الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول أهداف سورة «الحشر»
«1»
سورة الحشر سورة مدنية، آياتها 24 آية، نزلت بعد سورة البيّنة.
نزلت هذه السورة في بداية السنة الرابعة من الهجرة، بعد غزوة أحد، وقبل غزوة الأحزاب، وهي تحكي قصّة
غزوة بني النضير
، ولكنّها، على طريقة القرآن الكريم، تحكي أحداث الغزوة، وما صاحب هذه الأحداث وتربّي النفوس وتؤكد على معالم الإيمان، وبذلك يكون القصص هادفا، ورواية الأحداث وسيلة عملية لتقويمها، ومعرفة حكم الله فيها، واستنباط العظة والعبرة منها.
والقرآن الكريم فيه القصة، وفيه أحداث التاريخ، وفيه العظة والعبرة، وفيه الحكم والتشريع، وفيه التهذيب والتربية، وقد استطاع أن يمزج ذلك كلّه بطريقته الخاصة، ليصل به إلى قلب المؤمن، وليسهم في بناء الفرد الصالح والأسرة الصالحة، والمجتمع الصالح والأمة الصالحة.
قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:
110] .
غزوة بني النضير
قدم رسول الله (ص) المدينة ومعه رسالته الهادية، وقد آمن به جمع من المهاجرين والأنصار، ثم عقد معاهدات مع يهود المدينة على حرّية الأديان، وعلى المعايشة السلمية في
(1) . انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1979- 1984.
المدينة، وعلى ألّا يكون اليهود لا عليه ولا له.
«وكان يهود بنو النضير حلفاء الخزرج، وبينهم وبين المسلمين عهود خاصة يأمن بها كل منهم الاخرة» لكنّ بني النضير لم يوفوا بهذه العهود، حسدا منهم وبغيا، فقد ذهب رسول الله (ص) في عشرة من أصحابه الى محلة بني النضير، يطلب منهم المشاركة في أداء دية قتيلين، بحكم ما بينه وبينهم من عهود، فاستقبله اليهود بالبشر والتّرحاب، ووعدوا بأداء ما عليهم بينما كانوا يدبّرون أمرا لاغتيال رسول الله (ص) ومن معه، وكان (ص) ، جالسا إلى جدار من بيوتهم، فقال بعضهم لبعض: إنّكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، فهل من رجل منكم يعلو هذا البيت فيلقي صخرة عليه فيريحنا منه؟ فقال عمرو بن جحاش بن كعب: أنا لذلك، فصعد ليلقي صخرة على رسول الله (ص) ، فاطّلع (ص) على قصدهم، فقام كأنّما ليقضي أمرا فلما غاب استبطأه من معه، فخرجوا من المحلّة يسألون عنه، فعلموا أنه دخل المدينة.
وأمر رسول الله (ص) ، بالتهيؤ لحرب بني النّضير، لظهور الخيانة منهم، ونقض عهد الأمان الذي بينه وبينهم، وكان قد سبق هذا إقذاع كعب بن الأشرف، من بني النضير، في هجاء رسول الله (ص) وما قيل من أنّ كعبا ورهطا من بني النضير، اتصلوا بكفار قريش اتصال تامر وتحالف وكيد، ممّا جعل رسول الله (ص) يأذن لمحمد ابن مسلمة في قتل كعب بن الأشرف، فقتله. فلما كان التبييت للغدر برسول الله (ص) في محلة بني النضير، لم يبق مفر من نبذ عهدهم.
ثم أرسل النبي (ص) إليهم، محمد بن مسلمة ليقول لهم اخرجوا من بلادي فقد هممتم بالغدر.
وتجهز الرسول (ص) لقتال بني النضير، وحاصر محلّتهم، وأمهلهم ثلاثة أيام، وقيل عشرة، ليفارقوا المدينة، على أن يأخذوا أموالهم، ويقيموا وكلاء عنهم على بساتينهم ومزارعهم.
وتهيّأ بنو النضير للرحيل ولكنّ المنافقين في المدينة، أرسلوا إليهم يحرّضونهم على الرفض والمقاومة، وقالوا لهم لا تخرجوا من دياركم، وتمنّعوا في حصونكم ونحن معكم إن
قوتلتم قاتلنا معكم وان أخرجتم خرجنا معكم وقد حكى القرآن عمل المنافقين وشهّر بنفاقهم وكذبهم، قال تعالى:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) .
وقد طمع اليهود في معونة المنافقين ومؤازرتهم، فتحصّنوا في حصونهم، وتأخروا عن الجلاء، وظنوا أنّهم مانعتهم حصونهم من الله، فحاصرهم (ص) وضيّق عليهم الخناق، ثم أمر بقطع نخيلهم ليكون ذلك أدعى الى تسليمهم، ثم قذف الله الرعب في قلوب اليهود، ولم يجدوا معونة من المنافقين، ويئسوا من صدق وعودهم، فسألوا رسول الله (ص) أن يجليهم ويكف عن دمائهم، وأنّ ما لهم ممّا حملت الإبل من أموالهم إلّا آلة الحرب. فأجابهم النبي (ص) إلى طلبهم، وصار اليهود يخرّبون بيوتهم بأيديهم، كي لا يسكنها المسلمون.
ولمّا سار اليهود، نزل بعضهم بخيبر، ومن أكابرهم حيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق.
ومنهم من سار الى أذرعات بالشام، وقد أسلم منهم اثنان: يامين بن عمرو، وأبو سعد بن وهب.
وكانت أموال بني النضير فيئا خالصا لله وللرسول، ولم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فقسّمها رسول الله (ص) بين المهاجرين خاصة، دون الأنصار، عدا رجلين من الأنصار فقيرين، هما سهل بن حنيف، وأبو دجانة سماك بن خرشة وكان المهاجرون قد تركوا بلادهم وأموالهم، وهاجروا فرارا بدينهم الى المدينة وقد استقبلهم الأنصار، بالبشر والتّرحاب، والمعونة الصادقة، والإيثار الكريم.
فلما فاتت الفرصة، وزّع النبي (ص) الفيء على المهاجرين خاصة لتحسين أحوالهم المادّية، ولكي لا يكون المال متداولا بين الأغنياء وحدهم.
قال تعالى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