الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقسم الأول من السورة فيه نداوة الفجر وجماله. وفضل الليالي العشر، وثواب الشفع والوتر من الصلاة.
والقسم الثاني ينتهي بالدال، وفيه بيان القوة في الانتقام من الظالمين.
وقد ذكر الفيروزآبادي أن معظم مقصود السورة ما يأتي: «تشريف العيد وعرفة، وعشر المحرّم، والإشارة الى هلاك عاد وثمود وأضرابهم، وتفاوت حال الإنسان في النعمة، وحرصه على جمع الدنيا والمال الكثير، وبيان حال الأرض في القيامة، ومجيء الملائكة، وتأسّف الإنسان يومئذ على التقصير والعصيان وأنّ مرجع العبد المؤمن عند الموت إلى الرحمن والرّضوان ونعيم الجنان» .
مع آيات السورة
[الآية 1] : أقسم الله سبحانه وتعالى بالفجر، وهو الوقت الذي يدبر فيه الليل، ويتنفّس الصباح في يسر وفرح وابتسام، وإيناس ودود نديّ، ويستيقظ الوجود رويدا رويدا.
[الآية 2] : وَلَيالٍ عَشْرٍ (2) قيل هن العشر الأوائل من المحرّم، وقيل العشر الأواخر من رمضان، وفيها ليلة القدر، وقيل هي العشر الأوائل من ذي الحجة وفيها يوم عرفة وعيد الأضحى.
[الآية 3] : وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) أي الزوج والفرد من الأعداد، والشفع والوتر من الصلاة، أو أيّام التشريق وفيها رمي الجمار بمنى، فمن شاء رمى في يومين ومن شاء مكث ثلاثة أيام.
واليومان: شفع، والثلاثة: وتر، قال تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة/ 203] .
[الآية 4] : وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (4) أي يسرى فيه، كما يقال ليل نائم، أي ينام فيه. وقيل معنى وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (4) أي ينصرم وينقضي مسافرا بعيدا، ويسري راحلا، وأصله يسري فحذفت الياء لدلالة الكسرة عليها في الوصل، وحذفت الياء، مع الكسرة في الوقف.
[الآية 5] : هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) : أي هل في ما أقسمت به، من جمال الفجر، وجلال الأيّام العشر، وثواب الشفع والوتر، ولطف الليل إذا يسر، مقنع لذي لبّ وعقل.
وسمّي العقل حجرا لأنه يمنع صاحبه عن الشر، ويحجره عمّا لا يليق.
[الآيات 6- 8] : ألم تعلم يا محمّد، أو ألم تعلم أيّها المخاطب، كيف فعل ربّك بعاد، وهم الذين أرسل إليهم هود عليه السلام فكذّبوه، ومن قبيلة عاد «إرم» وكانوا طوال الأجسام، أقوياء الشكيمة، يقطنون ما بين عمان وحضرموت واليمن، وكانوا بدوا ذوي خيام تقوم على عماد، وقد وصفوا في القرآن بالقوة والبطش، فقد كانت قبيلة عاد أقوى قبيلة في وقتها وأميزها:
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (8) في ذلك الأوان.
[الآية 9] : وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (9) وكانت ثمود تسكن بالحجر، في شمال الجزيرة العربية بين المدينة والشام، وقد قطعت الصخر وشيّدته قصورا، كما نحتت في الجبال ملاجئ ومغارات.
[الآية 10] : وَفِرْعَوْنَ [الآية 10] وهو حاكم مصر في عهد موسى عليه السلام، وهو صاحب المباني العظيمة والهياكل الضخمة، التي تمثّل شكل الأوتاد المقلوبة. وقيل الأوتاد تعني القوّة والملك الثابت، لأنّ الوتد هو ما تشدّ إليه الخيام لتثبيتها، واستعمل هنا مجازا إشارة إلى بطشه، وحكمه الوطيد الأركان.
وقد جمع الله، سبحانه، في هذه الآيات القصار، مصارع أقوى الجبارين، الذين عرفهم التاريخ.
[الآيات 11- 14] : الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (12) أي هؤلاء الذين سلف ذكرهم، من عاد وثمود وفرعون وجنده، جميعا تجاوزوا الحدّ وكفروا بنعمة الله عليهم، وأكثروا في البلاد الفساد، وارتكاب المعاصي، فكفروا وقتلوا وظلموا، فأنزل الله عليهم العذاب بشدّة مع توالي ضرباته.
