الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول أهداف سورة «الليل»
«1»
سورة «الليل» سورة مكّيّة، آياتها إحدى وعشرون آية، نزلت بعد سورة «الأعلى» .
وتصف السورة مشاهد الكون، ومظاهر القدرة، وتقرير حقيقة العمل والجزاء، وتبيّن أنّ الجزاء الحق من جنس العمل.
ونلاحظ في السورة التقابل بين الليل والنهار، والذكر والأنثى، ومن أعطى واتقى، ومن بخل واستغنى، وبين الأشقى الذي كذّب وتولّى، والأتقى الذي يؤتي ماله يتزكّى، وهذا من بدائع التناسق في التعبير القرآني.
مع آيات السورة
[الآيات 1- 4] : وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (1) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (2) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) .
يغشى: يغطي كل شيء فيواريه بظلامه.
تجلّى: ظهر وانكشف بظهوره كل شيء.
وما خلق: والذي خلق.
شتّى: واحدها شتيت، وهو المتباعد بعضه عن بعض.
يقسم الله سبحانه وتعالى بالليل حينما يغشى البسيطة، ويغمرها ويخفيها، وبالنهار حينما يتجلّى ويظهر، فيظهر في تجلّيه كل شيء ويسفر.
ويقسم بالقادر العظيم الذي خلق
(1) . انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1979- 1984.
الذكر والأنثى، وميّز بين الجنسين مع أن المادة التي تكوّنا منها مادة واحدة، والمحلّ الذي تكوّنا فيه محل واحد.
يقسم الله بهذه الظواهر، والحقائق المتقابلة في الكون وفي الناس، على أن سعي الناس مختلف، وعملهم متباعد ومتفرّق، فمنه السّيئ ومنه الحسن، ومنه التقوى ومنه الفجور، ومنه ما يجازى عليه بالنعيم المقيم، ومنه ما يعاقب عليه بالعذاب الأليم.
[الآيات 5- 11] : فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (11) .
أعطى: بذل ماله.
اتقى: خاف عذاب الرحمن واجتنب المحارم.
الحسنى: الكلمة الحسنى وهي مؤنث الأحسن فسنيسّره: فسنهيّئه.
لليسرى: لليسر والسهولة.
العسرى: العسر والعنت والمشقة.
تردّى: هلك، وهو تفعّل من الردى.
فأما من أعطى الفقراء، وأنفق المال في وجوه الخير، وراقب الله وابتعد عن المحرّمات، وأيقن أنّ الله سيخلف عليه ما أنفق، مصدّقا بالفضيلة، ومميّزا بينها وبين الرذيلة، وابتعد من طريق الغواية، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) فسنجعل اليسر يفيض من نفسه على كل ما حوله، وعلى كلّ من حوله، اليسر في خطوه، واليسر في طريقه، واليسر في تناوله للأمور كلها، والتوفيق الهادئ المطمئن في كليّاتها وجزئيّاتها.
وأمّا من بخل بماله، واستغنى عن ربّه وهداه، وكذّب بالدين الحقّ، ولم يصدّق بأنّ الله سيخلف على المنفقين، وسيجزي المحسنين، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) فيسلب الله منه الهدى واليسر، ويحرمه كلّ تيسير، وبجعل في كلّ خطوة من خطاه مشقّة وحرجا، ينحرف به عن طريق الرشاد، فإذا تردّى وسقط في نهاية العثرات والانحرافات، لم يغن عنه ماله الذي بخل به، والذي استغنى به كذلك عن الهدى والسداد.
[الآيات 12- 21] :
تلظّى: أصله تتلّظى، أي تتوقّد وتلتهب.
لا يصلاها: لا يحترق بها.
الأشقى: من هو أشدّ شقاء من غيره.
كذّب: كذّب الرسول فيما جاء به عن ربه.
تولّى: أعرض عن طاعة ربه.
يتزكّى: يتطهّر.
تجزى: تجازى وتكافأ.
[الآية 12] : إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (12) أي أنّا خلقنا الإنسان وألهمناه التمييز بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، ثم أرسلنا له الرسل، وأنزلنا له الكتب لترشده الى الهداية والإيمان.
[الآية 13] : وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13) وأنّا المالكون لكل ما في الآخرة ولكلّ ما في الأولى، فأين يذهب من يريد أن يذهب بعيدا من الله؟
[الآيتان 14 و 15] : فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14) لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) وأنّ من هداية الله للبشر، أن خوّفنا رسوله الكريم محمد (ص) نارا تلظّى:
تتسعّر، وتشتدّ ألسنة لهبها، هذه النار لا يقاسي حرها إلّا أشدّ الناس شقاوة، وهو الكافر.
[الآية 16] : الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) الذي كذّب بالدعوة، وكذّب الرسول (ص) فيما جاء به عن ربّه من الآيات، وأعرض أيضا عن اتّباع شرائعه، وانصرف عن الحق دون دليل يستند إليه، حتّى صار التكذيب والإعراض أبرز أوصافه.
[الآيتان 17 و 18] : وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) وسيبعد عن النار من اتقى الله، وابتعد عن الموبقات، الذي ينفق أمواله في وجوه البر، طالبا بذلك طهارة نفسه، وقربها من ربه، ولا يريد بذلك رياء على معروف، وانّما يقدم الخير ابتغاء مرضاة الله، وحبّا في ذاته سبحانه.
ولسوف يرضى من فعل ذلك بأحسن ثواب، في أفضل مكان وفي أحسن جوار.
روي أنّ هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق (رض) ، وقد كان من أمره أنّ بلال بن رباح، وكان مولى لعبد الله بن جدعان، دخل في الإسلام، فكان سيده يعذّبه، ويخرجه إلى الرمضاء في حرّ الظهيرة، ويضع الحجر على بطنه، ويقول له لا تزال كذلك حتى تموت، أو تكفر بمحمّد، فلا يزيد بلال على أن يقول أحد أحد.