الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الحديد»
«1»
تاريخ نزولها ووجه تسميتها
نزلت سورة «الحديد» بعد سورة «الزّلزلة» ، ونزلت سورة «الزلزلة» بعد سورة «النساء» ، وكان نزول سورة «النساء» فيما بين صلح الحديبية وغزوة تبوك، فيكون نزول سورة «الحديد» في ذلك التاريخ أيضا.
وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم، لقوله تعالى في الآية 25 منها: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وتبلغ آياتها تسعا وعشرين آية.
الغرض منها وترتيبها
الغرض من هذه السورة الدعوة إلى الإيمان بالله ورسوله، والإنفاق في سبيله وقد ذكرت هذه السورة بعد السورة السابقة، لأنّها ختمت بأمر النبي (ص) بتسبيح ربّه العظيم، فجاءت هذه السورة بعدها، وأوّلها في بيان أنّ كل ما في السماوات والأرض يسبّح بحمده.
الدعوة إلى الإيمان والإنفاق في سبيله الآيات [1- 29]
قال الله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) فذكر، سبحانه، أن كل ذلك يسبّح بحمده، وأنّ له ملكه، وأنّه يحيي ويميت، إلى غير هذا ممّا يوجب
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفني في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي، مكتبة الآداب بالجمايز- المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة، القاهرة، غير مؤرّخ.
الإيمان به جلّ شأنه وبرسوله محمد (ص) . وذكر أن رسوله إنما يدعوهم ليؤمنوا به، وقد أخذ ميثاقهم بهذا منذ خلقهم، وأنه جاءهم بكتاب ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ثم دعاهم إلى الإنفاق في سبيله، وفضّل من أنفق وقاتل قبل الفتح، على من أنفق وقاتل بعده، ووعد من ينفق في سبيله بأن يضاعفه له يوم القيامة، ويكون لهم فيها نور يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ويقول المنافقون والمنافقات ممّن لم ينفقوا في سبيله للذين آمنوا أو أنفقوا انظروا لنقتبس من نوركم، فيقال لهم: ارجعوا وراءكم، ويحال بينهم وبينهم إلى غير هذا من التحاور الذي يجري بينهم في ذلك اليوم ثم ذكر تعالى أنه حان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل، فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم، ثمّ ذكر من آياته جلّ وعلا أنّه يحيي الأرض بعد موتها، لتخشع قلوبهم له، ورغّبهم في الإيمان به وبرسله، بأنّ الذين آمنوا به سبحانه، وبرسله، هم الصّديقون والشهداء، ولهم أجرهم ونورهم، والذين كفروا وكذّبوا بآياته هم أصحاب الجحيم، ثمّ هوّن لهم أمر الحياة الدنيا فذكر عز وجل أنها لعب ولهو إلى غير هذا مما هوّن به أمرها، وأمرهم أن يسابقوا إلى ما هو أعظم منها من نيل مغفرته وجنّته ثم ذكر أنّ ما يصيبهم في الأرض من قحط ونحوه، وفي أنفسهم من شرّ أو خير، فبقضائه وقدره. فلا يصحّ أن يحزنوا على ما فاتهم أو يفرحوا بما آتاهم، ليهوّن عليهم الإنفاق والجهاد في سبيله، ويحذّرهم من البخل والأمر به، ثم أشارت الآيات إلى أنّ ما يأمرهم به تعالى من ذلك، هو الذي أرسل به رسله بالبيّنات، وأنزل معهم الكتاب والميزان، ليقوم الناس بالقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس، وليعلم من ينصره ورسله بالجهاد به في سبيله وذكر سبحانه من أولئك الرسل نوحا وإبراهيم (ع) وأنه جعل في ذرّيتهما النبوّة والكتاب، ثمّ قفّى على آثارهم برسله، وقفى بعدهم بعيسى ابن مريم (ع) ، فأخذ بهدايتهم قليل من أتباعهم، وفسق كثير منهم ثم أمر هذه الأمّة أن تؤمن بالله ورسوله، الذي جاء
مصدّقا لأولئك الرسل، وذكر أنه يعطيهم نصيبين من رحمته بإيمانهم برسالتهم ورسالة أهل الكتاب قبلهم ثم رغّبهم في ذلك بأنهم ينالون به فضلا، يرى أهل الكتاب أنّه خاص بهم، فقال تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) .