الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «المطفّفين»
«1»
أقول: الفصل بهذه السورة، بين الانفطار والانشقاق، التي هي نظيرتها من خمسة أوجه: الافتتاح ب إِذَا السَّماءُ [الانفطار/ 1] والتخلص ب يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ [الانفطار/ 6] ، وشرح حال يوم القيامة ولهذا ضمّت بالحديث السابق، والتناسب في المقدار، وكونها مكّيّة.
وهذه السورة مدنيّة، ومفتتحها ومخلصها غير مآلها، لنكتة ألهمنيها الله. وذلك أن السور الأربع، لمّا كانت في صفة حال يوم القيامة، ذكرت على ترتيب ما يقع فيه.
فغالب ما وقع في التكوير، وجميع ما وقع في الانفطار، وقع في صدر يوم القيامة، ثم بعد ذلك يكون الموقف الطويل، ومقاساة العرق والأهوال، فذكره في هذه السورة بقوله تعالى:
يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (6) .
ولهذا ورد في الحديث: «يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه» «2» .
ثم بعد ذلك تحصل الشفاعة العظمى، فتنشر الكتب، فأخذ باليمين، وأخذ بالشمال، وأخذ من وراء الظهر، ثم بعد ذلك يقع الحساب.
هكذا وردت بهذا الترتيب الأحاديث فناسب تأخير سورة الانشقاق التي فيها إتيان الكتب
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية، 1398 هـ/ 1978 م.
(2)
. أخرجه البخاري في التفسير 6/ 207 عن ابن عمر، وأحمد في المسند مع اختلاف في اللفظ 2/ 13، 19 وعلى المطابقة 2/ 31.
والحساب «1» ، عن السورة التي قبلها، والتي فيها ذكر الموقف عن التي فيها مبادئ يوم القيامة.
ووجه آخر، وهو: أنه جل جلاله لما قال في الانفطار: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10) كِراماً كاتِبِينَ (11) . وذلك في الدنيا، ذكر في هذه السورة حال ما يكتبه الحافظان، وهو: كتاب مرقوم جعل في علّيّين، أو في سجّين، وذلك أيضا في الدنيا، لكنّه عقّب بالكتابة، إمّا في يومه، أو بعد الموت في البرزخ كما في الآثار. فهذه حالة ثانية في الكتاب ذكرت في السورة الثانية. وله حالة ثالثة متأخّرة فيها، وهي أخذ صاحبه باليمين أو غيرها، وذلك يوم القيامة، فناسب تأخير السورة التي فيها ذلك، عن السورة التي فيها الحالة الثانية، وهي الانشقاق، فلله الحمد على ما منّ بالفهم لأسرار كتابه.
ثم رأيت الإمام فخر الدين قال في سورة المطفّفين أيضا: اتصال أوّلها بآخر ما قبلها ظاهر، لأنّه تعالى بيّن هناك أن يوم القيامة من صفته: لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار/ 19] وذلك يقتضي تهديدا عظيما للعصاة، فلهذا أتبعه بقوله سبحانه: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) .
(1) . وذلك في قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7)[الانشقاق]، إلى قوله: وَيَصْلى سَعِيراً (12)[الانشقاق] .