الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويلحف في طلب العلم، [الآيات 1- 16] .
ويعالج المقطع الثاني جحود الإنسان، وكفره الفاحش لربّه، وهو يذكّره بمصدر وجوده وأصل نشأته، وتيسير حياته، وتولّي ربّه له في موته ونشره، ثمّ تقصير الإنسان بعد ذلك في أمر ربّه [الآيات 17- 23] .
والمقطع الثالث يعالج توجيه القلب البشري إلى أمسّ الأشياء به، وهو طعامه وطعام حيوانه، وما وراء ذلك الطعام من تدبير الله وتقديره له:
[الآيات 24- 32] .
والمقطع الأخير يعرض الصّاخّة التي يشتد هولها، ويذهل الإنسان بها عمّا عداها، وتنقسم الوجوه إلى ضاحكة مستبشرة، وعابسة مغبرّة:[الآيات 33- 42] .
وتسكب السورة الإحساس بقدرة هذا الكتاب الخارقة على تغيير موازين الجاهلية، وتصحيح القيم، وتغيير المثل الأعلى، فبعد أن كان احترام الإنسان لجاهه أو ماله، أو منصبه ومركزه، أو مظاهر سطوته وجبروته وقوّته، أصبح المثل الأعلى في الإسلام طلب الحق والهدى، والتزام هدى السماء، ومراقبة الله والتزام أوامره، والعمل بأحكامه، وصدق الله العظيم: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات/ 13] . وتبين آية أخرى أن الله جل جلاله يأمرنا بمكارم الأخلاق وينهانا عن المنكرات، فيقول سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)[النحل] .
مع آيات السورة
[الآيتان 1 و 2] : قطّب الرسول (ص) وجهه وأعرض، لأنّ الأعمى جاءه وقطع كلامه. وفي العدول عن الخطاب للغيبة التفات بلاغي، سرّه عدم توجيه اللوم والعتاب إلى الرسول (ص) . ثم التفت الى الخطاب بعد هاتين الآيتين، عند ما هدأت ثورة العتاب، وبدأ التلطّف.
[الآيتان 3 و 4] : وما يعلمك لعلّ هذا الرجل الأعمى الفقير يتطهر، ويتحقّق منه خير كبير، ويشرق قلبه بنور الايمان، فتنفعه الموعظة:
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22)[الزمر] .
[الآيات 5- 7] : أمّا من أظهر الاستغناء عنك وعن دينك، وعمّا عندك من الخير والإيمان، فأنت تتصدّى له، وتحفل بأمره، وأنت مبلّغ عن الله، عليك البلاغ، وليس عليك هداهم، ولا يضيرك إعراضهم.
[الآيات 8- 10] : وأمّا عبد الله بن أمّ مكتوم، الذي جاءك طائعا مختارا ساعيا يخشى ويتوفّى، فأنت تتشاغل عنه بهؤلاء الأشراف من قريش ثم تتصاعد نبرة العتاب لتبلغ حدّ الردع والزجر.
[الآيات 11- 16] : (كلا) ، لا يكن ذلك أبدا.
إنّ هداية القرآن غالية عالية، فمن شاء اهتدى بها وتذكّر أحكامها، واتّعظ بها وعمل بموجبها. وهذا الوحي كريم على الله، كريم في كل اعتبار، منزّه عن النقص والضلالة، قد دوّن في صحف مكرّمة ذات شرف ورفعة، مطهّرة من النقائص والضلالات، تنزّل بواسطة الملائكة على الأنبياء، وهم يبلّغونها للناس. والملك سفير لتبليغ وحي السماء، والرسول سفير لتبليغ الدعوة إلى الناس، وهم كرام أبرار أطهار لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
وقد بلّغ النبي الكريم وحي السماء، وغيّر كثيرا من المفاهيم السائدة، وجعل أسامة بن زيد أميرا على جيش به أجلّاء الصحابة، ووضع في نفوس أصحابه تقدير الناس بأعمالهم فقط لا بأحسابهم وأنسابهم يقول عمر بن الخطاب (رض) :«لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته» . ويقول عمر أيضا: «أبو بكر سيّدنا وأعتق سيّدنا» أي أنّ أبا بكر (رض) أعتق بلالا (رض) مؤذّن الرسول الأمين (ص) .
[الآيات 17- 23] : قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (17) دعاء على الكافر، فإنه ليستحقّ القتل على شدة كفره وجحوده، ونكرانه لنعم الله عليه، لماذا يتكبّر وهو مخلوق من أصل متواضع زهيد، يستمدّ كلّ قيمة من فضل الله ونعمته، ومن تقديره وتدبيره. لقد خلقه الله من نطفة، فمرّت النطفة بأطوار كثيرة، في بطن الأم، ومرّ هو
بأطوار عدّة خارج بطنها، رضيعا فطفلا فشابّا فكهلا فشيخا. ثمّ يسّر الله له سبيل الهداية، ومنحه العقل والإرادة، ومكّنه من القدرة على الاختيار، وعرّفه عاقبة كلّ عمل ونتيجته قال تعالى:
إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3)[الإنسان] ، أي بيّنّا له الطريق ومنحناه القدرة على الاختيار، وبيّنا له سبيل الهدى والضلال، فإمّا أن يشكر ربه ويمتثل لأمره، وإمّا أن يكفر بنعمه ويخالف أمره حتّى إذا انتهت حياة الإنسان سلب الله روحه، ومنّ عليه بالموت وهو نعمة كبرى، ولولا الموت لأكل الناس بعضهم بعضا، ولضاقت الأرض بمن عليها. ومن نعم الله أن شرّع دفن الميت، وحفظه في باطن الأرض، حتّى لا يترك على ظهرها للجوارح والكواسر.
ومن نعم الله، أيضا، أن يبعث الموتى، وينشرهم ويخرجهم من قبورهم، لمكافأة الطائع ومعاقبة العاصي.
عجبا للإنسان الجاحد، فإنه بالرغم من النعم الظاهرة والباطنة، التي أحاطه الله تعالى بها، لم يمتثل ما أمره به.
[الآيات 24- 33] : فليتأمل الإنسان تدبير الله، لإمداده بأسباب الحياة والنموّ، ولينظر إلى ألصق شيء إليه، وألزم شيء له، وهو الطّعام، كيف يسّر الله الحصول عليه فقد أنزل له سبحانه المطر من السماء، فانتفعت به الأرض، وانشقّت عنه ثمانية أنواع من النبات هي:
1-
الحبّ كالحنطة والشعير والأرزّ.
2-
العنب والفاكهة.
3-
القضب، وهو ما يؤكل من النبات رطبا وغضّا طريّا.
4 و 5- الزيتون والنخل، وفيهما من القيمة الغذائية الشيء الكثير، والبلح طعام الفقير وحلوى الغنيّ، وزاد المسافر والمقيم.
6-
بساتين ذات أشجار ضخمة مثمرة، وذات حوائط تحيط بها، غُلْباً (30) جمع غلباء أي ضخمة عظيمة، ملتفّة الأشجار.
7-
وفاكهة يتمتّع الإنسان بأكلها، كالتّين والتّفّاح والخوخ وغيرها.
8-
والأبّ، أي مرعى الحيوان خاصة.
تلك قصّة الطّعام الذي أنبتته يد