة الملتزمين للرسم العثمانى. وإليك مجمل ما يقوله غيرهم، وهم من المحدثين، فهم يقولون:
1-
قد كتب المصحف فى العصر الأول بالهجاء، الذى تعارفوه والرسم الذى ألفوه، وذلك غاية جهدهم ومبلغ علمهم.
2-
وإن الإملاء مهما تطور رسمه وتعددت مناحيه فإنه لا يغير نطقا ولا يحرف معنى.
3-
وإن رسم المصحف إنما كان باصطلاح من الصحابة، ولهذا تجوز مخالفته.
4-
وأن ما جاء من وجوب رسم المصحف إنما كان فى الصدر الأول والعلم غض، وأما الآن فقد يخشى الالتباس.