الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «الذاريات»
«1»
إن قيل: لم قال تعالى: إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (5) و «الصادق» وصف القائل لا وصف الوعد؟
قلنا: قيل «صادق» بمعنى «مصدوق» كقوله تعالى: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21)[الحاقة] وقوله: ماءٍ دافِقٍ (6)[الطارق] وقيل معناه «لصدق» ، فإن المصدر قد جاء على وزن اسم الفاعل كقولهم:
قمت قائما، وقولهم: لحقت بهم اللائمة: أي اللوم.
فإن قيل: لم قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) والمتقون لا يكونون في الجنة في العيون؟
قلنا: معناه أنهم في الجنات، والعيون الكثيرة محدّقة بهم من كل ناحية، وهم في مجموعها لا في كل عين. ونظيره قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)[القمر] لأنه بمعنى أنهار، إلا أنه- والله أعلم- عدل عنها رعاية للفواصل.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37) ، أي في قرى قوم لوط (ع) ، وقرى قوم لوط ليست موجودة، فكيف توجد فيها العلامة؟
قلنا: الضمير في قوله تعالى فِيها عائد إلى تلك الناحية والبقعة لا إلى مدائن قوم لوط. الثاني: عائد إليها، ولكن «في» بمعنى «من» كما في قوله تعالى: وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً [النحل: 84]، وقوله تعالى: وَارْزُقُوهُمْ فِيها [النساء: 5] . ويؤيد هذا الوجه
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئله القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، ومكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.
مجيئه مصرحا به في سورة العنكبوت بلفظ «من» في قوله تعالى: وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)[العنكبوت] ثم قيل: الآية آثار منازلهم الخربة وقيل هي الحجارة التي أبقاها الله تعالى حتى أدركها أوائل هذه الأمة. وقيل هي الماء الأسود الذي يخرج من الأرض.
فإن قيل: لم قال الله تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ [الآية 49] ، أي صنفين، مع أن العرش والكرسي والقلم واللوح لم يخلق منها إلا واحد؟
قلنا قيل: معناه ومن كل حيوان خلقنا ذكرا أو أنثى. وقيل معناه: ومن كل شيء تشاهدونه خلقنا صنفين كالليل والنهار، والصيف والشتاء، والنور والظلمة، والخير والشر، والحياة والموت، والبحر والبر، والسماء والأرض، والشمس والقمر ونحو ذلك.
فإن قيل: لم قال تعالى هنا: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الآية 50] ، وقال سبحانه، في موضع آخر: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران: 28] ؟
قلنا: معنى قوله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ أي الجأوا إليه بالتوبة، وقيل معناه: ففرّوا من عقوبته إلى رحمته ومعنى قوله سبحانه: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ أي يخوفكم عذاب نفسه أو عقاب نفسه. وقال الزجّاج: معنى «نفسه» «إياه» ، كأنه قال سبحانه وتعالى: يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الأنعام: 52] أي إياه، فظهر أنه لا تناقض بين الآيتين.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) وإذا قلنا، خلقهم للعبادة كان مريدا لها منهم، فكيف أرادها منهم ولم توجد منهم؟
قلنا: فيه وجوه: أحدها أنه عام أريد به الخاص وهم المؤمنون، بدليل خروج البعض منه، بقوله تعالى:
وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [الأعراف: 179] ومن خلق لجهنم لا يكون مخلوقا للعبادة.
الثاني: أنه على عمومه، والمراد بالعبادة التوحيد، وقد وحّده الكل يوم أخذ الميثاق، وهذا الجواب يختص بالإنس، لأنّ أخذ الميثاق مخصوص بهم في الآية. وقيل معناه: إلا ليكونوا عبيدا لي. وقيل معناه: إلا ليذلّوا ويخضعوا وينقادوا لما قضيته وقدّرته
عليهم، فلا يخرج عنه أحد منهم.
وقيل معناه إلّا ليعبدوني إن اختاروا العبادة لا قسرا وإلجاء. وقيل إلا ليعبدوني العبادة المرادة في قوله تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [الرعد: 15] والعموم ثابت في الوجوه الخمسة.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) بعد قوله سبحانه: ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ؟
قلنا: معناه ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ لأنفسهم، وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) :
أي أن يطعموا عبيدي، وإنما أضاف الإطعام إلى ذاته المقدسة لأن الخلق عياله وعبيده، ومن أطعم عيال غيره فكأنه أطعمه، ويؤيّده ما جاء في الحديث الصحيح «إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني» أي استطعمك عبدي فلم تطعمه.