وقد شبه الله تعالى ما يصبّه عليهم من ضروب العذاب بالسّوط، من قبل أنّ السّوط يضرب به في العقوبات، وما وقع بهم من ألوان العذاب، كان عقوبة لأنواع الظلم والفساد. إنّ الله سبحانه وتعالى يرى ويحسب ويحاسب، ويجازي وفق ميزان دقيق لا يخطئ ولا يظلم، وقد سجّل الله عليهم أعمالهم كما يسجّل الراصد الذي يرقب فلا يفوته شيء.
[الآيتان 15 و 16] : إنّ الإنسان إذا اختبره الله سبحانه وتعالى: فوسّع عليه في الرزق، وبسط له في النعمة، ظنّ
غرورا أنّ الله راض عنه، وتخيّل أنه لن يحاسبه على ظلمه وأفعاله.
وإذا امتحنه بالفقر فضيّق عليه رزقه وقتره، فلم يوسع عليه، فيقول إنّ ربي أذلّني بالفقر، ولم يشكر الله على ما وهبه له، من سلامة الجوارح، وما رزقه من الصّحة والعافية.
قال الإمام محمد عبده: «وأنت ترى أنّ أحوال الناس إلى اليوم لا تزال كما ذكر الله في هذه الآية الكريمة، فإنّ أرباب السلطة والقوة يظنون أنهم في أمن من عقاب الله، ولا يعرفون شيئا من شرعه يمنعهم عن عمل ممّا تسوق إليه شهواتهم، وإنّما يذكرون الله بألسنتهم، ولا تتأثّر قلوبهم بهذا الذكر.
وقريب من هذه المعاني قوله تعالى:
إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)[المعارج] .
«تعلم أن المخاطبين بهذه الآيات كانوا يزعمون أنهم على شيء من دين إبراهيم (ع) ، أو أنهم كانوا يدّعون أنّ لهم دينا يأمرهم وينهاهم، ويقرّبهم إلى الله زلفى، فإذا سمعوا هذا التهديد وذلك الوعيد، وسوست لهم نفوسهم بأن هذا الكلام إنّما ينطبق على أناس ممّن سواهم أمّا هم، فلم يزالوا من الشاكرين الذاكرين غير الغافلين» ، فالله جل جلاله يردّ عليهم زعمهم ويقيم لهم دليلا واضحا على كذب ما تحدّثهم به أنفسهم، ويقول:
[الآية 17] : كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) أي لو كان غنيّكم لم يعمه الطّغيان، وفقيركم لم يطمس بصيرته الهوان، لشاطرتم اليتيم إحساسه، فواسيتموه وعطفتم عليه، حتّى ينشأ كريم النفس.
[الآية 18] : وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (18) وقد كان مجتمع مكّة مجتمع التكالب على جمع المال بكافّة الطرق، فورثت القلوب القسوة والبخل، وانصرفت عن رحمة اليتيم، وعن التعاون على رحمة المسكين.
[الآية 19] : وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا (19) والتراث هو الميراث الذي يتركه من يتوفّى، أي إنّكم تشتدّون في أكل الميراث حتّى تحرموا صاحب الحقّ حقّه.
[الآية 20] : وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (20) وتميلون إلى جمع المال ميلا شديدا، يصل الى حدّ الشراهة.
[الآيات 21- 24] : كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) ، ودكّ الأرض تحطيم معالمها وتسويتها، وهو أحد الانقلابات الكونيّة، التي تقع في يوم القيامة.
يرد الله سبحانه وتعالى عن مقالتهم وفعلهم، وينذرهم أهوال القيامة، إذا دكّت الأرض وأصبحت هباء منبثّا، وزلزلت زلزالا شديدا، وتجلّت عظمة الله سبحانه، ونزلت ملائكة كلّ سماء فيصطفّون صفّا بعد صفّ، بحسب منازلهم ومراتبهم، وكشفت جهنّم للناظرين، بعد أن كانت غائبة عنهم، قال تعالى: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (36)[النازعات] .
حينئذ تذهب الغفلة، ويندم الإنسان على ما فرّط في حياته الدنيا، ويتذكّر معاصيه، ويتمنّى أن يكون قد عمل صالحا في دنياه، لينفعه في حياته الآخرة، التي هي الحياة الحقيقية.
وتتبع الحسرة والذكرى الأليمة من فرّط في حقوق الله، فيتذكّر بعد فوات الأوان، ويتمنّى أن يكون قد عمل الصالحات.
[الآيتان 25 و 26] : فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (25) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (26) الوثاق: الشّدّ بالأغلال.
في هذا اليوم العصيب نرى لونا متفردا من ألوان العذاب، لقد كان
(1) . في ظلال القرآن للأستاذ سيّد قطب، 30/ 157، بتصرّف.